391 و 392 و 393 عبق الياسمين شرح رياض الصالحين
سلطان الحمادي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إماراتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
47 باب علامات حب الله تَعالى للعبد والحثَّ عَلى التخلق بِها والسعي في تحصيلها.
قال ابن القيم:” لا تُحَدُّ المَحَبَّةُ بِحَدٍّ أوْضَحَ مِنها. فالحُدُودُ لا تَزِيدُها إلّا خَفاءً وجَفاءً. فَحَدُّها وُجُودُها. ولا تُوصَفُ المَحَبَّةُ بِوَصْفٍ أظْهَرَ مِنَ المَحَبَّةِ.
وإنَّما يَتَكَلَّمُ النّاسُ فِي أسْبابِها ومُوجِباتِها، وعَلاماتِها وشَواهِدِها، وثَمَراتِها وأحْكامِها. فَحُدُودُهُمْ ورُسُومُهُمْ دارَتْ عَلى هَذِهِ السِّتَّةِ.” (مدارج السالكين)
قال ابن أبي العز:” وقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَحْدِيدِ المَحَبَّةِ عَلى أقْوالٍ، نَحْوَ ثَلاثِينَ قَوْلًا. ولا تُحَدُّ المَحَبَّةُ بِحَدٍّ أوْضَحَ مِنها، فالحُدُودُ لا تَزِيدُها إلّا خَفاءً. وهَذِهِ الأشْياءُ الواضِحَةُ لا تَحْتاجُ إلى تَحْدِيدٍ، كالماءِ والهَواءِ والتُّرابِ والجُوعِ والشِّبَعِ ونَحْوِ ذَلِكَ.” (شرح الطحاوية)
[فَصْلٌ مَحَبَّةُ العَبْدِ لِرَبِّهِ ومَحَبَّةُ الرَّبِّ لِعَبْدِهِ]
عقد ابن القيم فصلا في محبة العبد لربه ومحبةُ الرب لعبده فقال:” جَمِيعُ طُرُقِ الأدِلَّةِ – عَقْلًا ونَقْلًا وفِطْرَةً، وقِياسًا واعْتِبارًا، وذْوَقًا ووَجْدًا – تَدُلُّ عَلى إثْباتِ مَحَبَّةِ العَبْدِ لِرَبِّهِ، والرَّبِّ لِعَبْدِهِ ….. وقَدْ ذَكَرْنا لِذَلِكَ قَرِيبًا مِن مِائَةِ طَرِيقٍ فِي كِتابِنا الكَبِيرِ فِي المَحَبَّةِ. وذَكَرْنا فِيهِ فَوائِدَ المَحَبَّةِ، وما تُثْمِرُ لِصاحِبِها مِنَ الكَمالاتِ، وأسْبابَها ومُوجِباتِها، والرَّدَّ عَلى مَن أنْكَرَها. وبَيانَ فَسادِ قَوْلِهِ، وأنَّ المُنْكِرِينَ لِذَلِكَ قَدْ أنْكَرُوا خاصَّةَ الخَلْقِ والأمْرِ، والغايَةَ الَّتِي وُجِدُوا لِأجْلِها. فَإنَّ الخَلْقَ والأمْرَ، والثَّوابَ، والعِقابَ: إنَّما نَشَأ عَنِ المَحَبَّةِ ولِأجْلِها. وهِيَ الحَقُّ الَّذِي بِهِ خُلِقَتِ السَّماواتُ والأرْضُ. وهِيَ الحَقُّ الَّذِي تَضَمَّنَهُ الأمْرُ والنَّهْيُ. وهِيَ سِرُّ التَّالِيهِ. وتَوْحِيدُها: هُوَ شَهادَةُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ. (مدارج السالكين)
قال ابن باز في تعليقه على آيات وأحاديث هذا الباب:” فيها الدلالة على شرعية تعاطي الأعمال التي تسبب حب الله للعبد، وأنه ينبغي للمؤمن أن يتحراها وأن يحرص عليها حتى يحبه مولاه سبحانه وتعالى، وجماعها أنها طاعة الله ورسوله، من أطاع الله ورسوله أحبه الله، ومن عصى الله ورسوله أبغضه الله، أبعضه الله على قدر معصيته وأعظمها الكفر بالله عزوجل، فجدير بالمؤمن وجدير بكل مكلف أن يسعى في أسباب محبة الله له ورضاه عنه، وأن يبتعد عن أسباب غضبه عليه وبغضه له” (شرح رياص الصالحين لابن باز 2/ 99)
قالَ الله تَعالى: {قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ويَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: (31)]
قال ابن كثير:” هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر، حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأحواله، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ” ولهذا قال: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) أي: يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه، وهو محبته إياكم، وهو أعظم من الأول، كما قال بعض الحكماء العلماء: ليس الشأن أن تحب، إنما الشأن أن تحب، وقال الحسن البصري وغيره من السلف: زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية، فقال: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله).” (تفسير ابن كثير)
وقالَ تَعالى: {يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَاتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ ويُحِبُّونَهُ أذِلَّةٍ عَلى المُؤْمِنِينَ أعِزَّةٍ عَلى الكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ولا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشاءُ واللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: (54)].
قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَاتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين بالله وبرسوله: ” يا أيها الذين آمنوا “، أي: صدّقوا لله ورسوله، وأقرُّوا بما جاءهم به نبيُّهم محمد صلى الله عليه وسلم، ” من يرتد منكم عن دينه “، يقول: من يرجع منكم عن دينه الحق الذي هو عليه اليوم، فيبدِّله ويغيره بدخوله في الكفر، إما في اليهودية أو النصرانية أو غير ذلك من صنوف الكفر، فلن يضر الله شيئا، وسيأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه، يقول: فسوف يجيء الله بدلا منهم، المؤمنين الذين لم يبدِّلوا ولم يغيروا ولم يرتدوا، بقومٍ خير من الذين ارتدُّوا وابدَّلوا دينهم، يحبهم الله ويحبون الله.
وكان هذا الوعيد من الله لمن سبق في علمه أنه سيرتدُّ بعد وفاةِ نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم. وكذلك وعدُه من وعدَ من المؤمنين ما وعدَه في هذه الآية، لمن سبق له في علمه أنه لا يبدّل ولا يغير دينه، ولا يرتدّ. فلما قَبَض الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم، ارتدّ أقوام من أهل الوبَرِ، وبعضُ أهل المَدَر، فأبدل الله المؤمنين بخيرٍ منهم كما قال تعالى ذكره، ووفى للمؤمنين بوعده، وأنفذ فيمن ارتدَّ منهم وعيدَه.”
قال القرطبي:” هذا من إعجاز القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم: إذ أخبر عن ارتدادهم ولم يكن ذلك في عهده وكان ذلك غيبا، فكان على ما أخبر بعد مدة، وأهل الردة كانوا بعد موته صلى الله عليه وسلم. قال ابن إسحاق: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب إلا ثلاثة مساجد مسجد المدينة، ومسجد مكة، ومسجد جؤاثى، وكانوا في ردتهم على قسمين: قسم نبذ الشريعة كلها وخرج عنها، وقسم نبذ وجوب الزكاة واعترف بوجوب غيرها ; قالوا نصوم ونصلي ولا نزكي ; فقاتل الصديق جميعهم ; وبعث خالد بن الوليد إليهم بالجيوش فقاتلهم وسباهم ; على ما هو مشهور من أخبارهم.” (تفسير القرطبي)
قال السعدي:” {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ْ} فإن محبة الله للعبد هي أجل نعمة أنعم بها عليه، وأفضل فضيلة، تفضل الله بها عليه، وإذا أحب الله عبدا يسر له الأسباب، وهون عليه كل عسير، ووفقه لفعل الخيرات وترك المنكرات، وأقبل بقلوب عباده إليه بالمحبة والوداد. ومن لوازم محبة العبد لربه، أنه لابد أن يتصف بمتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا، في أقواله وأعماله وجميع أحواله، كما قال تعالى: {قُلْ إِن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ْ} كما أن من لازم محبة الله للعبد، أن يكثر العبد من التقرب إلى الله بالفرائض والنوافل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن الله: “وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضت عليه، ولا يزال [عبدي] يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أُحبه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه”. ومن لوازم محبة الله معرفته تعالى، والإكثار من ذكره، فإن المحبة بدون معرفة بالله ناقصة جدا، بل غير موجودة وإن وجدت دعواها، ومن أحب الله أكثر من ذكره، وإذا أحب الله عبدا قبل منه اليسير من العمل، وغفر له الكثير من الزلل.” (تفسير السعدي)
قوله عز وجل: (أذلة على المؤمنين) يعني: أرقاء رحماء، لقوله عز وجل: ” واخفض لهما جناح الذل من الرحمة “، ولم يرد به الهوان، بل أراد به أن جانبهم لين على المؤمنين، وقيل: هو من الذل من قولهم ” دابة ذلول “، يعني أنهم متواضعون كما قال الله تعالى: ” وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا ” (تفسير البغوي)
