358 و 359 و 360 و 361 و 362 و 363 و 364 عبق الياسمين شرح رياض الصالحين
سلطان الحمادي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إماراتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
44 – باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل وتقديمهم عَلى غيرهم، ورفع مجالسهم، وإظهار مرتبتهم.
358 – وعن ابن عُمرَ رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – قالَ: “أراني فِي المَنامِ أتَسَوَّكُ بِسِواكٍ، فَجاءَنِي رَجُلانِ، أحدُهُما أكْبَرُ مِنَ الآخَرِ، فَناوَلْتُ السِّواكَ الأصْغَرَ، فقيلَ لِي: كَبِّرْ، فَدَفَعْتُهُ إلى الأكْبَرِ مِنهُما» رواه مسلم مُسْنَدًا والبخاريُّ تعلِيقًا.
(أراني) بفتح الهمزة من الرؤية، ووهم من ضمها، وفي رواية المستملي ” رآني ” بتقديم الراء، والأول أشهر، ولمسلم من طريق علي بن نصر الجهضمي عن صخر ” أراني في المنام ” وللإسماعيلي ” رأيت في المنام ” فعلى هذا فهو من الرؤيا. (فتح الباري) قال العيني:” المعنى: أرى نفسي، فالفاعل والمفعول عبارتان عن مُعَبِّر واحد، وهذا من خصائص أفعال القلوب” (عمدة القاري 3/ 186)
هل يؤخذ من الرؤى أحكام؟ قال القرطبي:” رؤيا الأنبياء وحي، وأنها تقتبس منها الأحكام، كما قال تعالى مخبرًا عن إبراهيم – عليه السلام -: {إنِّي أرى فِي المَنامِ أنِّي أذبَحُكَ} ” (المفهم) أما رؤيا غيرهم فقد اتفق أهل السنة أن الرؤى لا يؤخذ منها أحكام.
جاء في سير أعلام النبلاء عن المَرُّوذي قال: أدخلتُ إبراهيم الحُصْري على أبي عبد اللَّه – وكان رجلًا صالحًا، فقال: «إن أمي رأت لك منامًا، هو كذا وكذا، وذكرتِ الجنة»، فقال: «يا أخي، إن سهلَ بن سلامة كان الناس يُخبرونه بمثل هذا، وخرج إلى سفك الدماء»، وقال: «الرؤيا تَسُرُّ المؤمنَ، ولا تَغُرُّه»
كانَ سُفْيانُ الثَّوْرِيُّ إذا قِيلَ لَهُ: إنَّهُ رُؤِيَ فِي المَنامِ، يَقُولُ: أنا أعْرَفُ بِنَفْسِي مِن أصْحابِ المَناماتِ.
فالرؤى يستبشر بها ولا يعلق قلبه بها.
(فَجاءَنِي رَجُلانِ، أحدُهُما أكْبَرُ مِنَ الآخَرِ) جاء في رواية مسلم (أتَسَوَّكُ بِسِواكٍ، فَجَذَبَني رَجُلانِ) قال صاحب «التنبيه»: هما جبريل وميكائيل. (تنبيه المعلم ص390)
قال الأتيوبي:” وفيه تأمّل، والله تعالى أعلم”
قوله: (فقيل لي) قائل ذلك له جبريل عليه السلام كما سيذكر من رواية ابن المبارك. (فتح الباري)
قوله: (كبر) أي: قدم الأكبر في السن. (فتح الباري)
قال القرطبي:” ابدأ بالكبير توقيرًا له، ومراعاة لحق السِّنِّ في الإسلام، وهذا كما قال في حديث حُويِّصَة: (كبِّر، كبِّر) وقد استوفينا الكلام على هذا المعنى هناك. وحاصل ذلك: الحث على إكرام الشيخ المسلم، واحترامه، كما قد روي عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: (إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم) ” (المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي 5/ 562)
قال ابن عثيمين:” فيه دليل على اعتبار الكِبَر في إعطاء الشيء” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 238)
وقال أيضا:” يجمع بين الأدلة الدالة على اعتبار التكبير أي مراعاة الكبير، وعلى اعتبار الأيمن، أي مراعاة الأيمن، فنقول: إذا كانت القصة كما جاء عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه كان معه إناء يشرب منه، وعلى يساره الأشياخ وعلى يمينه غلام وهو ابن عباس، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – للغلام «أتأذن لي أن أعطي هؤلاء» فقال الغلام: لا والله، لا أوثر بنصيبي منك أحدًا. فأعطاه رسول الله – صلى الله عليه وسلم -. فإذا كان هكذا فأعطه من على يمينك، أما الذين أمامك فابدأ بالكبير، كما تدل عليه السنة، وهذا هو وجه الجمع بينهما.
