(409) و (410) و (411) و (412) و (413) و (414) و (415) و (416) و (417) و (418) عبق الياسمين شرح رياض الصالحين
سلطان الحمادي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘-
50 – باب الخوف
409 – وعن المِقْداد،، قالَ: سَمِعْتُ رسولَ ? يَقُولُ: «تُدْني الشَّمْسُ يَومَ القِيامَةِ مِنَ الخَلْقِ حتّى تَكُونَ مِنهُمْ كَمِقْدارِ مِيل» قالَ سُلَيمُ بْنُ عامرٍ الرّاوي عنْ المِقْداد: فَواللَّهِ ما أدْرِي ما يَعْني بِالميلِ، أمَسافَةَ الأرضِ أمِ المِيل الَّذي تُكْتَحَلُ بِهِ العيْنُ «فَيَكُونُ النّاسُ عَلى قَدْرِ أعْمالِهمْ في العَرَقِ، فَمِنهُمْ مَن يَكُونُ إلى كعْبَيْهِ، ومِنهُمْ مَن يَكُونُ إلى رُكْبَتَيْهِ، ومِنهُمْ منْ يَكون إلى حِقْوَيْهِ ومِنهُمْ مَن يُلْجِمُهُ العَرَقُ إلجامًا» وأشارَ رَسُول اللَّه ? بِيدِهِ إلى فِيه. رواه مسلم.
قوله («تُدْنى الشَّمْسُ يَوْمَ القِيامَة مِنَ الخَلْقِ)؛ أي: الذين اجتمعوا في عرصات الموقف.
قال القرطبيّ قوله:» تُدنى الشمس «، أي: تُقَرَّب، والميل: اسم مشترك بين مسافة الأرض، والمِرْود الذي تُكحل به العين، ولذلك أشكل المراد على سُليم بن عامر، والأولى به هنا: مسافة الأرض، لأنّها إذا كان بينها وبين الرؤوس مقدار المِرْود، فهي متصلة بالرؤوس، لقلّة مقداو المرود. انتهى (المفهم)
قال، الفيّوميّ: المِيلُ بالكسر عند العرب: مقدار مَدى البصر من الأرض، قاله الأزهريّ، وعند القدماء من أهل الهيئة ثلاثة آلاف ذراع، وعند المُحْدَثين أربعة آلاف ذراع، والخلاف لفظيّ؛ لأنهم اتفقوا على أدن مقداره ست وتسعون ألف إصبع، والإصبع ست شُعَيرات، بطن كلّ واحدة إلى الأخرى، ولكن القدماء يقولون: الذراع اثنتان وثلاثون إصبعًا، والمُحْدَثون يقولون: أربع وعشرون إصبعًا، فإذا قُسم الميل على رأي القدماء كلّ ذراع اثنين وثلاثين كان المتحصل ثلاثة آلاف ذراع، وإن قُسم على رأي المُحْدثين أربعًا وعشرين كان المتحصل أربعة آلاف ذراع، والفَرْسَخُ عند الكلّ ثلاثة أميال، وإذا قُدّر المِيلُ بالغلوات، وكانت كلّ غلوة أربعمائة ذراع كان ثلاثين غَلْوة، وإن كان كلّ غلوة مائتي ذراع كان دشين غلوة، ويقال للأعلام المبنية في طريق مكة: أميال؛ لأنها بُنيت على مقادير مَدى البصر من الميل إلى الميل، وإنما أضيف إلى بني هاشم، فقيل: المِيلُ الهاشِمِيُّ؛ لأن بني هاشم حدَّدوه، وأعلموه. انتهى (المصباح المنير)
قال الأتيوبي: الميل بالتقديرات الحديثة: ((1848)) مترًا ((2))، (البحر المحيط و الإيضاحات العصرية)
قال الأصمعيّ وغيره: والعامّة تقول لِما يُكتحل به: مِيلٌ، وهو خطأ، وإنما هو مُلْمُولٌ،
وقال الليث: المِيل: المُلْمُول الذي يُكحَل به البصر، ذكره الفيّوميّ
والحاصل: أن سُليم بن عامر استشكل المراد بالميل؛ لأنه يُطلق على معنيين: الميل الذي هو عبارة عن المسافة المحدّدة التي بيّناها، أو الميل الذي هو عبارة عن عُود صغير، أو نحوه مما يؤخذ به الكحل من المِكحلة، ثم يُمسح به على أجفان العين، فأشكل عليه لهذا، لكن قال الأبيّ: الأولى هنا معنى المسافة؛ لأنها إذا كانت بينها وبين الرؤوس مقدار المِرود تكون متّصلة بالرأس لقلة مقدار المرود. (تحفة الأحوذي)
(قالَ) -?-: («فَيَكُونُ النّاسُ عَلى قَدْرِ أعْمالِهِمْ فِي العَرَقِ)؛ أي: في كثرة العرق، وقلّته، (فَمِنهُمْ مَن يَكُونُ إلى كعْبَيْهِ، ومِنهُمْ مَن يَكُونُ إلى رُكْبَتَيْهِ، ومِنهُمْ مَن يَكُونُ إلى حَقْوَيْهِ) بفتح الحاء المهملة، وتُكسر: موضع شدّ الإزار، وهو الخاصرة، ثم توسعوا، حتى سَمَّوا الإزار الذي يُشدّ على العورة حَقْوًا، والجمع: أحْقٍ، وحُقِيٌّ، مثل فَلْس وفُلُوس، وقد يُجمع على حِقاءٍ، مثل سَهْم وسهام (المصباح المنير).
