351 و 352 عبق الياسمين شرح رياض الصالحين
سلطان الحمادي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إماراتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
(43) – باب إكرام أهل بيت رَسُول الله – صلى الله عليه وسلم – وبيان فضلهم.
قال ابن باز:” أهل بيته هم أزواجه وأقاربه من بني هاشم … كآل جعفر بن أبي طالب وآل علي بن أبي طالب وآل عقيل بن أبي طالب والعباس بن عبدالمطلب وذريته، وهكذا بقية بني هاشم كلهم من أهل البيت؛ لأنهم رهطه الأدنو” (شرح رياض الصالحين لابن باز 1/ 52)
قال ابن عثيمين:” وأهل بيت الرسول – صلى الله عليه وسلم -: ينقسمون إلى قسمين: قسم كفار فهؤلاء ليسوا من أهل بيته وإن كانوا أقارب له في النسب، لكنهم ليسوا من أهل بيته؛ لأن الله قال لنوح عليه الصلاة والسلام حين قال: (رَبِّ إنَّ ابْنِي مِن أهْلِي)، وكان ابنه كافر قال: (إنَّهُ لَيْسَ مِن أهْلِكَ) [هود (46)]. فالكفار من أقارب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ليسوا من أهل بيته، وإن كانوا أقارب له نسبًا.
لكن أهل بيته هم المؤمنون من قرابته – صلى الله عليه وسلم -، ومنهم أيضًا زوجاته، فإن زوجاته رضى الله عنهن من آل بيته، كما قال الله تعالى في سياق نساء أمهات المؤمنين: (يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأحَدٍ مِنَ النِّساءِ إنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا وقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ولا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجاهِلِيَّةِ الأُولى وأقِمْنَ الصَّلاةَ وآتِينَ الزَّكاةَ وأطِعْنَ اللَّهَ ورَسُولَهُ إنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) [الأحزاب (32)، (33)].
وهذا نص صريح واضح جدًا بأن زوجات الرسول – صلى الله عليه وسلم – من آل بيته، خلافًا للرافضة الذين قالوا: إن زوجات الرسول – صلى الله عليه وسلم – ليسوا من أهل بيته، فزوجاته من أهل بيته بلا شك.
ولأهل بيت الرسول – صلى الله عليه وسلم – المؤمنين حقان: حق الإيمان، وحق القرابة من الرسول – صلى الله عليه وسلم -. وزوجات الرسول – صلى الله عليه وسلم – أمهات المؤمنين، كما قال تعالى في كتابه (النَّبِيُّ أوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِن أنْفُسِهِمْ وأزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) [الأحزاب (6)].
فأزواج الرسول – صلى الله عليه وسلم – أمهات للمؤمنين، وهذا بالإجماع، فمن قال: إن عائشة رضي الله عنها ليست أمًا لي فليس من المؤمنين لأن الله قال: (النَّبِيُّ أوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِن أنْفُسِهِمْ وأزْواجُهُ أُمَّهاتُه فمن قال: إن عائشة رضي الله عنها ليست أمًا للمؤمنين؛ فهو ليس بمؤمن؛ لا مؤمن بالقرآن ولا بالرسول – صلى الله عليه وسلم -.
وعجبًا لهؤلاء؛ يقدحون في عائشة ويسبونها ويبغضونها وهي أحب زوجات الرسول – صلى الله عليه وسلم – إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم -، لا يحب أحدًا من نسائه مثل ما يحبها، كما صح ذلك عنه في البخاري أنه قيل: يا رسول الله، من أحب الناس إليك؟ قال «عائشة». قالوا: فمن الرجال؟ قال «أبوها» أبو بكر رضي الله عنه.
وهؤلاء القوم يكرهون عائشة ويسبونها ويلعنونها، وهي أقرب نساء الرسول إليه، فكيف يقال: إن هؤلاء يحبون الرسول؟ وكيف يقال: إن هؤلاء يحبون آل الرسول؟ ولكنها دعاوى كاذبة لا أساس لها من الصحة.
فالواجب علينا احترام آل بيت الرسول – صلى الله عليه وسلم – من قرابته المؤمنين، ومن زوجاته أمهات المؤمنين، كلهم آل بيته ولهم حق.
