368 جامع الأجوبة الفقهية ص 402
مجموعة ناصر الريسي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف الشيخ د. سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–
بلوغ المرام
137 – وعن أنس – رضي الله عنه: أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة لم يؤاكلوها، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح». رواه مسلم.
138 – وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يأمرني فأتزر، فيباشرني وأنا حائض. متفق عليه.
مسألة: جماع المرأة ومباشرتها.
قسم العلماء مباشرة الحائض على ثلاثة أقسام:
صلى الله عليه وسلم – الأول: المباشرة بالجماع في الفرج وهذا حرام بإجماع المسلمين، ونقل الإجماع عدد منهم:
1 – الطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 38) حيث يقول: “ثم إذا حاضت، حرم عليه الجماع في فرجها، وحل له منها ما فوق الإزار باتفاقهم”. انتهى
2 – قال ابن حزم في المحلى (1/ 380): “أما امتناع الصلاة، والصوم، والطواف، والوطء في الفرج في حال الحيض؛ فإجماع متيقن مقطوع به، لا خلاف بين أحد من أهل الإسلام فيه، وقد خالف في ذلك قوم من الأزارقة، حقهم ألا يُعَدُّوا في أهل الإسلام”. انتهى
3 – قال ابن قدامة في المغني (1/ 414): “الاستمتاع من الحائض فيما فوق السرة ودون الركبة جائز بالنص والإجماع، والوطء في الفرج محرم بهما”. انتهى
4 – قال النووي في المجموع (2/ 389): “أجمع المسلمون على تحريم وطء الحائض للآية الكريمة والأحاديث الصحيحة”. انتهى
صلى الله عليه وسلم – الثاني: المباشرة فيما فوق السرة وتحت الركبة جائز بالإجماع.
قال الإمام النووي في شرحه على مسلم (3/ 204): المباشرة فيما فوق السرة وتحت الركبة بالذكر أو بالقبلة أو المعانقة أو اللمس أو غير ذلك وهو حلال باتفاق العلماء وقد نقل الشيخ أبو حامد الاسفراينى وجماعة كثيرة الإجماع على هذا وأما ما حكي عن عبيدة السلماني وغيره من أنه لا يباشر شيئا منها بشئ منه فشاذ منكر غير معروف ولا مقبول ولو صح عنه لكان مردودا بالأحاديث الصحيحة المشهورة المذكورة في الصحيحين وغيرهما في مباشرة النبي صلى الله عليه وسلم فوق الإزار وإذنه في ذلك بإجماع المسلمين قبل المخالف وبعده. انتهى
صلى الله عليه وسلم – الثالث: المباشرة فيما بين السرة والركبة عدا الفرج فهذا القسم اختلف أهل العلم فيه على أقوال:
القول الأول: يحرم على الرجل الاستمتاع بما تحت الإزار، وهو ما بين السرة والركبة، وهو مذهب الجمهور من الحنفية، والمالكية، والشافعية. وقال به سعيد بن المسيب وشريح وطاوس وعطاء وسليمان بن يسار وقتادة.
القول الثاني: لا يحرم عليه إلا الإيلاج في الفرج خاصة وما عداه يجوز. وهو مذهب الحنابلة، واختاره محمَّد بن الحسن من الحنفية، وأصبغ وابن حبيب من المالكية، وقواه النووي من الشافعية، وقال به عكرمة ومجاهد والشعبي والنخعي والحكم والثوري والأوزاعي وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وابن المنذر وداود الظاهري ووافقه ابن حزم.
القول الثالث: إن وثق المباشر تحت الإزار بضبط نفسه جاز وإلا فلا، وهو وجه في مذهب الشافعية قاله أبوالعباس البصري.
صلى الله عليه وسلم – أدلة الجمهور على تحريم المباشرة من تحت الإزار.
الدليل الأول: قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}.
وجه الاستدلال:
ظاهر الآية تقتضي اعتزال الحائض حال الحيض، فلما دلت الأحاديث على جواز الاستمتاع منها بما فوق الإزار دل ذلك على أن ما عداه باق على المنع.
وأجيب: بأن المحيض يحتمل معنيين:
الأول: أن يكون مصدراً من حاضت المرأة حيضاً ومحيضاً، وعلى هذا التأويل يتوجه استدلالكم.
والثاني: يحتمل أن المراد بالمحيض في الآية اسم لمكان الحيض، كالمقيل، والمبيت، وعلى هذا المعنى، يكون تخصيصه موضع الدم بالاعتزال دليل على إباحته فيما عداه، وهذا التأويل أرجح من الأول لأمرين:
أحدهما: لو أراد بالمحيض الحيض، لكان أمراً باعتزال النساء في مدة الحيض بالكلية، والإجماع على خلافه.
المعنى الثاني: أن هذا التفسير موافق لسبب نزول الآية.
الدليل الثاني:
عن أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم، لم يؤاكلوها، ولم يجامعوهن في البيوت، فسأل أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – النبي – صلى الله عليه وسلم -، فأنزل الله تعالى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ … } الآية. فقال رسول الله: “اصنعوا كل شيء إلا النكاح” …. الحديث. رواه مسلم (382)
وجه الاستدلال:
قوله – صلى الله عليه وسلم -: “اصنعوا كل شيء إلا النكاح” دليل على أن المحرم هو الوطء في الفرج، وأن المراد بالمحيض هو مكان الحيض.