(ومِنهُمْ مَن يُلْجِمُهُ) بضمّ أوله، من الإلجام، (العَرَقُ إلْجامًا») الإلجام: دخال اللجام في الفم، والمعنى: يَصِل العرق إلى فمه، فيمنعه من الكلام، كاللجام، كذا في «المجمع»، قال ابن الملك: إن قلت: إذا كان العرق كالبحر يُلجم البعض، فكيف يصل إلى كعب الآخر؟ قلنا: يجوز أن يخلق الله تعالى ارتفاعًا في الأرض تحت أقدام البعض، أو يقال: يُمسك الله تعالى عَرَق كل إنسان بحسب عمله، فلا يصل إلى غيره منه شيء، كما أمسك جِرْية الحوت في البحر لموسى -عليه السلام-. قال القاري -?-: المعتمَد هو القول الأخير، فإن أمر الآخرة كله على وفق خرق العادة، أما ترى أن شخصين في قبر واحد، يعذّب أحدهما، وينعَّم الآخر، ولا يدري أحدهما عن غيره. (تحفة الأحوذي)
قال قال القرطبي: وهذا العرق إنما هو لشدّة الضغط، وحرّ الشمس التي على الرؤوس، بحيث تغلي منها الرأس، وحرارة الأنفاس، وحرارة النار المحدقة بأرض المحشر؛ ولأنها تخرج منها أعناق تلتقط الناس من الموقف، فترشح رطوبة الأبدان من كل إنسان بحسب عمله، ثم يجمع عليه ما يرشح منه بعد أن يغوص عرقهم في الأرض مقدار سبعين باعًا، أو ذراعًا، أو عامًا على اختلاف الروايات.
[فإن قيل]: فعلى هذا يكون الناس في مثل البحر من العرق، فيلزم أن يسبح الكل فيها سبحًا واحدًا، فكيف يكونون متفاضلين بعضهم إلى عقبيه، وبعضهم إلى فمه، وما بينهما؟
[قلنا]: يزول هذا الاستبعاد بأوجه، أقربها وجهان: أحدهما: أن يخلق الله تعالى ارتفاعًا في الأرض التي تحت قدم كل إنسان، بحسب عمله، فيرتفع عن الأرض بحسب ارتفاع ما تحته.
وثانيهما: أن يحشر الناس جماعات في تفرقة، فيحشر كل من يبلغ عرقه إلى كعبيه في جهة، وكل من يبلغ حقويه في جهة، وهكذا، والقدرة صالحة لأن تُمسك عرق كل إنسان عليه بحسب عمله، فلا يتصل بغيره، وإن كان بإزائه، كما قد أمسك جرية البحر لموسى -عليه السلام- حيث طلب لقاء الخضر، ولبني إسرائيل حين اتبعهم فرعون، والله تعالى أعلم بالواقع من هذه الأوجه.
والحاصل: أن هذا المقام مقام هائل، لا تفي بهوله العبارات، ولا تحيط به الأوهام، ولا الإشارات، وأبلغ ما نطق به في ذلك الناطقون: {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ ((67)) أنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ ((68))} [ص (67)، (68)]. (المفهم)
قال ابن عثيمين:” هذه الشمس ينجو منها من شاء الله، فإن الله تعالى يظل أقوامًا بظله يوم لا ظل إلا ظله، منهم من سبق ذكره وهم: السبعة الذين بظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في طاعة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال؛ فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه.
وكذلك من أنظر معسرًا، أو وضع عنه، المهم أن هناك أناسًا ينجون من هذه الشمس، فيظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 300)
وقوله: (قالَ) المقداد -?- (وأشارَ رَسُولُ اللهِ -?- بِيَدِهِ إلى فِيهِ)؛ أي: موضّحًا معنى الإلجام، والله تعالى أعلم. (البحر المحيط الثجاج)
410 – وعن أبي هريرة، ?، أنَّ رسولَ اللَّهِ ? قالَ: «يَعْرَقُ النّاسُ يَوْمَ القِيامَةِ حَتّى يذْهَب عَرَقُهُمْ في الأرْضِ سَبْعِينَ ذِراعًا، ويُلْجِمُهُمْ حَتّى يَبْلُغَ آذانَهُمْ» متفقٌ عَلَيهِ.
ومعنى «يَذْهَبُ في الأرْضِ»: ينزِل ويغوص
أشدهم في العرق الكفار ثم أصحاب الكبائر ثم من بعدهم والمسلمون منهم قليل بالنسبة إلى الكفار (فتح الباري)
قوله (سبعين ذراعا) كالسيل العظيم (شرح رياض الصالحين لابن باز)
قال ابن باز:” ينبغي للعاقل أن يحذر شر ذلك اليوم، وأن يعد له العدة الصالحة من الإيمان والتقوى والاستقامة على أمر الله لعله ينجو لعله يسلم” (شرح رياض الصالحين لابن باز 2/ 126)
قال ابن حجر:” المراد بالذراع في الحديث المتعارف وقيل هو الذراع الملكي ومن تأمل الحالة المذكورة عرف عظم الهول فيها وذلك أن النار تحف بأرض الموقف وتدنى الشمس من الرءوس قدر ميل فكيف تكون حرارة تلك الأرض وماذا يرويها من العرق حتى يبلغ منها سبعين ذراعا مع أن كل واحد لا يجد إلا قدر موضع قدمه فكيف تكون حالة هؤلاء في عرقهم مع تنوعهم فيه إن هذا لمما يبهر العقول ويدل على عظيم القدرة ويقتضي الإيمان بأمور الآخرة أن ليس للعقل فيها مجال ولا يعترض عليها بعقل ولا قياس ولا عادة وإنما يؤخذ بالقبول ويدخل تحت الإيمان بالغيب ومن توقف في ذلك دل على خسرانه وحرمانه وفائدة الإخبار بذلك أن يتنبه السامع فيأخذ في الأسباب التي تخلصه من تلك الأهوال ويبادر إلى التوبة من التبعات ويلجأ إلى الكريم الوهاب في عونه على أسباب السلامة ويتضرع إليه في سلامته من دار الهوان وإدخاله دار الكرامة بمنه وكرمه. (فتح الباري)
411 – وعنه قالَ: كُنّا مَعَ رَسُول اللَّه ? إذ سَمِعَ وجْبَةً فَقالَ: «هَلْ تَدْرُونَ ما هَذا؟» قُلْنا: اللَّه ورَسُولُهُ أعْلَمُ، قالَ: هذا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ في النّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَريفًا فَهُوَ يهْوِي في النّارِ حَتّى انْتَهى إلى قَعْرِها، فَسَمِعْتُمْ وجْبَتَها «رواه مسلم.
