: 37 – نفح الطيب في شرح أحاديث صحيح الترغيب والترهيب
نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
[(2) – كتاب السُّنَّةِ]
(1) – (الترغيب في اتباع الكتاب والسنة)
(37) – ((1)) [صحيح] عن العِرباض بنِ ساريةَ ? قال:
وعَظنا ((2)) رسولُ الله – ? – موعظةً وجِلتْ ((3)) منها القلوبُ، وذَرَفَتْ ((4)) منها العيونُ، فقلنا: يا رسولَ الله! كأنها موعظةُ مودِّعٍ، فأوصنا. قال:
«أوصيكم بتقوى اللهِ، والسمع والطاعةِ، وإنْ تَأمَّر عليكم عبدٌ، وإنّه من يعِشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي، وسنةِ الخلفاء الراشدين المَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عليها بالنواجذِ، وإيّاكم ومحدَثات الأمور، فإن كلَّ بدعة ضلالةٌ».
رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، وابن حبان في «صحيحه»، وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح».
معنى الوعظ:
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: قوله: «وعَظَنا» الوعظ: التذكير بما يلين القلب سواء كانت الموعظة ترغيبًا أو ترهيبًا، وكان النبي ? يتخول أصحابه بالموعظة أحيانًا. شرح الأربعين النووية للعثيمين (1) / (274)
ضابط الوعظ:
قال العلامة العباد حفظه الله:
والمواعظ تكون بالكلام الذي يرقق القلب ويؤثر في النفس، وتكون بالآيات وبالأحاديث النبوية الصحيحة الثابتة، ولا تكون بالأحاديث الضعيفة والموضوعة فإن هذه لا يشتغل بها، وإنما يشتغل بما صح وثبت، فيكون الترغيب والترهيب بأمور ثابتة ومؤثرة، وأما أن يضاف إلى النبي ? حديث موضوع أو حديث ضعيف لا يحتج به وينسب إلى الرسول ? فإن هذا لا يشتغل به في الوعظ والتذكير.
شرح الأربعين النووية (26).
تأثير المواعظ له أسباب
«فَقُلنا يا رَسُول الله: كَأنّها» أي هذه الموعظة «مَوعِظَةَ مُوَدِّعٍ» وذلك لتأثيرها في إلقائها، وفي موضوعها، وفي هيئة الواعظ لأن كل هذا مؤثر، حتى إننا في عصرنا الآن تسمع الخطيب فيلين قلبك وتخاف وتبكي، فإذا سمعته مسجلًا لم تتأثر، فتأثير المواعظ له أسباب منها: الموضوع، وحال الواعظ، وانفعاله. شرح الأربعين النووية للعثيمين (ص 275).
البلاغة في الموعظة:
قال ابن رجب رحمه الله: والبَلاغَةُ فِي المَوْعِظَةِ مُسْتَحْسَنَةٌ، لِأنَّها أقْرَبُ إلى قَبُولِ القُلُوبِ واسْتِجْلابِها، والبَلاغَةُ: هِيَ التَّوَصُّلُ إلى إفْهامِ المَعانِي المَقْصُودَةِ، وإيصالُها إلى قُلُوبِ السّامِعِينَ بِأحْسَنِ صُورَةٍ مِنَ الألْفاظِ الدّالَّةِ عَلَيْها، وأفْصَحِها وأحْلاها لِلْأسْماعِ، وأوْقَعِها فِي القُلُوبِ. وكانَ النَّبِيُّ ? يَقْصُرُ خُطْبَتَها، ولا يُطِيلُها، بَلْ كانَ يُبْلِغُ ويُوجِزُ. جامع العلوم و الحكم (2/ 111).
المواعظ منها مواعظ راتبة و ومنها لسبب عارض
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: وهذا من دأبه ? أنه كان يعظ الناس بالمواعظ أحيانًا على وجهٍ راتب، كما في يوم الجمعة، خطب يوم الجمعة، وخطب العيدين. وأحيانًا على وجهٍ عارض، إذا وجد سبب يقضي الموعظة، قام – ? – فوعظ الناس.
ومن ذلك موعظته ? بعد صلاة الكسوف، فإنه خطب ووعظ موعظة عظيمة بليغة. شرح رياض الصالحين (2/ 275).