قال البقاعي:” {أذلة} وهو جمع ذليل؛ ولما كان ذلهم هذا إنما هو: الرِّفق ولين الجانب لا الهَوَان، كان في الحقيقة عِزَّاً. [البقاعي: (2) / (483)]
(أعزة على الكافرين) أي: أشداء غلاظ على الكفار يعادونهم ويغالبونهم، من قولهم: عزه أي: غلبه، قال عطاء: أذلة على المؤمنين: كالولد لوالده والعبد لسيده، أعزة على الكافرين: كالسبع على فريسته، نظيره قوله تعالى: ” أشداء على الكفار رحماء بينهم “. (تفسير البغوي)
قال السعدي:” فالغلظة والشدة على أعداء الله مما يقرب العبد إلى الله، ويوافق العبد ربه في سخطه عليهم، ولا تمنع الغلظةُ عليهم والشدةُ دعوتَهم إلى الدين الإسلامي بالتي هي أحسن؛ فتجتمع الغلظة عليهم، واللين في دعوتهم، وكلا الأمرين في مصلحتهم، ونفعه عائد إليهم.” (تفسير السعدي)
قوله تعالى: يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)
(يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم) يعني: لا يخافون في الله لوم الناس، وذلك أن المنافقين كانوا يراقبون الكفار ويخافون لومهم، وروينا عن عبادة بن الصامت قال: ” بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة وأن نقوم أو نقول بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم “. (تفسير البغوي)
قال ابن باز:” لا يدعون محاب الله والجهاد في سبيله خوفا من أن يلومهم فلان أو رأوا فلانا أو يشره عليهم أو يسبهم أو يؤذيهم، لا بل هم سائرون في طاعة الله مصممون في طلب مرضاته، وإن غضب فلان وإن تكلم فلان وإن لام فلان … بخلاف ضعيف الإيمان أو معدومي الإيمان، فإنه لا يقوى على هذا، بل يضعف عند لوم اللوام ويضعف عن أذى المؤذين، ولا يتحمل الصبر” (شرح رياض الصالحين لابن باز 2/ 100)
(ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) أي: محبتهم لله ولين جانبهم للمسلمين، وشدتهم على الكافرين، من فضل الله عليهم، (والله واسع عليم). (تفسير البغوي)
قال السعدي:” ولما مدحهم تعالى بما من به عليهم منَّ الصفات الجليلة والمناقب العالية، المستلزمة لما لم يذكر من أفعال الخير -أخبر أن هذا من فضله عليهم وإحسانه لئلا يعجبوا بأنفسهم، وليشكروا الذي مَنَّ عليهم بذلك ليزيدهم من فضله، وليعلم غيرُهم أن فضل الله تعالى ليس عليه حجاب” (تفسير السعدي)
قال ابن رجب:” فَفِي هَذِهِ الآيَةِ إشارَةٌ إلى أنَّ مَن أعْرَضَ عَنْ حُبِّنا وتَوَلّى عَنْ قُرْبِنا، لَمْ نُبالِ، واسْتَبْدَلْنا بِهِ مَن هُوَ أوْلى بِهَذِهِ المِنحَةِ مِنهُ وأحَقُّ، فَمَن أعْرَضَ عَنِ اللَّهِ فَما لَهُ مِنَ اللَّهِ بَدَلٌ، ولِلَّهِ مِنهُ أبْدالٌ.” (جامع العلوم والحكم)
391 – وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّه – صلى الله عليه وسلم -: “إنَّ اللَّه تَعالى قالَ: مَن عادى ليَ ولِيًّا، فقدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ إليَّ عَبْدِي بِشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ مِمّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وما يَزالُ عَبْدِي، يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوافِلِ حَتّى أُحِبَّهُ، فَإذا أحْببْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، ويَدَهُ الَّتي يبْطِشُ بِها، ورجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بِها وإنْ سَألَني أعْطَيْتُهُ، ولَئِنْ اسْتَعاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ» رواه البخاري.
