34 – بَابُ فَضَائِلِ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
151 – (2485) حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: عَمْرٌو، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ عُمَرَ، مَرَّ بِحَسَّانَ وَهُوَ يُنْشِدُ الشِّعْرَ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَحَظَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أُنْشِدُ، وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: أَنْشُدُكَ اللهَ أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَجِبْ عَنِّي، اللهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ»؟ قَالَ: اللهُمَّ نَعَمْ.
151 – حَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ حَسَّانَ، قَالَ فِي حَلْقَةٍ فِيهِمْ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنْشُدُكَ اللهَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ مِثْلَهُ
152 – (2485) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَمِعَ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيَّ، يَسْتَشْهِدُ أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْشُدُكَ اللهَ هَلْ سَمِعْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «يَا حَسَّانُ أَجِبْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اللهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: نَعَمْ
153 – (2486) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيٍّ وَهُوَ ابْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ: «اهْجُهُمْ، أَوْ هَاجِهِمْ، وَجِبْرِيلُ مَعَكَ»
153 – حَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، ح وحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ كُلُّهُمْ، عَنْ شُعْبَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ
154 – (2487) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ، كَانَ مِمَّنْ كَثَّرَ عَلَى عَائِشَةَ فَسَبَبْتُهُ فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي دَعْهُ «فَإِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»
154 – حَدَّثَنَاهُ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ
155 – (2488) حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ وَعِنْدَهَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يُنْشِدُهَا شِعْرًا يُشَبِّبُ بِأَبْيَاتٍ لَهُ فَقَالَ: حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: لَكِنَّكَ لَسْتَ كَذَلِكَ، قَالَ مَسْرُوقٌ فَقُلْتُ لَهَا: لِمَ تَأْذَنِينَ لَهُ يَدْخُلُ عَلَيْكِ؟ وَقَدْ قَالَ اللهُ: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 11] فَقَالَتْ: فَأَيُّ عَذَابٍ أَشَدُّ مِنَ الْعَمَى؟ إِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ أَوْ يُهَاجِي عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
155 – حَدَّثَنَاهُ ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، فِي هَذَا الْإِسْنَادِ، وَقَالَ قَالَتْ: كَانَ يَذُبُّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَذْكُرْ حَصَانٌ رَزَانٌ
156 – (2489) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ حَسَّانُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِي فِي أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: «كَيْفَ بِقَرَابَتِي مِنْهُ؟» قَالَ: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ لَأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعْرَةُ مِنَ الْخَمِيرِ، فَقَالَ حَسَّانُ:
[البحر الطويل]
وَإِنَّ سَنَامَ الْمَجْدِ مِنْ آلِ هَاشِمٍ … بَنُو بِنْتِ مَخْزُومٍ وَوَالِدُكَ الْعَبْدُ
قَصِيدَتَهُ هَذِهِ
156 – حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، قَالَتْ: اسْتَأْذَنَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هِجَاءِ الْمُشْرِكِينَ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَبَا سُفْيَانَ، وَقَالَ بَدَلَ – الْخَمِيرِ – الْعَجِينِ
157 – (2490) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «اهْجُوا قُرَيْشًا، فَإِنَّهُ أَشَدُّ عَلَيْهَا مِنْ رَشْقٍ بِالنَّبْلِ» فَأَرْسَلَ إِلَى ابْنِ رَوَاحَةَ فَقَالَ: «اهْجُهُمْ» فَهَجَاهُمْ فَلَمْ يُرْضِ، فَأَرْسَلَ إِلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ، قَالَ حَسَّانُ: قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تُرْسِلُوا إِلَى هَذَا الْأَسَدِ الضَّارِبِ بِذَنَبِهِ [ص:1936]، ثُمَّ أَدْلَعَ لِسَانَهُ فَجَعَلَ يُحَرِّكُهُ، فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَأَفْرِيَنَّهُمْ بِلِسَانِي فَرْيَ الْأَدِيمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَعْجَلْ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ أَعْلَمُ قُرَيْشٍ بِأَنْسَابِهَا، وَإِنَّ لِي فِيهِمْ نَسَبًا، حَتَّى يُلَخِّصَ لَكَ نَسَبِي» فَأَتَاهُ حَسَّانُ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ لَخَّصَ لِي نَسَبَكَ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعْرَةُ مِنَ الْعَجِينِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ لِحَسَّانَ: «إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ لَا يَزَالُ يُؤَيِّدُكَ، مَا نَافَحْتَ عَنِ اللهِ وَرَسُولِهِ»، وَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «هَجَاهُمْ حَسَّانُ فَشَفَى وَاشْتَفَى» قَالَ حَسَّانُ:
[البحر الوافر]
هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأَجَبْتُ عَنْهُ … وَعِنْدَ اللهِ فِي ذَاكَ الْجَزَاءُ
هَجَوْتَ مُحَمَّدًا بَرًّا حَنِيفًا … رَسُولَ اللهِ شِيمَتُهُ الْوَفَاءُ
فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي … لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ
ثَكِلْتُ بُنَيَّتِي إِنْ لَمْ تَرَوْهَا … تُثِيرُ النَّقْعَ مِنْ كَنَفَيْ كَدَاءِ
يُبَارِينَ الْأَعِنَّةَ مُصْعِدَاتٍ … عَلَى أَكْتَافِهَا الْأَسَلُ الظِّمَاءُ
تَظَلُّ جِيَادُنَا مُتَمَطِّرَاتٍ … تُلَطِّمُهُنَّ بِالْخُمُرِ النِّسَاءُ
فَإِنْ أَعْرَضْتُمُو عَنَّا اعْتَمَرْنَا … وَكَانَ الْفَتْحُ وَانْكَشَفَ الْغِطَاءُ
وَإِلَّا فَاصْبِرُوا لِضِرَابِ يَوْمٍ … يُعِزُّ اللهُ فِيهِ مَنْ يَشَاءُ
وَقَالَ اللهُ: قَدْ أَرْسَلْتُ عَبْدًا … يَقُولُ الْحَقَّ لَيْسَ بِهِ خَفَاءُ
وَقَالَ اللهُ: قَدْ يَسَّرْتُ جُنْدًا … هُمُ الْأَنْصَارُ عُرْضَتُهَا اللِّقَاءُ
لَنَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ مَعَدٍّ … سِبَابٌ أَوْ قِتَالٌ أَوْ هِجَاءُ
فَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللهِ مِنْكُمْ … وَيَمْدَحُهُ وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ
وَجِبْرِيلٌ رَسُولُ اللهِ فِينَا … وَرُوحُ الْقُدُسِ لَيْسَ لَهُ كِفَاءُ
الفوائد
==========
أحاديث صحيح مسلم أوردها البخاري في الأبواب التالية من صحيحه:
– كتاب الصلاة/ باب الشعر في المسجد.
– كتاب بدء الخلق/ باب ذكر الملائكة.
– كتاب المغازي/ بَابُ حَدِيثِ الإِفْكِ وَالأَفَكِ، بِمَنْزِلَةِ النِّجْسِ وَالنَّجَسِ، يُقَالُ: إِفْكُهُمْ، وَأَفْكُهُمْ، وَأَفَكُهُمْ، فَمَنْ قَالَ: أَفَكَهُمْ، يَقُولُ: صَرَفَهُمْ عَنِ الإِيمَانِ وَكَذَّبَهُمْ، كَمَا قَالَ: يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ يُصْرَفُ عَنْهُ مَنْ صُرِفَ.
– كتاب المغازي/ بَابُ مَرْجِعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الأَحْزَابِ، وَمَخْرَجِهِ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ وَمُحَاصَرَتِهِ إِيَّاهُمْ.
– كتاب تفسير القرآن/ بَابُ وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.
– كتاب تفسير القرآن/ بَابُ يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا.
– كتاب المناقب/ بَابُ مَنْ أَحَبَّ أَنْ لاَ يُسَبَّ نَسَبُهُ.
– كتاب الأدب/ باب هجاء المشركين.
—
—–
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
(أن عمر مر بحسان، وهو ينشد الشعر في المسجد) أي: المسجد النبوي في المدينة، وعمر آنذاك أمير المؤمنين.
