39 رياح المسك العطرة بمشاركات الأصحاب المباركة على صحيح البخاري
مجموعة أبي صالح حازم وأحمد بن علي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
ومراجعة سيف بن غدير النعيمي
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
بَابٌ: الدِّينُ يُسْرٌ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ الحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ
39 حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلاَمِ بْنُ مُطَهَّرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ مَعْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الغِفَارِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ
—-
فوائد الباب:
1 – قول البخاري في الترجمة (وقول النبي صلى الله عليه وسلم أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة) علقه البخاري هنا وأخرجه موصولا الإمام أحمد في مسنده 2107 وعبد بن حميد في مسنده 569 والبخاري في الأدب المفرد 287 والطبراني في المعجم الكبير 11572 كلهم من طريق يزيد بن هارون، والطبراني في المعجم الكبير 11571 من طريق عبد الرحمن بن المغراء قالا: أنا محمد بن إسحاق، عن داود بن حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قيل: يا رسول الله، أي الأديان أحب إلى الله عز وجل؟، قال: «الحنيفية السمحة» قال البوصيري كما في إتحاف الخيرة المهرة “هذا إسناد ضعيف لتدليس محمد بن إسحق” قلت ورواية داود عن عكرمة مناكير كما قال غير واحد من العلماء، “وهذا الإسناد ليس على شرط البخاري؛ لأنه لا يحتج بابن إسحاق ولا بروايات داود بن الحصين، عن عكرمة فإنها مناكير عند ابن المديني، والبخاري لا يخالف في ذلك وإن كان قد خرج لهما منفردين” قاله الحافظ ابن رجب في فتح الباري له، لكن الحديث له شواهد من أجل حسن الحديث الحافظ ابن حجر – كما في تغليق التعليق- والألباني وغيرهما، وقال ابن كثير كما في جامع المسانيد تفرد به أحمد.
2 – حديث أبي هريرة رضي الله عنه أخرجه البخاري والنسائي.
3 – الأخذ بالقصد في قيام الليل وغيره من الأمور قال الله سبحانه وتعالى: {لا تغلوا في دينكم} [النساء: 171] أي: لا تجاوزوا فيه القدر، وقيل: لا تشددوا فتنفروا. قاله البغوي في شرح السنة.
4 – قوله (إن الدين يسر) وعند النسائي وابن حبان والبيهقي (إن هذا الدين يسر).
5 – قوله (فسددوا وقاربوا وأبشروا) وزاد النسائي “ويسروا”، وهذه الزيادة مهمة للباب هنا
6 – ولما كانت الصلوات الخمس أفضل طاعات البدن وهي تقام في هذه الأوقات الثلاث، فالصبح في الغدوة، والظهر والعصر في الروحة، والعشاءان في جزء الدلجة عند من يقول إنها سير الليل كله عقب المصنف هذا الباب بذكر الصلاة من الإيمان. قاله القسطلاني في إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري.
7 – قال الخطابي في أعلام الحديث 1/ 170:
معنى هذا الكلام: الأمر بالاقتصاد في العبادة، وترك الحمل منها على النفس ما يؤودها ويثقلها.
