33جامع الأجوبة في الفقه ص51 يحتاج مراجعة
هل نجاسة لعاب الكلب مخصوص في كلب دون كلب؟
وحكم الغسل سبع مرات؟
وحكم التتريب؟
وموقع التتريب؟
وكيفية إضافة التراب؟
وهل يقوم الصابون والاشنان مقام التراب؟
————————-
جواب سيف بن دورة الكعبي :
وقفت على بحث بعنوان الفوائد العِذاب فيما جاء في الكلاب . وسبق نقل فوائده في المسألة السابقة، ولنذكر هنا تتمة الفوائد قال بعد أن ذكر أحاديث غسل الإناء من ولوغ الكلب:
فوائد الأحاديث:
9 – وجوب التسبيع، إذ لا صارف للأمر عن الوجوب وهو قول الشافعي ومالك وأحمد وابن المنذر. (المغني [1/ 45]، (المجموع [2/ 580]).
وعليه: فمن قال بالاستحباب -كأبي حنيفة كما في (بدائع الصنائع [1/ 87]) – فقد أخطأ.
ويرى أبو حنيفة أنَّ الغسل من ولوغ الكلب ثلاث مرات، واحتج له أصحابه بما يلي:
أ- عن أبي هريرة موقوفاً: أنه يغسل من ولوغه ثلاث مرات-وانظر المحلى [1/ 124] ففيه ردٌّ وافٍ أيضاً-.
قالوا: وأبو هريرة هو الراوي للغسل من الولوغ سبعاً، فالعبرة بما رأى لا بما روى تحسيناً للظن عن مخالفة النص.
قلت: الأثر رواه الدارقطني [1/ 66]، وقال: هذا موقوفٌ، ولم يروه هكذا غير عبد الملك عن عطاء، والله أعلم. ا.هـ.
وقال البيهقي [1/ 242]: وفي ذلك دلالة على خطأ رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن أبي هريرة في الثلاث. وعبد الملك لا يقبل منه ما يخالف الثقات. ا.هـ.
وقال الحافظ: … فالموافقة- أي: موافقة رأي أبي هريرة لما رواه من السبع – وَرَدَتْ من رواية حماد بن زيد عن أيوب عن ابن سيرين عنه. وهذا من أصح الأسانيد وأما المخالفة: فمن رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عنه، وهو دون الأول في القوة بكثير. ا. هـ (الفتح [1/ 367]). وانظر (المجموع [2/ 599 – 600]).
– وأما قولهم (العبرة بما رأى لا بما روى) فباطلٌ لأنَّه:
أولاً: غيرُ ثابتٍ أنَّه رضي الله عنه خالف ما روى.
وثانياً: قال ابن حزم:
لكن السنَّة الثابتة لا يحل خلافها، وما نبالي بخلاف ابن عباس [أي: في بيع أمهات الأولاد]، فقد يخالفها متأوِّلاً أنَّه خصوصٌ، أو قد ينسى ما روى، وما كلَّفَنا الله تعالى أنْ نراعي أقوال القائلين، إنما أَمرنا بقبول رواية النافرين ليتفقهوا في الدين، المنذرين لمن خلفهم من المؤمنين، بما بلغهم وصحَّ عنهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ا. هـ – انظر “الإحكام في أصول الأحكام” [4/ 161 – 162]-.
وقال ابن القيم:
والذي نَدينُ الله به، ولا يَسَعُنا غيره، وهو القصد في هذا الباب: بأنَّ الحديثَ إذا صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يصحَّ عنه حديثٌ آخر ينسخه أنَّ الفرض علينا وعلى الأمَّة الأخذ بحديثه وترك كل ما خالفه، ولا نتركه لخلاف أحدٍ من الناس كائناً من كان لا راويه ولا غيره، إذ من الممكن أنْ ينسى الراوي الحديث، أو لايحضره وقت الفتيا، أو لا يتفطن لدلالته على تلك المسألة أو يتأول فيه تأويلاً مرجوحاً، أو يقوم في ظنِّه ما يعارضه ولا يكون معارضاً في نفس الأمر أو يقلد غيره في فتواه بخلافه لاعتقاده أنَّه أعلم منه، أو أنَّه إنما خالفه لما هو أقوى منه.
ولو قُدِّر انتفاء ذلك كله -ولا سبيل إلى العلم بانتفائه ولا ظنه- لم يكن الراوي معصوماً، ولم توجب مخالفته لما رواه سقوط عدالته حتى تغلب سيئاتُه حسناتِه، وبخلاف هذا الحديث الواحد لا يحصل له حجة. ا. هـ.- انظر “إعلام الموقعين” [3/ 52]-.
وقال الشوكاني:
وترجيح رأي الصحابي على روايته عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ورواية غيره: من الغرائب التي لا يُدرَى ما الحامل عليها. ا. هـ.- انظر “نيل الأوطار” [1/ 21].
ب- واحتجوا لأبي حنيفة أيضاً بأنه جاء في بعض طرق حديث أبي هريرة مرفوعاً: في الكلب يلغ في الإناء يغسله ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً.
قلت: الرواية في الدارقطني [1/ 66] وهي روايةٌ ضعيفةٌ جدّاً، لأنَّ فيها (عبد الوهاب ابن الضحاك) وهو متروك -كما قال الدارقطني نفسه بعد تلك الرواية- وفيها (إسماعيل ابن عياش) وروايته عن الحجازيين ضعيفةٌ وهي هنا عن واحدٍ منهم وهو هشام بن عروة.-وانظر المجموع [2/ 599] ففيه تفصيلٌ لما أجملناه من سبب ضعف الحديث-.
جـ- وقال الأحناف: إنَّ الحديثَ محمولٌ على حالة الأمر بقتل الكلاب، فلما نهى عن قتلها نسخ ذلك.
قلت: وهذا مردودٌ لأنَّ النسخ لا يثبت بالحدس والرأي. بل ظاهر سياق حديث عبد الله بن مغفل عند مسلم: أمره بالتسبيع من ولوغها بعد النهي عن قتلها، فإنه قال فيه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب ثم قال: (مَا بَالُهُمْ وَبَالُ الكِلاَبِ؟) ثم رخص في كلب الصيد والغنم وقال: (إِذَا وَلَغَ الكَلْبُ في الإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ).
يؤيده: أنَّ الأمر بقتلها كان في أوائل الهجرة، والأمر بالغسل متأخرٌ جدّاً لأنه من رواية أبي هريرة وعبد الله بن مغفل. وقد ذكر ابن مغفل أنَّه سمع النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يأمر بالغسل وكان إسلامه سنة سبعٍ كأبي هريرة.
د- واستدل بعضهم بفعل البغيِّ التي سقت الكلبَ بخفِّها؟
قال ابن حزم: وهذا عجبٌ جدّاً، لأنَّ ذلك الخبر كان في غيرنا، ولا تلزمنا شريعة مَن قبلَنا. وأيضاً: فمن أين لهم أنَّ ذلك الخف شُرب فيه ما بعد ذلك، وأنه لم يغسل، وأنَّ تلك البغي عرفتْ سنَّةَ غسل الإناء من ولوغ الكلب؟ ولم تكن تلك البغي نَبيَّةً فيحتج بفعلها. وهذا كله دفعٌ بالراح، وخبطٌ يجب أن يُستحى منه. ا.هـ (المحلى [1/ 125]).
هـ- واستدل بعضهم: بأنَّ العذرة أشد في النجاسة مِن سؤر الكلب ولم يقيد بالسبع فيكون الولوغ كذلك مِن باب الأولى.
قال الحافظ ابن حجر:
لا يلزم مِن كونها أشد منه في الاستقذار أن لا يكون أشد منها في تغليظ الحكم. وبأنَّه قياسٌ في مقابلة النَّص وهو فاسد الاعتبار. (الفتح [1/ 367]).
10 – وجوب التتريب في الغسل – أي استعمال التراب- وإليه ذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور والطبري وأكثر الظاهرية.
ومَن لم يقُلْ به -كبعض المالكية- فليس له حجةٌ إلا عدم ذكر التراب في الرواية الأولى (سَبْعَ مِرَارٍ) و (سَبْعاً) ويرد عليه بثبوت (أُولاهُنَّ بِالتُّرَابِ) و (عَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ) وكلاهما في “مسلم” وعن أبي هريرة.
11 – لا يقوم الصابون والأشنان -والأشنان: شجر يدق ويكون حبيبات كحبيبات السكر تغسل به الثياب وهو منظفٌ ومزيلٌ-وما أشبههما مقام التراب، إذ الأمر تعبدي.
13 – كيف نجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم: (أُولاَهُنَّ بِالتُّرَابِ) وقوله: (إِحْدَاهُنَّ) وقوله: (عَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ) ورابعة (السَّابِعَةَ بِالتُّرَابِ)؟.
قال الحافظ ابن حجر:
فطريق الجمع أنْ يقال: (إِحْدَاهُنَّ) -وهذا على فرض صحتها، وإلا فهي ضعيفةٌ، لأنَّ في إسنادها الجارود بن يزيد وهو متروكٌ. وانظر:سبل السلام [1/ 53]- مبهمةٌ. و (أُولاَهُنَّ) و (السَّابِعَةَ) معينة. و (أَوْ) إنْ كانتْ في نفس الخبر فهي للتخيير، فمقتضى حمل المطلق على المقيد: أنْ يحمل على أحدهما لأنَّ فيه زيادة على الرواية المعينة… وإنْ كانتْ شكّاً من الراوي، فرواية مَن عيّن ولم يشك أولى من رواية من أبهم أو شك. فيبقى النظر في الترجيح بين رواية (أُولاَهُنَّ) ورواية (السَّابِعَةَ)، ورواية (أُولاَهُنَّ): أرجح مِن حيث الأحفظية والأكثرية ومِن حيث المعنى. لأنَّ في تتريب الأخيرة يقتضي الاحتياج إلى غسله أخرى لتنظيفه. ا. هـ (الفتح [1/ 36]).
وقال ابن حزم: وكل ذلك لا يختلف معناه، لأنَّ الأُولى: هي بلا شك إحدى الغسلات وفي لفظة (الأولى) بيان أيتهن هي فمن جعل التراب في (أُولاَهُنَّ) فقد جعله في (إِحْدَاهُنَّ) بلا شك واستعمل اللفظتين معاً. ومن جعله في غير أولاهن فقد خالف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أنْ يكون ذلك في (أُولاَهُنَّ) وهذا لا يحل. ولا شك ندري أنَّ تعفيره بالتراب في أولاهن تطهيرٌ ثامنٌ إلى السبع غسلات وأنَّ تلك الغسلة سابقة لسائرهن إذا جمعهن، وبهذا تصح الطاعة لجميع ألفاظه عليه السلام في هذا الخبر. ا.هـ (المحلى [1/ 121 – 122]).
14 – من لم يجد إلا ماء مولوغاً فيه، هل يتوضأ به أم يتيمم؟.
قال شيخ الإسلام:
وأما التوضأ بماء الولوغ: فلا يجوز عند جماهير العلماء، بل يعدل عنه إلى التيمم. ا.هـ
(مجموع الفتاوى [21/ 80]). وانظر (فتح الباري [1/ 368]).-قلت: ويَستدل بعضهم بطهارة سؤر السباع بحديث جابر عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنه سئل أيُتوضأ بما أفضلت الحُمُر؟ قال: نعم وبما أفضلت السباع.
والحديثُ ضعيفٌ فيه: الحصين والد داود وهو ضعيف. وفيه: الإبراهيمان: إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى وإبراهيم بن إسماعيل بن حبيبة. وقد ضعّفه البغوي وابن الجوزي والنووي. انظر:شرح السنة [2/ 71] و التحقيق [1/ 67] و المجموع [1/ 226]-.
15 – أدخل كلب رأسه في إناء وأخرجه ولم يُعلم هل ولغ فيه أو لا، فما حكم الماء؟.
قال النووي رحمه الله:
قال صاحب الحاوي وغيره: إنْ كان فمه يابساً، فالماء طاهرٌ بلا خلاف، وإنْ كان رطباً: فوجهان: (أحدهما) يحكم بنجاسة الماء لأنَّ الرطوبة دليلٌ ظاهرٌ في ولوغه، فصار كالحيوان إذا بال في ماءٍ ثم وجده متغيراً، حكم بنجاسته بناءً على هذا السبب المعين.
(وأصحهما) أنَّ الماء باقٍ على طهارته. لأنَّ الطهارةَ يقينٌ والنجاسةَ مشكوكٌ فيها.
ويحتمل كون الرطوبة من لعابه، وليس كمسألة بول الحيوان، لأنَّا هناك تيَقنَّا حصول النجاسة وهو سبب ظاهر في تغير الماء بخلاف هذا. ا. هـ (المجموع [1/ 233]).
16 – لو وقع كلب في ماء -بئر أو غيره- فمات، فما حكم الماء؟
قال ابن المنذر رحمه الله:
أجمع أهل العلم أنَّ الماء القليل أو الكثير إذا وقعت فيه نجاسةٌ فغيّرتْ النجاسةُ الماءَ طعماً أو لوناً أو ريحاً: أنه نجس مادام الماء كذلك ولا يجزئ الوضوء والاغتسال به. ا. هـ (الأوسط [1/ 260]).
فأما إذا لم تُغيِّر النجاسةُ لوناً أو طعماً أو ريحاً فهو طاهر وهو الذي رجّحه ابن المنذر وهو قول: ابن عباس وابن المسيب والحسن البصري وعكرمة وسعيد بن جبير وعطاء وعبد الرحمن بن أبي ليلى وجابر بن زيد ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي-انظر الأوسط [1/ 273 – 276] و التمهيد [1/ 327]-.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله:
أيُّ بئرٍ وقع فيه شيءٌ مما ذكر -أي: كلبٌ أو خنزيرٌ أو جملٌ أو بقرةٌ أو شاةٌ أو غيره- إنْ كان الماء لم يتغير بالنجاسة فهو طاهرٌ، فإنْ كانت عينُ النجاسة باقيةً: نُزحت منه وأُلقيت، وسائر الماء طاهر وشعر الكلب والخنزير إذا بقي في الماء لم يضره ذلك في أصح قولي العلماء، فإنه طاهرٌ في أحد أقوالهم، وهو إحدى الروايتين عن أحمد. وهذا القول أظهر في الدليل، فإنَّ جميع الشعر والريش والوبر والصوف طاهر، سواء كان على جلد ما يؤكل لحمه أو جلد ما لا يؤكل لحمه. وسواء كان على حيٍّ أو ميِّتٍ.
وهذا أظهر الأقوال للعلماء، وهو إحدى الروايات عن أحمد. وأما إن كان الماء قد تغير بالنجاسة، فإنه ينزح منه حتى يَطيبَ، وإن لم يتغير الماء لم ينزح منه شيء. ا. هـ (مجموع الفتاوى [21/ 38 – 39]).
))))) ((())) (((((
[٢٠/٥ ٩:١٨ ص] احمد بن علي: جامع اجوبة الفقه 33
197103: هل ينجس الصيد إذا أمسكه الكلب بفمه ؟
السؤال :
هل مباح أكل ما اصطدته بنفسي ولكن جاء به كلبي ؟ إن كانت الإجابة نعم ، إذن لماذا القول بأن لعاب الكلب نجس ، فلو كان نجسا ما كان الصيد مباحا .
الجواب :
الحمد لله
أولا :
حكم الكلب من جهة الطهارة والنجاسة سبق تفصيل الكلام عنه في موقعنا ، في الفتوى رقم : (69840) ، (133869)، وخلاصتها أننا رجحنا نجاسة ريق الكلب ، وطهارة شعره ورطوبته ، كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ” لأنَّ الأصل في الأعيان الطهارة ، فلا يجوز تنجيس شيء ولا تحريمه إلا بدليلٍ ، كما قال تعالى : ( وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُّرِرْتُم إِلَيْهِ ) [الأنعام/119] ، وقال تعالى : ( وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُم حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَا يَتَّقُونَ ) [التوبة/115]. .. وإذا كان كذلك ، فالنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قال : ( طُهُورُ إِنَاءِ أحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الكَلْبُ أنْ يَغْسِلَهُ سَبْعاً ، أولاَهُنَّ بِالتُّرَابِ ) فأحاديثُه كلُّها ليس فيها إلا ذكر الولوغ ، لم يذكر سائر الأجزاء ، فتنجيسها إنما هو بالقياس … وأيضاً فالنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم رخَّص في اقتناء كلب الصيد والماشية والحرث ، ولا بد لمن اقتناه أنْ يصيبه رطوبةُ شعوره كما يصيبه رطوبةُ البغل والحمار وغير ذلك ، فالقول بنجاسة شعورها والحال هذه من الحرج المرفوع عن الأمة ” انتهى باختصار من ” مجموع الفتاوى ” (21/617-619) .
ثانياً :
إذا حكمنا بنجاسة ريق الكلب يبقى السؤال عن حكم ما أصاب بفمه من الصيد ، سواء صاده بنفسه ، أم أمسكه للصائد ، لا فرق بين الحالتين ، فكلاب الصيد تستعمل في كلا الأمرين ، ولم يرد في السنة أو لدى الفقهاء التفريق بينهما من حيث الطهارة والنجاسة .
وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين :
القول الأول :
وجوب غسل الصيد مكان إمساك الكلب بفمه ، وهو المعتمد في مذهب الشافعية والحنابلة ، كما هو ظاهر مذهب الحنفية ، حيث نصوا على نجاسة سؤر كلب الصيد ، والسؤر يشمل ما تبقى من الشراب والطعام ومن كل شيء ، ولم نقف على استثناء حالة الصيد عندهم .
جاء في ” مراقي الفلاح ” (ص/30) من كتب الحنفية :
” السؤر النجس ما شرب منه الكلب ، سواء فيه كلب صيد وماشية وغيره “.
يقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله :
” مَعَضُّ الكلب [ أي: مكان عضته ] من الصيد نجس نجاسة مغلظة ، كغيره مما أصابه بعض أجزاء الكلب مع رطوبة ، والأصح : أنه لا يُعفى عنه ؛ لندرته ، والأصح : أنه يكفي غسله بماء سبعا وتراب في إحداهن كغيره ، ولا يجب أن يُقَوَّر ويُطرح ؛ لأنه لم يرد ، وتشرب اللحم بلعابه لا أثر له ؛ لأنه لا نجاسة على الأجواف كما نص عليه ” انتهى من ” تحفة المحتاج ” (9/331) .
ويقول البهوتي رحمه الله :
” يجب غسل ما أصابه فم الكلب ؛ لأنه موضع أصابته نجاسته ، فوجب غسله كغيره من الثياب والأواني ” انتهى من ” كشاف القناع ” (6/224) ، وقال عنه المرداوي رحمه الله : ” هو المذهب ” ينظر ” الإنصاف ” (10/433) .
القول الثاني :
لا يجب غسل ما أصاب الكلب بفمه من الصيد ، بل هو مما يعفى عنه ، وهو أحد الأقوال في مذهب الشافعية – كما نقله النووي في ” المجموع ” (9/124) – ، وإحدى الروايتين في مذهب الحنابلة ، كما يقول المرداوي رحمه الله : ” صححه في التصحيح ، وتصحيح المحرر ، وجزم به في الوجيز ” انتهى من ” الإنصاف ” (10/434) ، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية ، والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله .
واستدلوا بظاهر ” قول الله عز وجل : ( فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ ) المائدة/4. قالوا : ولم يأمر بغسله ، مع أنه لا ينفك عنه غالبا أو دائما ، ولهذا لم يذكره النبي صلى الله عليه وسلم ، مع ذكره للأحاديث الواردة فيه ، مع تكرار سؤاله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ” ينظر ” المجموع ” (9/124).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” لعاب الكلب إذا أصاب الصيدَ لم يجب غسله في أظهر قولي العلماء ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يأمر أحداً بغسل ذلك ، فقد عُفي عن لعاب الكلب في موضع الحاجة ، وأمر بغسله في غير موضع الحاجة ، فدلَّ على أنَّ الشارع راعى مصلحة الخلق وحاجتهم ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (21/620)، وانظر (19/25-26) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” الرَّسولُ صلّى الله عليه وسلّم قال : ( إِذا وَلَغَ ) ، ولم يقل : ( إِذا عَضَّ )، فقد يخرج من معدته عند الشرب أشياء لا تخرج عند العضِّ .
ولا شَكَّ أن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يغسلون اللحم سبع مرات إِحداها بالتُّراب ، ومقتضى ذلك أنه معفوٌّ عنه ، فالله سبحانه هو القادر وهو الخالق وهو المشرِّع ، وإِذا كان معفوًّا عنه شرعاً ، زال ضرره قدراً ، فمثلاً الميتة نجسة ، ومحرَّمة ، وإِذا اضطُرَّ الإِنسان إِلى أكلها صارت حلالاً ، لا ضرر فيها على المضطرِّ .
فالصَّحيح : أنه لا يجب غسل ما أصابه فَمُ الكلب عند صيده لما تقدَّم ؛ لأن صيد الكلب مبنيٌّ على التَّيسير في أصله ؛ وإِلا لجاز أن يُكلِّفَ الله عزّ وجل العباد أن يصيدوها بأنفسهم ؛ لا بالكلاب المعلَّمة ، فالتيسير يشمل حتى هذه الصُّورة ، وهو أنه لا يجب غَسْل ما أصابه فَمُ الكلب ، وأن يكون مما عَفَا الله تعالى عنه ” انتهى من ” الشرح الممتع ” (1/420) .
والقول الثاني : هو أظهر القولين في المسألة ، لقوة أدلته ، ولما فيه من رفع الحرج والمشقة ، ولكنه لا يستلزم الحكم بطهارة ريق الكلب مطلقا ، حتى لو ولغ في الآنية ، كما يقرره المالكية ، فالحكم السابق خاص في حالة الصيد فقط ، مستثنى من القاعدة العامة في نجاسة لعاب الكلب ، والاستثناء لا يجوز القياس عليه وإلا عاد على الحكم الأصلي بالبطلان ، والحكم الأصلي ثبت بالسنة النبوية الصحيحة في وجوب غسل سؤر الكلب ، فالقول بالعفو عن لعابه في الصيد فيه جمع بين الأدلة كلها ، وإعمال لها كل بحسب حالتها .
فالعفو عن مكان عض الكلب من الصيد : إنما هو من باب التخفيف والتيسير ، لعموم البلوى به، ومشقة التحرز عنه .
والله أعلم .
موقع الإسلام سؤال وجواب
………………………………
[٢٠/٥ ٩:١٩ ص] احمد بن علي: 133869:
حكم الثياب التي أصابها لعاب الكلب ، وحكم الثياب المغسولة معها إذا لم يقم شخص باستخدام التراب لإزالة لعاب الكلب ، وقاموا بوضع الملابس في غسالة الملابس مع غيرها من الملابس غير النظيفة ، فهل تتنجس جميع الملابس الأخرى ؟ وهل تبقي النجاسة في الغسالة نفسها إلى الآن ؟ وإذا كان الأمر كذلك فهل نقوم بغسل الغسالة نفسها بالتراب ومن ثم بالماء بعد ذلك أيضاً ؟ ولو لمست الملابس التي لم تغسل بالتراب سلة الملابس فهل تحتاج السلة لأن تغسل بالتراب هي الأخرى لإزالة النجاسة ؟ .
الجواب :
الحمد لله
أولاً :
لا يجوز اقتناء الكلب إلا إذا كان للحراسة أو الصيد ، ومن اقتنى الكلب لغير ذلك : أثم ، ونقص من أجره كل يوم قيراط ، أو قيراطان من الحسنات .
وانظر تفصيل هذا في جواب السؤال رقم : (69777) و (69840) .
ثانياً :
اختلف العلماء هل يجب استعمال التراب في تطهير نجاسة الكلب ، أم يجزئ استعمال مواد منظفة أخرى بدلا منه ؟ وقد ذكرنا اختلافهم في ذلك جواب السؤال رقم : (46314).
وقد اختار القول بإجازة استعمال الصابون ونحوه بدلاً من التراب علماء اللجنة الدائمة للإفتاء ، فقد سئلوا :
ما حكم لعاب الكلب إذا وقع على جسم الإنسان ، وإذا وقع على الثياب ؟ وما حكم الثياب التي تغسل مع تلك الثياب في غسالة واحدة وماء واحد ؟ .
فأجابوا :
“لعاب الكلب نجس ، يجب غسل ما أصابه من إناء أو ثوب لقوله صلى الله عليه وسلم : (طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ) .
والثياب إذا ألقيت في الماء الطهور وغسلت حتى زال أثر النجاسة عنها طهرت جميعا من نجاسة الكلب وغيره ، بشرط أن يتكرر غسلها من نجاسة الكلب سبع مرات ، تكون أولاهن بالتراب أو ما يقوم مقامه كالصابون والأشنان” انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز … الشيخ عبد العزيز آل الشيخ … الشيخ صالح الفوزان … الشيخ بكر أبو زيد .
“فتاوى اللجنة الدائمة” المجموعة الثانية” ( 4 / 196 ) .
والله أعلم
……………………………
[٢٠/٥ ٩:١٩ ص] احمد بن علي: أقوال العلماء في شعر الكلب
الإثنين 2 ذو القعدة 1428 – 12-11-2007
رقم الفتوى: 101112
التصنيف: الحيوانات الطاهرة والنجسة
[ قراءة: 8595 | طباعة: 233 | إرسال لصديق: 0 ]
السؤال
أنزل في منزل والدَيّ سنوياً كلما عدت من المغترب لقضاء العطلة الصيفية. لكن المشكلة تكمن في أن الطابق الأسفل من هذا المنزل مخصّص لأختي التي تملك كلبة. وعلى الرغم من أن هذه الكلبة قلّما تدخل إلى الجزء العلوي من المنزل فإن الساقط من شعرها كثيراً ما تحمله الريح إلى بقية المنزل ليقع على الأثاث وليلتصق أحياناً بالثياب. ثم إن هذه الكلبة تسرح وتمرح يومياً في حديقة المنزل وقد تلِغ (تشرب) أحياناً في مسبحه (أو ما يدعوه البعض بـ “حمام أو بركة السباحة”).
فما حكم صلاة من قد يسبح في هذا المسبح، أو من قد تلامس شعراتٍ من هذه الكلبة ثيابه أو مناشفه المبلّلة. وإذا كان قد مضى على ذلك أسابيع طويلة فهل يسقط التطهّر من أثر الكلب بحكم التقادم نتيجة الوضوء والاغتسال المتكرّرين.
أعتذر للإطالة وجزاكم الله عنا خيراً.
اإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإنه لا يتنجس الماء لوقوع النجاسة فيه إذا كان أكثر من قلتين ولم تغيره النجاسة، والمسبح أو بركة السباحة غالبا تكون أكثر من القلتين؛ ولذا فلا يضر ولوغ الكلب فيه. كما لا تتنجس الملابس بملامسة شعر الكلب إن كان كلاهما يابسا على القول بأنها نجسة، وكذا إن كان أحدهما رطبا، بناء على القول بطهارة شعور الكلاب وهو ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من خلاف الفقهاء في ذلك. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: أما الكلب فللعلماء فيه ثلاثة أقوال معروفة. أحدهما: إنه نجس كله حتى شعره، كقول الشافعي، وأحمد في إحدى الروايتين عنه. والثاني: إنه طاهر حتى ريقه، كقول مالك في المشهور عنه. والثالث: إن ريقه نجس وإن شعره طاهر وهذا مذهب أبي حنيفة المشهور عنه، وهو الرواية الأخرى عن أحمد، وله في الشعور النابتة على محل نجس ثلاث روايات: إحداها: إن جميعها طاهر حتى شعر الكلب والخنزير ، وهو اختيار أبي بكر عبد العزيز، والثانية: إن جميعها نجس كقول الشافعي، والثالثة: إن شعر الميتة إن كانت طاهرة في الحياة كان طاهرا كالشاة والفأرة، وشعر ما هو نجس في حال الحياة نجس كالكلب والخنزير، وهي المنصورة عند أكثر أصحابه. والقول الراجح هو: طهارة الشعور كلها: الكلب، والخنزير، وغيرهما بخلاف الريق. وعلى هذا، فإذا كان شعر الكلب رطبا، وأصاب ثوب الإنسان، فلا شيء عليه، كما هو مذهب جمهور الفقهاء أبي حنيفة، ومالك، وأحمد في إحدى الروايتين عنه؛ وذلك لأن الأصل في الأعيان الطهارة، فلا يجوز تنجيس شيء ولا تحريمه إلا بدليل. انتهى. وللفائدة تراجع الفتوى رقم:46317.
والله أعلم.
……………………………..
[٢٠/٥ ٩:١٩ ص] احمد بن علي:
غسل ثوبا أصابه لعاب الكلب في الغسالة بدون تتريب
الأحد 17 ذو القعدة 1429 – 16-11-2008
رقم الفتوى: 114761
التصنيف: كيفية تطهير النجاسات
قراءة: 5035 | طباعة: 149 | إرسال لصديق: 0 ]
السؤال
جاء في كتاب الحاوي في الفقه الشافعي: فَصْلٌ الْمَاءُ الْمُتَبَقِّي مِنْ غَسَلَاتِ إِنَاءِ وُلُوغِ الْكَلْبِ، فَصْلٌ: الْمَاءُ الْمُتَبَقِّي مِنْ غَسَلَاتِ إِنَاءِ وُلُوغِ الْكَلْبِ فَأَمَّا الْمُنْفَصِلُ مِنَ الْمَاءِ فِي الْغَسَلَاتِ السَّبْعِ إِذَا أُفْرِدَتْ كُلُّ غَسْلَةٍ مِنْهُنَّ وَمُيِّزَتْ فَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُنَا عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ: أَحَدُهَا: وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي الْقَاسِمِ الْأَنْمَاطِيِّ أَنَّ جَمِيعَهُ نَجِسٌ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ مَا أَزَالَ النَّجَاسَةَ نَجِسٌ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي الْقَاسِمِ الدَّارَكِيِّ وَطَائِفَةٍ أَنَّ جَمِيعَهُ طَاهِرٌ: لِأَنَّهُ مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ، وَلِكُلِّ غَسْلٍ حَظٌّ مِنْ تَطْهِيرِ الْإِنَاءِ . وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِنَا أَنَّ مَاءَ الْغَسْلَةِ السَّابِعَةِ طَاهِرٌ : لِأَنَّ بِهَا طُهْرَ الْإِنَاءِ ، وَمَا قَبْلَ السَّابِعَةِ ، مِنَ الْأُولَى إِلَى السَّادِسَةِ نَجِسٌ لِانْفِصَالِهِ عَنِ الْمَحَلِّ مَعَ بَقَاءِ نَجَاسَتِهِ ، فَإِذَا قِيلَ بِنَجَاسَةِ ذَلِكَ وَجَبَ غَسْلُ مَا أَصَابَهُ ذَلِكَ الْمَاءُ مِنْ بَدَنٍ أَوْ ثَوْبٍ وَفِي قَدْرِ غَسْلِهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : يَغْسِلُهُ مَرَّةً وَاحِدَةً : لِأَنَّهُ مَاءٌ نَجِسٌ ، وَلِأَنَّهُ أَيْسَرُ مِنْ سَائِرِ الْأَنْجَاسِ لِتَأْثِيرِهِ فِي تَطْهِيرِ غَيْرِهِ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنْ يَغْسِلَ بِعَدَدِ مَا بَقِيَ إِلَى السَّبْعِ مِنَ الْغَسْلَةِ الَّتِي أَصَابَتْهُ ، فَإِنْ كَانَ مِنَ الْغَسْلَةِ الْأُولَى وَجَبَ أَنْ يَغْسِلَهُ سِتًّا : لِأَنَّ سُبْعَ الْوُلُوغِ قَدْ يُسْقَطُ بِالْغَسْلَةِ الْأُولَى وَهِيَ سِتَّةُ أَسْبَاعِهِ ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ ، وَجَبَ أَنْ يَغْسِلَهُ خَمْسًا وَإِنْ كَانَ مِنَ الثَّالِثَةِ غَسَلَهُ أَرْبَعًا وَإِنْ كَانَ مِنَ الرَّابِعَةِ غَسَلَهُ ثَلَاثًا ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْخَامِسَةِ غَسَلَهُ مَرَّتَيْنِ وَإِنْ كَانَ مِنَ السَّادِسَةِ غَسَلَهُ مَرَّةً ، وَلِأَنَّ الْبَاقِيَ سُبْعُ الْوُلُوغِ ، وَإِنْ كَانَ مِنَ السَّابِعَةِ غَسَلَهُ مَرَّةً وَيَكُونُ حُكْمُ الْوُلُوغِ سَاقِطًا ، وَحُكْمُ النَّجَاسَةِ بَاقِيًا ، هَذَا إِذَا قِيلَ إِنَّ الْمُنْفَصِلَ نَجِسٌ ، فَأَمَّا إِذَا قِيلَ إِنَّ الْمُنْفَصِلَ عَنِ الْإِنَاءِ طَاهِرٌ ، فَفِي وُجُوبِ غَسْلِ مَا أَصَابَ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : لَا يَجِبُ : لِأَنَّ غَسْلَ الظَّاهِرِ لَا يَلْزَمُ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : يَجِبُ غَسْلُهُ لِمَا تَعَلَّقَ عَلَيْهِ مِنْ غَسْلِ الْوُلُوغِ الْمُسْتَحَقِّ الْغَسْلَ فَعَلَى هَذَا فِي قَدْرِ غَسْلِهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا وَالثَّانِي : بِعَدَدِ مَا بَقِيَ إِلَى السَّبْعِ مِنَ الْغَسْلَةِ الَّتِي أَصَابَتْ عَلَى مَا وَصَفْنَاهُ .
السؤال: شخص يربي كلبا في بيته وأصابه لعابه في ثوبه وغسل الثوب في الغسالة بدون تتريب، فعلى حسب فهمي للنص أعلاه فإن الثوب سيبقى نجسا، ولكن ماذا لو لبس الثوب بعد غسله مرة فهل الثوب ينجس ما لمسه برطوبة على حسب الأقوال الثلاثة الموجودة في الأعلى وعلى حسب المذهب الحنبلي؟ وهل يمكن اتباع أي من الأقوال الثلاثة أم ينبغي اتباع قول الجمهور؟ فقول أَبِي الْقَاسِمِ الدَّارَكِيِّ هو الأيسر فهل يمكن اتباعه؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنحب أن ننبهك إلى أن اتخاذ الكلاب لغير حاجة ككلب الصيد أو الماشية لا يجوز شرعاً، كما دلت على ذلك الأحاديث الكثيرة.. وأيضاً فإن طريقة الترجيح في مسائل الخلاف ينبغي أن تعتمد على تقديم الدليل دون اتباع للأيسر إلا إذا أشكل الأمر فحينئذ يجوز اتباع الأيسر عند بعض العلماء.
وقول أبي القاسم الداركي قول قوي، وهو أصح الوجهين عند الحنابلة في الماء المنفصل بعد زوال النجاسة، قال المرداوي في الإنصاف: وإن انفصل غير متغير بعد زوالها فهو طاهر إن كان المحل أرضاً، وإن كان غير الأرض فهو طاهر في أصح الوجهين.
وأما بالنسبة للثوب إذا أصابه لعاب الكلب فالواجب عند الجمهور غسله سبع مرات أولاهن بالتراب، والذي يظهر أن هذا الأمر تعبدي، فنقول بوجوب تتريب الثوب وتسبيع غسله عملاً بحديث: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً. ولمسلم: أولاهن بالتراب. ولا يلزم من هذا أن الثوب إذا غُسل مرة بحيث زال منه أثر النجاسة تماماً أنه ينجس ما لاقاه إذا كان رطباً؛ لأنا نقطع أن أثر لعاب الكلب غير قائم، والحكم بنجاسة الأشياء إنما يكون لما قام بها من الأوصاف الظاهرة.
والله أعلم.
…………………………….
[٢٠/٥ ٩:١٩ ص] احمد بن علي
حكم لمس اليد مبللة موضعًا به لعاب كلب قد جف وحكم ما لمسته اليد بعد ذلك
الأحد 19 جمادى الآخر 1435 – 20-4-2014
رقم الفتوى: 249733
التصنيف: كيفية تطهير النجاسات
[ قراءة: 3674 | طباعة: 78 | إرسال لصديق: 0 ]
السؤال
إذا لامست يد مبللة بها مناكير موضعًا جافًّا للعاب كلب، وغسلت اليد بالماء فقط بعد ذلك، فما حكم ما تلمسه اليد بعد ذلك إذا كان مبللًا؟ وهل هو طاهر أم يأخذ حكم لعاب الكلب؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرنا أحوال انتقال النجاسة من جسم لآخر, وذلك في الفتوى رقم: 117811.
وإذا كنت قد لمست موضعا به لعاب كلب قد جف, ويدك مبللة, فقد تنجس المكان الذي لامس موضع لعاب الكلب من اليد، والواجب الغسل سبعًا، إحداها بالتراب، أو ما يقوم مقامه، كالصابون، كما بينا في الفتاوى التالية أرقامها: 114761، 39432، 63024.
ومن ثم، فإذا لمست بيدك شيئًا رطبًا, أو كانت يدك رطبة, فإنه يتنجس كتنجسه بلعاب الكلب، قال في مغني المحتاج: فرع: حمام غسل داخله كلب ولم يعهد تطهيره، واستمر الناس على دخوله، والاغتسال فيه مدة طويلة، وانتشرت النجاسة إلى حصر الحمام، وفوطه، ونحو ذلك، فما تيقن إصابة شيء له من ذلك فنجس، وإلا فطاهر؛ لأنا لا ننجس بالشك، ويطهر الحمام بمرور الماء عليه سبع مرات، إحداهن بطفل مما يغتسل به فيه؛ لأن الطفل يحصل به التتريب، كما صرح به جماعة، ولو مضت مدة يحتمل أنه مر عليه ذلك، ولو بواسطة الطين الذي في نعال داخليه لم يحكم بنجاسته.
وقال ابن قدامة في المغني: فصل: وإذا غسل محل النجاسة فأصاب ماء بعض الغسلات محلًا آخر، قبل تمام السبع، ففيه وجهان:
أحدهما: يجب غسله سبعًا، وهو ظاهر كلام الخرقي، واختيار ابن حامد؛ لأنها نجاسة، فلا يراعى فيها حكم المحل الذي انفصلت عنه، كنجاسة الأرض، ومحل الاستنجاء، وظاهر قول الخرقي أنه يجب غسلها بالتراب، وإن كان المحل الذي انفصلت عنه قد غسل بالتراب؛ لأنها نجاسة أصابت غير الأرض، فأشبهت الأولى.
والثاني: يجب غسله من الأولى ستًا، ومن الثانية خمسًا، ومن الثالثة أربعًا، كذلك إلى آخره؛ لأنها نجاسة تطهر في محلها بدون السبع، فطهرت في مثله، كالنجاسة على الأرض، ولأن المنفصل بعض المتصل، والمتصل يطهر بذلك، فكذلك المنفصل، وتفارق المنفصل عن الأرض ومحل الاستنجاء؛ لأن العلة في خفتها المحل، وقد زالت عنه، فزال التخفيف، والعلة في تخفيفها ها هنا قصور حكمها بما مر عليها من الغسل، وهذا لازم لها حسب ما كان، ثم إن كانت قد انفصلت عن محل غسل بالتراب غسل محلها بغير تراب، وإن كانت الأولى بغير تراب غسلت هذه بالتراب، وهذا اختيار القاضي، وهو أصح – إن شاء الله تعالى -. انتهى.
فإذا كان هذا حكم الماء المنفصل قبل تمام السبع، فكيف بما تنجس بنفس اليد المتنجسة.
والله أعلم.
…………………………
[٢٠/٥ ٩:٢٠ ص] احمد بن علي:
أ -قال العلامة عبد الله البسام رحمه الله : ” اختلف العلماء هل نجاسة الكلب خاصة بفمه ولعابه ، أو عامة بجميع بدنه وأعضائه ؟
ذهب الجمهور إلى أن نجاسته عامة لجميع بدنه ، وأن الغسل بهذه الصفة عام أيضا ، وذلك منهم إلحاقا لسائر بدنه بفمه .
وذهب الإمام مالك وداود إلى قصر الحكم على لسانه وفمه ؛ وذلك أنهم يرون أن الأمر بالغسل تعبدي لا للنجاسة ، والتعبدي يقصر على النص فلا يتعداه لعدم معرفة العلة .
والقول الأول هو الراجح ؛لأمور :
1 – أنه يوجد في بدنه أجزاء هي أنجس وأقذر من فمه ولسانه .
2 – أن الأصل في الأحكام التعليل فيحمل على الأغلب .
3- أنه ظهر الاّن أن نجاسة الكلب نجاسة مكروبية فلم تصبح مما لا تعقل علته ، وإنما أصبحت الحكمة ظاهرة .
قال الشافعي : جميع أعضاء الكلب يده أو ذنبه أو رجله أو أي عضو إذا وقع في الإناء غسل سبع مرات بعد إهراق ما فيه ” انتهى كلام الشيخ البسام – توضيح الأحكام من بلوغ المرام ج1 ص94 – طبعة دار ابن الهيثم
ب – قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله : ” قال بعض الظاهرية : إن هذا الحكم فيما إذا ولغ الكلب ، أما بوله وروثه فكسائر النجاسات ؛ لأنهم لا يرون القياس .
وجمهور الفقهاء قالوا : إن روثه وبوله كولوغه ، بل هو أخبث ، والنبي صلى الله عليه وسلم نص على الولوغ لأن هذا هو الغالب ، إذ إن الكلب لا يجعل بوله وروثه في الأواني ، بل يلغ فيها فقط ، وما كان من باب الغالب لا مفهوم له و لا يخص به الحكم .
ورجح بعض المتأخرين مذهب الظاهرية ، لا من أجل الأخذ بالظاهر ولكن من أجل امتناع القياس ، لأن من شرط القياس مساواة الفرع للأصل في العلة حتى يساويه في الحكم ، لأن الحكم مرتب على العلة ، فإذا اشتركا في العلة اشتركا في الحكم ، وإلا فلا .
والفرق : أن لعاب الكلب فيه دودة شريطية ضارة بالإنسان ، وإذا انفصلت من لعابه في الإناء ثم استعمل ، فإنها تتعلق بمعدة الإنسان ، و لا تهضمها ، و لا يتلفها إلا التراب .
ولكن هذه العلة إذا ثبتت طبيا ، فهل هي منتفية عن بوله وروثه ؟ يجب النظر في هذا ، فإذا ثبتت أنها منفية فيكون لهذا القول وجه من النظر ، وإلا فالأحوط ما ذهب إليه الفقهاء ، لأنك لو طهرته سبعا إحداهن بالتراب لم يقل أحد : أخطأت ، ولكن لو لم تطهره سبع غسلات إحداها بالتراب ، فهناك من يقول لك أخطأت وصلاتك غير صحيحة . الشرح الممتع ج1 ص254 طبعة دار الإمام مالك – دار المستقبل
منقول
……………………………….
[٢٠/٥ ٩:٢٠ ص] احمد بن علي:
قال العثيمين في شرحه لبلوغ المرام:
وقوله أولاهن بالتراب يعني معناه إذا غسله أول مرة ذر عليه التراب ثم دلفه به ثم غسله ست غسلات وهذا أحسن ما يكون لأنه إذا كان التراب في الأولى صارت الغسلات الباقية لا تحتاج إلى تراب لأن نجاستها خفت . وظاهر الحديث وجوب الغسل سبع مرات وأن لم يكن هناك نجاسة لأن الولوغ في الغالب لا يغير الماء سيما إذا كان الماء كثيرا لكن الحديث عام فإن قال قائل فهل مثل ذلك نجاسته بالبول والعذرة والعرق والدمع وما أشبه ذلك ؟ قلنا أكثر العلماء على هذا يقولون بقية نجاسته كولوغه وبعضهم يقول إن هذا خاص بالولوغ وعلى هذا أهل الظاهر وبعض أهل المعاني أيضا وقالوا إن فيه دودة صغيرة لا تدركها العين إذا ولغ الكلب في الإناء تلوث الإناء بها ثم إذا غسل سبع مرات مع التراب زالت هذه الدودة الصغيرة وإلا بقيت عالقة في الإناء فإذا استعمله الناس نزلت هذه الدودة مع الطعام والشراب وخرقت المعدة ومن ثم قال بعض العلماء إنه لا يجزئ عن التراب غيره ولو كان أشد تنظيفا منه لان النبي عن أبي هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب خص التراب ولعل فيه خصيصة لا نعلمها ثم إن التراب أحد أنواع الطهورين لأن الطهور إما ماء وإما تراب وغير التراب ليس يطهر التراب يطهر بالتيمم وهذا القول أرجح إلا إذا تعذر التراب فيغني عنه الصابون ونحوه مما يزيل أثر النجاسة ثم ذكر المؤلف رحمه الله حديث أبي قتادة في الهرة وهي القط أو البس وهي معروفه إذا ولغت في الإناء فإنها طاهرة لا تنجسه لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال فيها إنها ليست بنجس ثم علل ذلك بقوله إنها من الطوافين عليكم يعني من الأشياء التي يكثر ترددها على الناس في بيوتهم لشق على الناس التحرز منها ولكن من رحمته عز وجل رفع عنها النجس وجعلها طاهرة وقوله أولاهن بالتراب يعني معناه إذا غسله أول مرة ذر عليه التراب ثم دلفه به ثم غسله ست غسلات وهذا أحسن ما يكون لأنه إذا كان التراب في الأولى صارت الغسلات الباقية لا تحتاج إلى تراب لأن نجاستها خفت . وظاهر الحديث وجوب الغسل سبع مرات وأن لم يكن هناك نجاسة لأن الولوغ في الغالب لا يغير الماء سيما إذا كان الماء كثيرا لكن الحديث عام فإن قال قائل فهل مثل ذلك نجاسته بالبول والعذرة والعرق والدمع وما أشبه ذلك ؟ قلنا أكثر العلماء على هذا يقولون بقية نجاسته كولوغه وبعضهم يقول إن هذا خاص بالولوغ وعلى هذا أهل الظاهر وبعض أهل المعاني أيضا وقالوا إن فيه دودة صغيرة لا تدركها العين إذا ولغ الكلب في الإناء تلوث الإناء بها ثم إذا غسل سبع مرات مع التراب زالت هذه الدودة الصغيرة وإلا بقيت عالقة في الإناء فإذا استعمله الناس نزلت هذه الدودة مع الطعام والشراب وخرقت المعدة ومن ثم قال بعض العلماء إنه لا يجزئ عن التراب غيره ولو كان أشد تنظيفا منه لان النبي عن أبي هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب خص التراب ولعل فيه خصيصة لا نعلمها ثم إن التراب أحد أنواع الطهورين لأن الطهور إما ماء وإما تراب وغير التراب ليس يطهر التراب يطهر بالتيمم وهذا القول أرجح إلا إذا تعذر التراب فيغني عنه الصابون ونحوه مما يزيل أثر النجاسة ثم ذكر المؤلف رحمه الله حديث أبي قتادة في الهرة وهي القط أو البس وهي معروفه إذا ولغت في الإناء فإنها طاهرة لا تنجسه لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال فيها إنها ليست بنجس ثم علل ذلك بقوله إنها من الطوافين عليكم يعني من الأشياء التي يكثر ترددها على الناس في بيوتهم لشق على الناس التحرز منها ولكن من رحمته عز وجل رفع عنها النجس وجعلها طاهرة
………………………….
[٢٠/٥ ٩:٢٠ ص] احمد بن علي:
وأجاب في مجموع الفتاوى عن هذا السؤال:
) وسُئل فضيلة الشيخ: عن حكم اقتناء الكلاب؟ وهل مسه ينجس اليد؟ وعن كيفية تطهير الأواني التي بعده؟
فأجاب قائلا: اقتناء الكلاب لا يجوز إلا في ما رخص فيه الشارع، والنبي عليه الصلاة والسلام، رخص من ذلك في ثلاث كلاب: كلب الماشية يحرسها من السباع والذئاب، وكلب الزرع من المواشي والأغنام وغيرها، وكلب الصيد ينتفع به الصائد، هذه الثلاثة التي رخص النبي صلى الله عليه وسلم فيها باقتناء الكلب فما عداها فإنه لا يجوز، وعلى هذا فالمنزل الذي يكون في وسط البلد لا حاجة أن يتخذ الكلب لحراسته، فيكون اقتناء الكلب لهذا الغرض في مثل هذه الحال محرما لا يجوز وينتقص من أجور أصحابه كل يوم قيراط أو قيراطان، فعليهم أن يطردوا هذا الكلب وألا يقتنوه، أما لو كان هذا البيت في البر خاليا ليس حوله أحد فإنه يجوز أن يقتنى الكلب لحراسه البيت ومن فيه، وحراسة أهل البيت أبلغ في الحفاظ من حراسة المواشي والحرث.
وأما مس هذا الكلب فإن كان مسه بدون رطوبة فإنه لا ينجس اليد، وإن كان مسه برطوبة فإن هذا يوجب تنجيس اليد على رأي كثير من أهل العلم، ويجب غسل اليد بعده سبع مرات، إحداها بالتراب.
وأما الأواني التي بعده إذا ولغ في الأناء أي شرب منه يجب غسل الإناء سبع مرات إحداها بالتراب كما ثبت ذلك في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا
………………………..
[٢٠/٥ ٩:٢٢ ص] احمد بن علي:
وقال في تعليقه على الكافي لابن قدامة:
ولكن شيخ الإسلام رحمه الله يرى وغيره من العلماء أن الشعر طاهر من كل حيوان حتى من الكلب وبناءً على ذلك نقول ليس في الشعور شيء نجس وهذا الذي قاله شيخ الإسلام فيه تيسير على الناس بالنسبة للكلب خاصة لأن الصبيان الآن يلعبون في الكلاب أليس كذلك؟ بعضهم ربما يقبل شفة الكلب لأن كلبه قد ملأ قلبه حبا وبعضهم أيضا يمسحه والمشهور من المذهب أنه إذا مسح الشعر ويده رطبة يجب أن يغسل يده سبع مرات إحداها بالتراب فقول شيخ الإسلام فيه تخفيف على الناس وليس هناك دليل واضح أن شعر الكلب يكون كريقه وقد ذهب بعض العلماء خصوصا الظاهرية إلى أن نجاسة الكلب كغيرها من النجاسات إلا في الولوغ فقط قالوا إذا ولغ يجب أن يغسل سبع مرات إحداها بالتراب وغير ذلك بوله وعذرته وما يخرج منه حكمه كغيره من السباع يعني يغسل حتى تزول النجاسة فقط وهذا القول له قوة ولكن لا شك أن الاحتياط أن تغسل نجاساته كلها بسبع غسلات إحداها بالتراب لكن الشعر القول بطهارته وجيه جدا لأن الشعر كما عرفتم لا تحله الحياة
[٢٠/٥ ٩:٢٦ ص] احمد بن علي: أجاب الشيخ ابن باز رحمه الله عن السؤال التالي :
260 – حكم من لمس كلبا على رطوبة
س: يقول السائلة: إذا لمسنا الكلب، ثم أردنا أن نصلي فما الحكم (1)؟
ج: إن كان الكلب يابسا واليد يابسة فلا شيء، ليس على من لمسه شيء، أما إن كان الكلب رطبا، أو اليد رطبة، فليغسلها سبع مرات، وإذا جعل في ذلك ترابا يكون أحسن، كالولوغ؛ لأن الرسول أمر بالتراب في الولوغ في إحدى الغسلات السبع، فإذا لمس الكلب أو لمس لعابه أو بوله يغسله سبع مرات، ويكون فيها تراب، وإن لم يتيسر فصابون أو أشنان يقوم مقام ذلك، والتراب أولى؛ لأنه جاء به النص، ولا ينبغ أن تربى الكلاب، ولا يبنغي أن تقتنى الكلاب إلا في ثلاث: للصيد، والمزارع، وللماشية (الغنم)؛ لأنه يحميها بإذن الله من الذئاب، وينبه أهلها حتى يلاحظوها، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: «من اقتنى كلبا إلا كلب صيد، أو ماشية، أو زرع فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان (1)» كيف يرضى المسلم أن ينقص من أجره كل يوم قيراطان لاقتناء كلب لا حاجة إليه؛ لا لماشية، ولا صيد، ولا زرع، فإذا كنت تقتنين الكلاب فأبعديها ولا تقتنيها أبدا، إلا لأحد الثلاث: للصيد، أو للمزرعة، أو للغنم (الماشية).
[٢٠/٥ ٩:٢٨ ص] احمد بن علي: وأجاب عن هذا السؤال:
259 – بيان تطهير ما ولغ فيه الكلب
س: يقول السائل: بالنسبة للغسل بالسبع لما ولغ فيه الكلب ما قولكم في هذا (1)؟
ج: هذا مثل ما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «يغسل سبعا إذا كان ولغ في الإناء، يغسل سبع مرات إحداها بالتراب (1)» وهي الأولى الأفضل، يعني أولاهن بالتراب، أما إذا ولغ في مياه كثيرة، أو أوان كبيرة فإنها طاهرة، ولا تتأثر بذلك، ولا يحتاج هذا الغسل، إنما هذا في الأواني المعتادة الصغيرة.
————–
جواب عبدالحميد البلوشي :
فتح المنعم |شـــرح النووي
– 497 – 88 عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه. ثم ليغسله سبع مرار”.
الكتاب :-فتح المنعم رقم الجزء :-2 رقم الصفحة :- 0223مسلسل :-46817
المعنى العام
خلق الله جل شأنه جميع ما خلق لحكمة، وخلق في بيئة الإنسان مخلوقات يحتاجها ويفهم حكمة خلقها وفائدتها بالنسبة له، كالأنعام التي خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون* ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون* وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرءوف رحيم [النحل: 5-7] وخلق مخلوقات لا يكاد يحتاجها، بل هي خطر وضرر عليه، ولا يدرك حكمة خلقها، من ذلك الخمس الفواسق التي يباح قتلها حتى في الحرم: الحدأة والغراب والفأرة والعقرب والكلب العقور.
وخلق مخلوقات تجمع بين الشر والخير، فيها إثم وفيها منافع، من ذلك الكلب فإنه نجس اللعاب والبدن نجاسة مغلظة، إذا ولغ في الإناء وجب غسله سبع مرات إحداهن بالتراب، ووجب إراقة السائل الذي شرب منه مهما غلا ثمنه، ومهما عز الحصول عليه. حاجب حلول رحمة الله تعالى، إذ لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب. منقص لأجر صاحبه على عمل الخير فمن اقتنى كلبا لغير حاجة نقص من عمله قيراطان، ومع هذه المضار هو حارس أمين، ووفي مخلص وحساس إلى حد كبير، يحتاجه صاحب الغنم لحراسة غنمه، وصاحب الزرع لحماية زرعه، ومحترف الصيد لاقتناص صيده، ومن منطلق شروره أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بقتل الكلاب، فتقربوا إلى الله بقتلها، حتى إن المرأة كانت تأتي من البادية إلى المدينة معها كلبها، فيبادر الصحابة بقتله، وشق الأمر على الناس، وشكا أصحاب الحاجة، وتمنوا أن لو أذن الله لهم في اقتناء بعض الكلاب، وسيحافظون على أنفسهم من نجاستها، وسينفذون أمر الشارع بغسل ما يصيبهم منها، وأحس الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم برغبة منهم جامحة، وولع شديد لتربية الكلاب، فلامهم على التململ من حكم الشريعة، رغم سمعهم لها وطاعتهم إياها. فقال: ما شأنكم وشأن الكلاب، وما هذا الحرص الشديد على اقتنائها؟ قالوا: يا رسول الله، غلبنا الصيد، وعدا الذئب على الغنم، وأفسدت السائبة الزرع وانتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ربه، فرخص لهم في كلب الصيد وكلب الزرع وكلب الغنم، على أن يغسلوا ما أصابهم منه سبع مرات إحداهن بالتراب.
المباحث العربية
(إذا ولغ الكلب) يقال: ولغ يلغ بفتح اللام فيهما إذا شرب بطرف لسانه، أو أدخل لسانه فيه فحركه. وقال ثعلب: هو أن يدخل لسانه في الماء وغيره من كل مائع فيحركه؛ زاد ابن درستويه “شرب أو لم يشرب” وقال ابن مكي: فإن كان غير مائع يقال: لعقه. وقال المطرزي: فإن كان فارغا يقال: “لحسه”.
وأل في “الكلب” للنجس، فيصدق على كل نوع من أنواع الكلاب.
(في إناء أحدكم) الإناء مفرد، وجمعه آنية، وجمع الجمع أوان، فلا يستعمل في أقل من تسعة إلا مجازا، والإضافة التي في “إناء أحدكم” ملغاة المفهوم المخالف، لأن الحكم بالنجاسة ووجوب الغسل لا يتوقف على الملكية أو الاختصاص.
(فليرقه) ضمير الفاعل يعود على “أحدكم” لكن لا يشترط أن يكون المريق هو المالك، وضمير المفعول يعود على الإناء من إطلاق المحل وإرادة الحال، أي فليرق ماء الإناء.
(إذا شرب الكلب) المشهور من روايات أبي هريرة “إذا ولغ” قال الكرماني: ضمن “شرب” معنى “ولغ” فعدى تعديته. اهـ. قال الحافظ ابن حجر: والشرب أخص من الولوغ، فلا يقوم مقامه في الرواية بالمعنى.
(طهور إناء أحدكم) قال النووي: الأشهر فيه ضم الطاء، ويقال بفتحها لغتان تقدمتا في أول كتاب الوضوء.
(ما بالهم وبال الكلاب)؟ البال هو الحال والشأن أي ما شأنهم وشأن الكلاب والاستفهام توبيخي، أي لا ينبغي أن يكون شأنهم الحرص على اقتناء الكلاب. أي إنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب، ثم أحس أنهم كانوا مولعين بتربيتها، فوبخهم على هذا الحرص، وفي رواية أبي داود: “أمر بقتل الكلاب، ثم قال: ما لهم ولها”؟
فقه الحديث
يمكن حصر النقاط في:
1- أقوال العلماء في نجاسة سؤر الكلب، وهل يلحق به باقي أعضائه؟ مع الأدلة ومناقشتها.
2- أقوالهم في تسبيع الغسل، وعلته، والترتيب وحكمته وكيفيته.
3- أقوالهم في تربية الكلاب، وبيعها وقتلها، وأدلة كل فريق.
4- ما يؤخذ من الحديث من الأحكام.
وهذا هو التفصيل:
أولا: أقوال العلماء وأدلتهم في نجاسة الكلب:
مذهب الشافعية: أن الكلب نجس، ولا فرق بين الكلب المأذون في اقتنائه وغير المأذون في اقتنائه، ولا بين كلب البدوي والحضري لعموم لفظ الكلب في الحديث.
أما نجاسة سؤره فللأمر بغسله، والتعبير بطهور الإناء منه، والطهارة إنما تكون عن حدث أو نجس، وليس هنا حدث، فتعين النجس، ثم إن الرواية الأولى تأمر بإراقة ما في الإناء، مما يدل على تنجيس ما ولغ فيه، لأن إراقته إضاعة له فلو كان طاهرا لم يأمرنا بإراقته، بل قد نهينا عن إضاعة المال.
قالوا: ولا فرق بين ولوغه وغير الولوغ من أجزائه، فإذا أصاب بوله أو روثه أو دمه أو عرقه أو شعره أو لعابه أو عضو من أعضائه شيئا طاهرا في حال رطوبة أحدهما، وجب غسله سبع مرات، لأنه إذا ثبت هذا الحكم لفمه -وهو أشرف أعضائه- ثبت لباقي أعضائه من باب أولى. قالوا: ولو ولغ كلبان، أو كلب واحد مرات في إناء، فالصحيح أنه يكفي الجميع سبع مرات، ولو وقعت نجاسة أخرى في الإناء الذي ولغ فيه الكلب كفى عن الجميع سبع مرات. قالوا: ولو ولغ في طعام مائع حرم أكله، لأننا أمرنا بإراقته، ووجب غسل الإناء منه.
وممن قال بنجاسته أيضا أحمد وأبو حنيفة والأوزاعي وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وداود.
أما المالكية فقد اختلفت أقوالهم في نجاسة الكلب وسؤره اختلافا كثيرا. قال الرهوني في حاشيته على عبد الباقي: وأما الكلب فاختلف فيه، للحديث الوارد بغسل الإناء بولوغه فيه سبع مرات، ثم قال: فتحصل أن في سؤر الكلب أربعة أقوال: أحدها: أنه طاهر، وهو قول ابن وهب وأشهب، لأن الكلب سبع من السباع، وهي طاهرة، وهو مذهب ابن القاسم في المدونة، لكن روايته عن مالك فيها: أن الكلب ليس كغيره من السباع. الثاني: أنه نجس ليس كسائر السباع، وهو قول مالك في رواية ابن وهب عنه لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأمر بغسل الإناء سبعا من ولوغه فيه، وهو قول سحنون في رواية ابن العربي. الثالث: الفرق بين الكلب المأذون في اتخاذه وغيره. وهو أظهر الأقوال، لأن علة الطهارة التي نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم في الهرة، موجودة في الكلب المأذون في اتخاذه. وهو قول سحنون في رواية اللخمي. الرابع: الفرق بين البدوي والحضري، وهو قول ابن الماجشون في رواية أبي زيد عنه. اهـ.
ونعرض إلى ما استند إليه من قال بطهارته. فقد احتجوا بقوله تعالى فكلوا مما أمسكن عليكم [المائدة: 4] وبقوله صلى الله عليه وسلم في كلب الصيد: “ما أمسك عليك فكل” ووجه الدلالة أنه أذن في أكل ما صاده الكلب، ولم يقيد ذلك بغسل موضع فمه، ومن ثم قال مالك: كيف يؤكل صيده ويكون لعابه نجسا؟ وأجيب بأن قصد الآية والحديث الإفادة بأن قتل الكلب ذكاة، وليس فيهما إثبات نجاسة ولا نفيها. ويدل لذلك أنه لم يقل: اغسل الدم إذا خرج من جرح نابه، لكنه وكله إلى ما تقرر من وجوب غسل الدم، فلعله وكله أيضا إلى ما تقرر عنده من غسل ما يماسه فمه، فإباحة الأكل مما أمسكن لا تنافي وجوب تطهير ما تنجس من الصيد، ولو سلم فغايته الترخيص في الصيد بخصوصه للحاجة.
واستدلوا بما ثبت عند البخاري من حديث ابن عمر “كانت الكلاب تقبل وتدبر زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فلم يكونوا يرشون شيئا من ذلك” وأخرجه الترمذي بزيادة “وتبول” ورد بأن البول مجمع على نجاسته فلا يصح حديث بول الكلاب في المسجد حجة يعارض بها الإجماع. وأما الإقبال والإدبار فلا يدلان على الطهارة لاحتمال عدم الرطوبة في أجسامها أو في أرض المسجد. وقال الحافظ ابن حجر: الأقرب أن يقال: إن ذلك كان في ابتداء الحال على أصل الإباحة، ثم ورد الأمر بتكريم المساجد وتطهيرها وجعل الأبواب عليها.
واستدلوا كذلك بالترخيص في كلب الصيد والزرع والماشية، واعتبروا الترخيص باقتنائها دليلا على طهارتها. وأجيب بأنه لا منافاة بين الترخيص وبين الحكم بالنجاسة.
وقالوا عن أحاديثنا: إن الأمر بالغسل فيها تعبدي، وليس لنجاسة الكلب [على معنى أنه لم يظهر لنا وجهه، لا أنه لا وجه له، لأن لكل حكم وجها، لأن الأحكام مربوطة بالمصالح، ودرء المفاسد، فما لم تظهر مصلحته ومفسدته اصطلحوا على أن يسموه تعبدا]. ولذا حد بالسبع. ولو كان نجسا كان المطلوب الإنقاء. ورد بأن القول بالتعبد في تشريع الأحكام خلاف الأصل. فالقول به ينقصه الدليل. على أن القول بأن الغسل لإزالة النجاسة ترجحه الرواية الثالثة والرابعة. وفيهما “طهور إناء أحدكم” فالغسل للتطهير. قالوا: المراد من الطهارة في هذا الحديث الطهارة اللغوية. كقوله صلى الله عليه وسلم “السواك مطهرة للفم” ورد هذا القول بأن ألفاظ الشرع إذا دارت بين الحقيقة اللغوية والشرعية حملت على الشرعية إلا إذا قام دليل. فالقول بطهارة الكلب وسؤره محجوج. وأبعد بعضهم فقال: يحل أكله. والعياذ بالله.
ثانيا: أقوال العلماء في تسبيع الغسل، وعلته، والترتيب وحكمته وكيفيته:
وغسل الإناء من ولوغ الكلب سبع مرات إحداهن بالتراب مذهب الشافعية والحنابلة، بل في رواية عن أحمد الغسل ثمان غسلات، عملا بظاهر رواية ابن المغفل، ومعنى الغسل بالتراب أن يخلط التراب في الماء حتى يتكدر، ولا فرق بين أن يطرح الماء على التراب، أو التراب على الماء، أو يؤخذ الماء الكدر من موضع فيغسل به، فأما مسح موضع النجاسة بالتراب فلا يجزئ، ولا يحصل الغسل بالتراب النجس على الأصح، ولو كانت نجاسة الكلب دمه أو روثه وجب إزالة عين النجاسة مهما زاد عن السبع، ولو زال عينها بست غسلات مثلا قيل: تحسب الست واحدة وقيل: تحسب ستا، ولو غمس الإناء في بحر، ومكث فيه قدر سبع غسلات جاز. وفي قيام هذا مقام التراب خلاف، وفي قيام الصابون ونحوه مقام التراب خلاف، والأصح عدم قيامه، لأنه كان ميسورا يوم أمر بالتراب. مما يحمل على أن للشرع في تحديد التراب حكمة. وقد ذكر بعض الأطباء الثقات في عصرنا وجود جراثيم في الكلب يقضي عليها التراب، وقيل: لأنه يحقق اجتماع طهرين: الماء والتراب.
وقد جاء في الروايات الأربع “سبع مرات” وفي رواية لمسلم “أولاهن بالتراب” وفي رواية للبزار “إحداهن” وفي رواية “السابعة بالتراب” وفي رواية “أخراهن أو أولاهن بالتراب” وفي روايتنا الخامسة “وعفروه الثامنة بالتراب”.
قال النووي في الجمع بينها: وقد روى البيهقي وغيره هذه الروايات كلها، وفيها دليل على أن التقييد بالأولى وبغيرها ليس على الاشتراط، بل المراد إحداهن، وأما رواية “وعفروه الثامنة بالتراب” فمذهبنا ومذهب الجماهير أن المراد اغسلوه سبعا، واحدة منهن بالتراب مع الماء، فكأن التراب قائم مقام غسلة، فسميت ثامنة لهذا. والله أعلم. اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر في الترجيح بين رواية “أولاهن” ورواية “السابعة” قال: “أولاهن” أرجح من حيث أكثرية الرواة وأحفظيتهم، ومن حيث المعنى أيضا، لأن تتريب الأخيرة يقتضي الاحتياج إلى غسلة أخرى لتنظيفه، وقد نص الشافعي على أن الأولى أولى. اهـ.
وهذا كله فيما إذا كان الماء قليلا، أما إذا ولغ في ماء كثير، بحيث لم ينقص ولوغه عن قلتين لم ينجسه. قالوا: ولو ولغ في ماء قليل، أو طعام مائع، فأصاب ذلك الماء أو الطعام ثوبا أو بدنا أو إناء آخر، وجب غسله سبعا إحداهن بالتراب، ولو ولغ في إناء فيه طعام جامد ألقى ما أصابه وما حوله، وانتفع بالباقي على طهارته السابقة، كما في الفأرة تموت في السمن الجامد، قاله النووي في شرح مسلم.
وإراقة ما في الإناء من ماء أو مائع واجبة، قيل على الفور، ولو لم يرد استعمال الإناء، عملا بمطلق الأمر الذي يقتضي الوجوب على المختار، وقيل: لا تجب إلا إذا أراد استعمال الإناء، عملا بالقياس على باقي المياه النجسة، فإنه لا تجب إراقتها على الفور بلا خلاف، وإن استحب ذلك، وذهب أكثر الفقهاء إلى وجوب الإراقة الفورية في نجاسة الكلب، زجرا وتغليظا وتنفيرا عن الكلاب.
أما المالكية فيقولون بالغسل من ولوغ الكلب سبع مرات ويقولون بالترتيب، لأنه لم يقع في رواية مالك، والمشهور عندهم أن التسبيع واجب. وعن مالك رواية أن الأمر بالتسبيع للندب، والغسل عندهم للتعبد، لأن الكلب طاهر، وعن مالك رواية بأنه نجس لكن الغسل أيضا للتعبد، لأن قاعدته أن الماء لا ينجس إلا بالتغير.
وذهب بعض المالكية إلى أن المأمور بالغسل من ولوغه الكلب المنهي عن اتخاذه، دون المأذون فيه، قال الحافظ ابن حجر: وهذا يحتاج إلى ثبوت تقديم النهي عن الاتخاذ على الأمر بالغسل، وإلى قرينة تدل على أن المراد ما يؤذن في اتخاذه. ثم قال: ومثله تفرقة بعضهم بين البدوي والحضري، وكذا دعوى بعضهم أن الغسل مخصوص بالكلب الكلب [أي المصاب بداء الكلب] وأن الحكمة في الأمر بغسله من جهة الطب، قال: وهذا التعليل وإن كان فيه مناسبة لكنه يستلزم التخصيص بلا دليل.
أما إراقة ما في الإناء فالمشهور عن المالكية التفرقة بين إناء الماء؛ فيراق ويغسل، وبين إناء الطعام، فيؤكل ثم يغسل الإناء تعبدا. قالوا: لأن الأمر بالإراقة عام. فيخص الطعام منه بالنهي عن إضاعة المال. قال الحافظ ابن حجر: وعورض بأن النهي عن الإضاعة مخصوص بالأمر بالإراقة، ويرجحه الإجماع على إراقة ما تقع فيه النجاسة من قليل المائعات ولو عظم ثمنه، فثبت أن عموم النهي عن الإضاعة مخصوص، بخلاف الأمر بالإراقة. اهـ. ووجهة نظرهم أن الطعام غير نجس، فإراقته إضاعة للمال وإراقة الطاهر إضاعة بلا خلاف، فالنزاع في مبنى الإراقة وسببها، لا في الإراقة نفسها، فالمعارضة غير سليمة. والله أعلم.
وأما الحنفية فلم يقولوا بوجوب السبع، ولم يقولوا بالتراب، واستندوا إلى أن أبا هريرة رضي الله عنه راوي الغسل سبعا أفتى بثلاث غسلات، فثبت بذلك نسخ السبع، وتعقب بأنه يحتمل أن يكون أفتى بذلك لاعتقاده ندبية السبع، لا وجوبها، أو كان نسي ما رواه، والنسخ لا يثبت بالاحتمال، وأيضا فقد ثبت أنه أفتى بالغسل سبعا. قال الحافظ ابن حجر: ورواية من روى عنه موافقة فتياه لروايته أرجح من رواية من روى عنه مخالفتها من حيث الإسناد، ومن حيث النظر. اهـ.
كما استندوا إلى أن العذرة أشد في النجاسة من سؤر الكلب، ولم يقيد التطهير منها بالسبع، فيكون الولوغ كذلك من باب أولى، وأجيب بأنه لا يلزم من كونها أشد منه في الاستقذار أن لا يكون أشد منها في تغليظ الحكم، وبأنه قياس في مقابلة النص، ولا قياس مع النص.
وأجاب الحنفية عن الرواية الخامسة -حديث عبد الله بن المغفل- بأن الأمر بالغسل سبعا كان عند الأمر بقتل الكلاب، تغليظا عليهم، وفطما لهم عن الولع بها، فلما نهي عن قتلها نسخ الأمر بالغسل سبعا، وتعقب بأن الأمر بقتلها كان في أوائل الهجرة، والأمر بالغسل متأخر جدا، لأنه من رواية ابن المغفل، وقد ذكر ابن المغفل أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالغسل، وكان إسلامه سنة سبع، وسياق روايته واضح في أن الأمر بالغسل كان بعد الأمر بقتل الكلاب.
قالوا: إن الشافعية أنفسهم لم يأخذوا بحديث ابن المغفل، لأنهم لم يوجبوا ثماني غسلات، عملا بظاهر قوله: “وعفروه الثامنة بالتراب” قلنا: إن ترك الشافعية العمل بظاهره لا يبرر للحنفية ترك العمل به رأسا، لأنهم اعتذروا عن ظاهره بالجمع بينه وبين حديث أبي هريرة. فقالوا: لما كان التراب جنسا غير الماء، جعل اجتماعهما في المرة الواحدة معدودا باثنتين، فإطلاق الغسلة الثامنة على الترتيب مجاز. والله أعلم.
ثالثا: أقوال العلماء وأدلتهم في تربية الكلاب، وبيعها، وقتلها:
وفي تربية الكلاب قال الحافظ ابن حجر: في الكلب بهيمية وسبعية، كأنه مركب وفيه منافع للحراسة والصيد، وفيه من اقتفاء الأثر وشم الرائحة والحراسة وخفة النوم والتودد وقبول التعليم ما ليس لغيره. وقيل: إن أول من اتخذه للحراسة نوح عليه السلام. اهـ.
وقد صرح الحديث الخامس بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب، وسبب ذلك كما في صحيح مسلم عن ابن عباس عن ميمونة أن جبريل وعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيه، فلم يأته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما والله ما أخلفني. قال: فظل رسول الله صلى الله عليه وسلم يومه ذلك على ذلك، ثم وقع في نفسه جرو كلب كان تحت فسطاط لنا، فأمر به، فأخرج. ثم أخذ بيده ماء، فنضح مكانه فلما أمسى لقيه جبريل عليه السلام. فقال له: قد كنت وعدتني أن تلقاني البارحة؟ قال: أجل. ولكنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ، فأمر بقتل الكلاب.
وقيل: إنما أمر بذلك تغليظا عليهم، لأنهم كانوا مولعين بها، فقد أخرج مسلم عن جابر قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب، حتى إن المرأة تقدم من البادية بكلبها فنقتله، ثم نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها، وقال: عليكم بالأسود البهيم ذي النقطتين، فإنه شيطان. [لعل سر الأمر بقتل الأسود البهيم قبح منظره، والاشمئزاز منه، وتشبيهه بالشيطان للتنفير من اقتنائه] ونقل النووي عن إمام الحرمين أن الأمر بقتل الأسود البهيم كان في الابتداء. وهو الآن منسوخ. اهـ. لكن الإمام أحمد يحرم اقتناءه مهما كانت الحاجة إليه.
وقد اتفقوا على أن الكلب العقور يقتل، ويحرم اقتناؤه، وهو الكلب الذي يعقر الناس، ويعدو عليهم، ويخيفهم. فقد روى البخاري ومسلم عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال: “خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح: الغراب والحدأة والفأرة والعقرب والكلب العقور” وإذا جاز للمحرم قتله فغيره من باب أولى.
كما اتفقوا على أنه لا يجوز اقتناء الكلاب لغير حاجة، كأن يقتني كلبا إعجابا بصورته، أو للمفاخرة به، فهذا حرام، وشذ من قال: إنه مكروه.
كما اتفقوا على جواز اقتناء الكلب للصيد، ولحراسة الماشية، ولحراسة الزرع، للنص على الترخيص بها.
واختلف في اقتنائه لحراسة الدور والدروب، وفي اقتناء الجرو ليعلم، وفي اتخاذه لاقتفاء الأثر. والصحيح إلحاق الحاجات المشروعة بالصيد والماشية والزرع، لأن الترخيص فيها للحاجة، فيرخص لكل ما شابهها، مما يجلب منفعة أو يدفع مضرة، قياسا.
هذا عن حكم الاقتناء، أما حكم القتل فالأصح أنه يجوز قتل غير المأذون فيه، ولا يجوز قتل المأذون في تربيته، فإن قتل غرم، فقد روى الطحاوي عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه قضى في كلب صيد قتله رجل بأربعين درهما، وقضى في كلب ماشية بكبش.
وقد وردت أحاديث ظاهرها منع بيع الكلب، وتحريم ثمنه، ففي البخاري عن أبي مسعود الأنصاري “نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب، ومهر البغي وحلوان الكاهن” وروى أبو داود من حديث ابن عباس مرفوعا “نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب. وقال: إن جاء يطلب ثمنه فاملأ كفه ترابا”.
وعند ابن أبي حاتم من حديث ابن عمر “نهى عن ثمن الكلب وإن كان ضاربا، يعني مما يصيد”.
فهذه الأحاديث حجة للشافعي في تحريم بيع الكلب مطلقا، معلما كان أو غير معلم مما يجوز اقتناؤه أو مما لا يجوز، ومن لازم ذلك أن لا قيمة على متلفه، والعلة في تحريم بيعه نجاسته، وهي قائمة في المعلم وغيره.
وعند الحنفية يجوز بيعه، وتجب القيمة على متلفه، لأنه منتفع به حراسة واصطيادا، وأجابوا عن أحاديث النهي عن ثمنه بأنها صدرت أيام الأمر بقتل الكلاب، وكان الانتفاع بها يومئذ محرما.
وعن مالك ثلاث روايات: رواية كالشافعية، ورواية كالحنفية، ورواية لا يجوز بيعه وتجب القيمة على متلفه، وقال القرطبي: مشهور مذهب مالك جواز اتخاذ الكلب، وكراهية بيعه، ولا يفسخ إن وقع. اهـ.
وقال عطاء والنخعي: يجوز بيع كلب الصيد دون غيره، فقد أخرج النسائي من حديث جابر قال: “نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب إلا كلب صيد”.
(ملحوظة) حكم الخنزير حكم الكلب في كل ما سبق عند الشافعية وذهب أكثر العلماء إلى أن الخنزير لا يفتقر إلى غسله سبعا، وهو قول الشافعي قال النووي: وهو قوي في الدليل. والله أعلم.
رابعا: ويؤخذ من الحديثين من الأحكام فوق ما تقدم
1- أن حكم النجاسة يتعدى عن محلها إلى ما يجاورها، بشرط كونه مائعا.
2- وأن المائعات تنجس إذا وقع في جزء منها نجاسة.
3- وأن الإناء ينجس إذا اتصل بالمائع النجس.
4- وأن الماء القليل ينجس بوقوع النجاسة فيه، وإن لم يتغير، لأن ولوغ الكلب لا يغير الماء الذي في الإناء غالبا.
5- وأن ورود الماء على النجاسة يخالف ورودها عليه، لأنه أمر بإرقة الماء لما وردت عليه النجاسة، وهو حقيقة في إراقة جميعه، وأمر بغسله، وحقيقته تتأدى بما يسمى غسلا ولو كان ما يغسل به أقل مما أريق.
6- أخذ الأوزاعي من قوله “في إناء أحدكم” إخراج ماء المستنقع، لكن الجمهور على أن العبرة بالماء القليل.
7- وفيه بيان لطف الله ورأفته بعباده، حيث أباح لهم اقتناء الكلاب للحاجة كالصيد والحراسة، ومنعهم من اقتنائها لغير حاجة لما فيه من ترويع الناس.
والله أعلم
————–
جواب سيف غدير
كتاب الطهارة – باب المياه [3] – للشيخ : ( عطية محمد سالم )
اختلف العلماء في نجاسة الكلب، ونجاسة سؤره، ومن ثم اختلفوا في حكم غسل الإناء الذي ولغ فيه الكلب سبع مرات، وفي حكم تتريبه، وكل فريق استدل بأدلة صحيحه، ومعرفة خلاف العلماء في هذه المسألة وأدلتهم فيها يدرب طالب العلم على استنباط الأحكام الشرعية، ويعلمه احترام رأي المخالفين، وتقدير وجهة نظرهم.أما سؤر الهرة فهو طاهر وليس بنجس؛ لأنها من الطوافين علينا، ويلحق بها كل ما كان يعيش في البيوت بجامع أنها كلها من الطوافين علينا.
*خلاف العلماء في نجاسة سؤر الكلب وغسله:
فالجمهور على نجاسة الكلب، وعلى أنه يغسل الإناء إذا ولغ فيه الكلب للنجاسة،
ولكن هل يقاس عليه غيره؟
فبعض الشافعية يلحق الخنزير بالكلب في نجاسته وفي التطهير منه؛ لأن الخنزير أشد نجاسة من الكلب.
وهناك من يحكي عن بعض المالكية أن الأمر بغسل الإناء الذي ولغ فيه الكلب وارد في الكلب غير المأذون فيه، أما الكلب المأذون فيه، وهو ما كان للصيد أو للحراسة أو للماشية؛ فإنه مخالط لصاحبه؛ فليس داخلاً في هذا الأمر، وبقية المالكية على العموم، سواء كان الكلب مأذوناً فيه أو غير مأذون فيه. قال صلى الله عليه وسلم: (طهور إناء أحدكم) فإذا كان الولوغ في غير الإناء، بأن جاء الكلب إلى بركة أو إلى حوض وشرب منه ولعق، فهل يدخل في هذا الباب؟
قالوا: لا يدخل.وقد جاء أن عمر بن الخطاب خرج في ركب فيهم عمرو بن العاص، فوردوا حوضاً، فقال عمرو بن العاص لصاحب الحوض: يا صاحب الحوض! هل ترد حوضك السباع؟ فقال عمر بن الخطاب : فإنا نرد على السباع وترد علينا.
وقد سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الحياض التي بين مكة والمدينة وتردها السباع والكلاب ونحوها، هل يتطهر منها؟
فقال: (لها ما حملت في بطونها ولنا ما غبر) أي: ما بقي.فهنا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن تلك المواطن لا يضرها ولوغ الكلاب فيها، فالذين قالوا بنجاسة سؤر الكلب، قالوا: هذا ماء كثير فوق القلتين، وسنرجع إلى موضوع نجاسة الماء القليل إذا لم تغيره النجاسة، ومن أدلتهم على هذا: أن ولوغ الكلب في الإناء لا يغير أحد أوصافه من لون أو طعم أو ريح. إذاً: هذا ماء قليل خالطته النجاسة فتنجس ولو لم يتغير، فأمر بإراقته وغسل الإناء، وردوا على مالكاً بهذا؛ لكن مالك لم يسلم لهم بالنجاسة، إنما قال الغسل هنا تعبدي، وسؤر الكلب طاهر.
(أدلة المالكية) على طهارة سؤر الكلب
وقد استدل (الجمهور) بقوله صلى الله عليه وسلم: (طهور إناء أحدكم)، والطهور يكون من نجس أو من حدث، لكن مالكاً ناقشهم بالسبر والتقسيم، وقال: هناك قسم ثالث، وهو الطهورية من القذر، ولكن هذا استنتاج، فما هو الدليل عندك -يا مالك – على أن سؤر الكلب طاهر؟قال: إن الأصل في الحي الطهارة، فكل حي طاهر عند مالك ، كما أن الأصل أن كل حيوان ميت فهو نجس، وهذه قاعدة في الحياة وفي الموت.واستدل مالك بالنص القرآني الكريم، فإن المولى سبحانه وتعالى لما سأل السائلون: ماذا أحل لهم؟ قال: (قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِين)َ [المائدة:4]، قال مالك: فكلب الصيد يذهب ويمسك الصيد لصاحبه، ولم نجد الأمر بغسل موضع عض الكلب للصيد، وليس هو مجرد ولوغ، بل هو عض بفمه كله على الصيد، فلم يؤمر صاحب الكلب المعلم أن يغسل موضع عض الكلب للصيد، لكن قال الجمهور: هذا الموضع يقطع ويرمى، ولو لم يرمَ فسيشوى في النار، والنار تحيل النجاسة إلى طهارة، فقال مالك: النار أذهبت المعنى التعبدي الذي أمر بالغسل من أجله، قالوا: وما هو الأمر؟ قال: الأمر صحي، وسيأتي بيانه إن شاء الله.
واستدل (المالكية) بصنيع البخاري في صحيحه، وهو وإن لم يصرح بمذهبه، فإنه يدل على ميوله إلى مذهب مالك في هذه المسألة؛ لأنه ساق أربعة أحاديث يفهم من مجموعها عدم نجاسة سؤر الكلب، منها حديث كلب الصيد، ومنها: (كانت الكلاب تروح وتغدو في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وما الفائدة من هذا الحديث الذي يسوقه البخاري في كتاب الطهارة؟
قال السيوطي : إن البخاري فقيه، ودلالة الفقه في صحيحه أكثر من دلالتها في غيره؛ وذلك لفقهه، ولذا يقول العلماء: فقه البخاري في تبويبه، وقد يبوب الباب لمسألة فقهية ولا يورد فيها أي حديث؛ لأنه صح عنده حديث في معنى الباب، ولكن ليس على شرطه في الصحة، فيأتي بالمعنى تحت الباب ولا يسوق الحديث؛ لأنه دون ما اشترطه، وقد يترجم للمعنى ويأتي بحديث في الظاهر أنه بعيد جداً، ولكن المعنى موجود فيه، فهنا البخاري بوب: كانت الكلاب تروح وتغدو في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه في عام الوفود سنة تسع كان صلى الله عليه وسلم ينزل الوفود في المسجد، ولما جاء وفد بني ثقيف في السنة التاسعة أنزلهم في المسجد، ونصب خيامهم في المسجد، وكان يشرف على خدمتهم، وكان ذلك في رمضان؛ ليروا حال المسلمين في صيامهم وفطورهم، ويروا تلاحمهم وإخاءهم، ولذلك لم يخرج رمضان إلا وقد أسلموا جميعاً، قال البخاري : كان هؤلاء القوم في المسجد، وكان يؤتى لهم بالطعام، وحاسة الشم قوية عند الكلب، فهو يمشي ويتشمم في تربة الأرض، ومعلوم أنه إذا تشمم الكلب تربة الأرض فإن لسانه يلهث أيضاً، فلا بد أن يصيب لعابه التربة، ولم يأمر صلى الله عليه وسلم بغسلها، ولا بصب الماء عليها كما أمر في قصة بول الأعرابي، ولا أمر بمسح التراب عن مواضع تشمم الكلاب في المسجد، ولو كان سؤر الكلب نجساً لمنعت الكلاب من ذلك، وتتبع مواطنها، وطهرت بما يمكن أن تطهر به.
وكذلك استدل المالكية بقضية كلب الصيد على أن سؤره ليس بنجس.
إذاً: الخلاف على هذا النحو:
(مالك) يرى طهارة سؤر الكلب، (والجمهور) يرون النجاسة، وكلٌ يستدل بما تقدم.
*الأمر بغسل الإناء الذي ولغ فيه الكلب أمر تعبدي عند المالكية
وبعض المالكية يقول: إن الأمر بإراقة الماء وغسل الإناء، وتسبيعه في التغسيل، وتتريبه بالتراب في إحداهن: أولاهن، أو أخراهن السابعة أو الثامنة -كما قال الحسن البصري- أمر تعبدي، وليس من باب تطهير النجاسات، وما هو الأمر التعبدي في ذلك؟
قالوا: سبب غسل الإناء من سؤر الكلب وإراقة الماء وتطهير الإناء بعد إراقته أمر طبي لصحة الإنسان؛ لأن الكلب يصاب بداء الكَلَب، وداء الكَلَب ينتقل من الكلب إلى الإنسان إذا عض الإنسان، أو تناول إنسان بعده من سؤره، فتنتقل جرثومة داء الكَلَب من الكلب إليه، ويصير مسعوراً مثل الكلب، قالوا: فأمر بإراقة الماء حتى لا يشربه أحد، وبتطهير الإناء حتى لا تبقى آثار الجرثومة في الإناء.
ورد عليهم الجمهور بأن الكلب الكلِب لا يشرب الماء، وإذا شرب الماء وولغ فيه فليس مسعوراً، ورد عليهم المالكية وقالوا: إن الكلب قد يصاب بالداء ولا تظهر عليه آثاره إلا بعد خمسة عشر يوماً، وعند ذلك تتكاثر فيه الجرثومة، وتظهر آثارها عليه، وحينئذ لا يقرب الماء، والشرع المطهر عمم الحكم فيما كان مصاباً ولم تظهر أثر الإصابة عليه ومالم يصب بشيء، سداً للباب.
ثم نأتي إلى مسألة التتريب، نجد في بعض الأبحاث الطبية الحديثة أنه لا يمكن للمطهرات الكيميائية أن تقضي على داء الكلب، ولا يقضي عليه غير مادة موجودة في التراب تسمى: (فلورين)، وهذه المادة متوافرة في التراب، فإذا أضيف التراب إلى الإناء مع الماء فإنها تقضي على هذه الجرثومة نهائياً، فوجدنا في الطب الحديث أن هذه المادة (الفلورين) تقضي على داء الكلب، وقد جاء الأمر بإراقة الماء الذي شرب منه الكلب وغسل الإناء سبعاً مع التتريب، ووجدنا أن الكلاب كانت تغدو وتروح في المسجد النبوي، ولم نجد الأمر بغسل آثار الكلب في الصيد، وهذه أدلة المالكية في قولهم بأن سؤر الكلب ليس نجساً؛ والغسل فيه تعبدي. وأضافوا إلى ذلك -من باب التدعيم القولي بكل صغيرة وكبيرة- أن عدد السبعة يأتي في الطب كثيراً، مثل حديث: (من تصبح بسبع تمرات ..)، وحديث: (أريقوا عليه من سبع قرب من سبعة آبار)، أي: في دواء الحمى، فقالوا: عدد السبعة داخل في الطب؛ ولهذا أمر بغسل الإناء سبع مرات وأضيف إليه التراب.وبعض من يقول بالنجاسة قالوا: لا حاجة إلى التراب مع الغسل سبع مرات، فلو غسل بالصابون والأشنان ونحو ذلك فإنه يجزئ، وهذا قول عند الحنابلة، لكن رد عليهم بأن الحديث نص على التراب، فقالوا: هذا نظيره في النظافة، والصابون والأشنان منظفان، قال ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام: يجاب على هذا بأنه فاسد الاعتبار، وأي قياس يعارض النص فلا يعتبر؛ لأن النص في التراب، وقالوا: إن التراب أحد الطهورين، فيجمع للإناء بين طهور الماء وطهور التراب، وقال ابن دقيق العيد قاعدة: إذا عاد الفرع على الأصل بالإبطال كان الفرع باطلاً، وذلك مثل قصة الخضر مع موسى عليهما السلام لما قتل الخضر الغلام: (قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً) [الكهف:74]، ثم قال الخضر: (وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً )[الكهف:80-81]، فهذا الولد فرع، وهذان الأبوان الصالحان أصل، فحفاظاً على صلاح الأبوين أبقي على الأصل، وقدما على الفرع، وقتل الفرع حتى لا يفسد الأصل؛ وهكذا إذا كان الفرع يعود على الأصل بالبطلان كان الفرع باطلاً، ونحن نشاهد هذا حتى عند الفلاحين، فلو أن شجرة برتقال صغيرة أثمرت كثيراً، فيرى صاحب البستان أنه لو تركت ثمار البرتقال على هذه الشجرة الصغيرة لكسرت أغصانها ولم تحتملها الشجرة، ولذلك يخفف الثمار حتى لا تتحطم أغصان الشجرة، ويتلف بعض الفرع إبقاءً للأصل، وهكذا هنا، فلو جعلنا الأشنان فرعاً عن التراب لأبطلنا التراب، فيكون الفرع مقدم على الأصل، إذاً: هذا الفرع باطل، أما لو قيل: نضيف الأشنان مع التراب فلا بأس؛ لأننا حافظنا على الأصل، وأضفنا إليه غيره.
*خلاف العلماء في حكم التسبيع والتتريب
نأتي إلى مسألة التسبيع، (الأحناف) رحمهم الله يقولون: لا حاجة إلى التسبيع، ويكفي ثلاث غسلات؛ لأن راوي الحديث أبا هريرة رضي الله تعالى عنه سئل عن ذلك فقال: (يجزئ ثلاث غسلات)، فراوي الحديث أدرى بحديثه، لكن لا ندري هل وجد له مخصصاً أو وجد له ناسخاً حتى نأخذ بفتواه دون روايته، والقاعدة عند المحدثين والأصوليين: أنه يأخذ برواية الصحابي لا بفتواه؛ لأن روايته نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفتواه اجتهاد منه، ولا يحق له أن يخالف نص رسول الله صلى الله عليه وسلم باجتهاد منه، إذاً: التسبيع ثابت.
وقال الأحناف أيضاً: لا حاجة إلى التتريب؛ لاضطراب رواية التتريب؛ فقد جاء:
أولاهن، أخراهن، إحداهن، السابعة، الثامنة، قالوا: وهذا اضطراب في الرواية فيسقط التتريب. وأجاب الجمهور بأن تعدد الروايات لا يدل على نفي التتريب بالكلية، بل يؤكد وجوده؛ ولكن الخلاف في الأولى أو في الأخيرة هذا شيء آخر، ولكن تلك الروايات تثبت التتريب؛ فيتعين التتريب.إذاً: هذا عرض لهذا الحديث وجزئياته، ولن نستطيع أن نستوفي كل ما يمكن أن يقال في ذلك، ولكن هذا تمهيد وبيان وتدريب لطالب العلم على دراسة الحديث الذي تتفرع عنه المسائل العديدة، ومعرفة وجهات النظر، وكان الأحرى أن يسوقه المؤلف في باب إزالة النجاسة، ولكنه ساقه هنا تأييداً لرأي من يقول: إن الماء القليل -كالإناء الذي ولغ فيه الكلب- ينجس ولو لم يكن هناك تغير في لون أو رائحة أو طعم؛ لأنه أمر بإراقة الماء وغسل الإناء مع عدم ظهور التغير فيه.
*تنبيه:
راجع مختلف الحديث رقم (عشرين) فقد تم جواب الإخوة عن إختلاف الروايات الواردة في الحديث فيراجع.