40 – فتح رب البرية بينابيع الحكمة من أقوال الأئمة
جمع أحمد بن خالد وآخرين
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف الشيخ د. سيف بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
(1228): قَالَ ابْنُ القَيِّمِ – رَحِمَهُ اللّاهُ تَعَالَى -:
” مَنْ عَرَفَ اللّاهَ صَفَا لَهُ العَيْشُ، وَطَابَتْ لَهُ الحَيَاةُ، وَهَابَهُ كُلُّ شَيْءٍ، وَذَهَبَ عَنْهُ خَوْفُ المَخْلُوقِيْنَ “.
[رَوضَةُ المُحِبِّيْنَ ((287))]
______________
(1229): ابن عثيمين رحمه الله:
يوجد بعض الناس يكون له صديق أو قريب يخطئ مرة واحدة فيصفه بالعيب والسب والشتم – والعياذ بالله – في خطيئة واحدة.
[شرح رياض الصالحين (م (1)، ص (257))].
______________
(1230): {إِنَّ اللَّهَ اشتَرى مِنَ المُؤمِنينَ أَنفُسَهُم وَأَموالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقاتِلونَ في سَبيلِ اللَّهِ فَيَقتُلونَ وَيُقتَلونَ وَعدًا عَلَيهِ حَقًّا فِي التَّوراةِ وَالإِنجيلِ وَالقُرآنِ وَمَن أَوفى بِعَهدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاستَبشِروا بِبَيعِكُمُ الَّذي بايَعتُم بِهِ وَذلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظيمُ} [التوبة: 111]
يخبر تعالى خبراً صدقاً ويعدُ وعداً حقًّا بمبايعةٍ عظيمةٍ ومعاوضةٍ جسيمةٍ، وهو أنه {اشترى}: بنفسه الكريمة {من المؤمنين أنفسهم وأموالهم}: فهي الثَّمن والسلعة المَبيعة، {بأنَّ لهم الجنة}: التي فيها ما تشتهيه الأنفس وتَلَذُّ الأعين من أنواع اللَّذَّات والأفراح والمسرَّات والحور الحسان والمنازل الأنيقات، وصفة العقد والمبايعة بأن يبذُلوا لله نفوسَهم وأموالَهم في جهاد أعدائه؛ لإعلاء كلمتِهِ وإظهار دينه. فيقاتلون {في سبيل الله فيَقْتُلون ويُقْتَلونَ}: فهذا العقد والمبايعة قد صدرت من الله مؤكَّدة بأنواع التأكيدات. {وعداً عليه حقًّا في التوراة والإنجيل والقرآن}: التي هي أشرفُ الكتب التي طرقَتِ العالم وأعلاها وأكملها، وجاء بها أكملُ الرسل أولو العزم، وكلُّها اتَّفقت على هذا الوعد الصادق. {ومن أوفى بعهدِهِ من الله فاستَبْشِروا}: أيُّها المؤمنون، القائمون بما وعدكم الله {ببيعِكُمُ الذي بايَعْتُم به}؛ أي: لتفرحوا بذلك وليبشِّر بعضُكم بعضاً ويحثَّ بعضُكم بعضاً. {وذلك هو الفوز العظيم}: الذي لا فوز أكبرُ منه ولا أجلُّ؛ لأنه يتضمَّن السعادةَ الأبديَّة والنعيم المقيم، والرِّضا من الله الذي هو أكبر من نعيم الجنات.
وإذا أردت أن تعرف مقدار الصفقة؛ فانظُرْ إلى المشتري؛ مَنْ هو؟ وهو الله جلَّ جلاله، وإلى العِوَضِ، وهو أكبر الأعواض وأجلُّها؛ جنات النعيم، وإلى الثمن المبذول فيها، وهو النفس والمال، الذي هو أحبُّ الأشياء للإنسان، وإلى مَن جرى على يديه عقدُ هذا التبايُع، وهو أشرف الرسل، وبأيِّ كتاب رُقِمَ؟ وهي كتب الله الكبار المنزلة على أفضل الخلق.
