367 جامع الأجوبة الفقهية ص 400
مجموعة ناصر الريسي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف الشيخ د. سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
بلوغ المرام
136 – وعن أم عطية رضي الله عنها قالت: كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئا. رواه البخاري، وأبو داود واللفظ له.
مسألة: الكدرة والصفرة.
الكدرة: بضم الكاف، وسكون الدال المهملة، ثم راء مفتوحة، بعدها تاء، هي اللون الأحمر الذي يضرب نحو السواد، جمعه كدر.
الصفرة: بضم الصاد المهملة، وسكون الفاء الموحدة، ثم راء مفتوحة، بعدها تاء، هي اللون الأحمر الذي يميل إلى البياض، فهو أحمر غير قان يكون بلون الذهب.
انظر: توضيح الأحكام من بلوغ المرام (1/ 450)
اختلف العلماء في الصفرة والكدرة هل تعد حيض أم لا؟ على عدة أقوال:
الأول: الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض، وفي غيرها ليست بحيض. وهو مذهب الجمهور من الحنفية، والحنابلة، واختاره ابن الماجشون من المالكية. وجعله المازري والباجي هو المذهب عند المالكية ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمة.
القول الثاني: أن الكدرة في أول الأيام ليست بحيض، وفي آخر أيام الحيض حيض. بمعنى أنه ليس بحيض إلا أن يتقدمه دم. واختار أبو يوسف وأبو ثور واستحسنه ابن المنذر.
الثالث: الصفرة والكدرة حيض مطلقاً، وهو مذهب المدونة، وهو أصح الأوجه عند الشافعية بشرط أن يكون في زمان الإمكان.
القول الرابع: الصفرة والكدرة ليست بحيض مطلقا، وهو اختيار ابن حزم والثوري والأوزاعي
صلى الله عليه وسلم – انظر: بدائع الصنائع (1/ 39)، حاشية ابن عابدين (1/ 289)، المبدع (1/ 288)، المغني (1/ 413)، مواهب الجليل (1/ 364)، المنتقى للباجي (1/ 118)، المدونة (1/ 152)، المجموع (2/ 421)، مغني المحتاج (1/ 113)، المحلى لابن حزم (مسألة: 266، 269).
صلى الله عليه وسلم – دليل القول الأول من قال: بأن الصفرة والكدرة في زمن العادة حيض وفي غيرها فلا.
عن علقمة بن أبي علقمة، عن أمه مولاة عائشة أم المؤمنين أنها قالت: “كان النساء يبعثن إلى عائشة أم المؤمنين بالدرجة فيها الكرسف، فيه الصفرة من دم الحيضة، فتقول لهن: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء”. رواه مالك في الموطأ (1/ 59).
وجه الاستدلال:
أنها اعتبرت الصفرة في زمن العادة حيضاً، حتى ترى علامة الطهر.
صلى الله عليه وسلم – الدليل على أن الصفرة والكدرة ليست حيضاً بعد الطهر.
عن أم عطية – وكانت بايعت النبي – صلى الله عليه وسلم – قالت: “كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئاً”. رواه أبي داود في سننه (307).
صلى الله عليه وسلم – دليل من قال: الصفرة والكدرة حيض مطلقاً.
الدليل الأول:
عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بنت أبي بكر قالت: كنا في حجرها مع بنات ابنتها، فكانت إحدانا تطهر، ثم تصلي، ثم تنكس بالصفرة اليسيرة، فتسألها، فتقول: اعتزلن الصلاة ما رأيتن ذلك، حتى لا ترين إلا البياض خالصاً. رواه ابن ابي شيبة في المصنف (1/ 90) رقم 1008
وجه الاستدلال:
أن أسماء رضي الله عنها أمرتهن باعتزال الصلاة من الصفرة، ولو كانت بعد الطهر والاغتسال حتى ولو كانت الصفرة يسيرة.
وأجيب:
بأن هذا مخالف لما روي عن عائشة، وعلي بن أبي طالب، وأم عطية، بل ظاهر كلام أم عطية أن له حكم الرفع كما سيأتي تقريره. وقد يفسر قولها: “كانت إحدانا تطهر” أى تطهر بالجفاف لا برؤية البياض، فكانت الواحدة منهن إذا طهرت بالجفاف اغتسلت وصلت ثم يرين بعد ذلك الصفرة اليسيرة فتنهاهن عن الاستعجال، وأن يعتزلن الصلاة حتى يرين البياض خالصاً، والمقصود بها القصة البيضة، ليكون مطابقاً لما روى عن عائشة. والله أعلم.
