365 و 366 و 367 و 368 و 369 و 370 عبق الياسمين شرح رياض الصالحين
سلطان الحمادي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إماراتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
45 – باب زيارة أهل الخير ومجالستهم وصحبتهم ومحبتهم وطلب زيارتهم والدعاء منهم وزيارة المواضع الفاضلة.
قالَ الله تَعالى: {وإذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أبْرَحُ حَتّى أبْلُغَ مَجْمَعَ البَحْرَيْنِ أوْ أمْضِيَ حُقُبًا} إلى قوله تَعالى: {قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أتَّبِعُكَ عَلى أنْ تُعَلِّمَنِ مِمّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف: (60) – (66)]
وقالَ تَعالى: {واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالغَداةِ والعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ} [الكهف: (28)].
قوله (باب زياة أهل الخير)
قال ابن عثيمين:” أهل الخير أهل العلم والإيمان والصلاح، ومحبتهم واجبة؛ لأن أوثق عرى الإيمان: الحب في الله، والبغض في الله، فإذا كان الإنسان محبته تابعة لمحبة الله، وبغضه تابعًا لبغض الله؛ فهذا هو الذي ينال ولاية الله عزوجل.
وأهل الخير إذا جالستهم فأنت على خير؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – مثَّل الجليس الصالح بحامل المسك؛ إما أن يحذيك يعني: يعطيك، وإما أن يبيعك، يعني يبيع عليك، وإما أن تجد منه رائحة طيبة، وكذلك ينبغي أن تطلب منهم أن يزوروك ويأتوا إليك لما في مجيئهم إليك من الخير. (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 240)
قوله (وزيارة المواضع الفاضلة) قال ابن باز:” كالمسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى كما جاءت به السنة ” (شرح رياض الصالحين لابن باز 2/ 71)
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60)
سَبَبُ قَوْلِ مُوسَى عليه السلام لفتاه -وهو يُوشع بْنُ نُون-هَذَا الْكَلَامَ: أَنَّهُ ذَكَرَ لَهُ أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِ اللَّهِ بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، عِنْدَهُ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يُحِطْ بِهِ مُوسَى، فَأَحَبَّ الذَّهَابَ إِلَيْهِ، وَقَالَ لِفَتَاهُ ذَلِكَ: {لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ} أَيْ لَا أَزَالُ سَائِرًا حَتَّى أَبْلُغَ هَذَا الْمَكَانَ الذي فيه مجمع البحرين.
وَقَوْلُهُ: {أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} أَيْ: وَلَوْ أَنِّي أَسِيرُ حُقُبًا مِنَ الزَّمَانِ، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ أَنَّ الحُقُب فِي لُغَةِ قَيْسٍ: سَنَةٌ. ثُمَّ قَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ: الحُقُب ثَمَانُونَ سَنَةً. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: سَبْعُونَ خَرِيفًا. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} قَالَ: دَهْرًا (تفسير ابن كثير)
قال القرطبي:” في هذا من الفقه: رحلة العالم في طلب الازدياد من العلم، والاستعانة على ذلك بالخادم والصاحب، واغتنام لقاء الفضلاء والعلماء -وإن بعدت أقطارهم- وذلك كان دأب السلف الصالح، وبسبب ذلك وصل المرتحلون إلى الحظ الراجح، وحصلوا على السعي الناجح؛ فرسخت لهم في العلوم أقدام، وصح لهم من الذكر والأجر والفضل أفضل الأقسام، قال البخاري: ورحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس- رضي الله عنهم- في حديث. [القرطبي: (13) / (318)]
فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61)
وَقَوْلُهُ: {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا}، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ أُمِرَ بِحَمْلِ حُوتٍ مَمْلُوحٍ مَعَهُ، وَقِيلَ لَهُ: مَتَى فقدتَ الْحُوتَ فَهُوَ ثَمّة. فَسَارَا حَتَّى بَلَغَا مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ؛ وَهُنَاكَ عَيْنٌ يُقَالُ لَهَا: “عَيْنُ الْحَيَاةِ”، فَنَامَا هُنَالِكَ، وَأَصَابَ الْحُوتُ مِنْ رَشَاشِ ذَلِكَ الْمَاءِ فَاضْطَرَبَ، وَكَانَ فِي مِكْتَلٍ مَعَ يُوشَعَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وطَفَر مِنَ المَكْتل إِلَى الْبَحْرِ، فَاسْتَيْقَظَ يُوشع، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَسَقَطَ الْحُوتُ فِي الْبَحْرِ وَجَعَلَ يَسِيرُ فِيهِ، وَالْمَاءُ لَهُ مِثْلُ الطَّاقِ لَا يَلْتَئِمُ بَعْدَهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا} أَيْ: مِثْلَ السَرَب في الأرض. (تفسير ابن كثير)
فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62)
وَقَوْلُهُ: {فَلَمَّا جَاوَزَا} أَيِ: الْمَكَانَ الَّذِي نَسِيَا الْحُوتَ فِيهِ، ونُسب النسيان إليهما وإن كان يُوشَع هُوَ الَّذِي نَسِيَهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرَّحْمَنِ: (22)]، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنَ الْمَالِحِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ.
