409 جامع الأجوبة الفقهية ص 443
شارك ناصر الريسي وأحمد بن علي وأسامة وعمر الشبلي وأحمد بن خالد
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف الشيخ د. سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——-
بلوغ المرام
147 الى 151
—-
مسألة: وقت الأفضلية صلاة العصر.
صلاة العصر إحدى الصلوات التي وردت النصوص بفضلها وأهميتها، وقد أُطلق عليها في القرآن الكريم “الصلاة الوسطى” في قوله تعالى: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} [البقرة: 238]. واختلف العلماء في أفضلية وقت أدائها، هل الأفضل تعجيلها أم تأخيرها إلى آخر وقتها المختار؟
على النحو التالي:
قال صاحب فتح العلام (1/443):
“ذهب جمهور العلماء إلى استحباب تعجيلها، واستدلوا بأدلة كثيرة منها: حديث أبي برزة الذي في الباب، وحديث جابر الذي في الباب، وفيه: «ويصلي العصر، والشمس نقية»، ومنها: حديث رافع بن خديج رضي الله عنه في «الصحيحين»، ونحوه في «مسلم» عن أنس، قال: كان النبي ﷺ يصلي العصر، ثم تنحر الجزور، فتقسم عشر قسم، ثم نأكل لحماً نضيجاً قبل غروب الشمس.” “وذهب أصحاب الرأي إلى أفضلية تأخير العصر إلى آخر وقتها المختار، وروي ذلك عن طاوس وأبي قلابة، وابن سيرين، وابن شبرمة، وليس معهم دليل على ذلك، والله أعلم.” “وانظر: «المغني» (2/239)، و«الأوسط» (2/234).”
قال ابن المنذر في الأوسط (٢/٣٦٢)
اخْتَلَفَ أهْلُ العِلْمِ فِي تَعْجِيلِ العَصْرِ وتَأْخِيرِها فَقالَتْ طائِفَةٌ: تَعْجِيلُها أفْضَلُ كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ أنَّ وقْتَ العَصْرِ والشَّمْسُ بَيْضاءُ نَقِيَّةٌ بِقَدْرِ ما يَسِيرُ الرّاكِبُ فَرْسَخَيْنِ أوْ ثَلاثَةً. وقالَ جابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: صَلّى أبُو بَكْرٍ العَصْرَ ثُمَّ جاءَنا ونَحْنُ فِي دُورِ بَنِي سَلَمَةَ وعِنْدَنا جَزُورٌ وقَدْ تَشَرَّكْنا عَلَيْها فَنَحَرْناها وجَزَّيْناها وصَنَعْنا لَهُ فَأكَلَ قَبْلَ أنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ. وقالَ نافِعٌ: كانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي العَصْرَ والشَّمْسُ بَيْضاءُ لَمْ تَتَغَيَّرْ مَن أسْرَعَ السَّيْرَ سارَ قَبْلَ اللَّيْلِ خَمْسَةَ أمْيالٍ. انتهى
وقد رجح رحمه الله القول بالتعجيل في أول الوقت فقال في الإشراف (1/398): والأخبار الثابتة عن نبي الله ﷺ تدل على أن أفضل الأمرين تعجيل العصر في أول وقتها. والله اعلم
قال ابن قدامة في المغني (1/ 436)
وأما العصر فتعجيلها مستحب بكل حال وروي ذلك عن عمر وابن مسعود وعائشة وأنس وابن المبارك وأهل المديية و الأوزاعي و الشافعي و إسحاق و روي عن أبي قلابة و ابن شبرمة أنهما قالا : إنما سميت العصر لتعصر – يعنيان أن تأخيرها أفضل وقال أصحاب الرأي : الأفضل فعلها في آخر وقتها المختار. انتهى
جاء في موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي (1/ 131)
جمهور العلماء على أن تقديم (تعجيل) العصر في أول وقتها أفضل، وهو مذهب الشافعي -رحمه الله-.
وقال مالك تُصلَّى العصر والشمس بيضاء نقية، وهو بنحو ما رواه -رحمه الله- عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -. قلت: وهو قريب مما قاله جمهور العلماء. وذهب الثوري وأبو حنيفة وأصحابه إلى أن تأخير العصر أفضل ما لم تتغير الشمس. انتهى
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (2/104):
“يسن في صلاة العصر تعجيلها في أول الوقت ، وذلك لما يلي: لعموم الأدلة الدالة على المبادرة إلى فعل الخير ، كما في قوله تعالى ( فَاستَبِقُوا الخَيرَاتِ) البقرة/148.، ولما ثبت أن الصلاة في أول وقتها أفضل . وكذلك لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي برزة الأسلمي : أنه كان يصلي العصر والشمس مرتفعة . البخاري (547) ، ومسلم (647) ” انتهى
وقد استدل الجمهور على قولهم بأفضلية التعجيل في أول الوقت بالتالي:
حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه: “كان النبي ﷺ يصلي العصر، ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية” (رواه البخاري ومسلم).
حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: “كان النبي ﷺ يصلي العصر، والشمس نقية” (رواه مسلم).
حديث رافع بن خديج رضي الله عنه: “كنا نصلي العصر مع رسول الله ﷺ ثم ينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله” (رواه البخاري ومسلم).
وهنا ننقل ما أورده القدوري الحنفي في كتابه التجريد (1/441) وقد أورد ادلة كل قول والرد عليها كما يلي:
مسألة تأخير العصر ما لم تصفر الشمس أفضل
قال أصحابنا: تأخير العصر ما لم تصفر الشمس أفضل.
وقال الشافعي: تعجيلها أفضل.
لنا: ما روى علي بن شيبان قال: قدمنا على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المدينة، فكان يؤخر العصر ما دامت الشمس بيضاء نقية. وروى رافع بن خديج: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يأمرنا بتأخير العصر، ولا يعترض على هذا قولهم: إنه تفرد به عبد الواحد بن نافع عن عبد الله بن رافع؛ وذلك لأن عبد الواحد بن نافع لم يعترضه الدارقطني بأكثر من قوله: إنه قيل: عبد الواحد بن نافع وقيل: بن نفيع، وهذا جهل؛ لأن نفيع تصغير نافع، فلا يعد اختلافًا.
قالوا: يحتمل أن يكون أمر بذلك في حال الجمع بين الصلاتين، فأمر بتأخير العصر عن الظهر.
قلنا: ظاهر الخبر يقتضي المداومة، وقد فهم الراوي غير هذا؛ لأن عبد الواحد بن نافع قال: مررت بالمدينة فدخلت مسجدا فأقيمت الصلاة -يعني العصر- وفي المسجد شيخ، فلما صلى لام الذي أقام الصلاة، وقال: ما علمت من ابن خديج أخبرني أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يأمر بتأخير هذه الصلاة، فسألت عن الشيخ، قالوا: عبد الله بن رافع بن خديج.
قالوا: قال الدارقطني: روي عن رافع خلاف هذا. وهذا خطأ، إنما روي عن رافع قال: صلينا مع النبي – صلى الله عليه وسلم – العصر، فنحر جزور، فقسم سبعة أقسام وطبخ منه فنضج قبل غروب الشمس، وهذا لا يخالف الأول؛ لأنه حكاية فعل في يوم واحد، فيجوز أن يكون التقديم فيه لعارض. ولأنا بينا أن نحر الجزور وطبخه إذا كان يختلف في العادة لم يدل على الوقت. ولأنها صلاة تلي غروب الشمس فكان فعلها فيما قرب من الغروب أفضل، كالمغرب، ولأنها صلاة تلي غروب الشمس فكان فعلها فيما قرب من الغروب أفضل، كالمغرب، ولأنها صلاة حولت عن وقتها لأجل النسك فكان فعلها في غير حال النسك فيما بعد غير موصع التحويل أفضل، كالمغرب، ولأنه لا يجوز التنفل بعدها، فإذا أخرها جمع بين الفرض وكثرة النفل؛ فكان أولى من أحدهما، ولا يلزم تأخيرها إلى الاصفرار؛ لأن التفضيل يقع بين وقتين جائزين لا كراهة فيهما.
احتجوا: بحديث أنس أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يصلي العصر والشمس
مرتفعة حية، فيذهب الذاهب إلى العوالي فيأتيها والشمس مرتفعة. قال الدارقطني: والعوالي من المدينة على ستة أميال.
قلنا: ذكر أبو داود عن سعيد بن المسيب أن العوالي على ميلين أو ثلاثة، وهذا المقدار يمكن أن يسار إذا صلى في وسط الوقت.
واحتجوا: بحديث الجزور الذي قدمناه، وقد بينا أن هذه الأفعال تختلف بحسب الفاعل، فلا يرجع إليها في التقدير، ولأن معناه قول وفعل، والفعل لا يعارض القول.
قالوا: روي أن عمر بن الخطاب كتب إلى عماله أن صلوا العصر والشمس بيضاء نقية قدر ما يسير الراكب ثلاثة فراسخ.