وقَوْلُهُ: ««ذَرَفَتْ مِنها العُيُونُ ووَجِلَتْ مِنها القُلُوبُ»» هَذانِ الوَصْفانِ بِهِما مَدَحَ اللَّهُ المُؤْمِنِينَ عِنْدَ سَماعِ الذِّكْرِ كَما قالَ تَعالى: {إنَّما المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذا ذُكِرَ اللَّهُ وجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال (2)] [الأنْفالِ: (2)] وقالَ: {وبَشِّرِ المُخْبِتِينَ – الَّذِينَ إذا ذُكِرَ اللَّهُ وجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الحج (34) – (35)] [الحَجِّ (34) – (35)] وقالَ: {ألَمْ يَانِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وما نَزَلَ مِنَ الحَقِّ} [الحديد (16)] [الحَدِيدِ (16)]، وقالَ: {اللَّهُ نَزَّلَ أحْسَنَ الحَدِيثِ كِتابًا مُتَشابِهًا مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وقُلُوبُهُمْ إلى ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر (23)] [الزُّمَرِ (23)]، وقالَ تَعالى: {وإذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إلى الرَّسُولِ تَرى أعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمّا عَرَفُوا مِنَ الحَقِّ} [المائدة (83)] [المائِدَةِ: (83)]. جامع العلوم و الحكم (2/ 112).
وقَوْلُهُمْ: «فَأوْصِنا» يَعْنُونَ وصِيَّةً جامِعَةً كافِيَةً، فَإنَّهُمْ لَمّا فَهِمُوا أنَّهُ مُوَدِّعٌ، اسْتَوْصُوهُ وصِيَّةً يَنْفَعُهُمْ بِها التَّمَسُّكُ بَعْدَهُ، ويَكُونُ فِيها كِفايَةٌ لِمَن تَمَسَّكَ بِها، وسَعادَةٌ لَهُ فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ. (جامع العلوم و الحكم (2/ 116).
وقَوْلُهُ ?: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوى اللَّهِ، والسَّمْعِ والطّاعَةِ»، فَهاتانِ الكَلِمَتانِ تَجْمَعانِ سَعادَةَ الدُّنْيا والآخِرَةِ. جامع العلوم و الحكم
قال العلامة ابن تيمية رحمه الله: فالتَّقْوى اتِّقاءُ المَحْذُورِ بِفِعْلِ المَامُورِ بِهِ وبِتَرْكِ المَنهِيِّ عَنْهُ. مجموع الفتاوى (20/ 135).
و قال ابن القيم رحمه الله: أنّ تقوى الله مَجلَبة للرزق، فتركُ التقوى مجلبة للفقر. فما استُجْلِبَ رزقُ الله بمثل ترك المعاصي.
الداء والدواء = الجواب الكافي ط عالم الفوائد (1) / (133)
وأصل التقوى أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه ويحذره وقاية تقية منه. فتقوى العبد لربه أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من ربه من غصبه وسخطه وعقابه وقاية تقية منه ذلك وهو فعل طاعة واجتناب معاصيه، قال عمر بن عبد العزيز: ليس تقوى الله بصيام النهار ولا بقيام الليل والتخليط فيما بين ذلك ولكن تقوى الله ترك ما حرم الله وأداء ما افترض الله، فمن رزق بعد ذلك خيرًا فهو خير إلى خير. وقال الحسن: المتقون اتقوا ما حرم الله عليهم وأدوا ما افترض عليهم.
” فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ ” (7/ 56).
فوائد السمع و الطاعة لولاة الأمر
قال ابن رجب رحمه الله: وأمّا السَّمْعُ والطّاعَةُ لِوُلاةِ أُمُورِ المُسْلِمِينَ، فَفِيها سَعادَةُ الدُّنْيا، وبِها تَنْتَظِمُ مَصالِحُ العِبادِ فِي مَعايِشِهِمْ، وبِها يَسْتَعِينُونَ عَلى إظْهارِ دِينِهِمْ وطاعَةِ رَبِّهِمْ، كَما قالَ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ ?: إنَّ النّاسَ لا يُصْلِحُهُمْ إلّا إمامٌ بَرٌّ أوْ فاجِرٌ، إنْ كانَ فاجِرًا عَبَدَ المُؤْمِنُ فِيهِ رَبَّهُ، وحُمِلَ الفاجِرُ فِيها إلى أجَلِهِ. جامع العلوم و الحكم
قال العلامة العباد حفظه الله: وقد أجمع العلماء على أنّ العبدَ ليس أهلًا للخلافة، ويُحمل ما جاء في هذا الحديث وغيره من الأحاديث في معناه على المبالغة في لزوم السمع والطاعة للعبد إذا كان خليفة، وإن كان ذلك لا يقع، أو أنّ ذلك يحمل على تولية الخليفة عبدًا على قرية أو جماعة، أو أنّه كان عند التولية حرًّا، وأُطلق عليه عبد باعتبار ما كان، أو على أنّ العبدَ تغلَّب على الناس بشوكته واستقرَّت الأمور واستتبَّ الأمن؛ لِما في منازعته من حصول ما هو أنكر من ولايته. فتح القوي المتين في شرح الأربعين (97).