فَلَمَّا ذَهَبَا عَنِ الْمَكَانِ الَّذِي نَسَيَاهُ فِيهِ مَرْحَلَةً {قَالَ} مُوسَى {لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} أَيْ: الَّذِي جَاوَزَا فِيهِ الْمَكَانَ {نَصَبًا} يَعْنِي: تَعَبًا. (تفسير ابن كثير)
قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63) أي: ألم تعلم حين آوانا الليل إلى تلك الصخرة المعروفة بينهما {فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان ْ} لأنه السبب في ذلك {وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا ْ} أي: لما انسرب في البحر ودخل فيه، كان ذلك من العجائب. (تفسير السعدي)
قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (64)
قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ} أَيْ: هَذَا الَّذِي نَطْلُبُ {فَارْتَدَّا} أَيْ: رَجَعَا {عَلَى آثَارِهِمَا} أَيْ: طَرِيقِهِمَا {قَصَصًا} أَيْ: يَقُصَّانِ أَثَرَ مَشْيِهِمَا، وَيَقْفُوَانِ أَثَرَهُمَا. (تفسير ابن كثير)
فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (65)
وَهَذَا هُوَ الْخَضِرُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -. (تفسير ابن كثير)
قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66)
{قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ} سُؤَالٌ بِتَلَطُّفٍ، لَا عَلَى وَجْهِ الْإِلْزَامِ وَالْإِجْبَارِ. وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سُؤَالُ الْمُتَعَلِّمِ مِنَ الْعَالِمِ. وَقَوْلُهُ: {أَتَّبِعُكَ} أي: أصحبك وأرافقك، {عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} أَيْ: مِمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ شَيْئًا، أَسْتَرْشِدُ بِهِ فِي أَمْرِي، مِنْ عِلْمٍ نَافِعٍ وَعَمَلٍ صَالِحٍ. (تفسير ابن كثير)
قال السيوطي:” فيها أنه لا بأس بالاستخدام وإتخاذ الرقيق والخادم في السفر واستحباب الرحلة في طلب العلم واستزادة العالم من العلم … وتواضع المتعلم لمن يتعلم منه ولو كان دونه في المرتبة وإعتذار العالم إلى من يريد الأخذ عنه في عدم تعليمه ما لا يحتمله طبعه ” (الإكليل في استنباط التنزيل)
قال السعدي:” العلم النافع هو العلم المرشد إلى الخير؛ فكل علم يكون فيه رشد وهداية لطرق الخير، وتحذير عن طريق الشر، أو وسيلة لذلك، فإنه من العلم النافع، وما سوى ذلك فإما أن يكون ضاراً، أو ليس فيه فائدة؛ لقوله: {تعلمن مما علمت رشدا” (تفسير السعدي)
قال ابن باز:” والمقصود من ذلك طلب العلم والاستفادة، هذا يدل على شرعية السفر لأهل العلم بقصد الطلب والاستفادة وقد سافر جمع من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم إلى أمصار كثيرة من أجل طلب الحديث.” (شرح رياض الصالحين لابن باز 2/ 72)
وقالَ تَعالى: {واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالغَداةِ والعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ} [الكهف: (28)].
مرت الآية معنا في باب ملاطفة اليتيم والبنات وسائر الضعفة والمساكين والمنكسرين والإحسان إليهم والشفقة عليهم والتواضع معهم وخفض الجناح لهم.
