37 جامع الأجوبة الفقهية ص65
بإشراف واختصار سعيد الجابري وسيف بن دورة الكعبي
وممن شارك أحمد بن علي وعبدالحميد وخالد البريكي
———–
في قصة بول الأعرابي في المسجد ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم اهريقوا على بوله ذنوب من ماء. متفق عليه
فيه مسائل :
هل يتعين الماء لتطهير الأرض؟
هل يتعين حفر الأرض، وإلقاء التراب عند تطهيرها؟
ما حكم غسالة النجاسة؟
————
♢-قال صاحبنا أحمد بن علي:
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
ما تطهر به الأرض سوى المياه:
ذهب الحنفية عدا زفر إلى أن الأرض إذا أصابها نجس، فجفت بالشمس أو الهواء أو غيرهما وذهب أثره طهرت وجازت الصلاة عليها، لقوله صلى الله عليه وسلم: أيما أرض جفت فقد ذكت.
وذهب المالكية والحنابلة، والشافعية في الأصح عندهم، وزفر من الحنفية إلى أنها لا تطهر بغير الماء، لأمره صلى الله عليه وسلم أن يصب على بول الأعرابي ذنوب ماء، وقوله صلى الله عليه وسلم: أهريقوا على بوله ذنوبا من ماء، أو سجلا من ماء والأمر يقتضي الوجوب، ولأنه محل نجس فلم يطهر بغير الغسل .
وقال الشوكاني في نيل الأوطار:
وفي الحديث دليل على أن الصب مطهر للأرض ولا يجب الحفر خلافا للحنفية، روى ذلك عنهم النووي. والمذكور في كتبهم أن ذلك مختص بالأرض الصلبة دون الرخوة، واستدلوا بما أخرجه الدارقطني من حديث أنس بلفظ: احفروا مكانه ثم صبوا عليه» وأعله بتفرد عبد الجبار به دون أصحاب ابن عيينة الحفاظ.
قال: وقال الخطابى: وفيه دليل أن الماء على اليسر والسعة فى إزالة النجاسات به.
قال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى:
75 – / 60 – مسألة : في إزالة النجاسة بغير الماء ثلاثة أقوال للعلماء :
أحدها : المنع كقول الشافعي وهو أحد القولين في مذهب مالك وأحمد
والثاني : الجواز كقول أبي حنيفة وهو القول الثاني في مذهب مالك وأحمد
والقول الثالث : في مذهب أحمد أن ذلك يجوز للحاجه كما في طهارة فم الهرة بريقها وطهارة أفواه الصبيان بأرياقهم ونحو ذلك
والسنة قد جاءت بالأمر بالماء في قوله لأسماء :
[ حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء ]
وقوله في آنة الجوس : [ أرحضوها ثم أغسلوها بالماء ]
[ وقوله في حديث الأعرابي الذي بال في المسجد : صبوا على بوله ذنوبا من ماء ]
فأمر بالإزالة بالماء في قضايا معينة ولم يأمر أمرا عاما بأن تزال كل نجاسة بالماء وقد أذن في إزالتها بغير الماء في مواضع :
منها : الإستجمار بالأحجار
ومنها [ قوله في النعلين : ثم ليدلكهما بالتراب فإن التراب لهما طهور ]
ومنها [ قوله في الذيل : يطهره ما بعده ]
ومنها أن الكلاب كانت تقبل وتدبر وتبول في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم لم يكونوا يغسلون ذلك
ومنها قوله في الهرة : [ إنها من الطوافين عليكم والطوافات ] مع أن الهرة في العادة تأكل الفأر ولم تكن هناك قناة تردها تطهر بها أفواهها وإنما طهرها ريقها