يقول: إن الله عز وجل لم يتعبد خلقه بأن ينصبوا آناء الليل والنهار، ولا يفتروا ولا يستريحوا أبدا، وإنما أوجب عليهم وظائف الطاعات، في وقت دون وقت، تيسيرا منه ورحمة، فعليكم بالسداد، ولا تكلفوا أنفسكم ما لا تطيقونه، واخلطوا طرف الليل بطرف النهار، وأجموا أنفسكم فيما بينهما لئلا تنقطع بكم. اهـ
8 – قال ابن بطال في شرح البخاري 1/ 96:
وهذه كلها أعمال سماها (صلى الله عليه وسلم) دينا، والدين والإسلام والإيمان شاء واحد. قال أبو الزناد: والمراد بهذا الحديث الحض على الرفق فى العمل، وهو كقوله (صلى الله عليه وسلم): عليكم من العمل ما تطيقون -، وقال لعبد الله بن عمرو: وإذا فعلت هجمت عينك ونقمت نفسك -. وقوله: أبشروا – يعنى بالأجر والثواب على العمل، و استعينوا بالغدوة والروحة وشاء من الدلجة – كأنه خاطب مسافرا يقطع طريقه إلى مقصده فنبهه على أوقات نشاطه التى يزكو فيها عمله؛ لأن الغدو والرواح والدلج أفضل أوقات المسافر، وقد حض الرسول المسافر على المشى بالليل اهـ
وذكره ابن حجر في شرحه للحديث أيضا
9 – قال الكرماني في الكواكب الدراري 1/ 160:
ومعنى الحنيف المائل عن الباطل إلى الحق و (السمحة) أي السهلة إذ المسامحة المساهلة والملة السمحة التي لا حرج فيها ولا تضييق فيها على التماس أي ملة الإسلام ويحتمل أن تكون اللام للعهد ويراد بالملة الحنيفية الملة الإبراهيمية مقتبساً من قوله: تعالى (بل ملة إبراهيم حنيفا) والحنيف عند العرب من كان على ملة إبراهيم ثم سمي من اختتن وحج البيت حنيفاً وسمي إبراهيم حنيفاً لأنه مال عن عبادة الأوثان ومعناه بعثت بالملة الإبراهيمية التي مبناها على السهولة والمسامحة المخالفة لأديان بني إسرائيل وما يتكلفه أحبارهم ورهبانهم من الشدائد. اهـ
10 – قال ابن رجب في فتح الباري 1/ 149:
وهذا الحديث تفرد به البخاري، وتفرد بالتخريج لمعن الغفاري. ومعنى الحديث: النهي عن التشديد في الدين بأن يحمل الإنسان نفسه من العبادة مالا يحتمله إلا بكلفة شديدة، وهذا هو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم ” لن يشاد الدين أحد إلا غلبه ” يعني: أن الدين لا يؤخذ بالمغالبة فمن شاد الدين غلبه وقطعه …
وخرج البخاري هذا الحديث في أواخر كتابه، وزاد فيه: ” والقصد القصد تبلغوا “، يعني أن من دام على سيره إلى الله في هذه الأوقات الثلاثة مع الاقتصاد بلغ، ومن لم يقتصد؛ بل بالغ واجتهد فربما انقطع في الطريق ولم يبلغ.
وقد جاء في رواية عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا: ” إن هذا الدين متين، فأوغل فيه برفق ولا تبغض إلى نفسك عبادة الله؛ فإن المنبت لا سفرا قطع ولا ظهرا أبقى “.
والمنبت: هو المنقطع في سفره قبل وصوله، فلا سفر قطع ولا ظهره الذي يسير عليه أبقى حتى يمكنه السير عليه بعد ذلك؛ بل هو كالمنقطع في المفاوز، فهو إلى الهلاك أقرب، ولو أنه رفق براحلته واقتصد في سيره عليها لقطعت به سفره وبلغ إلى المنزل.
كما قال الحسن: نفوسكم مطاياكم؛ فأصلحوا مطاياكم تبلغكم إلى ربكم عز وجل، والله أعلم. اهـ
11 – قال ابن العثيمين في شرح رياض الصالحين 2/ 227:
قال: (سددوا وقاربوا وابشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة، والقصد القَصد تبلغوا) يعني معناه: استعينوا في أطراف النهار؛ وأوله وآخره، وشيء من الليل (والقصد القصد تبلغوا) هذا يحتمل أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يضرب مثلاً للسفر المعنوي بالسفر الحسي، فإن الإنسان المسافر حساً يبتغي له أن يكون سيرة في أول النهار وفي آخر النهار وفي شيء من الليل، لأن ذلك هو الوقت المريح للراحلة وللمسافر، ويحتمل أنه أراد بذلك أن أول النهار وآخره محل التسبيح، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (الأحزاب: 41، 42)، وكذلك الليل محل للقيام.