الدليل الثالث:
عن عائشة قالت: كنت أغتسل أنا والنبي – صلى الله عليه وسلم – من إناء واحد، كلانا جنب، وكان يأمرني فأتزر، فيباشرني وأنا حائض، وكان يخرج رأسه إليَّ وهو معتكف وأنا حائض. أخرجه البخاري في صحيحه (299) وأخرجه مسلم (293)، من طريق جرير، عن منصور به بلفظ: “كانت إحدانا إذا كانت حائضاً أمرها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فتأتزر بإزار ثم يباشرها”.
الدليل الرابع:
عن عبد الله بن شداد، قال سمعت ميمونة: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه أمرها فاتزرت وهي حائض. رواه البخاري (303)
صلى الله عليه وسلم – أدلة القائلين بالجواز وأنه لا يحرم من الحائض إلا الفرج خاصة.
الدليل الأول:
قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}، فالمراد اعتزال النساء في المحيض اعتزال فروجهن.
وقالوا: أن المحيض في الآية اسم لمكان الحيض كالمقيل والمبيت. قاله ابن عقيل: وهو ظاهر كلام أحمد.
أيضاً: قال ابن تيمية، قوله تعالى: {هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا} فذكر الحُكْم بعد الوصف بالفاء، فدل على أن الوصف هو العلة، لا سيما وهو مناسب للحكم، كآية السرقة، والأمر بالاعتزال في الدم للضرر والتنجيس، وهو مخصوص بالفرج، فيختص الحكم بمحل سببه.
الدليل الثاني:
حديث أنس، أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم، لم يؤاكلوها، ولم يجامعوهن في البيوت، فسأل أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – النبي – صلى الله عليه وسلم – فأنزل الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}. فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “اصنعوا كل شيء إلا النكاح … ” الحديث.
قالوا: فلم يستثن الرسول – صلى الله عليه وسلم – إلا الجماع، وما عداه فهو مأمور به أمر إرشاد وإباحة، وهذا الحديث تضمن تفسير قوله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} وأن المقصود اعتزال الوطء في الفرج، فلم يبق مجال للاجتهاد في تفسير الاعتزال ولا في تفسير كلمة “المحيض”، وقد جاءت مفسرة من النبي – صلى الله عليه وسلم -.
الدليل الثالث:
عن عائشة، قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ناوليني الخمرة من المسجد قالت: فقلت: إني حائض. فقال: إن حيضتك ليست في يدك. رواه مسلم في صحيحه (298).
وجه الاستدلال:
قال ابن عبد البر في التمهيد (3/ 462): “دل هذا الحديث على أن كل عضو منها ليس فيه الحيضة في الطهارة، ثم قال: ودل على أن الحيض ليس يغير شيئاً من المرأة مما كان عليه قبل الحيض غير موضع الحيض وحده”.
الدليل الرابع:
روى ابن جرير الطبري في تفسيره (4248)، أن مسروقاً ركب إلى عائشة، فقال: السلام على النبي – صلى الله عليه وسلم – وعلى أهل بيته، فقالت عائشة: أبو عائشة، مرحباً، فأذنوا له فدخل، فقال: إني أريد أن أسألك عن شيء، وأنا استحيي!! فقالت: إنما أنا أمك وأنت ابني. فقال: ما للرجل من امرأته وهي حائض؟ قالت: كل شيء إلا فرجها.
قال ابن رجب شرح ابن رجب لصحيح البخاري (2/ 33)، قال: “احتج أحمد بأن عائشة أفتت بإباحة ما دون الفرج من الحائض، وهي أعلم الناس بهذه المسألة، فيتعين الرجوع فيها إلى قولها، كما رجع إليها في الغسل من التقاء الختانين، وكذا في المباشرة للصائم”.
صلى الله عليه وسلم – قال ابن حزم المحلى (مسألة 260): “وللرجل أن يتلذذ من امرأته الحائض، في كل شيء حاشا الإيلاج في الفرج، وله أن يشفر ولا يولج”. انتهى
صلى الله عليه وسلم – قال النووي في المجموع (2/ 393): “إن وثق المباشر تحت الإزار بضبط نفسه عن الفرج، لضعف شهوة، أو شدة ورع جاز وإلا فلا، حكاه صاحب الحاوي ومتابعوه عن أبي الفياض البصري وهو حسن”. انتهى
صلى الله عليه وسلم – قال ابن القيم في “تهذيب السنن” عند شرح حديث رقم (2167) من عون المعبود:
وَحَدِيث ” اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلا النِّكَاحَ” ظَاهِرٌ فِي أَنَّ التَّحْرِيم إِنَّمَا وَقَعَ عَلَى مَوْضِع الْحَيْض خَاصَّة , وَهُوَ النِّكَاح , وَأَبَاحَ كُلّ مَا دُونه. وَأَحَادِيث الإِزَار لا تُنَاقِضهُ، لأَنَّ ذَلِكَ أَبْلَغ فِي اِجْتِنَاب الأَذَى , وَهُوَ أَوْلَى. انتهى بتصرف.
صلى الله عليه وسلم – وقال ابن قدامة في المغني (1/ 415):
فتخصيصه موضع الدم بالاعتزال دليل على إباحته فيما عداه. انتهى
صلى الله عليه وسلم – وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (5/ 395):
“يحرم على الزوج أن يجامع زوجته في فرجها وهي حائض، وله أن يباشرها فيما عداه”. انتهى
صلى الله عليه وسلم – قال ابن عثيمين في الشرح الممتع (1/ 413):
المحيض هو زمان الحيض ومكانه، ومكانه هو الفرج فما دامت حائضا فوطؤها في الفرج حرام. انتهى
والله أعلم …