– تيسير الكريم الرحمن
______________
(1231): اعتزال الناس وعدم الإكثار من مخالطتهم والحذر منهم: قال شقيق بن إبراهيم: قيل لابن المبارك رحمه الله: إذا صلّيتَ معنا لم تجلس معنا؟ قال: أذهب أجلس مع الصحابة والتّابعين. قلنا له: ومن أين الصحابة والتابعون؟ قال: أذهب أنظرُ في علمي فأدرِكُ آثارهم وأعمالهم، ما أصنع معكم؟ أنتم تغتابون الناس، فإذا كانت سنة مائتين فالبُعد من كثير من الناس أقربُ إلى الله، وفرّ من الناس كَفِرَارِك من أسد، وتمسّك بدينك يسلَمْ لك. [صفة الصفوة].
______________
(1232): {هُوَ الَّذي يُصَلّي عَلَيكُم وَمَلائِكَتُهُ لِيُخرِجَكُم مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النّورِ وَكانَ بِالمُؤمِنينَ رَحيمًا} [الأحزاب: (43)]
تفسير السعدي:
{هو الذي يصلِّي عليكُم وملائكتُه ليخرِجَكم من الظلماتِ إلى النور وكان بالمؤمنين رحيمًا}؛ أي: من رحمته بالمؤمنين ولطفه بهم أنْ جَعَلَ من صلاتِهِ عليهم وثنائِهِ وصلاةِ ملائكته ودعائهم ما يخرِجُهم من ظلمات الذُّنوب والجهل إلى نورِ الإيمان والتوفيق والعلم والعمل؛ فهذه أعظمُ نعمةٍ أنعم بها على العباد الطائعين، تستدعي منهم شكرها والإكثار من ذكر الله الذي لطف بهم ورحمهم وجعل حملةَ عرشهِ أفضل الملائكة ومن حوله يسبِّحون بحمدِ ربِّهم، ويستغفرونَ للذين آمنوا، فيقولون: {ربَّنا وسعتَ كلَّ شيءٍ رحمةً وعلمًا فاغفر للذين تابوا واتَّبَعوا سبيلَكَ وقِهِمْ عذابَ الجحيم. ربَّنا وأدْخِلْهم جناتِ عدنٍ التي وَعَدْتَهم ومَن صَلَحَ من آبائهم وأزواجهم وذُرِّيَّاتِهِم إنَّك أنت العزيزُ الحكيم. وقِهِمُ السيئاتِ ومَن تَقِ السيئاتِ يومئذٍ فقد رَحِمْتَه وذلك الفوزُ العظيم}: فهذه رحمتُه ونعمتُه عليهم في الدُّنيا.
______________
(1233): قال عمر بن عبد العزيز:
من وصل أخاه بنصيحة له في دينه، ونظر له في صلاح دنياه، فقد أحسن صلته، وأدى واجب حقه.
تاريخ الطبري (6) / (571)
______________
(1234): سئل سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز – رحمه الله تعالى-
عن حديث ” لا يؤمن أحدكم حتى يُحِبَّ لأخيه ما يُحبُّ لنفسه ”
عامٌّ في كل جوانب الحياة؟
فأجاب: نعم، في الدين والدنيا.
شرح صحيح مسلم ص (226)
______________
(1235): قال بنُ أبي حاتمٍ الوراقُ تلميذُ البخاريِّ:
أملى البخاريُّ يومًا عليَّ حديثًا كثيرًا فخاف مِلالي، فقال: طبْ نفسًا؛ فإنَّ أهلَ الملاهي في ملاهيهم، وأهلَ الصناعات في صناعاتهم، والتجارَ في تجاراتهم، وأنت مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابِه!
أعلام النبلاء: 12/ 445
______________
(1236): قَالَ ابْنُ القَيِّمِ – رَحِمَهُ اللّاهُ تَعَالَى -:
” لَيْسَ لِلْعَابِدِ مُسْتَرَاحٌ إلَّا تَحْتَ شَجَرَةِ طُوبَى، وَلَا لِلْمُحِبِّ قَرَارٌ إلَّا يَوْمَ الْمَزِيْدِ “.