قال ابن باز- رحمه الله-“: صحبة الأغنياء وصحبة المترفين قد تجر العبد إلى إيثار الدنيا والتأسي بهم في ذلك، وإذا صحب الأخيار من الفقراء والمتوسطين كان هذا أقرب إلى لين قلبه وتواضعه ورغبته في الآخرة وزهده في الدنيا وما يشغله عن الآخرة” (شرح رياض الصالحين لابن باز 2/ 73)
قال ابن عثيمين ” وفي الآية إثبات الوجه لله عز وجل، وقد أجمع علماء أهل السنة على ثبوت الوجه لله تعالى؛ لدلالة الكتاب والسنة على ذلك، قال الله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن (27)]، وقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ» ((1))، وأجمع سلف الأمة وأئمتها على ثبوت الوجه لله.” (تفسير سورة الكهف)
365 – وعن أنسٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ أبُو بكر لِعمرَ رضي الله عنه بَعْدَ وفاةِ رسولِ اللَّه – صلى الله عليه وسلم -: انْطَلِقْ بِنا إلى أُمِّ أيْمنَ رضي الله عنها نَزُورُها كَما كانَ رسولُ اللَّه – صلى الله عليه وسلم – يزُورُها، فلَمّا انْتَهَيا إلَيْها، بَكَتْ، فَقالاَ لَها: ما يُبْكِيكِ أما تَعْلَمِينَ أنَّ ما عِنْدَ اللَّهِ خيرٌ لرسولِ اللَّه – صلى الله عليه وسلم -؟ فقالت: إنِّي لا أبْكِي أنِّي لأعْلمُ أنَّ ما عِندَ اللَّهِ تعالى خَيرٌ لرسُولِ اللَّه – صلى الله عليه وسلم -، ولَكنْ أبْكي أنْ الوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ مِنَ السَّماءِ. فَهَيَّجَتْهُما عَلى البُكاءِ، فَجعلا يَبْكِيانِ معها. رواه مسلم.
(انْطَلِقْ بِنا إلى أُمِّ أيْمنَ رضي الله عنها نزورها) قال ابن باز:” أم أيمن هذه حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم عمّرت عجوزا كبيرا، وكان تتولى حضانة النبي عليه الصلاة والسلام وكانت بمثابة أمه، ويسميها أمه لأنها حضنته وهو صغير … وكان يكرمها ويحبها كثيرا ويعظمها ويدعوها أمه” (شرح رياض الصالحين لابن باز 2/ 73) أم أيمن اسمها بركة بنت ثعلبة وهي حبشية.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يزور أصحابه ويحثهم على الزيارة، فعند البزار عن جبير بن مطعم رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -:» انطلقوا بنا إلى بني واقفٍ نزور البصيرَ. رجل كان مكفوفَ البصرِ «. (صحيح الترغيب)
قال القاضي عياض:” وفى زيارة أبى بكر وعمر لها اقتداء بفعل النبى – صلى الله عليه وسلم – ومراعاة لأنسابه – عليه السلام – وحفظًا لأهل وده. وفيه جواز زيارة النساء جماعة، وزيارة المتخالات منهن، ومحادثتهن.” (إكمال المعلم)
لعلها المتجالات أي القواعد من النساء وهي أوفق.
قوله (فهيجتهما على البكاء) أي صارت لها سببا للبكاء. (حاشية السندي على ابن ماجه)
كَما كانَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – يَزُورُها)؛ أي: اقتداء به – صلى الله عليه وسلم -، وإحياء لسُنَّته، وصلة لِما كان يُحبّ أن يصله. (البحر المحيط الثجاج)
(ولَكنْ أبْكي أنْ الوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ مِنَ السَّماءِ.) قال القرطبي:” أن الوحي لمّا انقطع بعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عَمِل الناس بآرائهم، فاختلفت مذاهبهم، فوقع التنازع والفتن، وعَظُمت المصائب والمحن، ولذلك نَجَم بعده النفاق، وفشا الارتداد، والشقاق، ولولا أن الله تعالى تدارك الدِّين بثاني اثنين – يعني: أبا بكر -رضي الله عنه – لَما بقي منه أثر ولا عين. (المفهم)
قال النووي:” فيه زيارة الصالحين وفضلها، وزيارة الصالح لمن هو دونه، وزيارة الإنسان لمن كان صديقه يزوره ولأهل ود صديقه، وزيارة جماعة من الرجال للمرأة الصالحة وسماع كلامها، واستصحاب العالم والكبير صاحبا له في الزيارة والعيادة ونحوهما، والبكاء حزنا على فراق الصالحين والأصحاب وإن كانوا قد انتقلوا إلى أفضل مما كانوا عليه” (شرح مسلم للنووي)
366 – وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم -: «أنَّ رَجُلًا زارَ أخًا لَهُ في قَريَةٍ أُخْرى، فَأرْصد اللَّهُ تَعالى عَلى مَدْرجَتِهِ ملَكًا، فَلَمّا أتى عَلَيْهِ قالَ: أيْن تُريدُ؟ قالَ: أُرِيدُ أخًا لي في هذِهِ القَرْيةِ. قالَ: هَلْ لَكَ علَيْهِ مِن نِعْمَةٍ تَرُبُّها عَلَيْهِ؟ قالَ: لا، غَيْر أنِّي أحْببْتُهُ في اللَّهِ تَعالى، قالَ: فَإنِّي رَسُول اللَّهِ إلَيْكَ بأنَّ اللَّه قَدْ أحبَّكَ كَما أحْببْتَهُ فِيهِ» رواه مسلم.