ثم إن الإنسان إذا أعطاه الكبير فمن يعطي بعده؟ هل يعطي الذي على يمين الكبير ويكون عن يسار الصاب، أم الذي عن يمين الصاب؟
نقول: يبدأ بالذي عن يمين الصاب وإن كان على يسار الكبير؛ لأننا إذا اعتبرنا التيامن بعد مراعاة الكبر، فالذي على يمينك هو الذي عن يسار مقابلك فتبدأ به، ما لم يسمح بعضهم لبعض، ويقول: أعطه فلانًا .. أعطه فلانًا؛ فالحق لهم، ولهم أن يسقطوه، والله أعلم.” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 239)
ذكر ابن حجر بعض الروايات حيث قال:” قد رواه جماعة من أصحاب ابن المبارك عنه بغير اختصار، أخرجه أحمد والإسماعيلي والبيهقي عنهم بلفظ: ” رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-يستن فأعطاه أكبر القوم ثم قال: إن جبريل أمرني أن أكبر ” وهذا يقتضي أن تكون القضية وقعت في اليقظة، ويجمع بينه وبين رواية صخر أن ذلك لما وقع في اليقظة أخبرهم -صلى الله عليه وسلم-بما رآه في النوم تنبيها على أن أمره بذلك بوحي متقدم فحفظ بعض الرواة ما لم يحفظ بعض. ويشهد لرواية ابن المبارك ما رواه أبو داود بإسناد حسن عن عائشة قالت: ” كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-يستن وعنده رجلان فأوحي إليه أن أعط السواك الأكبر ” قال ابن بطال: فيه تقديم ذي السن في السواك، ويلتحق به الطعام والشراب والمشي والكلام. وقال المهلب: هذا ما لم يترتب القوم في الجلوس، فإذا ترتبوا فالسنة حينئذ تقدم الأيمن، وهو صحيح،
وفيه: أن استعمال سواك الغير ليس بمكروه إلا أن المستحب أن يغسله ثم يستعمله، وفيه حديث عن عائشة في سنن أبي داود قالت: ” كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-يعطيني السواك لأغسله فأبدأ به فأستاك، ثم أغسله ثم أدفعه إليه ” وهذا دال على عظيم أدبها وكبير فطنتها؛ لأنها لم تغسله ابتداء حتى لا يفوتها الاستشفاء بريقه، ثم غسلته تأدبا وامتثالا. ويحتمل أن يكون المراد بأمرها بغسله تطييبه وتليينه بالماء قبل أن يستعمله. والله أعلم (فتح الباري)
مما جاء في فتاوى العلماء، سئل الشيخ ابن باز رحمه الله:
السؤال: دخل رجلٌ المجلس، وكان هناك رجلٌ كبير السن، فهل يبدأ في السلام باليمين أم يُسلِّم عليه مباشرةً إذا كان هو في وسط المجلس؟
الجواب: يُسلِّم على الجميع، ويبدأ برئيس المجلس، كبير المجلس، فقد كان الصحابة إذا دخلوا بدأوا بالنبي – صلى الله عليه وسلم – -رئيس المجلس- ثم عن يمينه، وعن شماله، فإذا كانت هناك كُلْفَة أو قد يُستنكر عليه ذلك أو يُساء به الظن فيُسلِّم على الجميع وينتهي حيث ينتهي المجلس، فإذا دخل على مجلسٍ ورأى أنَّ من الأدب أن يُسلِّم على كبيرٍ ثم على مَن حوله فعل ذلك، يفعل ما هو الأصلح.
س: الشاي والقهوة؟ ج: كذلك، يبدأ برئيس المجلس، ثم مَن كان عن يمينه، مثلما كانوا يبدأون بالنبي – صلى الله عليه وسلم -، ثم يدفعون إلى مَن عن يمينه عليه الصلاة والسلام، إلا أن يسمح مَن كان عن اليمين لليسار فلا بأس.
وسئل ابن عثيمين – رحمه الله -، السؤال: أحسن الله إليكم. م ص م معلمة، تقول السائلة: إذا حضر عندي ضيوف في المنزل وبدأت في تقديم القهوة، وأحد من والدي في المجلس مع الضيوف، فهل الأفضل أن أبدأ بتقديم الشاي أو ما يتيسر من القهوة لوالدي أم أبدأ باليمين يا شيخ؟
الجواب: الشيخ: نعم، أقول: إذا كان الذي يصب القهوة أو الشاي قد دخل المجلس فليبدأ بالأكبر لا بالذي على يمينه، فإذا أعطى الأكبر أعطى الذي عن يمينه أي يمين الصابّ وهو عن يسار الذي أعطي أولاً، ثم يستمر على اليمين، أما إذا كان يصب القهوة أو الشاي وهو جالس كما يوجد في مجالس الأولين، يكون صاحب المحل جالساً عند موقد النار وعنده الأباريق، فهنا يعطي الذي عن يمينه، إذا صب أعطى الذي عن يمينه ثم مشى على اليمين، وما توهمه بعض الناس من أنه يبدأ باليمين على كل حال فإنه لا أصل له، بعض الناس الآن إذا دخل المجلس ومعه القهوة أو الشاي بدأ بالذي يلي الباب ولو كان أصغر القوم، وليس هذا صواباً، بل إذا دخلت المجلس فأبدأ أولا بالكبير، ثم بالذي على يمينك أنت، وأستمر على اليمين إلى أن تنتهي من الصف الأيمن، ثم تبدأ بالصف الأيسر؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «كبر، كبر» فالجمع بين كونه يبدأ في اليمين ويأمر بالتكبير أن يبدأ بالأكبر هو أنك إذا صببت لأناس وأنت بينهم فابدأ باليمين، وإذا صببت لأناس وأنت داخل عليهم لست جالساً فيهم فابدأ بالأكبر ثم بالذي عن يمينك. نعم.