معنى «آذَنْتُهُ»: أعْلَمْتُهُ بِأنِّي مُحارِبٌ لَهُ. وقوله: «اسْتَعاذَني» روي بالباءِ وروي بالنون.
وقد مر بيان هذا الحديث سابقا.
392 – وعنه عن النَّبيّ – صلى الله عليه وسلم -، قالَ:» إذا أحَبَّ اللَّهُ تَعالى العَبْدَ، نادى جِبْريل: إنَّ اللَّه تَعالى يُحِبُّ فُلانًا، فَأحْبِبْهُ، فَيُحبُّهُ جِبْريلَ، فَيُنادى في أهْلِ السَّماء: إنَّ اللَّه يُحِبُّ فُلانًا، فَأحِبوهُ، فَيُحِبُّهُ أهْلُ السَّماءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ في الأرْضِ «متفقٌ عليه.
وفي رواية لمسلمٍ: قال رسولُ اللَّه – صلى الله عليه وسلم -:» إنَّ اللَّه تَعالى إذا أحبَّ عبْدًا دَعا جِبْريلَ، فقال: إنِّي أُحِبُّ فُلانًا فَأحْبِبْهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْريلُ، ثُمَّ يُنادِي في السَّماءِ، فَيَقُولُ: إنَّ اللَّه يُحِبُّ فُلانًا، فَأحِبُّوهُ فَيُحبُّهُ أهْلُ السَّماءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ في الأرْضِ، وإذا أبْغَضَ عَبدًا دَعا جِبْريلَ، فَيَقولُ: إنِّي أُبْغِضُ فُلانًا، فَأبْغِضْهُ، فَيُبْغِضُهُ جِبْريلُ، ثُمَّ يُنادِي في أهْلِ السَّماءِ: إنَّ اللَّه يُبْغِضُ فُلانًا، فَأبْغِضُوهُ، فَيُبْغِضُهُ أهْلُ السَّماءِ ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ البَغْضاءُ في الأرْضِ «.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ: إِنِّي قَدْ أَحْبَبْتُ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ ” قَالَ: ” فَيُنَادِي فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ تُنْزَلُ لَهُ الْمَحَبَّةُ فِي أَهْلِ الْأَرْضِ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا}. وَإِذَا أَبْغَضَ اللَّهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ: إِنِّي أَبْغَضْتُ فُلَانًا. فَيُنَادِي فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ تُنْزَلُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ “.
وهذا كقول الله تعالى لموسى ((وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي)) قال سلمة بن كهيل: (وألقيت عليك محبة مني) قال: حببتك إلى عبادي. (تفسير ابن كثير)
(إذا أحَبَّ عَبْدًا) فيه إثبات صفة المحبّة لله تعالى على ما يليق بالله جل وعلا.
قال النووي:” حبّ جبريل والملائكة يَحْتَمِل وجهين: أحدهما: استغفارهم له، وثناؤهم عليه، ودعاؤهم، والثاني: أن محبتهم على ظاهرها، المعروف من المخلوقين، وهو ميل القلب إليه، واشتياقه إلى لقائه، وسبب حبهم إياه كونه مطيعًا لله تعالى، محبوبًا له، ومعنى يوضع له القبول في أي: الحب في قلوب الناس، ورضاهم عنه، فتميل إليه القلوب، وترضى عنه، وقد جاء في رواية: «فتوضع له المحبة». انتهى ((2)).