[الفَوائِدُ ((68) / (1))]
______________
(1237): قَالَ ابنُ القَيِّمِ:
” مَن كَانَتْ رَغبَتُهُ فِي اللّاهِ كَفَاهُ اللهُ كُلَّ هَمٍّ، وتَوَلَّاهُ فِي جَمِيعِ أمُورِهِ، وَدَفَعَ عَنهُ مَا لَا يَستَطِيعُ دَفعَهُ عَن نَفْسِهِ، ووقَاهُ وِقَايَةَ الوَلِيدِ، وَصَانَهُ مِن جَمِيعِ الآفَاتِ “.
[رَوضَةُ المُحِبِّينَ ((287))]
______________
(1238): صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم قال العلامة عبدالرحمن السعدي -رحمه الله- في سياق كلام سابق له:
” وقد عُلمت نصوص الكتاب والسنة التي فيها الحث على المحبة والائتلاف، والتحذير من التفرق والاختلاف، وأعظم من يُوَجَّه إليهم هذا الأمر: أهل العلم والدين.
فمتى لزموا هذه الأوامر الشرعية الحكيمة تبعهم الناس واستقامت الاحوال.
ومتى أخلوا بذلك، وحل محله البغي والحسد، والتباغض والتدابر: تبعهم الناس، وصاروا أحزابًا وشيَعًا، وصارت الأمور في أطوار التغالب وطلب الانتصار، ولو بالباطل، ولم يقفوا على حد محدود، فتفاقم الشر، وعظم الخطر، وصار المتولي لكبرها: من كان يُرجى منهم – قبل ذلك – أن يكونوا أول قامع للشر!
وإذا تأملت الواقع؛ رأيت أكثر الأمور على هذا الوجه المحزن!
ولكنه مع ذلك يوجد أفراد من أهل العلم والدين ثابتين على الحق، قائمين بالحقوق الواجبة والمستحبة، صابرين على ما نالهم في هذا السبيل من قدح القادح، واعتراض المعترض، وعدوان المعتدين، فتجدهم متقربين إلى الله بمحبة أهل العلم والدين، جاعلين محاسنهم وتعليمهم ونفعهم نصب أعينهم، قد أحبوهم لما اتصفوا به، وقاموا به من هذه المنافع العظيمة، غير مبالين بما جاء منهم إليهم من القدح والاعتراض، حاملين ذلك على التأويلات المتنوعة، ومقيمين لهم الأعذار الممكنة.
وما لم يُمكنهم مما نالهم منهم أن يجدوا له محملًا؛ عاملوا الله فيهم؛ فعفوا عنهم لله، راجين أن يكون أجرهم على الله، وعفوا عنهم لما لهم من الحق الذي هو أكبر شفيع لهم.
فإن عجزوا عن هذه الدرجة العالية، التي لا يكاد يصل إليها الا الواحد بعد الواحد؛ نزلوا إلى درجة الإنصاف، وهي اعتبار ما لهم من المحاسن، ومقابلتها بالإساءة الصادرة منهم إليهم، ووازنوا بين هذه وهذه.
فلابد أن يجدوا جانب الإحسان أرجح من جانب الإساءة، أو متساويين، أو ترجح الإساءة، وعلى كل حال من هذه الاحتمالات فيعتبرون ما لهم وما عليهم.
وأما من نزل عن درجة الإنصاف؛ فهو بلا شك ظالم ضار لنفسه، تارك من الواجبات عليه بمقدار ما تعدى من الظلم.
فهذه المراتب الثلاث: مرتبة الكمال، ومرتبة الإنصاف، ومرتبة الظلم = تميِّز كل أحوال أهل العلم ومقاديرهم ودرجاتهم، ومن هو القائم بالحقوق، ومن هو التارك.
والله تعالى المعين الموفق” اهـ.
[الرياض الناضرة (ص (8992)). وهو في مجموع مؤلفات ابن سعدي ((22) / (143145))
______________
(1239): {إِنَّ أَصحابَ الجَنَّةِ اليَومَ في شُغُلٍ فاكِهونَ هُم وَأَزواجُهُم في ظِلالٍ عَلَى الأَرائِكِ مُتَّكِئونَ}
لما ذكر تعالى أنَّ كلَّ أحدٍ لا يُجْزى إلاَّ ما عَمِلَه؛ ذَكَرَ جزاء الفريقينِ، فبدأ بجزاء أهل الجنة، وأخبر أنَّهم في ذلك اليوم {في شُغُلٍ فاكهونَ}؛ أي: في شُغُل مُفَكِّهٍ للنفس مُلِذٍّ لها من كلِّ ما تهواه النفوس وتَلَذُّه العيون ويتمنَّاه المتمنُّون، ومن ذلك افتضاض العذارى الجميلات؛ كما قال: {هم وأزواجُهُم}: من الحور العين اللاَّتي قد جَمَعْنَ حسنَ الوجوهِ والأبدان وحسنَ الأخلاق {في ظلال على الأرائِكِ}؛ أي: السرر المزيَّنة باللباس المزخْرَفِ الحسن {متَّكِئونَ}: عليها اتِّكاءً دالًا على كمال الراحة والطمأنينة واللذة.