قال الشيخ عبدالمحسن العباد:” القول الصحيح في المراد بآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم هم من تحرم عليهم الصدقة، وهم أزواجه وذريته وكل مسلم ومسلمة من نسل عبدالمطلب وهم بنو هاشم بن عبدالمناف؛ قال ابن حزم في جمهرة أنساب العرب ص 14:” وُلد لهاشم بن عبدالمناف: شيبة، وهو عبدالمطلب، وفيه العمود والشرف، ولم يبق لهاشم عقب إلا من عبدالمطلب فقط” (فضل أهل البيت وعلو مكانتهم عند أهل السنة والجماعة للشيخ عبدالمحسن العباد ص 7)
أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم خمس بيوت: آل علي، آل عقيل، آل جعفر، آل عباس هذا في صحيح مسلم كما سيأتي.
يلحق بهم بنو الحارث بن عبدالمطلب لقوله صلى الله عليه وسلم: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونِي فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ، إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ “. وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ” (صحيح النسائي)
وفي صحيح مسلم عن عبدالمطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب أنه ذهب هو والفضل بن عباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلبان منه أن يوليهما على الصدقة ليصيبا من المال ما يتزوجان به، فقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَنْبَغِي لِآلِ مُحَمَّدٍ، إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ، ” ثم أمر بتزويجهما وإصداقهما من الخمس.
يرى أهل السنة أن شرف النسب تابع لشرف الإيمان فمن لم يوفق للإيمان فلا ينفعه النسب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” إِنَّ آلَ أَبِي لَيْسُوا بِأَوْلِيَائِي، إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللَّهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ “. وفي رواية” وَلَكِنْ لَهُمْ رَحِمٌ، أَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا “. يَعْنِي أَصِلُهَا بِصِلَتِهَا. والحديث في الصحيحين وقد تقدم.
قالَ الله تَعالى: {إنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: (33)].
قال ابن كثير:” لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}: وَهَذَا نَصٌّ فِي دُخُولِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فِي أَهْلِ الْبَيْتِ هَاهُنَا؛ لِأَنَّهُنَّ سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَسَبَبُ النُّزُولِ دَاخِلٌ فِيهِ قَوْلًا وَاحِدًا، إِمَّا وَحْدَهُ عَلَى قَوْلٍ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ.” (تفسير ابن كثير)
قال البغوي:” أَرَادَ بِالرِّجْسِ: الْإِثْمَ الَّذِي نَهَى اللَّهُ النِّسَاءَ عَنْهُ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي: عَمَلَ الشَّيْطَانِ وَمَا لَيْسَ لِلَّهِ فِيهِ رِضًى، وَقَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: السُّوءَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الرِّجْسُ الشَّكُّ.
وَأَرَادَ بِأَهْلِ الْبَيْتِ: نِسَاءَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – لِأَنَّهُنَّ فِي بَيْتِهِ، وَهُوَ رِوَايَةُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَتَلَا قَوْلَهُ: ” وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ “، وَهُوَ قَوْلُ عِكْرِمَةَ وَمُقَاتِلٍ.” (تفسير البغوي)
قال السعدي:” {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ} بأمركن بما أَمَرَكُنَّ به، ونهيكن بما نهاكُنَّ عنه، {لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ} أي: الأذى، والشر، والخبث، يا {أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} حتى تكونوا طاهرين مطهرين. (تفسير السعدي)
قال ابن باز:” يريد الله، هذه الأرادة الشرعية، المعنى يأمركم ويحب منكم ويرضى لكم هذه الأمور بعد ما قال جل وعلا ((واذكرن ما يتلى في بيوتكن من اءيت الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا))
وقال أيضا:” ليس معناه أنها إرادة كونية وأنهم معصومون، لا؛ ليسوا معصومين كما يظن الرافضة، ليسوا معصومين إنما هم مأمورون بأن يتطهروا من الشرك ويعتصموا بحبل الله وأن يستقيموا على ما يرضي الله ” (شرح رياض الصالحين لابن باز 1/ 53)
قال ابن عثيمين:” إنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا). نقاء وطهارة، أي النجس المعنوي، (إنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ) (ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) بعد إزالة النجاسة. والتطير: تخلية وتحلية، وقوله (تَطْهِيرًا) هذا مصدر مؤكد لما سبق، يدل على أنها طهارة كاملة.
ولهذا من رمى واحدة من نساء الرسول – صلى الله عليه وسلم – بالزنى – والعياذ بالله – فإنه كافر حتى لو كانت غير عائشة.
عائشة الذي يرميها بما برأها الله منه كافر مكذب لله، يحل دمه وماله، وأما الذي يرمي سواها بالزنى فالصحيح من أقوال أهل العلم أنه كافر أيضًا؛ لأن هذا أعظم قدح برسول الله – صلى الله عليه وسلم -، أن يكون فراشه ممن يزنين والعياذ بالله، وقد قال الله تعالى: (الخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ والخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ) [النور (26)].
فمن رمى واحدة من زوجات الرسول – صلى الله عليه وسلم – بالزنى فقد جعل النبي – صلى الله عليه وسلم – – وحاشاه من ذلك – جعله خبيثًا – نعوذ بالله – لأن الله يقول (الخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ) وبهذا يعرف أن المسألة خطيرة وعظيمة، وأن الواجب علينا أن نكن المحبة الصادقة لجميع آل بيت الرسول – صلى الله عليه وسلم -؛ نسائه كلهن والمؤمنين من قرابته.
قال الشيخ عبدالمحسن العباد:” فإنّ هذه الآيةَ تدلُّ على دخولِهنَّ حتمًا؛ لأنّ سياقَ الآيات قبلها وبعدها خطابٌ لهنَّ، ولا يُنافي ذلك ما جاء في صحيح مسلم ((2424)) عن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت: «خرج النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – غداةً وعليه مِرْطٌ مُرَحَّل من شَعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثمَّ جاء الحُسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمةُ فأدخلها، ثمَّ جاء عليٌّ فأدخله، ثمَّ قال: {إنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}»؛ لأنّ الآيةَ دالَّةٌ على دخولِهنَّ؛ لكون الخطابِ في الآيات لهنَّ، ودخولُ عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم في الآيةِ دلَّت عليه السُّنَّةُ في هذا الحديث، وتخصيصُ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – لهؤلاء الأربعة رضي الله عنهم في هذا الحديث لا يدلُّ على قَصْرِ أهل بيته عليهم دون القرابات الأخرى، وإنّما يدلُّ على أنّهم مِن أخصِّ أقاربه.
ونظيرُ دلالة هذه الآية على دخول أزواج النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – في آله ودلالة حديث عائشة رضي الله عنها المتقدِّم على دخول عليٍّ وفاطمة والحسن والحُسين رضي الله عنهم في آله، نظيرُ ذلك دلالةُ قول الله عزوجل: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلى التَّقْوى مِن أوَّلِ يَوْمٍ} على أنّ المرادَ به مسجد قباء، ودلالة السُّنَّة في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه ((1398)) على أنّ المرادَ بالمسجد الذي أُسِّس على التقوى مسجدُه ، وقد ذكر هذا التنظيرَ شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رسالة «فضلُ أهل البيت وحقوقُهم»
وزوجاتُه داخلاتٌ تحت لفظ «الآل»؛ لقوله : «إنّ الصَّدقةَ لا تَحلُّ لمحمَّدٍ ولا لآل محمَّد»، ويدلُّ لذلك أنّهنَّ يُعطَيْن من الخُمس، وأيضًا ما رواه ابن أبي شيبة في مصنّفه ((3) / (214)) بإسنادٍ صحيح عن ابن أبي مُلَيكة: «أنّ خالد بنَ سعيد بعث إلى عائشةَ ببقرةٍ من الصَّدقةِ فردَّتْها، وقالت: إنّا آلَ محمَّدٍ – صلى الله عليه وسلم – لا تَحلُّ لنا الصَّدقة».
(فضل أهل البيت وعلو مكانتهم عند أهل السنة والجماعة للشيخ عبدالمحسن العباد ص 7)
وما مما ورد أن أزواجه يدخلن في أهل بيته، جاء في صحيح البخاري وصحيح مسلم:” قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا “.
وجاء في مصنف ابن أبي شيبة بإسناد صحيح، أنَّ خالِدَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ العاصِ، بَعَثَ إلى عائِشَةَ بِبَقَرَةٍ فَرَدَّتْها وقالَتْ: «إنّا آلُ مُحَمَّدٍ لا نَاكُلُ الصَّدَقَةَ»
قال ابن كثير:” لا ننكر الوصاة بأهل البيت والأمر بالإحسان إليهم واحترامهم وإكرامهم, فإنهم من ذرية طاهرة من أشرف بيت وجد على وجه الأرض فخراً وحسباً ونسباً, ولا سيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية الصحيحة الواضحة الجلية, كما كان عليه سلفهم كالعباس وبنيه وعلي وأهل ذريته رضي الله عنهم أجمعين.” (تفسير ابن كثير)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:” أهل بيت رسول الله تجب محبتهم، وموالاتهم، ورعاية حقهم.” (مجموع الفتاوى (28) / (491)).
قالَ تَعالى: {ومَن يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإنَّها مِن تَقْوى القُلُوبِ} [الحج: (32)].”
هذه الآية مرت معنا في باب تعظيم حرمات المسلمين وبيان حقوقهم والشفقة عليهم ورحمتهم.
هذه الآية فيها تعظيم ما عظمه الله ورسوله، ومن شعائر الله إكرام أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وأداء حقوقهم.
ولعل النووي أعرض عن آية الشوري ((قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)) لأن المراد بها بطون قريش كما قال ابن كثير:” قل يا محمد لهؤلاء المشركين من كفار قريش: لا أسألكم على هذا البلاغ والنصح لكم ما لا تعطونيه، وإنما أطلب منكم أن تكفوا شركم عني وتذروني أبلغ رسالات ربي، إن لم تنصروني فلا تؤذوني بما بيني وبينكم من القرابة.” (تفسير ابن كثير)
وجاء في صحيح البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: {إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}، فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قُرْبَى آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَجِلْتَ؛ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَّا كَانَ لَهُ فِيهِمْ قَرَابَةٌ. فَقَالَ: إِلَّا أَنْ تَصِلُوا مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنَ الْقَرَابَةِ.
351 – وعن يزيد بن حيّانَ قالَ: انْطلَقْتُ أنا وحُصيْنُ بْنُ سَبْرَةَ، وعمْرُو بن مُسْلِمٍ إلى زَيْدِ بْنِ أرقمَ – رضي الله عنه -، فلَمّا جَلسْنا إلَيهِ قالَ لَهُ حُصيْنٌ: لَقَد لَقِيتَ يا زيْدُ خَيْرًا كَثِيرًا، رَأيْتَ رسولَ اللَّه – صلى الله عليه وسلم -، وسمِعْتَ حَدِيثَهُ، وغَزَوْتَ مَعَهُ، وصَلَّيتَ خَلْفَهُ: لَقَدْ لَقِيتَ يا زَيْدُ خَيْرًا كَثِيرًا، حَدِّثْنا يا زَيْدُ ما سمِعْتَ مِن رسولِ اللَّه – صلى الله عليه وسلم -. قالَ: يا ابْنَ أخِي واللَّهِ لَقَدْ كَبِرتْ سِنِّي، وقَدُم عهْدي، ونسِيتُ بعْضَ الَّذِي كنتُ أعِي مِن رسولِ اللَّه – صلى الله عليه وسلم -، فَما حَدَّثْتُكُمْ، فاقبَلُوا، ومالا فَلا تُكَلِّفُونِيهِ ثُمَّ قالَ: قام رَسُول اللَّه – صلى الله عليه وسلم – يَوْمًا فِينا خطِيبًا بِماءٍ يُدْعي خُمّا بَيْنَ مكَّةَ والمَدِينَةِ، فَحَمِدَ اللَّه، وأثْنى عَليْه، ووعَظَ، وذَكَّرَ، ثُمَّ قالَ: «أمّا بعْدُ: ألا أيُّها النّاسُ، فَإنَّما أنا بَشَرٌ يُوشِكُ أنْ يَاتِيَ رسولُ ربِّي فَأُجيبَ، وأنا تارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أوَّلهُما كِتابُ اللَّهِ، فِيهِ الهُدى والنُّورُ، فَخُذُوا بِكِتابِ اللَّه، واسْتَمْسِكُوا بِهِ» فَحثَّ عَلى كِتابِ اللَّه، ورغَّبَ فِيهِ. ثمَّ قالَ «وأهْلُ بَيْتِي، أُذكِّركم اللَّه في أهلِ بيْتي، أذكِّرُكم اللَّه في أهل بيتي» فَقالَ لَهُ حُصَيْنٌ: ومَن أهْلُ بَيْتِهِ يا زيْدُ؟ ألَيْسَ نساؤُه مِن أهلِ بيتهِ؟ قالَ: نساؤُه منْ أهلِ بيتِهِ ولَكِن أهْلُ بيْتِهِ منْ حُرِم الصَّدقَة بعْدَهُ، قال: ومَن هُم؟ قالَ: هُمْ آلُ عليٍّ، وآلُ عَقِيلٍ، وآلُ جَعْفَر، وآلُ عبّاسٍ، قالَ: كُلُّ هُؤلاءِ حُرِمَ الصَّدقَةَ؟ قالَ: نعَمْ. رواه مسلم.
وفي روايةٍ: «ألا وإنِّي تارِكٌ فِيكُمْ ثَقْلَيْن: أحدُهَما كِتابُ اللَّه وهُو حبْلُ اللَّه، منِ اتَّبَعه كانَ عَلى الهُدى، ومَن تَرَكَهُ كانَ عَلى ضَلالَةٍ».
(لقد أوتيت خيرًا كثيرًا) قال ابن علان:”وهذا تذكير منه لنعمة الله عليه وتحريض على أداء شكرها قدر طاقته وأن لا يغفل عنه، وهو محمول على أنهم أمنوا الفتنة عليه لما علموه عنده من كمال الإيمان ومزيد العرفان المانعين من الافتتان ” دليل الفالحين 1/ 554 فيه معرفة السلف لقدر الصحبة.
قوله: (ماء يدعى خما بين مكة والمدينة) هو بضم الخاء المعجمة وتشديد الميم، وهو اسم لغيضة على ثلاثة أميال من الحسنة، عندها غدير مشهور يضاف إلى الغيضة، فيقال: غدير خم. (شرح مسلم للنووي) قال ابن باز:” وذلك لما انصرف من حجة الوداع في آخر حياته عليه الصلاة والسلام، لما صار في أثناء الطريق راجعا إلى المدينة خطب الناس في شهر ذي الحجة في ماء يدعى خُمَّا حول رابغ المعروف” (شرح رياض الصالحين لاباز 2/ 54)
(قالَ: يا ابْنَ أخِي) هذا قاله من باب التلطّف والتكريم، وإلا فليس هو ابن أخيه؛ لأنه لا قربة بينهما. (البحر المحيط الثجاج 38/ 588)
قوله صلى الله عليه وسلم: (وأنا تارك فيكم ثقلين، فذكر كتاب الله، وأهل بيته) قال العلماء: سميا ثقلين لعظمهما وكبير شأنهما، وقيل: لثقل العمل بهما. (شرح مسلم للنووي)
قال القرطبي:” يعني: كتاب الله، وأهل بيته. قال ثعلب. سَمّاهما ثقلين، لأنّ الأخذ بهما، والعمل بهما ثقيل، والعرب تقول لكل شيء خطير نفيس: ثقيل.
قلت: وذلك لحرمة الشيء النَّفيس، وصعوبة روم الوصول إليه، فكأنه – صلى الله عليه وسلم – إنما سمّى كتاب الله، وأهل بيته: ثقلين لنفاستهما، وعظم حرمتهما، وصعوبة القيام بحقهما.” (المفهم)
وقال الطيبيّ: قوله: «تارك فيكم» إشارة إلى أنهما بمنزلة التوأمين، الخَلَفَين عن رسول الله -صلي الله عليه وسلم-، وأنه يوصي الأمة بحسن الخلافة معهما، وإيثار حقّهما، كما يوصي الأب الشفيق الناس في حق أولاده، ويعضده قوله:» أذكّركم الله في أهل بيتي «كما يقول الأب المشفق: الله الله في حقّ أولادي.” (الكاشف عن حقائق السنن 12/ 3909)
قوله: (ولكن أهل بيته من حرم الصدقة) هو بضم الحاء وتخفيف الراء، والمراد بالصدقة: الزكاة، وهي حرام عندنا على بني هاشم وبني المطلب، وقال مالك: بنو هاشم فقط، وقيل: بنو قصي، وقيل: قريش كلها. قوله في الرواية الأخرى: ” فقلنا: من أهل بيته نساؤه؟ قال: لا ” هذا دليل لإبطال قول من قال: هم قريش كلها؛ فقد كان في نسائه قرشيات، وهن عائشة وحفصة، وأم سلمة وسودة، وأم حبيبة رضي الله عنهن، وأما قوله في الرواية الأخرى: ” نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة “، قال: وفي الرواية الأخرى: ” فقلنا: من أهل بيته نساؤه؟ قال: لا “، فهاتان الروايتان ظاهرهما التناقض، والمعروف في معظم الروايات في غير مسلم أنه قال: نساؤه لسن من أهل بيته، فتتأول الرواية الأولى على أن المراد أنهن من أهل بيته الذين يساكنون، ويعولهم، وأمر باحترامهم وإكرامهم، وسماهم: ثقلا ووعظ في حقوقهم، وذكر، فنساؤه داخلات في هذا كله، ولا يدخلن فيمن حرم الصدقة، وقد أشار إلى هذا في الرواية الأولى بقوله: ” نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة “، فاتفقت الروايتان. (شرح مسلم للنووي) لعله يقصد أن زوجاته لا يدخلن أصالة في آل البيت، أي إذا طلقن لا تحرم عليهن الصدقة.
مر معنا أن أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم هم زوجاته و خمس بيوت: آل علي، آل عقيل، آل جعفر، آل عباس، كما مر معنا في الحديث، و يلحق بهم بنو الحارث بن عبدالمطلب لقوله صلى الله عليه وسلم: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونِي فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ، إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ “. وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ” (صحيح النسائي)
ثمَّ قالَ «وأهْلُ بَيْتِي، أُذكِّركم اللَّه في أهلِ بيْتي، أذكِّرُكم اللَّه في أهل بيتي، قال ابن باز:” كررها ثلاثا عليه الصلاة والسلام يحث الناس على إكرامهم والإحسان إليهم وعدم العدوان عليهم وعدم ظلمهم وعدم الإساء إليهم من زوجات وأقارب، يجب الإحسان إليهم وكف الأذى عنهم وإعطائهم حقوقهم من غير غلو، كما تفعل الرافضة، ولا جفاء كما تفعل النواصب، فلا جفاء و لا غلو ولكن بين ذلك وهو التوسط” (شرح رياض الصالحين لابن باز 2/ 55)
قال ابن عثيمين:” ولم يقل إن أهل بيته معصومون، وإن أقوالهم كالقرآن يجب أن يعمل بها، كما تدعيه الرافضة، فإنهم ليسوا معصومين، بل هم يخطئون كما يخطئ غيرهم، ويصيبون كما يصيب غيرهم، ولكن لهم حق قرابة النبي – صلى الله عليه وسلم – كما سبق.
وقوله: «أذكركم الله في أهل بيتي» قال القرطبي:” هذه الوصية، وهذا التأكيد العظيم يقتضي: وجوب احترام آل ((1)) النبي – صلى الله عليه وسلم – وأهل بيته، وإبرارهم، وتوقيرهم، ومحبتهم وجوب الفروض المؤكدة التي لا عذر لأحد في التخلف عنها.” (المفهم للقرطبي)
قال ابن عثيمين:” يعني اعرفوا لهم حقهم، ولا تظلموهم، ولا تعتدوا عليهم، هذا من باب التوكيد، وإلا فكل إنسان مؤمن له حق على أخيه، لا يحق له أن يعتدي عليه، ولا أن يظلمه؛ لكن لآل النبي صلى الله عليه وسلم حق زائد على حقوق غيرهم من المسلمين.
وإذا كان هذا في حق آل النبي صلى الله عليه وسلم فما بالك بحق الرسول صلى الله عليه وسلم؟ حق الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم الحقوق بعد حق الله؛ يجب أن يقدم على النفس والولد والأهل وعلى جميع الناس، في المحبة والتعظيم وقبول هديه وسنته صلى الله عليه وسلم، فهو مقدم على كل أحد صلى الله عليه وسلم” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 228)
قوله صلى الله عليه وسلم: (كتاب الله عز وجل هو حبل الله) قيل: المراد بحبل الله عهده، وقيل: السبب الموصل إلى رضاه ورحمته، وقيل: هو نوره الذي يهدي به.
352 – وعَن ابنِ عُمرَ رضي الله عنه، عن أبي بَكْر الصِّدِّيق رضي الله عنه مَوْقُوفًا عَلَيْهِ أنَّهُ قالَ: ارْقُبُوا مُحَمَّدًا – صلى الله عليه وسلم – في أهْلِ بيْتِهِ، رواه البخاري.
ومعنى: «ارقبوه» راعوه واحترموه وأكرموه، والله أعلم.
قال ابن حجر:” قوله: (ارقبوا محمدا في أهل بيته) يخاطب بذلك الناس ويوصيهم به، والمراقبة للشيء: المحافظة عليه، يقول: احفظوه فيهم فلا تؤذوهم ولا تسيئوا إليهم.” (فتح الباري)
ومما يدل على مكانة أهل البيت عند الصحابة، حيث جاء في البخاري أن أبا بكر – رضي الله عنه- قال:” وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي.”
وكذلك روى البخاري في صحيحه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا. قَالَ: فَيُسْقَوْنَ.
قال الشيخ عبدالمحسن العباد:”اختيار عمر رضي الله عنه للعباس رضي الله عنه، للتوسل بدعائه إنما هو لقرابته من رسول الله صلاى الله عليه وسلم، ولهذا قال رضي الله عنه في توسُّله: «وإنّا نتوسَّل إليك بعمِّ نبيِّنا»، ولم يقل: بالعباس. ومن المعلوم أنّ عليًّا رضي الله عنه أفضلُ من العباس، وهو من قرابة الرسول – صلى الله عليه وسلم -، لكن العباس أقربُ، ولو كان النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – يُورَث عنه المال لكان العباس هو المقدَّم في ذلك؛ لقوله – صلى الله عليه وسلم -: «ألحِقوا الفرائض بأهلها، فما أبقتِ الفرائضُ فلأولى رجل ذَكر»، أخرجه البخاري ومسلم، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قولُ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – لعمر عن عمِّه العباس: «أما عَلِمتَ أنّ عمَّ الرَّجلِ صِنْوُ أبيه».
قال ابن كثير:” وقالَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ لِلْعَبّاسِ رضي الله عنه:” واللَّهِ لَإسْلامُكَ يَوْمَ أسْلَمْتَ كانَ أحَبَّ إليَّ مِن إسْلامِ الخَطّابِ لَوْ أسْلَمَ؛ لَأنَّ إسْلامَكَ كانَ أحَبَّ إلى رَسُولِ اللَّهِ مِن إسْلامِ الخَطّابِ.” فَحالُ الشَّيْخَيْنِ، رضي الله عنهما هُوَ الواجِبُ عَلى كُلِّ أحَدٍ أنْ يَكُونَ كَذَلِكَ؛ ولِهَذا كانا أفْضَلَ المُؤْمِنِينَ بَعْدَ النَّبِيِّينَ والمُرْسَلِينَ وعَنْ سائِرِ الصَّحابَةِ أجْمَعِينَ.” (تفسير ابن كثير)
قال ابن تيمية:” إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما وضع ديوان العطاء، كتب الناس على قدر أنسابهم فبدأ بأقربهم فأقربهم نسبا إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فلما انقضت العرب ذكر العجم، هكذا كان الديوان على عهد الخلفاء الراشدين، وسائر الخلفاء من بني أمية وولد العباس، إلى أن تغير الأمر بعد ذلك.” (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم 1/ 446)
قال الشيخ عبدالمحسن العباد:” ومن المعلوم أنّ الخلفاء الراشدين الأربعة رضي الله عنهم هم أصهارٌ لرسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فأبو بكر وعمر رضي الله عنهما حصل لهما زيادة الشَّرَف بزواج النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – من بنتيهِما: عائشة وحفصة، وعثمان وعلي رضي الله عنهما حصل لهما زيادة الشَّرَف بزواجهما من بنات رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فتزوَّج عثمان رضي الله عنه رُقيَّة، وبعد موتها تزوَّج أختَها أمَّ كلثوم، ولهذا يُقال له: ذو النُّورَين، وتزوَّج عليٌّ رضي الله عنه فاطمةَ رضي الله عنها.
قال الذهبي:” «كان العبّاسُ إذا مرَّ بعمر أو بعثمان، وهما راكبان، نزلاَ حتى يُجاوِزهما إجلالًا لعمِّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم -». (سير أعلام النبلاء)
وفي طبقات ابن سعد (5/ 333) بإسناده إلى فاطمة بنت علي بن أبي طالب أن عمر بن عبدالعزيز قال لها:” يا ابنة علي! والله ما على ظهر الأرض أهل بيت أحب إليَّ منكم، ولأنتم أحب إليَّ من أهل بيتي”
وأيضا عند ابن سعد بإسناده عَنْ يَحْيى بْنِ سَعِيدٍ قالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ حُسَيْنٍ، وكانَ أفْضَلَ هاشِمِيٍّ أدْرَكْتُهُ. يَقُولُ: يا أيُّها النّاسُ، أحِبُّونا حُبَّ الإسْلامِ؛ فَما بَرِحَ بِنا حُبُّكُمْ حَتّى صارَ عَلَيْنا عارًا.
وأيضا بإسناده عن الفُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ قالَ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بْنَ الحَسَنِ يَقُولُ لِرَجُلٍ مِمَّنْ يَغْلُو فِيهِمْ ويْحَكُمْ: أحِبُّونا لِلَّهِ؛ فَإنْ أطَعْنا اللَّهَ فَأحِبُّونا وإنْ عَصْيَنا اللَّهَ فَأبْغِضُونا. قالَ: فَقالَ لَهُ رَجُلٌ: إنَّكُمْ قَرابَةُ رَسُولِ اللَّهِ وأهْلُ بَيْتِهِ، فَقالَ: ويْحَكَ لَوْ كانَ اللَّهُ مانِعًا بِقَرابَةٍ مِن رَسُولِ اللَّهِ أحَدًا بِغَيْرِ طاعَةِ اللَّهِ لَنَفَعَ بِذَلِكَ مَن هُوَ أقْرَبُ إلَيْهِ مِنّا أبًا وأُمًّا.
قال الشيخ عبدالمحسن العباد:” الفصل العاشر: تحريم الانتساب بغير حق إلى أهل البيت.
أشرفُ الأنساب نسَبُ نبيِّنا محمد – صلى الله عليه وسلم -، وأشرف انتسابٍ ما كان إليه – صلى الله عليه وسلم – وإلى أهل بيتِه إذا كان الانتسابُ صحيحًا، وقد كثُرَ في العرب والعجم الانتماءُ إلى هذا النَّسب، فمَن كان من أهل هذا البيت وهو مؤمنٌ، فقد جمَع الله له بين شرف الإيمان وشرف النَّسب، ومَن ادَّعى هذا النَّسبَ الشريف وهو ليس من أهله فقد ارتكب أمرًا محرَّمًا، وهو متشبِّعٌ بِما لَم يُعط، وقد قال النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم -: «المتشبِّعُ بِما لَم يُعْطَ كلابس ثوبَي زور»، رواه مسلمٌ في صحيحه ((2129)) من حديث عائشة رضي الله عنها.
وقد جاء في الأحاديث الصحيحة تحريمُ انتساب المرء إلى غير نسبِه، ومِمّا ورد في ذلك حديثُ أبي ذر رضي الله عنه أنّه سَمع النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – يقول: “ليس مِن رجلٍ ادَّعى لغير أبيه وهو يَعلَمه إلاَّ كفر بالله، ومَن ادَّعى قومًا ليس له فيهم نسبٌ فليتبوَّأ مقعَدَه من النار «، رواه البخاريُّ ((3508))، ومسلم ((112))، واللفظ للبخاري.
وفي صحيح البخاري ((3509)) من حديث واثلة بن الأسْقع رضي الله عنه يقول: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:» إنّ مِن أعظَمِ الفِرى أن يَدَّعيَ الرَّجلُ إلى غير أبيه، أو يُري عينَه ما لَم تَرَ، أو يقولَ على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما لَم يقل «، ومعنى الفِرى: الكذب، وقوله:» أو يُري عينَه ما لَم تَرَ «، أي: في المنام” (فضل أهل البيت لعبدالمحسن العباد ص92)