385 جامع الأجوبة الفقهية ص 426
مجموعة ناصر الريسي
وشارك أسامة
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف الشيخ د. سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——-
بلوغ المرام
مسألة: هل يقتل تارك الصلاة تكاسلا؟
سبق لنا مناقشة حكم تارك الصلاة الذي يتركها جاحداً وجوبها وقد نقلنا إجماع أهل العلم على كفره، وإما الذي يتركها تكاسلاً فقد اختلف العلماء في حكم قتله على قولين:
الأول: أنه يقتل حدًّا: فعند المالكية والشافعية يطالب بأداء الصلاة إذا ضاق الوقت، ويتوعد بالقتل إن أخرها عن الوقت، فإن أخر حتى خرج الوقت استوجب القتل، ولا يقتل حتى يستتاب في الحال، فإن أصر حدًّا وقيل يمهل ثلاثة أيام. وعند بعض الحنابلة -الذين لا يكفرون منهم- يُدعى ويقال له: صلِّ وإلا قتلناك، فإن صلى وإلا وجب قتله، ولا يقتل حتى يحبس ثلاثًا، ويُدعى في وقت كل صلاة، فإن صلى وإلا قتل حدًّا
الثاني: أنه لا يقتل وإنما يُعزَّر ويحبس حتى يموت أو يتوب: وهو مذهب الزهري وابن المسيب وعمر بن عبد العزيز وأبي حنيفة وداود الظاهري والمزني وابن حزم، واستدلوا بحديث «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: … » الحديث وقد تقدم، وبما في معناه، كحديث «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها».
جاء في توضيح الأحكام من بلوغ المرام (6/ 78):
استدل كثير من العلماء بهذا الحديث على أن تارك الصلاة لا يقتل بتركها، لكونه ليس من هؤلاء الثلاثة، أما ابن القيم فقال: “إن هذا الحديث حجة في قتل تارك الصلاة، فإنه تارك لدينه”.
قال ابن الملقن في الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (9/ 51):
واعلم أن قتل تارك الصلاة كسلًا وعدمه مبني على تكفيره وقد اختلف أصحابنا فيه على وجهين – ثم ذكر الخلاف في مسألة التكفير، ثم قال – نعم يقتل حدًّا وحديث جابر السالف، وكذا حديث بريدة أيضًا يحملان على أنه شارك الكافر في بعض أحكامه، وهو وجوب القتل، كحديث: “قتال المسلم كفر”، أو على جاحد الوجوب، أو على كفر النعمة، ولأنه عموم دخله التخصيص بحديث عبادة السالف. انتهى
وجاء في الدرر السنية في الكتب النجدية (5/ 199):
إن العلماء كلهم مجمعون على قتل تارك الصلاة كسلاً، إلا أبا حنيفة والزهري وداود، فإنهم قالوا: يحبس تارك الصلاة حتى يموت أو يتوب. واحتج الجمهور على قتله بالكتاب والسنة، وذكر الأدلة – ثم قال – وأما كلام الفقهاء: فقال الشيخ علي الأجهوري في شرح المختصر: من ترك فرضاً أخره لبقاء ركعة بسجدتيها من الضروري، قتل بالسيف حداً على المشهور. وقال ابن حبيب وجماعة خارج المذهب كافراً، واختاره ابن عبد السلام. انتهى
ضعف قول من قال: إن تارك الصلاة يقتل حدًّا:
قال ابن تيمية:
ولا يتصور في العادة أن رجلًا يكون مؤمنًا بقلبه، مقرًا بأن الله أوجب عليه الصلاة، و [ملتزمًا] بشريعة النبي ? وما جاء به، يأمره ولي الأمر بالصلاة، فيمتنع حتى يقتل، ويكون مع ذلك مؤمنًا في الباطن قط، لا يكون إلا كافرًا، ولو قال: أنا مقر بوجوبها غير أن لا أفعلها، كان هذا القول مع هذه الحال كذبًا منه، كما لو أخذ يلقي المصحف في الحق، ويقول: أشهد أن ما فيه كلام الله، أو لو جعل يقتل نبيًا من الأنبياء، ويقول: أشهد أنه رسول الله، ونحو ذلك من الأفعال التي تنافي إيمان القلب، فإذا قال: أنا مؤمن بقلبي مع هذه الحال كان كاذبًا فيما أظهره من القول. الإيمان الأوسط – ط ابن الجوزي (1) / (566) — ابن تيمية
(300) – حكم تارك الصلاة، ومن ترك صلاة حتى خرج وقتها
قال إسحاق بن منصور: قال أحمد: إذا تركَ الصَّلاةَ استتبته ثلاثة أيام، على حديثِ ابن عمر رضي الله عنهما
«مسائل الكوسج» ((3395))
قال عبد اللَّه: سألت أبي عن ترك الصلاة متعمدًا؟
قال: يروى عن النبي ?: «بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة» ((1)). قال أبي: والذي يتركها لا يصليها، والذي يصليها في غير وقتها أدعوه ثلاثًا، فإن صلى، وإلا ضربت عنقه، هو عندي بمنزلة المرتد، يستتاب ثلاثًا فإن تاب؛ وإلا قتل على حديث عمر.
