2675 فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
شارك محمد البلوشي ، وطارق أبو تيسير وعبدالملك وعبدالله المشجري وأحمد بن علي وعبدالحميد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
٦ – بابُ: فَضْلِ الذِّكْرِ والدُّعاءِ والتَّقَرُّبِ إلى اللهِ تَعالى
١٩ – (٢٦٧٥) حَدَّثَنا أبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنا وكِيعٌ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأصَمِّ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إنَّ اللهَ يَقُولُ: أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وأنا مَعَهُ إذا دَعانِي».
٢٠ – (٢٦٧٥) حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشّارِ بْنِ عُثْمانَ العَبْدِيُّ، حَدَّثَنا يَحْيى يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ، وابْنُ أبِي عَدِيٍّ، عَنْ سُلَيْمانَ وهُوَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قالَ: «قالَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: إذا تَقَرَّبَ عَبْدِي مِنِّي شِبْرًا، تَقَرَّبْتُ مِنهُ ذِراعًا، وإذا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِراعًا، تَقَرَّبْتُ مِنهُ باعًا – أوْ بُوعًا – وإذا أتانِي يَمْشِي، أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً».
٢٠ – حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأعْلى القَيْسِيُّ، حَدَّثَنا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أبِيهِ، بِهَذا الإسْنادِ ولَمْ يَذْكُرْ: «إذا أتانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً».
٢١ – (٢٦٧٥) حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأبُو كُرَيْبٍ – واللَّفْظُ لِأبِي كُرَيْبٍ – قالا: حَدَّثَنا أبُو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أبِي صالِحٍ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يَقُولُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي، وأنا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، فَإنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنهُ، وإنِ اقْتَرَبَ إلَيَّ شِبْرًا، تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعًا، وإنِ اقْتَرَبَ إلَيَّ ذِراعًا، اقْتَرَبْتُ إلَيْهِ باعًا، وإنْ أتانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً».
٢٢ – (٢٦٨٧) حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا وكِيعٌ، حَدَّثَنا الأعْمَشُ، عَنِ المَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ أبِي ذَرٍّ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يَقُولُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: مَن جاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أمْثالِها وأزِيدُ، ومَن جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَجَزاؤُهُ سَيِّئَةٌ مِثْلُها أوْ أغْفِرُ،
ومَن تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنهُ ذِراعًا، ومَن تَقَرَّبَ مِنِّي ذِراعًا تَقَرَّبْتُ مِنهُ باعًا، ومَن أتانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً،
ومَن لَقِيَنِي بِقُرابِ الأرْضِ خَطِيئَةً لا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَقِيتُهُ بِمِثْلِها مَغْفِرَةً»، قالَ إبْراهِيمُ: حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنا وكِيعٌ، بِهَذا الحَدِيثِ،
٢٢ – حَدَّثَنا أبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنا أبُو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأعْمَشِ، بِهَذا الإسْنادِ نَحْوَهُ، غَيْرَ أنَّهُ قالَ: «فَلَهُ عَشْرُ أمْثالِها أوْ أزِيدُ».
==========
التمهيد:
“يقول الله تعالى: ﴿فاذكروني أذكركم﴾ [البقرة ١٥٢]، ويقول: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾ [الذاريات ٥٦]، وذكر الله تعالى عبادة الملائكة واعتراف من المخلوق للخالق، وقد مدح الله الذاكرين له في آيات كثيرة، وجعلهم أولي الألباب في قوله: ﴿إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ..﴾ [آل عمران ١٩٠ – ١٩١].
والذاكرون لا يشقون ولا يشقى جليسهم ويباهي الله بهم ملائكته، يذكرهم الله في الملأ الأعلى، ويجيب دعاءهم ويثيبهم ويرحمهم ويضاعف أجرهم، يقول لملائكته ماذا يطلبون؟ يقولون: الجنة. يقول: فهل رأوها؟ يقولون: لا. فيقول كيف حالهم إذا رأوها؟ ومم يستعيذون؟ فيقولون: من النار. فيقول وهل رأوها؟ فيقولون: لا، فيقول فكيف إذا رأوها؟ أشهدكم يا ملائكتي أني غفرت لهم”.
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
قال الحافظ النووي رحمه الله:
(٦) – (بابُ: فَضْلِ الذِّكْرِ، والدُّعاءِ، والتَّقَرُّبِ إلى اللهِ تَعالى)
شرح الحديث:
حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – هذا متَّفقٌ عليه، وقد مضى شرحه، وبيان مسائله في «باب الحثّ على ذكر الله تعالى».
وقوله: (أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي)؛ أي: أعامله على حسب ظنه، وأفعل به ما يتوقعه مني، فليُحْسِن رجاءه، أو أنا قادر على أن أعمل به ما ظن أني أعامله به، فالمراد: الحثّ على تغليب الرجاء على الخوف، والظنّ على بابه، ذكره القاضي -رَحِمَهُ اللهُ-.
قال: ويمكن تفسيره بالعلم، والمعنى: أنا عند يقينه بي، وعِلمه بأن مصيره إليّ، وحسابه عليّ، وأن ما قضيت من خير وشرّ، فلا مردّ له، لا معطي لِما منعت، ولا رادّ لِما أعطيت؛ أي: إذا تمكن العبد في مقام التوحيد، ورسخ في مقام الإيمان، والوثوق به، قَرُب منه، ورفع دونه الحجاب، بحيث إذا دعاه أجاب، وإذا سأله استجاب.
وجزم بعض المتأخرين بثاني احتماليه، فقال: معناه: عند يقينه بي … والظن قد يَرِد بمعنى اليقين، قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَظُنُّونَ أنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ﴾ [البقرة ٤٦]؛ أي: يوقنون، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر؛ أي: إن ظن بي خيرًا أفعل به خيرًا، وإن ظن بي شرًّا أفعل به شرًّا.
قال العلامة ابن القيم -رَحِمَهُ اللهُ-: وأعظم الذنوب عند الله تعالى إساءة الظن به، فإن من أساء الظن به ظَنّ به خلاف كماله الأقدس، وظنَّ به ما يناقض أسماءه وصفاته، ولهذا توعّد عليه بما توعّد به غيره؛ فقال: ﴿عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ولَعَنَهُمْ وأعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ﴾ [الفتح ٦]، وقال: ﴿وذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أرْداكُمْ﴾ [فصلت ٢٣].
وقال الكرماني -رَحِمَهُ اللهُ-: وفيه: إشارة إلى ترجيح جانب الرجاء على الخوف؛ أي: لأن العاقل إذا سمعه لا يَعْدِل إلى ظنّ إيقاع الوعيد، وهو جانب الخوف، بل إلى ظنّ وقوع الوعد، وهو جانب الرجاء، وهو كما قال المحققون مقيَّد بالمحتضِر، وفي غيره أقوال، ثالثها الاعتدال. انتهى [«فيض القدير» ٢/ ٣١٢].
وقال ابن أبي جمرة -رَحِمَهُ اللهُ-: المراد بالظنّ هنا: العلم؛ لقوله: ﴿وظَنُّوا أنْ لا مَلْجَأ مِنَ اللَّهِ إلّا إلَيْهِ﴾ [التوبة ١١٨].
وفي «المفهم»: معنى «ظن عبدي بي»: ظنُّ الإجابة عند الدعاء، وظنّ القبول عند التوبة، وظن المغفرة عند الاستغفار، وظن المجازاة عند فعل العبادة بشروطها؛ تمسكًا بصادق وعده. [«فيض القدير» ٤/ ٤٩٠].
وقال المناويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: «أنا عند ظن عبدي بي» إن ظن بي خيرًا فله مقتضى
ظنه، “وإن ظن بي شرًّا”؛ أي: أني أفعل به شرًّا فله ما ظنَّه… ألا ترى إلى العصابة التي فرَّت من الطاعون، كيف أماتهم؟
وقد مر استيفاء شرحه، وبيان مسائله في الباب الأول: «باب الحثّ على ذكر الله تعالى» [١/ ٦٧٨١] (٢٦٧٥) فراجعه تستفد، وبالله تعالى التوفيق.
وقوله: (أوْ بُوعًا) «أو» هنا للشكّ من الراوي، و«البُوع» بفتح الباء، وتضمّ، قال المجد -رَحِمَهُ اللهُ-: الباع: قدر مدّ اليدين، كالبَوع -بالفتح- ويُضمّ، جمعه أبواع. انتهى.
وقال الخطابيّ: الباع معروف، وهو قدر مَدّ اليدين، وأما البَوْع بفتح الموحّدة، فهو مصدر باع يبوع بَوْعًا، قال: ويَحْتَمِل أن يكون بضم الباء، جمع باع، مثل دار ودُور.
قال الحافظ: وأغرب النوويّ، فقال: الباع، والبُوع، والبَوْع بالضم، والفتح، كله بمعنًى، فإن أراد ما قال الخطابيّ، وإلا لم يصرّح أحد بأن البوع بالضم والباع بمعنى واحد. انتهى.
