388 جامع الأجوبة الفقهية ص 427
مجموعة ناصر الريسي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف الشيخ د. سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——-
بلوغ المرام
مسألة: هل يلزم المرتد ما تركه من الصلوات في ردته؟
——–
إذا ارتد المسلم ثم تاب من ردته فهل يلزمه قضاء الصلوات حال ردته وما فاته قبلها؟
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
الأول: أنه لا يلزمه قضاء الصلوات الفائتة مطلقاً سواء كانت قبل الردة أو أثنائها وهذا ذهب المالكية ورواية عند الحنابلة، وداوود، ورجحه الشيخ ابن باز رحمه الله.
الثاني: أنه يجب عليه القضاء للصلوات الفائتة مطلقاً التي قبل الردة وبعدها. وهذا مذهب الشافعية والحنابلة في رواية.
الثالث: أنه يجب عليه قضاء الفائتة قبل الردة حال إسلامه ولا يجب عليه قضاء الصلاة أثناء الردة. وهذا مذهب الحنفية والحنابلة في رواية ثالثة ذكرها القاضي وقال: وهذا المذهب، وهو قول أبي عبد الله بن حامد، وشيخ الاسلام ابن تيمية.
حجة القول الأول: في عدم وجوب قضاء ما فاته قبل الردة بأن الإسلام يجب ما قبله، وهو بتوبته أسقط ما قبل الردة، وأما أثناء الردة فإنه صار كالكافر الأصلي في جميع أحكامه.
وحجة القول الثاني أن المرتد أقر بوجوب العبادات عليه، واعتقد ذلك وقدر على التسبب إلى أدائها، فلزمه ذلك، كالمحدث.
أما أصحاب القول الثالث فقالوا: أنه لا قضاء عليه لما ترك في حال ردته؛ لأنه تركه في حال لم يكن مخاطبا بها لكفره، وعليه قضاء ما ترك في إسلامه قبل الردة؛ ولأنه كان واجبا عليه، ومخاطبا به قبل الردة، فبقي الوجوب عليه بحاله.
قال ابن قدامة في المغني (1/ 289):
وأما المرتد، فذكر أبو إسحاق بن شاقلا عن أحمد، في وجوب القضاء عليه، روايتين: إحداهما: لا يلزمه.
وهو ظاهر كلام الخرقي في هذه المسألة، فعلى هذا لا يلزمه قضاء ما ترك في حال كفره، ولا في حالإسلامه قبل ردته. ولو كان قد حج لزمه استئنافه؛ لأن عمله قد حبط بكفره، بدليل قول الله تعالى: {لئن أشركت ليحبطن عملك} [الزمر: 65]. فصار كالكافر الأصلي في جميع أحكامه. والثانية: يلزمه قضاء ما ترك من العبادات في حال ردته، وإسلامه قبل ردته، ولا يجب عليه إعادة الحج؛ لأن العمل إنما يحبط بالإشراك مع الموت، لقوله تعالى: {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة} [البقرة: 217]. فشرط الأمرين لحبوط العمل، وهذا مذهب الشافعي؛ لأن المرتد أقر بوجوب العبادات عليه، واعتقد ذلك وقدر على التسبب إلى أدائها، فلزمه ذلك، كالمحدث. ولو حاضت المرأة المرتدة لم يلزمها قضاء الصلاة في زمن حيضها؛ لأن الصلاة غير واجبة عليها في تلك الحال.
وذكر القاضي رواية ثالثة، أنه لا قضاء عليه لما ترك في حال ردته؛ لأنه تركه في حال لم يكن مخاطبا بها لكفره، وعليه قضاء ما ترك في إسلامه قبل الردة؛ ولأنه كان واجبا عليه، ومخاطبا به قبل الردة، فبقي الوجوب عليه بحاله. قال: وهذا المذهب. وهو قول أبي عبد الله بن حامد، وعلى هذا لا يلزمه استئناف الحج إن كان قد حج؛ لأن ذمته برئت منه بفعله قبل الردة، فلا يشتغل به بعد ذلك، كالصلاة التي صلاها في إسلامه؛ ولأن الردة لو أسقطت حجه وأبطلته، لأبطلت سائر عباداته المفعولة قبل ردته. انتهى
قال النووي في المجموع شرح المهذب (3/ 4):
أما الكافر المرتد فيلزمه الصلاة في الحال وإذا أسلم لزمه قضاء ما فات في لردة لما ذكره المصنف هذا مذهبا لا خلاف فيه عندنا وقال مالك وأبو حنيفة وأحمد في رواية عنه وداود لا يلزم المرتد إذا أسلم قضاء ما فات في الردة ولا في الإسلام قبلها وجعلوه كالكافر الأصلي يسقط عنه بالإسلام ما قد سلف والله أعلم. انتهى
قال الخرشي في شرح قول خليل (8/ 68):
“وأسقطت صلاة وصياما وزكاة وحجا تقدم”:
“يعني أن المكلف إذا فرط في العبادات قبل ردته من صلاة، أو صيام، أو زكاة، ثم تاب ورجع للإسلام، فإنه لا يؤمر بقضاء ذلك، وتسقط عنه; لأن الإسلام جبّ ما قبله، وصار كالكافر الأصلي يسلم الآن، ولم يُجزه ما فعله قبل الردة من الحج، بل عليه حجة الإسلام … وينبغي أن تقيد هذه الأمور بما إذا لم يقصد بالردة إسقاطها، وإلا لم تسقط؛ معاملة له بنقيض قصده”. انتهى
قال شيخ الاسلام كما في مجموع الفتاوى (22/ 10):
فأما المرتد، فلا يجب عليه قضاء ما تركه في الردة من صلاة وزكاة وصيام في المشهور، ولزمه ما تركه قبل الردة في المشهور. انتهى
وجاء في ” فتاوى اللجنة الدائمة “: ” وليس على المرتد إذا رجع إلى الإسلام أن يقضي ما ترك في حال الرِّدَّة من صلاة وصوم وزكاة … إلخ.
وما عملَه في إسلامه قبل الرِّدَّة من الأعمال الصالحة؛ لم يبطل بالرِّدَّة إذا رجع إلى الإسلام؛ لأنَّ الله سبحانه علَّق ذلك بموته على الكفر، كما قال عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ) الآية البقرة/161، وقال سبحانه: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) الآية البقرة/217″ انتهى من “فتاوى اللجنة الدائمة” (2/ 9).
وجاء في مجموع فتاوى ابن باز (15/ 360)
س: هل على المرتد قضاء الصلاة والصيام إذا عاد إلى الإسلام وتاب إلى الله؟
ج: ليس عليه القضاء ومن تاب تاب الله عليه، فإذا ترك الإنسان الصلاة أو أتى بناقض من نواقض الإسلام ثم هداه الله وتاب فإنه لا قضاء عليه، هذا هو الصواب من أقوال أهل العلم لأن الإسلام يجب ما قبله والتوبة تهدم ما كان قبلها. قال الله سبحانه وتعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} فبين الله سبحانه وتعالى أن الكافر إذا أسلم غفر الله له ما قد سلف، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «التوبة تجب ما قبلها والإسلام يهدم ما كان قبله». انتهى
والله أعلم …