تفسير السعدي
______________
(1240): قال الشعبي رحمه الله:
مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ لَمْ يَخْرَفْ.
العمر والشيب لابن أبي الدنيا (1) / (75).
______________
(1241): وَقَدْ تَوَاتَرَ عِنْدَ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ أَنَّ حَافِظَ كِتَابِ اللَّهِ الْمُدَاوِمَ عَلَى تِلَاوَتِهِ، لَا يُصَابُ بِالْخَرَفِ وَلَا الْهَذَيَانِ.
وَقَدْ شَاهَدْنَا شَيْخَ الْقُرَّاءِ بِالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ الشَّيْخَ حَسَنَ الشَّاعِرَ، لَا زَالَ عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ عِنْدَ كِتَابَةِ هَذِهِ الْأَسْطُرِ تَجَاوَزَ الْمِائَةَ بِكَثِيرٍ، وَهُوَ لَا يَزَالُ يُقْرِئُ تَلَامِيذَهُ الْقُرْآنَ، وَيُعَلِّمُهُمُ الْقِرَاآتِ الْعَشْرَ، وَقَدْ يَسْمَعُ لِأَكْثَرَ مِنْ شَخْصٍ يَقْرَءُونَ فِي أَكْثَرَ مِنْ مَوْضِعٍ وَهُوَ يَضْبُطُ عَلَى الْجَمِيعِ.
وَقَدْ رَوَى الشَّوْكَانِيُّ مِثْلَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ.
أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن – ط الفكر (9) / (8) — محمد الأمين الشنقيطي.
______________
(1242): قال الإمامُ ابنُ القيّم رحمه اللَّه:
ولو لم يَكُن في العِلْمِ إلّا القُرْبُ مِنْ ربِّ العالَمِين، والالتحاقُ بعالَمِ الملائكةِ وصُحبةُ الملأِ الأعلى؛ لكَفَى به فَضلًا و شَرَفًا، فكيفَ وعِزُّ الدّنيا والآخرةِ مَنوطٌ به، ومَشروطٌ بِحُصُولِه؟!
[(مفتاح دار السّعادة) ((1) / (286))]
______________
(1243): قَالَ اللّاهُ تَعَالَى:
{إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى}
قَالَ ابْنُ كَثِيْرٍ – رَحِمَهُ اللّاهُ -:
” إِنَّمَا قَرَنَ بَيْنَ الجُوعِ وَالعُرْيِ، لِأَنَّ الجُوعَ ذُلُّ البَاطِنِ، وَالعُرْيَ ذُلُّ الظَّاهِر “.
[تَفسِيرُ القُرْآنِ العَظِيمِ ((282) / (5))]
______________
(1244): قال ابن عثيمين رحمه الله:
لو كان الدين بالعاطفة لكان جميع أهل البدع على حق
اللقاء الشهري (33) / (11)
______________
(1245): قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
” لا يَطمئنُّ العبد إلى نفسه،
ولا يشتغل بمَلامِ الناس وذمِّهم،
بل يسأل الله أن يعينه على طاعته “.