روى مسلم عَنْ خَالِدِ بْنِ عُمَيْرٍ الْعَدَوِيِّ قَالَ: خَطَبَنَا عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ؛ فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ بِصُرْمٍ، وَوَلَّتْ حَذَّاءَ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الْإِنَاءِ، يَتَصَابُّهَا صَاحِبُهَا، وَإِنَّكُمْ مُنْتَقِلُونَ مِنْهَا إِلَى دَارٍ لَا زَوَالَ لَهَا، فَانْتَقِلُوا بِخَيْرِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ، فَإِنَّهُ قَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْحَجَرَ يُلْقَى مِنْ شَفَةِ جَهَنَّمَ، فَيَهْوِي فِيهَا سَبْعِينَ عَامًا لَا يُدْرِكُ لَهَا قَعْرًا، وَوَاللَّهِ لَتُمْلَأَنَّ، أَفَعَجِبْتُمْ. (بصرم أي بنقطاع وانقضاء) (وولت حذاء أي مسرعة)
روى الترمذي عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ عَلَى مِنْبَرِنَا هَذَا مِنْبَرِ الْبَصْرَةِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ” إِنَّ الصَّخْرَةَ الْعَظِيمَةَ لَتُلْقَى مِنْ شَفِيرِ جَهَنَّمَ، فَتَهْوِي فِيهَا سَبْعِينَ عَامًا، وَمَا تُفْضِي إِلَى قَرَارِهَا “. قَالَ: وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: أَكْثِرُوا ذِكْرَ النَّارِ؛ فَإِنَّ حَرَّهَا شَدِيدٌ، وَإِنَّ قَعْرَهَا بَعِيدٌ، وَإِنَّ مَقَامِعَهَا حَدِيدٌ. (الصحيحة) (الشفير: الجانب والناحية) (مقامعها: المقمع سياط من حديد رؤوسها معوجة واحدها مقمعة بالكسر)
روى ابن أبي شيبة و أحمد عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” «لو أن حجرا مثل سبع خلفات ألقي عن شفير جهنم هوى فيها سبعين خريفا لا يبلغ قعرها». (صحيح الجامع)
قوله: (سمع وجبة) هي بفتح الواو وإسكان الجيم، وهي السقطة (شرح مسلم للنووي) قال ابن الجوزي:” الوجبة: السقطة من علو إلى أسْفَل بِصَوْت مزعج كصوت الهدم، يُقال: وجب الحائِط.” (كشف المشكل) قال الله تعالى: {فَإذا وجَبَتْ جُنُوبُها} [الحج ((36))].
قال القرطبي:” قوله:» أتدرون ما هذا؟ «دليل على أنهم حين سمعوا الوجبة خَرَق الله لهم العادة، فسمعوا ما مُنعه غيرهم، وإلا فالعادة تقتضي مشاركة غيرهم في سماع هذا الأمر العظيم، ففيه دليل على أن النار قد خُلقت، وأُعدّ فيها ما شاء الله مما يعذِّب به من يشاء، وهو مذهب أهل السُّنَّة، خلافًا للمبتدعة (المفهم)
قال ابن علان:” فقال: هل تدرون ما هذا) أي المسموع، وظاهره أنهم سمعوها أيضًا كرامة، ولا مانع فقد سمعوا حنين الجذع وتسبيح الحصا في يده وغير ذلك، لكن قوله أولًا إذ سمع النبيّ ربما يوماء إلى اختصاصه بذلك، والله أعلم” (دليل الفالحين 2/ 630)
(فقلنا: الله ورسوله أعلم) فيه بيان أن الأدب إذا سئل الإنسان عما لا علم له به أن يكل العلم فيه إلى الله سبحانه ولا يتكلم فيما لا علم له به، وليس من التكلم بلا علم ما يستنبطه أهل العلم ويستخرجونه بما عندهم من جودة الذهن وحسن الفكر، بل هو من التكلم بالعلم، قال تعالى: {لعلمه الذين يستنبطونه منهم} (دليل الفالحين 2/ 630)
(سبعين خريفًا) أي عامًا والمقام يقتضي حمله على حقيقته، ويحتمل أنها كناية عن الكثرة بما فوق وما دون (دليل الفالحين)
فيه: أن قعر النار تحت الأرض السابعة.” (تطريز رياض الصالحين ص273)
(فَهُوَ يهْوِي في النّارِ حَتّى انْتَهى إلى قَعْرِها) قال ابن الجوزي:” وقَوله: يهوي فِي النّار: أي يسْقط، يُقال: هوى الشَّيْء: كَأنَّهُ ألقِي فِي هوة بِسُرْعَة. والمهواة: الحفرة البَعِيدَة القعر، والقعر: نِهايَة عمق الشَّيْء.” (كشف المشكل)
(فَسَمِعْتُمْ وجْبَتَها) إنما هو عنده بإسناد آخر للحديث وفيه «وقال هذا وقع في أسفلها فسمع وجبتها» فيكون ذكر فسمعتم وجبتها مدرجًا في الحديث الذي ذكره المصنف لأنه ليس عنده بإسناد ذلك الحديث إنما هو بإسناد آخر، والله أعلم (دليل الفالحين)
412 – وعن عَدِيِّ بنِ حاتمٍ قالَ: قالَ رسولُ اللَّه ?:» ما مِنكُمْ مِن أحَدٍ إلاَّ
سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بيْنَهُ وبَيْنَهُ تَرْجُمانٌ، فَيَنْظُرُ أيْمنَ مِنهُ، فَلا يَرى إلاَّ ما قَدَّمَ، ويَنْظُرُ أشْأمَ مِنهُ فَلاَ يَرى إلاَّ ما قَدَّمَ، وينْظُرُ بيْنَ يَدَيهِ، فَلا يَرى إلاَّ النّارِ تِلْقاءَ وجهِهِ، فاتَّقُوا النّارِ ولَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ «متفقٌ عَلَيهِ.
