394 و 395 و396 عبق الياسمين شرح رياض الصالحين
سلطان الحمادي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إماراتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
(48) – باب التحذير من إيذاء الصالحين والضعفة والمساكين
قال ابن علان:” باب التحذير من إيذاء الصالحين، يحتمل أن يراد به المعنى الأعم: أي المسلمين كما حمل عليه الولد الصالح في قوله: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث» الحديث، ويشهد لهذا الآية الأولى ويحتمل أن يراد به المعنى الخاص، وهو القائم بما عليه من حق الله سبحانه أو لأحد من عباده (والضعفة) جمع ضعيف (والمساكين) المراد منه ما يشمل الفقراء والمراد التحذير من إيذاء من لا ناصر له إلا الحق سبحانه: من صالح ومسكين وضعيف لا يؤبه به ولا يقام للتعرض، وظاهره أن الكلام في الإيذاء بغير حق كما في الآية فلا يرد نحو حد لأنه مأمور به.” (دليل الفالحين)
قالَ الله تَعالى: {والَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مااكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتانًا وإثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: (58)] وقالَ تَعالى: {فَأمّا اليَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأمّا السّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} [الضحى: (10)، (9)].
قال ابن كثير:” وقوله: (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا) أي: ينسبون إليهم ما هم برآء منه لم يعملوه ولم يفعلوه، (فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا) وهذا هو البهت البين أن يحكى أو ينقل عن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه، على سبيل العيب والتنقص لهم، ومن أكثر من يدخل في هذا الوعيد الكفرة بالله ورسوله، ثم الرافضة الذين يتنقصون الصحابة ويعيبونهم بما قد برأهم الله منه، ويصفونهم بنقيض ما أخبر الله عنهم; فإن الله، عز وجل، قد أخبر أنه قد رضي عن المهاجرين والأنصار ومدحهم، وهؤلاء الجهلة الأغبياء يسبونهم ويتنقصونهم، ويذكرون عنهم ما لم يكن ولا فعلوه أبدا، فهم في الحقيقة منكوسو القلوب يذمون الممدوحين، ويمدحون المذمومين.” (تفسير ابن كثير)
قال السعدي:” وإن كانت أذية المؤمنين عظيمة، وإثمها عظيمًا، ولهذا قال فيها: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا} أي: بغير جناية منهم موجبة للأذى {فَقَدِ احْتَمَلُوا} على ظهورهم {بُهْتَانًا} حيث آذوهم بغير سبب {وَإِثْمًا مُبِينًا} حيث تعدوا عليهم، وانتهكوا حرمة أمر اللّه باحترامها.
ولهذا كان سب آحاد المؤمنين، موجبًا للتعزير، بحسب حالته وعلو مرتبته، فتعزير من سب الصحابة أبلغ، وتعزير من سب العلماء، وأهل الدين، أعظم من غيرهم.” (تفسير السعدي)
قال ابن عثيمين:” والأذية: هي أن تحاول أن تؤذي الشخص بما يتألم منه قلبيًا، أو بما يتألم منه بدنيًا؛ سواء كان ذلك بالسب، أو بالشتم، أو باختلاق الأشياء عليه، أو بمحاولة حسده، أو غير ذلك من الأشياء التي يتأذى بها المسلم.
وهذا كله حرام؛ لأن الله سبحانه وتعالى بين أن الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانًا وإنما مبينًا.
وفهم من الآية الكريمة أنه إذا آذى المؤمنين بما اكتسبوا فإنه ليس عليه شيء مثل إقامة الحد على المجرم، وتغريم الظالم، وما أشبه ذلك، فهذا وإن كان فيه أذية، لكنها بكسبه، فقد قال الله تعالى: (الزّانِيَةُ والزّانِي فاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ ولا تَاخُذْكُمْ بِهِما رَافَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِر) [النور (2)].
ولا حرج من أن يؤذي الإنسان شخصًا بسبب كسبه هو وجنايته على نفسه، فإن ذلك لا يؤثر عليه شيئًا.” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين)
وقالَ تَعالى: {فَأمّا اليَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأمّا السّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} [الضحى: (10)، (9)].
مر معنا بيانها في باب ملاطفة اليتيم والبنات وسائر الضعفة والمساكين والمنكسرين والإحسان إليهم والشفقة عليهم والتواضع معهم وخفض الجناح لهم.
وأما الأحاديث، فكثيرة مِنها:
394 – حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- في الباب قبل هَذا: «مَن عادى لِي وليًا فقد آذنته بالحرب». مر معنا
395 – ومنها حديث سعد بن أبي وقّاص، رضي الله عنه السابق في «باب ملاطفة اليتيم» وقوله – صلى الله عليه وسلم -: «يا أبا بَكْرٍ لَئِنْ كُنْتَ أغْضَبْتَهُمْ، لَقَدْ أغْضَبْتَ رَبَّكَ».