مجموع الفتاوى ((227) / (14))
______________
(1246): {فَإِن يَصبِروا فَالنّارُ مَثوًى لَهُم وَإِن يَستَعتِبوا فَما هُم مِنَ المُعتَبينَ} [فصلت: (24)]
تفسير السعدي:
{فإن يَصْبِروا فالنارُ مثوىً لهم}: فلا جَلَدَ عليها ولا صبرَ، وكلُّ حالة قُدِّرَ إمكانُ الصبر عليها؛ فالنار لا يمكن الصبرُ عليها، وكيف الصبرُ على نار قد اشتدَّ حرُّها وزادت على نار الدنيا بسبعين ضعفًا وعظم غليانُ حميمها وزاد نَتَنُ صديدها وتضاعف بردُ زمهريرِها، وعظُمَتْ سلاسِلُها وأغلالها، وكَبُرَتْ مقامِعها، وغَلُظَ خُزَّانها، وزال ما في قلوبهم من رحمتهم، وختام ذلك سَخَطُ الجبار، وقوله لهم حين يدعونه ويستغيثون: {اخسؤوا فيها ولا تُكَلِّمونِ}. {وإن يَسْتَعْتِبوا}؛ أي: يطلبوا أن يزال عنهم العتبُ، فيرجعوا إلى الدنيا؛ ليستأنفوا العمل، {فما هم من المُعْتَبين}: لأنَّه ذهب وقته، وعُمِّروا ما يُعَمَّر فيه من تذكَّر، وجاءهم النذير، وانقطعت حجتهم، مع أنَّ استعتابهم كذبٌ منهم، فلو رُدُّوا؛ لَعادوا لما نُهوا عنه وإنَّهم لَكاذبون.
______________
(1247): حم ((1)) عسق ((2)) كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ((3)) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ((4)) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ((5))
[الشورى]
تفسير السعدي:
يخبر تعالى أنَّه أوحى هذا القرآن العظيم على النبيِّ الكريم كما أوحى إلى مَنْ قبلَه من الأنبياء والمرسلين؛ ففيه بيانُ فضلِهِ بإنزال الكتبِ وإرسال الرُّسل سابقًا ولاحقًا، وأنَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم ليس ببدع من الرسل، وأنَّ طريقَته طريقةُ مَنْ قبلَه، وأحوالَه تناسِبُ أحوالَ مَن قبلَه من المرسلين، وما جاء به يشابِهُ ما جاؤوا به؛ لأنَّ الجميع حقٌّ وصدقٌ، وهو تنزيلُ من اتَّصف بالألوهيَّة والعزَّة العظيمة والحكمة البالغةِ، وأنَّ جميع العالم العلويِّ والسفليِّ مُلْكُه وتحت تدبيرِهِ القدريِّ والشرعيِّ، وأنَّه {العليُّ} بذاتِهِ وقدرِهِ وقهرِهِ. {العظيم}: الذي من عظمتِهِ {تكادُ السمواتُ يتفطَّرْنَ من فوقِهِنَّ}: على عظمها وكونها جمادًا، {والملائكةُ}: الكرامُ المقرَّبون خاضعون لعظمتِهِ مستكينون لعزَّته مذعنون بربوبِيَّته، {يسبِّحونَ بحمد ربِّهم}: ويعظِّمونه عن كل نقص، ويصِفونه بكل كمال، {ويستغفرونِ لِمَن في الأرض}: عما يصدُرُ منهم مما لا يليقُ بعظمة ربِّهم وكبريائِهِ، مع أنَّه تعالى {الغفورُ الرحيمُ}: الذي لولا مغفرتُه ورحمتُه؛ لعاجَلَ الخلقَ بالعقوبةِ المستأصِلَةِ.
وفي وصفِهِ تعالى بهذه الأوصاف بعد أن ذَكَرَ أنَّه أوحى إلى الرسل كلهم عمومًا وإلى محمدٍ – صلى الله عليهم وسلم – خصوصًا إشارةٌ إلى أنَّ هذا القرآن الكريم فيه من الأدلةُ والبراهينُ والآياتُ الدالَّةُ على كمال الباري تعالى ووصفِهِ بهذه الأسماء العظيمة الموجبة لامتلاءِ القلوب من معرفتِهِ ومحبتِه وتعظيمِه وإجلالِه وإكرامِه وصرف جميع أنواع العبوديَّة الظاهرة والباطنة له تعالى، وأنَّ من أكبر الظُّلم وأفحش القول اتِّخاذ أندادٍ من دونِهِ، ليس بيدِهِم نفعٌ ولا ضرٌّ، بل هم مخلوقون مفتقرون إلى الله في جميع أحوالهم.
______________
(1248): عَنْ ابْنِ عُمَرَ – رَضِيَ اللّاهُ عَنْهُمَا – قَالَ:
” أَفْضَلُ الصَّلَوَاتِ عِنْدَ اللّاهِ، صَلَاةُ الصُّبْحِ يَوْمَ الجُمُعَةِ فِيْ جَمَاعَةٍ “.
[رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ فِيْ شُعَبِ الإِيْمَانِ ((3045))]
______________
(1249): قال العلّامة ابن عثيمين -رحمه الله-:
وغالبا أن الإنسان الذي يمضي وقته بطاعة الله سبحانه وتعالى، إذا هرم تجده لا يهتم إلا بالطاعات.
كثير من المسلمين إذا هرموا تجده يقول:
أين الماء؟ أريد أن أتوضأ، أو تجده يصلي دائماً، أو تجده يقرأ القرآن دائماً، أو يذكر الله تعالى دائماً، وهذا من نعمة الله سبحانه وتعالى أن الإنسان يهرم على الحال التي يكون عليها، وعكس ذلك سيكون بالعكس من كان في حال قوته وشبابه على غير هذا العمل الصالح سوف يكون هذيانه إذا كبر بهذا العمل السيء، نسأل الله العافية والسلامة.
تفسير سورة يس (241) ..
______________
(1250): قال ابْن مُنَبِّه-رحمه الله-:
«طُوبَى لِمَنْ نَظَرَ فِي عَيْبِهِ عَنْ عَيْبِ غَيْرِهِ، طُوبَى لِمَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ مِنْ غَيْرِ مَسْكَنَةٍ وَرَحِمَ أَهْلَ الذُّلِّ وَالْمَسْكَنَةِ وَتَصَدَّقَ بِمَالٍ جُمِعَ مِنْ غَيْرِ مَعْصِيَةٍ وَجَالَسَ أَهْلَ الْعِلْمِ وَالْحِلْمِ وَالْحِكْمَةِ، وَوَسِعَتْهُ السُّنَّةُ وَلَمْ يَتَعَدَّهَا إِلَى الْبِدْعَةِ»
الزهد لأحمد بن حنبل (1) / (301)
______________
(1251): {وَمَن يُهاجِر في سَبيلِ اللَّهِ يَجِد فِي الأَرضِ مُراغَمًا كَثيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخرُج مِن بَيتِهِ مُهاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسولِهِ ثُمَّ يُدرِكهُ المَوتُ فَقَد وَقَعَ أَجرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ غَفورًا رَحيمًا} [النساء: (100)]
تفسير السعدي:
هذا في بيان الحثِّ على الهجرة والترغيب وبيان ما فيها من المصالح، فوعد الصادق في وعده أنَّ من هاجر في سبيله ابتغاء مرضاتِهِ أنه يَجِدُ مراغَمًا في الأرض وسعة؛ فالمراغَم مشتملٌ على مصالح الدين، والسعة على مصالح الدنيا، وذلك أنَّ كثيرًا من الناس يتوهَّم أنَّ في الهجرة شتاتًا بعد الألفة وفقرًا بعد الغنى وذلاًّ بعد العزِّ وشدَّة بعد الرخاء، والأمر ليس كذلك؛ فإنَّ المؤمن ما دام بين أظهر المشركين؛ فدينُهُ في غاية النقص؛ لا في العبادات القاصرة عليه كالصلاة ونحوها، ولا في العبادات المتعدِّية كالجهاد بالقول والفعل وتوابع ذلك؛ لعدم تمكُّنه من ذلك، وهو بصدد أن يُفْتَنَ عن دينِهِ، خصوصًا إن كان مستضعفًا؛ فإذا هاجر في سبيل الله؛ تمكَّن من إقامة دين الله وجهاد أعداء الله ومراغمتهم؛ فإنَّ المراغمة اسم جامعٌ لكلِّ ما يحصُلُ به إغاظةٌ لأعداء الله من قول وفعل وكذلك يحصل له سعة في رزقه، وقد وقع كما أخبر الله تعالى.
