(36) (908) تعليق على الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين؛ المقام في مسجد / الشيخ طحنون آل نهيان ومسجد محمد بن رحمة الشامسي
(للأخ؛ سيف بن دورة الكعبي)
بالتعاون مع الإخوة بمجموعات السلام1،2،3،والمدارسة، والاستفادة.
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
908 – قال أبوداود رحمه الله: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى ابْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ قَالَ كُنَّا مَعَ عُثْمَانَ وَهُوَ مَحْصُورٌ فِي الدَّارِ وَكَانَ فِي الدَّارِ مَدْخَلٌ مَنْ دَخَلَهُ سَمِعَ كَلَامَ مَنْ عَلَى الْبَلَاطِ فَدَخَلَهُ عُثْمَانُ فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَهُوَ مُتَغَيِّرٌ لَوْنُهُ فَقَالَ إِنَّهُمْ لَيَتَوَاعَدُونَنِي بِالْقَتْلِ آنِفًا قَالَ قُلْنَا يَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ وَلِمَ يَقْتُلُونَنِي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ كُفْرٌ بَعْدَ إِسْلَامٍ أَوْ زِنًا بَعْدَ إِحْصَانٍ أَوْ قَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ فَوَاللَّهِ مَا زَنَيْتُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا فِي إِسْلَامٍ قَطُّ وَلَا أَحْبَبْتُ أَنَّ لِي بِدِينِي بَدَلًا مُنْذُ هَدَانِي اللَّهُ وَلَا قَتَلْتُ نَفْسًا فَبِمَ يَقْتُلُونَنِي قَالَ أَبُو دَاوُد عُثْمَانُ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا تَرَكَا الْخَمْرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ (د).
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
——————-
معاني الكلمات:
البلاط: ضرب من الحجارة تفرش به الأرض ثم سمي المكان بلاطاً اتساعاً وهو موضع معروف بالمدينة.
– هذا الحديث بمعنى حديث ابن مسعود رضي الله عنه المتفق عليه وحديث عائشة في مسلم.
تنبيه: حديث عائشة ذكره الشيخ مقبل في الصحيح المسند 1548، لكن صاحب كتاب الأوهام قال هو موجود في مسلم 1676
قلت: ذكره من حديث عبدالله ثم ذكر أن عائشة ذكرت مثله من غير أن يسوق متنه.
-الحديث فيه فضيلة لعثمان رضي الله عنه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حقه في حديث آخر في زمن الفتنة: (هذا يومئذ ومن اتبعه على الهدى) وهو في الصحيح المسند 570
وحديث (يا عثمان أن الله عزوجل عسى أن يلبسك قميصا، فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني) أخرجه الإمام أحمد وهو في الصحيح المسند 1589.
ويراجع لفضائله رضي الله عنه الصحيحين، وكتب السنة، ويراجع لواقعة الخروج عليه البداية والنهاية.
-وفيه خطورة الخروج على الحاكم المسلم، وخطر الفرقة المارقة، وسبق ذكر أحاديث في ذلك وقد يأتي إن شاء الله بعضها.
شبهة:
عقوبة المرتد هو القتل، فلماذا هذا التشدد؟.
عقوبة المرتد عن دين الإسلام هي القتل، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة/217، وثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (من بدّل دينه فاقتلوه) رواه البخاري في صحيحه، ومعنى الحديث: من انتقل عن دين الإسلام إلى غيره واستمر على ذلك ولم يتب فإنه يقتل.
وهذا التشديد في عقوبة المرتد لأمور عديدة منها:
1. أن هذه العقوبة زجر لمن يريد الدخول في الإسلام مصانعة أو نفاقاً، وباعث له على التثبت في الأمر فلا يقدم إلا على بصيرة وعلم بعواقب ذلك في الدنيا والآخرة.
2.الردة عن الإسلام خروج عن جماعة المسلمين
ونظامها الإلهي وجلب للآثار الضارة إليها.
