(4) / (12) / (2021) (10): (12) ص – سيف بن دورة الكعبي: 241 جامع الأجوبة الفقهية ص 283
مشاركة ناصر الريسي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
بلوغ المرام
102 – وعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سأل أهل قباء فقال: (إن اللَّه يثنى عليكم؟) فقالوا: (إنا نتبع الحجارة الماء) رواه البزار بسند ضعيف، وأصله فى أبى داؤد والترمذى وصححه ابن خزيمة من حديث أبى هريرة رضى اللَّه عنه بدون ذكر الحجارة.
مسألة: الجمع بين الحجارة والماء، وإذا اقتصر على أحدهما فأيهما أفضل؟
– تخريج الحديث:
قال الشيخ البسام في توضيح الأحكام (1/ 363):
الحديث صحيح بدون ذكر الحجارة، ضعيف معها.
قال في التلخيص: حديث قباء: ” … وكانوا يجمعون بين الماء والحجارة”، رواه البزار في مسنده، وقال لا نعلم أحدا رواه عن الزهري إلا محمد بن عبد العزيز، ومحمد بن عبد العزيز ضعفه أبو حاتم؛ ولذا قال النووي في شرح المهذب: المعروف من طرق الحديث أنهم كانوا يستنجون بالماء، وقال في الخلاصة: وأما ما اشتهر في كتب التفسير والفقه من جمعهم بين الأحجار والماء، فلا يعرف، والمحفوظ الاقتصار على الماء. وضعفه أبو حاتم، والنووي، وابن القيم، وابن حجر، وقال المحب الطبري: لا أصل له، ومرادهم الجمع بين الماء والحجارة، وأما الاقتصار على الماء، فقال الشيخ الألباني: الصحيح أن الآية نزلت في استعمال الماء فقط، كما في الحديث الذي رواه أبو داود عن أبي هريرة مرفوعا.
وبالاقتصار على الماء صححه ابن خزيمة، وأخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه؛ فصح الحديث بشواهده.
– التعريفات:
(قباء) موضع بقرب مدينة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من جهة الجنوب نحو ميلين، وهو بضم القاف.
(يثنى عليكم) أي يمدحكم.
(نتبع الحجارة الماء) أي نجمع بينهما في الاستنجاء.
– حكم الجمع بين الحجارة والماء.
اختلف الفقهاء في مسألة الجمع بين الحجارة والماء على ثلاثة أقول:
الأول: استحباب الجمع بين الحجارة والماء، فيقدم الحجارة لتخفيف النجاسة، ثم يتبعها الماء وهذا مذهب جمهور أهل العلم.
الثاني: لا تجزئ الحجارة مع القدرة على الماء، اختاره ابن حبيب من المالكية
الثالث: لا يشرع الجمع بين الحجارة والماء وهو من البدع، وهو اختيار الشيخ الالباني رحمه الله.
– وقد استدل الجمهور على استحباب الجمع بين الحجارة والماء بحديث الباب وهو ضعيف كما تقدم وبحديث أبي هريرة الذي في البخاري.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه كان يحمل مع النبي – صلى الله عليه وسلم – إداوة لوضوئه وحاجته، فبينما هو يتبعه بها، فقال: من هذا؟ فقال: أنا أبو هريرة، فقال: أبغني أحجاراً أستنفض بها، ولا تأتني بعظم ولا بروثة، فأتيته بأحجار أحملها في طرف ثوبي حتى وضعت إلى جنبه، ثم انصرفت حتى إذا فرغ مشيت. فقلت: ما بال العظم والروثة؟ قال: هما من طعام الجن، وإنه أتاني وفد جن نصيبين، ونعم الجن، فسألوني الزاد، فدعوت الله لهم أن لا يمروا بعظم ولا بروثة إلا وجدوا عليها طعاماً. صحيح البخاري (3860)
وجه الاستدلال:
قوله: “كان يحمل مع النبي – صلى الله عليه وسلم – إداوة لوضوئه وحاجته” فالماء كان للوضوء والحاجة، أي لطهارة الحدث والخبث، قال: فقال: “أبغني أحجاراً استنفض بها” وقد طلب الرسول – صلى الله عليه وسلم – الحجارة، فيبعد أن يسعى أبو هريرة بحمل الماء لحاجة النبي – صلى الله عليه وسلم -، ثم لا يستعمله، وهو أولى من الحجارة، وأشد أنقاء، فربما طلب الحجارة ليخفف أثر النجاسة، ثم يزيل عينها بالماء، وهو ليس صريحاً بأنه استعملهما معاً.