359 – وعن أبي موسى رضي الله عنه قالَ: قالَ رسول اللَّه – صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ مِن إجْلالِ اللَّهِ تَعالى إكْرامَ ذِي الشَّيْبةِ المُسْلِمِ، وحامِلِ القُرآنِ غَيْرِ الغالي فِيهِ، والجافي عَنْهُ وإكْرامَ ذِي السُّلْطانِ المُقْسِطِ» حديثٌ حسنٌ رواه أبُو داود.
(إن من إجلال الله) أي: تبجيله وتعظيمه. (عون المعبود)
(إكرام ذي الشيبة المسلم) أي: تعظيم الشيخ الكبير في الإسلام بتوقيره في المجالس والرفق به والشفقة عليه ونحو ذلك، كل هذا من كمال تعظيم الله لحرمته عند الله. (عون المعبود)
قال ابن علان:” (الشيبة المسلم) الذي شاب شعره: أي أبيضّ ونفذ عمره في الإسلام والإيمان فتعظيمه وتقديمه في الصلاة بشرطه على غيره وفي المجامع والمجالس وفي القبر وغيره والرفق به والشفقة عليه من كمال تعظيم الله لحرمته عند مولاه سبحانه” (دليل الفالحين لابن علان 1/ 565)
جاء عند أبي يعلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” ليسَ أحَدٌ أفْضَلَ عِنْد الله عزوجل مِن مؤْمنٍ يُعَمِّرُ في الإسْلامِ؛ لِتَسْبيحهِ وتَكْبيرِهِ وتَهْليلهِ» (الصحيحة)
وعند أبي داود عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” لَا تَنْتِفُوا الشَّيْبَ؛ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَشِيبُ شَيْبَةً فِي الْإِسْلَامِ “، قَالَ عَنْ سُفْيَانَ: ” إِلَّا كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ “. وَقَالَ فِي حَدِيثِ يَحْيَى: ” إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا حَسَنَةً، وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً “.
وجاء عند الترمذي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ نَتْفِ الشَّيْبِ، وَقَالَ: ” إِنَّهُ نُورُ الْمُسْلِمِ “.
(وحامل القرآن) أي: وإكرام حافظه وسماه حاملا له لما تحمل لمشاق كثيرة تزيد على الأحمال الثقيلة. قاله العزيزي. وقال القاري: أي: وإكرام قارئه وحافظه ومفسره. (عون المعبود)
(غير الغالي فيه) أي: في القرآن. والغلو التشديد ومجاوزة الحد، يعني غير المتجاوز الحد في العمل به وتتبع ما خفي منه واشتبه عليه من معانيه وفي حدود قراءته ومخارج حروفه. قاله العزيزي. (عون المعبود)
(والجافي عنه) أي: وغير المتباعد عنه المعرض عن تلاوته وإحكام قراءته وإتقان معانيه والعمل بما فيه. وقيل: الغلو المبالغة في التجويد أو الإسراع في القراءة بحيث يمنعه عن تدبر المعنى. والجفاء أن يتركه بعد ما علمه لا سيما إذا كان نسيه فإنه عد من الكبائر. قال في النهاية: ومنه الحديث {اقرءوا القرآن ولا تجفوا عنه} أي: تعاهدوه ولا تبعدوا عن تلاوته بأن تتركوا قراءته وتشتغلوا بتفسيره وتأويله، ولذا قيل: اشتغل بالعلم بحيث لا يمنعك عن العمل واشتغل بالعمل بحيث لا يمنعك عن العلم، وحاصله أن كلا من طرفي الإفراط والتفريط مذموم، والمحمود هو الوسط العدل المطابق لحاله صلى الله عليه وسلم في جميع الأقوال والأفعال. كذا في المرقاة شرح المشكاة. (عون المعبود)
قال ابن علان:” قلت: لا سيما من أعرض عنه بكثرة النوم والبطالة والإقبال على الدنيا والشهوات، وما أقبح بحامل القرآن أن يتلفظ بأحكامه ولا يعمل بها، فهو كمثل الحمار يحمل أسفارًا” (دليل الفالحين لابن علان 1/ 565)
قال أبو عمرو الداني أحد أئمة القراءات والتفسير:” فَلَيْسَ التَّجْوِيدُ بِتَمْضِيغِ اللِّسانِ، ولا بِتَقْعِيرِ الفَمِ، ولا بِتَعْوِيجِ الفَكِّ، ولا بِتَرْعِيدِ الصَّوْتِ، ولا بِتَمْطِيطِ الشَّدِّ، ولا بِتَقْطِيعِ المَدِّ، ولا بِتَطْنِينِ الغُنّاتِ، ولا بِخصْرَمَةِ الرّاءاتِ، قِراءَةٌ تَنْفِرُ عَنْها الطِّباعُ، وتَمُجُّها القُلُوبُ والأسْماعُ، بَلِ القِراءَةُ السَّهْلَةُ العَذْبَةُ الحُلْوَةُ اللَّطِيفَةُ، الَّتِي لا مَضْغَ فِيها ولا لَوْكَ، ولا تَعَسُّفَ ولا تَكَلُّفَ، ولا تَصَنُّعَ ولا تَنَطُّعَ، لا تَخْرُجُ عَنْ طِباعِ العَرَبِ وكَلامِ الفُصَحاءِ بِوَجْهٍ مِن وُجُوهِ القِراءاتِ والأداءِ،” (النشر في القراءات العشر لابن الجزري 1/ 213)
