384 جامع الأجوبة الفقهية ص 418
مجموعة ناصر الريسي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف الشيخ د. سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——-
بلوغ المرام
كتاب الصلاة:
مسألة: حكم تارك الصلاة
تعريف الصلاة لغة واصطلاحاً:
الصلاة في اللغة:
هي الدعاء قال الله تعالى: {وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم} (التوبة: 103) أي: ادع لهم، وفي الحديث قوله – صلى الله عليه وسلم -: “إذا دعي أحدكم فليجب، فإن كان صائما فليصل، وإذا كان مفطرا فليطعم” (أخرجه مسلم: 1431) ومعنى: “فليصل” أي فليدع لأهل الطعام، وسميت الصلاة الشرعية صلاة لاشتمالها عليه.
أما معنى الصلاة في قوله تعالى: {هو الذي يصلي عليكم وملائكته} (الأحزاب: 43) فالصلاة من الله تعالى علينا هي الرحمة ومن الملائكة الاستغفار والدعاء.
وقد تأتي الصلاة بمعنى الثناء كما في قوله تعالى: {أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة} (البقرة: 157) أي ثناء حسن من الله تعالى عليهم.
قال الأثيوبي في ذخيرة العقبى: “قال الأزهري: هذه الصلاة عندي: الرحمة، ومنه قوله عز وجل: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا … صلوا عليه وسلموا تسليما} [الأحزاب: 56]؛ فالصلاة من الملائكة دعاء واستغفار، ومن الله رحمة، وبه سميت الصلاة، لما فيها من الدعاء والاستغفار، وفي الحديث “التحيات لله، والصلوات” قال أبو بكر: الصلوات: معناها الترحم، وقوله تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي} أي يترحمون، وقوله: “اللهم صل على آل أبي أوفى” أي ترحم عليهم”. انتهى
الصلاة في الإصطلاح:
قال الجمهور: هي أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم مع النية بشرائط مخصوصة.
وقال الحنفية: هي اسم لهذه الأفعال المعلومة من القيام والركوع والسجود. انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (27/ 51).
جاء في الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (4/ 2020):
الصلاة في اللغة الدعاء كما حقق ذلك جماعة من الأئمة المعتبرين، وفي الشرع ذات الأركان والأذكار، وقد ذكر العلامة جار الله في كشافه ما يشعر بملاحظة المعنى الشرعي عند أهل اللغة، فقال: إنها تعني الصلاة مأخوذة من تحريك الصلوين وهي الشهادتان. قال النووي في شرح مسلم: اختلف العلماء في أصل الصلاة، فقيل: هي الدعاء؛ لاشتمالها عليه، وهذا قول جماهير أهل العربية والفقهاء وغيرهم، وقيل: لأنها تالية لشهادة التوحيد كالمصلي من السابق في خيل الحلية. وقيل: هي من الصلوين، وهما عرقان مع الردف. وقيل: هما عظمان [ينحنيان في الركوع والسجود، قالوا: ولهذا كتبت الصلوة بالواو في المصحف]. وقيل: هي من الرحمة. وقيل: أصلها الإقبال على الشيء. وقيل غير ذلك. انتهى.
صورة المسألة:
المسلم الذي يترك الصلاة إما أن يتركها جاحداً وجوبها وإما أن يتركها تكاسلاً.
فالأول الذي تركها جاحدًا ومنكراً لوجوبها ولم يكن لذلك الإنكار عذر مسوغ فهو كافر، فيستتاب أو يُقتل، وقد حكى الإجماع على كفر تارك الصلاة جاحدًا لها جمع من أهل العلم منهم:
الخطابي في “معالم السنن” (4/ 314) قال: “التروك على ضروب: منها ترك جحد للصلاة، وهو كفر بإجماع الأمة”.
وقال ابن حزم في “المحلى” (2/ 4): “لا خلاف من أحد من الأمة في أن الصلوات الخمس فرض، ومن خالف ذلك فكافر”.
وقال ابن عبد البر في “الاستذكار” (2/ 149): “أجمع المسلمون على أن جاحد فرض الصلاة كافر، يُقتل إن لم يتب من كفره ذلك”.