يقال: «أرْصدَه» لِكَذا: إذا وكَّلَهُ بِحِفْظِهِ، و «المدْرَجَةُ» بفتحِ الميمِ والرّاءِ: الطَّريقُ ومعنى «تَرُبُّها»: تَقُومُ بها، وتَسْعى في صَلاحِها.
قوله صلى الله عليه وسلم: (فأرصد الله على مدرجته ملكا) معنى ” أرصده “: أقعده يرقبه، و ” المدرجة ” – بفتح الميم والراء – هي الطريق، سميت بذلك؛ لأن الناس يدرجون عليها، أي: يمضون ويمشون. (شرح مسلم للنووي) أي ملك ينتظره ليبشره.
قوله: (لك عليه من نعمة تربها) أي: تقوم بإصلاحها، وتنهض إليه بسبب ذلك. (شرح مسلم للنووي)
في متن رياض الصالحين (هَلْ لَكَ علَيْهِ مِن نِعْمَةٍ تَرُبُّها عَلَيْهِ؟) تربها عليه كلمة عليه غير موجودة في صحيح مسلم
(قالَ: فَإنِّي رَسُول اللَّهِ إلَيْكَ بأنَّ اللَّه قَدْ أحبَّكَ كَما أحْببْتَهُ فِيهِ) وقال القرطبيّ: قوله: «فقال: لا، غير أني أحببته في الله»؛ أي: لم أزره لغرض من أغراض الدنيا، ثمَّ أخبر بأنه إنما زاره من أجل أنه أحبه في الله تعالى، فبشّره الملَك بأن الله تعالى قد أحبّه بسبب ذلك. (المفهم) فيه أن الحب في الله من أعظم القرب، فعند أبي داود عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ” مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ، وَأَعْطَى لِلَّهِ، وَمَنَعَ لِلَّهِ؛ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ.
قال ابن باز:” هذا من فضل الله جل وعلا وإحسانه وتشجيع الأخيار على صحبة الأخيار والتشجيع على المحبة في الله والتزاور في الله، وأن الله أرسل إليه ملكا يخبره بهذا الخبر العظيم، هذا يدل على محبته سبحانه للتزاور في الله والتعاون في الخير وصحبة الأخيار” (شرح رياض الصالحين لابن باز 2/ 73)
قال النووي:” فيه فضيلة زيارة الصالحين والأصحاب، وفيه أن الآدميين قد يرون الملائكة (شرح مسلم للنووي)
قال ابن علان:” في الحديث ما يدل على عظم فضل الحب في الله والتزاور فيه وأنه من أعظم الأعمال وأفضل القرب إذا تجرد عن هوى النفس،” (دليل الفالحين)
قال ابن عثيمين:” والزيارة لها فوائد فمع هذا الأجر العظيم، فهي تؤلف القلوب، وتجمع الناس، وتذكر الناسي، وتنبه الغافل، وتعلم الجاهل، وفيها مصالح كثيرة يعرفها من جربها.” (شرح رياض الصالحين)
ومن الأحاديث في فضل التزاور ما أخرجه أبو يعلى والبزار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:” ما من عبد أتى أخا له يزوره في الله إلا نادى مناد من السماء: أن طبت وطابت لك الجنة، وإلا قال الله في ملكوت عرشه: عبدي زار في وعلي قراه، فلم أرض له بقرى دون الجنة». (الصحيحة)
وروى الطبراني عن أنس عنِ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – قال:» ألا أُخْبِرُكم بِرِجالِكُم في الجنَّة؟ «. قلنا: بَلى يا رسولَ الله! قال:» النبيُّ في الجنَّةِ، والصدِّيقُ في الجنَّةِ، والرجلُ يزورُ أخاه في ناحيةِ المِصْرِ لا يزورُه إلا لله في الجنةِ «الحديث. (صحيح الترغيب 2580)
367 – وعنه قالَ: قالَ رسولُ اللَّه – صلى الله عليه وسلم -: «مَن عادَ مَريضًا أوْ زار أخًا لَهُ في اللَّه، ناداهُ مُنادٍ: بِأنْ طِبْتَ، وطابَ ممْشاكَ، وتَبَوَّاتَ مِنَ الجنَّةِ منْزِلًا» رواه الترمذي وقالَ: حديثٌ حسنٌ. وفي بعض النسخ غريبٌ.
وأيضا روى هذا الحديث أحمد وابن ماجه.
قوله (مَن عادَ مَريضًا) روى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” مَن عادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ في خُرْفَةِ الجَنَّةِ، قيلَ يا رَسولَ اللهِ، وما خُرْفَةُ الجَنَّةِ؟ قالَ: جَناها.”، روى أبوداود والترمذي عن علي -رضي الله عنه- قال: سمعتُ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يقول: «مَا مِنْ مُسْلِم يَعُودُ مُسْلِماً غُدْوة إِلاَّ صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِي، وَإنْ عَادَهُ عَشِيَّةً إِلاَّ صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبحَ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ في الْجَنَّةِ».
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ يَخُوضُ الرَّحْمَةَ حَتَّى يَجْلِسَ، فَإِذَا جَلَسَ، غُمِرَ فِيهَا ”
(أو زار أخا له في الله) أي لوجه الله لا للدنيا (تحفة الأحوذي) تنبيه على الإخلاص عند زيارة الإخوة وأن لا تكون لغرض الدنيا أو أهواء النفوس.
(مناد) أي ملك (تحفة الأحوذي) يناديه من السماء كما في رواية ابن ماجه.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” إِذَا عَادَ الْمُسْلِمُ أَخَاهُ، أَوْ زَارَهُ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: طِبْتَ، وَطَابَ مَمْشَاكَ، وَتَبَوَّاتَ فِي الْجَنَّةِ مَنْزِلًا “.
ذكر بعض الشراح أن القائل هو الله والمنادي هو الملك واستدل بحديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: إن الله تعالى إذا أحب عبدا دعا جبريل، فقال: إني أحب فلانا فأحببه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء، فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض،
(أن طبت) دعاء له بطيب عيشه في الدنيا والأخرى (تحفة الأحوذي) قال ابن علان:” (طبت) أي: انشرحت بما لك عند الله تعالى من جزيل الأجر في ذلك أو طهرت من الذنوب بغفرانه لك بذلك (دليل الفالحين 1/ 575)
(وطاب ممشاك) مصدر أو مكان أو زمان مبالغة. قال الطيبي: كناية عن سيره وسلوكه طريق الآخرة بالتعري عن رذائل الأخلاق والتحلي بمكارمها (تحفة الأحوذي) قال ابن علان: (وطاب ممشاك) أي: عظم ثوابه. (دليل الفالحين لابن علان 1/ 575)
(وتبوأت) أي تهيأت (من الجنة) أي من منازلها العالية (منزلا) أي منزلة عظيمة ومرتبة جسيمة بما فعلت. وقال الطيبي دعاء له بطيب العيش في الأخرى كما أن طبت دعاء له بطيب العيش في الدنيا، وإنما أخرجت الأدعية في صورة الأخبار إظهارا للحرص على عيادة الأخيار. (تحفة الأحوذي)
قال ابن علان:” وتبوأت من الجنة منزلا، أي اتخذت منها دارا تنزله (دليل الفالحين لابن علان 1/ 575)
قال ابن باز:” يدل على الفضل في عيادة المريض وزيارة الإخوان في الله، وأن زيارته فيها خير عظيم، وهي من أسباب دخول الجنة والنجاة من النار” (شرح رياض الصالحين لابن باز 2/ 73)
368 – وعن أبي موسى الأشعَرِيِّ -رضي الله عنه- أن النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قالَ: «إنَّما مثَلُ الجلِيس الصّالِحِ وجَلِيسِ السُّوءِ. كَحامِلِ المِسْكِ، ونافِخِ الكِيرِ، فَحامِلُ المِسْكِ، إمّا أنْ يُحْذِيَكَ، وإمّا أنْ تَبْتاعَ مِنهُ وإمّا أنْ تَجِدَ مِنهُ ريحًا طيِّبةً. ونافخُ الكيرِ إمّا أن يحْرِقَ ثيابَكَ وإمّا أنْ تجِدَ مِنهُ رِيحًا مُنْتِنَةً» متفقٌ عَلَيهِ.
«يُحْذِيكَ»: يُعْطِيكَ
وعند أبي داود عن أنس – رضي الله عنه- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” وَمَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ؛ إِنْ لَمْ يُصِبْكَ مِنْهُ شَيْءٌ أَصَابَكَ مِنْ رِيحِهِ، وَمَثَلُ جَلِيسِ السُّوءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْكِيرِ؛ إِنْ لَمْ يُصِبْكَ مِنْ سَوَادِهِ أَصَابَكَ مِنْ دُخَانِهِ “.
بوب البغوي عليه في شرح السنة باب الجليس الصّالح والأمر بِصُحْبَة الصّالِحين,
مثَلُ الجلِيس الصّالِحِ وجَلِيسِ السُّوءِ.) قال القرطبيّ -رحمه الله-: قوله: «إنما مثل جليس الصالح، وجليس السوء» كذا وقع في بعض النُّسخ، وهو من باب إضافة الشيء إلى صفته، ووقع في بعضها: «الجليس الصالح، والجليس السوء»، وهو الأفصح، والأحسن” (المفهم)
(كحامل المسك) وفي رواية للبخاري (كمثل صاحب المسك) قال ابن حجر:”قفي رواية أبي أسامة عن بريد كما سيأتي في الذبائح: ” كحامل المسك “. وهو أعم من أن يكون صاحبه أو لا. (فتح الباري)
قوله: (كحامل المسك ونافخ الكير). وحقيقته البناء الذي يركب عليه الزق، والزق هو الذي ينفخ فيه، فأطلق على الزق اسم الكير مجازا لمجاورته له، وقيل: الكير هو الزق نفسه، وأما البناء فاسمه الكور. (فتح الباري) الزق: بكسر الزاي، جمع زقاق وأزق وأزقاق، وعاء من جلد توضع فيه السوائل.
ومعنى: (يحذيك): يعطيك، وهو بالحاء المهملة والذال، وفيه طهارة المسك واستحبابه، وجواز بيعه، وقد أجمع العلماء على جميع هذا، ولم يخالف فيه من يعتد به، ونقل عن الشيعة نجاسته، والشيعة لا يعتد بهم في الإجماع، ومن الدلائل على طهارته الإجماع وهذا الحديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (وإما أن تبتاع منه)، والنجس لا يصح بيعه، ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يستعمله في بدنه ورأسه، ويصلي به، ويخبر أنه أطيب الطيب، ولم يزل المسلمون على استعماله وجواز بيعه، قال القاضي: وما روي من كراهة العمرين له فليس فيه نص منهما على نجاسته، ولا صحت الرواية عنهما بالكراهة، بل صحت قسمة عمر بن الخطاب المسك على نساء المسلمين، والمعروف عن ابن عمر استعماله، والله أعلم. (شرح مسلم للنووي)
قال النووي:” فيه تمثيله صلى الله عليه وسلم الجليس الصالح بحامل المسك، والجليس السوء بنافخ الكير، وفيه فضيلة مجالسة الصالحين وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق والورع والعلم والأدب، والنهي عن مجالسة أهل الشر وأهل البدع، ومن يغتاب الناس، أو يكثر فجره وبطالته، ونحو ذلك من الأنواع المذمومة” (شرح مسلم للنووي)
قال القرطبي:” ومقصود هذا التمثيل الحض على صحبة العلماء والفضلاء وأهل الدين، وهو الذي يزيدك نطقه علما وفعله أدبا ونظره خشية، والزجر عن مخالطة من هو على نقيض ذلك.” (المفهم)
قال ابن حجر:” وفي الحديث النهي عن مجالسة من يتأذى بمجالسته في الدين والدنيا، والترغيب في مجالسة من ينتفع بمجالسته فيهما، وفيه جواز بيع المسك والحكم بطهارته؛ لأنه صلى الله عليه وسلم مدحه ورغب فيه ففيه الرد على من كرهه وهو منقول عن الحسن البصري وعطاء وغيرهما، ثم انقرض هذا الخلاف واستقر الإجماع على طهارة المسك وجواز بيعه.” (فتح الباري)
(36) 9 – وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبيّ – صلى الله عليه وسلم – قالَ: «تُنْكَحُ المَرْأةُ لأرْبعٍ: لِمالِها، ولِحَسَبِها، ولِجَمالِها، ولِدِينِها، فاظْفَرْ بِذاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَداك» متفقٌ عَلَيهِ.
ومعناه: أنَّ النّاس يَقْصِدُونَ في العادَةِ مِنَ المَرْأةِ هَذِهِ الخِصالَ الأرْبعَ، فاحِرصْ أنْتَ عَلى ذاتِ الدِّينِ. واظْفَرْ بِها، واحْرِص عَلى صُحْبَتِها.
وقال أبو العباس القرطبيّ:” معنى الحديث أن هذه الخصال الأربع، هي المرغّبة في نكاح المرأة، وهي التي يَقْصِدها الرجال من النساء، فهو خبرٌ عما في الوجود من ذلك، لا أنه أمرٌ بذلك، وظاهره إباحة النكاح لقصد مجموع هذه الخصال، أو لواحدة منها، لكن قصد الدِّين أولى وأهمّ، ولذلك قال: «فاظفر بذات الدين، تربت يمينك».