الإمارة في الشرع:
قال ابن عثيمين رحمه الله: الإمارة في الشرع تشمل الإمارة العظمى، وهي الإمامة وما دونها؛ كإمارة البلدان، والمقاطعات والقبائل وما أشبه ذلك. ودليل هذا أن المسلمين منذ تولى عمر بن الخطاب – ? – يسمون الخليفة (أمير المؤمنين) فيجعلونه أميرًا. وهذا لا شك فيه، ثم يسمى أيضًا إمامًا، لأنه السلطان الأعظم، ويسمى سلطانًا. لكن الذي عليه الصحابة أنهم يسمونه (أمير المؤمنين).
شرح رياض الصالحين (2/ 277).
مسألة مهمة
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: وظاهر الحديث وجوب السمع والطاعة لولي الأمر وإن كان يعصي الله ? إذا لم يأمرك بمعصية الله ?، لأن النبي ? قال: «اسمَع وأطِع وإن ضَرَبَ ظَهرَكَ وأخَذَ مالَكَ» ((1)) وضرب الظهر وأخذ المال بلا سبب شرعي معصية لا شك، فلا يقول الإنسان لولي الأمر: أنا لا أطيعك حتى تطيع ربك، فهذا حرام، بل يجب أن يطيعه وإن لم يطع ربه.
أما لو أمر بالمعصية فلا سمع ولا طاعة، لأن رب ولي الأمر ورب الرعية واحد ?، فكلهم يجب أن يخضعوا له ?، فإذا أمرنا بمعصية الله قلنا: لا سمع ولا طاعة. شرح الأربعين النووية للعثيمين
وقَوْلُهُ ?: «فَمِن يَعِشْ مِنكُمْ بَعْدِي، فَسَيَرى اخْتِلافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وسُنَّةِ الخُلَفاءِ الرّاشِدِينَ المَهْدِيِّينَ مِن بَعْدِي، عَضُّوا عَلَيْها بِالنَّواجِذِ».
هَذا إخْبارٌ مِنهُ ? بِما وقَعَ فِي أُمَّتِهِ بَعْدَهُ مِن كَثْرَةِ الِاخْتِلافِ فِي أُصُولِ الدِّينِ وفُرُوعِهِ، وفِي الأقْوالِ والأعْمالِ والِاعْتِقاداتِ، وهَذا مُوافِقٌ لِما رُوِيَ عَنْهُ مِنَ افْتِراقِ أُمَّتِهِ عَلى بِضْعٍ وسَبْعِينَ فِرْقَةً، وأنَّها كُلُّها فِي النّارِ إلّا فِرْقَةً واحِدَةً، وهِيَ مَن كانَ عَلى ما هُوَ عَلَيْهِ وأصْحابُهُ، وكَذَلِكَ فِي هَذا الحَدِيثِ أمْرٌ عِنْدَ الِافْتِراقِ والِاخْتِلافِ بِالتَّمَسُّكِ بِسُنَّتِهِ وسُنَّةِ الخُلَفاءِ الرّاشِدِينَ مِن بَعْدِهِ، والسُّنَّةُ: هِيَ الطَّرِيقَةُ المَسْلُوكَةُ، فَيَشْمَلُ ذَلِكَ التَّمَسُّكَ بِما كانَ عَلَيْهِ هُوَ وخُلَفاؤُهُ الرّاشِدُونَ مِنَ الِاعْتِقاداتِ والأعْمالِ والأقْوالِ، وهَذِهِ هِيَ السُّنَّةُ الكامِلَةُ، ولِهَذا كانَ السَّلَفُ قَدِيمًا لا يُطْلِقُونَ اسْمَ السُّنَّةِ إلّا عَلى ما يَشْمَلُ ذَلِكَ كُلَّهُ، ورُوِيَ مَعْنى ذَلِكَ عَنِ الحَسَنِ والأوْزاعِيِّ والفُضَيْلِ بْنِ عِياضٍ.