وقال ابن رشد الجد في “المقدمات” (100): “فمن جحد الصلاة فهو كافر يستتاب، فإن تاب وإلا قُتل. . . . بإجماع أهل العلم، لا اختلاف بينهم فيه”.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في “مجموع الفتاوى” (28/ 308). “أما إذا جحد وجوبها فهو كافر بإجماع المسلمين”. انتهى
أما الذي يتركها تكاسلاً غير جاحد لوجوبها فهذا اختلف أهل العلم في تكفيره وهذا الخلاف بينهم كبير وقديم فقد اختلفوا على قولين:
الأول: أنه كافر كفر أكبر مخرج من الملة وهذا قول ابن المبارك وأحمد واسحاق
الثاني: أنه لا يكفر بل يكون فاسقاً مرتكباً لكبيرة من كبائر الذنوب، وعلى هذا جمهور أهل العلم من المالكية والشافعية والحنفية وأحمد في رواية اختارها بعض أصحابه، وهو قول مكحول والثوري والزهري والمزني وغيرهم ورجحه الإمام الالباني.
وقد نسب العراقي هذا القول للجمهور حيث قال: “ذهب جمهور أهل العلم إلى أنه لا يكفر بترك الصلاة إذا كان غير جاحد لوجوبها”. انتهى
أدلة القول الأول:
استدل أصحاب هذا القول بعدة أدلة بل نقلوا الإجماع على ذلك، وممن نقل الإجماع:
عبد اللَّه بن شقيق حيث قال: “لم يكن أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة”، ممن نقله ابن تيمية. وقال أيوب السختياني: “ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه”. وقال إسحاق بن راهوية: “كان رأي أهل العلم من لدن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى يومنا هذا: أن تارك الصلاة عمدًا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر، وذهاب الوقت أن يؤخر الظهر إلى غروب الشمس والمغرب إلى طلوع الفجر”، وممن نقله ابن عبد البر. وقال ابن القيم: “دل على كفر تارك الصلاة: الكتاب، والسنة، وإجماع الصحابة”. انظر: موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي (10/ 785)
أولاً: الأيات من القرآن الكريم
1 – قال تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)}.
2 – قال تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11)}.
• وجه الدلالة من الآيتين: أن اللَّه علق أُخوتهم للمؤمنين بفعل الصلاة، فإذا لم يفعلوا لم يكونوا إخوة المؤمنين.
3 – قال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.
• وجه الدلالة: أنه سبحانه علق حصول الرحمة لهم بفعل هذه الأمور، فلو كان ترك الصلاة لا يوجب تكفيرهم وخلودهم في النار، لكانوا مرحومين بدون فعل الصلاة، والرب تعالى إنما جعلهم على رجاء الرحمة إذا فعلوها.
4 – قال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا}.
• وجه الدلالة: دلت الآية على كفر تارك الصلاة من وجهين:
الأول: أن اللَّه تعالى وعد تارك الصلاة بالغي، والغي هو بئر في قعر جهنم، كما هو مروي عن جماعة من الصحابة كابن مسعود وعائشة وغيرهما، واختاره القرطبي، ولو كان هذا الوعيد لعصاة المسلمين لكانوا في الطبقة العليا من طبقات النار، لا في أسفلها.
الثاني: قوله: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} فدل على أنهم حين إضاعتهم للصلاة لم يكونوا مؤمنين، فلو كان مضيع الصلاة مؤمنًا لم يشترط في توبته الإيمان، وإلا لكان تحصيل حاصل.
ثانياً: من السنة النبوية
1 – عن جابر -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة).
2 – عن بريده بن الحصيب -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر).
• وجه الدلالة من الحديثين: الحديثان صريحان بأن ترك الصلاة كفر، وأن الصلاة هي الفارق بين الإسلام والكفر.
4 – عن أم سلمة رضي اللَّه عنها أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (ستكون أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ، ومن نكر سلم، ولكن من رضي وتابع) قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: (لا، ما صلوا).