«مسائل عبد اللَّه» ((191))
وقال عبد اللَّه: سألت أبي عن رجل ترك العصر حتى غربت الشمس تركها عمدًا؟ قال: ادعوه إلى الصلاة ثلاثًا، فإن أبى وإلا ضربت عنقه. «مسائل عبد اللَّه» ((192))
وقال عبد اللَّه: حدثني أبي، حدثنا وكيع، نا هشام بن عروة عن أبيه، عن المسور بن مخرمة أن ابن عباس دخل على عمر -وقال مرة: دخلت مع ابن عباس على عمر- بعدما طعن فقال: الصلاة؟ قال: نعم، ولاحظ في الإِسلام لامرئ أضاع الصلاة. فصلى والجرح يثغب دمًا
«مسائل عبد اللَّه» ((193))
(ولاحظ في الإِسلام لامرئ أضاع الصلاة) رواه عبد الرزاق (1) / (150) – (151) ((579) – (581))، وابن أبي شيبة (7) / (438) ((37056))، والدارقطني (2) / (52)، وصححه الألباني في «الإرواء» ((209)).
الجامع لعلوم الإمام أحمد – الفقه (5) / (523) — أحمد بن حنبل
والله أعلم …
قال ابن قدامة في المغني بعد أن بسط الكلام في حكم تارك الصلاة وما اتفق عليه العلماء من ذلك وما اختلفوا فيه: إذا ثبت هذا فظاهر كلام الخرقي أنه يجب قتله بترك صلاة واحدة، وهي إحدى الروايتين عن أحمد؛ لأنه تارك للصلاة، فلزم قتله، كتارك ثلاث، ولأن الأخبار تتناول تارك صلاة واحدة، لكن لا يثبت الوجوب حتى يضيق وقت التي بعدها؛ لأن الأولى لا يعلم تركها إلا بفوات وقتها، فتصير فائتة لا يجب القتل بفواتها، فإذا ضاق وقتها علم أنه يريد تركها، فوجب قتله.
والثانية: لا يجب قتله حتى يترك ثلاث صلوات، ويضيق وقت الرابعة عن فعلها؛ لأنه قد يترك الصلاة والصلاتين لشبهة، فإذا تكرر ذلك ثلاثا تحقق أنه تارك لها رغبة عنها، ويعتبر أن يضيق وقت الرابعة عن فعلها؛ لما ذكرنا.
وقد صرح شيخ الإسلام ابن تيمية بأن من يترك الصلاة أحيانا ويصلي أحيانا داخل في الوعيد يعني أنه غير كافر، قال في الفتاوى الكبرى: لكن أكثر الناس يصلون تارة، ويتركونها تارة، فهؤلاء ليسوا يحافظون عليها، وهؤلاء تحت الوعيد، وهم الذين جاء فيهم الحديث الذي في السنن حديث عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: خمس صلوات كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة من حافظ عليهن كان له عهد عند الله أن يدخله الجنة، ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له عهد عند الله، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له. انتهى.
مسألة ((155)) جمهور العلماء على أن تارك الصلاة تكاسلًا غير منكرٍ لفرضيتها فإنه لا يكفر، بل يستتاب فإن تاب وإلا قُتل حدًّا لا كفرًا، ويُغَسَّلُ ويُكَفَّنُ ويُصلَّي عليه ويُدفن في مقابر المسلمين، وعلى هذا جماعة العلماء من السلف والخلف (أعني في عدم تكفيره).
وممن قال يُقتل حدًّا لا كفرًا بعد استتابته: مكحول ومالك وحماد بن زيد ووكيع والشافعي.
وممن قال لا يكفر: الزهري وأبو حنيفة وأصحابه والثوري والمزني وآخرون، قال هؤلاء جميعهم: لا يُقتل، ولكن يُضرب ويُحبس حتى يصلي.
وقالت طائفة: هو كافر. قال ابن المنذر: هذا قول إبراهيم النخعي وأيوب السختياني وابن المبارك وأحمد وإسحاق. وقال أحمد: لا يكفر أحد بذنبٍ إلا تارك الصلاة عمدًا.
قلت: وذكر ابن المنذر عن أحمد أنه يُستتاب ثلاثًا (يعني ثلاث صلوات). قال ابن المنذر: وبه قال سليمان بن داود وأبو حنيفة وأبو بكر بن أبي شيبة.