والجواب: أنه روي أن مؤذن علي جاءه يؤذنه بالعصر وهو في مسجد الكوفة فقال: قد جاء هذا الكذا والكذا يعلمنا السنة! وأخر العصر، حتى لما فرغنا جثونا على الرُّكب ننتظر غروب الشمس، والكوفة يومئذ أخصاص. وكان أصحاب علي وابن مسعود يؤخرون العصر. وروى أبو حنيفة عن خالد
الحذاء عن أبي قلابة قال: ما اجتمع أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كاجتماعهم على تأخير العصر والتبكير بالمغرب والتنوير بالفجر. قال أبو قلابة ومحمد ابن الحنفية وسعيد بن المسيب: إنها سميت العصر لتعصر، فيعارض هذا ما رووه عن عمر بن الخطاب.
قالوا: تعجيل العصر يؤدي إلى كثرة الدعاء بعدها، والدعاء بعد العصر يرجى به ما لا يرجى في غيره.
قلنا: فضيلة صلاة النفل قبل العصر أفضل وأكثر فضيلة من الدعاء، فكان اتساع وقت النفل أولى.انتهى كلامه
وقد رد الجمهور على الحنفية بأن أدلتهم إما ضعيفة من جهة الثبوت أو محتملة من جهة الدلالة.
قال الإتيوبي في ذخيرة العقبى:
قال المباركفوري رحمه الله: حديث عبد الرحمن بن علي بن شيبان ضعيف، فإنه رواه عنه يزيد بن عبد الرحمن بن علي بن شيبان، وهو مجهول، كما صرح به في «التقريب» و«الخلاصة» و«الميزان»، فهذا الحديث الضعيف لا يصلح للاحتجاج به.
قال اللكنوي رحمه الله: وأما الحديث الثاني، فقد رواه الدارقطني في سننه عن عبد الواحد بن نافع، قال: دخلت مسجد الكوفة، فأذن مؤذن بالعصر، وشيخ جالس، فلامه، وقال: إن أبي أخبرني أن رسول الله ﷺ كان يأمر بتأخير هذه الصلاة، فسألت عنه؟ فقالوا: عبد الله بن رافع بن خديج، رواه البيهقي في سننه، وقال: قال الدارقطني فيما أخبرنا عنه أبو بكر بن الحارث: هذا حديث ضعيف الإسناد، والصحيح عن رافع ضده، ولم يروه عن عبد الله بن رافع غير عبد الواحد بن نافع، وهو يروي عن أهل الحجاز المقلوبات، وعن أهل الشام الموضوعات، لا يحل ذكره في الكتب إلاعلى سبيل القدح فيه. انتهى.
ورواه البخاري في تاريخه الكبير في ترجمة عبد الله بن رافع: حدثنا أبو عاصم، عن عبد الواحد بن نافع، وقال: لا يتابع عليه، يعني عن عبد الله بن رافع. وقال ابن القطان: عبد الواحد بن نافع مجهول الحال، مختلف في حديثه. كذا ذكره الزيلعي في تخريج أحاديث الهداية.
قال ابن رجب في فتح الباري (6/ 23)
قَوْلِ أَنَس: مَا أعرف شيئاً مِمَّا كَانَ عَلَى عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم.
قيل الصلاة؟ قَالَ: أليس قَدْ صنعتم ما صنعتم فيها؟
وقد خرجه البخاري فِي موضع آخر.
وخرجه – أيضاً – بلفظ آخر، وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ – وَهُوَ يبكي -: لا أعرف شيئاً مِمَّا أدركت إلا هذه الصلاة وهذه الصلاة قَدْ ضيعت.
وأشار أَنَس إلى مَا أحدثه بنو أمية من تضييع مواقيت الصلاة، وكان أبو الدرداء قَدْ توفى قَبْلَ ذَلِكَ فِي زمن معاوية.
يبين هَذَا: مَا خرجه الإمام أحمد من رِوَايَة ثابت، عَن أَنَس، قَالَ: مَا أعرف فيكم اليوم شيئاً كُنْتُ أعهده عَلَى عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، ليس قولكم: لا إله إلا الله. قُلتُ: يَا أَبَا حَمْزَة الصلاة؟ قَالَ: قَدْ صليتم حِينَ تغرب الشمس، أفكانت تلك صلاة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم؟
وفي رِوَايَة للأمام أحمد من حَدِيْث عُثْمَان بْن سعد، عَن أَنَس، قَالَ: أو ليس قَدْ علمت مَا قَدْ صنع الحجاج فِي الصلاة؟!
وكان هَذَا الإنكار عَلَى الأمراء، كما رَوَى أبو إِسْحَاق، عَن معاوية بْن قرة، قَالَ: دخلت أنا ونفر معي عَلَى أنس بْن مَالِك، فَقَالَ: مَا أمراؤكم هؤلاء عَلَى شيء مِمَّا كَانَ عَلِيهِ مُحَمَّد وأصحابه، إلا أنهم يزعمون أنهم يصلون ويصومون رمضان.
والله أعلم…