وعلى كل حال فالرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ أمرنا أن لا نجعل أوقاتنا كلها دأباً في العبادة، لأن ذلك يؤدي إلى الملل والاستحسار والتعب والترك في النهاية. أعانني الله وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته. اهـ
12 – وقال ابن العثيمين في التعليق على البخاري:
قوله: (إن الدين يسر) فيه أن الدين هو اليسر. لم يقل إن الدين من اليسر أو إن اليسر من الدين، قال: الدين يسر.
ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فالذي يشدد على نفسه يشدد الله عليه حتى إن بعضهم يصاب بالوسواس.
وأنكر النبي عليه الصلاة والسلام على أولئك الذين أرادوا أن يشددوا على أنفسهم فقال أحدهم أصوم فلا أفطر وقال الآخر أصلي ولا أرقد وقال الآخر أعتزل النساء، فخطب النبي عليه الصلاة والسلام وقال: ما بال أقوام يقولون كذا وكذا .. إلى أن قال إني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني.
كل هذا للتيسير على الأمة والتنديد للتشديد.
ولهذا اختلف العلماء في مسألة:
لو اختلفت الأدلة وتعارضت في مسألة ولم يتبين رجحان أحد الدليلين على الآخر وتساوت عند الإنسان فهل يأخذ بالأشد أو الأيسر؟ قال بعضهم يأخذ بالأشد لأنه أحوط وأبرأ للذمة، وقال بعضهم يأخذ بالأيسر لأنه أوفق لمقاصد الشرع، والأصل براءة الذمة، والأقرب هو الأخذ بالأيسر. اهـ
13 – قال ابن حجر: قال ابن المنير: في هذا الحديث علم من أعلام النبوة، فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل متنطع في الدين ينقطع، وليس المراد: منع طلب الأكمل في العبادة فإنه من الأمور المحمودة، بل منع الإفراط المؤدي إلى الملال، أو المبالغة في التطوع المفضي إلى ترك الأفضل أو إخراج الفرض عن وقته كمن بات يصلي الليل كله ويغالب النوم إلى أن غلبته عيناه في آخر الليل فنام عن صلاة الصبح في جماعة أو إلى أن خرج الوقت المختار أو إلى أن طلعت الشمس فخرج وقت الفريضة.
14 – وقال ابن حجر: وقد يستفاد من هذا الإشارة إلى الأخذ بالرخصة الشرعية، فإن الأخذ بالعزيمة في موضع الرخصة تنطع كمن يترك التيمم عند عجز عن استعمال الماء فيفضي به استعماله إلى حصول الضرر. انتهى يقصد كالمريض.
15 – الإسلام سمح، وأن الدين يسر، وأن التنطع في الدين هو التكلف والغلو في العمل بالزيادة على ما شرع الله وأنك لم تزد، وإنما تمسكت بما شرع الله فقط.
السؤال الرابع من الفتوى رقم (8973) اللجنة الدائمة
16 – في صحيح مسلم 4345: بَاب عِلْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّهِ تَعَالَى وَشِدَّةِ خَشْيَتِهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرًا فَتَرَخَّصَ فِيهِ فَبَلَغَ ذَلِكَ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ فَكَأَنَّهُمْ كَرِهُوهُ وَتَنَزَّهُوا عَنْهُ فَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ مَا بَالُ رِجَالٍ بَلَغَهُمْ عَنِّي أَمْرٌ تَرَخَّصْتُ فِيهِ فَكَرِهُوهُ وَتَنَزَّهُوا عَنْهُ فَوَاللَّهِ لَأَنَا أَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً.
17 – وذم التعمق، والمغالاة في الدين، لقوله تعالى (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم) [النساء:171] والغلو هو المبالغة في الشيء، والتشديد فيه، بتجاوز الحد، وعند النسائي وابن ماجه وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من قبلكم الغلو في الدين”
18 – وأن الخير في الاتباع، سواء كان ذلك في العزيمة، أو الرخصة.
19 – وأن استعمال الرخصة، بقصد الاتباع، في المحل الذي وردت فيه، أولى من استعمال العزيمة، بل ربما كان استعمال العزيمة حينئذ مرجوحا، كما في إتمام الصلاة في السفر، وربما كان مذموما، إذا كان رغبة عن السنة.
ونقل ابن التين عن الداودي أن التنزه عما ترخص فيه صلى الله عليه وسلم من أعظم الذنوب، لأنه يرى نفسه أتقى لله من رسوله، وهذا إلحاد.
قال الحافظ ابن حجر: لا شك في إلحاد من اعتقد ذلك، ولكن الذي اعتل به من أشير إليهم في الحديث أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فلا يكون إلحادا.
20 – قال السعدي في بهجة قلوب الأبرار:
ما أعظم هذا الحديث، وأجمعه للخير والوصايا النافعة، والأصول الجامعة. فقد أُسّس صلّى الله عليه وسلم في أوله هذا الأصل الكبير. فقال: “إن الدين يسر” أي ميسر مسهل في عقائده وأخلاقه وأعماله، وفي أفعاله وتُروكه. فإن عقائده التي ترجع إلى الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقَدَر خيره وشره: هي العقائد الصحيحة التي تطمئن لها القلوب، وتوصِّل مقتديها إلى أجلِّ غاية وأفضل مطلوب وأخلاقه وأعماله أكمل الأخلاق، وأصلح الأعمال، بها صلاح الدين والدنيا والآخرة. وبفواتها يفوت الصلاح كله. وهي كلها ميسرة مسهلة، كل مكلف يرى نفسه قادراً عليها لا تشق عليه، ولا تكلفه، عقائده صحيحة بسيطة. تقبلها العقول السليمة، والفطر المستقيمة. وفرائضه أسهل شيء.
أما الصلوات الخمس: فإنها تتكرر كل يوم وليلة خمس مرات في أوقات مناسبة لها. وتمم اللطيف الخبير سهولتها بإيجاب الجماعة والاجتماع لها؛ فإن الاجتماع في العبادات من المنشطات والمسهلات لها ورتب عليها من خير الدين وصلاح الإيمان، وثواب الله العاجل والآجل ما يوجب للمؤمن أن يستحليها، ويحمد الله على فرضه لها على العباد؛ إذ لا غنى لهم عنها.
وأما الزكاة: فإنها لا تجب على فقير ليس عنده نصاب زكوي. وإنما تجب على الأغنياء تتميماً لدينهم وإسلامهم، وتنمية لأموالهم، وأخلاقهم، ودفعاً للآفات عنهم وعن أموالهم، وتطهيراً لهم من السيئات، ومواساة لمحاويجهم، وقياماً لمصالحهم الكلية. وهي مع ذلك جزءٌ يسير جداً بالنسبة إلى ما أعطاهم الله من المال والرزق.
وأما الصيام: فإن المفروض شهر واحد من كل عام، يجتمع فيه المسلمون كلهم، فيتركون فيه شهواتهم الأصلية – من طعام وشراب ونكاح – في النهار, ويعوضهم الله على ذلك من فضله وإحسانه تتميم دينهم وإيمانهم، وزيادة كمالهم، وأجره العظيم، وبره العميم، وغير ذلك مما رتبه على الصيام من الخير الكثير، ويكون سبباً لحصول التقوى التي ترجع إلى فعل الخيرات كلها، وترك المنكرات.
وأما الحج: فإن الله لم يفرضه إلا على المستطيع، وفي العمر مرة واحدة. وفيه من المنافع الكثيرة الدينية والدنيوية ما لا يمكن تعداده. وقد فصلنا مصالح الحج ومنافعه في محلّ آخر. قال تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} [الحجّ:28] , أي: دينية ودنيوية.
