4 – بَابُ رُؤْيَا النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
18 – (2270) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَأَيْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فِيمَا يَرَى النَّائِمُ، كَأَنَّا فِي دَارِ عُقْبَةَ بْنِ رَافِعٍ، فَأُتِينَا بِرُطَبٍ مِنْ رُطَبِ ابْنِ طَابٍ، فَأَوَّلْتُ الرِّفْعَةَ لَنَا فِي الدُّنْيَا، وَالْعَاقِبَةَ فِي الْآخِرَةِ، وَأَنَّ دِينَنَا قَدْ طَابَ»
——————
-قال صاحب أسد الغابة: عقبة بن رافع وقيل: ابن نافع بن عبد القيس بن لقيط بن عامر بن أمية بن الحارث بن عامر بن فهر القرشي الفهري
شهد فتح مصر وولي الإمرة على المغرب واستشهد بإفريقية قاله أبو نعيم
وقال أبو موسى: عقبة بن رافع جمع أبو نعيم بينه وبين عقبة بن نافع والظاهر أنهما اثنان
قال ابن حجر في الإصابة:
عقبة بن رافع الأنصاري له ذكر ورواية ففي صحيح مسلم من طريق ثابت عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم رأيت كأني في دار عقبة بن رافع … وأخرجه بن منده في ترجمة عقبة بن نافع فصحفه وتعقبه أبو نعيم.
فوائد:
-يستأنس بالأسماء التي ترى في الرؤى على تأويلها، ويسترشد، وكذلك يستأنس أحياناً بالألوان التي ترى في الرؤى، وبالأشخاص الذين يرون فيها وبالكلمات التي تقال في الرؤيا.
-دين الإسلام دين فيه الرفعة، ودين كامل قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْت لَكمْ دِينَكمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكمْ نِعْمَتِي وَرَضِيت لَكم الْأِسْلامَ دِيناً} (المائدة: من الآية3)
-قال ابن القيم كما في تحفة المودود: تستحب التسمية بالأسماء ذات المعاني الحسنة الطيبة، فإن الاسم له مدلول على المسمى، ولما قدم سهيل بن عمرو في صلح الحديبية كي يتفق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عليه الصلاة والسلام -فيما رواه البخاري من طريق عكرمة مرسلاً-: (قد سهل لكم من أمركم) أي: كان متفائلاً باسم سهيل بن عمرو، وقال عليه الصلاة والسلام في القبائل: (أسلم سالمها الله، وغفار غفر الله لها، وعصية عصت الله ورسوله)؛ …. فللمسمى صلة بالاسم حتى في الرؤيا
وإذا أردت أن تعرف تأثير الأسماء في مسمياتها، فتأمل حديث سعيد بن المسيب عن أبيه عن جده قال: أتيت إلى النبي – صلى الله عليه وسلم -، فقال: ((ما اسمك؟)) قلت: حزن، فقال: ((أنت سهل))، قال: قلت: لا أُغيِّر اسماً سمّانيه أبي، قال ابن المسيب: فما زالت تلك الحزونة فينا بعد. رواه البخاري في صحيحه، والحزونة: الغلظة، ومنه أرض حزنة وأرض سهلة. … ومن البلاء الحاصل بالقول: قول الشيخ البائس، الذي عاده النبي – صلى الله عليه وسلم – فرأى عليه حمى فقال: ((لا بأس طهور إن شاء الله)) فقال: بل حمى تفور، على شيخ كبير، تزيره القبور. فقال عليه الصلاة والسلام: ((فنعم إذاً)). انتهى بتصرف يسير
-العاقبة للتقوى، قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} أي: وحسن العاقبة في الدنيا والآخرة، وهي الجنة، لمن اتقى الله. ثم ذكر حديث الباب.
–فيه تعبير الرؤى بالأسماء، وسبق أن صهيب رضي الله عنه رأى أبا بكر الصديق رضي الله عنه وفي يده غل عند باب أبي الحشر فأولها أبوبكر بأن الله يجمع له دينه إلى يوم الحشر.
وقيل الذى رأى الرؤيا سلمان رضي الله عنه، وروي الحديث مرفوعا وموقوفا، وابن حجر قال: أخرجه أبوبكر بن أبي شيبة بسند صحيح عن مسروق قال: مرَّ صهيب بأبي بكر فأعرض عنه … فذكره موقوفاً كما ذكرناه (راجع كتاب الرؤيا للدينوري، وفتح الباري باب القيد في المنام)
-وهذا الحديث ذكر صاحب مرقاة المصابيح أنه يمكن يأول على العدو؛ فيأخذ من عقبة العقوبة لهم، من قوله تعالى (فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم) فله وجه أن يكون بمعنى العقوبة، ويأخذ من رافع رفعهم- يعني أظنه يقصد للموت – وطاب موتهم. انتهى بمعناه
– يأخذ من هذا الحديث وغيره من الأحاديث أن الرؤيا الطيبة تعبر، والسيئة لا تعبر خاصة إذا كانت تسبب فتنة، وسيأتينا في هذا الباب حديث أنه صلى الله عليه وسلم (هز سيفاً فانقطع صدره …. ورأيت بقراً، والله خير) فلم يعبرها، وورد في الصحيحة 1340 ” إذا رأى أحدكم الرؤيا تعجبه فليذكرها و ليفسرها و إذا رأى أحدكم الرؤيا تسوؤه، فلا يذكرها و لا يفسرها “.
ولو كانت، رؤيا إنذار، ومنه قوله تعالى (يا أيها الذين ءآمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم)، لكن يوصى المسلم بتقوى الله والانكفاف عن معصيته، وكان ابن سيرين يسأل عن مائة رؤيا فلا يعبرها إنما يوصي صاحبها بتقوى الله، وأنها لن تضرك.
وكما قدمنا لا يسأل إلا عالم أو ناصح، ومنه أن يوسف عليه السلام إنما سأل يعقوب عليهما الصلاة والسلام، فعلم ما فيها من الخير فأرشده أن لا يقصها على إخوته لكي لا يحسدوه.