396 – وعن جُنَدَبِ بنِ عبد اللَّه -رضي الله عنه- قال: قالَ رسول اللَّه – صلى الله عليه وسلم -: «مَن صَلّى صَلاَةَ الصُّبْحِ، فَهُوَ في ذِمَّةِ اللَّه، فَلا يَطْلُبَنَّكُمْ اللَّهُ مِن ذِمَّتِهِ بِشَيءٍ، فَإنَّهُ مَن يَطْلُبْهُ مِن ذِمَّتِهِ بِشَيءٍ، يُدْرِكْهُ، ثُمَّ يَكُبُّهُ عَلى وجْهِهِ في نارِ جَهَنَّمَ» رواه مسلم.
مر معنا في باب تعظيم حرمات المسلمين وبيان حقوقهم والشفقة عليهم ورحمتهم.
ومن الأحاديث المتعلقة في هذا الباب مارواه الطبراني في الأوسط بسنده أن رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: «الرِّبا اثْنانِ وسبْعونَ بابًا؛ أدْناها مِثْلُ إتْيانِ الرجلِ أُمَّهُ، وإنّ أرْبى الرِّبا اسْتَطالَةُ الرجُلِ في عْرِضِ أخِيهِ». (صحيح الترغيب 2830)
ورى ابن أبي الدنيا عن أنس بن مالكٍ قال: خَطَبنا رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – فَذَكَر أمْرَ الرِّبا، وعظَّمَ شَانَهُ وقال: «إنّ الدِّرْهَم يصيبُه الرجلُ مِنَ الرِّبا أعْظَمُ عندَ الله في الخَطيئَةِ مِن ستٍّ وثَلاثينَ زَنْيَةً يَزْنيها الرجُلُ، وإنّ أرْبى الرِّبى عِرْضُ الرجُلِ المسْلِمِ». (صحيح الترغيب 2831)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -:
«مِن أرْبى الرِّبا اسْتَطالَةُ المرْءِ في عِرْضِ أخيهِ».رواه البزار بإسنادين أحدهما قوي، وهو في بعض نسخ أبي داود؛ إلا أنه قال: «إنّ مِن الكَبائِر اسْتِطالةُ الرجُلِ في عِرْضِ رجلٍ مسلمٍ بغيرِ حَقٍّ، ومِنَ الكبائر السُّبَّتان بالسُّبَّة». (صحيح الترغيب)
وعن ابن عمر قال: سمعتُ رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – يقول:» مَن قالَ في مؤمِنٍ ما ليسَ فيه؛ أسْكَنَهُ الله رَدْغَةَ الخَبالِ، حتّى يَخْرُج مِمّا قالَ «. رواه أبو داود وهو في صحيح الترغيب
(رَدْغَةُ الخَبالِ): هي عصارة أهل النار، كذا جاء مفسرًا مرفوعًا، وهو بفتح الراء وإسكان الدال المهملة وبالغين المعجمة، (والخبال) بفتح الخاء المعجمة وبالموحدة.
وعن نافع عن ابن اعمر: قال صعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المنبر فنادى بصوت رفيع فقال يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله. (حسن صحيح المشكاة)
روى ابن ماجه بسنده أبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جابِرٍ قالَ: لَمّا رَجَعَتْ مُهاجِرَةُ الحَبَشَةِ إلى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قالَ: (ألا تُحَدِّثُونِي بِأعْجَبَ ما رَأيْتُمْ بِأرْضِ الحَبَشَةِ؟) قالَ فِتْيَةٌ مِنهُمْ: يا رسول الله بينما نَحْنُ جُلُوسٌ مرَّتْ عَلَيْنا عجوزٌ مِن عَجائِزِهِمْ تَحْمِلُ عَلى – رَاسِها قُلَّةٌ مِن ماءٍ فمرَّت بِفَتًى مِنهُمْ فَجَعَلَ إحْدى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْها ثُمَّ دَفَعَها عَلى رُكبتيها فانْكَسَرَتْ قُلَّتُها فَلَمّا ارْتَفَعَتِ التَفَتَتْ إلَيْهِ ثُمَّ قالَتْ: سَتَعْلَمُ يا غُدَرُ إذا وضَعَ اللَّهُ الكرسيَّ وجَمَعَ الأوَّلِينَ والآخرين وتكلَّمت الأيدي والأرجل بما كانوا يَكْسِبُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُ أمْرِي وأمْرَكَ عِنْدَهُ غَدًا فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -: (صَدَقَتْ ثُمَّ صَدَقَتْ كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ قَوْمًا لا يُؤْخَذُ لضعيفهم من شديدهم) (صحيح لغيره، مختصر العلو 59)
وعَنِ الشّافِعِيِّ: بِئْسَ الزّادُ إلى المَعادِ العُدْوانُ عَلى العِبادِ (تاريخ ابن عساكر وسير أعلام النبلاء)
الفُضَيْلُ بْنُ عِياضٍ: «واللَّهِ ما يَحِلُّ لَكَ أنْ تُؤْذِيَ كَلْبًا ولا خِنْزِيرًا بِغَيْرِ حَقٍّ، فَكَيْفَ تُؤْذِي مُسْلِمًا؟» (مكارم الأخلاق للخرائطي ص135)