370 جامع الأجوبة الفقهية ص 405
مجموعة ناصر الريسي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف الشيخ د. سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–
بلوغ المرام
حديث رقم
137 – و 138 –
مسألة: ما حكم إتيان المستحاضة؟
اختلف في جواز إتيان المستحاضة على قولين:
الأول: أنه يجوز أن يأتي الرجل زوجته المستحاضة وهذا مذهب جماهير أهل العلم.
الثاني: أنه لا يجوز له أن يطؤها إلا أن يخاف على نفسه الوقوع في محظور. وهذه رواية عن أحمد وقال به ابن سيرين، والشعبي، والنخعي، والحاكم.
صلى الله عليه وسلم – استدل أصحاب القول الأول بالتالي:
1 – قوله تعالى: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} [البقرة: 223].
2 – أن الصحابة رضي الله عنهم الذين استحيضت نساؤهم وهن حوالي سبع عشرة امرأة، لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أحدا منهم أن يعتزل زوجته، ولو كان من شرع الله لبينه صلى الله عليه وسلم لمن استحيضت زوجته، ولنقل حفاظا على الشريعة، فلما لم يكن شيء من ذلك علم أنه ليس بحرام.
3 – البراءة الأصلية، وهي الحل.
4 – أن دم الحيض ليس كدم الاستحاضة، لا في طبيعته، ولا في أحكامه؛ ولهذا يجب على المستحاضة أن تصلي، فإذا استباحت الصلاة مع هذا الدم فكيف لا يباح وطؤها؟ وتحريم الصلاة أعظم من تحريم الوطء.
ولا يسلم أنه داخل في الآية؛ لأن الله قال: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى} [البقرة: 222]. فقوله: «هو» ضمير يدل على التخصيص، أي: هو لا غيره أذى. ولا يسلم القياس في أكثر الأحكام؛ فكيف يقاس عليه والحالة هذه!.
5 – أن الحيض مدته قليلة، فمنع الوطء فيه يسير؛ بخلاف الاستحاضة فمدتها طويلة؛ فمنع وطئها إلا مع خوف العنت فيه حرج والحرج منفي شرعا.
– واستدل أصحاب القول الثاني القائلين بالمنع بالتالي:
1 – ما روي عن عائشة، أنها قالت: المستحاضة لا يغشاها زوجها.
2 – ولأن بها أذى، فيحرم وطؤها كالحائض؛ فإن الله تعالى منع وطء الحائض معللا بالأذى بقوله: {قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض}. أمر باعتزالهن عقيب الأذى مذكورا بفاء التعقيب؛ ولأن الحكم إذا ذكر مع وصف يقتضيه ويصلح له، علل به، كقوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} والأذى يصلح أن يكون علة. فيعلل به، وهو موجود في المستحاضة، فيثبت التحريم في حقها.
– ونقل ابن رجب تفصيل وبيان لمذهب أحمد؛ ما نصه:
:وأما ما ذكر البخاري، أنه يأتيها زوجها إذا صلت؛ الصلاة أعظم، فظاهر سياق حكايته يقتضي أن ذَلِكَ من تمام كلام ابن عباس، ولم نقف على إسناد ذَلِكَ عن ابن عباس، وليس هوَ من تمام رواية أنس بن سيرين في سؤاله لابن عباس عن المستحاضة من آل أنس.
وقد روي عن ابن عباس من وجه آخر الرخصة في وطء المستحاضة من رواية ابن المبارك، عن أجلح، عن عكرمة، عن ابن عباس، قالَ في المستحاضة: لا بأس أن يجامعها زوجها. ويحتمل أن يكون البخاري ذكر هذا الكلام من عندَ نفسه بعد حكايته لما قبله عن ابن عباس. وهذا الكلام إنما يعرف عن سعيد بن جبير:
روى وكيع، عن سفيان، عن سالم الأفطس، قالَ: سألت سعيد بن جبير عن المستحاضة يجامعها زوجها؟ قالَ: لا بأس به؛ الصلاة أعظم من الجماع.
وممن رخص في ذَلِكَ: ابن المسيب والحسن وعطاء وبكر المزني وعكرمة وقتادة ومكحول، وهو قول الأوزاعي والثوري والليث وأبي حنيفة ومالك والشافعي وإسحاق وأبي ثور، ورواية عن أحمد.
وقد تقدم أن أم حبيبة لما استحيضت كانت تحت عبد الرحمن بن عوف، وحمنة كانت تحت طلحة، وقد سألتا النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن حكم الاستحاضة فلم يذكر لهما تحريم الجماع، ولو كانَ حراماً لبينه.
وفي سنن أبي داود عن عكرمة، عن حمنة بنت جحش، أنها كانت تستحاض وكان زوجها يجامعها. قالَ: وكانت أم حبيبة تستحاض وكان زوجها يغشاها؛ ولأن لها حكم الطاهرات في الصلاة والصوم وسائر العبادات، فكذلك في الوطء.