تنبيه: بينت هذه الرواية أنها كانت في حجر جدتها:
حرب [(1073)] حدثنا أحمد بن حنبل قال: ثنا إسماعيل بن إبراهيم قال: ثنا محمد بن إسحاق قال: حدثتني فاطمة بنت المنذر قالت: كنا في حجر جدتي أسماء بنات بنتها، فكانت إحدانا ترى الطهر، ثم لعل الحيضة تنكسها إلى الصفرة والكدرة، فتأمرنا أن نعتزل الصلاة حتى لا نرى إلا البياض خالصا. . معناه والله أعلم أنهن كن يعجلن على الطهر قبل القصة البيضاء.
العتيق مصنف جامع لفتاوى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (3) / (224) — محمد بن مبارك حكيمي (معاصر)
الدليل الثاني:
إذا كانت الصفرة والكدرة فى زمن الحيض حيضا، فكذلك إذا كانت بعد الطهر، لأنكم إما أن تقولوا: بأنها حيض مطلقاً، في العادة وبعدها. أو تقولوا: ليست بحيض مطلقاً، فأما أن تعتبروها في زمن مانعة من الصلاة والصيام، وفي زمن ليست مانعة، فهذا خطأ يخالف القواعد.
وأجيب:
بأن التفريق بين زمن العادة وغيرها إنما قلناه تبعاً للنصوص، لا أن ذلك وفقاً للقياس، والنص مقدم على القياس، وقد يقال: إن الصفرة والكدرة على وفق القياس، وذلك أنهما إذا كانا في زمن العادة والحيض، كان هذا وقت سلطان الدم، فهما أثر من آثاره، لأن العادة تبدأ ضعيفة، ثم تشتد ثم تتدرج بالضعف حتى تطهر المرأة، وما دامت في وقت الدم فقد أعطيت حكمه، لأن الكدرة أثر من آثاره، بخلاف ما إذا كان بعد الطهر فإنها ليست من أثر الحيض. والله أعلم.
صلى الله عليه وسلم – دليل من قال: بأن الصفرة والكدرة ليست حيضاً مطلقاً.
الدليل الأول:
عن فاطمة بنت أبي حبيش: أنها كانت تستحاض، فقال لها النبي – صلى الله عليه وسلم -: إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، وإذا كان الآخر فتوضئي وصلي. رواه أبي داود في سننه (286).
وجه الاستدلال:
أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – لم يأمرها بالإمساك عن الصلاة إلا إذا رأت الدم الأسود، وأما إذا رأت غيره فإنها تصلي، والصفرة والكدرة ليست دماً أسوداً، وبالتالي فهي مأمورة بالصلاة إذا رأته.
الدليل الثاني:
عن أم عطية قالت: “كنا لا نعد الكدرة والصفرة شيئا”. رواه البخاري في صحيحه (326).
قالوا: فكلمة “شيء” نكرة في سياق النفي فتعم، فلا تعد الصفرة شيئاً لا قبل الطهر ولا بعد الطهر.
أجيب: بأن قد روته حفصة بنت سيرين عن أم عطية بزيادة: “كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئاً”. وهي زيادة وإن لم يخرجها البخاري، إلا أنه اعتمدها في فقه ترجمته، فقال: باب الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض.
الدليل الثالث:
قال تعالى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى}.
فالأذى: هو النجس، ولا نجس إلا الدم. وعلى ذلك فإن الصفرة والكدرة ليست بنجسة.