ومنها أن الخمر المنقلبة بنفسها تطهر باتفاق المسلمين وإذا كان كذلك فالراجح في هذه المسألة أن النجاسة متى زالت بأي وجه كان زال حكمها فإن الحكم إذا ثبت بعلة زال بزوالها لكن لا يجوز استعمال الأطعمة والأشربة في إزالة النجاسة لغير حاجة لما في ذلك من إفساد الأموال كما لا يجوز الاستنجاء بها
والذين قالوا : لا تزول إلا بالماء منهم من قال : إن هذا تعبد وليس الأمر كذلك فإن صاحب الشرع أمر بالماء في قضايا معينة لأن إزالتها بالأشربة التي ينتفع بها المسلمون إفساد لها وإزالتها بالجامدات كانت متعذرة يغسل الثوب والإناء والأرض بالماء فإنه من المعلوم أنه لو كان عنده ماء ورد وخل وغير ذلك لم يأمرهم بإفساده فكيف إذا لم يكن عندهم
ومنهم من قال : إن الماء له من اللطف ما ليس لغيره من المائعات فلا يلحق غيره به وليس الأمر كذلك بل الخل وماء الورد وغيرهما يزيلان ما في الآنية من النجاسة كالماء وأبلغ والإستحالة أبلغ في الإزالة من الغسل بالماء فإن الإزالة بالماء قد يبقى معها لون النجاسة فيعفى عنه كما قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ يكفيك الماء ولا يضرك أثره ]
وغير الماء يزيل الطعم واللون والريح
ومنهم من قال : كان القياس أن لا تزول بالماء لتنجسه بالملاقاة لكن رخص في الماء للحاجة فجعل الإزالة بالماء صورة استحسان فلا يقاس عليها وكلا المقدمتين باطلة فليست إزالتها به على خلاف القياس أن الحكم إذا ثبت بعلة زال بزوالها
وقولهم أنه ينجس بالملاقاة ممنوع ومن سلمه فرق بين الوارد والمورود وبين الجاري والواقف ولو قيل : إنها على خلاف القياس فالصواب إنما خلف القياس عليه إذا عرفت علته إذ الإعتبار في القياس بالجامع والفارق واعتبار طهارة الخبث بطهارة الحدث ضعيف فإن طهارة الحدث من باب الأفعال المأمور بها ولهذا لم تسقط بالنسيان والجهل واشترط فيها النية عند الجمهور وأما طهارة الخبث فإنها من باب التروك فمقصودها اجتناب الخبث ولهذا لا يشترط فيها فعل العبد ولا قصده بل لو زالت بالمطر النازل من السماء حصل المقصود كما ذهب إليه أئمة المذاهب وغيرهم انتهى
تنبيه : مسألة نجاسة الخمر سيأتي بحثها إن شاءالله.
♢- اشترك الإخوة في نقل هذه الجواب : قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع : ويُجزِئ في غَسْلِ النَّجاسات كلِّها إِذا كانت على الأرض غَسْلةٌ واحدةٌ تَذْهَبُ بعَيْنِ النجاسةِ، هذا تخفيف باعتبار الموضع، فإِذا طرأت النَّجاسة على أرض؛ فإِنه يُشترَط لطِهَارتها أن تزول عَينُ النَّجاسة ـ أيًّا كانت ـ بغَسْلَة واحدة، فإِن لم تَزُلْ إِلا بغَسْلَتين، فَغَسْلَتان، وبثلاث فثلاث. وقوله صلّى الله عليه وسلّم لما بال الأعرابيُّ في المسجد: أريقوا على بوله ذَنُوباً من ماء، ولم يأمُرْ بعدد.
وذهب أبو حنيفة رحمه الله إِلى أن الشمس تُطَهِّرُ المتنجِّس، إِذا زال أثر النَّجاسة بها، وأنَّ عين النَّجاسة إِذا زالت بأيِّ مزيل طَهُر المحلُّ، وهذا هو الصَّواب لما يلي:
1- أن النَّجاسةَ عينٌ خبيثة نجاستُها بذاتها، فإِذا زالت عاد الشيء إِلى طهارته.