• وجه الدلالة من الحديث: الحديث في منابذة الولاة وقتالهم بالسيف إذا لم يقيموا الصلاة، وقد ثبت أنه لا تجوز منازعة الولاة وقتالهم إلا إذا أتوا كفرًا صريحًا، عندنا فيه برهان من اللَّه تعالى فعن عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه- قال: “دعانا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فبايعناه فقال فيما أخذ علينا: أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرا بواحًا عندكم من اللَّه فيه برهان”. وعلى هذا فيكون تركهم للصلاة الذي علق عليه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، منابذتهم وقتالهم بالسيف كفرًا بواحًا عندنا فيه من اللَّه برهان.
5 – ما جاء في قصة قسم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- للذهب الذي أتى به علي -رضي اللَّه عنه- من اليمن: فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة، كث اللحية، محلوق الرأس، مشمر الإزار، فقال: يا محمد اتق اللَّه. قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ويلك أولست أحق أهل الأرض أن يتقي اللَّه)، ثم ولَّى الرجل، فقام خالد بن الوليد -رضي اللَّه عنه-، -وفي بعض الروايات: عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- وقال: دعني أضرب عنقه يا رسول اللَّه. فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لعله أن يكون يصلي) قال: وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس بقلبه، قال عليه الصلاة والسلام: (إني لم أُومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم. . . الحديث).
• وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- علل امتناع قتل ذي الخويصرة بكونه ممن يصلي، فدل على أن لفعل الصلاة أثر في إباحة الدم من عصمتها، وإلا لم يكن لتعليله -صلى اللَّه عليه وسلم- بالصلاة فائدة.
6 – عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: لما توفي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان أبو بكر -رضي اللَّه عنه-، وكفر من كفر من العرب، فقال عمر -رضي اللَّه عنه-: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللَّه، فمن قالها
فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على اللَّه. . .) الحديث.
• وجه الدلالة: أن الصديق احتج على قتال المرتدين بإباحة قتال تاركي الصلاة، وتقدير كلامه أنه قال: ألستم متفقين على قتال تارك الصلاة، فكذلك أقاتل تارك الزكاة، ولا فرق.
7 – عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللَّه، فإذا قالوها وصلوا صلاتنا، واستقبلوا قبلتنا، وذبحوا ذبيحتنا، فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على اللَّه).
8 – عن ابن عمر -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على اللَّه).
• وجه الدلالة من الحديثين: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- جعل من أسباب عصمة الدم والمال إقامة الصلاة، فدل على أن تركها كفر يبيح ذلك.
9 – عن عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه ذكر الصلاة يومًا فقال: (من حافظ عليها كانت له نورًا، وبرهانًا، ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور، ولا برهان، ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون، وفرعون، وهامان، وأبي بن خلف).
• وجه الدلالة: الحديث صريح بكفر تارك الصلاة، بكونه مع قارون وفرعون أمي بن خلف، وقد تحقق أن هؤلاء من أهل النار.
10 – وعن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: (إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيء قال الرب عز وجل: انظروا هل لعبدي من تطوع، فيكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك).
• وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- علَّق الفلاح والخسران يوم القيامة بالصلاة، وجعلها سببًا في الحكم بمصير العبد يوم القيامة، وعلَّق الخسران بتركها.
أدلة القول الثاني وهم جمهور أهل العلم:
وهؤلاء أيضاً نقلوا الإجماع على عدم كفر تارك الصلاة تكاسلاً، وممن نقل الاجماع:
ابن عبد البر في صلاة الجمعة قال: “أجمعوا أنه من تركها وهو قادر على إتيانها ممن تجب عليه أنه غير كافر بفعله ذلك، إلا أن يكون جاحدًا لها مستكبرًا عنها”.
وقال النووي: “ولم يزل المسلمون يورثون تارك الصلاة، ويورثون عنه، ولو كان كافرًا لم يغفر له، ولم يرث، ولم يورث”.
وقال ابن قدامة في ترجيح القول بعدم كفر تارك الصلاة: “ذلك إجماع المسلمين؛ فإنَّا لا نعلم في عصر من الأعصار عن أحد من تاركي الصلاة ترك تغسيله والصلاة عليه”.
واستدل القائلون بعدم كفر تارك الصلاة بما يلي:
1 – عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: لما توفي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان أبو بكر -رضي اللَّه عنه-، وكفر من كفر من العرب، فقال عمر -رضي اللَّه عنه-: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللَّه، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على اللَّه. . .) الحديث.