قلت: ورُوي القول بتكفير تارك الصلاة عمدًا وإجراء أحكام المرتدين عليه عن عليٍّ ابن أبي طالبٍ، ومال ابن المنذر إلى القول بعدم تكفيره وقتله. موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي (1) / (127)
وأما من تركها بلا عذر، بل تكاسلا مع اعتقاد وجوبها، فالصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور أنه لا يكفر، وأنه – على الصحيح أيضا – بعد إخراج الصلاة الواحدة عن وقتها الضروري، كأن يترك الظهر مثلا حتى تغرب الشمس أو المغرب حتى يطلع الفجر – يستتاب كما يستتاب المرتد، ثم يقتل إن لم يتب، ويغسل ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين، مع إجراء
سائر أحكام المسلمين عليه. ويؤول إطلاق الكفر عليه لكونه شارك الكافر في بعض أحكامه. وهو وجوب العمل، جمعا بين هذه النصوص وبين ما صح أيضا عنه ? أنه قال: خمس صلوات كتبهن الله – فذكر الحديث. وفيه: «إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له» وقال أيضا: «من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة» إلى غير ذلك. ولهذا لم يزل المسلمون يرثون تارك الصلاة
ويورثونه ولو كان كافرا لم يغفر له، ولم يرث ولم يورث «. وقد ذكر نحو هذا الشيخ سليمان بن الشيخ عبد الله في» حاشيته على المقنع “، سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (1) / (176)
الذب المأمول عن العلامة الألباني رحمه الله للشيخ محمد بازمول الحلقة الثانية:
وللشيخ كلام نص في هذا، فتراه يعلق على قول ابن تيمية رحمه الله:”وبهذا تزول الشبهة في هذا الباب، فإن كثيراً من الناس بل أكثرهم في كثير من الأمصار لا يكونون محافظين على الصلوات الخمس، ولا هم تاركيها بالجملة، بل يصلون أحياناً ويدعون أحياناً فهؤلاء فيهم إيمان ونفاق وتجري عليم أحكام الإسلام الظاهرة في المواريث ونحوها من الأحكام فإن هذه الأحكام إذا جرت على المنافق المحض كابن أبي وأمثاله من المنافقين فلأن تجري على هؤلاء أولى وأحرى”اهـ.
يعلق الألباني على قول ابن تيمية هذا فيقول: ((كلام عدل من كلام شيخ الإسلام وهو ينافي قول من يقول بتكفير تارك الصلاة ولو مرة واحدة بعد خروج وقتها! و يوضح أن الذي يكفر إنما هو المعاند، وقد مثل له بما تقدم، كمن عرض على السيف إلا أن يصلي فأبى)) اهـ.
وقال في تعليق آخر: ((من لوازم التحقيق بل من ضرورياته – أن يبين المؤلف رأيه بوضوح: ماهو مذهب السلف؟! أهو التكفير بصلاة واحدة فقط؟ أم بإصراره على تركها مطلقا؛ بحيث يموت و قد شاخ و لم يصل لله صلاة؟! أو هو الذي رفع أمره إلى الحاكم، فأمره بالصلاة، فأبى فقتل؟!)) اهـ النقل عن بازمول
وفي صحيح ابن حبان
(3806) – أَخبَرنا يَحْيَى بْنُ عَمْرٍو، بِالْفُسْطَاطِ، حَدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْعَلَاءِ الزُّبَيْدِيُّ، حَدثنا مُحَمَّدُ بْنُ حِمْيَرٍ، حَدثنا الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ عَمِّهِ، عَنْ بُرَيْدَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ?، قَالَ: «بَكِّرُوا بِالصَّلَاةِ فِي يَوْمِ الْغَيْمِ، فَإِنَّهُ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ كَفَرَ».
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: أَطْلَقَ الْمُصْطَفَى ? اسْمَ الْكُفْرِ عَلَى تَارِكِ الصَّلَاةِ، إِذْ تَرْكُ الصَّلَاةِ أَوَّلُ بِدَايَةِ الْكُفْرِ، لأَنَّ الْمَرْءَ إِذَا تَرَكَ الصَّلَاةَ وَاعْتَادَهُ ارْتَقَى مِنْهُ إِلَى تَرْكِ غَيْرِهَا مِنَ الْفَرَائِضِ، وَإِذَا اعْتَادَ تَرْكَ الْفَرَائِضِ أَدَّاهُ ذَلِكَ إِلَى الْجَحْدِ، فَأَطْلَقَ ? اسْمَ النِّهَايَةِ الَّتِي هِيَ آخِرُ شُعَبِ الْكُفْرِ عَلَى الْبِدَايَةِ الَّتِي هِيَ أَوَّلُ شُعَبِهَا وَهِيَ تَرْكُ الصَّلَاةِ.
ثم قال رحمه الله مبوبا: «ذكر خبر يدل على صحة ما ذكرنا: أن العرب تطلق اسم المتوقع من الشيء في النهاية على البداية» وبعد إيراده قول النبي ?: «المراء في القرآن كفر» قال:
إذا مارى المرء في القرآن أداه ذلك – إن لم يعصمه الله – إلى أن يرتاب في الآي المتشابه منه فأطلق ? اسم الكفر – الذي هو الجحد – على بداية سببه الذي هو المراء
قال:
النوع السادس والعشرون
إخباره ? عن الشيء بإطلاق اسم المستحق على من أتى ببعض ذلك الشيء الذي هو البداية، كمن أتاه مع غيره إلى النهاية.