وفي التمهيد، قال مالك: لا يعبر الرؤيا إلا من يحسنها، فإن رأى خيراً أخبر به وإن رأى مكروهاً فليقل خيراً أو ليصمت، وقيل له فهل يعبرها على خير وهي عنده مكروه، لقول من قال: أنها على ما أولت عليه فقال: لا، ثم قال: الرؤيا جزء من النبوة فلا يتلاعب بالنبوة
-وانظر لكلمات النبي صلى الله عليه وسلم حين تذكر له رؤيا، فقال لمن رأى الأذان (إن هذه الرؤيا حق إن شاء الله) وقال (فلله الحمد)، وقال في رؤيا عبدالله بن سلام (رأيت خيراً)
ويمكن إجمال شروط المعبر: أن يكون عالم؛ لأنها من أجزاء النبوة. وأن يكون ناصحاً فلا يحمله بغض شخص على تعبيرها بالسوء. ويعبر وفق أصول الشريعة، ويعبر الخير دون الشر، وأن يكون تعبيره مستند إلى أمور معتبرة، ويلزمه معرفة أحوال الرائي. انتهى من بحث لأحد المعاصرين
حتى قال ابن بطال: والمحفوظ عن الأنبياء وإن كان أصلاً فلا يعم أشخاص الرؤيا، فلا بد للبارع في هذا العلم أن يستدل بحسن نظره فيرد ما لم ينص عليه إلى حكم التمثيل ويحكم له بحكم النسبة الصحيحة فيجعل أصلا يلحق به غيره كما يفعل الفقيه في فروع الفقه.
قال البغوي في شرح السنة بعد أن ذكر التأويل بالقرآن وبالسنة وبالأمثال: التَّاوِيلُ بِالأَسَامِي، كَمَنْ رَأَى رَجُلا يُسَمَّى رَاشِدًا يُعَبَّرُ بِالرُّشْدِ، وَإِنْ كَانَ يُسَمَّى سَالِمًا يُعَبَّرُ بِالسَّلامَةِ. وذكر الحديث
ثم قال البغوي بعد أن ذكر تأويل بعض الأسماء مثل الأترج وغيره:
، وَأَمَّا التَّاوِيلُ بِالضِّدِّ وَالْقَلْبِ، فَكَمَا أَنَّ الْخَوْفَ فِي النَّوْمِ يُعَبَّرُ بِالأَمْنِ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} [النُّور: 55]، وَالأَمْنُ فِيهِ يُعَبَّرُ بِالْخَوْفِ ….
وقال: وَقَدْ يَتَغَيَّرُ التَّاوِيلُ عَنْ أَصْلِهِ بِاخْتِلافِ حَالِ الرَّائيِ كَالْغُلِّ فِي النَّوْمِ مَكْرُوهٌ، وَهُوَ فِي حَقِّ الرَّجُلِ الصَّالِحِ قَبْضُ الْيَدِ عَنِ الشَّرِّ، وَكَانَ ابْنِ سِيرِينَ يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ يُصِيبُ سُلْطَانًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ يُصْلَبْ، وَسَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ سِيرِينَ، قَالَ: رَأَيْت فِي الْمَنَامِ كَأَنِّي أُؤَذِّنُ. قَالَ: تَحَجُّ. وَسَأَلَهُ آخَرُ، فَأَوَّلَ بِقَطْعِ يَدِهِ فِي السَّرِقَةِ، فَقِيلَ لَهُ فِي التَّاوِيلَيْنِ، فَقَالَ: رَأَيْتُ الأَوَّلَ عَلَى سِيمَاءَ حَسَنَةٍ، فَأَوَّلْتُ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الْحَج: 27]، وَلَمْ أَرْضَ هَيْئَةَ الثَّانِي، فَأَوَّلْتُ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} [يُوسُف: 70]، وَقَدْ يَرَى الرَّجُلُ فِي مَنَامِهِ فَيُصِيبُهُ عَيْنُ مَا رَأَى حَقِيقَةً مِنْ وِلايَةٍ، أَوْ حَجٍّ، أَوْ قُدُومِ غَائِبٍ، أَوْ خَيْرٍ، أَوْ نَكْبَةٍ، فَقَدْ رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَتْحَ، فَكَانَ كَذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ} [الْفَتْح: 27].انتهى كلام البغوي
-قال ابن القيم: رُؤْيا الْأَنْبِيَاء وحى فَهُوَ على ظَاهرهَا لَا كنحو مَا روى عَنهُ أَنه قَالَ رَأَيْت كَأَن سَيفي انْقَطع فَأَوَّلْته كَذَا وَكَذَا وَرَأَيْت بقرًا تنحر وَرَأَيْت كأنا فِي دَار عقبَة بن رَافع.
ومن الأحاديث التي عبرها النبي صلى الله عليه وسلم:
-فورد من رواية الزهري عن خارجة بن زيد بن ثابت أن أم العلاء – امرأة من الأنصار بايعت النبي – صلى الله عليه وسلم} – أخبرته أنه اقتسم المهاجرون قرعة ً قالت فطار لنا عثمان بن مظعون فأنزلناه في أبياتنا فوجع وجعه الذي توفي فيه فلما توفي وغسل وكفن في أثوابه دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقلت: رحمة الله عليك أبا السائب فشهادتي عليك لقد أكرمك الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وما يدريك أن الله أكرمه فقلت بأبي أنت يا رسول الله فمن يكرمه الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما هو فقد جاءه اليقين والله إني لأرجو له الخير والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي، قالت: فوالله لا أزكي بعده أحداً يا رسول الله قال البخاري: وقال نافع بن يزيد عن عقيل ما يفعل به، قال: وتابعه شعيب وعمرو بن دينار ومعمر وفي حديث الليث ومعمر نحوه وزاد قالت: وأريت لعثمان في النوم عيناً تجري فجئت لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – فذكرت ذلك له فقال: ذاك عمله، وفي حديث إبراهيم بن سعد وشعيب بن أبي حمزة
فأحزنني ذلك فنمت فرأيت لعثمان عيناً تجري
– وأخرج البخاري ومسلم عن قيس بن عباد قال: كنت بالمدينة في ناس فيهم بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رجل في وجهه أثر من خشوع فقال بعض القوم: هذا رجل من أهل الجنة هذا رجل من أهل الجنة، فصلى ركعتين يتجوز فيهما ثم خرج فاتبعته، فدخل منزله ودخلت فتحدثنا فلما استأنس قلت له: إنك لما دخلت قبل قال رجل: كذا وكذا قال: سبحان الله ما ينبغي لأحد ان يقول ما لا يعلم وسأحدثك لم ذلك رأيت رؤيا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقصصتها عليه رأيتني في روضة ذكر سعتها وعشبها وخضرتها ووسط الروضة عمود من حديد أسفله في الأرض وأعلاه في السماء في أعلاه عروة فقيل لي: إرقه فقلت له: لا أستطيع فجاءني منصف – قال بن عون: والمنصف الخادم فقال بثيابي من خلفي وصف أنه رفعه من خلفه بيده فرقيت حتى كنت في أعلى العمود فأخذت بالعروة فقيل لي: استمسك فلقد استيقظت وإنها لفي يدي فقصصتها على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تلك الروضة الإسلام وذلك العمود عمود الإسلام وتلك العروة عروة الوثقى وأنت على الإسلام حتى تموت قال: والرجل عبد الله بن سلام
– ومن ذلك أيضًا رؤياه أنه ضرب له مثل آخر، وقد جاء ذلك فيما رواه البخاري 7281 والبيهقي في “دلائل النبوة” من طريق سعيد بن مِيْنَاء حدثنا – أو سمعت – جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: «جاءت ملائكة إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو نائم فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: إن لصاحبكم هذا مثلاً، قال: فاضربوا له مثلاً، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: مثله كمثل رجل بنى دارًا وجعل فيها مأدبة وبعث داعيًا، فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة، فقالوا: أولوها له يفقهها، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: فالدار الجنة والداعي محمد – صلى الله عليه وسلم – فمن أطاع محمدًا – صلى الله عليه وسلم – فقد أطاع الله، ومن عصى محمدًا – صلى الله عليه وسلم – فقد عصى الله، ومحمد فرق بين الناس». قال البخاري: تابعه قتيبة عن ليث عن خالد عن سعيد بن أبي هلال عن جابر، خرج علينا النبي – صلى الله عليه وسلم -.