3. أن المرتد قد يرى فيه ضعفاء الإيمان من المسلمين وغيرهم من المخالفين للإسلام أنه ما ترك الإسلام إلا عن معرفة بحقيقته وتفصيلاته، فلو كان
حقاً لما تحوّل عنه، فيتلقون عنه حينئذ كل ما ينسبه إليه من شكوك وكذب وخرافات.
4. ونقول أيضاً: إذا كانت عقوبة القتل موجودة في قوانين البشر المعاصرة حماية للنظام … كالمخدرات وغيرها، فدين الله … أحرى بأن يُعاقب من يعتدي عليه. فتاوى اللجنة الدائمة (21/ 231 – 234) باختصار.
تنبيه: الآية السابقة ممن استدل بها على قتل المرتد الشافعي.
شبهه والجواب عنها: لا يصح الاحتجاج بالآية الكريمة: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّين) [البقرة: 256]. على عدم قتل المرتد، لأن الآية تتحدث عن موقف المسلمين من الكافر الأصلي، والمرتد مسلم فارق الجماعة، ومما يبين ذلك: سبب نزول هذه الآية: وهو أنه لما أجلي بنو النضير -وكان فيهم من تهود من أبناء الأنصار- قالوا: لا ندع أبناءنا، فأنزل الله “لا إكراه في الدين” رواه أبو داود والنسائي.
ومعنى الآية: أي لا تكرهوا أحدا على الدخول في الإسلام، فإنه بيّن واضح، جلية دلائله وبراهينه، لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه، قاله ابن كثير في تفسيره.
وقال بعض الباحثين:
الردة والخروج من الإسلام قد تكون بالقلب أو اللسان أو العمل.
فقد تكون الردة بالقلب كتكذيب الله تعالى، أو اعتقاد وجود خالق مع الله عز وجل، أو بغض الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقد تكون الردة قولاً باللسان كسبِّ الله تعالى أو رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقد تقع الردة بعمل ظاهر من أعمال الجوارح كالسجود للصنم، أو إهانة المصحف، أو ترك الصلاة.
-والمرتد شرٌّ من الكافر الأصلي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – في الرد على الاتحادية الباطنية -:
“ومعلوم أن التتار الكفار خير من هؤلاء فإن هؤلاء مرتدون عن الإسلام من أقبح أهل الردة، والمرتد شرٌّ من الكافر الأصلي من وجوه كثيرة” اهـ. مجموع الفتاوى ” (2/ 193).
-ليس كل مسلم وقع في الكفر يكون كافرا مرتداً، فهناك أعذار قد يعذر بها المسلم ولا يحكم بكفره، منها:
الجهل، والتأويل، والإكراه، الخطأ.
أما الأول: كالذي ينشأ في البادية أو في ديار الكفر أو أن يكون حديث عهد بجاهلية، وقد يدخل في هؤلاء كثير من المسلمين الذين يعيشون في مجتمعات يغلب فيها الجهل.
والثاني: كمن قلد أهل البدع فيما تأولوه كالمرجئة والمعتزلة والخوارج ونحوهم.
-قال ابن قدامة رحمه الله في “المغني” (9/ 18):
المرتد لا يُقْتَلُ حَتَّى يُسْتَتَابَ ثَلاثًا. هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ; مِنْهُمْ عُمَرُ , وَعَلِيٌّ , وَعَطَاءٌ , وَالنَّخَعِيُّ , وَمَالِكٌ , وَالثَّوْرِيُّ , وَالأَوْزَاعِيُّ , وَإِسْحَاقُ , وَأَصْحَابُ الرَّايِ. . . . لأَنَّ الرِّدَّةَ إنَّمَا تَكُونُ لِشُبْهَةٍ وَلا تَزُولُ فِي الْحَالِ , فَوَجَبَ أَنْ يُنْتَظَرَ مُدَّةً يَرْتَئِي فِيهَا ,وَأَوْلَى ذَلِكَ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ اهـ.