(3810) – أَخبَرنا الْفَضْلُ بْنُ الْحُبَابِ الْجُمَحِيُّ، حَدثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْحَوْضِيُّ، حَدثنا مُحَرَّرُ بْنُ قَعْنَبٍ الْبَاهِلِيُّ، حَدثنا رِيَاحُ بْنُ عُبَيْدَةَ، عَنْ ذَكْوَانَ السَّمَّانِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ ?، فَقَالَ: «نَادِ فِي النَّاسِ: مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ»، فَخَرَجَ فَلَقِيَهُ عُمَرُ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ ? بِكَذَا وَكَذَا، قَالَ: ارْجِعْ، فَأَبَيْتُ، فَلَهَزَنِي لَهْزَةً فِي صَدْرِي آلَمَتْهَا، فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَجِدْ بُدًّا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، بَعَثْتَ هَذَا بِكَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ النَّاسَ قَدْ طَمِعُوا وَخَشُوا، فَقَالَ ?: «اقْعُدْ». [(151)]
ذِكْرُ خَبَرٍ ثَانٍ أَوْهَمَ مَنْ لَمْ يُحْكِمْ صِنَاعَةَ الْحَدِيثِ أَنَّ الإِيمَانَ بِكَمَالِهِ هُوَ الإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ دُونَ أَنْ يَقْرِنَهُ الأَعْمَالُ بِالأَعْضَاءِ.
إلى آخر ما قال رحمه من التبويبات
قال ابن العطار:
واعلم أن قتل تارك الصلاة كسلًا، وعدمه: مبني على تكفيره، وقد ثبت في كفره ثلاثة أحاديث:
الأول: ما رواه مسلم في “صحيحه” عن جابر رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن بينَ الرجلِ وبينَ الشرِك والكفرِ، تَرْكَ الصلاةِ”.
الثاني: عن بريدة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “العهدُ الذي بيننا وبينَهم الصلاةُ، فمن تركَها، فقدْ كفرَ” رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح ..
الثالث: عن شقيق بن عبد الله التابعي، المتفق على جلالته -رحمه الله تعالى- قال: كان أصحاب محمَّد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئًا من الأعمال، تركُه كفر، غيرَ الصلاة. رواه الترمذي في كتاب “الإيمان” بإسناد صحيح.
فهذه الأحاديث ظاهرها تكفير تارك الصلاة، بوصفه بالكفر. وهو في الشرع: الخروج من الإِسلام، ويؤيد ذلك ما رواه أبو حاتم بن حبان في “صحيحه”، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه ذكر الصلاة يومًا، فقال: “مَنْ حافظَ عَلَيْها، كانَتْ لَهُ نُورًا وبُرْهانا ونَجاةً يومَ القيامةِ، ومَنْ لمِ يحافظْ عليها، لَمْ يَكُنْ لَهُ نور ولا بُرهان ولا نَجاةٌ، وكانَ يومَ القيامةِ مَعَ قارون وهامانَ وفرعونَ، وأُبَيٍّ بْنِ خَلَفٍ”
ولا شك أن ترك المحافظة عليها يدل على عدم جحد وجوبها، وأنه يقتضي التهاون والكسل عنها، ولا يحشر يوم القيامة مع صناديد الكفر، الذين أخبر الله عنهم بالخلود في النار إلا كافر.
وبكفره، قال المحدثون، ومنصور الفقيه من الشافعية في كتابه “المستعمل”، وأحمد في المشهور عنه، وبعض أصحاب مالك، وقالوا:
يستتاب، فإن تاب، وإلا قتل كفرًا، وقال الشافعي ومالك: يقتل حدًّا.
وحمل الشافعي الكفر في الأحاديث، على كفر النعمة، دون الكفر المطلق المخرِج من الإِسلام. واستدل لذلك بما رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، بإسناد صحيح ثابت، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “خمسُ صلواتٍ كتبهن اللهُ على العبادِ، فمنْ جاءَ بهن، ولم يُضَيِّعْ منهن شيئًا استخفافًا بِحَقِّهِنَّ، كانَ لهُ عندَ اللهِ عهدٌ، أَنْ يُدْخِلَه الجنةَ، ومن لم يأتِ بهن، فليسَ له عندَ اللهِ عهدٌ، إن شاءَ عذبَهُ، وإنْ شاءَ أدخلَه الجنَةَ”.
فلما كان مَنْ تركَ الصلاة غيرَ مستحل لتركها، ولا مستخفا بها، داخلَا تحت المشيئة، دل على عدم كفره المطلق، فلا يكون قتله كفرًا، بل حدًّا.
واستدل على قتله حدًّا؛ بقوله صلى الله عليه وسلم: “نُهيت عن قَتلِ المُصَلين” وهو حديث ضعيف عند المحدثين، وبتقدير ثبوته، لا دلالة له فيه لقتلهم إذا تركوها؛ لأنه دلالة مفهوم العكس، وهو ضعيف عند أرباب أصول الفقه، والله أعلم.
[العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار 3/ 1404]
قال ابن الملقن:
[سابعها]: أن تارك الصلاة كسلًا لا يقتل، لأنه عليه الصلاة والسلام حصر دم المرء المسلم في هذه الثلاثة بلفظ النفي العام، والاستثناء منه لهذه الثلاثة، وهو قول المزني من أصحاب الشافعي قال: يُضرب ويُحبس حتى يصلي، وهو مشهور مذهب أبي حنيفة، واختاره الحافظ أبو الحسن علي بن المفضّل المقدسي المالكي في قصيدة له مشهورة، أنبأنا بها غير واحد عن شيخ الإِسلام تقي الدين القشيري، عن الفقيه المفتي أبي موسى هارون بن عبد الله المهراني، عنه.
خسر الذي ترك الصلاة وخابا … وأبى معاذًا صالحًا ومآبا
إن كان يجحدها، فحسبك أنه … أمسى بربك كافرًا مرتابا
أو كان يتركها لنوع تكاسل … [غطى] على وجه الصواب حجابا
فالشافعي ومالك رأيا له … إن لم يتب: حَدَّ الحسام عقابا
وأبو حنيفة قال يترك مرة … هَمَلًا، ويحبس مرة إيجابا
والظاهر المشهور من أقواله … تعزيره زجرًا له وعقابا
[. . .]
والرأي عندي: أن يؤدبه الإِمام … بكل تأديب يراه صوابا
ويكف عنه القتل طول حياته … حتى يلاقي في المآب حسابا
فالأصل عصمته إلى أن يمتطي … إحدى الثلاث إلى الهلاك ركابا
الكفر أو قتل المكافي عامدًا … أو محصن طلب الزنا فأصابا
واستشكل إمام الحرمين قتله وقوى بعض المتأخرين إزالة الإِشكال في عدم قتله بقوله عليه الصلاة والسلام: “أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلَّا الله وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة”. فوقف العصمة على مجموع ما ذكر والمرتب على أشياء لا تحصل بحصول مجموعها، وينتفي بانتفاء بعضها.
قال الشيخ تقي الدين: وهذا إن قصد به الاستدلال بالمنطوق وهو الأمر بالقتال إلى هذه الغاية، فقد [ذهل] وسهى؛ لأنه فرَّق بين المقاتلة على الشيء والقتل عليه، فإن “المقاتلة” مفاعلة تقتضي الحصول من الجانبين.
ولا يلزم من إباحة المقاتلة على الصلاة إباحة القتل عليها من الممتنع من فعلها إذا لم يقاتل، ولا إشكال بأن قومًا لو تركوا الصلاة [وقاتلوا عليها قوتِلوا]، [أي بدليل مناظرة عمر الصديق في قتال مانعي زكاة المال] النظر والخلاف فيما إذا تركها إنسان من غير نَصب قتال: [هل يقال يقُتل أم لا؟] فتأمَّل الفرق بين المقاتلة على الصلاة [والقتل] عليها وأنه لا يلزم من إباحة المقاتلة عليها [إباحة القتل عليها] وإن كان أخذ هذا من لفظ آخر الحديث، وهو ترتب العصمة على فعل ذلك، فإنه يدل بمفهومه على أنها لا تترتب على فعل بعضها، [دون المجموع] هان الخطب لأنها دلالة مفهوم، والخلاف فيها معروف مشهور، وبعض من ينازعه في هذه المسألة لا يقول بدلالة المفهوم، ولو قال بها فقد يرجح عليها دلالة المنطوق في هذا الحديث.
واعلم أن قتل تارك الصلاة كسلًا وعدمه مبني على تكفيره وقد اختلف أصحابنا فيه على وجهين:
أحدهما: أنه يكفر بذلك، وهو المشهور عن أحمد، وقول المحدثين وبعض المالكية، وحكاه العبدري عن منصور الفقيه من أصحابنا، والشيح أبي إسحاق في “خلافياته” عن أبي الطيب بن سلمة، ونسبه القاضي حسين في باب قتل المرتد إلى أبي جعفر الترمذي، وابن خربويه، ووجهه قوله عليه الصلاة والسلام: “إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة”، رواه مسلم من حديث جابر. وقوله عليه الصلاة والسلام: “العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر”. رواه الترمذي من حديث بريدة، وصحَّحه؛ وكذا ابن حبان. وقال الحاكم: صحيح الإِسناد ولا نعرف له علة.
قال: وله شاهد على شرطهما، فذكره عن شقيق، عن أبي هريرة قال: “كان أصحاب رسول الله – صلي الله عليه وسلم – لا يرون من الأعمال شيئًا تركه كفرًا غير الصلاة”. وروى هذا الترمذي عن شقيق بإسناد صحيح.