قال ابن بطال قوله: “أوّلوها” يدل على أن الرؤيا على ما عبرت في النوم.
– وذكر صاحبنا مصطفى الموريتاني: ومن الرؤيا التي رآها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأَوَّلّها رؤياه في الغنم السود والبيض. وقد جاء فيها ثلاثة أحاديث. أحدها: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «رأيت غنمًا كثيرة سوداء دخلت فيها غنم كثيرة بيض»، قالوا: فما أوّلته يا رسول الله؟ قال: «العجم يشركونكم في دينكم وأنسابكم» رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري ووافقه الذهبي في تلخيصه
وهو في الصحيحة 1017،1018 انتهى
تنبيه: وفي الحديث زيادة منكرة ذكرها الألباني في الضعيفة 2052
قال صاحبنا أبوصالح:
1 – ورد في إسناده عند الحاكم عن عبد الرحمن عن عبد الله بن دينار، واستظهر الالباني أن الصواب عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار.
قلت يؤيده أن الحديث رواه إسماعيل بن جعفر ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن زيد بن أسلم مرفوعا به مرسلا.
هكذا جاء في حديث علي بن حجر السعدي عن إسماعيل بن جعفر.
2 – ورد عند الحاكم في آخر الحديث
” أسعدهم به الناس” واستشكلها الالباني رحمه الله وقال ولعل الصواب ” وأسعد بهم الناس”. قلت وردت في حديث إسماعيل بن جعفر ” أسعدهم به فارس” ولعلها الاقرب والله أعلم.
والحديث أورده الالباني كما تفضل الاخ في الصحيحة1018 وحسن هذا الاسناد، ثم ذكر له شواهد صححه بها. انتهى
قلت: عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار لا يحتمل الاختلاف عليه في الوصل والإرسال أما عن شاهده من حديث عبدالرحمن بن أبي ليلى عن أبي بكر، رجح الدارقطني في العلل 80 فيه الإرسال.
أما عن حديث أبي هريرة فهو في فضائل الصحابة من زوائد عبدالله من طريق زائدة عن هشام عن الحسن قال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رأيت كأني انزع على غنم سود فخالطها غنم عفر فأولت السود العرب والعفر من خالطهم من إخوانهم من العجم قال فبينما أنا كذلك إذ جاء أبوبكر فأخذ الدلو فنزع ذنوباً أو ذنوبين وهو ضعيف والله يغفر له ثم جاء عمر …. ) ومراسيل الحسن من أضعف المراسيل، وهذا المرسل يعلل الحديث المتصل عن أبي هريرة، ثم حديث أبي هريرة رضي الله عنه ورد في الصحيحين من طرق عن أبي هريرة رضي الله عنه بغير هذه الزيادة، وهو كذلك في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، ففي ثبوتها عندي نظر.
-وذكر التويجري في كتابه الأحاديث السابقة في فصول منها؛ فصل في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم، وفصل في رؤيا الصحابة، وفصل في ذكر ما رآه النبي – صلى الله عليه وسلم – في منامه ولم يخبر بتأويله
فمن ذلك رؤياه في النزع من القليب وقد جاء ذلك في حديثين. أحدهما: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: «بينا أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو فنزعت منها ما شاء الله ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع بها ذنوبًا أو ذنوبين وفي نزعه ضعفه، والله يغفر له ضعفه، ثم استحالت غربًا فأخذها ابن الخطاب فلم أر عبقريًا من الناس ينزع نزع عمر حتى ضرب الناس بعطن» رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم وابن حبان …
وتأويله ظاهر من قيام النبي – صلى الله عليه وسلم – بالدعوة إلى الله تعالى وجهاد المشركين وبذل النصيحة للأمة وتعليمهم أمور دينهم وما ينفعهم في دنياهم وآخرتهم وغير ذلك من الأمور العظيمة والمصالح العامة التي قام بها – صلى الله عليه وسلم – أتم القيام، ثم قام أبو بكر الصديق بما كان يتولاه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من أمور المسلمين أتم القيام وحارب أهل الردة حتى أدخلهم من الباب الذي خرجوا منه، ثم بعث الجيوش إلى الفرس والروم وحصل في زمانه عدة انتصارات عليهم، ثم كانت خاتمة أعماله الجليلة أَنْ عهد بالخلافة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فكانت ولاية عمر رضي الله عنه حسنة من حسنات أبي بكر رضي الله عنه
19 – (2271) وَحَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ، أَخْبَرَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” أَرَانِي فِي الْمَنَامِ أَتَسَوَّكُ بِسِوَاكٍ، فَجَذَبَنِي رَجُلَانِ، أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الْآخَرِ، فَنَاوَلْتُ السِّوَاكَ الْأَصْغَرَ مِنْهُمَا، فَقِيلَ لِي: كَبِّرْ، فَدَفَعْتُهُ إِلَى الْأَكْبَرِ ”
20 – (2272) حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ بَرَّادٍ الْأَشْعَرِيُّ، وَأَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ – وَتَقَارَبَا فِي اللَّفْظِ – قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهْلِي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ، فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ، وَرَأَيْتُ فِي رُؤْيَايَ هَذِهِ أَنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا، فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ، فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ، فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ اللهُ بِهِ مِنَ الْفَتْحِ وَاجْتِمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ، وَرَأَيْتُ فِيهَا أَيْضًا بَقَرًا وَاللهُ خَيْرٌ، فَإِذَا هُمُ النَّفَرُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَإِذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللهُ بِهِ مِنَ الْخَيْرِ بَعْدُ، وَثَوَابُ الصِّدْقِ الَّذِي آتَانَا اللهُ بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ»
——————
-استعمال مسواك الغير ليس بمكروه، إلا أن المستحب أن يغسله ثم يستعمله، وفيه حديث عن عائشة رضي الله عنها وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدفع إليها السواك لتغسله فقالت: فكنت أبدأ به فأستاك ثم أغسله … (الفتح)، ومثله لَمَّا طلب النبي صلى الله عليه وسلم السواك الذي عند عبدالرحمن، أخذته عائشة فهذبته له.