وقد مر معنا هذا الحديث في باب في بيان كثرة طرق الخير.
413 – وعن أبي ذَرٍّ – رضي الله عنه- قالَ: قالَ رسولُ اللَّه ?:» إنِّي أرى مالا تَرَوْنَ، وأسمع مالا تسمعون، أطَّتِ السَّماءُ وحُقَّ لَها أنْ تَئِطَّ، ما فِيها موْضِعُ أرْبَعِ أصابِعَ إلاَّ ومَلَكٌ واضِعٌ جبهَتَهُ ساجِدًا للَّهِ تَعالى، واللَّه لَوْ تَعْلَمُونَ ما أعْلَمُ، لضَحِكْتمْ قَلِيلًا، ولَبكَيْتُمْ كَثِيرًا، وما تَلَذَّذتُم بِالنِّساءِ عَلى الفُرُشِ ولَخَرجْتُمْ إلى الصُّعُداتِ تَجْأرُون إلى اللَّه تَعالى «رواه الترمذي وقالَ: حديثٌ حسن.
و» أطَّتْ «بفتح الهمزة وتشديد الطاءِ، وتَئِطُّ» بفتح التاءِ وبعدها همزة مكسورة، والأطِيطُ: صَوْتُ الرَّحلِ والقَتَبِ وشِبْهِهِما، ومعْناهُ: أنَّ كَثْرَةَ مَن في السَّماءِ مِنَ المَلائِكَةِ العابِدينَ قَدْ أثْقَلَتْها حَتّى أطَّتْ.
و «الصُّعُداتِ» بضم الصاد والعين: الطُّرُقاتُ، ومعنى «تَجأرُونَ»: تَسْتَغِيثُونَ.
حسن إسناده الألباني.
(أطت السماء) بتشديد الطاء من الأطيط، وهو صوت الأقتاب، وأطيط الإبل أصواتها وحنينها … شضض أي صوتت (تحفة الأحوذي) الصوت من الثقل الذي عليها.
(وحق) بصيغة المجهول أي ويستحق وينبغي (تحفة الأحوذي)
(لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته لله ساجدا) قال القاري: أي منقادا ليشمل ما قيل إن بعضهم قيام وبعضهم ركوع وبعضهم سجود، كما قال تعالى حكاية عنهم {وما منا إلا له مقام معلوم} أو خصه باعتبار الغالب منهم، أو هذا مختص بإحدى السماوات. قال ثم اعلم أن أربعة بغير هاء في جامع الترمذي وابن ماجه ومع الهاء في شرح السنة وبعض نسخ المصابيح وسببه أن الإصبع يذكر ويؤنث. (تحفة الأحوذي)
قال الطيبي رحمه الله: أي أن كثرة ما فيها من الملائكة قد أثقلها حتى أطت، وهذا مثل وإيذان بكثرة الملائكة، وإن لم يكن ثمة أطيط وإنما هو كلام تقريب أريد به تقرير عظمة الله تعالى انتهى. (تحفة الأحوذي) قال القاري: ما المحوج عن عدول كلامه صلى الله عليه وسلم من الحقيقة إلى المجاز مع إمكانه عقلا ونقلا حيث صرح بقوله: وأسمع ما لا تسمعون مع أنه يحتمل أن يكون أطيط السماء صوتها بالتسبيح والتحميد والتقديس لقوله سبحانه {وإن من شيء إلا يسبح بحمده} (تحفة الأحوذي)
لأن الأصل في الخطاب الشرعي أن ظاهرها هو المراد.