وكَثِيرٌ مِنَ العُلَماءِ المُتَأخِّرِينَ يَخُصُّ اسْمَ السُّنَّةِ بِما يَتَعَلَّقُ بِالِاعْتِقاداتِ، لِأنَّها أصْلُ الدِّينِ، والمُخالِفُ فِيها عَلى خَطَرٍ عَظِيمٍ، وفِي ذِكْرِ هَذا الكَلامِ بَعْدَ الأمْرِ بِالسَّمْعِ والطّاعَةِ لِأُولِي الأمْرِ إشارَةٌ إلى أنَّهُ لا طاعَةَ لِأُولِي الأمْرِ فِي طاعَةِ اللَّهِ، كَما صَحَّ عَنْهُ أنَّهُ قالَ: «إنَّما الطّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ». جامع العلوم و الحكم (2/ 120).
لماذا وصف الخلفاء بالراشدين؟
قال ابن رجب رحمه الله:
وإنَّما وُصِفَ الخُلَفاءُ بِالرّاشِدِينَ، لِأنَّهُمْ عَرَفُوا الحَقَّ، وقَضَوْا بِهِ، فالرّاشِدُ ضِدُّ الغاوِي، والغاوِي مَن عَرَفَ الحَقَّ وعَمِلَ بِخِلافِهِ.
وفِي رِوايَةٍ: «المَهْدِيِّينَ» يَعْنِي: أنَّ اللَّهَ يَهْدِيهِمْ لِلْحَقِّ، ولا يُضِلُّهُمْ عَنْهُ، فالأقْسامُ ثَلاثَةٌ: راشِدٌ وغاوٍ وضالٌّ، فالرّاشِدُ عَرَفَ الحَقَّ واتَّبَعَهُ، والغاوِي: عَرَفَهُ ولَمْ يَتْبَعْهُ، والضّالُّ: لَمْ يَعْرِفْهُ بِالكُلِّيَّةِ، فَكُلُّ راشِدٍ فَهُوَ مُهْتَدٍ، وكُلُّ مُهْتَدٍ هِدايَةً تامَّةً فَهُوَ راشِدٌ، لِأنَّ الهِدايَةَ إنَّما تَتِمُّ بِمَعْرِفَةِ الحَقِّ والعَمَلِ بِهِ أيْضًا. جامع العلوم و الحكم (2/ 126).
قَوْلُهُ: «وإيّاكُمْ ومُحْدَثاتِ الأُمُورِ، فَإنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ» تَحْذِيرٌ لِلْأمَةِ مِنَ اتِّباعِ الأُمُورِ المُحْدَثَةِ المُبْتَدَعَةِ، وأكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ
والمُرادُ بِالبِدْعَةِ:
ما أُحْدِثَ مِمّا لا أصْلَ لَهُ فِي الشَّرِيعَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَأمّا ما كانَ لَهُ أصْلٌ مِنَ الشَّرْعِ يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَلَيْسَ بِبِدْعَةٍ شَرْعًا، وإنْ كانَ بِدْعَةً لُغَةً، وفِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» عَنْ جابِرٍ، أنَّ «النَّبِيَّ ? كانَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ: إنَّ خَيْرَ الحَدِيثِ كِتابُ اللَّهِ، وخَيْرَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثاتُها، وكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ» ..
فَقَوْلُهُ ?: «كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ» مِن جَوامِعِ الكَلِمِ لا يَخْرُجُ عَنْهُ شَيْءٌ، وهُوَ أصْلٌ عَظِيمٌ مِن أُصُولِ الدِّينِ، وهُوَ شَبِيهٌ بِقَوْلِهِ: «مَن أحْدَثَ فِي أمْرِنا ما لَيْسَ مِنهُ فَهُوَ رَدٌّ»، فَكُلُّ مَن أحْدَثَ شَيْئًا، ونَسَبَهُ إلى الدِّينِ، ولَمْ يَكُنْ لَهُ أصْلٌ مِنَ الدِّينِ يَرْجِعُ إلَيْهِ، فَهُوَ ضَلالَةٌ، والِدَيْنُ بَرِيءٌ مِنهُ، وسَواءٌ فِي ذَلِكَ مَسائِلُ الِاعْتِقاداتِ، أوِ الأعْمالُ، أوِ الأقْوالُ الظّاهِرَةُ والباطِنَةُ.