-بوب البخاري على الحديث باب دفع السواك إلى الأكبر، وأخرج الحديث تعليقاً.
قال ابن بطال: ويلتحق به الطعام والشراب والمشي والكلام. قال المهلب: هذا إذا لم يترتب القوم، فإذا ترتبوا بدأ بالأيمن. وراجع الصحيحة 1555، حيث أيد الشيخ الألباني كلام المهلب أن الشراب يبدأ بالأيمن، أما الكلام فيبدأ بالأكبر.
قلت: لعل الشراب يعطى الأكبر أو الذي طلب أولاً ثم يبدأ بمن على يمينه، ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا سقى، قال: (ابدؤوا بالكبير) أخرجه أبو يعلى، قال ابن حجر: سنده قوي.
تنبيه: أشار البخاري إلى أن رواية أسامه مختصرة، فقال: اختصره نعيم عن ابن المبارك عن أسامه، ولفظها كما في الكبرى للبيهقي: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستاك فأعطاه أكبر القوم ثم قال: إن جبريل أمرني أن أكبر) قال محققو المسند: أسامه هو الليثي، صدوق، ويشهد له حديث عائشة في سنن أبي داود 50 وفيه أيضاً أن ذلك كان يقضه، قال ابن حجر: لَمَّا كان في اليقظة أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بما رآه في النوم.
-قال بعض أصحابنا: ورؤية إعطاء السواك للكبير هي رؤيا صريحة من نبينا صلى الله عليه وسلم فهي تشريع.
………………….
(شرح الحديث الثاني)
-قال بعض الأئمة؛ َفِيه أَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمى الْمَدِينَة يثرب، وَقد نهى عَنْهُ بعده وسماها طابة، لِأَنَّهُ كَانَ يُغير الِاسْم الْقَبِيح إِلَى الْحَسَن عَلَى التَّبَرُّك والتفاؤل.
وقال ابن الملقن في التوضيح: تسمية المدينة يثرب، وقد نهي عن التسمية بها … وسببه ما فيه من معنى التثريب، والشارع من شأنه تغيير الأسماء القبيحة إلى الحسنة. ويجوز أن يقال: إن هذا قبل النهي … ووسمها بطابة لتكون داعية لإيطابها للمسلمين واستطابة العيش بها.
قلت: ويحتمل أنه سماها بيثرب؛ لأن بعض السامعين لا يعرفها إلا بذلك، خاصه هنا قرن بين التسميتين.
قَالَ الْبغوي:
هَذَا الحَدِيث يشْتَمل عَلَى أَنْوَاع مِن الرُّؤْيَا مِنْهَا السَّيْف، وَالسيف السّلطان، فَإِن رَأَىهُ قد رَفعه فَوق رَأسه، نَالَ سُلْطَانا مَشْهُورا، فَإِن لم يكن مِمَّن يَنْبَغِي لَهُ، فَهُوَ وُلِدَ، … وَمَا حدث فِي السَّيْف مِن انكسار أَو ثلمة فَهُوَ حدث فِيمَا ينْسب السَّيْف إِلَيْهِ فِي التَّاوِيل، فَإِن رَأَى أَنَّهُ سل سَيْفا مِن غمد، ولدت امْرَأَته غُلَاما، فَإِن انْكَسَرَ السَّيْف فِي الغمد، مَاتَ الْوَلَد، وَإِن انْكَسَرَ الغمد دون السَّيْف، مَاتَت الْأُم، وَسلم الْوَلَد.
وانكسار الْقوس مُصِيبَة.
وَالْبَقر سنُون، فَإِن كَانَت سماناً كَانَت مخاصيب، وَإِن كَانَت عِجَافًا كَانَت مجاديب، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي قصَّة يُوسُف: {ثُمَّ يَاتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَاكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ} [يُوسُف: 48]،
وَالْفرس عز وسلطان.
والفيل سُلْطَان أعجمي، فَإِن رَكبه فِي أَرض حَرْب، كَانَت الدبرة عَلَى أَصْحَاب الْفِيل، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الْفِيل: 1].
ثم ذكر تأويل لبعض الحيوانات والهوام وقال:
وَكَذَلِكَ سَائِر الْهَوَام أَعدَاء عَلَى مَنَازِلهمْ، وَذُو السم مِنْهَا أبلغ فِي الْعَدَاوَة.
والنسر، وَالْعِقَاب سُلْطَان قوي.
وذكر تأويل بقية الطيور وقال:
والديك رَجُل أعجمي مِن نسل الْمُلُوك، قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: رَأَيْت فِيمَا يرى النَّائِم أَن ديكا نقرني نقرة أَو نقرتين، فأولت أَن رجلا مِن الْعَجم سيقتلني، فَقتله أَبُو لؤلؤة غُلَام الْمُغيرَة.
ثم ذكر تأويل الضفدع والجراد والسمكة. انتهى باختصار
قال النووي
قال العلماء وتفسيره صلى الله عليه و سلم هذه الرؤيا بما ذكره؛ لأن سيف الرجل أنصاره الذين يصول بهم كما يصول بسيفه وقد يفسر السيف في غير هذا بالولد والوالد والعم أو الأخ أو الزوجة، وقد يدل على الولاية أو الوديعة وعلى لسان الرجل وحجته، وقد يدل على سلطان جائر وكل ذلك بحسب قرائن تنضم تشهد لأحد هذه المعاني في الرائي أو في الرؤية.
قال: وقد جاء في غير مسلم زيادة في هذا الحديث (ورأيت بقراً تنحر)، وبهذه الزيادة يتم تأويل الرؤيا بما ذكر فنحر البقر هو قتل الصحابة رضي الله عنهم الذين قتلوا بأحد.
قال القاضي عياض: ضبطنا هذا الحرف عن جميع الرواة والله خير رفع الهاء والراء على المبتدأ سيف، والخبر: (وبعد يوم بدر) بضم دال بعد ونصب يوم، قال: وروى بنصب الدال قالوا: ومعناه ما جاء الله به بعد بدر الثانية من تثبيت قلوب المؤمنين؛ لأن الناس جمعوا لهم وخوفوهم فزادهم ذلك ايمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء وتفرق العدو عنهم هيبة لهم.