[تنبيه]: وقع في بعض طرق الحديث بيان سبب هذه المحبة، والمراد بها، ففي حديث ثوبان -رضي الله عنه- عن النبيّ – صلى الله عليه وسلم – قال: «إن العبد ليلتمس مرضاة الله، ولا يزال بذلك، فيقول الله عزوجل لجبريل: إن فلانًا عبدي يلتمس أن يرضيني، ألا وإن رحمتي عليه، فيقول جبريل: رحمة الله على فلان، ويقولها حملة العرش، ويقولها مَن حولهم، حتى يقولها أهل السماوات السبع، ثم تَهبِط له.
ويشهد له حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عند البخاريّ في «الرقاق»، ففيه: «وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل، حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشى بها، وإن سالني لأعطينّه، ولئن استعاذني لأعيذنّه … » الحديث.
ومعنى «يوضع له القبول في الأرض»: أنه يحصل له في قلوب أهل الأرض مودّة، وُيزرع له فيها مهابة، فتحبه القلوب، وترضى عنه النفوس، من غير تودّد منه، ولا تعرّض للأسباب التي تُكتسب لها مودات القلوب، من قرابة، أو صداقة، أو اصطناع، وإنما هو منحة منه تعالى ابتداءً لأوليائه، بكرامة خاصّة، كما يقذف في قلوب أعدائه الرعب، والهيبة؛ إعظامًا له، وإجلالًا لمكانه، قال بعضهم: وفائدة ذلك أن يستغفر له أهل السماء والأرض، وينشأ عندهم هيبته، وإعزازهم له، {ولِلَّهِ العِزَّةُ ولِرَسُولِهِ ولِلْمُؤْمِنِينَ}
وقيل: معنى «يوضع له القبول في الأرض»؛ أي: الحب في قلوب الناس، ورضاهم عنه، فتميل إليه القلوب، وترضى عنه، فذلك قول الله تعالى: {إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ((96))}. قال ابن كثير في» تفسيره «: يُخبر تعالى أنه يَغرس لعباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات، وهي الأعمال التي تُرضي الله تعالى لمتابعتها الشريعة المحمدية، يغرس لهم في قلوب عباده الصالحين محبةً، ومودةً، وهذا أمر لا بدّ منه، ولا محيد عنه.
(وإذا أبْغَضَ عَبْدًا)؛ أي: كرهه، وفيه إثبات صفة البغض لله تعالى على ما يليق بجلاله سبحانه (البحر المحيط)
وقال القرطبيّ – رحمه الله -: قوله: «يوضع له القبول في الأرض»: يعني: بالقبول محبة قلوب أهل الذين والخير له، والرضا به، والسرور بلقائه، واستطابة ذِكره في حال غَيبته، كما أجرى الله تعالى عادته بذلك في حق الصالحين من سلف هذه الأئمة، ومشاهير الأئمة، والقول في البغض على النقيض من القول في الحبّ. (المفهم)
قال ابن القيم:” وإن الله سبحانه إذا أقبل على عبد استنارت جهاته وأشرقت ساحاتها وتنورت ظلماتها وظهرت عليه آثار إقباله من بهجة الجلال وآثار الجمال، وتوجه إليه أهل الملأ الأعلى بالمحبة والموالاة لأنهم تبع لمولاهم، فإذا أحب عبدًا أحبوه وإذا والى واليًا والوه، إذا أحب الله العبد نادى: يا جبرائيل إنى أُحب فلانًا فأحبه، فينادى جبرائيل فى السماءِ: إن الله يحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء ثم يحبه أهل الأرض، فيوضع له القبول بينهم، ويجعل الله قلوب أوليائه تفد إليه بالود والمحبة والرحمة، وناهيك بمن يتوجه إليه مالك الملك ذو الجلال والإكرام بمحبته، ويقبل عليه بأنواع كرامته، ويلحظ الملأُ الأعلى وأهل الأرض بالتبجيل والتكريم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاءُ والله ذو الفضل العظيم” (طريق الهجرتين لابن القيم ص182)
قال ابن حجر:” ويُؤْخَذُ مِنهُ أنَّ مَحَبَّةَ قُلُوبِ النّاسِ عَلامَةُ مَحَبَّةِ اللَّهِ” (فتح الباري)
قال ابن باز:” هذا من عاجل بشرى المؤمن ومن عاجل عقوبة الله للكافر المبغوض، فمن عاجل نعم الله للمؤمن ومن عاجل بشراه للمؤمن أن توضع له المحبة في السماء والأرض إذا أطاع الله واستقام على أمره وحفظ حدوده، فهو محبوب في السماء ومحبوب في الأرض، ولا عبرة بمن أبغضه من أعداء الله.