قال الأتيوبي عفا الله عنه: قول الحافظ: لم يصرح أحد … إلخ فيه نظر
لا يخفى، فقد قدّمت أن ما قاله النوويّ صواب، وليس خطأ، والله تعالى
أعلم.
وقوله: (وإذا أتاني يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً) فيه: صفة الهرولة لله تعالى -سُبْحانَهُ وتَعالى-، وقد تقدم البحث فيه مستوفى في الباب المذكور، فارجع إليه، وبالله تعالى التوفيق.
وقال الإمام مسلم رحمه الله تعالى:
[٦٨٠٧] (…) – (حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأعْلى القَيْسِيُّ، حَدَّثَنا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أبِيهِ، بِهَذا الإسْنادِ، ولَمْ يَذْكُرْ: «إذا أتانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً»).
وقوله: (ولَمْ يَذْكُرْ … إلخ) الظاهر أن المصنّف -رَحِمَهُ اللهُ- لم تقع له هذه الزيادة في رواية شيخه محمد بن عبد الأعلى، وإلا فقد وقعت في رواية ابن حبّان الآتية في التنبيه، والله تعالى أعلم.
[تنبيه]: رواية المعتمر، عن أبيه هذه ساقها ابن حبّان -رَحِمَهُ اللهُ- في «صحيحه»، فقال:
(٣٧٦) – أخبرنا الحسن بن سفيان، قال: حدّثنا محمد بن المتوكل، قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان، قال: حدّثني أبي، قال: أنبأنا أنس بن مالك، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: «قال الله تبارك وتعالى: إذا تقرّب عبدي مني شبرًا تقربت منه ذراعًا، وإذا تقرب مني ذراعًا تقربت منه باعًا، وإذا أتاني مشيًا أتيته هرولة، وإن هرول سعيت إليه، والله أوسع بالمغفرة». انتهى [ «صحيح ابن حبان» ٢/ ١٠٠.].
وقال الإمام مسلم رحمه الله تعالى:
[٦٨٠٩] (٢٦٨٧) –
و(أبُو ذَرٍّ) الغِفاريّ الصحابيّ المشهور، اسمه جندب بن جُنادة على الأصح، وقيل: بُرير بموحّدة مصغرًا، أو مكبرًا، واختُلف في أبيه أيضًا، تقدّم إسلامه، وتأخرت هجرته، فلم يشهد بدرًا، ومناقبه كثيرة جدًّا، مات سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان – رضي الله عنهما – (ع).
شرح الحديث:
((قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يَقُولُ اللهُ -عَزَّ وجَلَّ-: مَن جاءَ بِالحَسَنَةِ…. )قال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله تعالى: «فله عشر أمثالها، أو أزيد» معناه: أن التضعيف بعشرة أمثالها لا بُدّ بفضل الله ورحمته، ووعده الذي لا يُخلَف، والزيادة بعدُ بكثرة التضعيف إلى سبعمائة ضعف، وإلى أضعاف كثيرة، يحصل لبعض الناس دون بعض، على حسب مشيئته -سُبْحانَهُ وتَعالى-. انتهى [«شرح النوويّ» ١٧/ ١٢].
وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: «وأزيد» مفتوح الهمزة، مكسور الزاي، مضموم الدال، على أنه فعلٌ مضارع، وكذا رويته، وقد رُوي هذا الحرف بالواو الجامعة، وبـ «أو» التي معناها أحد الشيئين، وهو إشار إلى معنى قوله تعالى: ﴿واللَّهُ يُضاعِفُ لِمَن يَشاءُ﴾ [البقرة ٢٦١]،
والحسنة تعمّ الحسنات كلها، فأيّ حسنة عملها المسلم ضوعف ثوابها كذلك،
ولا معنى لقول من قَصَرها على بعض الحسنات دون بعض، فإنّه يلزمهم مخالفة اللفظ العامّ، والكرم التامّ. انتهى [].
(ومَن جاءَ بالسَّيِّئَةِ) غير مكفَّرة (فَجَزاؤُهُ سَيِّئَةٌ مِثْلُها)؛ أي: عدلًا، وفي نسخة: «بمثلها»،
(أوْ أغْفِرُ)؛ أي: أسترها عنه فضلًا وكرمًا، وهو محمول على ما سوى الشرك – فإن سيئته لا يُغفر-، كما بيّنه الله تعالى بقوله: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ ويَغْفِرُ ما دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشاءُ﴾ [النساء ٤٨].
قال القاري: والأظهر ما قاله ابن حجر من أن العشر والزيادة يمكن اجتماعهما، بخلاف جزاء مثل السيئة ومغفرتها، فإنه لا يمكن اجتماعهما، فوجب ذكر «أو» الدالة على أن الواقع أحدهما فقط. انتهى [«مرعاة المفاتيح» ٧/ ٧٧٤].
(ومَن لَقِيَنِي) بكسر القاف، (بِقُرابِ الأرْضِ) بضم القاف على المشهور، وهو ما يقارب مِلأها، وحُكِي كسر القاف، نقله القاضي عياض وغيره، وقال ابن الأثير: أي: بما يقارب ملأها، وهو مصدر قارب يقارب. [«النهاية في غريب الأثر» ٤/ ٣٤].
(لَقِيتُهُ بِمِثْلِها)؛ أي: بمثل الخطيئة المقدّرة بقراب الأرض، (مَغْفِرَةً») منصوب على التمييز.
وقال في «المرعاة»: قوله: «لقيته بمثلها مغفرة»؛ أي: إن أردت ذلك له؛ قوله تعالى: ﴿ويَغْفِرُ ما دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشاءُ﴾ [النساء ٤٨] ونكتة حذفه في الحديث استغناءً بعلمه منها، ومبالغة في سعة باب الرحمة. يعني حذف – إن أردت ذلك له –
قال الطيبيّ: المقصود من الحديث: دفع الياس بكثرة الذنوب، فلا ينبغي أن يغترّ في الاستكثار من الخطايا، قال ابن الملك: فإنه يغفر لمن يشاء، ويعذب من يشاء، ولا يعلم أنه من أيِّهم. انتهى.
وهذا المقصود من آخر الحديث، وأما أوله ففيه الترغيب والتحثيث على المجاهدة في الطاعة والعبادة؛ دفعًا للتكاسل والقصور.
[واعلم]: أنه قلَّما يوجد في الأحاديث حديث أرجى من هذا الحديث، فإنه ﷺ رَتّب قوله: «لقيته بمثلها مغفرة» على عدم الإشراك بالله فقط، ولم يذكر الأعمال الصالحة، لكن لا يجوز لأحد أن يغترّ … فينبغي للمؤمن أن يكون بين الخوف والرجاء. انتهى [«مرعاة المفاتيح» ٧/ ٧٧٤]، والله تعالى أعلم.
[البحر المحيط الثجاج، بتصرف يسير].
ثانيًا: ملحقات:
(المسألة الأولى): النصوص الواردة في فضل الذكر والدعاء
أولاً: فضل الذكر والأمر به
قال الحافظ النووي في (رياض الصالحين): (١٥) – كتاب الأذْكار
٢٤٤ – باب فَضلِ الذِّكْرِ والحَثِّ عليه
قالَ الله تَعالى: ﴿ولذِكْرُ الله أكْبَرُ﴾ [العنكبوت ٤٥]، وقال تَعالى: ﴿فاذْكُرُونِي أذْكُرْكُمْ﴾ [البقرة ١٥٢]، وقال تَعالى: ﴿واذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وخِيفَةً ودُونَ الجَهْرِ مِنَ القَوْلِ بِالغُدُوِّ والآصالِ ولاَ تَكُنْ مِنَ الغافِلِينَ﴾ [الأعراف ٢٠٥]، وقال تَعالى: ﴿واذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الجمعة ١٠]، وقال تَعالى: ﴿إنّ المُسْلِمِينَ والمُسْلِماتِ﴾ … إلى قَوْله تَعالى: ﴿والذّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا والذّاكِراتِ أعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وأجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب ٣٥]، وقال تَعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وأصِيلًا﴾ [الأحزاب ٤١ – ٤٢] الآية. والآيات في الباب كثيرةٌ معلومةٌ.
وأورد النووي رحمه الله جملة من الأحاديث، ومن ذلك:
١٤٠٨ – وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قالَ: قالَ رسُولُ الله ﷺ: «كَلِمَتانِ خَفِيفَتانِ عَلى اللِّسانِ، ثَقِيلَتانِ فِي المِيزانِ، حَبِيبَتانِ إلى الرَّحْمانِ: سُبْحانَ اللهِ وبِحَمْدِهِ، سُبْحانَ اللهِ العظيمِ». متفقٌ عَلَيْهِ.
١٤٠٩ – وعنه – رضي الله عنه – قالَ: قالَ رسول الله ﷺ: «لأنْ أقُولَ: سُبْحانَ اللهِ؛ والحَمْدُ للهِ؛ ولاَ إلهَ إلاَّ اللهُ، واللهُ أكْبَرُ، أحَبُّ إلَيَّ مِمّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ». رواه مسلم.