(على ماذا يحمل كلام السلف من استحسان بعض البدع)
وأمّا ما وقَعَ فِي كَلامِ السَّلَفِ مِنَ اسْتِحْسانِ بَعْضِ البِدَعِ، فَإنَّما ذَلِكَ فِي البِدَعِ اللُّغَوِيَّةِ، لا الشَّرْعِيَّةِ، فَمِن ذَلِكَ قَوْلُ عُمَرَ ? لَمّا جَمَعَ النّاسَ فِي قِيامِ رَمَضانَ عَلى إمامٍ واحِدٍ فِي المَسْجِدِ، وخَرَجَ ورَأَىهُمْ يُصَلُّونَ كَذَلِكَ فَقالَ: نِعْمَتُ البِدْعَةُ هَذِهِ. ورُوِيَ عَنْهُ أنَّهُ قالَ: إنْ كانَتْ هَذِهِ بِدْعَةٌ، فَنِعْمَتُ البِدْعَةُ. ورُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قالَ لَهُ: إنَّ هَذا لَمْ يَكُنْ، فَقالَ عُمَرُ: قَدْ عَلِمْتُ، ولَكِنَّهُ حَسَنٌ، ومُرادُهُ أنَّ هَذا الفِعْلَ لَمْ يَكُنْ عَلى هَذا الوَجْهِ قَبْلَ هَذا الوَقْتِ، ولَكِنَّ لَهُ أُصُولٌ مِنَ الشَّرِيعَةِ يُرْجَعُ إلَيْها، فَمِنها أنَّ النَّبِيَّ ? كانَ يَحُثُّ عَلى قِيامِ رَمَضانَ، ويُرَغِّبُ فِيهِ، وكانَ النّاسُ فِي زَمَنِهِ يَقُومُونَ فِي المَسْجِدِ جَماعاتٍ مُتَفَرِّقَةً ووُحْدانًا، وهُوَ ? صَلّى بِأصْحابِهِ فِي رَمَضانَ غَيْرَ لَيْلَةٍ، ثُمَّ امْتَنَعَ مِن ذَلِكَ مُعَلِّلًا بِأنَّهُ خَشِيَ أنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِمْ، فَيَعْجِزُوا عَنِ القِيامِ بِهِ، وهَذا قَدْ أُمِنَ بَعْدَهُ ?، ورُوِيَ عَنْهُ أنَّهُ كانَ يَقُومُ بِأصْحابِهِ لَيالِيَ الأفْرادِ فِي العَشْرِ الأواخِرِ. جامع العلوم و الحكم
فوائد العمل بالسنَّة
ومتى حافظ المسلمُ على السُّنَّةِ محافظته على الطعام والشراب الذي به قوام البدن أو أشدَّ: غمرته الفوائد الدينية والدنيوية، كما قال ابن قدامة – ? -:
«وفي اتباع السنَّة: بركةُ موافقة الشرع، ورضى الربِّ سبحانه وتعالى ورفع الدرجات، وراحة القلب، ودَعَةٌ البَدَنِ، وترغيمُ الشيطان، وسلوكُ الصراط المستقيم». اهـ ((1)).
وقد قال ابنُ حبّان – ? تعالى – في مقدَّمة صحيحه:
وإنَّ في لزوم سُنَّتِه: تمامَ السلامة، وجِماعَ الكرامةِ، لا تطفا سُرُجُها، ولا تُدْحضُ حججُها، من لزمَها عُصِم، ومن خالفها نَدِمَ، إذْ هي الحصنُ الحصين، والركنُ الركين، الذي بان فضْلُه، ومَتُنَ حبْلُهُ، ومن تَمَسَّكَ به ساد، ومن رام خلافه باد.
فالمتعلِّقون به أهل السعادةِ في الأجل، والمغبوطونَ بين الأنام في العاجل. اهـ
انظر: ضرورة الاهتمام بالسنن النبوية — عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم (42).