(فلحظ إليه) أي: نظر إليه بمؤخر عينه، من أحد جانبيه، يقال: لحظه بالعين، ولحظ إليه لحظا ولحظانا، وكثيرا ما تستعمل هذه النظر في مؤاخذة الملحوظ، كما فهم منها حسان، وفي رواية فقال عمر: “أفي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تنشد الشعر؟! “.
(فقال: قد كنت أنشد، وفيه من هو خير منك) أي: فقال حسان لعمر، ردا على لحظته: لم تؤاخذني؟ وقد أقرني على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟.
(ثم التفت إلى أبي هريرة) أي: التفت حسان إلى أبي هريرة – وكان بجواره – يستشهد به.
(فقال: أنشدك الله.
أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أجب عني، اللهم أيده بروح القدس))؟ قال: اللهم نعم) وفي رواية: فسكت عمر.
وأنشدك بفتح الهمزة وضم الشين، أي: أسألك الله، والنشد بفتح النون وسكون الشين التذكر، يقال: نشد فلانا قصده وسأله، ونشد فلانا بكذا، أي ذكره به واستعطفه، يقال: نشدتك الله، وبالله، ونشدتك الرحم، وبالرحم، والمراد ((بروح القدس)) هنا جبريل، يدل عليه ما في الرواية الثالثة: وجبريل معك.
والمراد بالإجابة الرد على الكفار الذين هجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وفي الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصب لحسان منبرا في المسجد، فيقوم عليه، يهجو الكفار.
(اهجهم، أو هاجهم، وجبريل معك) يقال: هجا فلانا، يهجوه، هجوا، وهجاء: ذمه، وعدد معايبه، ويقال: هاجاه مهاجاة، إذا هجا كل منهما صاحبه.
(أن حسان بن ثابت كان ممن كثر على عائشة، فسببته) أي: ذكر اسمه في مجلس عائشة، فسبه عروة؛ لأنه أكثر من نقل كلام الإفك عن عائشة، وقد صح عن عائشة أنها عدت العصبة التي جاءت وأذاعت الإفك، فعدت عبد الله بن أبي بن سلول، وحمنة بنت جحش، أخت أم المؤمنين زينب رضي الله عنها، وزوجة طلحة بن عبيد الله، ومسطح بن أثاثة، وحسان بن ثابت.
ومن الناس من برأ حسان، وهو خلاف ما في الصحيح، والظاهر أنه – رضي الله عنه – اعتذر عما نسب إليه في شأن عائشة في أبيات سنذكرها، فقبلت اعتذاره، وعطفت عليه بعد أن أصيب بالعمى.
=====
*قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في الفتح (باختصار):*
قوله يستشهد أي يطلب الشهادة والمراد الإخبار بالحكم الشرعي وأطلق عليه الشهادة مبالغة في تقوية الخبر.
قوله (أنشدك) .. أي سألتك الله ..
قوله (أيده) أي قوه وروح القدس المراد هنا جبريل بدليل حديث البراء عند المصنف أيضا بلفظ وجبريل معك والمراد بالإجابة الرد على الكفار الذين هجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه
وفي الترمذي من طريق أبي الزناد عن عروة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصب لحسان منبرا في المسجد فيقوم عليه يهجو الكفار وذكر المزي في الأطراف أن البخاري أخرجه تعليقا نحوه وأتم منه لكني لم أره فيه.
قال ابن بطال ليس في حديث الباب أن حسان أنشد شعرا في المسجد بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم لكن رواية البخاري في بدء الخلق من طريق سعيد تدل على أن قوله صلى الله عليه وسلم لحسان أجب عني كان في المسجد وأنه أنشد فيه ما أجاب به المشركين.
*وقال ابن حجر في موضع آخر (باختصار):*
قوله (عن عائشة رضي الله عنها قالت جاء حسان بن ثابت يستأذن عليها) فيه التفات من المخاطبة إلى الغيبة وفي رواية مؤمل عن سفيان عند الإسماعيلي (كنت عند عائشة فدخل حسان فأمرت فألقيت له وسادة فلما خرج، قلت أتأذنين لهذا).
قوله (قلت أتأذنين لهذا) في رواية مؤمل (ما تصنعين بهذا)
وفي رواية شعبة في الباب الذي يليه (تدعين مثل هذا يدخل عليك وقد أنزل الله: والذي تولى كبره منهم وهذا مشكل لأن ظاهره أن المراد بقوله “والذي تولى كبره منهم” هو حسان بن ثابت وقد تقدم قبل هذا أنه عبد الله بن أبي وهو المعتمد وقد وقع في رواية أبي حذيفة عن سفيان الثوري عند أبي نعيم في المستخرج (وهو ممن تولى كبره) فهذه الرواية أخف إشكالا.
قلت سيف بن دورة: يقصد أن لفظ (من) يشمله ولا يختص به.
قوله (قالت أو ليس قد أصابه عذاب عظيم) في رواية شعبة (قالت وأي عذاب أشد من العمى).
قلت سيف بن دورة: هذا خطأ من عائشة. لأن الابتلاء من أمور الغيب هل هو تكفيير ذنوب أو رفع درجات. ثم هو إن شاء الله طهر بالجلد. ويلتمس لها عذر أن الصحابة أهل تواضع أمام الله فيحقرون أنفسهم أمام الله. ولا تعلم ذنبا أعظم لحسان من حادثة الإفك.
قوله قال سفيان (تعني ذهاب بصره) زاد أبو حذيفة (وإقامة الحدود) ووقع بعد هذا الباب في رواية شعبة تصريح عائشة بصفة العذاب دون رواية سفيان ولهذا احتاج أن يقول تعني ..
*وقال ابن حجر في موضع آخر:*
قوله (اهجهم أو هاجهم بالشك والثاني أخص من الأول.
قوله: وزاد إبراهيم بن طهمان وصله النسائي وإسناده على شرط البخاري وأبو إسحاق هو الشيباني واسمه سليمان وزيادته في هذا الحديث معينة أن الأمر له بذلك وقع يوم قريظة.
ووقع في حديث جابر رضي الله عنه عند بن مردويه (لما كان يوم الأحزاب وردهم الله بغيظهم قال النبي صلى الله عليه وسلم من يحمي أعراض المسلمين فقام كعب وبن رواحة وحسان فقال لحسان اهجهم أنت فإنه سيعينك عليهم روح القدس) فهذا يؤيد زيادة الشيباني المذكورة فإن يوم بني قريظة مسبب عن يوم الأحزاب والله أعلم
ولا مانع أن يتعدد وقوع الأمر له بذلك وأورد بن إسحاق لحسان في شأن بني قريظة عدة قصائد وقد تقدمت الإشارة إلى شيء من ذلك في الحديث الذي قبله.
*وقال ابن حجر في موضع آخر (باختصار):*
قوله استأذن حسان بن ثابت أي بن المنذر بن عمرو بن حرام الأنصاري الخزرجي وسبب هذا الاستئذان مبين عند مسلم من طريق أبي سلمة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اهجوا المشركين فإنه أشد عليهم من رشق النبل فأرسل إلى بن رواحة فقال اهجهم فهجاهم فلم يرض فأرسل إلى كعب بن مالك ثم أرسل إلى حسان فقال قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه ثم أدلع لسانه فجعل يحركه ثم قال والذي بعثك بالحق لأفرينهم بلساني فري الأديم قال لا تعجل
وروى أحمد من حديث كعب بن مالك قال (قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم اهجوا المشركين بالشعر فإن المؤمن يجاهد بنفسه وما له والذي نفس محمد بيده كأنما تنضحونهم بالنبل) وروى أحمد والبزار من حديث عمار بن ياسر (قال لما هجانا المشركون قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قولوا لهم كما يقولون لكم).
قوله (كيف بنسبي فيهم) أي كيف تهجو قريشا مع اجتماعي معهم في نسب واحد وفي هذا إشارة إلى أن معظم طرق الهجو العض بالآباء.
قوله (لأسلنك منهم) أي لأخلصن نسبك من نسبهم بحيث يختص الهجو بهم دونك وفي رواية أبي سلمة المذكور فقال (ائت أبا بكر فإنه أعلم قريش بأنسابها حتى يخلص لك نسبي فأتاه حسان ثم رجع فقال قد محض لي نسبك).