قال القاضي قال أكثر شراح الحديث: معناه: ثواب الله خير أي: صنع الله بالمقتولين خير لهم من بقائهم في الدنيا. قال القاضي: والأولى قول من قال: والله خير من جملة الرؤيا، وكلمة ألقيت إليه وسمعها في الرؤيا عند رؤياه البقر بدليل تأويله لها بقوله صلى الله عليه و سلم وإذا الخير ما جاء الله والله أعلم. انتهى
ورجح القرطبي في قوله: ((ورأيت أيضًا فيها بقرًا، والله خيرٌ)) أن معناه: وثواب الله خيرٌ للنفر المقتولين بالشهادة …
تنبيه 1: قد يقصد القاضي ببدر الثانية ما ذكره القرطبي: قال علماؤنا: إن يوم بدر في هذا الحديث هو يوم بدر الثاني، وكان من أمرها: أن قريشًا لما أصابت في أحد من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما أصابت، وأخذوا في الرُّجوع نادى أبو سفيان يُسمِعُ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقال: موعدكم يوم بدر في العام المقبل. فأمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعض أصحابه أن يجيبه بنعم، فلمَّا كان العام المقبل – وهي السنة الرابعة من الهجرة -؛ خرج في شعبانها إلى بدر الثانية، فوصل إلى بدر، وأقام هناك ينتظر أبا سفيان، وخرج أبو سفيان في أهل مكة حتى بلغ عسفان. ثمَّ: إنهم غلبهم الخوف، فرجعوا، واعتذروا بأن العام عام جدب. وكان عذرًا محتاجًا إلى عذر، فأخزى الله المشركين، ونصر المؤمنين. ثمَّ: إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يزل منصورًا، وبما يفتح الله عليه مسرورًا، إلى أن أظهر الله تعالى دينه على الأديان، وأخمد كلمة الكفر والطغيان.
تنبيه 2: سبق أن قررنا في الأبواب السابقة أن الرؤيا المكروهة لا تعبر، وهنا النبي صلى الله عليه وسلم لم يعبرها بل قال: (والله خير … ) تفاؤلاً على أحد المعاني، لكن يشكل أن عمر عبًر رؤيا الديك الذي نقره فقال: (ولا أراه إلا دنو أجلي) وتعبير يوسف عليه الصلاة والسلام لصاحبه في السجن، فربما نقول: أما تعبير يوسف عليه الصلاة والسلام فهو شرع من قبلنا ثم هو معجزة، ويمكن أن نقول أن التعبير إذا كان لا يسبب فتنه، كما حصل لعمر، فعمر رضي الله عنه يعرف أنه الباب وأنه سيكسر، وقال النبي صلى الله عليه وسلم (أسكن أحد فإنما عليك نبي أو صديق أو شهيد).
-المهلب ذكر قريب من المعنى السابق في تأويل السيف وقال:
وربما يكون السيف أباه أو عمه …
وقال: سيفه لسانه يجرده في خصومه أو منازعه، فإن لم تكن له نية وكان بذلك في مسجد … فإنه يقوم مقامًا بحجة ويبدى لسانه بالنصيحة والعلم والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. انتهى مختصراً من شرح ابن بطال
قال في مرقاة المصابيح في رجوع السيف أحسن:
أي تعبيره ما جاء به من الفتح أي فتح مكة أو صلح الحديبية؛ لأنها مفتاح الفتح، وهو أنسب؛ لعطف قوله (واجتماع المؤمنين) فإنه وقع حين فتح مكة.
أما القرطبي فحمله على ما بعد أحد مباشرة فقال يعني بعد غزوة أحد:
اجتمعت على ذلك جماعاتهم، وصحَّت في ذلك رغباتهم، فخرجوا على ما بهم من الضعف والجراح فغزوا غزوة حمراء الأسد … ثم فتح الله تعالى عليهم، ونصرهم في غزوة بني النضير، ثم في غزوة ذات الرِّقاع، ثم لم يزل الله تعالى يجمع المؤمنين، ويكثرهم، ويفتح عليهم إلى بدر الثانية، وكانت في شعبان في السنة الرابعة من الهجرة، وبعد تسعة أشهر ونصف شهر من أحد، فما فتح الله عليه به في هذه المدة هو المراد هنا كما يأتي.
وقال في قوله: ((فإذا هم النفر من المؤمنين يوم أحد))؛ يحتمل أن يكون أخذ ذلك من أن الرجال المقاتلة في الحرب يشبهون بالبقر؛ لما معها من أسلحتها التي هي قرونها، ولمدافعتها بها …
قال القاضي: وهذه الرؤيا تدل أنها كلها قبل الهجرة، وظاهرها أنها واحدة غير منفصلة، والله أعلم انتهى
يقصد قوله (رأيت في المنام أني أهجر … )، وقوله (ورأيت في رؤياي) فهي واحدة
وذكر بعض أهل العلم كلاماً مفاده: أن انقطاع صدر السيف ما أصاب المسلمين من الانكسار، أما البقر فهم الشهداء.
وقال ابن الملقن:
فيه: أن البقر يعبر بالرجال …. وعبرها في القرآن بالسنين، فهي تدل على أشياء كلٌّ تأوله ما يليق بها.
وفيه: تأخير البيان إلى وقت الحاجة إذا لم يتبين له، من حين رأى أنها المدينة.
-ذكر بعض العلماء أنه ورد في رواية “رأيت في ذباب سيفي ثلمة، وأدخلت يدي في درع حصينة فأولتها المدينة” رواه أحمد 1/ 271، والحاكم 2/ 128 – 129 من حديث ابن عباس، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد. ورواه أحمد 3/ 351، والدارمي 2/ 1378 (2205) والنسائي في “الكبرى” 4/ 389 (7647) من حديث جابر بن عبد الله
وعن ابن هشام: “فأما البقر فناس من أصحابي يقتلون، وأما الثلم الذي رأيت في سيفي فهو رجل من أهل بيتي يقتل “سيرة ابن هشام” 3/ 7.
وروى الواقدي أنه أراد أن لا يخرج من المدينة لرؤيا رآها. وفيها: “إن سيفي ذا الفقار انقسم من عند ظبته، وأولته بقتل رجل من بيتي، وكأني مردف كبشًا، وهو كبش الكتيبة يقتل إن شاء الله”
قلت: وهو في حديث ابن عباس عند الحاكم مطولاً، وفيه عبدالرحمن بن أبي الزناد لكن روايته عن هشام وأبيه لا بأس بها.
وسيأتي لحديث ابن عباس شاهد لبعضه من حديث جابر.