قال ابن علان:” استدل به على فضل السماء على الأرض، وهو المختار عند أصحابنا الشافعية فهي محل الطاعة ولم يقع عليها عصيان، وامتناع إبليس من السجود كان وهو خارج عنها، ويؤخذ منه فضل مواضع أعمال البرّ من الأرض على مواضع غيره، وقد أشار إليه إمامنا الشافعي بقوله:
إني نظرت إلى البقاع وجدتها
تشقى كما تشقى الرجال وتسعد ” (دليل الفالحين)
(لو تعلمون ما أعلم) من عظم جلال الله تعالى وشدة انتقامه (لضحكتم قليلًا) خوفًا من سطوة المولى سبحانه (ولبكيتم كثيرًا) كذلك، وفي قوله قليلًا أولًا وكثيرًا ثانيًا إيماء إلى أن المطلوب من العبد أن لا ينتهي به الخوف إلى اليأس والقنوط بل يكون عنده بعض الرجاء فيعمل معه البر ويكون عنده من الخوف ما ينزجر به عن المخالفة، (دليل الفالحين) ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كثرة الضحك فقال:” ولا تُكثرِ الضَّحِكَ! فإنّ كثْرةَ الضَّحِكَ تُميتُ القلْبَ». (حسنه لغيره الألباني في صحيح الترغيب)
(تجأرون إلى الله) أي تتضرعون إليه بالدعاء ليدفع عنكم البلاء (تحفة الأحوذي)
يوجد تكملة في رواية الترمذي قال في آخر الحديث (لوددت أني كنت شجرة تعضد) بصيغة المجهول أي تقطع وتستأصل. (تحفة الأحوذي)
قال ابن حجر:” هذا من قول أبي ذر مدرج في الحديث.، وقال الألباني في صحيح ابن ماجه عن حديث الباب:” حسن – دون قوله ((والله لوددت … )) فإنه مدرج.
قال ابن باز:” المقصود من هذا: أن هناك أهوالاً عظيمة لو يعلمها العاقل ما تهنأ بعيش ولا بأهل ولا بغيره من شدة الأهوال التي تكون يوم القيامة لا تخطر بالبال، وقد بين النبي ? الكثير منها عليه الصلاة والسلام؛ ليعد المؤمن العدة الصالحة وليحذر أن يلقى ربه وهو مفلس من الأعمال الصالحة، والله جل وعلا جعل الأعمال سبباً للخير وجعلها سبباً للسلامة، قال تعالى: أدخلوا الجنة بما كنتم تعملون [النحل: ??] وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون [الزخرف: (72)] (شرح رياض الصالحين لابن باز 2/ 130)
414 – وعن أبي بَرْزَة بِراءٍ ثُمَّ زايٍ نَضْلَةَ بنِ عُبَيْدٍ الأسْلَمِيِّ، قالَ: قالَ رسولُ اللَّه ?: «لا تَزُولُ قَدما عبْدٍ حَتّى يُسْألَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَ أفْناهُ، وعَنْ عِلْمِهِ فِيم فَعَلَ فِيهِ، وعَنْ مالِهِ منْ أيْنَ اكْتَسبهُ، وفِيمَ أنْفَقَهُ، وعَن جِسْمِهِ فِيمَ أبْلاهُ» رواه الترمذي وقالَ: حديث حسن صحيح.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ “.
قوله: «لا تزول قدما عبد»، أي: من موقفه للحساب حتى يسأل عن عمره فيما أفناه أفي طاعة أم معصية، وعن عمله فيم عمله لوجه الله تعالى خالصًا أو رياء وسمعة.
وعن ماله من أين اكتسبه، أمِن حلال أو حرام؟ وفيما أنفقه أفي البر والمعروف أو الإسراف والتبذير؟ وعن جسمه فيما أبلاه أفي طاعة الله أو معاصيه؟ (تطريز رياض الصالحين ص (275))
قوله: (وعن جسمه فيم أبلاه) كأنه من بلي الثوب وأبلاه كان الشباب في قوته كالثوب الجديد فلما ولى الشباب وضعف البدن فكأنما بلي. (تحفة الأحوذي)
قول الرسول حتى يسأل عن خمس وحتى يسأل عن أربع، كثرة السؤال تدل على كثرة النعم، أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ – يَعْنِي الْعَبْدَ مِنَ النَّعِيمِ -؟ أَنْ يُقَالَ لَهُ: أَلَمْ نُصِحَّ لَكَ جِسْمَكَ، وَنُرْوِيَكَ مِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ؟
جاءت الأدلة أن السؤال، ليس لكل أحد، قال ابن حجر:” قالَ القُرْطُبِيُّ عُمُومُ الحَدِيثِ واضِحٌ لِأنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِياقِ النَّفْيِ لَكِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَن يَدْخُلُ الجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسابٍ وبِمَن يَدْخُلُ النّارَ مِن أوَّلِ وهْلَةٍ عَلى ما دَلَّ عَلَيْهِ قَوْله تَعالى يعرف المجرمون بِسِيماهُمْ الآيَةَ , قُلْتُ وفِي سِياقِ حَدِيثِ أبِي بَرْزَةَ إشارَة إلى الخُصُوص وذَلِكَ أنه لَيْسَ كل أحَدٌ عِنْدَهُ عِلْمٌ يُسْألُ عَنْهُ وكَذا المالُ فَهُوَ مَخْصُوصٌ بِمَن لَهُ عِلْمٌ وبِمَن لَهُ مالٌ دُونَ مَن لا مالَ لَهُ ومَن لا عِلْمَ لَهُ وأمّا السُّؤالُ عَنِ الجَسَدِ والعُمُرِ فَعامٌّ ويَخُصُّ مِنَ المَسْئُولِينَ مَن ذُكِرَ واللَّهُ أعْلَمُ” (فتح الباري)
(415) – وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قالَ: قرأ رسولُ اللَّه ?: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أخْبارَها} [الزلزلة: (4)] ثُمَّ قالَ: «أتَدْرُونَ ما أخَبارُها؟» قالوا: اللَّهُ ورَسُولُهُ أعْلَمُ. قالَ: «فَإنَّ أخْبارَها أنْ تَشْهَدَ عَلى كُلِّ عَبْدٍ أوْ أمةٍ بِما عَمِلَ عَلى ظَهْرِها، تَقُولُ: عَمِلْتَ كَذا وكذا في يَوْمِ كَذا وكَذا، فهَذِهِ أخْبارُها» رواه التِّرْمِذِي وقالَ: حديثٌ حسنٌ.