(وإكرام ذي السلطان المقسط) بضم الميم أي: العادل. (عون المعبود)
جاء في صحيح مسلم أن “أهْل الجَنَّةِ ثَلاثَةٌ ذُو سُلْطانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ، ورَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ القَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبى ومُسْلِمٍ، وعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيالٍ”
روى الإمام أحمد في مسنده عَنْ مُعَاذٍ، قَالَ: عَهِدَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَمْسٍ، مَنْ فَعَلَ مِنْهُنَّ كَانَ ضَامِنًا عَلَى اللَّهِ؛ مَنْ عَادَ مَرِيضًا، أَوْ خَرَجَ مَعَ جَنَازَةٍ، أَوْ خَرَجَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ دَخَلَ عَلَى إِمَامٍ يُرِيدُ بِذَلِكَ تَعْزِيرَهُ وَتَوْقِيرَهُ، أَوْ قَعَدَ فِي بَيْتِهِ، فَيَسْلَمُ النَّاسُ مِنْهُ، وَيَسْلَمُ
وفي صحيح مسلم قالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ المُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ عَلى مَنابِرَ مِن نُورٍ،
وفي الصحيحين أن النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم -، قالَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلّا ظِلُّهُ: الإمامُ العادِلُ، …
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” السُّلْطَانُ ظِلُّ اللهِ فِي الأَرْضِ، فَمَنْ أَكْرَمَهُ أَكْرَمَهُ اللهُ، وَمَنْ أَهَانَهُ أَهَانَهُ اللهُ”
عَنْ سُفْيانَ عَنْ قَيْسِ بْنِ وهْبٍ عَنْ أنَسٍ قالَ كانَ الأكابر من أصْحاب – صلى الله عليه وسلم – يَنْهَوْنَ عَنْ سَبِّ الأُمَراءِ
وصح عن أبي الدرداء:” أول نفاق المرء طعنه على إمامه ..
قال القرافي: قاعدة ضبط المصالح العامة واجب، ولا ينضبط إلا بعظمة الأئمة في نفس الرعية، ومتى اختلفت عليهم أو أهينوا تعذرت المصلحة ” (الذخيره للقرافي)
قال الطرطوشي:” وكان العلماء يقولون: إن استقامت لكم أمور السلطان فأكثر واحمد الله تعالى واشكره، وإن جاءكم منه ما تكرهون وجهوه إلى ما تستوجبونه منه بذنوبكم وتستحقونه بآثامكم، فأقيموا عذر السلطان بانتشار الأمور عليه، وكثرة ما يكابده من ضبط جوانب المملكة واستئلاف الأعداء ورضاء الأولياء، وقلة الناصح وكثرة المدلس والفاضح” (سراج الملوك للطرطوشي ص 48)
قال العز بن عبدالسلام:” فالعادِلُ مِن الأئِمَّةِ والوُلاةِ والحُكّامِ أعْظَمُ أجْرًا مِن جَمِيعِ الأنامِ بِإجْماعِ أهْلِ الإسْلامِ، لِأنَّهُمْ يَقُومُونَ بِجَلْبِ كُلِّ صالِحٍ كامِلٍ، ودَرْءِ كُلِّ فاسِدٍ شامِلٍ” (قواعد الأحكام في مصالح الأنام 1/ 143)
360 – وعن عَمْرو بنِ شُعَيْبٍ، عن أبيِهِ، عن جَدِّه رضي الله عنهم قالَ: قالَ رسولُ اللَّه – صلى الله عليه وسلم -:» لَيْسَ مِنّا مَن لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنا، ويَعْرِفْ شَرفَ كَبِيرِنا «حديثٌ صحيحٌ رواه أبُو داود والترمذي، وقالَ الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيح.
وفي رواية أبي داود» حَقَّ كَبِيرِنا «(الصحيحة 2196)
قوله (ليس منا) أي: من أهل سنتنا، وقيل: أي: من خواصنا وهو كناية عن التبرئة. (عون المعبود) قال ابن علان:” أي من أهل سنتنا وهدينا وطريقتنا” (دليل الفالحين 1/ 566)
(من لم يرحم صغيرنا) أي الصغير من المسلمين بأن يشفق عليه ويرحمه ويحسن إليه ويلاعبه (دليل الفالحين) الرحمة بالصغار هدي الإسلام، والإسلام كله دين الرحمة، قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَة لِّلْعَالَمِينَ} روى أبو يعلى الموصلي في “مسنده” (4258) من طريق مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ سَعْدٍ الْكِنْدِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَضَعُ اللَّهُ رَحْمَتَهُ إِلَّا عَلَى رَحِيمٍ)، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُلُّنَا يَرْحَمُ، قَالَ: (لَيْسَ بِرَحْمَةِ أَحَدِكُمْ صَاحِبَهُ، يُرْحَمُ النَّاسُ كَافَّةً).