قلت: ورد عن أبي موسى الأشعري أنه استتاب يهودي تهود عشرين ليلة … أخرجه أبوداود 4353 لكن أعله أبوداود، ونقل البيهقي في السنن الكبرى (8/ 358) هذا الإعلال، لكن استدل على الاستتابة بأن أبابكر أرسل خالد بن الوليد إلى من ارتد من العرب وأمره أن يدعوهم بدعاية الإسلام فمن أجابه قبل ذلك منه. ونقل عن ابن مسعود بإسناد جيد أنه قال لابن النواحه وادعى أن مسيلمة رسول الله: تب، فأبى فقتله ثم أشار عليه جرير والأشعث أن يستتيب أتباعه.
وذكر أن البيهقي أن الشافعي ضعف أثر عمر رضي الله عنه في الاستتابة ثلاثا وتعقبه بأنه روي بإسناد متصل.
ونقل ابن القصار المالكي إجماع الصحابة على الإستتابة وخالف طاووس والحسن والماجشون وأبويوسف وأهل الظاهر.
ولعل ابن القصار يقصد الإجماع السكوتي.
وهل الإستتابة واجبة أم مستحبة؟
نقل ابن تيمية: أن عمر أتي برجل سب النبي صلى الله عليه وسلم فقتله – يعني بغير استتابه، وفي المقابل إن المسلمين لما فتحوا تستر قتلوا مرتدا، قال عمر: هلا حبستموه، كل يوم رغيف لعله يتوب. (راجع الصارم المسلول 3/ 98)
وسيأتي من كلام ابن تيمية متى يستتاب ومتى لا يستتاب.
-وعموم الأحاديث يدل على وجوب قتل المرتد سواء كان محاربا أو غير محارب.
-قال ابن تيمية: الردة على قسمين:
ردة مجردة، وردة مغلظة شرع القتل على خصوصها، وكلتاهما قد قام الدليل على وجوب قتل صاحبها؛ والأدلة الدالة على سقوط القتل بالتوبة لا تعمّ القسمين، بل إنما تدل على القسم الأول – أي: الردة المجردة -،كما يظهر ذلك لمن تأمل الأدلة على قبول توبة المرتد، فيبقى القسم الثاني – أي: الردة المغلظة – وقد قام الدليل على وجوب قتل صاحبه، ولم يأت نص ولا إجماع بسقوط القتل عنه، والقياس متعذر مع وجود الفرق الجلي، فانقطع الإلحاق، والذي يحقق هذه الطريقة أنه لم يأت في كتاب ولا سنة ولا إجماع أن كل من ارتد بأي قول أو أي فعل كان فإنه يسقط عنه القتل إذا تاب بعد القدرة عليه، بل الكتاب والسنة والإجماع قد فرّق بين أنواع المرتدين ….
” الصارم المسلول ” (3/ 696).
والحلاّج من أشهر الزنادقة الذين تمّ قتلهم دون استتابة، قال القاضي عياض:
وأجمع فقهاء بغداد أيام المقتدر من المالكية على قتل الحلاج وصلبه لدعواه الإلهية والقول بالحلول، وقوله: ” أنا الحق ” مع تمسكه في الظاهر بالشريعة، ولم يقبلوا توبته.
” الشفا بتعريف حقوق المصطفى ” (2/ 1091)
-قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
المحاربة نوعان: محاربة باليد، ومحاربة باللسان، والمحاربة باللسان في باب الدين قد تكون أنكى من المحاربة باليد – كما تقدم تقريره في المسألة
الاولى -، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يَقتل من كان يحاربه باللسان مع استبقائه بعض من حاربه باليد، خصوصاً محاربة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته؛ فإنها إنما تمكن باللسان ” الصارم المسلول ” (3/ 735).
-إذا مات على ذلك حبط عمله باتفاق العلماء كما نطق بذلك القرآن في غير موضع كقوله: {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) [البقرة:217]} ” مجموع الفتاوى ” (4/ 257، 258).
