: 38 مشكل الحديث:
إسلام المصري ومحمد ابن ديرية وناصر الريسي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
——-‘——‘——–‘
——-‘——-‘——-‘
——-‘——-‘——-‘
حديث عمرو بن العاص مرفوعا:
ما أظلَّتِ الخضراءُ ولا أقلَّتِ الغبراءُ من ذي لهجةٍ أصدقَ من أبي ذرٍّ
هذا الحديث مشكل مع ما ثبت أن أبا بكر هو الملقب بالصديق
——–‘——–‘——–
اورده الطحاوي في مشكل الاثار قال: تأملنا هذا الحديث لنقف على المعنى الذي اريد به فكان ذلك عندنا والله اعلم أنه كان رضى الله عنه في أعلى مراتب الصدق ولم يكن ذلك ينفي ان يكون قد كان في اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من هو في الصدق مثله فكان الذي في الحديث إثبات أعلى مراتب الصدق لأبي ذر وليس فيه نفي غيره من تلك المرتبة إنما فيه نفي غيره أن يكون في مرتبة من مراتب الصدق أعلى منها والله نسأله التوفيق. انتهى كلام الطحاوي رحمه الله
——”——–
قال المباركفوري في تحفة الأحوذي (205/ 10)
والمراد بهذا الحصر التأكيد والمبالغة في صدقه أي هو متناه في الصدق لا أنه أصدق من غيره مطلقا إذ لا يصح أن يقال أبو ذر أصدق من أبي بكر رضي الله عنه وهو صديق هذه الأمة وخيرها بعد نبيها وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أصدق من أبي ذر وغيره
كذا قالوا
قال القاراء وفيه أنه صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء مستثنى شرعا وأما الصديق لكثرة تصديقه لا يمنع أن يكون أحد أصدق في قوله وقد جاء في الحديث أقرؤكم أبي وأقضاكم علي
ولا يدع أن يكون في المفضول ما لا يوجد في الفاضل أو يشترك هو والأفضل في صفة من الصفات على وجه التسوية
——–‘——–‘——–‘
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة النبوية (4/ 264):
“قال الرافضي: ” وقد روي عن الجماعة كلهم أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال في حق أبي ذر: ” «ما أقلت الغبراء، ولا أظلت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر»، ولم يسموه صديقا، وسموا أبا بكر [بذلك] مع أنه لم يرد مثل ذلك في حقه “.
فيقال هذا الحديث: لم يروه الجماعة كلهم، ولا هو في الصحيحين، ولا [هو] في السنن، بل هو مروي في الجملة. وبتقدير صحته وثبوته، فمن المعلوم أن هذا الحديث لم يرد به أن أبا ذر أصدق من جميع الخلق، فإن هذا يلزم منه أن يكون أصدق من النبي – صلى الله عليه وسلم -، ومن سائر النبيين، ومن علي [بن أبي طالب]. وهذا خلاف إجماع المسلمين [كلهم] من السنة والشيعة، فعلم أن هذه الكلمة معناها أن أبا ذر صادق، ليس غيره أكثر تحريا للصدق منه. ولا يلزم إذا كان بمنزلة غيره في تحري الصدق، أن يكون بمنزلته في كثرة الصدق والتصديق بالحق، وفي عظم الحق الذي صدق فيه وصدق به. وذلك أنه يقال: فلان صادق اللهجة إذا تحرى الصدق، وإن كان قليل العلم بما جاءت به الأنبياء. والنبي – صلى الله عليه وسلم – لم يقل: ما أقلت الغبراء أعظم تصديقا من أبي ذر. بل قال: «أصدق لهجة»،
والمدح للصديق الذي صدق الأنبياء، ليس بمجرد كونه صادقا، بل في كونه مصدقا للأنبياء. وتصديقه للنبي – صلى الله عليه وسلم – هو صدق خاص، فالمدح بهذا التصديق – الذي هو صدق خاص – نوع، والمدح بنفس كونه صادقا نوع آخر. فكل صديق صادق، وليس كل صادق صديقا.
ففي الصحيحين [عن ابن مسعود] عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ” «عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة. ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا. وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار. ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا» “. فالصديق قد يراد به الكامل في الصدق، وقد يراد به الكامل في التصديق. والصديق ليست فضيلته في مجرد تحري
الصدق، بل في أنه علم ما أخبر به النبي – صلى الله عليه وسلم – جملة وتفصيلا، وصدق ذلك تصديقا كاملا في العلم والقصد والقول والعمل. وهذا القدر لم يحصل لأبي ذر ولا لغيره، فإن أبا ذر لم يعلم ما أخبر به النبي – صلى الله عليه وسلم – كما علمه أبو بكر، ولا حصل له من التصديق المفصل كما حصل لأبي بكر. ولا حصل عنده من كمال التصديق معرفة وحالا. كما حصل لأبي بكر; فإن أبا بكر أعرف منه، وأعظم حبا لله ورسوله منه، وأعظم نصرا لله ورسوله منه، وأعظم جهادا بنفسه وماله منه، إلى غير ذلك من الصفات التي هي كمال الصديقية.