أكثر النسخ قال الترمذي “حديث حسن غريب ”
قال الألباني:” أخرجه الترمذي ((2) / (69))، وابن حبان ((2586))، والحاكم ((2) / (532)) عن يحيى بن أبي سليمان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعًا. وقال الترمذي:
«حديث حسن غريب»! وقال الحاكم:
«صحيح الإسناد»! ورده الذهبي بقوله:
«قلت: يحيى هذا منكر الحديث. قاله البخاري». وقال الحافظ:
«لين الحديث».” (الضعيفة 4834)
لكن معنى الحديث صحيح
وَقَوْلُهُ: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} أَيْ: تُحَدِّثُ بِمَا عَمِلَ الْعَامِلُونَ عَلَى ظَهْرِهَا. (تفسير ابن كثير)
{يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ} الأرض {أَخْبَارَهَا} أي: تشهد على العاملين بما عملوا على ظهرها من خير وشر، فإن الأرض من جملة الشهود الذين يشهدون على العباد بأعمالهم. (تفسير ابن سعدي)
(أن تشهد على كل عبد أو أمة) أي ذكر وأنثى (بما عمل) أي فعل كل واحد
(كذا وكذا) أي من الطاعة أو المعصية (في يوم كذا وكذا) أي من شهر كذا أو عام كذا (قال بهذا أمرها) أي بهذا المذكور أمر الله تعالى الأرض وفي بعض النسخ فهذا أمرها وفي بعضها فهذه أخبارها وفي بعضها فهذا أخبارها. (تحفة الأحوذي)
قال ابن باز:” ينبغي للمؤمن أينما كان أن يحفظ نفسه من معاص الله وأن يجاهد نفسه بطاعة الله حتى تشهد عليه بقاعه وأرضه بطاعة الله عزوجل ” (شرح رياض الصالحين لابن باز)
416 – وعن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّه ?: «كَيْفَ أنْعَمُ وصاحِبُ القَرْنِ قَدِ التَقَمَ القَرْنَ، واسْتَمَعَ الإذْنَ مَتى يُؤْمَرُ بِالنَّفْخِ فَيَنْفُخُ» فَكَأنَّ ذلِكَ ثَقُلَ عَلى أصْحابِ رسولِ اللَّه ? فقالَ لَهُمْ: «قُولُوا: حَسْبُنا اللَّه ونِعْمَ الوكِيلُ» رواه الترمذي وقال حديثٌ حسنٌ.
صححه الألباني في الصحيحة ((2079))
«القَرْنُ»: هُوَ الصُّورُ الَّذِي قالَ اللَّه تَعالى: {ونُفِخَ في الصُّورِ} كَذا فَسَّرَهُ رَسُول اللَّه ?.
جاء في راوية عند الترمذي وغيره وعن أبي سعيدٍ ? قال: قال رسولُ الله – ? -: «كيفَ أنْعَمُ وقدِ التَقم صاحِبُ القْرنِ القَرنَ، وحنى جَبْهَتَهُ، وأصْغى سَمْعَهُ؛ يَنْتَظرُ أنْ يُؤْمَر فَينْفُخَ؟!».فكأنّ ذلك ثَقُلَ على أصْحابِه فقالوا: كيفَ نَفْعَلُ يا رسول الله! أوَ نَقولُ؟ قال:”قولوا: حَسْبُنا الله، ونِعْمَ الوكيلُ، على الله توَكَّلْنا -وربَّما قالَ: توكَّلْناعلى الله-». (الصحيحة 1087 – 1079)
وجاءعند الحاكم عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ?: «إنَّ طَرْفَ صاحِبِ الصُّورِ مُذْ وُكِّلَ بِهِ مُسْتَعِدٌّ يَنْظُرُ نَحْوَ العَرْشِ مَخافَةَ أنْ يُؤْمَرَ قَبْلَ أنْ يَرْتَدَّ إلَيْهِ طَرْفُهُ، كَأنَّ عَيْنَيْهِ كَوْكَبانِ دُرِّيّانِ» (الصحيحة 107
وروى الترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا الصُّورُ؟ قَالَ: ” قَرْنٌ يُنْفَخُ فِيهِ “. (الصحيحة 1080)
قوله: (وكيف) كذا في النسخ الحاضرة بالواو قيل كيف، وأخرجه في تفسير سورة الزمر بلفظ كيف أنعم إلخ بدون الواو وهو الظاهر (تحفة الأحوذي)
(أنعم) أي أفرح وأتنعم من نعم عيشه كفرح اتسع ولان كذا في المصباح. وفي النهاية: هو من النعمة بالفتح وهي المسرة والفرح والترفه (تحقة الاحوذي)
(وصاحب القرن قد التقم القرن) أي وضع طرف القرن في فمه (تحفة الاحوذي) قال ابن باز:” يعني إسرافيل عليه السلام.” (شرح رياض الصالحين لابن باز 2/ 133
(واستمع الإذن متى يؤمر بالنفخ فينفخ) وفي رواية الترمذي في التفسير: وحنى جبهته وأصغى سمعه ينتظر أن يؤمر أن ينفخ. والظاهر أن كلا من الالتقام والإصغاء على الحقيقة وأنه عبادة لصاحبه بل هو مكلف به. وقال القاضي رحمه الله: معناه كيف يطيب عيشي وقد قرب أن ينفخ في الصور فكنى عن ذلك بأن صاحب الصور وضع رأس الصور في فمه وهو مترصد مترقب لأن يؤمر فينفخ فيه (تحفة الاحوذي)
قال ابن باز:” المراد به الصور الذي جعله الله محلا للنفخ يوم القيامة، ينفخ فيه نفخة الفزع والصعق فيموت الناس، ثم ينفخ النفخة الأخرى نفخة البعث والنشور ” (شرح رياص الصالحين لابن باز (133) / (2))
(فكأن ذلك ثقل على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) وفي التفسير: قال المسلمون فكيف نقول يا رسول الله (تحفة الاحوذي)
(حسبنا الله) مبتدأ وخبر أي كافينا الله (ونعم الوكيل) فعيل بمعنى المفعول، والمخصوص بالمدح محذوف، أي نعم الموكول إليه الله. تحفة الاحوذي
قال ابن باز:” يعني كافينا الله ونعم الوكيل، لمن استقام على طاعته وتوكل عليه، وحفظ حدوده ووقف عند أوامره ونواهيه، فإنه على خير عظيم والله يكفيه جميع ما يهمه” (شرح رياض الصالحين لابن باز (3) / (133))
فيه أن الملائكة لا تتصرف إلا بإذن الله.