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاحِبَ هَذِهِ الْحُجْرَةِ يَقُولُ: ” لَا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلَّا مِنْ شَقِيٍّ “. (صحيح أبي داود))
أما الأطفال فلهم رحمة خاصة وهي فطرة في الناس، في الصحيحن عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أنَّ الأقْرَعَ بْنَ حابِسٍ، أبْصَرَ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – يُقَبِّلُ الحَسَنَ فَقالَ: إنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الوَلَدِ ما قَبَّلْتُ واحِدًا مِنهُمْ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: «إنَّهُ مَن لا يَرْحَمْ لا يُرْحَمْ»،
وكذلك جاء في الصحيحن عَنْ عائِشَةَ قالَتْ «قَدِمَ ناسٌ مِن الأعْرابِ عَلى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَقالُوا أتُقَبِّلُونَ صِبْيانَكُمْ قالُوا نَعَمْ فَقالُوا لَكِنّا واللَّهِ ما نُقَبِّلُ فَقالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – وأمْلِكُ أنْ كانَ اللَّهُ قَدْ نَزَعَ مِنكُمْ الرَّحْمَةَ»
قوله: (ويعرف شرف كبيرنا) أي لم يعرف شرف كبيرنا سنا أو علما، وفي بعض النسخ: ولم يعرف. (تحفة الاحوذي) قال ابن علان:” (ويعرف شرف كبيرنا) أي بما يستحقه من التعظيم والإجلال والتبجيل وتوضحه رواية أحمد «ليس من أمتي من لم يجلّ كبيرنا» ولأحمد والترمذي وابن حبان في صحيحه «ليس منا من لم يوقر الكبير ويرحم الصغير ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر» ” (دليل الفالحين 1/ 566)
قال الشيخ عبدالمحسن العباد في شرح سنن أبي داود:” وهذا يدل على حصول الرحمة للصغار وعلى التوقير للكبار، ومعرفة حقهم، وإنزالهم منازلهم، وهذا فيه تحذير وترهيب من مثل هذا العمل الذي وصف بأن فاعله (ليس منا)، وهذا يدل على خطورة ذلك وعلى أنه فعل شنيع وشديد الخطورة.”
361 – وعن ميْمُونَ بنِ أبي شَبِيبٍ رحمه الله أن عائشَةَ رضي الله عنها مَرَّ بِها سائِلٌ، فَأعْطَتْهُ كِسْرَةً، ومرّ بِها رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيابٌ وهَيْئَةٌ، فَأقْعَدتْهُ، فَأكَلَ فَقِيلَ لَها في ذلكَ؟ فقالتْ: قالَ رسولُ اللَّه – صلى الله عليه وسلم -:» أنْزِلُوا النّاسَ مَنازِلَهُمْ «رواه أبو داود. لكِنْ قال: مَيْمُونُ لَمْ يُدْرِك عائِشَةَ.
وقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلمٌ في أوَّلِ صَحِيحهِ تَعْلِيقًا فقال: وذُكرَ عَنْ عائِشَةَ رضي الله عنها قالت: أمرنا رسولُ اللَّه – صلى الله عليه وسلم – أنْ نُنْزِل النّاسَ مَنازِلَهُمْ، وذَكَرَهُ الحاكِمُ أبُو عبدِ اللَّهِ في كِتابِهِ» مَعْرفَة عُلُومِ الحَديث”وقال: هو حديثٌ صحيح.
وهذا الحديث ضعفه الألباني في الضعيفة 1894.
وأما النووي فإنه يميل لتصحيحه حيث قال في شرح مقدمة مسلم:” فهذا بالنظر إلى أن لفظه ليس جازما لا يقتضي حكمه بصحته وبالنظر إلى أنه احتج به وأورده ايراد الاصول لا ايراد الشواهد يقتضى حكمه بصحته ومع ذلك فقد حكم الحاكم أبو عبد الله الحافظ في كتابه كتاب معرفة علوم الحديث بصحته وأخرجه أبو داود في سننه باسناده منفردا به وذكر أن الراوي له عن عائشة ميمون بن أبي شبيب ولم يدركها قال الشيخ وفيما قاله أبو داود نظر فانه كوفى متقدم قد أدرك المغيرة بن شعبة ومات المغيرة قبل عائشة وعند مسلم التعاصر مع امكان التلاقي كاف في ثبوت الادراك فلو ورد عن ميمون أنه قال لم ألق عائشة استقام لابي داود الجزم بعدم ادراكه وهيهات ذلك هذا آخر كلام الشيخ قلت وحديث عائشة هذا قد رواه البزار في مسنده وقال هذا الحديث لا يعلم عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – إلّا من هذا الوجه وقد روى عن عائشة من غير هذا الوجه موقوفا والله أعلم”
ولعل الصحيح أنه ضعيف لوجود علل أخر، رواية ميمون عن عائشة فيها انقطاع عند أكثر العلماء، ابن معين وغيره جزموا أنه لم يلقى عائشة وفي الإسناد حبيب بن أبي ثابت وهو كثير التدليس والإرسال وقد عنعنه ورواية المدلس بالعنعنة لا تصح ومسلم ذكرها بصيغة التمريض.