2- أن إِزالة النَّجاسة ليست من باب المأمور، بل من باب اجتناب المحظور، فإِذا حصل بأيِّ سبب كان ثَبَتَ الحُكم، ولهذا لا يُشترط لإِزالة النّجاسة نيَّة،
==============
♢- هل يتعين حفر الأرض، وإلقاء التراب عند تطهيرها؟
♢- قلت (سيف الكعبي) اشترط الحنفية الحفر، ويستدل لهم بحديث عبدالله بن معقل( خذوا ما بال عليه من التراب، فالقوه، وأهريقوا على مكانه ماءً ) وغيرها من الأحاديث.
وذهب الجمهور إلى عدم اشتراط الحفر، بدليل قصة بول الأعرابي، وقد وجدت أن هذه المسألة بحثناها في مختلف الحديث 26 وجوابي فيها :
– راجع لبيان ضعف الحديث – يعني الحفر – التحقيق لابن الجوزي، وتلخيص الحبير، والعلل المتناهية، ومعرفة السنن والآثار، والبدر المنير، ونصب الراية، والخلاصة أن الأمر بالحفر جاء من حديث عبدالله بن معقل وابن مسعود وواثله وأنس، ولا يصح منها شئ.
قال ابن دقيق العيد: لو كان نقل التراب واجبا في التطهير لاكتفى به، فإن الأمر بصب الماء حينئذ يكون زيادة تكليف … الخ كلامه رحمه الله تعالى (نقله في طرح التثريب)
قال صاحبنا خالد البريكي :قال النووي :لا يشترط حفرها
=============
♢-ما حكم غسالة النجاسة؟
♢- قال صاحبنا خالد البريكي وأحمد بن علي: قال النووي في روضة الطالبين: في غسالة النجاسة إن تغير بعض أوصافها بالنجاسة، فنجسة، وإلا فإن كان قلتين، فطاهرة بلا خلاف، ومطهرة على المذهب، والله أعلم.
وقال في المجموع : والأصح طهارة غسالة النجاسة إذا انفصلت غير متغيرة، وقد طهر المحل” وانظر شرح بن رسلان (1/34).
♢-قال سيف الكعبي: قال ابن حجر :أن غسالة النجاسة الواقعة على الأرض طاهرة، ويلتحق به غير الواقعة.
وقال بعض مشايخنا : هذا إذا انفصلت غير متغيرة….
-_-_-_-_-_-_-
ملحق تخريج الأحاديث لجامع الأجوبة الفقهية :
جواب الأخ سيف غدير : قال بعض الباحثين
الأحاديث الَّتي ورد فيها ذكر الحفر:
لم تذكر الطُّرق الصَّحيحة لهذا الحديث زيادة حفر المكان الَّذي بال فيه أو نقل ترابه إلى خارج المسجد، وقد روي الأمر من طرق لكنَّها متكلَّم فيها:
الطَّريق الأوَّل – من حديث عبد الله بن مسعود:
أخرجه الدَّارقطني في السُّنن (477)، وأبو يعلى في المسند (3626) من طريق أبي هشام الرِّفاعي محمَّد ابن يزيد، عن أبي بكر بن عيَّاش، عن سمعان بن مالك، عن أبي وائل، عن مسعود، وفيه: ” جاء أعرابي فبال في المسجد فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكانه فاحتفر … “.
وأخرجه الطَّحاوي في شرح المعاني (1/ 14) من طريق يحيي بن عبد الحميد الحمَّاني، عن أبي بكر بن عيَّاش به.
وسنده ضعيف جدًّا، سمعان ضعَّفه أبو زرعة وقال: ” ليس بقوي ” وفيه أيضًا: أبو هشام الرِّفاعي محمَّد بن يزيد ليس بالقويِّ أيضًا، وله أحاديث منكرة عن أبي بكر بن عيَّاش.
وأمَّا السَّند الثَّاني من طريق يحيي بن عبد الحميد الحمَّاني فهو ضعيف أيضًا، لأنَّ الحمَّاني معروف بسرقة الحديث، فيكون سرقه من أبي هشام الرِّفاعي.