41 (7) – عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللَّه ?: «مَن خافَ أدْلَجَ، ومَن أدْلَجَ، بَلَغَ المَنزلَ ألا إنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غاليةٌ، ألا إنَّ سِلْعةَ اللَّهِ الجَنَّةُ» رواه الترمذي وقالَ: حديثٌ حسنٌ.
و «أدْلَجَ» بِإسْكان الدّال، ومعناه: سارَ مِن أوَّلِ اللَّيْلِ، والمُرادُ: التَّشْمِيرُ في الطّاعَة. واللَّه أعلم. (الصحيحة 954)
(من خاف أدلج). قوله: (من خاف) أي البيات والإغارة من العدو وقت السحر. (تحفة الأحوذي)
(أدلج) بالتخفيف من سار أول الليل وبالتشديد من آخره. (تحفة الأحوذي)
(ومن أدلج بلغ المنزل) أي وصل إلى المطلب. (تحفة الأحوذي)
قال الطيبي رحمه الله: هذا مثل ضربه النبي صلى الله عليه وسلم لسالك الآخرة فإن الشيطان على طريقه والنفس وأمانيه الكاذبة أعوانه، فإن تيقظ في مسيره وأخلص النية في عمله أمن من الشيطان وكيده، ومن قطع الطريق بأعوانه ثم أرشد إلى أن سلوك طريق الآخرة صعب، وتحصيل الآخرة متعسر لا يحصل بأدنى سعي.
قال ابن علان: “قال العاقولي: هذا مثل طالب الآخرة وكون الشيطان على طريقه، فإن تبتل بالطاعة وصبر مدة أيامه القلائل أمن فيه الشيطان. وقال المظهري: أي من خاف الله فليهرب من المعاصي إلى طاعته تعالى” (دليل الفالحين)
قال ابن باز:” من خاف قطاع الطريق في الدنيا أدلج السير حتى يصل إلى المأمن وهكذا من خاف الآخرة وخاف لقاء الله أدلج في السير في طاعة الله والقيام بأمره حتى يصل إلى ساحة الأمن، وذلك بالموت على خير العمل” (شرح رياض الصالحين لابن باز) (ألا إن سلعة الله) أي من متاعه من نعيم الجنة. (تحفة الاحوذي)
(غالية) بالغين المعجمة أي رفيعة القدر (تحفة الاحوذي)
(ألا إن سلعة الله الجنة) يعني ثمنها الأعمال الباقية المشار إليها بقوله سبحانه {والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا} وبقوله: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة}.
قال ابن علان:” هي الجنة وهي عزيزة لا يليق بثمنها إلا بذل النفس والمال” (دليل الفالحين)
ابن عثيمين: “لسلعة: يعني التي يعرضها الإنسان للبيع، والجنة قد عرضها الله عزوجل لعباده ليشتروها. قال الله تعالى: (إنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ المُؤْمِنِينَ أنْفُسَهُمْ وأمْوالَهُمْ بِأنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ ويُقْتَلُونَ وعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ والإنْجِيلِ والقُرْآنِ ومَن أوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ) [التوبة (111)].
فمن خاف: يعني من كان في قلبه خوف لله؛ عمل العمل الصالح الذي ينجيه مما يخاف. (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين)
قال المنذري:” معنى الحديث: أن من خاف ألزمه الخوف السلوك إلى الآخرة، والمبادرة بالأعمال الصالحة خوفًا من القواطع والعوائق.” (الترغيب والترهيب)
قال ابن القيم:” ومما ينبغي أن يعلم أنّ من رجا شيئًا استلزم رجاؤه أمورًا:
أحدها: محبة ما يرجوه.
الثاني: خوفه من فواته.
الثالث: سعيه في تحصيله بحسب الإمكان.
وأما رجاءٌ لا يقارنه شيء من ذلك، فهو من باب الأماني! والرجاء شيء، والأماني شيء آخر. فكلُّ راجٍ خائفٌ، والسائر على الطريق إذا خاف أسرَعَ السيرَ مخافةَ الفوات. ” ثم ذكر حديث الباب (الداء والدواء 1/ 7
والإدلاج: سير آخر الليل، والمراد به ها هنا العمل في آخر الليل وهو وقت الاستغفار، كما قالَ تعالى: {والمُسْتَغْفِرِينَ بِالأسْحارِ} [آل عمران (17)]، وقال تعالى: {وبِالأسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات (18)].
وهو آخر أوقات النزول الإلهي المتضمن لاستعراض حوائج السائلين، واستغفار المذنبين، وتوبة التائبين، وسط الليل للمحبين للخلوة بحبيبهم، وآخر الليل للمذنبين يستغفرون (من ذنوبهم) (*).