• وجه الدلالة: النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- علق عصمة الدم والمال على قول “لا إله إلا اللَّه”، فمن قالها تحققت في حقه العصمة، ولم يشترط النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الصلاة في ذلك.
2 – عن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة).
• وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أباح دم المسلم بثلاث خصال، وترك الصلاة ليس واحدًا من هذه الخصال، مما يدل على عصمة دم من ترك الصلاة، وأنه مسلم.
3 – عن أبي ذر -رضي اللَّه عنه- قال: قال لي النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (كيف أنت إذا كنت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها أو يميتون الصلاة عن وقتها) قلت: فما تأمرني؟ قال: (صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصلِّ، فإنها لك نافلة).
- وجه الدلالة: أخبر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن هؤلاء الأمراء يفوتون الصلاة عن وقتها، ومع ذلك لم يكفروا بتركها حتى يخرج الوقت، ولو كان ترك الصلاة إلى خروج وقتها كفرًا لَما أمر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالصلاة خلف هؤلاء الأئمة؛ لأن الكافر لا تصح الصلاة خلفه لا فرضًا ولا نفلًا.4 – من النظر:
أ – أن من ثبت إسلامه بيقين، فلا يزول عنه الإسلام إلا بيقين، وليس ثمة دليل صريح صحيح على كفر من ترك الصلاة.
ب- أن الصلاة من الشرائع العملية، فلا يقتل بتركها، كالصيام، والزكاة، والحج.
5 – عمل المسلمين على ذلك بغير نكير، كما نقله النووي وابن قدامة.الترجيح:
– في كتاب «الجامع» ((2) / (546) – (547)) للخلاّل، عن إِبراهيم بن سعد الزّهري، قال: سألتُ ابن شهابٍ عن الرجل يترك الصلاة؟ قال: «إِنْ كان إِنّما يتركها أنه يبتغي دينًا غير الإِسلام قُتل، وإِنْ كان إِنّما هو فاسق من الفُسّاق، ضُرب ضربًا شديدًا أو سُجن».
– قال الإِمام ابن المنذر في كتاب «الإِجماع» (ص (148)) في مسألة تارك الصلاة: «لم أجِدْ فيها إِجماعًا» ((1)) أي: على كُفره.
– نَقَلَ الحافظ محمد بن نصر المقدسيّ عن ابن المبارك قولَه في تكفير تارك الصلاة -في كتابه «تعظيم قدر الصلاة» ((2) / (998)) -، ثمَّ قال: «فقيل
لابن المبارك: أيتوارثان إِنْ مات؟! أو إِن طَلَّقها يقع طلاقُهُ عليها؟ فقال: أمّا في القياس؛ فلا طلاق ولا ميراث، ولكنْ أَجْبُنُ»
قال الإِمام ابن القيّم في «كتاب الصلاة» (ص (55)): «وها هنا أصل آخر، وهو أنّ الكفر نوعان: كُفر عمل، وكُفر جحود وعناد. فكُفر الجحود: أن يكفر بما علم أنّ الرسول جاء به من عند الله جُحودًا وعنادًا من أسماء الربّ وصفاته وأفعاله وأحكامه، وهذا الكفر يضادُّ الإِيمان من كل وجه، وأما كُفر العمل، فينقسم إِلى ما يضادّ الإِيمان، وإِلى ما لا يضاده، فالسجود للصنم والاستهانة بالمصحف، وقتل النّبيّ وسّبه يضادّ الإِيمان.
وأمّا الحكم بغير ما أنزل الله وترك الصلاة، فهو من الكفر العملي قطعًا، ولا يمكن أن يُنفى عنه اسم الكفر؛ بعد أنْ أطلقه الله ورسوله عليه، فالحاكم بغير ما أنزل الله كافر، وتارك الصلاة كافر بنص رسول الله ?، ولكنْ هو كفر عمل لا كفر اعتقاد، ومن الممتنع أن يُسمّي الله -سبحانه- الحاكم بغير ما أنزل الله كافرًا، ويُسمّي رسول الله ? تارك الصلاة كافرًا، ولا يُطلِق عليهما اسم الكفر، وقد نفى رسول الله ? الإِيمان عن الزاني والسارق وشارب الخمر، وعمّن لا يأمن جاره بوائقه، وإِذا نفي عنه اسم الإِيمان، فهو كافر من جهة العمل، وانتفى عنه كُفر الجحود والاعتقاد، وكذلك قوله:» لا ترْجِعوا بعدي كُفّارًا يضربُ بعضكم رقاب بعض «فهذا كُفر عمل».
ولا يخفى ما يقوله ابن القيّم -فيما يظهر من كلامه- تبعًا لشيخ الإِسلام -رحمهما الله تعالى- أنه يُعلّق الكفر على تحقُّق الترك، والإِصرار عليه؛ باعتبارهما قرينة على عدم الإِقرار الوجوب. وسيأتي نقل كلاميهما
قال الإِمام الشنقيطي -رحمه الله تعالى- في» أضواء البيان «((4) / (347)) -بعد نقاشٍ طويلٍ في المسألة، وسَرْدٍ مستوعب لأدلة المكفِّرين، وغيرهم-:» هذا هو حاصل كلام العلماء وأدلتهم في مسألة ترك الصلاة عمدًا؛ مع الاعتراف بوجوبها. وأظهر الأقوال أدلة عندي: قول من قال إِنه كافر، وأجرى الأقوال على مقتضى الصناعة الأصولية وعلوم الحديث قول الجمهور: إِنه كُفر غير مخرج عن الملة لوجوب الجمع بين الأدلة إِذا أمكن.
وإِذا حمل الكفر والشرك المذكوران في الأحاديث على الكفر الذي لا يخرج من الملة؛ حصل بذلك الجمع بين الأدلة والجمع واجب إِذا أمكن؛ لأن إِعمال الدليلين أولى من إِلغاء أحدهما؛ كما هو معلوم في الأصول وعلم الحديث.
وقال النووي في «شرح المهذب» -بعد أن ساق أدلة من قالوا إِنه غير كافر ما نصه-: «ولم يزل المسلمون يورّثون تارك الصلاة ويوَرِّثون عنه، ولو كان كافرًا لم يغفر له ولم يرث ولم يورث».
قال الإِمام ابن عبد البّر في» التمهيد «((4) / (236)) مُلزِمًا مكفّري تارك الصلاة -لمجرّد العمل-:» ويلزم من كَفَّرهم بتلك الآثار ((1)) وقبلها على ظاهرها فيهم: أن يكفِّر القاتل، والشاتم للمسلم، وأن يكفِّر الزاني، وشارب الخمر، والسارق، والمنتهب، ومن رغب عن نسب أبيه.
فقد صح عنه ? أنّه قال: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» ((2)).
قال الإِمام عبد الحقِّ الإِشبيلي في كتابه» الصلاة والتهجّد «(ص (96)):» … وذهب سائر المسلمين من أهل السنّة -المحدثين وغيرهم- إِلى أن تارك الصلاة متعمدًا، لا يكفر بتركها، وأنه أتى كبيرة من الكبائر إِذ كان مؤمنًا بها، مُقرًّا بفرضها، وتأولوا قول النّبيّ ?، وقول عمر، وقول غيره ممن قال بتكفيره، كما تأولوا قوله ?: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» ((1))، وغير ذلك مما تأوّلوه، ومن قال بقتل تارك الصلاة من هؤلاء، فإِنما قال: يقتل حدًّا، ولا يقتل كفرًا، وإِلى هذا ذهب مالك والشافعي وغيرهما.
ويقول الحافظ العراقي في «طرح التثريب» ((2) / (149)): «وذهب جمهور أهل العلم إِلى أنه لا يكفر بترك الصلاة -إِذا كان غير جاحد لوجوبها-، وهو قول بقية الأئمة أبي حنيفة ومالك والشافعي، وهي رواية عن أحمد بن حنبل -أيضًا-».
قال الاتيوبي:
قال الحافظ: وأقرب هذه التأويلات يعني في حديث من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله قول من قال: إن ذلك خَرَج مَخْرَجَ الزجر الشديد، وظاهره غير مُراد. والله أعلم. اهـ. “فتح الباري” جـ 2 ص 40.