(فأعطته كسرة) بكسر أوله أي: قطعة من خبز ونحوه. (عون المعبود)
(ومرّ بِها رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيابٌ وهَيْئَةٌ، فَأقْعَدتْهُ فأكل) قال ابن علان:” (فأقعدته فأكل) قال السخاوي في «المقاصد»: ولفظ أبي نعيم في «الحلية» «فمرّ رجل غنيّ ذو هيئة فقالت ادعوه، فنزل فأكل ومضى، وجاء سائل فأمرت له بكسرة فأكل، فقالت: إن هذا الغنيّ لم يحمل بنا إلا ما صنعناه به، وإن هذا السائل سأل فأمرت له بما يرضاه، وإن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أمرا أن ننزل الناس منازلهم» ” (دليل الفالحين 1/ 567)
(أنزلوا الناس منازلهم) قال القاضي عياض:” ومعنى الحديث بيّنٌ فى إيتاء كل ذى حقٍّ حقَّه، وتبليغه منزلته فى كل باب” (إكمال المعلم بفوائد مسلم)
قال ابن علان:” هو حض على مراعاة مقادير الناس ومراتبهم ومناصبهم وتفضيل بعضهم عل بعض في المجالس وفي القيام والمخاطبة والمكاتبة وغير ذلك من الحقوق كما تقدم عن المصنف. قال الإمام مسلم: فلا يقصر بالرجل العالي القدر عن درجته، ولا يرفع متضع القدر فوق منزلته، ويعطى كل ذي حق حقه من قوله تعالى: {وفوق كل ذي علم عليم} (يوسف: (76)) وهذا في بعض الأحكام أو أكثرها، وقد سوّى الشرع بينهم في القصاص والحدود وأشباهها مما هو معروف اهـ. قال العلماء: في الحديث أن العالم إذا فعل شيئًا يخفى أمره وسئل عن ذلك يستدل بالحديث النبوي إذ هو من أقوى الحجج الشرعية وهو أبلغ من ذكر الحكم بلا دليل
قال ابن باز:” ” أنزلوا الناس منازلهم” والأدلة الشرعية تدل على هذا المعنى وأن الناس لهم منازلهم، فالعالم له حقه، وشيخ القبيلة، ورئيس القوم له حقه والصغير له حقه وحامل القرآن وطالب العلم له حقه، وكبير السن بالنسبة إلى الصغير، وهكذا أنزل الناس منازلهم.
فالمؤمن يعرف لكل ذي حق حقه ولا يجفو من يستحق عدم الجفا؛ بل ينظر في منازل الناس حتى يعطي كل ذي حق حقه … المقصود من هذا كله: أن المؤمن ينزل الناس منازلهم لا يجعل كل أحد سواء في إكرامهم وتقديرهم بل حسب مراتبهم في الدين ومراتبهم في كبر السن ومراتبهم في منازلهم ومراتبهم الشرعية .. ” (شرح رياض الصالحين لابن باز 2/ 66)
عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود. (صحيح أبي دواد)
قال ابن مفلح:” وقالَ عَبْدُ اللَّهِ: رَأيْت أبِي إذا جاءَ الشَّيْخُ والحَدَثُ مِن قُرَيْشٍ أوْ غَيْرِهِمْ مِن الأشْرافِ لَمْ يَخْرُجْ مِن بابِ المَسْجِدِ حَتّى يُخْرِجَهُمْ فَيَكُونُوا هُمْ يَتَقَدَّمُونَهُ ثُمَّ يَخْرُجُ مِن بَعْدِهِمْ وقالَ المَرُّوذِيُّ: رَأيْته جاءَ إلَيْهِ مَوْلى ابْنِ المُبارَكِ فَألْقى لَهُ مِخَدَّةً وأكْرَمَهُ وكانَ إذا دَخَلَ عَلَيْهِ مَن يُكْرَمُ عَلَيْهِ يَاخُذُ المِخَدَّةَ مِن تَحْتِهِ فَيُلْقِيها لَهُ. قالَ المَرُّوذِيُّ: وكانَ أبُو عَبْدِ اللَّهِ مِن أشَدِّ النّاسِ إعْظامًا لِإخْوانِهِ ومَن هُوَ أسَنُّ مِنهُ، لَقَدْ جاءَهُ أبُو هَمّامٍ راكِبًا عَلى حِمارٍ فَأخَذَ لَهُ أبُو عَبْدِ اللَّهِ بِالرِّكابِ ورَأيْته فَعَلَ هَذا بِمَن هُوَ أسَنُّ مِن الشُّيُوخِ.” (الآداب الشرعية لابن مفلح 1/ 416)
362 – وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ، فَنَزَلَ عَلى ابنِ أخِيهِ الحُرِّ بْنِ قَيْسٍ، وكانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنيهِمْ عُمَرُ رضي الله عنه، وكانَ القُرّاءُ أصْحابَ مَجْلِسِ عُمَرَ ومُشاوَرَتِهِ، كُهُولًا كانُوا أوْ شُبّانًا، فَقالَ عُيَيْنَةُ لابْنَ أخِيهِ: يا ابْنَ أخي لَكَ وجْهٌ عِنْدَ هذا الأمِيرِ، فاسْتَاذِنْ لِي عَلَيْهِ، فاسْتَأذَنَ لَهُ، فَأذِنَ لَهُ عُمَرُ رضي الله عنه، فَلَمّا دَخَل: قالَ هِي يا ابْنَ الخَطّابِ: فَواللَّه ما تُعْطِينا الجَزْلَ، ولا تَحْكُمُ فِينا بِالعَدْلِ، فَغَضِبَ عُمَرُ رضي الله عنه حَتّى هَمَّ أنْ يُوقِعَ بِهِ، فَقالَ لَهُ الحُرُّ: يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ إنَّ اللَّه تَعالى قالَ لِنَبِيِّهِ – صلى الله عليه وسلم -: {خُذِ العَفْوَ وامُرْ بِالعُرْفِ وأعْرِضْ عَنِ الجاهِلينَ} وإنّ هَذا مِنَ الجاهِلِينَ. واللَّهِ ما جاوزَها عُمرُ حِينَ تَلاها عَلَيْهِ، وكانَ وقّافًا عِنْدَ كِتابِ اللَّه تَعالى. رواه البخاري