وفي صحيح ابن حبان من حديث ابن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه ذكر الصلاة يومًا، فقال: “من حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاةً يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها، لم يكن له برهان ولا نور ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون، وهامان، وفرعون”. وأصح الوجهين عندهم أنه لا يكفر بذلك، لقوله عليه الصلاة والسلام: “خمس صلوات كتبهن الله على العباد، فمن جاء بهن فلم يضيع منهن شيئًا استخفافًا بحقهن كان له عند الله عهدًا أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة”، رواه مالك في الموطأ وأبو داود واللفظ له، والنسائي وابن ماجه، وصحَّحه ابن حبان وابن السكن وابن عبد البر.
وجه الدلالة: أنه لو كفر لم يدخل تحت المشيئة، وللأحاديث الصحيحة الثابتة بحديث: “من مات وهو يعلم أن لا إله إلَّا الله دخل الجنة” وشبهه، ولم يزل المسلمون يورثون تارك الصلاة ويرثون عنه، ولو كان كافرًا لم يغفر له ولم يورث ولم يرث. نعم يقتل حدًّا وحديث جابر السالف، وكذا حديث بريدة أيضًا يحملان على أنه شارك الكافر في بعض أحكامه، وهو وجوب القتل، كحديث: “قتال المسلم كفر”، أو على جاحد الوجوب، أو على كفر النعمة، ولأنه عموم دخله التخصيص بحديث عبادة السالف.
وإذا قلنا يُقتل، فمتى يُقتل؟
اختلف أصحابنا فيه على أوجه محل الخوض فيها كتب الفروع [وقد أوضحناها فيه، ولله الحمد].
[الإعلام بفوائد عمدة الأحكام 9/ 49]
قال ابن عثيمين:
وقول الإمام أحمد بتكفير تارك الصلاة كسلاً هو القول الرَّاجح، والأدلة تدلُّ عليه من كتاب الله وسُنَّةِ الرَّسول صلى الله عليه وسلم، وأقوال السَّلف، والنَّظر الصحيح.
أمَّا الكتاب: فقوله تعالى في المشركين: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة: 11]، فاشترط الله لثبوت الأُخُوَّة في الدِّين ثلاثةَ شروط:
الأولُ: التوبة من الشِّرك، والثَّاني: إقامة الصَّلاة، والثالث: إيتاء الزَّكاة.
فالآية تدلُّ على أنَّه لا يكون أخاً لنا في الدِّين إذا لم يُصَلِّ ولم يُزكِّ، وإن تاب من الشِّرك. والأُخُوَّة في الدِّين لا تنتفي بالمعاصي وإن عَظُمَتْ، كما في آية القصاص حيث قال تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيءٌ} [البقرة: 178]، فجعلَ المقتولَ أخاً للقاتل عمداً، وكما في اقتتال الطَّائفتين من المؤمنين حيثُ قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10]، فلم تنتفِ الأُخوة الإيمانية مع الاقتتال؛ وهو من كبائر الذُّنوب.
أمَّا مانعُ الزَّكاة فمن العلماء من التزم بذلك وقال بأنَّه كافر، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله، ولكن يمنع هذا القول ما ثبت في «صحيح مسلم» فيمن آتاه الله مالاً من الذَّهب والفضَّة ولم يُؤدِّ زكاتَه «أنه يرى سبيله إما إلى الجَنَّة وإما إلى النَّار»، وهذا يَدلُّ على أنه ليس بكافر؛ إذ لو كان كذلك لم يجد سبيلاً إلى الجنَّة.
وأما السُّنَّة: فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «بين الرَّجُل وبين الشِّرك والكفر تركُ الصَّلاة»، وقال: «العهدُ الذي بيننا وبينهم الصَّلاة، فمن تركها فقد كفر». والبَيْنيَّةُ تقتضي التَّمييز بين الشيئين، فهذا في حَدٍّ، وهذا في حَدٍّ.
وقوله في الحديث: «الكفر»، أتَى بأل الدالة على الحقيقة، وأنَّ هذا كفرٌ حقيقي وليس كفراً دون كُفر، وقد نَبَّه على هذا شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه «اقتضاء الصراط المستقيم»، فلم يقل صلى الله عليه وسلم: «كفر»، كما قال: «اثْنَتَان في النَّاس هُمَا بهم كُفْرٌ: الطَّعن في النَّسب، والنِّياحة على الميِّت»، وإنما قال: «بين الرَّجُل والشِّرك والكفر»، يريد بذلك الكفر المطلق وهو المُخْرج عن المِلَّة.
وأما أقوال الصَّحابة: فإنها كثيرة، رُويت عن سِتَّة عشر صحابياً، منهم عمر بن الخطاب. ونقل عبد الله بن شقيق وهو من التابعين عن أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم عموماً القول بتكفير تارك الصلاة، فقال: «كان أصحابُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لا يَرَونَ شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة»، ولهذا حَكى الإجماعَ إِسحاقُ بن راهويه الإمام المشهور فقال: ما زال الناس من عهد الصحابة يقولون: إن تاركَ الصَّلاة كافر.