وقالت طائفة: لا توطأ المستحاضة، وروي ذَلِكَ عن عائشة، من رواية سفيان، عن غيلان -هوَ: ابن جامع -، عن عبد الملك بن مسيرة، عن الشعبي، عن قمير – امرأة مسروق -، عن عائشة، أنها كرهت أن يجامعها زوجها. خرجه وكيع في كتابه، عن سفيان، به.
ورواه شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة، عن الشعبي، واختلف عليهِ فيهِ، فوقفه بعض أصحاب شعبة، عنه على الشعبي، وأسنده بعضهم عنه إلى عائشة. كما رواه غيلان -: ذكر ذَلِكَ الإمام أحمد، ولم يجعل ذَلِكَ علة في وصله إلى عائشة، كما فعل البيهقي وغيره.
وممن نهى عن وطء المستحاضة: ابن سيرين، والشعبي، والنخعي، والحكم، وسليمان بن يسار، ومنصور، والزهري، وروي – أيضاً – عن الحسن، وهو المشهور عن الإمام أحمد، إلا أنه رخص فيهِ إذا خشي الزوج على نفسه العنت.
وبدون خوف العنت، فهل النهي عنه للتحريم أو للكراهة؟ حكى أصحابنا فيهِ روايتين عن أحمد، ونقل ابن منصور وصالح عنه: لا يأتيها زوجها، إلا أن يطول. ولعله أراد أنه إذا طالت مدة الاستحاضة شق على الزوج حينئذ ترك الوطء، فيصير وطؤه من خوف العنت؛ فإن العنت يفسر بالمشقة والشدة.
وقد قالَ أحمد في رواية حرب: المستحاضة لا يغشاها زوجها إلا أن لا يصبر. وقال في رواية علي بن سعيد: لا يأتيها زوجها إلا أن يغلب ويجيء أمر شديد، لا يصبر.
وقال أبو حفص البرمكي: معنى قول أحمد: (لا يأتيها زوجها إلا أن يطول)، ليس مراده أنه يباح إذا طال ويمنع منه إذا قصر، ولكن أراد: إذا طال علمت أيام حيضها من استحاضتها يقيناً، وهذا لا تعلمه إذا قصر ذَلِكَ.
وكذلك روى حرب عن إسحاق بن راهويه، قالَ: الذي نختار في غشيان المستحاضة: إذا عرفت أيام أقرائها ثم استحيضت
ولم يختلط عليها حيضها، أن يجامعها زوجها، وتصلي وتصوم، وإذا اختلط عليها دم حيضها من استحاضتها، فأخذت بالاحتياط في الصلاة بقول العلماء، وتحرت أوقات حيضها من استحاضتها ولم تستيقن بذلك أن لا يغشاها زوجها حتى تكون على يقين من استحاضتها.
فهذا قول ثالث في وطء المستحاضة، وهو: إن تيقنت استحاضتها بتميزها من حيضها جاز وطؤها فيها، وإن لم تكن على يقين من ذَلِكَ لم توطأ؛ لاحتمال وطئها في حال حيضها.
ومذهب الشافعي وأصحابه: أن المتحيرة الناسية لعادتها ولا تميز لها تغتسل لكل صلاة، وتصلي أبداً، ولا يأتيها زوجها؛ لاحتمال مصادفته الحيض.
ونقض أصحابنا ذَلِكَ عليهم في المعتادة، والمبتدأة بعد الشهر الأول؛ فإن زيادة الحيض ونقصه، وتقدمه وتأخره ممكن – أيضاً.
واستدل من نهى عن وطء المستحاضة مطلقاً بقول الله عز وجل: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] ودم الاستحاضة أذى؛ ولهذا حرم الوطء في الدبر؛ لأنه محل الأذى.
وروى حرب بإسناد جيد، عن مرثد بن عبد الله اليزني، قالَ: سمعت عقبة بن عامر يقول: والله، لا أجامع امرأتي في اليوم الذي تطهر فيهِ حتى يصير لها يوم.
وهذا محمول على التنزه والاحتياط خشية عود دم الحيض. والله أعلم
واختلفوا في الحائض المعتادة: إذا طهرت لدون عادتها: هل يكره وطؤها أم لا؟ على قولين:
أحدهما: يكره، وهو قول أبي حنيفة، والأوزاعي، وأحمد في رواية،
وإسحاق؛ لأن عود الدم لا يؤمن.
والثاني: لا يكره، وهو قول الشافعي، ورواية عن أحمد”.
[فتح الباري لابن رجب (2/ 176)].
وراجع شرحنا للبخاري حديث رقم (331) باب إذا رأت المستحاضة الطهر
والله أعلم …