ومر بيان هذا الحديث في باب الصبر، فيه أن على الحاكم أن يتخذ بطانة من أهل العلم وأن أهل العلم يكونون بطانة للحاكم ليست منقصة وإنما سنة ماضية عند السلف، جاء في سنن أبي داود أن قال رسول الله – صلي الله عليه وسلم -: «إذا أراد الله بالأمير خيرًا؛ جَعَلَ له وزِيرَ صِدْقٍ: إنْ نَسِيَ ذَكَّرَهُ، وإن ذَكرَ أعانَهُ. وإذا أراد به غَيْرَ ذلك؛ جَعَلَ له وزيرَ سُوءٍ: إن نَسِيَ لم يُذَكرْهُ، وإن ذَكرَ لم يُعِنْهُ». (صححه الألباني)
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا، فَدَخَلَ عَلَيْهِ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا وَهُوَ بِالْكُوفَةِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ فذكر له حديث جبريل في المواقيت
قال ابن عبدالبر في التمهيد:” وفِي هَذا الحَدِيثِ أيْضًا ما كانَ عَلَيْهِ العُلَماءُ مِن صُحْبَةٍ لِلْأُمَراءِ والدُّخُولِ عَلَيْهِمْ وإذا كانَ الأمِيرُ أوِ الخَلِيفَةُ يَسْتَدِيمُ صُحْبَةَ العُلَماءِ فَأجْدَرُ بِهِ أنْ يَكُونَ عَدْلًا مَامُونًا”
قوله (وكانَ القُرّاءُ أصْحابَ مَجْلِسِ عُمَرَ ومُشاوَرَتِهِ، كُهُولًا كانُوا أوْ شُبّانًا،) فيه إنزال الناس منازلهم وأن أهل العلم يُقدمون ولو كانوا شبابا
قوله (فَقالَ عُيَيْنَةُ لابْنَ أخِيهِ: يا ابْنَ أخي لَكَ وجْهٌ عِنْدَ هذا الأمِيرِ) فيه أن لأهل العلم وجاهة عند الأمراء.
قوله (قالَ هِي يا ابْنَ الخَطّابِ) ذكر بعض الشراح أنه من عدم إنزال الناس منازلهم، حيث ناداه بابن الخطاب ولم يقل يا أمير المؤمنين، قال ابن حجر:” وقوله: ” يا ابن الخطاب ” هذا أيضا من جفائه حيث خاطبه بهذه المخاطبة” (فتح الباري)
363 – وعن أبي سعيدٍ سَمُرةَ بنِ جُنْدبٍ رضي الله عنه قالَ: لَقَدْ كنْتُ عَلى عهْدِ رَسُول اللَّه – صلى الله عليه وسلم – غُلامًا، فَكُنْتُ أحفَظُ عنْهُ، فَما يَمْنَعُني مِنَ القَوْلِ إلاَّ أنَّ هَهُنا رِجالًا هُمْ أسنُّ مِنِّي. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وهذا الجملة من الحديث لم ترد إلا عند مسلم، وأصل الحديث عند البخاري.
وثبت في الصحيحن عن ابن عمر- رضي الله عنهما- روى البخاري وغيره عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما – وكان دون الحلم – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم، فحدثوني ما هي؟» فوقع الناس في شجر البوادي قال عبد الله بن عمر: ووقع في نفسي أنها النخلة، فاستحييت. ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله؟ قال: «هي النخلة» وفي رواية: فأردت أن أقول هي النخلة فإذا أنا أصغر القوم.
قوله (لَقَدْ كنْتُ عَلى عهْدِ رَسُول اللَّه – صلى الله عليه وسلم – غُلامًا) قال ابن علان:” سنُّه كانت عند وفاة النبيّ نيفا وعشرين سنة، فالمراد من الغلام الصغير في السن” (دليل الفالحين لابن علان 1/ 570) فيه تحمل الصغير للعلم في حال صغره.
قوله (فَما يَمْنَعُني مِنَ القَوْلِ) من التحديث (دليل الفالحين 1/ 570)
(إلا أن ههنا رجالًا هم أسنّ مني) أخذ منه علماء الأثر قوله: يكره أن يحدث إذا كان في البلد من هو أولى به بزيادة علم أو ضبط أو حفظ أو تقدم سن أو نحو ذلك بل يدل عليه، وهذا بخلاف باقي العلوم فلا يكره تعاطيها للمفضول المتأهل مع وجود الأعلم بها منه. (دليل الفالحين 1/ 570)
فيه معرفة الصحابة لشرف كبرائهم، وفيه جواز حضور الغلمان مجالس الكبار.