واعْتَبِرْ ذلك بالصحابة رضي الله عنهم؛ فإنهم لما هاجروا في سبيل الله وتركوا ديارهم وأولادهم وأموالهم لله؛ كمل بذلك إيمانهم، وحصل لهم من الإيمان التامِّ والجهاد العظيم والنصرِ لدين الله ما كانوا به أئمة لمن بعدهم، وكذلك حصل لهم مما يترتب على ذلك من الفتوحات والغنائم ما كانوا به أغنى الناس، وهكذا كلُّ مَن فَعَلَ فعلَهم؛ حَصَلَ له ما حَصَلَ لهم إلى يوم القيامة.
ثم قال: {ومن يخرج من بيتِهِ مهاجرًا إلى الله ورسولِهِ}؛ أي: قاصدًا ربَّه ورضاه ومحبَّته لرسوله ونصرًا لدين الله لا لغير ذلك من المقاصد. {ثم يدرِكْه الموتُ}: بقتل أو غيره، {فقد وَقَعَ أجرُهُ على الله}؛ أي: فقد حَصَلَ له أجرُ المهاجر الذي أدرك مقصودَه بضمان الله تعالى، وذلك لأنَّه نوى وجَزَمَ وحصل منه ابتداءٌ وشروعٌ في العمل؛ فمن رحمة الله به وبأمثاله أنْ أعطاهم أجْرَهم كاملًا، ولو لم يُكْمِلوا العمل، وَغَفَرَ لهم ما حصل منهم من التقصير في الهجرة وغيرها، ولهذا ختم هذه الآية بهذين الاسمين الكريمين، فقال: {وكان الله غفورًا رحيمًا}: يغفر للمؤمنين ما اقترفوه من الخطيئاتِ، خصوصًا التائبين المنيبين إلى ربهم، رحيمًا بجميع الخلق رحمةً أوجدتهم وعافتْهم ورزقتْهم من المال والبنين والقوَّة وغير ذلك، رحيمًا بالمؤمنين؛ حيث وفَّقهم للإيمان، وعلَّمهم من العلم ما يحصُلُ به الإيقان، ويَسَّرَ لهم أسبابَ السعادة والفلاح، وما به يدركونَ غايةَ الأرباح، وسيرون من رحمته وكرمِهِ ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر. فنسأل الله أن لا يحرِمَنا خيره بشرِّ ما عندنا.
______________
(1252): {التّائِبونَ العابِدونَ الحامِدونَ السّائِحونَ الرّاكِعونَ السّاجِدونَ الآمِرونَ بِالمَعروفِ وَالنّاهونَ عَنِ المُنكَرِ وَالحافِظونَ لِحُدودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ المُؤمِنينَ} [التوبة: (112)]
تفسير السعدي:
كأنه قيل: من هم المؤمنون الذين لهم البشارةُ من الله بدخول الجنات ونَيْل الكرامات؟ فقال: هم: {التائبون}؛ أي: الملازمون للتوبة في جميع الأوقات عن جميع السيئات. {العابدونَ}؛ أي: المتَّصفون بالعبوديَّة لله والاستمرار على طاعته من أداء الواجبات والمستحبَّات في كل وقتٍ؛ فبذلك يكون العبد من العابدين. {الحامدون}: لله في السرَّاء والضرَّاء واليسر والعسر، المعترفون بما لله عليهم من النعم الظاهرة والباطنة، المثنون على الله بذكرها وبذكره في آناء الليل وآناء النهار. {السائحون}: فسِّرت السياحة بالصيام، أو السياحة في طلب العلم، وفسِّرت بسياحة القلب في معرفة الله ومحبته والإنابة إليه على الدوام، والصحيح أنَّ المرادَ بالسياحة السفرُ في القُرُبات؛ كالحجِّ والعمرة والجهاد وطلب العلم وصلة الأقارب ونحو ذلك. {الراكعون الساجدون}؛ أي: المكثرون من الصلاة، المشتملة على الركوع والسجود. {الآمرون بالمعروف}: ويدخل فيه جميع الواجباتِ والمستحبَّات. {والناهون عن المنكر}: وهي جميع ما نهى الله ورسوله عنه. {والحافظون لحدود الله}: بتعلُّمهم حدودَ ما أنزل الله على رسوله، وما يدخُلُ في الأوامر والنواهي والأحكام، وما لا يدخل، الملازمون لها فعلًا وتركًا. {وبشِّر المؤمنين}: لم يذكُرْ ما يبشِّرهم به؛ ليعمَّ جميع ما رتَّب على الإيمان من ثواب الدُّنيا والدين والآخرة؛ فالبشارةُ متناولةٌ لكلِّ مؤمن، وأما مقدارُها وصفتُها؛ فإنَّها بحسب حال المؤمنين وإيمانهم قوةً وضعفًا وعملًا بمقتضاه.