ونقل ابن الملقِّن عن أبي زرعة أنَّه قال: ” حديث منكر “، وعن ابن أبي حاتم أنَّه قال: ” ليس لهذا الحديث أصل ”
وقال الدَّراقطني في العلل (5/ 81) بعد أن ذكر زيادة الحفر في السَّند: ” ليست بمحفوظ عن أبي بكر بن عيَّاش “، لأنَّه روي الحديث من غير طريق أبي هشام الرِّفاعي ولم يذكر الحفر.
ثانيًا – حديث أنس بن مالك:
ذكر ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 334) أنَّ أبا محمَّد ابن صاعد روى عن عبد الجبَّار بن العلاء، عن ابن عيينة، عن يحيي بن سعيد، عن أنس بن مالك: ” أنَّ أعرابيًّا بال في المسجد، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: ” احْفِرُوا مَكَانَهُ ثُمَّ صُبُّوا عَلَيْهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ “، ونقل عن الدَّارقطني أنَّه قال: ” وهم عبد الجبَّار على ابن عيينة، لأنَّ أصحاب ابن عيينة الحفاظ رووه عن ابن عيينة عن عمرو ابن دينار، عن طاوس: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:” ” احْفِرُوا مَكَانَهُ ” مرسلاً، فاختلط على عبد الجبَّار المتنان.
قلت: تقدَّم أنَّ الحديث رواه عن سفيان بن عيينة، أحمد في المسند والشَّافعي عند أبي عوانة، وسعيد بن عبد الرَّحمن المخزومي عند التَّرمذي ولم يذكروا الحفر عن ابن عيينة عن يحيي بن سعيد.
وانفرد بذكره عبد الجبَّار بن العلاء، قال عنه ابن حجر في التَّقريب لابأس به، فمثله إذا خالف أمثال أحمد والشَّافعي وغيرهما تكون روايته شاذَّةً.
وقد بيَّن الدَّارقطني سبب الشُّذوذ، وذلك أنَّ ابن عيينة روى هذا الحديث من طريق آخر عن عمرو بن دينار، عن طاووس قال: ” بال أعرابي … ” فذكره وذكر الحفر
أخرجه عبد الرَّزَّاق في المصنَّف (1659) عن ابن عيينة ورواه أيضًا الطَّحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 13) من طريق ابن عيينة.
فاختلط على عبد الجبَّار هذا الطَّريق بالطَّريق الآخر الموصول فحمله عليه، والصَّواب أنَّ ابن عيينة روى الحفر عن عمرو بن دينار، عن طاووس مرسلاً.
ثالثًا – من حديث عبد الله بن معقل بن مقرن مرسلاَ:
أخرجه أبو داود في السُّنن (381)، ومن طريقه الدَّارقطني في السُّنن (479) عن موسى بن إسماعيل، عن جرير بن حازم، عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الله بن معقل بن مقرن قال: قام أعرابيٌّ إلى زاوية …. ، وفيه قول النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم: ” خُذُوا مَا بَالَ عَلَيْهِ مِنَ التُّرَابِ فَألْقُوهُ .. ”
وسنده مرسل، قال أبو داود: ” وهو مرسل ابن معقل لم يدرك النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم “.
رابعًا – من حديث طاووس مرسلاَ:
وقد مرَّ أنَّ ابن عيينة رواه عن عمرو بن دينار، عن طاووس، وأخرجه أيضًا عبد الرَّزَّاق في المصنَّف (1662) عن معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه قال: ” بال أعرابيٌّ في المسجد … ” وفيه: ” احْفِرُوا مَكَانَهُ “.
وبالنَّظر في هذه الطُّرق نجد أنَّ الأحاديث الصَّحيحة الموصولة لم يذكر فيها الحفر، ولم يأت إلاَّ من جهات ضعيفة أو مرسلة.