قال القاضي عياض: من حسن الأدب ترك التقديم بين يدى الأسن والأعلم، وهذا مثل قول ابن عيينة وقد قال له سفيان الثورى: لم لا تحدِّث؟ فقال: أما ما أنت حىٌّ فلا. (إكمال المعلم 3/ 430)
قال ابن باز:” فيه تقدير من العالم الصغير للعلماء الكبار إذا حضر معهم أن يدع الكلام لهم إلا إذا كان عنده علم ليس عندهم فيه العلم الذي عنده، وإذا كان عنده ما عندهم ترك الكلام لهم.” (شرح رياض الصالحين لابن باز 2/ 68)
قال الأتيوبي:” فيه أدب العالم، وهو أن يتأدّب مع من هو أكبر منه سنًّا، أو علمًا، فلا يُحدِّث بحضرته، بل يرشد الناس إليه حتى يستفيدوا منه” (البحر المحيط الثجاج 18/ 535)
ومن الآثار في ذلك، سئل ابن المبارك بحضور سفيان بن عيينة عن مسألة، فقال: «إنا نهينا أن نتكلم عند أكابرنا» (سير أعلام النبلاء 8/ 420
وقال يحيى بن معين: «إذا حَدَّثْتُ في بلدة فيها مثلُ أبي مُسْهِر؛ فيجب لحيتي أن تُحلَق» (سير أعلام النبلاء)
وأيضا يحيى بن معين يقول: إن الذي يحدّث بالبلدة، وفيها من هو أولى بالتحديث منه (أحمق) .. (مقدمة ابن الصلاح ص (239))
وعن الحسن بن علي الخلال: «كنا عند معتمر بن سليمان يحدثنا إذ أقبل ابن المبارك، فقطع معتمر حديثه، فقيل له: حدِّثْنا، فقال: إنا لا نتكلم عند كبرائنا»
وقال سفيان الثوري: «إذا رأيت الشاب يتكلم عند المشايخ، وإن كان قد بلغ من العلم مبلغًا، فآيس من خيره، فإنه قليل الحياء» (المدخل للبيهقي)
وعن عقبة بن علقمة قال: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: «كنا إذا رأينا الحدث يتكلم مع الكبار أيسنا من خلاقه، ومن كل خير عنده» (حلية الأولياء)
وذكر يحيى أن الإمام مالكًا كان إذا رأى ازدحامهم في مجلسه؛ قال: «توقروا، فإنه عون لكم، وليعرف صغيركم حقَّ كبيركم» (ترتيب المدارك)
عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ يَقُولُ قُلْتُ لأبِي ما لَكَ لَمْ تَسْمَعْ مِن إبْراهِيمَ بْنِ سَعْدٍ وقَدْ نَزَلَ بَغْدادَ فِي جِوارِكَ فَقالَ أعْلَمْ يا بُنَيَّ أنَّهُ جَلَسَ مَجْلِسًا واحِدًا وأمْلى عَلَيْنا فَلَمّا كانَ بعد ذَلِك حرج وقَدِ اجْتَمَعَ النّاسُ فَرَأى الشَّبابَ تَقَدَّمُوا بَيْنَ يَدَيِ المَشائِخِ فَقالَ ما أسْوَأ آدابِكُمْ تَتَقَدَّمُونَ بَيْنَ يَدَيِ المَشائِخِ لا أُحَدِّثُكُمْ سَنَةً فَماتَ ولَمْ يُحَدِّثْ (أدب الإملاء والإستملاء للسمعاني ص 120)
364 – وعن أنس رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّه – صلى الله عليه وسلم -: «ما أكْرَم شابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إلاَّ قَيَّضَ اللَّه لَهُ مَن يُكْرِمُهُ عِنْد سِنِّه» رواه الترمذي وقال حديث غريب.
قال المباركفوري في سنده ضعيفان.
قال الألباني في تحقيق رياض الصالحين:” ضعيف، وقد خرجت الحديث، وبينت أن له علتين في الضعيفة 304″ (تحقيق رياض الصالحين ص 185)
قال ابن باز:” الحديث وإن كان غريبا لكن الشواهد كثيرة الجزاء من جنس العمل من أحسن أحسن إليه ((هل جزاءُ الإحسانِ إلا الإحسان)) ” (شرح رياض الصالحين لابن باز 2/ 69)
(لسنه) أي لأجل سنه، لا لأمر آخر قاله المناوي. وقال القاري: أي كبر عمره لأن الغالب عليه زيادة علم وعمل مع سبق إيمانه انتهى (تحفة الأحوذي)
(شيخا) أي: داخلا في الشيخوخة وهو ما بعد الخمسين (دليل الفالحين 1/ 570)
(إلا قيض الله) أي: قدر (دليل الفالحين 1/ 570)
(له) أي للشاب
(من يكرمه) أي قرينا يعظمه ويخدمه لأن من خدم خدم ” عند سنه ” أي حال كبره مجازاة له على فعله بأن يقدر له عمرا يبلغ به إلى الشيخوخة ويقدر له من يكرمه. (تحفة الأحوذي)
(إلاَّ قَيَّضَ اللَّه لَهُ مَن يُكْرِمُهُ عِنْد سِنِّه) قال ابن علان:” أي كبره، ففيه إيماء إلى وعد من أكرم شيخًا لسنه لله تعالى بأن يطول عمر المكرم حتى يبلغ ذلك السن ويقدر الله له من يقوم بكرامته فيدان بما دان به (دليل الفالحين لابن علان 1/ 570)