من عجز عن مشاركة المحبين في الجري معهم في ذلك المضمار فلا أقلَّ من مشاركة المذنبين في الاعتذار. (المحجة في سير الدلجة)
قال ابن باز:” من خاف قطاع الطريق في الدنيا أدلج السير حتى يصل إلى المأمن وهكذا من خاف الآخرة وخاف لقاء الله أدلج في السير في طاعة الله والقيام بأمره حتى يصل إلى ساحة الأمن، وذلك بالموت على خير العمل” (شرح رياض الصالحين لابن باز)
418 – وعن عائشةَ رضي الله عنها قالَتْ: سمعتُ رَسُول اللَّه ?، يقول: «يُحْشَرُ النّاسُ يَوْمَ القِيامَةِ حُفاةً عُراةً غُرْلًا» قُلْتُ: يا رَسُول اللَّه الرِّجالُ والنِّساءُ جَمِيعًا يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ،؟ قالَ: «يا عائِشَةُ الأمرُ أشَدُّ مِن أنْ يُهِمَّهُم ذلكَ».
وفي روايةٍ: «الأمْرُ أهَمُّ مِن أن يَنْظُرَ بَعضُهُمْ إلى بَعْضٍ» متفقٌ عَلَيهِ.
«غُرلًا» بضَمِّ الغَيْنِ المعجمة، أي: غير مختونين.
قوله صلى الله عليه وسلم: (يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا) الحشر: الجمع. ومنه قوله تعالى: {وحَشَرناهُم فَلَم نُغادِر مِنهُم أحَدًا} (المفهم) والكافر يحشر ماشيا على وجهه، الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُو?لَا ى?ِكَ شَرّ? مَّكَان?ا وَأَضَلُّ سَبِيل?ا} [سُورَةُ الفُرْقَانِ: (34)] {وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَا ءَ مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْي?ا وَبُكْم?ا وَصُمّ?ا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِير?ا} [سُورَةُ الإِسْرَاءِ: (97)]
روى البخاري ومسلم، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، كَيْفَ يُحْشَرُ الْكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ؟ قَالَ: ” أَلَيْسَ الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى الرِّجْلَيْنِ فِي الدُّنْيَا قَادِرًا عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ “. قَالَ قَتَادَةُ: بَلَى وَعِزَّةِ رَبِّنَا
(حفاة) بضم الحاء المهملة، وتخفيف الفاء: جمع حاف؛ أي: بلا خف ولا نعل (البحر المحيط للأايوبي)
(عراة) بضم العين المهملة، وتخفيف الراء: جمع عار، قال، البيهقي: وقع في حديث أبي سعيد -يعني: الذي أخرجه أبو داود، وصححه ابن حبان- أنه لما حضره الموت دعا بثياب جدد، فلبسها، وقال:» سمعت النبي -?- يقول: إن الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها” (الصحيحة 1671)، ويجمع بينهما بأن بعضهم يحشر عاريا، وبعضهم كاسيا، أو يحشرون كلهم عراة، ثم يكسى الأنبياء، فأول من يكسى إبراهيم -عليه السلام-، أو يخرجون من القبور بالثياب التي ماتوا فيها، ثم تتناثر عنهم عند ابتداء الحشر، فيحشرون عراة، ثم يكون أول من يكسى إبراهيم -عليه السلام-. وحمل بعضهم حديث أبي سعيد على الشهداء؛ لأنهم الذين أمر أن يزملوا في ثيابهم، ودفنوا فيها، فيحتمل أن يكون أبو سعيد سمعه في الشهيد، فحمله على العموم … (البحر المحيط الثجاج)
الغرل: بضم الغين المعجمة وإسكان الراء، معناه: غير مختونين، جمع أغرل، وهو الذي لم يختن، وبقيت معه غرلته، وهي قلفته، وهي الجلدة التي تقطع في الختان، قال الأزهري وغيره: هو الأغرل، والأرغل، والأغلف – بالغين المعجمة في الثلاثة – والأقلف، والأعرم – بالعين المهملة – وجمعه: غرل ورغل وغلف وقلف وعرم، والحفاة: جمع حاف، والمقصود: أنهم يحشرون كما خلقوا لا شيء معهم، ولا يفقد منهم شيء، حتى الغرلة تكون معهم. (شرح مسلم للنووي)
قال أبو هلال العسكري: لا تلتقي اللام مع الراء في كلمة إلا في أربع: أرل: اسم جبل، وورل: اسم حيوان معروف، وحرل: ضرب من الحجارة، والغرلة، واستدرك عليه كلمتان: هرل: ولد الزوجة، وبرل: الديك الذي يستدير بعنقه. قال ابن عبد البر: يحشر الآدمي عاريا، ولكل من الأعضاء ما كان له يوم ولد، فمن قطع منه شيء يرد، حتى الأقلف. (البحر المحيط الثجاج)
قال المظهري: “والفائدةُ في خلق الجلدة المقطوعة من المختنين، والعلم عند الله سبحانه: التنبيهُ على إحكام خِلْقَتِهِ، وأنه خُلِقَ للأبد، لا للفناء؛ إذ لم ينقصْ من أعضائه، بل الناقص أُعيدَ كاملًا، أو لأنه التزم عَودَهُ كما كان، ووقت كونه كان غُرلًا، فأُعيدَ كما كان.” (المفاتيح في شرح المصابيح 5/ 467)
قوله (الأمر أهم) أي أشد فكل مشغول بأمره ولا يدري عن حال أخيه قال الله تعالى {لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه} فلا أحد يلتفت إلى عورة آخر. (حاشية ابن ماجه للسندي)