قال القسطلاني:
وبهذا الحديث سبب بينه في حديث ابن عباس المروي عند أحمد أيضًا والنسائي في قصة أُحد، وإشارة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن لا يبرحوا من المدينة وإيثارهم الخروج لطلب الشهادة ولبسه اللأمة وندامتهم على ذلك، وقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “لا ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل” وفيها “إني رأيت أني في درع حصينة” الحديث.
قلت: الحديث ذكره ابن الملقن في البدر المنير، فقال: «أنَّه – صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم – كَانَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ إِذا لبس لأمته أَن يَنْزِعهَا، حَتَّى يَلْقَى العدوَّ ويقاتِلُ».
هَذَا الحَدِيث ذكره البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» فِي بَاب قَول الله تَعَالَى (وشاورهم فِي الْأَمر) بِغَيْر إِسْنَاد، فَقَالَ: «وشاور النَّبِي – صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم – أَصْحَابه يَوْم أحد فِي الْمقَام وَالْخُرُوج، فَرَأَوْا لَهُ الْخُرُوج، فَلَمَّا لبس لأمته وعزم قَالُوا: أقِم. فَلم يمل إِلَيْهِم بعد الْعَزْم وَقَالَ: لَا يَنْبَغِي لنَبِيّ يلبس لامَتَهُ فَيَضَعهَا حَتَّى يحكم الله».
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من رِوَايَة أبي الْأسود، عَن عُرْوَة أَن رَسُول الله – صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم – قَالَ: «لَا يَنْبَغِي لنَبِيّ إِذا (أَخذ) لأمة الْحَرْب وَأذن فِي النَّاس بِالْخرُوجِ إِلَى الْعَدو أَن يرجع حَتَّى يُقَاتل». وَهُوَ بعض من حَدِيث طَوِيل، ذكره ثمَّ قَالَ: هَكَذَا رَوَاهُ مُوسَى بن عقبَة عَن الزُّهْرِيّ، وَكَذَلِكَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق صَاحب «الْمَغَازِي» عَن شُيُوخه من أهل الْمَغَازِي وَهُوَ عَام فِي أهل الْمَغَازِي وَإِن كَانَ مُنْقَطِعًا.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد كتبناه مَوْصُولا بِإِسْنَاد حسن … فَذكره من رِوَايَة ابْن عَبَّاس.
قلت: وَوَصله أَحْمد فِي «مُسْنده» من حَدِيث جَابر أَيْضا قَالَ: حَدثنَا عَفَّان، ثَنَا حَمَّاد، أبنا أَبُو الزبير، عَن جَابر بن عبد الله أَن رَسُول الله (قَالَ: «رَأَيْت كَأَنِّي فِي درع حَصِينَة وَرَأَيْت بقرًا منحرة، فأولت أَن الدرْع الحصينة الْمَدِينَة، وَأَن الْبَقر نفر، وَالله خير. فَقَالَ (أَصْحَابه): لَو أَنا أَقَمْنَا بِالْمَدِينَةِ؛ فَإِن دخلُوا علينا قاتلناهم. (فَقَالُوا): يَا رَسُول الله – صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم – مَا دخل علينا فِيهَا (فِي) الْجَاهِلِيَّة، فَكيف يدْخل (علينا) فِيهَا فِي الْإِسْلَام؟ فَقَالَ: شَانكُمْ إِذا. فَلبس لأمته فَقَالَ الْأَنْصَار: رددنا عَلَى رَسُول الله – صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم – رَايه! (فَجَاءُوا) فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، شَانك إِذا. فَقَالَ: إِنَّه لَيْسَ لنَبِيّ إِذا لبس لأمته أَن يَضَعهَا حَتَّى يُقَاتل».
فَائِدَة: اللأمة مَهْمُوزَة كَذَا قيدها القَاضِي عِيَاض فِي «مشارقه» وَكَذَا نَص عَلَيْهِ ابْن فَارس، وفسرها بالدرع (وَكَذَا قيدها بِهِ صَاحب «منَّة اللُّغَة» إِلَّا أَنه جعلهَا الدرْع التَّامَّة) وَكَذَا قيدها (بِهِ) الأجدابي فِي كِتَابه «كِفَايَة المتحفظ». انتهى كلام ابن الملقن
وانظر تغليق التعليق، وتخريج أحاديث الكشاف، والسلسلة الصحيحة 1100
21 – (2273) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ التَّمِيمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَدِمَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: إِنْ جَعَلَ لِي مُحَمَّدٌ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ تَبِعْتُهُ، فَقَدِمَهَا فِي بَشَرٍ كَثِيرٍ مِنْ قَوْمِهِ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَفِي يَدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِطْعَةُ جَرِيدَةٍ، حَتَّى وَقَفَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ، قَالَ: «لَوْ سَأَلْتَنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا، وَلَنْ أَتَعَدَّى أَمْرَ اللهِ فِيكَ، وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللهُ، وَإِنِّي لَأُرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيكَ مَا أُرِيتُ، وَهَذَا ثَابِتٌ يُجِيبُكَ عَنِّي» ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ.
21 – (2274) فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَسَأَلْتُ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّكَ أَرَى الَّذِي أُرِيتُ فِيكَ مَا أُرِيتُ» فَأَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ فِي يَدَيَّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، فَأَهَمَّنِي شَأْنُهُمَا، فَأُوحِيَ إِلَيَّ فِي الْمَنَامِ أَنِ انْفُخْهُمَا، فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا، فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ مِنْ بَعْدِي، فَكَانَ أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيَّ صَاحِبَ صَنْعَاءَ، وَالْآخَرُ مُسَيْلِمَةَ صَاحِبَ الْيَمَامَةِ»
22 – (2274) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ خَزَائِنَ الْأَرْضِ فَوَضَعَ فِي يَدَيَّ أُسْوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، فَكَبُرَا عَلَيَّ وَأَهَمَّانِي، فَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنِ انْفُخْهُمَا فَنَفَخْتُهُمَا فَذَهَبَا، فَأَوَّلْتُهُمَا الْكَذَّابَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنَا بَيْنَهُمَا: صَاحِبَ صَنْعَاءَ، وَصَاحِبَ الْيَمَامَةِ ”
23 – (2275) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: «هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمُ الْبَارِحَةَ رُؤْيَا؟»
———————-
– قد فسر أهل العلم بالتعبير هذه الرؤيا على هذه الصورة فقالوا:
إن نفخه، لهما يدل على أنهما يقتلان بريحه، لأنه لا يغزوهما بنفسه، وإن وَصْفَه لهما بأنهما من ذهب دلالة على كذبهما؛ لأن شأنهما زخرف وتمويه، كما دل لفظ السوارين على أنهما ملِكَان؛ لأن الأساورة هم الملوك، ودلّا بكونهما يحيطان باليدين أن أمرهما يشتد على المسلمين فترة، لكون السوار مضيقاً على الذراع.
وعُبَّر: بأن طيرانهما بالنفخ دلالة على ضعف كيدهما، فشأنهما زبد لابد أن يؤول الى جُفاء مادام هذا الكيد مستمداً من الشيطان.
واستشكل ذلك بأن صار لهما أتباع فكيف يقال: أن كيدهما ضعيف، وأجاب ابن حجر بأن المقصود الضعف المعنوي لا الحسي.
قلت: ويمكن أن نقول أن ضعفهما من حيث عدم طول مدتهما، فمسيلمة الكذاب أطولهما مدة ومع ذلك لم تزد مدته على سنتين.
وقالوا: وكونهما من ذهب دلالة على أنهما يقصدان من عملهما الدنيا؛ لأن الذهب رمز لحطامها الذي يسعى المغترون بها خلفه.
وأنهما سواران إشارة الى محاولتهما الإطاحة بكيان المسلمين عن طريق الإحاطة بهم من كل جانب، تماماً كم يحيط السوار بالمعصم.
قلت: ويمكن أن يقال أيضا أن ما كان في اليمين أشد خطرا فيتأول أن السوار الذي في اليد اليمنى هو مسيلمة.
وإن كان كلاهما صار له قوة لكن ذكروا أن الأسود العنسي قتله فيروز بدون قتال، إنما قال له امدد يدك لأبايعك فقتله أما مسيلمة فاشتدت فتنته حتى قتل في الحرب معه كثير من القراء حتى قتله وحشي.
-فيه فضيلة للصديق والصحابة الذين قاتلوا هذين الكذابين؛ لأنهم أي الصحابة هم الهواء الطيب في الرؤية، الذي خرج من النبي صلى الله عليه وسلم فقضى على الباطل بإذن الله. وقد رد ابن تيمية على المفترين الذين تنقصوا الصحابة واستدل بهذا الحديث. وراجع كتابه المنهاج
– حروب الردة كانت على أقسام منهم مانعوا الزكاة، وهم باقون على إسلامهم وقسم ارتدوا عن الإسلام وبوب البيهقي: باب مَا جَاءَ في قِتَالِ الضَّرْبِ الأَوَّلِ مِنْ أَهْلِ الرِّدَّةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم. قَالَ الشافعي رَحِمَهُ اللَّهُ: هُمْ قَوْمٌ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ مِثْلَ طُلَيْحَةَ وَمُسَيْلِمَةَ وَالْعَنْسِىِّ وَأَصْحَابِهِمْ.
– في قوله (إن جعل لي محمد الأمر بعده تبعته) فظاهره أن مسيلمة لم يدخل في الإسلام خلافا لما قرره القاضي أنه كان يظهر الإسلام.
وممن ذهب إلى عدم إسلاميه الطحاوي حتى استشكل عدم قتل النبي صلى الله عليه وسلم له، قال الطحاوي: وكيف لم يقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم مسيلمة بإبائه الدخول في الإسلام فكان جوابنا له في ذلك: أنه قد يحتمل أن يكون جاءه فيمن جاء معه من قومه على جِوَار ليخاطبه بما يجيبه إليه أو يمتنع عليه منه فلم يقتله لذلك، واتبع ما أمره الله به في مثله بقوله (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه) التوبة6
-فيه أن كل رؤى النبي صلى الله وسلم من الرحمن؛ لأن الله حفظه من تلعب الشيطان، فيحمل كلام ابن القيم الذي نقلناه أن رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم وحي ما خلا هذه الرؤية …
بمعنى أن هذه الرؤية وأمثالها تحتاج لتأويل بخلاف الصريحة فهي تشريع.
لذا نقل ابن حجر أن تأويله صلى الله عليه وسلم هذه الرؤيا من باب طلب وقوعها على مسيلمة والعنسي، وقيل كان تعبيرها بوحي. انتهى كلامه بمعناه
فعلى هذا لا يستدل بهذه الرؤية على تعبير الرؤى المكروهة، فذكر صاحب التنوير أن هذه رؤيا وحي لابد من وقوعها.
قلت: وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم به من باب الإخبار بالفتن التي تمر بها الأمة لتكون على حذر.
-فيه وصف أهل السوء وجرحهم بما يستحقونه ليحذرهم الناس.
– فيه ضرب مثل على عدم استحقاق شيء ولو كان قليلا بالجريدة.
-فيه لزوم أمر الله حتى مع الخصوم. وهذه الفائدة مستنبطة من أحد المعاني التي فسر النووي بها قوله صلى الله عليه وسلم: (ولن أتعدى أمر الله فيك) حيث قال: فهكذا وقع في جميع نسخ مسلم ووقع في البخاري (ولن تعدو أمر الله فيك) قال القاضي: هما صحيحان فمعنى الأول لن أعدو أنا أمر الله فيك من أني لا أجيبك إلى ما طلبته مما لا ينبغي لك من الاستخلاف أو المشاركة ومن أني أبلغ ما أنزل إلي وأدفع أمرك بالتي هي أحسن.
ومعنى الثاني: (ولن تعدو أنت أمر الله) في خيبتك فيما أملته من النبوة وهلاكك دون ذلك أو فيما سبق من قضاء الله تعالى وقدره في شقاوتك والله أعلم.
تنبيه: النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك أيضاً في ابن صياد (اخسأ فلن تعدوَ قدرك).
-وقال النووي في قوله (فأولتهما كذابين يخرجان بعدي فكان أحدهما العنسي صاحب صنعاء والآخر مسيلمة صاحب اليمامة) قال العلماء: المراد بقوله صلى الله عليه وسلم يخرجان بعدي أي يظهران شوكتهما أو محاربتهما ودعواهما النبوة وإلا فقد كانا في زمنه.
وتعقب أن العنسي المشهور أنه قتل في مرض موت النبي صلى الله عليه وسلم، قلت: فيحتمل معناه أنهما يخرجان في آخر حياتي، قال ابن حجر: المراد على التغليب. وبعضهم حمل قوله (بعدي) بمعنى بعد نبوتي.
-ذكر الطبري بإسناده: عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [الأنعام: 93]، ذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي مُسَيْلِمَةَ.
وقيل: نزلت فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، أَسْلَمَ وَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم ارتد، وقيل: النضر بن الحارث.