– قال الكاساني في بدائع الصنائع (1/ 21) بعد ذكره فعل الصحابة، أنهم أصبحوا يتبعون الحجارة الماء حيث يقول: “ثم صار بعد عصره من السنن بإجماع الصحابة، كالتراويح”. انتهى
– قال العدوي في حاشيته (1/ 224): حاصل ما في ذلك المقام أن الجمع بين الماء الحجر هو الأفضل على الإطلاق، ثم يلي ذلك الجمع بين الماء وغير الحجر من كل طاهر منق، ثم الماء وحده، ثم الحجر وحده، ثم غير الحجر وحده من كل طاهر منق. فالمراتب خمسة لا ثلاثة كما ذكره بعض الشراح. انتهى
– قال الحطاب في مواهب الجليل (1/ 283): وعن ابن حبيب من المالكية أنه منع الاستنجاء بالماء لأنه مطعوم. ثم قال: والمنقول عن ابن حبيب أنه منع الاستجمار مع وجود الماء. انتهى
– قال ابن قدامة في المغني (1/ 112):
“وإن أراد الاقتصار على أحدهما فالماء أفضل؛ لما روينا من الحديث؛ ولأنه يطهر المحل، ويزيل العين والأثر، وهو أبلغ في التنظيف. وإن اقتصر على الحجر أجزأه، بغير خلاف بين أهل العلم؛ لما ذكرنا من الأخبار؛ ولأنه إجماع الصحابة – رضي الله عنهم -، والأفضل أن يستجمر بالحجر، ثم يتبعه الماء. قال أحمد: إن جمعهما فهو أحب إلي؛ لأن عائشة قالت: «مرن أزواجكن أن يتبعن الحجارة الماء من أثر الغائط والبول؛ فإني أستحييهم، كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يفعله.» احتج به أحمد ورواه سعيد؛ ولأن الحجر يزيل عين النجاسة فلا تصيبها يده، ثم يأتي بالماء فيطهر المحل، فيكون أبلغ في التنظيف وأحسن”. انتهى
– قال النووي في المجموع (2/ 116): المعروف في كتب الحديث، أنهم كانوا يستنجون بالماء، وليس فيها ذكر الجمع بين الماء والأحجار. وأما قول المصنف – الشيرازي: قالوا نتبع الحجارة الماء، فكذا يقوله أصحابنا وغيرهم، في كتب الفقه والتفسير، وليس له أصل في كتب الحديث. انتهى
– قال الامام الصنعاني في سبل السلام (1/ 122):
” يتحصل من هذا كله أن الاستنجاء بالماء أفضل من الحجارة، والجمع بينهما أفضل من الكل بعد صحة ما في الإلمام، ولم نجد عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه جمع بينهما”. انتهى
– قال الشيخ الالباني في تمام المنة (ص:65): الجمع بين الحجارة والماء في الاستنجاء لم يصح عنه – صلى الله عليه وسلم -، فأخشى أن يكون من الغلو في الدين؛ لأن هديه – صلى الله عليه وسلم – الاكتفاء بأحدهما، وخير الهدي هدي محمد – صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها. انتهى
– قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في فتح ذي الجلال والإكرام (1/ 316):
أن الجمع بين الاستجمار والماء أفضل من الاقتصار على أحدهما، فإذا اقتصر على أحدهما فأيهما أفضل الماء أو الحجارة؟ قال العلماء: الماء أفضل؛ لأنه أنقى وأطيب، والمقصود: الإنقاء، فمتى حصل إنقاء أكثر وأشد كان أولى وأدنى من ذلك الأحجار لكنها مطهرة، كما سبق أن الاستجمار الشرعي الذي يكون ثلاث مسحات منقية فأكثر يكون مطهرا. انتهى
وسبق التوسع قريبا في مسألة الجمع بين الحجارة والماء في فوائد حديث 84 – أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يدخل الخلاء، فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء وعنزة، فيستنجي بالماء. متفق عليه.
والله أعلم …