-إذا قُتل فإنه يموت كافراً فلا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، ويوم القيامة يكون من أصحاب النار الذي هم فيها خالدون. وقد لفظت الأرض مرتدّاً في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، عبرةً وعظة للناظرين. رواه البخاري (3421) ومسلم (2781)
– قال ابن قدامة: (وأجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتد) والمرأة المرتدة كالرجل عند عامة الفقهاء، وقال أبو حنيفة: تجبر على الإسلام بالحبس والضرب ولا تقتل، والراجح أنها كالرجل في حكم الردة.
– إذا تاب المرتد فلزوجه الإتصال به؛ لأن الصحابة أقروا المرتدين على نكاحهم بعد أن عادوا للإسلام … (اللجنة الدائمة)
تنبيه: علينا أن نعلم أن حكم الردة من الأحكام التي لا يجوز للأفراد أن يقوموا بتطبيقها، فلا تطبق إلا بعد أن تقوم البينة على صاحبها، ثم يستتاب ثلاثة أيام، ولا يتم ذلك إلا عند قاض شرعي ذي سلطان وقدرة على التنفيذ.
وكذلك بقية الحدود والتعزيرات كل منها يتأكد الحاكم من استحقاق العقوبة على مرتكبها ويأمر بتنفيذها
…………
-الزاني المحصن:
وعقوبته الرجم بالحجارة حتى الموت.
والمحصن: هو من تزوج ووطيء زوجته في قبلها في نكاح صحيح، وهما حران عاقلان بالغان، فإذا زنى المُحصن أو زنت المُحصنة فإنهما يُرجمان حتى الموت؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ” رواه مسلم (1690).ولما روى البخاري (2725) ومسلم (1698) عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما في قصة العسيف. وقصة ماعز وقصة الغامدية.
وقال بعض لجان الفتوى: إذا لم يرفع الأمر إلى القضاء، واعترفت المرأة لزوجها بذلك، فإن تابت وأنابت وندمت على فعلها، وأحب زوجها أن يمسكها فله ذلك، وهي زوجته، لكن لا يطؤها حتى تضع حملها من الزنا، ولا ينسب الولد له ولا للزاني، وإنما يختار له اسما مجهولاً كفلان بن عبد الله ونحو ذلك.
تنبيه: اختار ابن القيم في تهذيب السنن أنه ينسب للزاني ودلل على ذلك.
-ضرر الزنا على الفرد في دينه وجسمه مما لا ريب فيه، وكذلك ضرره على الأسرة في تماسكها وترابطها، حيث نرى الزناة لا يقدرون مسئوليتهم عن زوجاتهم وأولادهم، فيهملون رعايتهم وتربيتهم بل النفقة عليهم، ومن وراء ذلك كله ضرر المجتمع كله بانتشار العربدة، وفساد الأخلاق وخراب البيوت، وانتشار الأمراض مما يؤدي في النهاية إلى التفسخ والانحلال العام، فأي إنسان له مسحة من عقل أو دين يدرك الفساد العريض الذي يسببه الزنا.
شبهه والجواب عنها: قوله تعالى (فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) يدل على أنه ليس هناك رجم لأنه لا يتنصف
الجواب: أن الآية مبينة لحد الأرقاء عموماً وأنه نصف حد الأحرار الذي جاء في سورة النور على العموم في قوله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ {النور: 2} ولذلك فالرقيق إذا زنى ولو بعد الإحصان لا يرجم لهذه الآية
………….
– القاتل عمدا: يقتل قصاصا إلا إن عفى عنه أولياء المقتول أو رضوا بالدية؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ) البقرة / 178 وقوله: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة / 179
-شبهه: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} الآية، ذكر الله من قتل مؤمنا ولم يذكر من قتل مسلما، فهل إذا قتل شخص مسلما يكون جزاؤه جهنم أو لا؟
قال أعضاء اللجنة الدائمة: نعم، من قتل مسلما فجزاؤه جهنم؛ فعلينا أن نعامله – يعني المسلم – بمقتضى ظاهره وليس لنا أن ننقب عن باطنه، وعلى هذا فدمه معصوم لا يجوز الاعتداء عليه؛ لما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله» رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن، وحديث (يا أسامة: أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله) ولأنه قد يعبر في النصوص بكلمة مؤمن ويراد بها ما يشمل المسلم (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ). انتهى مختصرا.