وفي الصحيحين عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: «صعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أحدا، ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، [فرجف بهم]، فقال: ” اسكن أحد ” وضربه برجله، وقال: ” ليس عليك إلا نبي وصديق وشهيدان»
وفي الترمذي وغيره عن عائشة – رضي الله عنها -، قالت: «يا رسول الله الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة: أهو الرجل يزني ويسرق ويشرب الخمر ويخاف؟ قال: ” لا يابنة الصديق، ولكنه الرجل يصوم ويتصدق ويخاف أن لا يقبل منه» “. انتهى
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه، ويعتني بأمره، ويرشده إلى ما يصلحه:
روى مسلم (1826) عَنْ أَبِي ذَرٍّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي، لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلَا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ).
——-
قلنا في باب فضائل أبي ذر:
وبلغ أبوذر رضي الله عنه في الصدق نهايته، فكان أصدق الناس لسانا:
روى الترمذي (3801) وابن ماجة (156) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَا أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ، وَلَا أَظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ، مِنْ رَجُلٍ أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنْ أَبِي ذَرٍّ). وصححه الألباني في “صحيح الترمذي”.
قلت سيف بن دورة: ورد عن أبي الدرداء وهي تصلح على شرط المتمم على الذيل على الصحيح المسند. ولعلها هي التي يقصدها العقيلي بالتصحيح.
أخرجه أحمد 22067 من حديث عبدالحميد بن بهرام ثنا شهر بن حوشب حدثنا عبد الرحمن بن غنم عن أبي الدرداء
الصحيحة 2343
نقل العقيلي تضعيفه لحديث: ارحم هذه الأمة بها أبوبكر …. وما أظلت الخضراء ولا أقلت البطحاء أو قال الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر.
وقال في ترجمة سلام … : لا يتابع عليه والغالب على حديثه الوهم، والكلام كله معروف بغير هذه الأسانيد، باسانيد ثابتة جياد. (ضعفاء العقيلي ترجمة سلام بن سليمان الطويل)
وقال في ترجمة عمر بن صبيح: حديثه ليس بالقائم. عن أبي هريرة أنه قال:
أما إني أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر، وإن أردتم أن تنظروا إلى أشبه الناس بعيسى ابن مريم زهدا وبرا ونسكا فعليكم به» وقد روي هذا الكلام بإسناد أصلح من هذا من غير وجه «ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر رضي الله عنه» انتهى
وأفضل إسناد رأيته هو عن أبي الدرداء: عند أحمد 22067 من حديث عبدالحميد بن بهرام ثنا شهر بن حوشب حدثنا عبد الرحمن بن غنم فذكره
قال البزار لطريق شمر عن شهر به: لا نعلم يروى عن أبي الدرداء من وجه أحسن من هذا. ولا نعلم له طريقا أعز منه
وورد عند أحمد 28041 من طريق علي بن زيد بن جدعان عن بلال بن أبي الدرداء عن أبي الدرداء
وقال محقق مختصر الذهبي على المستدرك: حسنا لغيره
وذكره الطبري من حديث علي ثم ذكر اوجه العلل وقال: وافق عليا في رواية الخبر غيره من الصحابة.
ثم ذكر المحقق مرسل ابن سيرين ومالك ابن دينار … وقال: فيرتقي للصحيح لغيره.
وعزاه السخاوي في المقاصد: لأحمد والترمذي وابن ماجه والطبراني عن عبد الله بن عمرو مرفوعا … وهو من طريق أبي اليقظان عثمان بن عمير عن عبدالله بن عمرو وعثمان بن عمير ضعيف واختلط
قال السندي رحمه الله:
” الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ بَلَغَ فِي الصِّدْقِ نِهَايَتَهُ وَالْمَرْتَبَةُ الْأَعْلَى ” انتهى من “حاشية السندي على سنن ابن ماجه” (1/ 68).
قلت سيف: وليس معنى هذا أنه أصدق من الصديق. فهذه الصيغة لا تدفع أن غيره يساويه
وكان رضي الله عنه من أصدق الناس متابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
روى البخاري (6050) ومسلم (1661) عَنِ المَعْرُورِ بن سُوَيْدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ على أَبِي ذَرٍّ بُرْدًا، وَعَلَى غُلاَمِهِ بُرْدًا، فَقُلْتُ: لَوْ أَخَذْتَ هَذَا فَلَبِسْتَهُ كَانَتْ حُلَّةً، وَأَعْطَيْتَهُ ثَوْبًا آخَرَ، فَقَالَ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ كَلاَمٌ، وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً، فَنِلْتُ مِنْهَا، فَذَكَرَنِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِي: أَسَابَبْتَ فُلاَنًا؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: أَفَنِلْتَ مِنْ أُمِّهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ. قُلْتُ عَلَى حِينِ سَاعَتِي هَذِهِ مِنْ كِبَرِ السِّنِّ؟ قَالَ: (نَعَمْ، هُمْ إِخْوَانُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ جَعَلَ اللَّهُ أَخَاهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَاكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ يُكَلِّفُهُ مِنَ العَمَلِ مَا يَغْلِبُهُ، فَإِنْ كَلَّفَهُ مَا يَغْلِبُهُ فَلْيُعِنْهُ عَلَيْهِ).