وقال السندي رحمه الله: قيل: أريد به تعظيم المعصية، لا حقيقة اللفظ، ويكون من مجاز التشبيه، قال: وهذا مبني على أن العمل لا يحبط إلا بالكفر، لكن ظاهر قوله تعالى: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} [الحجرات: 2] الآية يفيد أنه يحبط ببعض المعاصي أيضًا، فيمكن أن يكون ترك العصر عمدًا من جملة تلك المعاصي. اهـ.
قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن حمل حبط العمل بترك صلاة العصر على ظاهره هو الأولى، لعدم ما يمنع منه، ولا يلزم منه أن يكون تركها محبطا لجميع أعماله كإحباط الكفر. إلا إذا اقترن معه الجحد لوجوبها.
وحاصله أنه إحباط دون إحباط الكفر، فيصدق أن يحبط بعض أعماله من صحائفه بسبب تركها، كما أن الارتداد عن الإسلام يحبط جميعها. والله أعلم.
“إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب”.
[ذخيرة العقبى في شرح المجتبى 6/ 300]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ” فأما من لا يصلي قط في طول عمره ولا يعزم على الصلاة، ومات على غير توبة أو ختم له بذلك، فهذا كافر قطعا. انتهى. وقال أيضا رحمه الله: ” فأما من كان مصرا على تركها لا يصلي قط، ويموت على هذا الإصرار والترك فهذا لا يكون مسلما، لكن أكثر الناس يصلون تارة ويتركونها تارة، فهؤلاء ليسوا يحافظون عليها وهؤلاء تحت الوعيد. انتهى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضا:
فَمَنْ كَانَ مُصِرًّا عَلَى تَرْكِهَا حَتَّى يَمُوتَ لَا يَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً قَطُّ، فَهَذَا لَا يَكُونُ قَطُّ مُسْلِمًا مُقِرًّا بِوُجُوبِهَا، فَإِنَّ اعْتِقَادَ الْوُجُوبِ، وَاعْتِقَادَ أَنَّ تَارِكَهَا يَسْتَحِقُّ الْقَتْلَ هَذَا دَاعٍ تَامٌّ إلَى فِعْلِهَا، وَالدَّاعِي مَعَ الْقُدْرَةِ يُوجِبُ وُجُودَ الْمَقْدُورِ، فَإِذَا كَانَ قَادِرًا وَلَمْ يَفْعَلْ قَطُّ عُلِمَ أَنَّ الدَّاعِيَ فِي حَقِّهِ لَمْ يُوجَدْ، وَالِاعْتِقَادُ التَّامُّ لِعِقَابِ التَّارِكِ بَاعِثٌ عَلَى الْفِعْلِ، لَكِنَّ هَذَا قَدْ يُعَارِضُهُ أَحْيَانًا أُمُورٌ تُوجِبُ تَاخِيرَهَا وَتَرْكَ بَعْضِ وَاجِبَاتِهَا، وَتَفْوِيتِهَا أَحْيَانًا.
فَأَمَّا مَنْ كَانَ مُصِرًّا عَلَى تَرْكِهَا لَا يُصَلِّي قَطُّ، وَيَمُوتُ عَلَى هَذَا الْإِصْرَارِ وَالتَّرْكِ فَهَذَا لَا يَكُونُ مُسْلِمًا؛ لَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يُصَلُّونَ تَارَةً، وَيَتْرُكُونَهَا تَارَةً، فَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا يُحَافِظُونَ عَلَيْهَا، وَهَؤُلَاءِ تَحْتَ الْوَعِيدِ، وَهُمْ الَّذِينَ جَاءَ فِيهِمْ الْحَدِيثُ الَّذِي فِي السُّنَنِ: حَدِيثُ عبادة عَنْ النَّبِيِّ ? أَنَّهُ قَالَ: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مَنْ حَافَظَ عَلَيْهِنَّ كَانَ لَهُ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَمْ يُحَافَظْ
عَلَيْهِنَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ، إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ».