ثم بعد ذلك بقية شرائع الإسلام التي هي في غاية السهولة الراجعة لأداء حق الله وحق عباده. فهي في نفسها ميسرة. قال تعالى {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185] , ومع ذلك إذا عرض للعبد عارض مرض أو سفر أو غيرهما، رتب على ذلك من التخفيفات، وسقوط بعض الواجبات، أو صفاتها وهيئتها ما هو معروف.
ثم إذا نظر العبد إلى الأعمال الموظفة على العباد في اليوم والليلة المتنوعة من فرض ونفل، وصلاة وصيام وصدقة وغيرها، وأراد أن يقتدي فيها بأكمل الخلق وإمامهم محمد صلّى الله عليه وسلم رأى ذلك غير شاق عليه، ولا مانع له عن مصالح دنياه، بل يتمكن معه من أداء الحقوق كلها: حقّ الله، وحقّ النفس، وحقّ الأهل والأصحاب، وحقّ كلّ من له حقّ على الإنسان برفق وسهولة، وأما من شدد على نفسه فلم يكتف بما اكتفى به النبي صلّى الله عليه وسلم، ولا بما علَّمه للأمة وأرشدهم إليه، بل غلا، وأوغل في العبادات: فإن الدين يغلبه، وآخر أمره العجز والانقطاع، ولهذا قال: “ولن يَشادَ الدينَ أحد إلا غلبه” فمن قاوم هذا الدين بشدة وغلو، ولم يقتصد: غلبه الدين، واستحسر ورجع القهقرى. ولهذا أمر صلّى الله عليه وسلم بالقصد، وحثّ عليه. فقال: “والقصد القصد تبلغوا”.
ثم وصى صلّى الله عليه وسلم بالتسديد والمقاربة، وتقوية النفوس بالبشارة بالخير، وعدم اليأس.
فالتسديد: أن يقول الإنسان القول السديد، ويعمل العمل السديد، ويسلك الطريق الرشيد، وهو الإصابة في أقواله وأفعاله من كل وجه. فإن لم يدرك السداد من كل وجه فليتق الله ما استطاع، وليقارب الغرض. فمن لم يدرك الصواب كله فليكتف بالمقاربة. ومن عجز عن العمل كله فليعمل منه ما يستطيعه …
فعلمت بهذا: أنه يؤخذ من هذا الحديث العظيم عدة قواعد:
القاعدة الأولى: التيسير الشامل للشريعة على وجه العموم.
القاعدة الثانية: المشقة تجلب التيسير وقت حصولها.
القاعدة الثالثة: إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم.
القاعدة الرابعة: تنشيط أهل الأعمال، وتبشيرهم بالخير والثواب المرتب على الأعمال.
القاعدة الخامس: الوصية الجامعة في كيفية السير والسلوك إلى الله، التي تغني عن كل شيء ولا يغني عنها شيء.
فصلوات الله وسلامه على من أوتي جوامع الكلم ونوافعها.
وقد نقلنا في شرحنا لبعض أحاديث الصحيح المسند بعض القواعد في يسر الشريعة وذكرنا أمثلة على ذلك استفدناها من أسماء رسائل جامعية ألفت في ذلك
21 – قوله (حدثنا عبد السلام بن مطهر) تابعه أبو بكر بن نافع كما عند النسائي تابعه أحمد بن المقدام كما عند ابن حبان في صحيحه تابعه موسى بن بحر كما عند البيهقي في السنن الكبرى.
22 – قوله (عن معن بن محمد الغفاري) وعند ابن حبان “سمعت معن بن محمد”. تابعه على الشطر الثاني ابن أبي ذئب كما عند البخاري 6463 وفيه ” والقصد القصد تبلغوا”
9 – قوله (عن سعيد بن أبي سعيد المقبري) وعند ابن حبان والبيهقي ” سمعت سعيد بن أبي سعيد المقبري