وذكر الطبري احتمال التعدد فقال: دَخَلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ كُلُّ مَنْ كَانَ مُخْتَلِقًا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا، وَقَائِلًا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَفِي غَيْرِهِ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ، وَهُوَ فِي قِيلِهِ كَاذِبٌ لَمْ يُوحِ اللَّهُ إِلَيْهِ شَيْئًا. فَأَمَّا التَّنْزِيلُ فَإِنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ بِسَبَبِ بَعْضِهِمْ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ بِسَبَبِ جَمِيعِهِمْ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ عُنِيَ بِهِ جَمِيعُ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْعَرَبِ، إِذْ كَانَ قَائِلُو ذَلِكَ مِنْهُمْ فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ، فَعَيَّرَهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ وَتَوَعَّدَهُمْ بِالْعُقُوبَةِ عَلَى تَرْكِهِمْ نَكِيرَ ذَلِكَ. وَمَعَ تَرْكِهِمْ نَكِيرَهُ، هُمْ بِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُكَذِّبُونَ، وَلِنُبُوَّتِهِ جَاحِدُونَ، وَلِآيَاتِ كِتَابِ اللَّهِ وَتَنْزِيلِهِ دَافِعُونَ، فَقَالَ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ادَّعَى عَلَى النُّبُوَّةِ كَاذِبًا وَقَالَ: {أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ} [الأنعام: 93]، وَمَعَ ذَلِكَ يَقُولُ: {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 91]، فَيَنْقُضُ قَوْلَهُ بِقَوْلِهِ، وَيُكَذِّبُ بِالَّذِي تَحَقَّقَهُ، وَيَنْفِي مَا يُثْبِتُهُ، وَذَلِكَ إِذَا تَدَبَّرَهُ الْعَاقِلُ الْأَرِيبُ عَلِمَ أَنَّ فَاعِلَهُ مِنْ عَقْلِهِ عَدِيمٌ …
– فيه زهد النبي صلى الله عليه وسلم حيث اهتم بشأن الذهب، ومنه حديث (أما ترضى أن تكون لهم الدنيا وتكون لنا الآخرة)، وأن الذهب حرام على الرجال، وهو في الرؤية مكروه إلا إذا كان مستورا كما سيأتي النقل عن ابن القيم. ولأهل التعابير في الذهب والحلي والدنانير والدراهم تعابير، تراجع في مظانها.
-في الحديث عدة معجزات منها إخباره بما سيكون من هذين الكذابين وما يؤول إليه أمرهما من الزوال، راجع لها شرح النووي.
– قال الحافظ في ” الفتح ” يؤخذ منه أن السوار وسائر أنواع الحلي تعبر للرجال بما يسوءهم، قال ابن القيم: ” ومن ها هنا دل لباس الحلي للرجل على نكد يلحقه وهمّ يناله.
-وقد ذكر ابن القيم لهذا الحديث في زاد المعاد فوائد:
فصل: في فقه هذه القصة:
فيها: جوازُ مكاتبةِ الإمام لأهل الرِّدَّة إذا كان لهم شَوْكة، ويكتب لهم ولإخوانهم من الكفار: سلامٌ على مَن اتبَّع الهُدَى.
ومنها: أنَّ الرسول لا يُقتل ولو كان مرتداً، هذه السُّنَّة.
ومنها: أنَّ للإمام أن يأتي بنفسه إلى مَن قدم يُريد لقاءه من الكفار.
ومنها: أنَّ الإمام ينبغي له أن يستعينَ برجل من أهل العلم يُجيب عنه أهلَ الاعتراض والعِناد.
ومنها: توكيلُ العالِم لبعض أصحابِه أن يتكلَّم عنه، ويُجيب عنه.
ومنها: أنَّ هذا الحديثَ من أكبرِ فضائلِ الصِّدِّيق، فإنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نفخ السِّوارين بروحه فطارا، وكان الصِّدِّيق هو ذلك الرُّوح الذى نفخ مُسَيْلِمَة وأطاره.
قال الشاعر:
فَقُلْتُ لَهُ ارْفَعْهَا إلَيْكَ فَأَحْيِهَا … بِرُوحِكَ واقْتَتْهُ لَهَا قِيتَةً قَدْرَا
ثم نقل تعابير للشهاب العابِر فعبر بعض الذهب الظاهر بأمراض وسوء، والذهب الخفي بامرأة حسناء
قال ابن القيم موضحًا: عبَّر له – يعني الشهاب العابر – السِّوار بالمرأة لما أخفاه، وستره عن الناس، ووصفها بالحُسن لحُسن منظر الذهب وبهجته، وبالرِّقة لشكل السوار.
والحلية للرجل تنصرف على وجوه. فربما دلَّت على تزويج العُزَّاب لكونها من آلات التزويج، وربما دلَّت على الإماء والسراري، وعلى الغناء، وعلى البنات، وعلى الخدم، وعلى الجهاز، وذلك بحسب حال الرائي وما يليق به. انتهى باختصار
تنبيه: ورد أن الواقدي ذكر أن مسيلمة تخلف في الرحال لما وفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم وأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاهم خمسة أواق، وأرسل له بها وقال: (إنه ليس بشركم) فتأولها الكذاب أن الأمر جعله له بعده. والواقدي مجروح
………………….
أما الحديث الثاني فسبق التنبيه على فوائده في الأبواب السابقة وهو مطول من حديث سمرة وأخرج البخاري هذا الحديث المطول في عدة مواضع من صحيحه، وفيه رؤية النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي يسبح في الدم …. وغيرها من الرؤى.
والذي يخص هذا المتن المختصر الذي ذكره مسلم من تبويبات البخاري: باب يستقبل الإمام الناس إذا سلم، وباب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح.
قال النووي: فيه دليل لجواز اطلاق البارحة على الليلة الماضية وان كان قبل الزوال وقول ثعلب وغيره انه لا يقال البارحة إلا بعد الزوال يحتمل أنهم أرادوا أن هذا حقيقته ولا يمتنع إطلاقه قبل الزوال مجازا ويحملون الحديث على المجاز وإلا فمذهبهم باطل بهذا الحديث وفيه دليل لاستحباب إقبال الامام المصلي بعد سلامه على أصحابه وفيه استحباب السؤال عن الرؤيا والمبادرة إلى تأويلها وتعجيلها أول النهار لهذا الحديث ولأن الذهن جمع قبل أن يتشعب باشغاله في معايش الدنيا ولأن عهد الرائي قريب لم يطرأ عليه ما يهوش الرؤيا عليه ولأنه قد يكون فيها ما يستحب تعجيله كالحث على خير أو التحذير من معصية ونحو ذلك وفيه إباحة الكلام في العلم وتفسير الرؤيا ونحوهما بعد صلاة الصبح وفيه أن استدبار القبلة في جلوسه للعلم أو غيره مباح. انتهى