(35) نفح الطيب في شرح أحاديث صحيح الترغيب والترهيب
نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ – ? -: «قالَ اللهُ تَبارَكَ وتَعالى: أنا أغْنى الشُّرَكاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَن عَمِلَ عَمَلًا أشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكتُهُ وشِرْكَهُ»).
الشرح:
قال الصنعاني: (قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء) الذين زعم المشركون أنهم لي شركاء (عن الشرك) قال الطيبي: اسم التفضيل مجرد عن الزيادة (من عمل عملًا) من الطاعات (أشرك فيه) معي. (غيري) بالرياء ونحوه (تركته وشركه) قال القاضي: المراد هنا العمل والواو بمعنى مع، والحديث تحذير من الرياء وإخبار بأنه شرك. التنوير شرح الجامع الصغير (8) / (5)
قوله: «أنا أغنى الشركاء»، (أغنى): أفعل التفضيل.
الشرك والشركة والمشاركة: أن يكون الشيء ملكًا أو حقًا لاثنين أو أكثر، ويقال لكل واحد من المالكين: شريك، وللجمع: شركاء.
يعني: أنا أكثر الشركاء استغناءً، لا حاجة لي إلى شريك، فأفعل التفضيل قد يضاف إلى جمعٍ يكون في المضاف إليهم الشيءُ الذي يكون في المضاف، ولكن يكون في المضاف أكثر، مثل أن تقول: زيدٌ أفضلُ القوم؛ يعني: الفضل في زيدٍ وفي القوم موجودٌ ولكنْ في زيد أكثر، وقد يضاف ولا يكون في المضاف إليهم شيءٌ مما يكون في المضاف، نحو قوله تعالى: {أصْحابُ الجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وأحْسَنُ مَقِيلًا} [الفرقان (24)] مع أنه لا خيريةَ ولا حُسنَ لأصحاب النار.
يعني: قد يكون بعض الناس غنيًا عن الشريك، ولكن لم يكن استغناؤه عن الشريك في جميع الأوقات، وقد يكون مستغنيًا في بعض الأوقات ومحتاجًا في بعضها، وأنا غنيٌّ عن الشركاء والضِّدِّ والند والظهير أبدًا؛ لأن الحاجة والعجز والفقر وغيرها من أوصاف المخلوقات لا سبيل لشيء منها إليَّ، فمَن عَمِلَ عملًا لا يكون خالصًا لي – بل عملُه للرياء والسمعة – لا أقبلُ ذلك العمل منه.
المفاتيح في شرح المصابيح (1) / (109) — مظهر الدين الزَّيْداني
و قال ابن عثيمين رحمه الله: قوله: «أغنى»: اسم تفضيل، وليست فعلا ماضيا، ولهذا أضيفت إلى الشركاء. يعني: إذا كان بعض الشركاء يستغني عن شركته مع غيره؛ فالله أغنى الشركاء عن المشاركة فالله لا يقبل عملا له فيه شرك أبدا، ولا يقبل إلا العمل الخالص له وحده، فكما أنه الخالق وحده؛ فكيف تصرف شيئا من حقه إلى غيره؟!
فهذا ليس عدلا، ولهذا قال الله عن لقمان: {إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}، [لقمان: من الآية (13)]، فالله الذي خلقك وأعدك إعدادا كاملا بكل مصالحك وأمدك بما تحتاج إليه، ثم تذهب وتصرف شيئا من حقه إلى غيره؟! فلا شك أن هذا من أظلم الظلم.
القول المفيد على كتاب التوحيد (2/ 129).
معنى الترك في الحديث
قوله: «تركته وشركه»: الضمير راجعٌ إلى الذي يعمل، والمراد بـ (شركه): عمله الذي أشرك فيه غيرَ الله تعالى؛ يعني: أجعلُ ذلك الشخصَ وعملَه مردودًا من حضرتي ما دام في الشرك والرياء، وإذا ترك الشرك والرياء وأخلص لي العمل قبِلتُه.
المفاتيح في شرح المصابيح (1) / (109) — مظهر الدين الزَّيْداني
قال ابن عثيمين رحمه الله:
فالمراد بقوله: (تركتُه وشركَه) ليس المقصود منه تركتُه دائمًا، بل تركتُه وشركَه في العمل الذي أشرك به فقط، ثم إذا تاب منه وآمن وعمل عملًا صالحًا بدل الله سيئاته حسنات. لقاء الباب المفتوح (41) / (13)
قوله: «من عمل عملا أشرك معي فيه غيري». أي من قصد بعمله غيري من المخلوقين تركته وشركه. ولابن ماجه: «فأنا بريء وهو الذي أشرك. قال الطيبي: «الضمير المنصوب في قوله:» تركته «يجوز أن يرجع إلى العمل». فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (1) / (369)
قال ابن تيمية رحمه الله: فَعِبادَةُ المُشْرِكِ كُلُّها باطِلَةٌ لا يُقالُ: نَصِيبُ اللَّهِ مِنها حَقٌّ والباقِي باطِلٌ بِخِلافِ مَعْبُودِهِمْ. فَإنَّ اللَّهَ إلَهٌ حَقٌّ وما سِواهُ آلِهَةٌ باطِلَةٌ. مجموع الفتاوى (16/ 599).
و قال العلامة ابن باز رحمه الله: فالواجب على المؤمن أن يحذر ذلك، وأن تكون أعماله لله وحده، يصلي لله، يصوم لله، يتصدق لله، يرجو ثوابه، يرجو مغفرته سبحانه، وهكذا يأمر بالمعروف، ينهى عن المنكر، يحج، يعتمر، يعود المريض، يطلب ما عند الله من الأجر، لا رياء الناس، ولا سمعتهم، هذا هو الواجب على المؤمن، كما قال الله تعالى: {فَمَن كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحًا ولا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أحَدًا} ((3)) نسأل الله لجميع المسلمين الهداية والتوفيق. [فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر (4) / (46)]
قال العلامة حمود التويجري رحمه الله:
فليعلم أيضا أن الرياء والسمعة من أكثر ما يكون وقوعًا، فينبغي للمسلم الناصح لنفسه أن يحذر من ذلك أشد الحذر ويحاسب نفسه على الدقيق والجليل من أعماله؛ فما كان منها خالصًا فليمضه، وما كان فيه شائبة لغيره فليتركه، وليجتهد في إتقان العمل وإخلاصه لله وحده لا شريك له، قال الله تعالى: {فَمَن كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحًا ولا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أحَدًا}، قال سعيد بن جبير في هذه الآية: لا يرائي بعبادة ربه أحدًا. رواه أبو نعيم في الحلية، وقال الله تعالى: {إنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ}.
غربة الإسلام (2/ 541).
ويستفاد من هذا الحديث:
(1) – بيان غنى الله تعالى؛ لقوله: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك.
(2) – بيان عظم حق الله، وأنه لا يجوز لأحد أن يشرك أحدا مع الله في حقه.
(3) – بطلان العمل الذي صاحبه الرياء؛ لقوله: «تركته وشركه».
(4) – تحريم الرياء؛ لأن ترك الإنسان وعمله، وعدم قبوله، يدل على الغضب، وما أوجب الغضب؛ فهو محرم.
(5) – أن صفات الأفعال لا حصر لها؛ لأنها متعلقة بفعل الله، ولم يزل الله ولا يزال فعّالا. القول المفيد على كتاب التوحيد (2/ 130).