قال: ولا يُظنّ من هذا الحديث أن مجموع هذه الأربع، والمساواة فيها هي الكفاءة، فإن ذلك لم يقل به أحدٌ من العلماء فيما علمتُ، وإن كانوا قد اختلفوا في الكفاءة ما هي؟ (المفهم)
قوله: (تنكح المرأة لأربع) أي: لأجل أربع. (فتح الباري)
قوله: (لمالها ولحسبها) بفتح المهملتين ثم موحدة أي: شرفها، والحسب في الأصل: الشرف بالآباء وبالأقارب، مأخوذ من الحساب؛ لأنهم كانوا إذا تفاخروا عدوا مناقبهم ومآثر آبائهم وقومهم وحسبوها فيحكم لمن زاد عدده على غيره. وقيل: المراد بالحسب هنا: الفعال الحسنة. وقيل: المال، وهو مردود؛ لذكر المال قبله، وذكره معطوفا عليه. (فتح الباري
قال القاضي:” وفى قوله: «تنكح لمالها» قال بعضهم: فيه دليل أن للرجل الاستمتاع بمال الزوجة وأنه يقصد لذلك، وإلا فكانت كالفقيرة، ولم يكن بهذا الكلام فائدة، فإن طابت به نفسها فهو حلال وإن منعت فله بقدر ما بذلك من الصداق.” (إكمال المعلم)
قوله: (وجمالها) يؤخذ منه استحباب تزوج الجميلة إلا إن تعارض الجميلة الغير دينة والغير جميلة الدينة، نعم، لو تساوتا في الدين فالجميلة أولى، ويلتحق بالحسنة الذات الحسنة الصفات، ومن ذلك أن تكون خفيفة الصداق. (فتح الباري) قال الأتيوبي:” قال الجامع عفا الله تعالى عنه: أخذ استحباب تزويج الجميلة من هذا الحديث محلّ نظر؛ إذ الصحيح أن الحدث خبر عن واقع الناس الجاري بينهم فيما يتعلّق بشأن النكاح، لا أنه أمر بذلك، حتى يُستفاد منه ما ذُكر، فتبصّر، والله تعالى أعلم. (البحر المحيط الثجاج)
قوله: (فاظفر بذات الدين)، في حديث جابر: ” فعليك بذات الدين “، والمعنى: أن اللائق بذي الدين والمروءة أن يكون الدين مطمح نظره في كل شيء لا سيما فيما تطول صحبته، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بتحصيل صاحبة الدين الذي هو غاية البغية، ” (؟؟؟)
قال النبي صلى الله عليه وسلم:” لبٌ شاكرٌ و لسانٌ ذاكرٌ و زوجةٌ صالحةٌ تُعينُك على أمرِ دنياك و دينِك خيرٌ ما اكْتَنَزَ الناسُ” (صحيح الجامع)
قوله: (تربت يداك) أي: لصقتا بالتراب، وهي كناية عن الفقر، وهو خبر بمعنى الدعاء، لكن لا يراد به حقيقته، وبهذا جزم صاحب ” العمدة ” (فتح الباري)
قال النووي:” في هذا الحديث الحث على مصاحبة أهل الدين في كل شيء؛ لأن صاحبهم يستفيد من أخلاقهم وبركتهم وحسن طرائقهم ويأمن المفسدة من جهتهم.” (شرح مسلم للنووي) أعظم مصاحبة وأطولها مصاحبة الزوج لزوجته، والله عزوجل سمى الزوجة صاحبة (يوم يفر المرء من أخيه وصاحبته وبنيه .. )
قال ابن باز:” لا يكون همك مال أو جمال أو حسب، قد يطغيها جمالها قد يطغيها مالها، قد يطغيها حسبها؛ لكن عليك بذات الدين الحافظ بتوفيق الله، فإذا اجتمع مع الدين حسب أو مال أو جمال فهذا خير إلى خير” (شرح رياض الصالحين 2/ 76)
قال ابن عثيمين:” الأغراض التي تنكح من أجلها المرأة في الغالب تنحصر في هذه الأربع: المال: من أجل أن ينتفع به الزوج، والحسب: يعني أن تكون من قبيلة شريفة، من أجل أن يرتفع بها الزوج، والجمال: من أجل أن يتمتع بها الزوج، والدين: من أجل أن تعينه على دينه، وتحفظ أمانته وترعى أولاده.” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 245)
370 – ابن عباسٍ رضي الله عنهم قال: قالَ النَّبيّ – صلى الله عليه وسلم – لِجِبْرِيلَ: «ما يمْنَعُكَ أنْ تَزُورَنا أكْثَرَ مِمّا تَزُورنا؟» فَنَزَلَتْ: {وما نَتَنَزَّلُ إلاَّ بِأمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أيْدِينا وما خَلْفَنا وما بَيْنَ ذلِكَ} رواه البخاري.
«ما يمْنَعُكَ أنْ تَزُورَنا أكْثَرَ مِمّا تَزُورنا؟» قال ابن باز:” فيه الحث على زيارة الأخيار واستزارتهم نزورهم وتطلب منهم أن يزوروك؛ لما في التزاور بين الأخيار من المصالح” (شرح رياض الصالحين لابن باز2/ 76)
قوله: (قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل: ما يمنعك أن تزورنا) روى الطبري من طريق العوفي وابن مردويه من طريق سماك بن حرب عن سعيد بن جبير كلاهما عن ابن عباس قال: ” احتبس جبريل عن النبي صلى الله عليه وسلم “. وروى عبد بن حميد وابن أبي حاتم من طريق عكرمة قال: ” أبطأ جبريل في النزول أربعين يوما، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا جبريل، ما نزلت حتى اشتقت إليك. قال: أنا كنت أشوق إليك، ولكني مأمور، وأوحى الله إلى جبريل قل له: {وما نتنزل إلا بأمر ربك}. وروى ابن مردويه في سبب ذلك من طريق زياد النميري عن أنس قال: ” سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي البقاع أحب إلى الله وأيها أبغض إلى الله؟ قال: ما أدري حتى أسأل. فنزل جبريل وكان قد أبطأ عليه ” الحديث. وعند ابن إسحاق من وجه آخر عن ابن عباس: ” أن قريشا لما سألوا عن أصحاب الكهف فمكث النبي صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة لا يحدث الله له في ذلك وحيا، فلما نزل جبريل قال له: أبطأت ” فذكره. (فتح الباري)
الأمر في هذه الآية معناه: الإذن، بدليل سبب النزول المذكور، ويحتمل الحكم أي: نتنزل مصاحبين لأمر الله عباده بما أوجب عليهم أو حرم، ويحتمل أن يكون المراد ما هو أعم من ذلك عند من يجيز حمل اللفظ على جميع معانيه. (فتح الباري)
{وما نَتَنَزَّلُ إلاَّ بِأمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أيْدِينا وما خَلْفَنا وما بَيْنَ ذلِكَ} قال الطبري:” هذه الآية نزلت من أجل استبطاء رسول الله – صلى الله عليه وسلم – جبرائيل بالوحي،” (تفسير الطبري)
وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَالِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّا} [مريم (64)]
قال السعدي:” استبطأ النبي – صلى الله عليه وسلم – جبريل عليه السلام مرة في نزوله إليه فقال له: ” لو تأتينا أكثر مما تأتينا ” -تشوقا إليه، وتوحشا لفراقه، وليطمئن قلبه بنزوله- فأنزل الله تعالى على لسان جبريل: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ} أي: ليس لنا من الأمر شيء، إن أمرنا، ابتدرنا أمره، ولم نعص له أمرا، كما قال عنهم: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} فنحن عبيد مأمورون، {لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ} أي: له الأمور الماضية والمستقبلة والحاضرة، في الزمان والمكان، فإذا تبين أن الأمر كله لله، وأننا عبيد مدبرون، فيبقى الأمر دائرا بين: ” هل تقتضيه الحكمة الإلهية فينفذه؟ أم لا تقتضيه فيؤخره “؟ ولهذا قال: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} أي: لم يكن لينساك ويهملك، كما قال تعالى: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} بل لم يزل معتنيا بأمورك، مجريا لك على أحسن عوائده الجميلة، وتدابيره الجميلة.
أي: فإذا تأخر نزولنا عن الوقت المعتاد، فلا يحزنك ذلك ولا يهمك، واعلم أن الله هو الذي أراد ذلك، لما له من الحكمة فيه.” (تفسير السعدي)
قال ابن عثيمين:” في هذا الحديث طلبُ زيارة أهل الخير إلى بيتك. فتطلب منهم أن يزوروك من أجل أن تنتفع بصبحتهم” (شرح رياض الصالحين 3/ 246)
فيه هذا الحديث محبة النبي صلى لله عليه وسلم لجبريل عليه السلام، وفيه أن الملائكة لا تتصرف إلا بإذن الله وأمره لهم، وفيه طلب زيارة أهل الخير واستحباب زيارة الصالحين، وفيه سؤال الإخوان إذا تأرخوا عن الزياة عن سبب تأخرهم.