وإذا كان العكس، كفر بالله وعادي دينه وناقض وصارت له البغضاء من الله ومن أهل السماء ومن أهل الأرض، نسأل الله العافية” (شرح رياض الصالحين لابن باز 2/ 102)
قال ابن عثيمين:” من علامات محبة الله، أن يوضع للإنسان القبول في الأرض، بأن يكون مقبولًا لدى الناس، محبوبًا إليهم، فإن هذا من علامات محبة الله تعالى للعبد.” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 271)
393 – وعن عائشةَ -رضي الله عنها-، أن رَسُول اللَّه – صلى الله عليه وسلم -، بعَثَ رَجُلًا عَلى سرِيَّةٍ، فَكانَ يَقْرأُ لأصْحابِهِ في صلاتِهِمْ، فَيخْتِمُ ب {قُلْ هُوَ اللَّهُ أحَدٌ} فَلَمّا رَجَعُوا، ذَكَروا ذلكَ لرسولِ اللَّه – صلى الله عليه وسلم -، فَقالَ: «سَلُوهُ لأِيِّ شَيءٍ يَصْنَعُ ذلكَ؟» فَسَألوه، فَقالَ: لأنّها صِفَةُ الرَّحْمَنِ، فَأنا أُحِبُّ أنْ أقْرَأ بِها، فَقالَ رسولُ اللَّه – صلى الله عليه وسلم -: «أخْبِرُوهُ أنَّ اللَّه تعالى يُحبُّهُ» متفقٌ عليه.
و جاء عند البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ، وَكَانَ كُلَّمَا افْتَتَحَ سُورَةً يَقْرَأُ بِهَا لَهُمْ فِي الصَّلَاةِ مِمَّا يَقْرَأُ بِهِ، افْتَتَحَ بِـ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا، ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً أُخْرَى مَعَهَا، وَكَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، فَكَلَّمَهُ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا: إِنَّكَ تَفْتَتِحُ بِهَذِهِ السُّورَةِ ثُمَّ لَا تَرَى أَنَّهَا تُجْزِئُكَ حَتَّى تَقْرَأَ بِأُخْرَى، فَإِمَّا تَقْرَأُ بِهَا وَإِمَّا أَنْ تَدَعَهَا وَتَقْرَأَ بِأُخْرَى، فَقَالَ: مَا أَنَا بِتَارِكِهَا، إِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ أَؤُمَّكُمْ بِذَلِكَ فَعَلْتُ، وَإِنْ كَرِهْتُمْ تَرَكْتُكُمْ، وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْ أَفْضَلِهِمْ، وَكَرِهُوا أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ، فَلَمَّا أَتَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: ” يَا فُلَانُ، مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَفْعَلَ مَا يَامُرُكَ بِهِ أَصْحَابُكَ؟ وَمَا يَحْمِلُكَ عَلَى لُزُومِ هَذِهِ السُّورَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؟ ” فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّهَا. فَقَالَ: ” حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ “.