______________
(1253): من خصائص ذي القعدة أن عُمَر النبي صلى الله عليه وسلم كلها كانت في ذي القعدة، سوى عمرته التي قرنها بحجته مع أنه صلى الله عليه وسلم أحرم بها أيضا في ذي القعدة وفعلها في ذي الحجة مع حجته،
وكانت عمره صلى الله عليه وسلم أربعا:
عمرة الحديبية ولم يتمها بل تحلل منها ورجع.
وعمرة القضاء من قابل.
وعمرة الجعرانة عام الفتح لما قسم غنائم حنين. وقيل: إنها كانت في آخر شوال، والمشهور أنها كانت في ذي القعدة، وعليه الجمهور.
وعمرته في حجة الوداع كما دلت عليه النصوص الصحيحة، وعليه جمهور العلماء أيضا.
وقد روي عن طائفة من السلف منهم:
ابن عمر، وعائشة، وعطاء، تفضيل عمرة ذي القعدة وشوال على رمضان.
[لطائف المعارف (ص/259) لابن رجب]
______________
(1254): قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
لا يجوز كتابة اسم الميت على حجر عند القبر، أو على القبر؛ لأنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، حتى ولو آية من القرآن، ولو كلمة واحدة، ولو حرف واحد؛ لا يجوز.
أمَّا إذا علَّم القبر بعلامة غير الكتاب؛ لكي يُعرف للزِّيارة والسَّلام عليه، كأن يخطَّ خطًّاً، أو يضع حجرًا على القبر ليس فيه كتابة، من أجل أن يزور القبر ويسلِّم عليه؛ لا بأس بذلك.
أمَّا الكتابةُ؛ فلا يجوز؛ لأن الكتابة وسيلة من وسائل الشِّرك؛ فقد يأتي جيلٌ من الناس فيما بعد، ويقول: إنَّ هذا القبر ما كُتِبَ عليه إلا لأنَّ صاحبه فيه خيرٌ ونفعٌ للناس، وبهذا حدثت عبادة القبور.
[المنتقى (جزء (1)، (211))].
______________
(1255): لَعَنَ الله زائراتِ القُبُورِ
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
أما المرأة؛ فلا يجوز لها أن تزور القبور؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لَعَنَ الله زوَّاراتِ القبورِ)
وفي رواية: (لَعَنَ الله زائراتِ القُبُورِ)
واللعن يقتضي أن هذا كبيرة من كبائر الذنوب؛ فلا يجوز للمرأة أن تزور القبور، وإنما هذا خاص بالرجال.
[المنتقى (جزء (1)، (208))].
______________
(1256): قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:
وإنكم اليوم تستقبلون الأشهر الحرم الثلاثة، فلا تظلموا فيهن أنفسكم، التزموا حدود الله تعالى، أقيموا فرائض الله، واجتنبوا محارمه، أدوا الحقوق فيما بينكم وبين ربكم، وفيما بينكم وبين عباده.
الضياء اللامع: (704/ 9)
______________
(1257): ((الأشهر الحرم))
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
الأشهر الحرم وهي: رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم.
مجموع الفتاوى؛ (291/ 25)
______________
(1258): عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا شَيْئًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ))
صححه الألباني في صحيح الترمذي (2657)
وعَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَبَلَّغَهُ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَحْفَظُ مِنْ سَامِعٍ))
سنن ابن ماجه – رقم: (232)
الحديث صحيح.
قال الإمام ابن تيمية رحمه الله:
وفي هذا دعاء منه لمن بلغ حديثه وإن لم يكن فقيها، ودعاء لمن بلغه وإن كان المستمع أفقه من المبلغ لما أعطى المبلغون من النضرة، ولهذا قال سفيان بن عيينة: لا تجد أحداً من أهل الحديث إلا في وجهه نضرة لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم .
مجموع الفتاوى: (11/ 1)