وأما النَّظَر: فإنه يُقال: إنَّ كلَّ إنسان عاقل في قلبه أدنى مثقال ذَرَّة من إيمان لا يمكن أن يُدَاوِمَ على ترك الصَّلاة، وهو يعلَم عِظَمَ شأنها، وأنَّها فُرضت في أعلى مكان وصل إليه البشر، وكان فرضها خمسين صلاة لكنها خُفِّفَت، ولا بُدَّ فيها من طهارة بدون خلاف، ولا بُدَّ للإنسان أن يتَّخذ فيها زينة، فكيف يشهد أنْ لا إله إلا الله، ويُحافظ على ترك الصَّلاة؟ إنَّ شهادةً كهذه تستلزم أن يعبده في أعظم العبادات، فلا بُدَّ من تصديق القول بالفعل، فلا يمكن للإنسان أن يَدَّعي شيئاً وهو لا يفعله، بل هو كاذب عندنا، ولماذا نكفِّره في النّصوص التي جاءت بتكفيره مع أنه يقول: لا إله إلا الله، ولا نكفره بترك الصَّلاة مع أنَّ النصوصَ صريحةٌ في كفره؟ ما هذا إلا تناقض.
ولا يمكن أنْ نحمل نصوصَ التَّكفير على مَنْ تركها جاحداً، فإن الإنسانَ لو صَلّى الصّلاة كاملة؛ وهو جاحدٌ لوجوبها فإنَّه كافر، ولهذا لما قيل للإمام أحمد في قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّدًا} … } [النساء: 93] الآية: إنَّ هذا فيمن استحلَّ قتل المسلم؛ قال: سبحان الله! من استحلَّ قتل المسلم فهو في النَّار، سواء قتله أم لم يقتله.
وهذا مثله، وأنت إذا حملتَ الحديثَ على هذا فقد حَرَّفته من وجهين:
أولاً: حملتَ دلالته على غير ظاهره؛ لأن الحديث معلَّق بالتَّرك لا بالجحود.
ثانياً: أبطلتَ دلالته فيما دَلَّ عليه، وهو التَّرك؛ حيث حملته على الجحود.
وهذا من باب الاعتقاد ثم الاستدلال، والذي يحكم بالكفر والإسلام هو اللَّهُ عز وجل.
[الشرح الممتع على زاد المستقنع 2/ 28]
قال الألباني:
إذا عرفت ما سلف – يا أخي المسلم – فإن عجبي لا يكاد ينتهي من إغفال جماهير المؤلفين الذين توسعوا في الكتابة في هذه المسألة الهامة ألا وهي: هل يكفر تارك الصلاة كسلا أم لا؟
لقد غفلوا جميعا – فيما اطلعت – عن إيراد هذا الحديث الصحيح مع اتفاق الشيخين وغيرهما على صحته
لم يذكره من هو حجة له ولم يجب عنه من هو حجة عليه وبخاصة منهم الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى فإنه مع توسعه في سوق أدلة المختلفين في كتابه القيم (الصلاة) وجواب كل منهم عن أدلة مخالفه فإنه لم يذكر هذا الحديث في أدلة المانعين من التكفير إلا مختصرا اختصارا مخلا لا يظهر دلالته الصريحة على أن الشفاعة تشمل تارك الصلاة أيضا فقد قال رحمه الله:
(وفي حديث الشفاعة: يقول الله عز وجل: (وعزتي وجلالي لأخرجن من النار من قال لا إله إلا الله) وفيه: فيخرج من النار من لم يعمل خيرا قط)
قلت: وهذا السياق ملفق من حديثين:
فالشطر الأول منه: هو في آخر حديث أنس المتفق عليه وقد سبق أن ذكرت (ص 33) الطرف الأخير منه
والشطر الآخر هو في حديث الكتاب: (. . . فيقبض قبضة من النار ناسا لم يعملوا لله خيرا قط. . .)
وأما أن اختصاره اختصار مخل فهو واضح جدا إذا تذكرت أيها القارئ الكريم ما سبق أن استدركته على الحافظ (ص 34) متمما به تعقيبه على ابن أبي جمرة مما يدل على أن شفاعة المؤمنين كانت لغير المصلين في المرة الثانية وما بعدها وأنهم أخرجوهم من النار
فهذا نص قاطع في المسألة ينبغي به أن يزول به النزاع في هذه المسألة بين أهل العلم الذين تجمعهم العقيدة الواحدة التي منها عدم تكفير أهل الكبائر من الأمة المحمدية وبخاصة في هذا الزمان الذي توسع فيه بعض المنتمين إلى العلم في تكفير المسلمين لإهمالهم القيام بما يجب عليهم عمله مع سلامة عقيدتهم خلافا للكفار الذين لا يصلون تدينا وعقيدة والله سبحانه وتعالى يقول: [أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون]؟
لما تقدم كنت أحب لابن القيم رحمه الله أن لا يغفل ذكر هذا الحديث الصحيح كدليل صريح للمانعين من التكفير وأن يجيب عنه إن كان لديه رحمه الله جواب وبذلك يكون قد أعطى البحث والإنصاف الفريقين دون تحيز لفئة
نعم إنه لمما يجب علي أن أنوه به أنه رحمه الله عقد فصلا خاصا (في الحكم بين الفريقين وفصل الخطاب بين الطائفتين) يساعد الباحث على تفهم نصوص الفريقين فهما صحيحا فإنه حقق فيه تحقيقا رائعا ما هو مسلم به عند العلماء أنه ليس كل كفر يقع فيه المسلم يخرج به من الملة
فمن المفيد أن أقدم إلى القارئ فقرات أو خلاصات من كلامه تدل على مرامه ثم أعقب عليه بما يلزم مما يلتقي مع هذا الحديث الصحيح ويؤيد المذهب الرجيح … [حكم تارك الصلاة – الألباني ص35]
في سنن النسائي
8 – بَابُ الحُكْمِ فِي تَارِكِ الصَّلاةِ
أي هذا باب في ذكر الحديث الدال على بيان الحكم في تارك الصلاة.