قوله (على سرية) أي جعله أميرا على طائفة من الجيش (حاشية السندي على النسائي)
قوله: (فيختم بقل هو الله أحد) قال ابن دقيق العيد: هذا يدل على أنه كان يقرأ بغيرها ثم يقرؤها في كل ركعة وهذا هو الظاهر، ويحتمل أن يكون المراد أنه يختم بها آخر قراءته فيختص بالركعة الأخيرة، وعلى الأول فيؤخذ منه جواز الجمع بين سورتين في ركعة. (فتح الباري)
(فيختم بقل هو الله أحد) أي يختم قراءته بقراءة قل هو الله أحد أي يقرأ بقل هو الله أحد في آخر ما يقرأ من القرآن والحاصل أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قرره على ذلك وبشره عليه بما بشره فعلم به جواز الجمع بين السور المتعددة في ركعة. (حاشية السندي على النسائي)
قوله: (لأنها صفة الرحمن) قال ابن التين: إنما قال إنها صفة الرحمن؛ لأن فيها أسماءه وصفاته، وأسماؤه مشتقة من صفاته، وقال غيره: يحتمل أن يكون الصحابي المذكور قال ذلك مستندا لشيء سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم إما بطريق النصوصية وإما بطريق الاستنباط، وقد أخرج البيهقي في ” كتاب الأسماء والصفات ” بسند حسن عن ابن عباس: ” أن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: صف لنا ربك الذي تعبد، فأنزل الله عز وجل {قل هو الله أحد} إلى آخرها، فقال: هذه صفة ربي عز وجل “، وعن أبي بن كعب قال: ” قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: انسب لنا ربك، فنزلت سورة الإخلاص ” الحديث، وهو عند ابن خزيمة في ” كتاب التوحيد ” (فتح الباري)
قالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -:» أخْبِرُوهُ أنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ) قال ابن دقيق العيد:” يَحْتَمِل أن يكون سبب محبة اللَّه له محبته لهذه السورة، ويَحْتَمِل أن يكون لما دلّ عليه كلامه؛ لأن محبته لذكر صفات الرب دالة على صحة اعتقاده”، قال الأتيوبي:” الاحتمال الأول هو الأظهر الموافق لظاهر النصّ، فتأمله”
قال ابن تيمية:” ولَيْسَ فِي القُرْآنِ سُورَةٌ هِيَ وصْفُ الرَّحْمَنِ مَحْضًا إلّا هَذِهِ السُّورَةَ.” (مجموع الفتاوى لابن تيمية 17/ 134)
ما حكم جمع سورتين مع الفاتحة في ركعة واحدة من صلاة الفرض؟
قال ابن رجب:” وقد دل حديث أنس وعائشة على جواز جمع سورتين مع الفاتحة في ركعة واحدة من صلاة الفرض؛ فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم ينهه عن ذلك.
ويدل على أنه ليس هو الأفضل؛ لأن أصحابه استنكروا فعله وإنما استنكروه لأنه مخالف لما عهدوه من عمل النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه في صلاتهم؛ ولهذا قال له النبي – صلى الله عليه وسلم -: «ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك؟»، فدل على أن موافقتهم فيما أمروه به كان حسنًا، وإنما اغتفر ذلك لمحبته لهذه السورة، وأكثر العلماء على أنه لا يكره الجمع بين السور في الصلاة المفروضة، وروي فعله عن عمر وابن عمر وعمر بن عبد العزيز وعلقمة، وهو قول قتادة والنخعي ومالك، وعن أحمد في كراهته روايتان. وكرهه أصحاب أبي حنيفة.” (فتح الباري لابن رجب 7/ 73)
عقد ابن القيم في المدارج فصلا في أسباب المحبة فقال:”
فِي الأسْبابِ الجالِبَةِ لِلْمَحَبَّةِ، والمُوجِبَةِ لَها وهِيَ عَشَرَةٌ.
أحَدُها: قِراءَةُ القُرْآنِ بِالتَّدَبُّرِ والتَّفَهُّمِ لِمَعانِيهِ وما أُرِيدَ بِهِ، كَتَدَبُّرِ الكِتابِ الَّذِي يَحْفَظُهُ العَبْدُ ويَشْرَحُهُ. لِيَتَفَهَّمَ مُرادَ صاحِبِهِ مِنهُ.
