378 جامع الأجوبة الفقهية ص 413
مجموعة ناصر الريسي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف الشيخ د. سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——-
بلوغ المرام
141 – الحديث سبق
——–
مسألة: أكثر النفاس.
اختلف أهل العلم في أكثر النفاس على عدة أقوال:
الأول: أكثر النفاس أربعون يوماً، وهو مذهب الحنفية، والمشهور من مذهب الحنابلة.
الثاني: أكثره ستون يوماً، وهو المشهور من مذهب المالكية، والشافعية، وهو رواية عن أحمد.
الثالث: أكثره سبعون يوماً.
الرابع: أكثره خمسون يوماً، وهو قول الحسن البصري.
الخامس: تسأل النساء وأهل المعرفة، فتجلس أبعد ذلك. قيل إن مالكاً رجع إليه.
السادس: أنه لا حد لأكثره، قال بهذا ابن رشد واختاره ابن تيمية.
وقد استدل الجمهور على قولهم بآثار الصحابة رضي الله عنهم ومنها:
1 – عن أم سلمة، قالت: كانت النفساء على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – تقعد بعد نفاسها أربعين يوماً، أو أربعين ليلة – شك أبو خثيمة – وكنا نطلي على وجوهنا الورس من الكلف.
2 – عن ابن عباس قال: النفساء تنتظر نحواً من أربعين يوماً.
3 – عن عثمان بن أبي العاص، أنه كان لا يقرب نساءه إذا تنفست إحداهن أربعين ليلة.
4 – عن عمر قال: تجلس النفساء أربعين يوما.
5 – عن أنس بن مالك، قال: وقت للنفساء أربعين يوماً.
6 – عن أبي الدرداء وأبي هريرة، قالا: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: تنتظر النفساء أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك، فإن بلغت أربعين يوما ولم تر الطهر فلتغتسل وهي بمنزلة المستحاضة.
7 – عن عائشة أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سئل عن النفساء فوقت لها أربعين يوما.
قال ابن عبد البر رحمه الله في الاستذكار (3/ 250): “وليس في مسألة أكثر النفاس موضع للاتباع والتقليد إلا من قال: بالأربعين؛ فإنهم أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ولا مخالف لهم منهم، وسائر الأقوال جاءت عن غيرهم، ولا يجوز عندنا الخلاف عليهم بغيرهم؛ لأن إجماع الصحابة حجة على من بعدهم، والنفس تسكن إليهم. فأين المهرب عنهم دون سنة ولا أصل؟ وبالله التوفيق”. انتهى
وقد استدل من قال بعدم التحديد:
بأن القول بالتحديد يحتاج إلى دليل، وما ورد فيه لا يصح.
قال ابن رشد في بداية المجتهد (2/ 44): “ليس هناك سنة يعمل عليها، كالحال في اختلافهم في أيام الحيض، والطهر”. انتهى
قال الخرشي (1/ 210): “وأما أكثر زمنه – يعني النفاس – إذا تمادى متصلًا أو منقطعاً ستون يوماً على المشهور، ثم هي مستحاضة”.
قال الإمام النووي في المجموع (2/ 539): “مذهبنا الذي تظاهرت عليه نصوص الشافعي رحمه الله، وقطع به الأصحاب أن أكثر النفاس ستون”.
وقال في موضع أخر (2/ 541): “وقال القاضي أبو الطيب: قال الطحاوي: قال الليث: قال بعض الناس إنه سبعون يوماً.
وقال ابن رشد في بداية المجتهد (2/ 43): “وأما أكثره – يعني النفاس – فقال مالك مرة: هو ستون يوماً ثم رجع عن ذلك فقال: يسأل عن ذلك النساء، وأصحابه ثابتون على القول الأول”.
قال المرداوي الحاوي الكبير (1/ 437): “حد الحيض والنفاس مأخوذ من وجود العادة المستمرة فيه. وقد وجد الشافعي الستين في عادة مستمرة، وتحرر هذا قياساً، فيقال: لأنه دم أرخاه الرحم جرت به عادة مستقرة، فجاز أن يكون نفاساً كالأربعين، ولأن أكثر الدم يزيد على عادته في الغالب كالحيض غالبه السبع، وأكثره يزيد على السبع، فلما كان غالب النفاس أربعين، وجب أن يزيد أكثره على الأربعين ولأن النفاس هو ما كان محتبساً من الحيض في مدة الحمل، فلما كان غالب الحمل تسعة أشهر، وغالب الحيض ست أو سبع، فإن اعتبرنا السبع كان النفاس ثلاثة وستين يوماً، وإن اعتبرنا الست كان النفاس أربعة وخمسين يوماً، وإن اعتبرناهما معاً كان النفاس ستين يوماً، وهو أن يجعل حيضها في ستة أشهر سبعاً، وفي ثلاثة أشهر ستاً. فصح أن ما ذهبنا إليه أصح”. انتهى
قال ابن قدامة في المغني (1/ 250):
أكثر النفاس أربعون يوما هذا قول أكثر أهل العلم. قال أبو عيسى الترمذي: أجمع أهل العلم من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك، فتغتسل وتصلي. وقال أبو عبيد: وعلى هذا جماعة الناس، وروي هذا عن عمر، وابن عباس، وعثمان بن أبي العاص، وعائذ بن عمرو وأنس، وأم سلمة – رضي الله عنهم -. وبه قال الثوري، وإسحاق، وأصحاب الرأي. وقال مالك، والشافعي: أكثره ستون يوما. وحكى ابن عقيل، عن أحمد، رواية مثل قولهما لأنه روي عن الأوزاعي أنه قال: عندنا امرأة ترى النفاس شهرين. وروي مثل ذلك عن عطاء أنه وجده. والمرجع في ذلك إلى الوجود، قال الشافعي غالبه أربعون يوما. انتهى
قال ابن المنذر في الأوسط (2/ 248):
اختلفوا في أقصى حد النفاس فقالت طائفة: حد ذلك أربعون ليلة إلا أن ترى الطهر قبل ذلك، روينا هذا القول عن عمر بن الخطاب، وعن ابن عباس، وعثمان بن أبي العاص، وعائذ بن عمرو، وأنس بن مالك، وأم سلمة … وبه قال سفيان الثوري، وأحمد بن حنبل، وإسحاق، وأبو عبيد، والنعمان، ويعقوب، ومحمد … وفيه قول ثان، قاله الحسن البصري، قال: النفساء لا تكاد تجاوز أربعين يوما، فإن جاوزت خمسة وأربعين إلى الخمسين، فإن جاوزت الخمسين فهي مستحاضة، وقالت طائفة: أقصى النفاس شهران، روي هذا القول عن الشعبي، وبه قال مالك، والشافعي، وأبو ثور، وذكر ابن القاسم أن مالكا رجع عن هذا القول آخر ما لقيناه، وقالت طائفة: تجلس كامرأة من نسائها، وروينا هذا القول عن عطاء، وقتادة، وبه قال الأوزاعي. انتهى
قال ابن عثيمين:
واختلف العلماء هل له حد في أقله وأكثره؟ قال الشيخ تقي الدين في رسالته في الأسماء التي علق الشارع الأحكام بها ص 37: (والنفاس لا حد لأقله ولا لأكثره فلو قدر أن امرأة رأت الدم أكثر من أربعين أو ستين أو سبعين وانقطع فهو نفاس لكن إن اتصل فهو دم فساد وحينئذ فالحد أربعون فإنه منتهى الغالب جاءت به الآثار). اهـ.
قلت: وعلى هذا فإذا زاد دمها على الأربعين، وكان لها عادة بانقطاعه بعد أو ظهرت فيه امارات قرب الانقطاع انتظرت حتى ينقطع وإلا اغتسلت عند تمام الأربعين، لأنه الغالب إلا أن يصادق زمن حيضها فتجلس حتى ينتهي زمن الحيض، فإذا انقطع بعد ذلك فينبغي أن يكون كالعادة لها فتعمل بحسبة في المستقبل، وإن استمر فهي مستحاضة، ترجع إلى أحكام المستحاضة السابقة، ولو طهرت بانقطاع الدم عنها فهي طاهر ولو قبل الأربعين، فتغتسل وتصلي وتصوم ويجامعها زوجها، إلا أن يكون الانقطاع أقل من يوم فلا حكم له، قاله في المغني.
ولا يثبت النفاس إلا إذا وضعت ما تبين فيه خلق إنسان، فلو وضعت سقطاً صغيراً لم يتبين فيه خلق إنسان فليس دمها دم نفاس، بل هو دم عرق فيكون حكمها حكم المستحاضة، وأقل مدة تبين فيها خلق إنسان ثمانون يوماً من ابتداء الحمل وغالباً تسعون يوماً. قال المجد ابن تيمية: فمتى رأت دماً على طلق قبلها لم تلتفت إليه وبعدها تمسك عن الصلاة والصيام، ثم إن انكشف الأمر بعد الوضع على خلاف الظاهر رجعت فاستدركت، وإن لم ينكشف الأمر استمر حكم الظاهر فلا إعادة. نقله عنه في شرح الإقناع.
مجموع فتاوى ورسائل العثيمين الجزء (11) صفحة (327)
والله أعلم …