١٤١٠ – وعنه: أنّ رسُولَ الله ﷺ قالَ: «مَن قالَ: لا إلهَ إلاَّ اللهُ وحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ؛ وهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، في يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقابٍ وكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، ومُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وكانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتّى يُمْسِي، ولَمْ يَأتِ أحَدٌ بِأفْضَلَ مِمّا جاءَ بِهِ إلاَّ رَجُلٌ عَمِلَ أكْثَرَ مِنهُ».
وقال: «مَن قالَ: سُبْحانَ الله وبِحَمْدِهِ، في يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، حُطَّتْ خَطاياهُ، وإنْ كانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ». متفقٌ عَلَيْهِ.
١٤١١ – وعن أبي أيوب الأنصاريِّ – رضي الله عنه – عن النَّبيِّ ﷺ قالَ: «مَن قالَ: لا إلَهَ إلاَّ اللهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ؛ ولَهُ الحَمْدُ، وهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، عَشْرَ مَرّاتٍ. كانَ كَمَن أعْتَقَ أرْبَعَةَ أنْفُسٍ مِن ولَدِ إسْماعِيلَ». متفقٌ عَلَيْهِ.
١٤١٢ – وعن أبي ذَرٍّ – رضي الله عنه – قالَ: قالَ رسولُ الله ﷺ: «ألاَ أُخْبِرُكَ بِأحَبِّ الكَلاَمِ إلى اللهِ؟ إنّ أحَبَّ الكَلاَمِ إلى اللهِ: سُبْحانَ اللهِ وبِحَمْدِهِ». رواه مسلم.
١٤١٣ – وعن أبي مالك الأشعري – رضي الله عنه – قالَ: قالَ رسولُ الله ﷺ: «الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمانِ، والحَمْدُ للهِ تَمْلأُ المِيزانَ، وسُبْحانَ اللهِ والحَمْدُ للهِ تَمْلآنِ – أوْ تَمْلأُ – ما بَيْنَ السَّماواتِ والأرْضِ». رواه مسلم.
١٤١٨ – وعن أبي هريرة – رضي الله عنه: أنّ فُقَراءَ المُهاجِرِينَ أتَوْا رسُولَ اللهِ ﷺ فقالوا: ذَهَبَ أهْلُ الدُّثورِ بِالدَّرَجاتِ العُلى، والنَّعِيمِ المُقِيمِ، يُصَلُّونَ كَما نُصَلِّي، ويَصُومُونَ كَما نَصُومُ، ولَهُمْ فَضْلٌ مِن أمْوالٍ، يَحُجُّونَ، ويَعْتَمِرُونَ، ويُجاهِدُونَ، ويَتَصَدَّقُونَ. فَقالَ: «ألاَ أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَن سَبَقَكُمْ، وتَسْبَقُونَ بِهِ مَن بَعْدَكُمْ، ولاَ يَكُون أحَدٌ أفْضَل مِنكُمْ إلاَّ منْ صَنَعَ مِثْلَ ما صَنَعْتُمْ؟» قالوا: بَلى يا رسول الله، قالَ: «تُسَبِّحُونَ، وتَحْمَدُونَ، وتُكَبِّرُونَ، خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاثًا وثَلاثِينَ». قالَ أبُو صالح الراوي عن أبي هريرة، لَمّا سُئِلَ عَنْ كَيْفِيَّةِ ذِكْرِهِنَّ قالَ: يقول: سُبْحان اللهِ، والحَمْدُ للهِ واللهُ أكْبَرُ، حَتّى يَكُونَ مِنهُنَّ كُلُّهُنَّ ثَلاثًا وثَلاثِينَ. متفقٌ عَلَيْهِ.
وزاد مسلمٌ في روايته: فَرَجَعَ فُقَراءُ المُهاجِرينَ إلى رسولِ الله ﷺ فقالوا: سَمِعَ إخْوانُنا أهْلُ الأمْوالِ بِما فَعَلْنا فَفَعَلُوا مِثْلَهُ؟ فَقالَ رسُولُ الله ﷺ: «ذَلِكَ فَضْلُ الله يُؤتِيهِ مَن يَشاءُ».
«الدُّثُورُ» جمع دَثْر – بفتح الدال وإسكان الثاء المثلثة – وهُوَ: المال الكثير.
١٤١٩ – وعنه، عن رسولِ الله ﷺ قالَ: «مَن سَبَّحَ الله في دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاثًا وثَلاثِينَ، وحَمِدَ اللهَ ثَلاثًا وثَلاَثِينَ، وكَبَّرَ الله ثَلاثًا وثَلاَثِينَ، وقال تَمامَ المِائَةِ: لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ، وهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، غُفِرَتْ خَطاياهُ وإنْ كانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ». رواه مسلم.
١٤٢٠ – وعن كعب بن عُجْرَةَ – رضي الله عنه – عن رسولِ الله ﷺ قالَ: «مُعَقِّباتٌ لاَ يَخِيبُ قائِلُهُنَّ – أوْ فاعِلُهُنَّ – دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ: ثَلاثٌ وثَلاثونَ تَسْبِيحَةً، وثَلاثٌ وثَلاَثونَ تَحْمِيدَةً، وأرْبَعٌ وثَلاَثونَ تَكْبِيرَةً». رواه مسلم.
١٤٢٢ – وعن معاذ – رضي الله عنه: أن رسُولَ اللهِ ﷺ أخذ بيده، وقال: «يا مُعاذُ، واللهِ إنِّي لأُحِبُّكَ» فَقالَ: «أُوصِيكَ يا مُعاذُ لاَ تَدَعَنَّ في دُبُرِ كُلِّ صَلاَة تَقُولُ: اللَّهُمَّ أعِنِّي عَلى ذِكْرِكَ، وشُكْرِكَ، وحُسْنِ عِبادَتِكَ». رواه أبُو داود بإسناد صحيح.
١٤٢٧ – وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنّ رسولَ الله ﷺ قالَ:
«فَأمّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ – عز وجل -، وأمّا السُّجُودُ فاجْتَهِدُوا في الدُّعاءِ، فَقَمِنٌ أنْ يُسْتَجابَ لَكُمْ». رواه مسلم.
١٤٢٨ – وعن أبي هريرة – رضي الله عنه: أنّ رسول الله ﷺ قالَ: «أقْرَبُ ما يَكُونُ العَبْدُ مِن رَبِّهِ وهُوَ ساجِدٌ، فَأكْثِرُوا الدُّعاءَ». رواه مسلم.
١٤٣١ – وعن سعد بن أبي وقاصٍ – رضي الله عنه – قالَ: كنا عِنْدَ رسول الله ﷺ فَقالَ: «أيعجزُ أحَدُكُمْ أنْ يَكْسِبَ في كلِّ يومٍ ألْفَ حَسَنَةٍ!» فَسَألَهُ سائِلٌ مِن جُلَسائِهِ: كَيْفَ يَكْسِبُ ألفَ حَسَنَةٍ؟ قالَ: «يُسَبِّحُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ فَيُكْتَبُ لَهُ ألْفُ حَسَنَةٍ، أوْ يُحَطُّ عَنْهُ ألفُ خَطِيئَةٍ». رواه مسلم.
قالَ الحُمَيْدِيُّ : كذا هُوَ في كتاب مسلم: «أوْ يُحَطُّ» قالَ البَرْقاني: ورواه شُعْبَةُ وأبو عَوانَة، ويَحْيى القَطّانُ، عن موسى الَّذِي رواه مسلم من جهتِهِ فقالوا: «ويحط» بغير ألِفٍ.
١٤٣٢ – وعن أبي ذر – رضي الله عنه: أنّ رسولَ الله ﷺ قالَ: «يُصْبحُ عَلى كُلِّ سُلاَمى مِن أحَدِكُمْ صَدَقةٌ: فَكُلُّ تَسْبيحَةٍ صَدَقةٌ، وكُلُّ تَحْميدَةٍ صَدَقَةٌ، وكُلُّ تَهْلِيلةٍ صَدَقَةٌ، وكُلُّ تَكْبيرَةٍ صَدَقَةٌ، وأمْرٌ بالمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، ونَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ، ويجْزئُ مِن ذَلِكَ رَكْعَتانِ يَرْكَعُهُما مِنَ الضُّحى». رواه مسلم”. انتهى المراد.
ومن الأحاديث التي ذكرت في (الأربعين وتتمة الخمسين للنووي وابن رجب رحمهما الله )، وهي من الأحاديث الجامعة:
الحديث الخمسون:
عن عبد الله بن بُسر قال: «أتى النَّبيَّ ﷺ رجلٌ، فقال: يا رسول الله! إنّ شرائعَ الإسلام قد كثُرت علينا، فبابٌ نتمسَّك به جامع؟ قال: لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله عزَّ وجلَّ» خرَّجه الإمام أحمد بهذا اللفظ، وخرَّجه الترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه بمعناه، وقال الترمذي: «حسن غريب».
وفي (مصنف ابن أبي شيبة): ما جاءَ فِي فَضْلِ ذِكْرِ اللَّهِ:
عَنْ طاوُسٍ، عَنْ مُعاذِ بْنِ جَبَلٍ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «ما عَمِلَ ابْنُ آدَمَ مِن عَمَلٍ أنْجى لَهُ مِن النّارِ مِن ذِكْرِ اللَّهِ»، قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، ولا الجِهادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قالَ: «ولا الجِهادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، تَضْرِبُ بِسَيْفِك حَتّى يَنْقَطِعَ، ثُمَّ تَضْرِبُ بِهِ حَتّى يَنْقَطِعَ ثَلاثًا» (٣٥٠٤٦).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قالَ: «ذِكْرُ اللَّهِ بِالغَداةِ والعَشِيِّ أفْضَلُ مِن حَطْمِ السُّيُوفِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وإعْطاءِ المالِ سَحًّا» (٣٥٠٤٧).
وعَنْ أبِي بَرْزَةَ، قالَ: «لَوْ أنَّ رَجُلَيْنِ أحَدُهُما فِي حِجْرِهِ دَنانِيرُ يُعْطِيها، والآخَرُ يَذْكُرُ اللَّهَ، كانَ ذاكِرُ اللَّهِ أفْضَلَ» (٣٥٠٥٠).
وعَنِ ابْنِ سابِطٍ، قالَ: «ائْثَرُوا بِذِكْرِ اللَّهِ، واجْعَلُوا لِبُيُوتِكُمْ مِن صَلاتِكُمْ خَيْرًا» (٣٥٠٥٤).
وقِيلَ لِأبِي الدَّرْداءِ: إنّ أبا سَعْدِ بْنَ مُنَبِّهٍ جَعَلَ فِي مالِهِ مِائَةَ مُحَرَّرٍ، قالَ: «أما أنَّ مِائَةَ مُحَرَّرٍ فِي مالِ رَجُلٍ لَكَثِيرٌ، ألا أُخْبِرُكُمْ بِأفْضَلَ مِن ذَلِكَ؟ إيمانٌ مَلْزُومٌ بِاللَّيْلِ والنَّهارِ، ولا يَزالُ لِسانُك رَطْبًا مِن ذِكْرِ اللَّهِ» (٣٥٠٥٧).
وعَنْ أبِي عُبَيْدَةَ، قالَ: «ما دامَ قَلْبُ الرَّجُلِ يَذْكُرُ اللَّهَ فَهُوَ فِي صَلاةٍ وإنْ كانَ فِي السُّوقِ، وإنْ يُحَرِّكُ بِهِ شَفَتَيْهِ فَهُوَ أفْضَلُ» (٣٥٠٥٨). انتهى المراد.
وسيأتي في كلام ابن عثيمين أن طلب العلم من ذكر الله
ثانيًا: “فضل الدعاء:
فضل الدعاء؛ قال الله تعالى: ﴿وقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ إنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ﴾ [غافر ٦٠]
وقال تعالى: ﴿وإذا سَألَكَ عِبادِي عَنِّي فَإنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي ولْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة ١٨٦]
٩ – وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه: أن رسول الله ﷺ قال: «الدعاء هو العبادة» ثم قرأ: ﴿وقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ إنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ﴾ [غافر ٦٠] رواه الترمذي (٣٢٤٧).
١٠ – وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال: «ليس شيء أكرم على الله من الدعاء». رواه الحاكم (١ / ٤٩٠).
١١ – وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «من لم يدع الله سبحانه غضب عليه». رواه الترمذي (٣٣٧٣)، وابن ماجه (٣٨٢٧).
١٢ – وعنه رضي الله عنه: أن رسول الله ﷺ قال: «ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له». رواه البخاري (٧٤٩٤)، ومسلم (٧٥٨). [الذكر والدعاء — عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر]
وقد سبق ذكر ما يتعلق بالدعاء من الآداب والشروط، وسيأتي ذكره في الأبواب التالية إن شاء الله تعالى.
(المسألة الثانية):
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح (رياض الصالحين):
” الأذكار: جمع ذكر، والمراد بذلك ذكر الله عز وجل، ثم ذكر باب فضل الذكر والحث عليه، وذكر آيات متعددة؛
وليعلم أن ذكر الله تعالى يكون بالقلب ويكون باللسان ويكون بالجوارح.
أما القلب: فهو التفكر ذكر الله تعالى بالقلب، أن يتفكر الإنسان في أسماء الله وصفاته وأحكامه وأفعاله وآياته.
وأما الذكر باللسان: فظاهر، ويشمل كل قول يقرب إلى الله عز وجل، من التهليل والتسبيح والتكبير، وقراءة القرآن، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقراءة السنة وقراءة العلم، كل قول يقرب إلى الله فهو ذكر لله عز وجل.
وأما ذكر الله بالأفعال: فهو ذكر الله بالجوارح، فهو كل فعل يقرب إلى الله، كالقيام في الصلاة والركوع والسجود والقعود، وغير ذلك.
لكن يطلق عرفا على ذكر الله تعالى التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل.
وذكر المؤلف رحمه الله في ذلك آيات منها، قول الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثير وسبحوه بكرة وأصيلا} فخاطب الله المؤمنين وأمرهم أن يذكروا الله تعالى ذكرا كثيرا في كل وقت وفي كل حال وفي كل مكان اذكر الله ذكرا كثيرا ﴿وسبحوه بكرة وأصيلا﴾ أي: قولوا سبحان الله في البكور والأصيل يعني في أول النهار وآخر النهار، ويحتمل أن يراد بالنهار كله وفي الليل كله.
وقال الله تعالى ﴿واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون﴾ وهذا ذكره الله عز وجل في سياق لقاء العدو فقال تعالى ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون﴾ فذكر الله تعالى من أسباب الثبات والفلاح، والفلاح: كلمة جامعة يراد بها حصول المطلوب والنجاة من المرهوب.
وقال الله تعالى ﴿اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر﴾ قيل المعنى ولما فيها من ذكر الله أكبر وقيل المعنى ذكر الله عموما أكبر وهو أن الإنسان إذا صلى كان ذلك سببا لحياة قلبه وذكره لله عز وجل كثيرا.
وقال تعالى في وصف الخلق من عباده: {إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات} إلى قوله ﴿والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما﴾ وقال تعالى: ﴿فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون﴾
والآيات في هذا كثيرة كلها تدل على فضيلة الذكر والحث عليه، وقد أثنى الله تعالى على الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم وبين أنهم هم أصحاب العقول؛ فقال تعالى: ﴿إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار﴾، فالمهم أن نحث أنفسنا وإياكم على إدامة ذكر الله وهو لا يكلف باللسان، واللسان لا يعجز ولا يتعب جعلني الله، وإياكم من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات إنه على كل شيء قدير”. انتهى
فصل:
ولما كان ذكر الله بهذه المنزلة الرفيعة والمكانة العالية فأجدر بالمسلم أن يتعرف على أنواعه وفوائده، وفيما يلي صفحات من كلام العلامة ابن القيم باختصار من كتابه “الوابل الصيب”. قال رحمه الله بعد أن ذكر فضل الذكر:
ولا ريب أن القلب يصدأ كما يصدأ النحاس والفضة وغيرهما، وجلاؤه بالذكر، فإنه يجلوه حتى يدعه كالمرآة البيضاء. فإذا ترك الذكر صدئ، فإذا ذكره جلاه.
وصدأ القلب بأمرين: بالغفلة والذنب،
وجلاؤه بشيئين: بالاستغفار والذكر.
قال تعالى: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُط} [الكهف:28].
فإذا أراد العبد أن يقتدي برجل فلينظر: هل هو من أهل الذكر، أو من الغافلين؟ وهل الحاكم عليه الهوى أو الوحي؟ فإن كان الحاكم عليه هو الهوى وهو من أهل الغفلة، وأمره فرط، لم يقتد به، ولم يتبعه فإنه يقوده إلى الهلاك.
* أنواع الذكر
الذكر نوعان:
أحدهما: ذكر أسماء الرب تبارك وتعالى وصفاته، والثناء عليه بهما، وتنزيهه وتقديسه عما لا يليق به تبارك وتعالى، وهذا أيضاً نوعان:
أحدهما: إنشاء الثناء عليه بها من الذاكر، فأفضل هذا النوع أجمعه للثناء وأعمه، نحو ( سبحان الله عدد خلقه ).
النوع الثاني: الخبر عن الرب تعالى بأحكام أسمائه وصفاته، نحو قولك: الله عز وجل يسمع أصوات عباده.
وأفضل هذا النوع: الثناء عليه بما أثنى به على نفسه، وبما أثنى به عليه رسول الله من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تشبيه ولا تمثيل. وهذا النوع أيضاً ثلاثة أنواع:
1 – حمد.2 – وثناء.3 – و مجد.
فـ(الحمد لله): الإخبار عنه بصفات كماله سبحانه وتعالى مع محبته والرضا به،
فإن كرر المحامد شيئاً بعد شيء كانت (ثناء)،
فإن كان المدح بصفات الجلال والعظمة والكبرياء والملك كان (مجداً).
وقد جمع الله تعالى لعبده الأنواع الثلاثة في أول الفاتحة، فإذا قال العبد: {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: {الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ} قال: أثنى عليّ عبدي، وإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قال: مجّدني عبدي. [رواه مسلم].
النوع الثاني من الذكر: ذكر أمره ونهيه وأحكامه:
وهو أيضاً نوعان:
أحدهما: ذكره بذلك إخباراً عنه بأنه أمر بكذا، ونهيه عن كذا.
الثاني: ذكره عند أمره فيبادر إليه، وعند نهيه فيهرب منه، فإذا اجتمعت هذه الأنواع للذاكر فذكره أفضل الذكر وأجله وأعظمه فائدة.
فهذا الذكر من الفقه الأكبر، وما دونه أفضل الذكر إذا صحت فيه النية.
ومن ذكره سبحانه وتعالى: ذكر آلائه وإنعامه وإحسانه وأياديه، ومواقع فضله على عبيده، وهذا أيضاً من أجل أنواع الذكر.
فهذه خمسة أنواع، وهي: تكون بالقلب واللسان تارة، وذلك أفضل الذكر. وبالقلب وحده تارة، وهي الدرجة الثانية، وباللسان وحده تارة، وهي الدرجة الثالثة.
فأفضل الذكر: ما تواطأ عليه القلب واللسان، وإنما كان ذكر القلب وحده أفضل من ذكر اللسان وحده؛ لأن ذكر القلب يثمر المعرفة بالله، ويهيج المحبة، ويثير الحياء، ويبعث على المخافة، ويدعو إلى المراقبة، ويزع عن التقصير في الطاعات، والتهاون في المعاصي والسيئات، وذكر اللسان وحده لا يوجب شيئاً من هذه الآثار، وإن أثمر شيئاً منها فثمرة ضعيفة.
الذكر أفضل من الدعاء:
الذكر أفضل من الدعاء، لأن الذكر ثناء على الله عز وجل بجميل أوصافه وآلائه وأسمائه، والدعاء سؤال العبد حاجته، فأين هذا من هذا؟
ولهذا جاء في الحديث: ((من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين)).
ولهذا كان المستحب في الدعاء أن يبدأ الداعي بحمد الله تعالى، والثناء عليه بين يدي حاجته، ثم يسأل حاجته، وقد أخبر النبي أن الدعاء يستجاب إذا تقدمه الثناء والذكر، وهذه فائدة أخرى من فوائد الذكر والثناء، أنه يجعل الدعاء مستجاباً.
فالدعاء الذي يتقدمه الذكر والثناء أفضل وأقرب إلى الإجابة من الدعاء المجرد، فإن انضاف إلى ذلك إخبار العبد بحاله ومسكنته، وإفتقاره واعترافه، كان أبلغ في الإجابة وأفضل.
//////
/////
6 – باب فضل الذكر والدعاء والتقرب إلى الله تعالى
بوب ابن خزيمة على الحديث الرابع:
باب ذكر البيان من خبر النبي صلى الله عليه وسلم في إثبات النفس لله عز وجل على مثل موافقة التنزيل الذي بين الدفتين مسطور، وفي المحاريب والمساجد والبيوت والسكك مقروء
«التوحيد لابن خزيمة» (1/ 13)
قال ابن تيمية:
فصل:
تقرب العبد إلى الله في مثل قوله: {واسجد واقترب} وقوله: {اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة} وقوله: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة} وقوله: {فأما إن كان من المقربين} . وقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه: {من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا} الحديث. وقوله: {ما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه} الحديث. وكذلك ” القربان ” كقوله: {إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما} . وقوله: {حتى يأتينا بقربان تأكله النار} . ونحو ذلك – لا ريب أنه بعلوم وأعمال يفعلها العبد وفي ذلك حركة منه وانتقال من حال إلى حال ثم لا يخلو مع ذلك: إما أن روحه وذاته تتحرك أو لا تتحرك: وإذا تحركت: فإما أن تكون حركتها إلى ذات الله أو إلى شيء آخر وإذا كانت إلى ذات الله بقي النظر في قرب الله إليه ودنوه وإتيانه ومجيئه؛ إما جزاء على قرب العبد وإما ابتداء كنزوله إلى سماء الدنيا.
فالأول: قول ” المتفلسفة ” الذين يقولون: إن الروح لا داخل البدن ولا خارجه وإنها لا توصف بالحركة ولا بالسكون وقد تبعهم على ذلك قوم ممن ينتسب إلى الملة. فهؤلاء عندهم قرب العبد ودنوه إزالة النقائص والعيوب عن نفسه وتكميلها بالصفات الحسنة الكريمة حتى تبقى مقاربة للرب مشابهة له من جهة المعنى ويقولون: الفلسفة التشبه بالإله على قدر الطاقة؛ فأما حركة الروح فممتنعة عندهم. وكذلك يقولون: في قرب الملائكة. والذي أثبتوه من تزكية النفس عن العيوب وتكميلها بالمحاسن حق في نفسه؛ لكن نفيهم ما زاد على ذلك خطأ؛ لكنهم يعترفون بحركة جسمه إلى المواضع التي تظهر فيها آثار الرب كالمساجد والسموات والعارفين. وعند هؤلاء معراج النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو انكشاف حقائق الكون له كما فسره بذلك ابن سينا ومن اتبعه كعين القضاة (1) (*) وابن الخطيب في ” المطالب العالية ”
الثاني: قول المتكلمة الذين يقولون: إن الله ليس فوق العرش. وإن نسبة العرش والكرسي إليه سواء وإنه لا داخل العالم ولا خارجه؛ لكن يثبتون حركة العبد والملائكة فيقولون: قرب العبد إلى الله حركة ذاته إلى الأماكن المشرفة عند الله وهي السموات وحملة العرش والجنة وبذلك يفسرون معراج النبي صلى الله عليه وسلم ويتفق هؤلاء والذين قبلهم في حركة بدن العبد إلى الأماكن المشرفة كثبوت ” العبادات ” وإنما النزاع في حركة نفسه. ويسلم الأولون ” حركة النفس ” بمعنى تحولها من حال إلى حال؛ لا بمعنى الانتقال من موضع إلى موضع واتفاقهم على حركة الجسم وحركة الروح أيضا عند الآخرين إلى كل مكان تظهر فيه معرفة الله كالسموات والمساجد وأولياء الله ومواضع أسماء الله وآياته فهو حركة إلى. . . (1)
الثالث: قول: ” أهل السنة والجماعة ” الذين يثبتون أن الله على العرش وأن حملة العرش أقرب إليه ممن دونهم وأن ملائكة السماء العليا أقرب إلى الله من ملائكة السماء الثانية وأن النبي صلى الله عليه وسلم لما عرج به إلى السماء صار يزداد قربا إلى ربه بعروجه وصعوده وكان عروجه إلى الله لا إلى مجرد خلق من خلقه وأن روح المصلي تقرب إلى الله في السجود وإن كان بدنه متواضعا. وهذا هو الذي دلت عليه نصوص الكتاب ثم ” قرب الرب من عبده ” هل هو من لوازم هذا القرب كما أن المتقرب إلى الشيء الساكن كالبيت المحجوج والجدار والجبل كلما قربت منه قرب منك؟ أو هو قرب آخر يفعله الرب كما أنك إذا قربت إلى الشيء المتحرك إليك تحرك أيضا إليك فمنك فعل ومنه فعل آخر. هذا فيه قولان ” لأهل السنة ” مبنيان على ما تقدم من قاعدة الصفات الفعلية كمسألة النزول وغيرها وقد تقدم الكلام في ذلك. وعلى هذا فما روي من قرب الرب إلى خواص عباده وتجليه لقلوبهم كما في ” الزهد لأحمد ” أن موسى قال: يا رب أين أجدك؟ قال: ” عند المنكسرة قلوبهم من أجلي أقترب إليها كل يوم شبرا ولولا ذلك لاحترقت “. هذا القرب عند المتفلسفة والجهمية هو مجرد ظهوره وتجليه لقلب العبد فهو قرب المثال. ثم المتفلسفة لا تثبت حركة الروح والجهمية تسلم جواز حركة الروح إلى مكان عال وأما أهل السنة فعندهم مع التجلي والظهور تقرب ذات العبد إلى ذات ربه وفي جواز دنو ذات الله القولان وقد بسطت هذا في غير هذا الموضع.
«مجموع الفتاوى» (6/ 5)
قال القاضي عياض:
وقوله: ” ومن جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأزيد ” أى [أن] (1) العشر مضمونة بقوله تعالى، كما نص عليه فى كتابه وتضعيفها، ثم يتفضل الله على من يشاء بما يشاء
بالزيادة عليها إلى سبعمائة ضعف، كما جاء فى الحديث الآخر (1)، وإلى مالا يأخذه حساب كما قال تعالى: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} (2)، وقال: ” إلا الصوم فإنه لى، وأنا أجزى به ” بعدما ذكر نهاية التضعيف إلى سبعمائة.
وقوله: ” من لقينى بقراب الأرض خطيئة، لقيته بمثلها مغفرة “، يفسر قوله قبل هذا: ” ومن جاء بالسيئة فجزاؤه مثلها أو العفو عنه “، فأخبر أن فى سعة عفوه تعالى لمن أراد العفو عنه ما يسع ملء الأرض خطيئة أو ما يقرب من ملئها. وقراب كل شىء: قربه بضم القاف، كذا رويناه هنا، وقال لى أبو الحسن يقال: قراب بالكسر أيضا.
وقوله فى الذى قال فيه: إنه [قد] (1) خفت حتى صار مثل الفرخ، أى ضعف، وخفت أيضا: انقطع كلامه، وخفت أيضا: مات.
وقوله: ” هل كنت تدعو بشىء؟ “؛ وقوله: كنت أقول: اللهم، ما كنت معاقبنى به فى الآخرة فعجله لى فى الدنيا، وقول النبى صلى الله عليه وسلم [له] (2): ” سبحان الله! إنك لا تطيقه، أفلا قلت: اللهم {آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنه} (3) ” الآية، فدعا الله له فشفاه.
فيه جواز التسبيح عند العجب من الأمر، وفيه كراهة تمنى البلاء وإن كان على الوجه الذى فعله هذا، فإنه قد لا يطيقه فيحمله شدة الضرر على السخط والتندم والشكى من ربه، وفيه أن الدعاء بما قصه – عليه السلام – أفضل لعامة الناس وأسلم، وقد ذكر بعد هذا أنه كان أكثر دعائه – عليه السلام (1).
وقد اختلف المفسرون فى تأويل الآية، فقيل: الحسنة فى الدنيا: العلم والعبادة، وفى الآخرة: الجنة. وقيل: فى الدنيا: العافية، وفى الآخرة: العافية. وقيل: فى الدنيا: المال، وفى الآخرة: الجنة. وقيل: الحسنة هنا: النعمة. وقيل: حظوظ حسنة. وفيه إجابة دعوة النبى صلى الله عليه وسلم له
«إكمال المعلم بفوائد مسلم» (8/ 184)
قال الراجحي:
وقوله: ((ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئا لقيته بمثلها مغفرة))، أي: من أتى بقراب الأرض خطايا، مع السلامة من الشرك، لقيه الله عز وجل بالمغفرة، وهذا مقيد بالنصوص التي فيها اجتناب الكبائر، أي: من لقي الله بقراب الأرض خطايا من الصغائر مع اجتناب الكبائر لقيه الله عز وجل ((بمثلها مغفرة))؛ وقلنا بهذا القي وهو اجتناب الكبائر؛ لأن الكبائر لا بد لها من توبة، قال تعالى: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم}، وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر)).
هذه الأحاديث: احتج بها بعضهم على أن الملائكة أفضل من صالح البشر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: ((ذكرته في ملإ خير منه)).
وهذه المسألة فيها كلام لأهل العلم، هل الملائكة أفضل من الأنبياء وصالح البشر، أو الأنبياء وصالح البشر أفضل؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وقد ذكر جماعة من المنتسبين إلى السنة: أن الأنبياء وصالح البشر أفضل من الملائكة، وذهبت المعتزلة إلى تفضيل الملائكة على البشر، وأتباع الأشعري على قولين: منهم من يفضل الأنبياء والأولياء، ومنهم من يقف ولا يقطع فيهما بشيء، وحكي عن بعض متأخريهم أنه مال إلى قول المعتزلة، وربما حكي ذلك عن بعض من يدعي السنة ويواليها، وذكر لي عن بعض من تكلم في أعمال القلوب أنه قال: أما الملائكة المدبرون للسماوات والأرض وما بينهما، والموكلون ببني آدم؛ فهؤلاء أفضل من هؤلاء الملائكة، وأما الكروبيون الذين يرتفعون عن ذلك فلا أحد أفضل منهم، وربما خص بعضهم نبينا صلى الله عليه وسلم، واستثناؤه من عموم البشر إما تفضيلا على جميع أعيان الملائكة، أو على المدبرين منهم أمر العالم.
هذا ما بلغني من كلمات الآخرين في هذه المسألة، وكنت أحسب أن القول فيها محدث، حتى رأيتها أثرية سلفية صحابية، فانبعثت الهمة إلى تحقيق القول فيها، فقلنا- حينئذ- بما قاله السلف)).
قلت: وحقق القول فيها رحمه الله بأن الأنبياء وصالح البشر أفضل، حينما يدخلون الجنة، وتغفر ذنوبهم، وترفع درجاتهم، وينقون من أدران الذنوب، أي: أن الملائكة أفضل في أول الحال، والمؤمنين أفضل في آخر الحال.
فقال رحمه الله: (( .. التفضيل إذا وقع بين شيئين فلا بد من معرفة الفضيلة ما هي؟ ثم ينظر أيهما أولى بها؟ وأيضا فإنا إنما تكلمنا في تفضيل صالحي البشر إذا كملوا ووصلوا إلى غايتهم وأقصى نهايتهم، وذلك إنما يكون إذا دخلوا الجنة ونالوا الزلفى وسكنوا الدرجات العلى، وحياهم الرحمن وخصهم بمزيد قربه وتجلى لهم؛ يستمتعون بالنظر إلى وجهه الكريم، وقامت الملائكة في خدمتهم بإذن ربهم)).
قال ابن أبي العز رحمه الله لما تكلم في المفاضلة بين الملائكة وصالحي البشر: (( .. وحملني على بسط الكلام هنا: أن بعض الجاهلين يسيئون الأدب بقولهم: كان الملك خادما للنبي صلى الله عليه وسلم! أو: إن بعض الملائكة خدام بني آدم! ! يعنون: الملائكة الموكلين بالبشر، ونحو ذلك من الألفاظ المخالفة للشرع، المجانبة للأدب. والتفضيل إذا كان على وجه التنقص، أو الحمية والعصبية للجنس لا شك في رده)).
وقال رحمه الله: (( … وحاصل الكلام: أن هذه المسألة من فضول المسائل؛ ولهذا لم يتعرض لها كثير من أهل الأصول، وتوقف أبو حنيفة رضي الله عنه في الجواب عنها … والله أعلم بالصواب))
«توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم» (7/ 504)
جاء في فتاوى ابن باز:
43 - بيان طائفة الأشاعرة
س: هل الأشاعرة من أهل السنة أرجو التوضيح؟ (1)
ج: الأشاعرة عندهم أشياء خالفوا فيها أهل السنة من تأويل بعض الصفات، فهم في بعض التأويل ليسوا من أهل السنة؛ لأن أهل السنة لا يؤولون، وهذا غلط من الأشاعرة ومنكر، وعندهم مخالفات غير ذلك، والواجب على المؤمن هو طريق أهل السنة والجماعة، وهو الإيمان بأسماء الله كلها، وصفاته الواردة في القرآن الكريم، وهكذا الثابتة في السنة، يجب الإيمان بها، وإمرارها كما جاءت، بلا تحريف ولا تعطيل ولا تكييف، ولا تمثيل ولا تأويل، بل يجب أن تمر كما جاءت، مع الإيمان بها على الوجه اللائق بالله سبحانه وتعالى، ليس فيها تشبيه لأحد، يقول سبحانه: {قل هو الله أحد} (1) {الله الصمد} (2) {لم يلد ولم يولد} (3) {ولم يكن له كفوا أحد} (4). ويقول سبحانه: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} (5)، فيجب أن تمر أسماؤه وصفاته كما جاءت، من غير تحريف ولا تأويل ولا تعطيل، ولا تكييف فهو سبحانه: الرحيم، والعزيز، والقدير، وهكذا سائر الأسماء والصفات، وهكذا قوله: {ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين} (6)، وقوله سبحانه: {يخادعون الله وهو خادعهم} (7)، وقوله: {إنهم يكيدون كيدا} (8) {وأكيد كيدا} (9)، كل هذه الصفات تليق بالله، على وجه يليق بالله سبحانه وتعالى، ولا تشابه كيد المخلوقين ولا مكرهم، ولا خداعهم بل على وجه يليق بالله سبحانه وتعالى، لا يشابه الخلق في ذلك، وهكذا قوله في الحديث الصحيح: «من تقرب إلي شبرا تقربت منه ذراعا، ومن تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة (10)»، كل هذه الصفات تليق بالله، يجب الإيمان بها وإثباتها لله، على الوجه اللائق بالله تقربا يليق بالله، وهرولة تليق بالله، ليس فيها مشابهة لخلقه، تقربه وهرولته، وإنما هو شيء يليق به سبحانه، لا يشابه صفة المخلوقين سبحانه وتعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} (1)، وهكذا قوله في الحث على الأعمال الصالحة: «فإن الله جل وعلا لا يمل حتى تملوا (2)»، ملل يليق بالله لا يشابه صفات المخلوقين في مللهم، فالمخلوقون لديهم نقص وضعف، وأما صفات الله فهي كاملة تليق به سبحانه لا يشابه خلقه، وليس فيها نقص ولا عيب، بل هي صفات تليق بالله سبحانه وتعالى، لا يشابه فيها خلقه جل وعلا
«فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر» (3/ 156)
جاء في فتاوى ابن العثيمين:
المثال الثاني عشر: قوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن الله تعالى أنه قال: «من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا، ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة» .
وهذا الحديث صحيح رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء من حديث أبي ذر رضي الله عنه، وروى نحوه من حديث أبي هريرة أيضا، وكذلك روى البخاري نحوه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في كتاب التوحيد الباب الخامس عشر.
وهذا الحديث كغيره من النصوص الدالة على قيام الأفعال الاختيارية بالله تعالى، وأنه سبحانه فعال لما يريد كما ثبت ذلك في الكتاب والسنة مثل قوله تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} . . وقوله: {وجاء ربك والملك صفا صفا} . . وقوله: {هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك} . . وقوله: {الرحمن على العرش استوى} . .
وقوله صلى الله عليه وسلم: «ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر» . وقوله صلى الله عليه وسلم: «ما تصدق أحد بصدقة من طيب -ولا يقبل الله إلا الطيب- إلا أخذها الرحمن بيمينه» . إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث الدالة على قيام الأفعال الاختيارية به تعالى.
فقوله في هذا الحديث: تقربت منه وأتيته هرولة من هذا الباب.
والسلف “أهل السنة والجماعة” يجرون هذه النصوص على ظاهرها وحقيقة معناها اللائق بالله عز وجل من غير تكييف ولا تمثيل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح حديث النزول ص466جـ5 من مجموع الفتاوى: وأما دنوه نفسه وتقربه من بعض عباده فهذا يثبته من يثبت قيام الأفعال الاختيارية بنفسه، ومجيئه يوم القيامة ونزوله واستواءه على العرش وهذا مذهب أئمة السلف وأئمة الإسلام المشهورين وأهل الحديث والنقل عنهم بذلك متواتر ا. هـ.
فأي مانع يمنع من القول بأنه يقرب من عبده كيف يشاء مع علوه؟
وأي مانع يمنع من إتيانه كيف يشاء بدون تكييف ولا تمثيل؟
وهل هذا إلا من كماله أن يكون فعالا لما يريد على الوجه الذي يليق به؟
وذهب بعض الناس إلى أن قوله تعالى في هذا الحديث القدسي: «أتيته هرولة» . يراد به سرعة قبول الله تعالى وإقباله على عبده المتقرب إليه المتوجه بقلبه وجوارحه، وأن مجازاة الله للعامل له أكمل من عمل العام.
وعلل ما ذهب إليه بأن الله تعالى قال في الحديث: «ومن أتاني يمشي» ومن المعلوم أن المتقرب إلى الله – عز وجل – الطالب للوصول إليه لا يتقرب، ويطلب الوصول إلى الله تعالى بالمشي فقط، بل تارة يكون بالمشي كالسير إلى المساجد ومشاعر الحج والجهاد في سبيل الله ونحوها، وتارة بالركوع والسجود ونحوهما، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، بل قد يكون التقرب إلى الله تعالى وطلب الوصول إليه والعبد مضطجع على جنبه، كما قال الله تعالى: {الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم} . .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: «صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب» .
قال:فإذا كان كذلك صار المراد بالحديث بيان مجازاة الله تعالى العبد على عمله، وأن من صدق في الإقبال على ربه، وإن كان بطيئا جازاه الله تعالى بأكمل من عمله وأفضل. وصار هذا هو ظاهر اللفظ بالقرينة الشرعية المفهومة من سياقه.
وإذا كان هذا ظاهر اللفظ بالقرينة الشرعية، لم يكن تفسيره به خروجا به عن ظاهره ولا تأويلا كتأويل أهل التعطيل، فلا يكون حجة لهم على أهل السنة ولله الحمد.
وما ذهب إليه هذا القائل له حظ من النظر، لكن القول الأول أظهر وأسلم وأليق بمذهب السلف.
ويجاب عما جعله قرينة من كون التقرب إلى الله تعالى وطلب الوصول إليه لا يختص بالمشي بأن الحديث خرج مخرج المثال لا الحصر فيكون المعنى من أتاني يمشي في عبادة تفتقر إلى المشي لتوقفها عليه بكونه وسيلة لها كالمشي إلى المساجد للصلاة أو من ماهيتها كالطواف والسعي. والله تعالى أعلم
«مجموع فتاوى ورسائل العثيمين» (3/ 327)
مما جاء في فضل الذكر:
(2676) حدثنا أمية بن بسطام العيشي، حدثنا يزيد يعني ابن زريع، حدثنا روح بن القاسم، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يسير في طريق مكة فمر على جبل يقال له جمدان، فقال: «سيروا هذا جمدان سبق المفردون» قالوا: وما المفردون؟ يا رسول الله قال: «الذاكرون الله كثيرا، والذاكرات»
«صحيح مسلم» (4/ 2062)
3790 – حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب قال: حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند، عن زياد بن أبي زياد، مولى ابن عياش، عن أبي بحرية، عن أبي الدرداء، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأرضاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إعطاء الذهب والورق، ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟» قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: «ذكر الله» وقال معاذ بن جبل: «ما عمل امرؤ بعمل أنجى له من عذاب الله عز وجل من ذكر الله»
صحيح«سنن ابن ماجه» (2/ 1245)
3791 – حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن عمار بن رزيق، عن أبي إسحاق، عن الأغر أبي مسلم، عن أبي هريرة، وأبي سعيد، يشهدان به على النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما جلس قوم مجلسا يذكرون الله فيه إلا حفتهم الملائكة، وتغشتهم الرحمة، وتنزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده»
صحيح «سنن ابن ماجه» (2/ 1245)
2714 – ” إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله يعطي الدنيا من
يحب ومن لا يحب ولا يعطي الإيمان إلا من أحب، فمن ضن بالمال أن ينفقه وخاف
العدو أن يجاهده وهاب الليل أن يكابده، فليكثر من قول: سبحان الله، [
والحمد لله] ولا إله إلا الله، والله أكبر ”
«سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها» (6/ 482)
3792 – حدثنا أبو بكر قال: حدثنا محمد بن مصعب، عن الأوزاعي، عن إسماعيل بن عبيد الله، عن أم الدرداء، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” إن الله عز وجل يقول: أنا مع عبدي إذا هو ذكرني وتحركت بي شفتاه ”
صحيح «سنن ابن ماجه» (2/ 1246)
3793 – حدثنا أبو بكر قال: حدثنا زيد بن الحباب قال: أخبرني معاوية بن صالح قال: أخبرني عمرو بن قيس الكندي، عن عبد الله بن بسر، أن أعرابيا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شرائع الإسلام قد كثرت علي، فأنبئني منها بشيء أتشبث به قال: «لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله عز وجل»
صحيح «سنن ابن ماجه» (2/ 1246)
أحاديث في الباب لا تصح:
4989 – (يقول الله عز وجل: من شغله ذكري عن مسألتي، أعطيته أفضل ما أعطي السائلين) .
ضعيف
«سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة» (10/ 745)
3404 – إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم فإن ذكر الله تعالى خنس وإن نسي الله التقم قلبه
(ابن أبي الدنيا ع هب) عن أنس.
1480 في ضعيف الجامع
517 – ” أكثروا ذكر الله حتى يقولوا: مجنون “.
ضعيف
«سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة» (2/ 9)
4558 – (من أكثر ذكر الله أحبه الله) .
موضوع
«سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة» (10/ 63)
5120 – (من أكثر ذكر الله؛ فقد برىء من النفاق) .
ضعيف
«سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة» (11/ 203)
قراءة القران أفضل من الذكر:
قراءة القرآن أفضل من الذكر، والذكر أفضل من الدعاء، هذا من حيث النظر إلى كل منهما مجرداً.
وقد يعرض للمفضول ما يجعله أولى من الفاضل، بل يعينه، فلا يجوز أن يعدل عنه إلى الفاضل، وهذا كالتسبيح في الركوع والسجود، فإنه أفضل من قراءة القرآن فيهما، بل القراءة فيهما منهي عنها نهي تحريم أو كراهة، وكذلك الذكر عقب السلام من الصلاة – ذكر التهليل، والتسبيح، والتكبير، والتحميد – أفضل من الاشتغال عنه بالقراءة، وكذلك إجابة المؤذن.
وهكذا الأذكار المقيدة بمحال مخصوصة أفضل من القراءة المطلقة، والقراءة المطلقة أفضل من الأذكار المطلقة، اللهم إلا أن يعرض للعبد ما يجعل الذكر أو الدعاء أنفع له من قراءة القران، مثاله: أن يتفكر في ذنوبه، فيحدث ذلك له توبةً واستغفاراً، أو يعرض له ما يخاف أذاه من شياطين الإنس والجن، فيعدل إلى الأذكار والدعوات التي تحصنه وتحوطه.
فهكذا قد يكون اشتغاله بالدعاء والحالة هذه أنفع، وإن كان كل من القراءة والذكر أفضل وأعظم أجراً.
وهذا باب نافع يحتاج إلى فقه نفس، فيعطي كل ذى حق حقه، ويوضع كل شيء موضعه.
ولما كانت الصلاة مشتملة على القراءة والذكر والدعاء، وهي جامعة لأجزاء العبودية على أتم الوجوه، كانت أفضل من كل من القراءة والذكر والدعاء بمفرده، لجمعها ذلك كله مع عبودية سائر الأعضاء.
فهذا أصل نافع جداً، يفتح للعبد باب معرفة مراتب الأعمال وتنزيلها منازلها، لئلا يشتغل بمفضولها عن فاضلها، فيربح إبليس الفضل الذي بينهما، أو ينظر إلى فاضلها فيشتغل به عن مفضولها وإن كان ذلك وقته، فتفوته مصلحته بالكلية، لظنه أن اشتغاله بالفاضل أكثر ثواباً وأعظم أجراً، وهذا يحتاج إلى معرفة بمراتب الأعمال وتفاوتها ومقاصدها، وفقه في إعطاء كل عمل منها حقه، وتنزيله في مرتبته.
* من فوائد الذكر:
وفي الذكر نحو من مائة فائدة.
إحداها: أنه يطرد الشيطان ويقمعه ويكسره.
الثانية: أنه يرضي الرحمن عز وجل.
الثالثة: أنه يزيل الهم والغم عن القلب.
الرابعة: أنه يجلب للقلب الفرح والسرور والبسط.
الخامسة: أنه يقوي القلب والبدن.
السادسة: أنه ينور الوجه والقلب.
السابعة: أنه يجلب الرزق.
الثامنة: أنه يكسو الذاكر المهابة والحلاوة والنضرة.
التاسعة: أنه يورثه المحبة التي هي روح الإسلام.
العاشرة: أنه يورثه المراقبة حتى يدخله في باب الإحسان.
الحادية عشرة: أنه يورثه الإنابة، وهي الرجوع إلى الله عز وجل
الثانية عشرة: أنه يورثه القرب منه.
الثالثة عشرة: أنه يفتح له باباً عظيماً من أبواب المعرفة.
الرابعة عشرة: أنه يورثه الهيبة لربه عز وجل وإجلاله.
الخامسة عشرة: أنه يورثه ذكر الله تعالى له، كما قال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152].
السادسة عشرة: أنه يورث حياة القلب.
السابعة عشرة: أنه قوة القلب والروح.
الثامنة عشرة: أنه يورث جلاء القلب من صدئه.
التاسعة عشرة: أنه يحط الخطايا ويذهبها، فإنه من أعظم الحسنات، والحسنات يذهبن السيئات.
العشرون: أنه يزيل الوحشة بين العبد وبين ربه تبارك وتعالى.
الحادية والعشرون: أن ما يذكر به العبد ربه عز وجل من جلاله وتسبيحه وتحميده، يذكر بصاحبه عند الشدة.
الثانية والعشرون: أن العبد إذا تعرف إلى الله تعالى بذكره في الرخاء عرفه في الشدة.
الثالثة والعشرون: أنه منجاة من عذاب الله تعالى.
الرابعة والعشرون: أنه سبب نزول السكينة، وغشيان الرحمة، وحفوف الملائكة بالذاكر.
الخامسة والعشرون: أنه سبب إشتغال اللسان عن الغيبة، والنميمة، والكذب، والفحش، والباطل.
السادسة والعشرون: أن مجالس الذكر مجالس الملائكة، ومجالس اللغو والغفلة مجالس الشياطين.
السابعة والعشرون: أنه يؤمّن العبد من الحسرة يوم القيامة.
الثامنة والعشرون: أن الاشتغال به سبب لعطاء الله للذاكر أفضل ما يعطي السائلين.
التاسعة والعشرون: أنه أيسر العبادات، وهو من أجلها وأفضلها.
الثلاثون: أن العطاء والفضل الذي رتب عليه لم يرتب على غيره من الأعمال.
الحادية والثلاثون: أن دوام ذكر الرب تبارك وتعالى يوجب الأمان من نسيانه الذي هو سبب شقاء العبد في معاشه ومعاده.
الثانـية والثلاثون: أنه ليس في الأعمال شيء يعم الأوقات والأحوال مثله.
الثالثة والثلاثون: أن الذكر نور للذاكر في الدنيا، ونور له في قبره، ونور له في معاده، يسعى بين يديه على الصراط.
الرابعة والثلاثون: أن الذكر رأس الأمور، فمن فتح له فيه فقد فتح له باب الدخول على الله عز وجل.
الخامسة والثلاثون: أن في القلب خلة وفاقة لا يسدها شيء البتة إلا ذكر الله عز وجل.
السادسة والثلاثون: أن الذكر يجمع المتفرق، ويفرق المجتمع، ويقرب البعيد، ويبعد القريب.
فيجمع ما تفرق على العبد من قلبه وإرادته، وهمومه وعزومه، ويفرق ما اجتمع عليه من الهموم، والغموم، والأحزان، والحسرات على فوات حظوظه ومطالبه، ويفرق أيضاً ما اجتمع عليه من ذنوبه وخطاياه وأوزاره، ويفرق أيضاً ما اجتمع على حربه من جند الشيطان، وأما تقريبه البعيد فإنه يقرب إليه الآخرة، ويبعد القريب إليه وهي الدنيا.
السابعة والثلاثون: أن الذكر ينبه القلب من نومه، ويوقظه من سباته.
الثامنة والثلاثون: أن الذكر شجرة تثمر المعارف والأحوال التي شمر إليها السالكون.
التاسعة والثلاثون: أن الذاكر قريب من مذكوره، ومذكوره معه، وهذه المعية معية خاصة غير معية العلم والإحاطة العامة، فهي معية بالقرب والولاية والمحبة والنصرة والتوفيق.
الأربعون: أن الذكر يعدل عتق الرقاب، ونفقة الأموال، والضرب بالسيف في سبيل الله عز وجل.
الحادية والأربعون: أن الذكر رأس الشكر، فما شكر الله تعالى من لم يذكره.
الثانية والأربعون: أن أكرم الخلق على الله تعالى من المتقين من لا يزال لسانه رطباً بذكره.
الثالثة والأربعون: أن في القلب قسوة لا يذيبها إلا ذكر الله تعالى.
الرابعة والأربعون: أن الذكر شفاء القلب ودواؤه، والغفلة مرضه.
الخامسة والأربعون: أن الذكر أصل موالاة الله عز وجل ورأسها والغفلة أصل معاداته ورأسها.
السادسة والأربعون: أنه جلاب للنعم، دافع للنقم بإذن الله.
السابعة والأربعون: أنه يوجب صلاة الله عز وجل وملائكته على الذاكر.
الثامنة والأربعون: أن من شاء أن يسكن رياض الجنة في الدنيا، فليستوطن مجالس الذكر، فإنها رياض الجنة.
التاسعة والأربعون: أن مجالس الذكر مجالس الملائكة، ليس لهم مجالس إلا هي.
الخمسون: أن الله عز وجل يباهي بالذاكرين ملائكته.
الحادية والخمسون: أن إدامة الذكر تنوب عن التطوعات، وتقوم مقامها، سواء كانت بدنية أو مالية، أو بدنية مالية.
الثانية والخمسون: أن ذكر الله عز وجل من أكبر العون على طاعته، فإنه يحببها إلى العبد، ويسهلها عليه، ويلذذها له، ويجعل قرة عينه فيها.
الثالثة والخمسون: أن ذكر الله عز وجل يذهب عن القلب مخاوفه كلها ويؤمنه.
الرابعة والخمسون: أن الذكر يعطي الذاكر قوة، حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لم يطيق فعله بدونه.
الخامسة والخمسون: أن الذاكرين الله كثيراً هم السابقون من بين عمال الآخرة.
السادسة والخمسون: أن الذكر سبب لتصديق الرب عز وجل عبده، ومن صدقه الله تعالى رجي له أن يحشر مع الصادقين.
السابعة والخمسون: أن دور الجنة تبني بالذكر، فإذا أمسك الذاكر عن الذكر، أمسكت الملائكة عن البناء.
الثامنة والخمسون: أن الذكر سد بين العبد وبين جهنم.
التاسعة والخمسون: أن ذكر الله عز وجل يسهل الصعب، وييسر العسير، ويخفف المشاق.
الستون: أن الملائكة تستغفر للذاكر كما تستغفر للتائب.
الحادية والستون: أن الجبال والقفار تتباهي وتستبشر بمن يذكر الله عز وجل عليها.
الثانية والستون: أن كثرة ذكر الله عز وجل أمان من النفاق.
الثالثة والستون: أن للذكر لذة عظيمه من بين الأعمال الصالحة لا تشبهها لذة.
الرابعة والستون: أن في دوام الذكر في الطريق، والبيت، والبقاع، تكثيراً لشهود العبد يوم القيامة، فإن الأرض تشهد للذاكر يوم القيامة.
[“الوابل الصيب من الكلم الطيب” للإمام ابن القيم، بتصرف].