الثّانِي: التَّقَرُّبُ إلى اللَّهِ بِالنَّوافِلِ بَعْدَ الفَرائِضِ. فَإنَّها تُوَصِّلُهُ إلى دَرَجَةِ المَحْبُوبِيَّةِ بَعْدَ المَحَبَّةِ.
الثّالِثُ: دَوامُ ذِكْرِهِ عَلى كُلِّ حالٍ: بِاللِّسانِ والقَلْبِ، والعَمَلِ والحالِ. فَنَصِيبُهُ مِنَ المَحَبَّةِ عَلى قَدْرِ نَصِيبِهِ مِن هَذا الذِّكْرِ.
الرّابِعُ: إيثارُ مَحابِّهِ عَلى مَحابِّكَ عِنْدَ غَلَباتِ الهَوى، والتَّسَنُّمُ إلى مَحابِّهِ، وإنْ صَعُبَ المُرْتَقى.
الخامِسُ: مُطالَعَةُ القَلْبِ لِأسْمائِهِ وصِفاتِهِ، ومُشاهَدَتُها ومَعْرِفَتُها. وتَقَلُّبُهُ فِي رِياضِ هَذِهِ المَعْرِفَةِ ومَبادِيها. فَمَن عَرَفَ اللَّهَ بِأسْمائِهِ وصِفاتِهِ وأفْعالِهِ: أحَبَّهُ لا مَحالَةَ. ولِهَذا كانَتِ المُعَطِّلَةُ والفِرْعَوْنِيَّةُ والجَهْمِيَّةُ قُطّاعَ الطَّرِيقِ عَلى القُلُوبِ بَيْنَها وبَيْنَ الوُصُولِ إلى المَحْبُوبِ.
السّادِسُ: مُشاهَدَةُ بِرِّهِ وإحْسانِهِ وآلائِهِ، ونِعَمِهِ الباطِنَةِ والظّاهِرَةِ. فَإنَّها داعِيَةٌ إلى مَحَبَّتِهِ.
السّابِعُ: وهُوَ مِن أعْجَبِها، انْكِسارُ القَلْبِ بِكُلِّيَّتِهِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعالى. ولَيْسَ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ هَذا المَعْنى غَيْرُ الأسْماءِ والعِباراتِ.
الثّامِنُ: الخَلْوَةُ بِهِ وقْتَ النُّزُولِ الإلَهِيِّ، لِمُناجاتِهِ وتِلاوَةِ كَلامِهِ، والوُقُوفِ بِالقَلْبِ والتَّأدُّبِ بِأدَبِ العُبُودِيَّةِ بَيْنَ يَدَيْهِ. ثُمَّ خَتْمِ ذَلِكَ بِالِاسْتِغْفارِ والتَّوْبَةِ.
التّاسِعُ: مُجالَسَةُ المُحِبِّينَ الصّادِقِينَ، والتِقاطُ أطايِبِ ثَمَراتِ كَلامِهِمْ كَما يَنْتَقِي أطايِبَ الثَّمَرِ. ولا تَتَكَلَّمْ إلّا إذا تَرَجَّحَتْ مَصْلَحَةُ الكَلامِ، وعَلِمْتَ أنَّ فِيهِ مَزِيدًا لِحالِكَ، ومَنفَعَةً لِغَيْرِكَ.
العاشِرُ: مُباعَدَةُ كُلِّ سَبَبٍ يَحُولُ بَيْنَ القَلْبِ وبَيْنَ اللَّهِ عزوجل.
فَمِن هَذِهِ الأسْبابِ العَشْرَةِ: وصَلَ المُحِبُّونَ إلى مَنازِلِ المَحَبَّةِ. ودَخَلُوا عَلى الحَبِيبِ. ومِلاكُ ذَلِكَ كُلِّهِ أمْرانِ: اسْتِعْدادُ الرُّوحِ لِهَذا الشَّانِ، وانْفِتاحُ عَيْنِ البَصِيرَةِ. وبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.