فَالْمُحَافِظُ عَلَيْهَا الَّذِي يُصَلِّيهَا فِي مَوَاقِيتِهَا، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ – تَعَالَى – وَالَّذِي يُؤَخِّرُهَا أَحْيَانًا عَنْ وَقْتِهَا، أَوْ يَتْرُكُ وَاجِبَاتِهَا، فَهَذَا تَحْتَ مَشِيئَةِ اللَّهِ – تَعَالَى – وَقَدْ يَكُونُ لِهَذَا نَوَافِلُ يُكَمِّلُ بِهَا فَرَائِضَهُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ].
المسائل والأجوبة لابن تيمية (1) / (170)
قال ابن القيم بعد أن ذكر اصولا لا بد من معرفتها:
فصل
وها هنا أصل آخر، وهو أنه لا يلزم من قيام شعبة من شعب الإيمان بالعبد
أن يسمى مؤمنًا وإن كان ما قام به إيمانًا، ولا من قيام شعبة من شعب الكفر به أن
يسمى كافرًا وإن كان ما قام به كفرًا، …. يبقي أن يقال: فهل ينفعه ما معه من الإيمان في عدم الخلود
في النار؟ فيقال: ينفعه إن لم يكن المتروك شرطًا في صحة الباقي واعتباره، وإن
كان المتروك شرطًا في اعتبار الباقي لم ينفعه. ولهذا لم ينفع الإيمان بالله
ووحدانيته وأنه لا إله إلا هو مَن أنكر رسالة محمد ?، ولا تنفع
الصلاة من صلاها عمدًا بغير وضوء، فشعب الإيمان قد يتعلق بعضها ببعض تعلق
المشروط بشرطه، وقد لا يكون كذلك.
فيبقى النظر في الصلاة هل هي شرط لصحة الإيمان؟ هذا سر المسألة،
والأدلة التي ذكرناها وغيرها تدل على أنه لا يُقْبَلُ من العبد شيء من أعماله إلا
بفعل الصلاة فهي مفتاح ديوانه، ورأس مال ربحه، ومُحَال بقاء الربح بلا رأس
مال، فإذا خسرها خسر أعماله كلها، وإن أتى بها صورة. وقد أشار إلى هذا في
قوله: (فإن ضيعها فهو لما سواها أضيع) وفي قوله: (إن أول ما ينظر في
أعماله الصلاة فإن جازت له نظر في سائر أعماله، وإن لم تُجَزْ له لم ينظر في
شيء من أعماله بعد).
ومن العجب أن يقع الشك في كفر من أصر على تركها ودُعِيَ إلى فعلها على
رءوس الملأ، وهو يرى بارقة السيف على رأسه، وشُدَّ للقتل وعُصِبَتْ عيناه،
وقيل له: تصلي وإلا قتلناك، فيقول: اقتلوني ولا أصلي أبدًا!! ومن لا يكفر
تارك الصلاة يقول: هذا مؤمن مسلم يُغَسَّل ويُصَلَّى عليه، ويُدْفَن في مقابر
المسلمين. وبعضهم يقول: إنه مؤمن كامل الإيمان، إيمانه كإيمان جبريل
وميكائيل، فلا يستحي مَن هذا قولُه مِن إنكاره تكفير مَن شهد بكفره الكتاب والسنة
واتفاق الصحابة؟ والله الموفق. اهـ.
قال العلامة الألباني رحمه الله: وفي الحديث دلالة قوية على أن الموحد لا يخلد في النار؛ مهما كان فعله مخالفا لما يستلزمه الإيمان ويوجبه من الأعمال؛ كالصلاة ونحوها من الأركان العملية، وإن مما يؤكد ذلك ما تواتر في أحاديث الشفاعة؛ أن الله يأمر الشافعين بأن يخرجوا من النار من كان في قلبه ذرة من الإيمان. ويؤكد ذلك حديث أبي سعيد الخدري أن الله تبارك وتعالى يخرج من النار ناسا لم يعملوا خيرا قط، ويأتي تخريجه وبيان دلالته على ذلك، وأنه من الأدلة الصريحة الصحيحة على أن تارك الصلاة المؤمن بوجوبها يخرج من النار أيضا ولا يخلد فيها، فانظره بالرقم ((3054)). “الصحيحة” ((7) / (1) / (105) – (116)). انتهى
والله أعلم …