قلت: ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لأسامة: أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله. ولو كان قتل قبل إسلامه عدد كبير من المسلمين فدمه معصوم بلا إله إلا الله؛ لأن الإسلام يَجُبُ ما كان قبله، حتى أسامه نفسه تمنى أن لم يكن أسلم إلا يومئذ.
………..
ومما ورد فيه القتل كذلك:
– قاطع الطريق، وهو المحارب؛ لقوله تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) المائدة / 33.
– الجاسوس. وهو من يتجسس على المسلمين وينقل أخبارهم إلى أعدائهم. ودليل ذلك ما رواه البخاري (3007) ومسلم (2494) في قصة حَاطِب بْن أَبِي بَلْتَعَةَ. قال ابن القيم في “زاد المعاد” (2/ 115) عن حديث حاطب بن أبي بلتعة:
استدل به من لا يرى قتل المسلم الجاسوس كالشافعي وأحمد وأبي حنيفة رحمهم الله، واستدل به من يرى قتله كمالك وابن عقيل من أصحاب أحمد
رحمه الله وغيرهما، قالوا: لأنه علل بعلة مانعة من القتل غير موجودة وهي شهود بدر، ولو كان الإسلام مانعا من قتله لم يعلل بأخص منه وهو شهوده بدراً. اهـ بتصرف.
وقال في موضع آخر من ” زاد المعاد ” (3/ 422):
والصحيح أن قتله -يعني الجاسوس- راجع إلى رأي الإمام فإن كان قتله مصلحة للمسلمين قتله، وإن كان استبقاؤه أصلح استبقاه والله أعلم اهـ.
وممن ذهب لقتل الجاسوس المسلم إذا تجسس على المسلمين، تعزيراً مالك وبعض أصحاب أحمد.
-ويدخل فيما سبق: قتل والساحر والزنديق، لدخولهم تحت قوله صلى الله عليه وسلم “التارك لدينه المفارق للجماعة “.
– كذلك تارك الصلاة يقتل يستتاب فإن تاب وإلا قتل، حتى قال بعض أهل العلم: يستحيل أن يصبر شخص على القتل ولا يصلي إلا وهو جاحد لها.
-فائدة: الأصل أن لا يبلغ التعزير القتل، وذلك لقول الله تعالى: وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ {الأنعام: 151}.
وقد ذهب بعض الفقهاء إلى جواز القتل تعزيرا في جرائم معينة بشروط مخصوصة من ذلك:
مثل من كثر إفساده ولم يندفع إلا بالقتل. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في السياسة الشرعية: قد يستدل على أن المفسد إذا لم ينقطع شره إلا بقتله، فإنه يقتل بما رواه مسلم في صحيحه عن عرفجة الأشجعي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم فاقتلوه.
-واللوطي وذُكِرَت آثار عن الصحابة في قتله.
– ومن وقع على بهيمة. وفيه خلاف لعلنا نُرْجِيه إلى أن ييسر ربي.
-وورد في الحديث أنه إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما. وضعف العقيلي هذا الحديث.
-وقيل إن ابن عمر أراد قتل لص دخل عليه.
تنبيه1:من زعم أنه لا يقبل الاحتجاج بالسنة في العقوبات وتحريم المعاصي فقد كذب القرآن نفسه، قال تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) و (من يطع الرسول فقد أطاع الله).
تنبيه 2: شروط تنفيذ هذه العقوبة، فكثيرة، ولكل جريمة شروطها الخاصة بها، وينظر تفصيلها في كتب الفقهاء
تنبيه 3: الشريعة الإسلامية كاملة عامة صالحة لكل زمان ومكان إلى أن تقوم الساعة؛ لأنها تنزيل من حكيم حميد، فمن زعم أنها لا تصلح في هذا الزمان، وأن أنظمة البشر أصلح منها، فهو كافرة؛ لأنه مكذب لله ولرسوله في كمال الشريعة وصلاحيتها لكل زمان ومكان، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ}