375 جامع الأجوبة الفقهية ص 410
مجموعة ناصر الريسي وأحمد بن علي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف الشيخ د. سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——-
بلوغ المرام
140 – الحديث سبق
_____
مسألة: إذا طهرت الحائض قبل غروب الشمس وقبل طلوع الفجر، فماذا عليها أن تصلي؟
بمعنى إذا طهرت الحائض في وقت الثانية من صلاتي الجَمْع، العصر أو العشاء، فهل يجب مع أداء الثانية قضاء الأولى؟
اختلف أهل العلم في ذلك على قولَين:
القول الأول: أنَّ الصلاة تلزمها، وما يُجمع إليها قبلها.
ذهب إليه المالكية، والشافعية، والحنابلة، وطاوس، والنخعي، ومجاهد، والزهري، وربيعة، والليث، وأبو ثور، وإسحاق، والحكم والأوزاعي.
القول الثاني: أنه لا يلزمه سوى وقت واحد، فلا تلزمه الظهر ولا المغرب، ذهب إليه الحنفية، والظاهرية، وهو قول الحسن، وقتادة وحماد بن أبي سليمان، وسفيان الثوري، واختاره ابن المنذر.
أدلة القول الأول الذين قالوا أنَّ الصلاة تلزمها، وما يُجمع إليها قبلها:
1 – ما رُوِيَ عن عبد الله بن عباس، وعبد الرحمن بن عوف، وأبي هريرة في الحائض تطهر قبل طلوع الفجر بركعة تصلِّي المغرب والعشاء، وإذا طهرت قبل أن تغرب الشمس صلَّت العصر والظهر جميعًا.
2 – ولأنَّ وقت الثانية وقتٌ للأولى حال العذر، فإذا أدركه المعذور لزمه فرضها، كما يلزمه فرض الثانية.
ونوقش:
بأن الوقت الذي يُباح فيه الجمع بين الصلاتين حال العذر، خلاف الوقت الذي يبقى فيه من النهار مقدار ما يُصلِّي فيه المرء ركعة؛ لأنَّ الوقت الذي أباحت السنة أن تُجمع فيه بين الصلاتين هما إذا صلاَّهما في وقتهما كجَمعه بعرفة بين الظهر والعصر، وبالمزدلفة بين المغرب والعشاء، وفي غير موضعٍ من أسفاره، وكلُّ ذلك مباحٌ يجوز الاقتداء برسول الله فيه؛ إذ فاعله مُتَّبعٌ للسُنة، والوقت الذي طهرت فيه الحائض قبل غروب الشمس بركعة وقت لا اختلاف بين أهل العلم في أنَّ التارك للصلاتين حتى إذا كان قبل غروب الشمس بركعة ذهب ليجمع بينهما، فصلَّى ركعة قبل غروب الشمس، وسبع ركعات بعد غروب الشمس عاصٍ لله تبارك وتعالى مذموم، إذا كان غير قاصد لذلك في غير حال عذره، إذا كان هكذا فغير جائزٍ أن يُجعل حُكم الوقت الذي أُبيح الجمع فيه بين الصلاتين حُكم الوقت الذي حظر فيه الجمع بينهما.
أدلة القول الثاني: أنه لا يلزمه سوى وقت واحد، فقد احتجُّوا بما يلي:
1 – أنَّ وقت الأولى خرج في حال عُذرها فلم تجب، كما لو لم يدرك من وقت الثانية شيئًا.
2 – ولأنَّ الإجماع انعقد على أنه لا صلاة على الحائض، ثم اختلفوا فيما يجب عليها إذا طهرت في آخر وقت العصر، فأجمعوا على وجوب صلاة العصر عليها، واختلفوا في وجوب صلاة الظهر، وغير جائز أن يوجب عليها باختلاف صلاة لا حجة مع موجب ذلك عليها.
3 – وفي قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «من أدرك ركعة من العصر قبل غروب الشمس فقد أدرك العصر» دليل على أنه مدرك للعصر لا الظهر.
ولمزيد من البيان نقول: ههنا مسألتان:
الأولى: إذا حاضت المرأة بعد دخول وقت الصلاة، فقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة، فمنهم من ألزمها بالقضاء كالشافعي وأحمد، ومنهم من لم ير القضاء لازما للمرأة كمالك وأبي حنيفة، لأنها ليست مفرطة بالتأخير، فلا يلزمها القضاء، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وانظري الفتوى رقم: 2647.وهذا القول قوي من حيث الدليل، والقول الأول وهو لزوم القضاء أحوط.
والمسألة الثانيةهي: إذا ما طهرت المرأة في وقت الصلاة الثانية من الصلاتين اللتين يجوز الجمع بينهما، كأن طهرت في وقت العصر أو وقت العشاء، فإنه يلزمها عند الجمهور صلاة تينك الصلاتين، وهذا القول هو الراجح من حيث الدليل لفتوى الصحابة به، ولا يعلم لمن أفتى به منهم مخالف.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ” الفتاوى ” (22\ 434):
ولهذا كان جمهور العلماء كمالك والشافعي وأحمد إذا طهرت الحائض في آخر النهار ; صلت الظهر والعصر جميعا , وإذا طهرت في آخر الليل ; صلت المغرب والعشاء جميعا ; كما نقل ذلك عن عبد الرحمن بن عوف وأبي هريرة وابن عباس ; لأن الوقت مشترك بين الصلاتين في حال العذر، فإذا طهرت في آخر النهار ; فوقت الظهر باق، فتصليها قبل العصر، ماذا طارت في آخر الليل , فوقت المغرب باق في حال العذر، فتصليها قبل العشاء انتهى.
قال ابن قدامة في المغني (1/ 287):
(وإذا طهرت الحائض، وأسلم الكافر، وبلغ الصبي قبل أن تغيب الشمس، صلوا الظهر فالعصر، وإن بلغ الصبي، وأسلم الكافر، وطهرت الحائض قبل أن يطلع الفجر، صلوا المغرب وعشاء الآخرة) وروي هذا القول في الحائض تطهر عن عبد الرحمن بن عوف، وابن عباس، وطاوس، ومجاهد، والنخعي، والزهري، وربيعة، ومالك، والليث، والشافعي، وإسحاق، وأبي ثور. قال الإمام أحمد: عامة التابعين يقولون بهذا القول، إلا الحسن وحده قال: لا تجب إلا الصلاة التي طهرت في وقتها وحدها. وهو قول الثوري، وأصحاب الرأي؛ لأن وقت الأولى خرج في حال عذرها، فلم تجب كما لو لم يدرك من وقت الثانية شيئا.
وحكي عن مالك أنه إذا أدرك قدر خمس ركعات من وقت الثانية، وجبت الأولى؛ لأن قدر الركعة الأولى من الخمس وقت للصلاة الأولى في حال العذر، فوجبت بإدراكه، كما لو أدرك ذلك من وقتها المختار، بخلاف ما لو أدرك دون ذلك. ولنا ما روى الأثرم، وابن المنذر، وغيرهما، بإسنادهم عن عبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن عباس، أنهما قالا في الحائض تطهر قبل طلوع الفجر بركعة: تصلي المغرب والعشاء، فإذا طهرت قبل أن تغرب الشمس، صلت الظهر والعصر جميعا. ولأن وقت الثانية وقت للأولى حال العذر، فإذا أدركه المعذور لزمه فرضها، كما يلزمه فرض الثانية. انتهى
والله أعلم …