463 – أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ الْعَهْدَ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ”.
قال الاتيوبي
المسألة الخماسة: في ذكر أقوال أهل العلم في تارك الصلاة:
ذكر النووي رحمه الله في شرح مسلم تفصيلَ المسألة فقال: …. فنقل كلامه ونقل الاتيوبي أيضا كلام ابن رشد
وقال العلامة المحقق الشوكاني رحمه الله بعد ذكر نحو ما تقدم في كلام النووي: والحق أنه كافر يقتل، أمَّا كفره فلأن الأحاديث قد صحت أنَّ الشارع سَمَّى تاركَ الصلاة بذلك الاسم، وجعل الحائل بين الرجل وبين جواز إطلاق هذا الاسم عليه هو الصلاةَ، فتركها مقتضٍ لجواز الإطلاق، ولا يلزمنا شيء من المعاَرضَات التي أوْرَدَ هَا القائلون بأنه لا يكفر، لأنا نقول: لا يُمْنَعُ أن يكون بعضُ أنواع الكفر غيرَ مانع من المغفرة، واستحقاقِ الشفاعةِ، ككفر أهل القبلة ببعض الذنوب التي سماها الشارع كفرًا، فلا مُلْجِىَء إلى التأويلات التي وقع الناس في مَضِيقهَا.
وَأمَّا أنه يقتل فَلأنَّ حديث “أمرت أن أقاتل الناس … ” يقضي بوجوب القتل، لاستلزام المقاتلة له، وكذلك لمحائر الأدلة، ولا أوضح من دلالتها على المطلوب، وقد شرط الله في القرآن للتخلية التوبةَ وإقامةَ الصلاة وإيتاءَ الزكاة، فقال: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا
الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5] فلا يُخَلَّى من لَمْ يُقم الصلاة.
وفي صحيح مسلم: “سيكون عليكم أمراء، فتعرفون، وتنكرون، فمن أنكر فقد بَرِىَء ومن كره فقد سلم، ولكن من رضي وتابع، فقالوا: ألا نقاتلهم؟ قال: لا، ما صَلَّوا”. فجعل الصلاة هي المانعة من مقاتلة أمراء الجور.
وكذلك قوله لخالد بن الوليد حين استأذنه في قتل رجل منافق: “لعله يصلي … ” الحديث، فجعل المانع من القتل نفس الصلاة.
وحديث “لا يحل دم امراء مسلم … ” لا يعارض مفهومُهُ المنطوقاتِ الصحيحةَ الصريحةَ. انتهى ما قاله الشوكاني “نيل” جـ 2 ص 13، 14.
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله العلامة الشوكاني هو التحقيق الواضح الذي تجتمع به الأدلة من غير تكلف.
والحاصل أنَّ تارك الصلاة كافر بنص الحديث، ولكنه كفر دون كفر إذا لم يقترن بالجحد القلبي، فإذا مات يُصَلَّى عليه، ويُدفَنُ في مقابر المسلمين، ويَرِثُ، ويُورَثُ. والله أعلم.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن رجل يصلي وقتًا، ويترك الصلاة كثيرًا، أوْ لا يُصَلَّي، هل يُصَلَّى عليه؟
فأجاب رحمه الله بأن مثل هذا ما زال المسلمون يصلون عليه. اهـ. مجموع الفتاوى جـ 24 ص 287. والله تعالى أعلم.
تنبيه:
اختلفوا هل يجب قتله لترك صلاة واحدة، أو أكثر؛ فالجمهور أنه يقتل بتركها، والأحاديث قاضية بذلك، والتقييد بالزيادة على الواحدة لا دليل عليه.
قال الإمام أحمد رحمه الله: إذا دعي إلى الصلاة، فامتنع، وقال: لا أصَلِّي حتى خرج وقتها وجب قتله. وهكذا حكم تارك ما يتوقف صحة الصلاة عليه من وضوء، أو غسل، أو استقبال القبلة، أو ستر العورة، وكلِّ ما كان شرطًا، أو ركنًا. راجع نيل الأوطار جـ 2 ص 15.
إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب.
[ذخيرة العقبى في شرح المجتبى 6/ 190]