صلى الله عليه وسلم – جاء في البناية شرح الهداية (1/ 634):
قال أبو يوسف: لا تكون الكدرة حيضاً إلا بعد الدم، يعني إذا رأتها في آخر أيام الحيض، وإذا رأتها في أول أيام الحيض لا تكون حيضاً وبه قال أبو ثور، واختاره ابن المنذر وقال داود: لا تكون الكدرة والصفرة حيضاً بحال. وقال الشافعي: إن كانتا في زمن الإمكان بأن لا يكون أقل من يوم وليلة حيض كما أيام العادة، ونقل ذلك ابن الصباغ صاحب ” الشامل ” عن ربيعة، ومالك، والثوري، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، لأنه لو كان من الرحم لتأخر خروج الكدر عن الصافي، لأن الكدرة من كل شيء يتبع صافيه، فلو جعلت حيضاً ولم يتقدم عليها دم كانت حيضاً مقصودة لا تبعاً. انتهى
صلى الله عليه وسلم – قال الكاساني في بدائع الصنائع (1/ 39): “إن الحيض، هو الدم الخارج من الرحم، لا من العرق، ودم الرحم يجتمع فيه زمان الطهر، ثم يخرج الصافي منه، ثم الكدر، ودم العرق يخرج الكدر منه أولاً ثم الصافي، فينظر: إن خرج الصافي أولاً علم أنه من الرحم فيكون حيضاً، وإن خرج الكدر أولاً علم أنه من العرق فلا يكون حيضاً”. انتهى
صلى الله عليه وسلم – قال ابن قدامة في المغني (1/ 241):
إذا رأت في أيام عادتها صفرة أو كدرة، فهو حيض، وإن رأته بعد أيام حيضها، لم يعتد به. نص عليه أحمد. وبه قال يحيى الأنصاري، وربيعة، ومالك، والثوري، والأوزاعي، وعبد الرحمن بن مهدي، والشافعي، وإسحاق. وقال أبو يوسف، وأبو ثور: لا يكون حيضا، إلا أن يتقدمه دم أسود؛ لأن أم عطية، وكانت بايعت النبي – صلى الله عليه وسلم – قالت: كنا لا نعتد بالصفرة والكدرة بعد الغسل شيئا. رواه أبو داود، وقال: بعد الطهر. انتهى
صلى الله عليه وسلم – قال ابن حزم في المحلى مسألة (266): “إذا رأت المرأة الدم الأسود من فرجها أمسكت عن الصلاة والصوم، وحرم وطؤها على بعلها وسيدها، فإن رأت أثر الدم الأحمر، أو كغسالة اللحم، أو الصفرة، أو الكدرة أو البياض، أو الجفوف التام فقد طهرت”.
وقال أيضا في مسألة (269): “وجدنا النص قد ثبت وصح أنه لا حيض إلا الدم الأسود، وما عداه ليس حيضاً، لقوله عليه السلام: “إن دم الحيض أسود يعرف” فصح أن المتلونة الدم طاهرة تامة الطهارة، لا مدخل لها في حكم الاستحاضة، وأَنه لا فرق بين الدم الأحمر، والقصة البيضاء”. انتهى
صلى الله عليه وسلم – قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (26/ 220):
وهو الصحيح أنها إن كانت في العادة مع الدم الأسود والأحمر فهي حيض وإلا فلا. انتهى
صلى الله عليه وسلم – قال الشيخ الالباني كما في جامع تراثه في الفقه (1/ 499):
الكدرة والصفرة إذا كانت من الحائض أو من النفساء في أثناء حيضها ونفاسها فهو من تمام الحيض، ولا تطهر ولو رأت الصفرة والكدرة إلا بعد أن ترى القصة البيضاء، أو ما يسمى في بعض اللغات العامية: بالطهر، أما إذا كانت المرأة طاهرًا ثم رأت شيئًا من الصفرة أو الكدرة فذلك لا يضرها وتستمر في صلاتها وفي عبادتها. انتهى
صلى الله عليه وسلم – قال الشيخ ابن عثيمين كما في اللقاء الشهري (4/ 433):
هذه مسألة اختلف فيها العلماء، والذي ترجح عندي أخيراً: أنه لا عبرة بالكدرة ولا بالصفرة إلا ما كان أثناء الحيض، يعني: مثلاً امرأة عادتها خمسة أيام رأت في اليوم الثالث كدرة أو صفرة نقول: هي تبع الحيض، أما امرأة أتتها الكدرة والصفرة قبل أن ينزل الدم فهذه الكدرة والصفرة لا عبرة بها، وامرأة أخرى طهرت من الحيض وانقطع الدم وبقيت الصفرة والكدرة أيضاًلا حكم لها. انتهى
والله أعلم …