قوله (كما تسل الشعرة من العجين) أشار بذلك إلى أن الشعرة إذا أخرجت من العجين لا يتعلق بها منه شيء لنعومتها بخلاف ما إذا سلت من العسل مثلا فإنها قد يعلق بها منه شيء. وأما إذا سلت من الخبز فإنها قد تنقطع قبل أن تخلص. ….
قوله (كان ينافح) بكسر الفاء بعدها مهملة ومعناها يدافع أو يرامي قال الكشميهني في رواية أبي ذر عنه نفحت الدابة إذا رمحت بحوافرها ونفحه بالسيف إذا تناوله من بعيد وأصل النفح بالمهملة الضرب وقيل للعطاء نفح كأن المعطي يضرب السائل به …
*وقال ابن حجر في موضع آخر (باختصار):*
وقوله (استأذن حسان) ووقع في طريق مرسلة بيان ذلك وسببه فروى بن وهب في جامعه وعبد الرزاق في مصنفه من طريق محمد بن سيرين قال (هجا رهط من المشركين النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال المهاجرون يا رسول الله ألا تأمر عليا فيهجو هؤلاء القوم فقال إن القوم الذين نصروا بأيديهم أحق أن ينصروا بألسنتهم فقالت الأنصار أرادنا والله فأرسلوا إلى حسان فأقبل فقال يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما أحب أن لي بمقولي ما بين صنعاء وبصرى فقال أنت لها فقال لا علم لي بقريش فقال لأبي بكر أخبره عنهم ونقب له في مثالبهم وقد تقدم بعض هذا موصولا من حديث عائشة وهو عند مسلم ….
______
*قال الحافظ ابن رجب الحنبلي -رحمه الله- في الفتح (باختصار):*
ليس في هذه الرواية التي خرجها البخاري هاهنا إنشاد حسان في المسجد، إنما فيه ذكر مدح حسان على إجابته عن النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – والدعاء له على ذلك، وكفى بذلك على فضل شعره المتضمن للمنافحة عن رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والرد على أعدائه والطاعنين عليه، والمساجد لا تنزه عن مثل ذلك.
ولهذا قال النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((إن من الشعر حكمة)).وقد خرجه البخاري في موضع أخر من حديث أبي بن كعب – مرفوعا.
وخرج – أيضا – من حديث البراء، أن النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال لحسان: ((اهجهم – او هاجمهم – وجبريل معك)).
وسيأتي ذكر سبب اختصاص جبريل في آخر الشرح كلطيفة من اللطائف
_______
*قال العيني -رحمه الله- في العمدة (باختصار شديد):*
حسان بن ثابت بن المنذر بن الحرام، ضد الحلال، الأنصاري المدني، شاعر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، من فحول شعراء الإسلام والجاهلية، وعاش كل واحد منهم مائة وعشرين سنة.
وقال أبو نعيم: لا يعرف في العرب أربعة تناسلوا من صلب واحد واتفقت مدد أعمارهم هذا القدر غيرهم، وعاش حسان في الجاهلية ستين سنة وفي الإسلام كذلك، مات سنة خمسين بالمدينة ……
ذكر ما يستنبط منه من الأحكام:
الأول: فيه الدلالة على أن الشعر الحق لا يحرم في المسجد، والذي يحرم فيه ما فيه الخناء والزور والكلام الساقط ..
الثاني من الأحكام: جواز الاستنصار من الكفار. قال العلماء: ينبغي أن لا يبدأ المشركون بالسب والهجاء مخافة من سبهم الإسلام وأهله، قال تعالى: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} (الأنعام: 108) ولتنزيه ألسنة المسلمين عن الفحش، إلا أن تدعو إلى ذلك ضرورة كابتدائهم به
الثالث: فيه استحباب الدعاء لمن قال شعرا، مثل قصة حسان.
الرابع: فيه الدلالة على فضيلة حسان رضي الله تعالى عنه
– قوة عمر بن الخطاب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
– فيه من آداب المساجد.
– أخرج احمد 25020 قالت عائشة وسألت عن الشعر هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتسامع عنده الشعر؟ قال: كان أبغض الحديث إليه. وهو على شرط الذيل على الصحيح المسند. قسم الزيادات على الصحيح المسند. فالحديث في الصحيح المسند 1547 لكن هنا زيادة
– قال ابن المنذر دل حديث أبي هريرة انه لما أباح لحسان بن ثابت أن يهجو المشركين في المسجد أن الشعر المنهي عنه أن ينشد في المسجد القبح منه دون الحسن. الأوسط 5/ 127
قال ابن عبدالبر: وهذه محمله عندي أن يكون الشعر الذي ينشد في المسجد ما ليس فيه منكر من القول ولا زور وحسبك ما ينشد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أما شعر الفخر بالآباء الكفار والتشبيب بالنساء و الخنا فهذا لا يجوز في المسجد ولا غيره. الاستذكار 2/ 368
ونحو ذلك نقل عن ابن بطال والنووي
قال ابن قدامة وليس في إباحة الشعر خلاف. وقد قاله الصحابة والعلماء والحاجة تدعو إليه لمعرفة اللغة والاستشهاد به في التفسير والسنة. ويستدل به على النسب والتاريخ وأيام العرب. أما الآية فالمقصود من اسرف وكذب. وقد استثنت الآية المؤمنين.
وكذلك ما ورد من الحديث أنه يمتلأ جوفه قيحا خير من أن يمتلأ شعرا المقصود يغلب عليه الشعر حتى يشغله عن القرآن والفقه. قاله أبو عبيدة. وراجع كلام ابن تيمية بمعناه الاستقامة 1/ 243. وقريب منه كلام ابن حجر أيضا
قال أحمد في الشعر الجاهلي ما انفعه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من الشعر لحكمه وقال إسحاق مثله. مسائل أحمد وإسحاق
قال ابن رجب: قال ابن عبدالبر: إنما ينشد الشعر في المسجد غبا من غير مداومة الفتح 3/ 334: ثم نقل ابن رجب اباحته في المسجد عن جمهور العلماء.
وراجع شرحنا على الصحيح المسند:
1566 – قال الإمام أبو داود رحمه الله: حدثنا محمد بن سليمان المصيصي لوين حدثنا ابن أبي الزناد عن أبيه عن عروة وهشام عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع لحسان منبرا في المسجد فيقوم عليه يهجو من قال في رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن روح القدس مع حسان ما نافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا حديث حسن
– رفع الصوت في المسجد للحاجة جائز. أما لمصلحة نفسه فيدعى عليه قرره القرطبي. وقال مالك الذي يسأل عن ضالة لا يرفع صوته إنما يسأل عن ذلك جلساءه غير رافعا لصوته … . شرح المنتقى
– فيه تأييد الله لمن ينصر دينه.
– يدل على مكانة حسان عند أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
– وفعل أم المؤمنين رضي الله عنها مع حسان رضي الله عنه، يدل على مكانة النبي صلى الله عليه وسلم عنها.
– فيه: قوة الشعر في الدفاع.
– فيه شدة التحري عند الهجاء أن لا يصيب شيء من النبي صلى الله عليه وسلم، أو من لا صلة له بهذا الهجاء.
– جواز مدح النفس للحاجة.
====
وبعد هذا البيت قال:
حليلة خير الناس دينا ومنصبا
نبي الهدى ذي المكرمات الفواضل
عقيلة حي من لؤي بن غالب
كرام المساعي، مجدهم غير زائل
مهذبة (قد طيب الله خيمها)
وطهرها من كل سوء وباطل
فإن كنت قد قلت الذي قد زعمتمو
فلا رفعت سوطي إلى أناملي
وكيف وودي ما حييت ونصرتي
لآل رسول الله زين المحافل
له رتب عال على الناس كلهم
تقاصر عنه (سورة المتطاول)
فإن الذي قد قيل (ليس بلائط)
ولكنه قول امرئ (بي ماحل)
قد (طيب الله خيمها) أي قد طيب ريحها، (سورة المتطاول) بفتح السين وسكون الواو، أي: وثبة مدعي الطول، (وليس بلائط) أي: ليس بلاصق بي على الحقيقة، (بي ماحل) أي: بي واش وساع بي إلى ذي السلطان.
(قال حسان: يا رسول الله، ائذن لي في أبي سفيان) المراد بأبي سفيان هذا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين في ذلك الوقت، ثم أسلم وحسن إسلامه.
(فقال حسان:
وإن سنام المجد من آل هاشم
بنو [بنت مخزوم] [ووالدك العبد])
ولم يذكر مسلم البيت الثاني، وبه تتم الفائدة، وهو المراد المقصود، وهو:
[ومن ولدت أبناء زهرة منهمو]
كرام، ولم يقرب عجائزك المجد.
والمراد (ببنت مخزوم) فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم، أم عبد الله والزبير وأبي طالب، وقوله [ومن ولدت أبناء زهرة منهمو] مراده هالة بنت وهب بن عبد مناف، أم حمزة وصفية، وأما قوله [ووالدك العبد] فهو سب لأبي سفيان بن الحارث، ومعناه: أن أم الحارث بن عبد المطلب والد أبي سفيان هذا، هي سمية بنت موهب، وموهب غلام لبني عبد مناف، وكذا أم أبي سفيان بن الحارث، كانت كذلك، وهو مراده بقوله: ولم يقرب عجائزك المجد.
(قصيدته هذه) بالنصب، مفعول به لفعل محذوف، أي اقرأ، أو راجع قصيدته هذه.
[توضيح الأبيات]
(قال حسان:
هجوت محمدا، فأجبت عنه
وعند الله في ذاك الجزاء)
يخاطب من هجا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتوعده بأنه سيجيب ويدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إجابة ودفاعا لا يدافعه مدافع؛ لأن أجره عند أعظم مجاز، وأكرم معط.
(هجوت محمدا، برا، تقيا
رسول الله شيمته الوفاء)
وفي بعض النسخ: (برا حنيفا) والبر: بفتح الباء واسع الخير، وهو مأخوذ من البر، بكسر الباء، وهو الاتساع في الإحسان، وهو اسم جامع للخير، وقيل: البر هنا بمعنى المتنزه عن المآثم، وأما الحنيف فقيل: هو المستقيم، والأصح أنه المائل إلى الخير، وقيل: الحنيف التابع ملة إبراهيم عليه السلام.
وقوله (شيمته الوفاء) أي: خلقه الوفاء، وكلها منصوبة على الحال.
(فإن أبي ووالده وعرضي
لعرض محمد منكم وقاء)
قال النووي: هذا مما احتج به ابن قتيبة لمذهبه، أن عرض الإنسان هو نفسه، لا أسلافه؛ لأنه ذكر عرضه وأسلافه بالعطف، وقال غيره: عرض الرجل أموره كلها، التي يحمد بها ويذم من نفسه، وأسلافه، وكل ما لحقه نقص بعيبه، وأما قوله وقاء فبكسر الواو، وبالمد، وهو ما وقيت به الشيء.
(ثكلت بنيتي إن لم تروها
تثير النقع من كنفي كداء)
كنفا كداء جانبا كداء، وهي ثنية على باب مكة، وفي بعض النسخ غايتها كداء وفي بعضها موعدها كداء يهدد قريشا والمشركين بمكة بأن خيل المسلمين ستثير الغبار في جبال مكة، فتغزوهم.
وتهاجمهم، ويزيد في وصف الخيل والفرسان، فيقول:
(يبارين الأعنة مصعدات
على أكتافها الأسل الظماء
تظل جيادنا متمطرات
تلطمهن بالخمر النساء)
ويروى: يبارعن الأعنة. وفي رواية: (يبارين الأسنة ومصعدات) أي: مقبلات إليكم ومتوجهات، دون تراجع (على أكتافها الأسل الظماء) أي فوق ظهورها الرماح العطشى إلى الدماء، وفي بعض الروايات (الأسد الظماء) أي الرجال المشبهون للأسد العطاش إلى دمائكم. (تظل جيادنا متمطرات) أي: تظل خيولنا مسرعات، يسبق بعضها بعضا، كسيل المطر (تلطمهن بالخمر النساء) أي: تمسحهن النساء بخمرهن، جمع خمار، أي يزلن عنهن الغبار بخمرهن، لعزتها وكرامتها عندهم، وحكى القاضي أنه روي بالخمر بفتح الميم، جمع خمرة، وهو صحيح المعنى، لكن الأول هو المعروف، وهو الأبلغ في إكرامها.
(فإن أعرضتموا عنا اعتمرنا
وكان الفتح وانكشف الغطاء
وإلا فاصبروا لضراب يوم
يعز الله فيه من يشاء
وقال الله قد أرسلت عبدا
يقول الحق ليس به خفاء
وقال الله (قد يسرت جندا)
هم الأنصار، (عرضتها اللقاء)
يلاقى كل يوم من معد
سباب أو قتال أو هجاء
فمن يهجو رسول الله منكم
ويمدحه وينصره سواء
وجبريل رسول الله فينا
وروح القدس ليس له كفاء)
(قد يسرت جندا) أي هيأتهم، وأرصدتهم لقتال المشركين (عرضتها اللقاء) بضم العين، أي مقصودها ومطلوبها ليس له كفاء أي ليس له مماثل، ولا مقاوم.
[انظر: المنهاج للنووي، وفتح المنعم]
[رواية ديوان حسان: يبارين الاسنة مصغيات … ومباراتها الاسنة: هو أن يضجع الرجل رمحه، فكأن الفرس يركض ليسبق السنان.
والمصغيات: الموائل المنحرفات للطعن، والاسل: الرماح].
تَظَلُّ جِيَادُهَا مُتَمَطِّرَاتٍ … يُلَطِّمُهُنَّ بِالخُمُرِ النِّسَاءُ
[متمطرات: خارجات من جمهور الخيل من سرعتها، وتلطمهن: تضرب النساء وجوههن لتردهن
والخمر: جمع خمار: ما تغطي به المرأة رأسها، ونقل ابن ” دريد ” في ” الجمهرة ” أن الخليل كان يروي البيت:
تظل جيادنا متمطرات * تظلمهن بالخمز النساء
وينكر ” تلطمهن “، ويجعله بمعني: تنفض النساء بخمرهن ما عليهن من غبار، من الطلم: وهو ضربك خبزة الملة بيدك لتنفض ما عليها من الرماد].
[أي: همتها ودابها لقاء الفرسان، من قولهم: بعير عرضة للسفر، أي: قوي عليه، وفلان عرضة للشر، أي: قوي عليه.]
يُلاَقُوْا كُلَّ يَوْمٍ مِنْ مَعَدٍّ … سِبَاباً أَوْ قِتَالاً أَوْ هِجَاءُ
[كذا رواية الأصل، وعند الطبراني (3582): تلاقي، وفيه على هذا إقواء، ورواية مسلم والديوان.
لنا في كل يوم من معد * سباب أو قتال أو هجاء
وقوله: لنا، أي: معشر الانصار].
[الخبر مع الشعر أخرجه مسلم (2490)، والطبراني (3582)، والابيات في ” ديوان حسان ” 1/ 17، 18، و” سيرة ابن هشام ” 2/ 421، 424، والسهيلي 2/ 280، وابن سيد الناس 2/ 181، و” تهذيب ابن عساكر ” 4/ 130، 131].
======
?
2 – ترجمة الصحابي الجليل: حسان بن ثابت بن المنذر الأنصاري الخزرجي رضي الله عنه
شيء مما ذكر في ترجمة
حسان بن ثابت بن المنذر الأنصاري الخزرجي
رضي الله عنه
اسمه: “حَسَّانُ بنُ ثَابِتِ بنِ المُنْذِرِ بنِ حَرَامٍ الأَنْصَارِيُّ *
ابْنِ عَمْرِو بنِ زَيْدِ مَنَاةَ بنِ عَدِيِّ بنِ عَمْرِو بنِ مَالِكِ بنِ النَّجَّارِ”.
“وَأُمُّهُ: الفُرَيْعَةُ بِنْتُ خُنَيْسٍ”. خزرجية
قال عنه الذهبي: ” شَاعِرُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَصَاحِبُهُ”، و”سَيِّدُ الشُّعَرَاءِ المُؤْمِنِيْنَ، المُؤيَّدُ بِرُوْحِ القُدُسِ”.
كنيته: “أَبُو الوَلِيْدِ – وَيُقَالُ: أَبُو الحُسَامِ – الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ، النَّجَّارِيُّ، المَدَنِيُّ، ابْنُ الفُرَيْعَةِ”.
“قَالَ مُسْلِمٌ: كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
وَقِيْلَ: أَبُو الوَلِيْدِ”.
فرع: إسلامه:
أدركت الإسلام فأسلمت وبايعت
قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعمر حسان ستون سنة، قيل: وعاش في الإسلام ستين سنة ومات وهو ابن مائة وعشرين سنة، توفي في خلافة علي رضي الله عنه، وقيل: توفي سنة خمسين أو أربع وخمسين.
رضي الله عنه وأرضاه.
[علمه رضي الله عنه]
حَدَّثَ عَنْهُ: “ابْنُهُ؛ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَالبَرَاءُ بنُ عَازِبٍ، وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَأَبُو سَلَمَةَ، وَآخَرُوْنَ.
وَحَدِيْثُهُ قَلِيْلٌ”.
“وَقَالَ ابْنُ مَنْدَةَ: حَدَّثَ عَنْهُ: عُمَرُ، وَعَائِشَةُ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ”.
فقره: كان حسان من الفقراء حتى ان أبا طلحة جعل بستان له صدقة له ولابي بن كعب.
[شعره رضي الله عنه:]
– فضل على الشعراء بثلاثة كان شاعر الأنصار في الجاهلية وشاعر النبي صلى الله عليه وسلم في أيام النبوة وشاعر اليمن كلها في الإسلام.
– ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
كَانَ حَسَّانٌ يَضَعُ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْبَراً فِي المَسْجِدِ، يَقُوْمُ عَلَيْهِ قَائِماً، يُنَافِحُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَسُوْلُ اللهِ يَقُوْلُ: ((إِنَّ اللهَ يُؤَيِّدُ حَسَّانَ بِرُوْحِ القُدُسِ مَا نَافَحَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)). [سنن أبي داود (5015)، والترمذي (2846) كلاهما في الأدب، وأخرجه أحمد 6/ 72، وصححه الحاكم 3/ 487، ووافقه الذهبي].
وهذا يدل على مكانة حسان رضي الله عنه عند النبي صلى الله عليه وسلم.
مما ورد من مكانته رضي الله عنه عند عائشة رضي الله عنها خاصة:
فَقَالَتْ: إِنَّهُ – تَعْنِي: أَنَّه كَانَ يُجِيْبُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيَشْفِي صَدْرَهُ مِنْ أَعْدَائِهِ – وَقَدْ عَمِيَ، وَإِنِّي لأَرْجُو أَلاَّ يُعَذَّبَ فِي الآخِرَةِ. [” تهذيب ابن عساكر ” 4/ 129].
مما ورد في دفاعها رضي الله عنها عنه رضي الله عنها:
– وَعَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: سَبَبْتُ ابْنَ فُرَيْعَةَ عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَتْ:
يَا ابْنَ أَخِي، أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ لَمَا كَفَفْتَ عَنْهُ؛ فَإِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
[أخرجه البخاري 7/ 338، ومسلم (2487)].
وقوله: ” فشركما لخيركما الفداء “.
قال السهيلي: وفي ظاهر اللفظ بشاعة، لان المعروف أن لا يقال: هو شرهما إلا وفي كليهما شر.
ولكن سيبويه قال في ” كتابه “: تقول: مررت برجل شر منك: إذا نقص عن أن يكون مثله، وهذا يدلع الشناعة، ونحو منه قوله صلى الله عليه وسلم: ” شر صفوف الرجال آخرها ” يريد: نقصان حظهم عن حظ الأول].
فيه: قوة الشعر في الدفاع.
أبي يعلى (2615) قال حدثنا محمد بن بكار
حدثنا حديج بن معاوية حدثنا أبو إسحق عن سعيد بن جبير به
– حُدَيْجُ بنُ مُعَاوِيَةَ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، قَالَ:
قِيْلَ لابْنِ عَبَّاسٍ: قَدِمَ حَسَّانُ اللَّعِيْنُ!
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا هُوَ بِلَعِيْنٍ، قَدْ جَاهَدَ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِنَفْسِهِ، وَلِسَانِهِ
وهو في ” تهذيب ابن عساكر ” 4/ 131]. وتاريخ دمشق 12/ 399 من طريق لوين نا حديج بن معاوية به
فهو على شرط الذيل على الصحيح المسند
قُلْتُ: هَذَا دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ غَزَا. خلافا لما يتناقل أنه كان جبان. ثم لم يسند في وصفه بالجبن انما نقله ابن عساكر عن ابن سعد راجع تاريخ دمشق 12/ 380 ثم لو كان جبان لما قبل قوله تظل جيادنا متمطرات. … يلطمهن بالخمر النساء.
وكان يكثر رثاء عثمان وهجاء قاتليه.
ورثى المنذر بن عمرو
ومدح بشر بن البراء لما سوده رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرتض الجد بن قيس لبخله.
وراجع اشعار له أخرى في ترجمته في تاريخ دمشق. 12/ 378 وما بعدها
[المشاهد، والهجرة]
أ – هجرته رضي الله عنه:
“قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: سَأَلْتُ سَعِيْدَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَسَّانٍ: ابْنُ كَمْ كَانَ حَسَّانٌ وَقْتَ الهِجْرَةِ؟
قَالَ: ابْنَ سِتِّيْنَ سَنَةً، وَهَاجرَ رَسُوْلُ اللهِ ابْنَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ”
[وفاته]
قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعمر حسان ستون سنة، قيل: وعاش في الإسلام ستين سنة ومات وهو ابن مائة وعشرين سنة، توفي في خلافة علي رضي الله عنه، وقيل: توفي سنة خمسين أو أربع وخمسين.
رضي الله عنه وأرضاه. [فتح المنعم]
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: عَاشَ سِتِّيْنَ سَنَةً فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَسِتِّيْنَ فِي الإِسْلاَمِ.
====
لطيفة في تخصيص جبريل بالمنافحة:
*من لطائف السنة النبوية*
من نصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وذب عنه أعداءه ونافح عنه كان جبريل معه ومؤيدا له
*في صحيح البخاري رحمه الله:*
# عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، أنه سمع حسان بن ثابت الأنصاري: يستشهد أبا هريرة، فيقول: يا أبا هريرة، نشدتك بالله، هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا حسان، أجب عن رسول الله، اللهم أيده بروح القدس قال أبو هريرة: نعم
*قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في الفتح ((3) / (330)):*
وإنما خص النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – جبريل وهو روح القدس بنصرة من نصره ونافح عنه؛ لان جبريل صاحب وحي الله إلى رسله، وَهُوَ يتولى نصر رسله وإهلاك أعدائهم المكذبين
لهم، كما تولى إهلاك قوم لوط وفرعون في البحر.
فمن نصر رسول الله وذب عنه أعداءه ونافح عنه كان جبريل معه ومؤيدا له كما قال لنبيه – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: 4].
====
وهذه مقتطفات من شعر حسان ومواقفه من كتب بعض الأئمة:
قال ابن تيمية:
في أحكام المرتد أن كعب بن الاشرف كان يحرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم و ينشد الأشعار ويبكي على أصحاب قليب بدر وذكروا شعرا … وما رد عليه حسان. وكلما نزل منزلا هجا حسان هذا البيت الذين نزل عندهم حتى لم يجد من يستقبله. … . 3/ 102 وقال إن هجاء حسان يؤثر فيهم أثرا عظيما. … 3/ 108
وقال إن حسان بن ثابت قال يخاطب أبا سفيان: هجوت محمدا فأجبت عنه …..
وذلك أنه انتهاك للحرمة التي نالوا بها سعادة الدنيا والآخرة
من أقارب حسان بن ثابت الصحابي شداد بن أوس بن ثابت الخزرجي ابن أخي حسان بن ثابت.
من أشعار حسان
لا فخر إن هم اصابوا من عدوهم. … وإن اصيبوا فلا خور ولا هلع. (الأمر بالمعروف)
واشعاره كثيرة وله ديوان. لكن يحتاج تحقيق إما من حيث السند للأشعار المجموعة أو من حيث معرفة أسلوب شعر حسان ومعانيه لأنه نسب له أشعار.
– ذكر أن هشام صاحب السيرة اعرض عن شعر لحسان هجا فيه هند زوجة أبي سفيان حين هجت المسلمين بعد وقعة أحد. فهجاها حسان بشعر قاذع
ونقل ابن تيمية في الجواب الصحيح في السيرة لابن إسحاق من طريق يحيى بن عبدالله بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة الأنصاري قال حدثني من شئت من رجال قومي أن حسان بن ثابت الأنصاري قال: والله أني لغلام يفعه ابن سبع سنين أو ثمان سنين أعقل كل ما سمعت إذ سمعت يهوديا يقول على أطم يثرب يصرخ يا معشر اليهود فلما اجتمعوا عليه قالوا ما لك ويلك قال: طلع نجم أحمد الذي يبعث الليلة
– ومن شعر حسان
وشق له من اسمه ليجله. … فذو العرش محمود وهذا محمد
ومن شعره في وصف الأنصار:
لا فخر إن هم اصابوا من عدوهم. … وإن اصيبوا فلا خور ولا هلع.
– رد ابن تيمية على الفلاسفة في اتهامهم جبريل بكلام باطل. فلم يأت بشعر لأن الشعر فليس في القرآن أن الشعراء تتنزل عليهم الشياطين إلا إذا كان أحدهم كذابا أثيما. فالكذاب: في قوله وخبره. والاثيم في فعله وأمره. وذاك والله أعلم: لأن الشعر يكون من الشيطان تارة ويكون من النفس الأخرى. كما إذا كان حقا يكون من روح القدس كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما دعا لحسان بن ثابت: اللهم أيده بروح القدس. مجموع الفتاوى 2/ 51
– دلت الآية أن القاذفين لا تقبل شهادتهم مجتمعين ولا متفرقين. ودلت أيضا على أن شهادتهم بعد التوبة مقبولة كما هو مذهب الجمهور فإنه كان من جملتهم مسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت كما في الصحيح عن عائشة وكان منهم حمنة بنت جحش وغيرها ومعلوم أنه لم يرد النبي صلى الله عليه وسلم إلا المسلمون بعده شهادة أحد منهم لأنهم كلهم تابوا لما نزل القرآن ببراءتها ومن لم يتب حينئذ فإنه كافر مكذب بالقرآن وهؤلاء ما زالوا مسلمين وقد نهى الله عن قطع صلتهم ولو ردت شهادتهم بعد التوبة لاستفاض ذلك كما استفاض رد عمر شهادة أبي بكرة وقصة عائشة أعظم من قصة المغيرة لكن من رد شهادة القاذف بعد التوبة قد يقول: أرد شهادة من حد في القذف وهؤلاء لم يحدوا والأولون يجيبون بأجوبة ……. … راجع مجموع الفتاوى 15/ 354
– ومدح حسان عدي بن عدي قاتل بنت مروان التي كانت تسب النبي صلى الله عليه وسلم وقالت فيه الشعر تهجوه. الصارم المسلول 1/ 96
– بعد ان ذكر قصص في قتل من سب النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن عيب ديننا وشتم نبينا مجاهدة لنا ومحاربة ونقض للعهد. يبين ذلك أن الله سبحانه قال في كتابه (وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله) و الجهاد باللسان قد يكون أقوى من الجهاد بالنفس قال صلى الله عليه وسلم. جاهدوا المشركين بأيديكم وألسنتكم وأموالكم. رواه النسائي.
وكان صلى الله عليه وسلم يقول لحسان بن ثابت: اغزهم وغازهم. ….. الصارم المسلول 1/ 206
– ومن سب النبي صلى الله عليه وسلم قد تعلق به حق الله وحق كل مؤمن فإن اذاه ليس مقصورا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط كمن سب واحد من عرض الناس بل هو أذى لطل مؤمن يل هو أعظم أنواع الأذى ويود كل منهم أن يفتدي هذا العرض بنفسه وأهله وماله وعرضه وقد قال حسان يخاطب أبا سفيان: هجوت محمدا فأجبت عنه … وعند الله في ذاك الجزاء. الصارم المسلول 1/ 434.
-لفظ الكفء: وكذلك الكفء قال حسان بن ثابت: أتهجوه ولست له بكفء … فشركما لخيركما الفداء. فقد نفى أن يكون كفوا لمحمد مع أن كليهما جسم نام حساس متحرك بالإرادة ناطق ولكن النصوص الإلهية لما دلت على أن الرب ليس له كفء في شيء من الأشياء ولا مثل له في أمر من الأمور ولا ند له في أمر من الأمور … . علم أنه لا يماثله عالم قادر ولا سميع ولا بصير في أمر من الأمور. كان ما دل عليه السمع مطابقا لما دل عليه العقل من عدم مماثلة شيء من الأشياء له في أمر من الأمور. وأما كون ماله حقيقة أو صفة أو قدر يكون بمجرد ذلك مماثلا لما له حقيقة أو صفة أو قدر فهذا باطل عقلا وسمعا ….. درء تعارض العقل والنقل. 1/ 117
– وقال المقوقس لما قرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا: وقال في رسالته للنبي صلى الله عليه وسلم: قد علمت قد بقي وقد اكرمت رسولك واهدى للنبي صلى الله عليه وسلم جاريتين وبغلة تسمى الدلدل فقبل النبي صلى الله عليه وسلم هديته واصطفى الجارية الواحدة واسمها مارية لنفسه فولدت منه إبراهيم وأعطى الأخرى لحسان بن ثابت فولدت منه عبدالرحمن. … الجواب الصحيح 1/ 292
فصل معنى الروح القدس ودفع اعتقاد النصارى ألوهيته.
ثم ذكر أن المقصود بروح القدس جبريل وذكر آيات وذكر حديث اللهم أيده بروح القدس. …. الجواب الصحيح 2/ 182 وراجع أيضا 3/ 18235 و 3/ 195 و 3/ 271 و5/ 290
ذكر قصة حسان لما كان صغيرا وسمع صوت اليهودي وهو يقول: طلع نجم أحمد …. الجواب الصحيح 5/ 166
– معنى الفارقليط إن كان هو الحامد أو الحماد أو الحمد أو المعز فهذا وصف ظاهر في محمد صلى الله عليه وسلم. …. وفي شعر حسان: وشق له من اسمه ليجله. . فذو العرش محمود وهذا محمد. الجواب الصحيح 5/ 302
قرر أن الاستعاذة والاستجارة والاستغاذة من نوع الدعاء ….. ويجوز مدح الله والثناء عليه بالنظم وكذلك دعاؤه …. فليس كل الشعر مذموم ثم ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينصب منبرا لحسان ويأمره بهجاء المشركين. ويقول اللهم أيده بروح القدس. (الرد على البكري)
– في رده على من قال إنه بديهي الأينية خفي الحقيقة: قال فإن لفظ المكان قد يراد به ما يكون الشيء فوقه محتاجا إليه، كما يكون الإنسان فوق السطح. ويراد به ما يكون الشيء فوقه من غير احتياج إليه مثل كون السماء فوق الجو وكون الملائكة فوق الأرض والهواء. ومن هذا قول حسان بن ثابت: تعالى علوًّا فوق عرش إلهنا. … وكان مكان الله أعلى وأعظما مع علم حسان وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن الله غني عن كل ما سواه. وما سواه من عرش وغيره محتاج إليه وهو لا يحتاج إلى شيء وقد أثبت له مكانا 2/ 356 منهاج السنة
– أهدى المقوقس للنبي صلى الله عليه وسلم البغلة ومارية وسيرين أعطى النبي صلى الله عليه وسلم سيرين لحسان بن ثابت. وتسرى مارية فولدت له إبراهيم ….. منهاج السنة
– لا شك أن علي بن أبي طالب كان من اخطب الصحابة وكان أبوبكر خطيبا وعمر خطيبا وكان ثابت بن قيس بن شماس خطيبا معروفا بأنه خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبدالله بن رواحة شعراءه.
ولكن كان أبوبكر يخطب عن النبي صلى الله عليه وسلم في حضوره وغيابه. ….. منهاج السنة 8/ 51
—-
من كتب ابن القيم:
– الرد على هؤلاء وبيان عوارهم من أفضل الجهاد وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت إن روح القدس معك. الصواعق المرسلة.
– فصل في مدح الشجاعة.
ولا ريب عند كل عاقل أن استقبال الموت اذا جاءك خير من استدباره. والله أعلم وقد بين هذا حسان بن ثابت قائلا:
ولسنا على الاعقاب تدمى كلومنا … ولكن على اقدامنا تقطر الدما. … الفروسية.
استدل عبدالله بن سلام على نبوته بنور وجهه ونور كلامه بنوره المرئي ونوره المسموع كما قال حسان بن ثابت: لو لم تكن فيه آيات مبينة. … كانت بداهته تأتيك بالخبر. مختصر الصواعق 1/ 430
ذكر أدلة العلو ومن ذلك إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت في قوله: شهدت بإذن الله أن محمدا. … رسول الذي فوق السماوات من عل. مختصر الصواعق 1/ 433
روح القدس لا زالت تنزل على الأنبياء قبل المسيح ….. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت اللهم أيده بروح القدس. هداية الحيارى في جواب اليهود والنصارى
فصل في شعرائه وخطبائه: وذكر حسان بن ثابت وأنه كان أشدهم على الكفار هو وكعب بن مالك زاد المعاد 1/ 124
– ترك جلد عبدالله بن أبي بن سلول لمصلحة التأليف لقومه … وجلد مسطح وحمنة وحسان وهؤلاء من المؤمنين الصادقين تطهيرا لهم وتكفيرا … زاد المعاد 3/ 236
فصل في إنشاد حسان بن ثابت في عمرة القضاء: فصل: وكان حسان بن ثابت رضي الله عنه قد قال في عمرة الحديبية: عفت ذات الأصابع فالجواء … إلى عذراء منزلها خلاء
إلى أن قال: واسدا ما ينهنهنا اللقاء … عدمنا خيلنا إن لم تروها.
تثير النقع موعدها كداء … ينازعن الأعنة مصعدات. زاد المعاد
– رد على الزبرقان حين قام مفاخرا قال ابن القيم: فقام شاعر الإسلام حسان بن ثابت فأجابه على البديهة: إن الذوائب من فهر واخوتهم … قد بينوا سنة للناس تتبع.
يرضى بها كل من كانت سريرته … تقوى الإله وكل الخير مصطنع. زاد المعاد
– تكلم عن اليقين وأن مجرد العلم بقبح الشيء وسوء عواقبه لا يكفي في تركه فإذا صار علم اليقين كان اقتضاء هذا العلم لتركه أشد فإذا صار عين اليقين كجملة المشاهدات كان تخلف موجبه عنه من أندر الشيء … قال حسان بن ثابت في أهل بدر: سرنا وساروا إلى بدر لحتفهم … لو يعلمون يقين العلم ما ساروا. عدة الصابرين.
—–
من كتب ابن كثير:
– قال ابن الصلاح: شخصان من الصحابة عاش كل منهما ستين سنة في الجاهلية وستين في الإسلام وهما حكيم بن حزام وحسان بن ثابت. وحكى عن ابن إسحاق أن حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام: عاش كل منهم مائة وعشرين سنة قال الحافظ أبونعيم: ولا يعرف هذا لغيرهم من العرب. قلت: قد عمر جماعة من العرب أكثر من هذا. إنما أراد أن أربعة نسقا يعيش كل منهم مائة وعشرين سنة، لم يتفق هذا في غيرهم ….. الباعث الحثيث.
أما البداية والنهاية فذكر حسان بن ثابت كثيرا يستدل بشعره ما بين مدح وهجاء وتحريض و غيره وكله في ذات الإله.
ومما ذكر: – في يوم بدر وقال: كما قال حسان بن ثابت في قصيدة له في بيت يقال إنه أفخر بيت قالته العرب:
وببئر بدر إذ يرد وجوههم::: جبريل تحت لوائنا ومحمد.
فلو كان الخضر حيا لكان وقوفه::: تحت هذه الراية أشرف مقاماته وأعظم غزواته.
واستشهد ابن كثير في تفسيره بشعر حسان في إثبات لغة للعرب. في سورة البقرة. وذكره في حادثة الإفك. (التفسير)
واستشهد بشعره في غزوة بني النضير (التفسير)
——
من مكتبة الذهبي:
وكذلك الذهبي في تاريخه ذكر أشعار حسان بن ثابت في رثاء عثمان وفي مدح الزبير وغيرها. وترجم لبعض بنيه وبعض أحفاده
وذكر في سير أعلام النبلاء ابن يونس أخبرنا يونس عن الزهري عن ابن المسيب عن صفوان بن المعطل قال: ضرب حسان بن ثابت بالسيف في هجاء هجاه به فأتى حسان النبي صلى الله عليه وسلم فاستعداه عليه فلم يقده منه وعقل جرحه وقال: إنك قلت قولا سيئا. رواه معمر فلم يذكر ابن المسيب.
قلت: الذي قاله حسان: أمسى الجلابيب قد عزو وقد كثروا وابن الفريعة أمسى بيضة البلد. فغضب صفوان. وقال: يعرض بي. ووقف ليلة حتى مر حسان فيضربه بالسيف ضربة كشطة جلدة رأسه. فكلم النبي صلى الله عليه وسلم. حسان ورفق به حتى عفا. فأعطاه صلى الله عليه وسلم. سيرين أخت مارية لعفوه فولدت له ابنه عبدالرحمن.
انتهى وابن يونس هو عيسى بن يونس ويونس هو بن يزيد الايلي اختلف رأي الإمام أحمد في حديثه عن الزهري
والمحقق لم يعزه فيحتمل إن حفظه يونس أن يكون على شرط المتمم على الذيل على الصحيح المسند
لا يصح أن آية ذم الشعراء نزلت في المدينة وجاء شعراء المدينة يبكون حسان وابن رواحة وكعب فاستثناهم الله في آخر الآية. قال ابن كثير: الآية مكية.
وقال الذهبي في ترجمة الحسن بن عرفة وسأل كم تبلغ من العمر فقال مئة وعشر سنين. لم يبلغ أحد من أهل العلم هذا السن غيري.
قلت: قد بلغ أيضا هذا السن حسان بن ثابت وحكيم بن حزام وغيرهما من الصحابة وسويد بن غفلة وجماعة من التابعين. وممن شاركه في السن أبوالعباس الحجار. انتهى من السير.
وذكر في ميزان الاعتدال في ترجمة عبدالله بن موسى السلامي الشاعر صاحب عجائب واوابد غمزه الخطيب. روى حديثا ما له أصل. سلسله بالشعراء منهم الفرزدق عن عبدالرحمن بن حسان بن ثابت عن أبيه لكن المتن جيد. انتهى
– وفي الكنى ذكر سعيد بن عبدالرحمن بن حسان بن ثابت الأنصاري من الشعراء عنه ابن إسحاق
——‘——‘—–
تنبيه:
– لا يصح قصة أنه جبن عن قتل اليهودي فقتلته امرأة:
مع الأسف بعض المصادر تذكر أن شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم جبان , وقد قرأت في كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة ما ينسف ذلك ,
يقول أبو الحسن علي بن بسام الشنتريني:
وقد رأيت جماعةً من أهل الأدب ينسبون حسان ابن ثابت رحمه الله إلى الجبن، ويخرجونه من أهل الضرب والطعن، يحتجون في ذلك بقعوده عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في مغازيه وسراياه، وينشدون له في ذلك شعراً أظنهم نحلوه إياه، وهي هذه الأبيات على رواية بعض الرواة:
أيها الفارس المشيح المطير … إن قلبي من السلاح يطير
ليس لي قوة على رهج الخيل … إذا ثور الغبار مثير
أنا في ذا وعند ذاك بليد … ولبيب في غيره نحرير
ولا أمتري أنها منحولة إليه، ومفتعلة عليه؛
وبلغ من حججهم على ذلك حديثه في شأن اليهودي يوم الأحزاب المطيف بالأطم الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم، أحرز فيه النساء والأبناء، وإن حساناً حض صفية بنت عبد المطلب على قتله وأخذ سلاحه، ويقولون لم تكن به قوة على سلبه، فضلاً عن حربه، وذهب عليهم أن حساناً، رحمه الله، كان قد أصيب في بعض حروبهم في الجاهلية، فقطع أكحله، وفي ذلك يقول:
وخان قراع يدي الأكحل … ومن أدل شيءٍ على ذلك أنه هاجى في الجاهلية والإسلام أكثر من ثمانين شاعراً، لم يصفه أحد بالجبن ولا عيره به، ولم يكن شيء يتعايرون به أشد.
ولحسان أيام مشهورة، ومواطن في الحروب مذكورة، وكان ممن له كنيتان في السلم والحرب، كما كان الأبطال تفعل على عهده، كان يكنى في السلم بأبي الوليد، وفي الحرب بأبي نعامة.
المصدر: الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة — 2/ 440
وهناك كتاب لمؤلف معاصر بعنوان حسان بن ثابت لم يكن جبانا.
وهذا بحث آخر مختصر:
مما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية اتهام حسان بن ثابت بالجبن وخاصة في غزوة الأحزاب، ولم تثبت هذه القصة من طرق صحيحة، فتبين براءة حسان بن ثابت من هذه التهمة
اتهام حسان بن ثابت بالجبن
مما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية اتهام حسان بن ثابت بالجبن وخاصة في غزوة الأحزاب، ولم تثبت هذه القصة من طرق صحيحة، فتبين براءة حسان بن ثابت -رضي الله عنه- من هذه التهمة، فهي لا تصح سندًا ولا متنًا.
قال ابن إسحاق: “وحدثني يحي بن عبّاد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد قال: كانت صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها في فارع، حصن حسان بن ثابت، قالت: وكان حسان بن ثابت رضي الله عنه معنا فيه، مع النساء والصبيان، قالت صفية: فمرّ بنا رجل من يهود، فجعل يُطيف بالحصن، وقد حاربت بنو قريظة، وقطعت ما بينها وبين رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون في نحور عدوهم، لا يستطيعون أن ينصرفوا عنهم إلينا إن أتانا آتٍ.
قالت: فقلت: يا حسان، إن هذا اليهودي، كما ترى يُطيف بالحصن، وأني والله ما آمنة أن يدل على عورتنا من وراءنا من يهود، وقد شغل عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأنزل إليه فاقتله، قال. يغفر الله لكِ يا ابنة عبد المطلب، والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا، قالت: فلما قال لي ذلك، ولم أَرَ عنده شيئًا، احتجزتُ ثم أخذت عمودًا، ثم نزلته من الحصن إليه، فضربته بالعمود حتى قتلته. قالت: فلما فرغت منه رجعت إلى الحصن، فقلت: يا حسان، انزل إليه فاسلبه، فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل، قال: مالي بسلبه من حاجة يا ابنة عبد المطلب “.
ويحي بن عبّاد وأبوه ثقتان، لكن الأب تابعي، فالخبر مرسل. ورواه ابن سعد مختصرًا والحاكم من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن صفية بنت عبد المطلب، قال عروة: “وسمعتها تقول … “، ثم قال الحاكم: “هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه”، وتعقبه الذهبي بقوله: “عروة لم يدرك صفية “.
ورواه من طريق آخر عن إسحاق بن إبراهيم الفروي قال: حدثتنا أم فروة بنت جعفر بن الزبير، عن أبيها، عن جدّها الزبير، عن أمّه صفية بنت عبد المطلب .. فذكر نحوه، ثم قال: “هذا حديث كبير غريب الإسناد، وقد رُوي بإسناد صحيح” وقال الذهبي في (التلخيص): “غريّب، وقد رُوي بإسناد صحيح “.
وأم فروة لم أقف لها عن ترجمة، وفي: (سير أعلام النبلاء): أم عروة بنت جعفر. قال الشيخ شعيب الأرناؤوط: “لا تُعرف، وأبوها جعفر ذكره ابن أبي حاتم: 2/ 478، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا “.
وذكر الهيثمي القصة في (المجمع) وقال عن حديث الزبير: “رواه البزار وأبو يعلى باختصار … وإسنادهما ضعيف”. وقال عن حديث عروة: “رواه الطبراني ورجاله إلى عروة رجال الصحيح ولكنه مرسل “.
وعزاه الحافظ ابن حجر في (الفتح) إلى الإِمام أحمد عن عبد الله بن الزبير، وقال عن إسناده: “قوي “.
ولم أجده في (المسند) في مظنّته من ترتيب الشيخ الساعاتي (الفتح الرباني) في “باب ما جاء في غزوة الخندق أو الأحزاب “. ولا في “باب فرض خمس الغنيمة “.
قال ابن عبد البر في (الاستيعاب) في ترجمة حسان -رضي الله عنه: “وقال أكثر أهل الأخبار والسير إن حسان كان من أجبن الناس، وذكروا من جُبنه أشياء مستبشعة رووها عن ابن الزبير أنه حكاها عنه كَرهتُ ذكرها لنكارتها، ومَنْ ذكرها قال: إن حسان لم يشهد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئًا من مشاهده لجبنه (*). وأنكر بعض أهل العلم بالخبر ذلك وقالوا: لو كان حقًا لهجي به، فإنه قد هجا قومًا فلم يهجه أحد منهم بالجبن، ولو كان كذلك لهجي به “.
قال السهيلي في (الروض الأنف): “ومحمل هذا الحديث عند الناس على أن حسانًا كان جبانًا شديد الجبن، وقد دفع هذا بعض العلماء وأنكره، وذلك أنه حديث منقطع الإسناد، وقال: لو صح هذا لهجي به حسان، فإنه كان يُهاجي الشعراء، كضرار، وابن الزِّبْعرى، وغيرهما، وكانوا يناقضونه ويرودُّن عليه، فما عيّره أحد منهم بجبن، ولا وَسَمَه به، فدل هذا على ضعف حديث ابن إسحاق، وإنْ صحّ فلعل حسان أن يكون معتلًا في ذلك اليوم بعلة منعته من شهود القتال، وهذا أولى ما تُأول عليه، وممن أنكر أن يكون هذا صحيحًا أبو عمر [بن عبد البر] في كتاب (الدرر) له “.
براءة حسان بن ثابت من تهمة الجبن
ومن هنا يتبين براءة هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه من هذه التهمة، فهي لا تصح سندًا ولا متنًا، وأدلة ذلك ما يلي:
1 – من ناحية السند فهي لم تروَ بسند صحيح متصل، كما سبق بيانه.
2 – من ناحية المتن: فإن الجبن مما تعيّر به العرب بعضها بعضًا في الجاهلية والإِسلام، ولو عُرف ذلك من حسان رضي الله عنه لهجاه شعراء المشركين، كما سبق ذلك في كلام الإمامين: ابن عبد البر، والسهيلي.
3 – لم يُذكر تخلف حسان رضي الله عنه عن شيء من مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كان فيه القتال مباشرًا، كبدر، وأحد، وحنين، وغيرها.
4 – لم يكن في غزوة الخندق قتال مباشر بين الطرفين؛ للخطة المحكمة بحفر الخندق وحجز الأحزاب، فلم يكن بينهما إلا المراماة، ومنها أصيب سعد بن معاذ رضي الله عنه فلم يكن هناك حاجة للتخلف في مثل هذا الموطن، وشهود المواطن التي فيها بارقة السيوف.
5 – ومما ينبغي أن يُعلم أن حسان بن ثابت رضي الله عنه كان له من العمر في غزوة الخندق ما بين إحدى وسبعين إلى خمسٍ وثمانين سنة، وهي سنّ يُعذر صاحبها عن التخلف عن مثل هذه المحافل.
المصدر: كتاب: ما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية