321 – رياح المسك العطرة من رياض صحيح البخاري المزهرة.
مجموعة أبي صالح حازم وأحمد بن علي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة.
مراجعة سيف بن غدير النعيمي
وعبدالله البلوشي أبي عيسى
وناصر الكعبي
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الإمام البخاري في كتاب الحيض من صحيحه:
20 باب لا تقضي الحائض الصلاة. وقال جابر بن عبد الله وأبو سعيد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: تدع الصلاة.
321 – حدثنا موسى بن إسماعيل؛ قال: حدثنا همام؛ قال: حدثنا قتادة؛ قال: حدثتني معاذة: “أن امرأة قالت لعائشة: أتجزي إحدانا صلاتها إذا طهرت؟ فقالت: أحرورية أنت؟ كنا نحيض مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا يأمرنا به -أو قالت- فلا نفعله”.
—————–
الفوائد:
1 – قوله: (وقال جابر بن عبد الله وأبو سعيد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: تدع الصلاة). أما حديث جابر فقد وصله البخاري 7230؛ وفيه: “وكانت عائشة قدمت معه مكة وهي حائض فأمرها النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تنسك المناسك كلها غير أنها لا تطوف ولا تصلي حتى تطهر ” وأما حديث أبي سعيد فقد وصله البخاري أيضا 1951 وفيه: “أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم فذلك نقصان دينها”.
قال ابن المنذر في الأوسط: ” فَأَخْبَرَ أَنْ لَا صَلَاةَ عَلَيْهَا وَلَا يَجُوزُ لَهَا الصَّوْمُ فِي حَالِ الْحَيْضِ ثُمَّ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ عَلَيْهَا الصَّوْمُ بَعْدَ الطُّهْرِ، وَنَفَى الْجَمِيعُ عَنْهَا وُجُوبَ الصَّلَاةِ فَثَبَتَ قَضَاءُ الصَّوْمِ عَلَيْهَا بِإِجْمَاعِهِمْ، وَسَقَطَ عَنْهَا فَرْضُ الصَّلَاةِ لِاتِّفَاقِهِمْ”.
2 – حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-. أخرجه الستة البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
3 – قال الحافظ ابن رجب في الفتح: “وهذا يدل على أن هَذا مما لا يدرك بالرأي، ولا يهتدي الرَأي إلى وجه الفرق فيهِ”.
4 – قولها: (أتجزي إحدانا صلاتها؟) وعند مسلم 335 من طريق يزيد الرشك: “أتقضي الحائض الصلاة؟ “.
5 – قولها: ” (أتجزئ إحدانا صلاتها؟) هوَ بفتح التاء، و (صلاتها) بفتح التاء، والمعنى: أتقضي صلاتها إذا طهرت مِن حيضها”. قاله ابن رجب في فتح الباري.
وقال المهلب:” ولذلك سمي يوم القيامة يوم الجزاء إذا جوزي الناس بأعمالهم يوم القضاء”.
6 – ويزيده وضوحا ما ورد عند مسلم 335 من طريق يزيد الرشك: ” «قد كن نساء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحضن أفأمرهن أن يجزين؟ قال محمد بن جعفر: «تعني يقضين» انتهى.
ومحمد بن جعفر هو غندر الراوي عن شعبة.
7 – قال الترمذي: “روي عن عائشة من غير وجه أن الحائض لا تقضي الصلاة، وهو قول عامة الفقهاء لا اختلاف بينهم في أن الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة”. انتهى. وقال البغوي في شرح السنة: “وهو قول عامة أهل العلم”.
8 – “وهذا الحديث أصل إجماع المسلمين: أن الحائض لا تقضي الصلاة، ولا خلاف في ذلك بين الخلف والسلف، إلا طائفة من الخوارج يرون على الحائض قضاء الصلاة لا يشتغل بهم، ولا يعدون خلافا، لشذوذهم عن سلف الأمة”. نقله ابن بطال في شرحه.
9 – قال ابن المنذر في الأوسط: “ذِكْرُ إِسْقَاطِ فَرَضِ الصَّلَاةِ عَنِ الْحَائِضِ:
أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ عَلَى إِسْقَاطِ فَرْضِ الصَّلَاةِ عَنِ الْحَائِضِ فِي أَيَّامِ حَيْضِهَا وَإِذَا سَقَطَ فَرْضُ الصَّلَاةِ عَنْهَا فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُلْزِمَهَا قَضَاءُ مَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ مِنَ الصَّلَاةِ بَعْدَ طُهْرِهَا وَثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَبَرٌ دَالٌّ عَلَى ذَلِكَ”.
10 – “فلذلك قالت عائشة: (أحرورية أنت؟) – للمرأة التي سألت عن ذلك منكرة عليها، إذ خشيت أن تعتقد مذهب الحرورية في ذلك، ونزعت لها بالحجة التي لا يجوز خلافها، وهو قولها: (قد كنا نحيض مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا يأمرنا به -، تعني بقضاء الصلوات أيام الحيض”. قاله ابن بطال في شرحه.
11 – “والاستفهام الذي استفهمته عائشة هو استفهام إنكاري، أي هذه طريقة الحرورية وبئست الطريقة”. قاله الكرماني في الكواكب الدراري.
12 – قولها: (مع النبي -صلى الله عليه وسلم-). “فإن قلت ما معنى المعية؟ قلت: معناها مع وجود النبي؛ أي في عهده، والغرض بيان أنه -صلى الله عليه وسلم- كان مطلعاً على حالهن من الحيض وتركهن للصلاة في أيامه، وما كان يأمرهن بالقضاء ولو كان القضاء واجباً لأمرهن به”. قاله الكرماني في الكواكب الدراري.
13 – قولها: (كنا نحيض مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا يأمرنا به أو قالت فلا نفعله). وعند مسلم 335 من طريق أبي قلابة ويزيد: ” كانت إحدانا تحيض على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم لا تؤمر بقضاء”. وعند النسائي 382 من طريق أبي قلابة: ” كنا نحيض عند رسول الله -صلى الله عليه و سلم- فلا نقضي ولا نؤمر بقضاء”. وعند النسائي 2318 وابن أبي شيبة في المصنف من طريق سعيد بن أبي عروبة: “كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم نطهر فيأمرنا بقضاء الصوم ولا يأمرنا بقضاء الصلاة “.
14 – أخرج ابن المنذر في الأوسط من طريق عاصم الأحول: ” قالت عائشة: ْقَدْ كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ”. وهي عند مسلم 335 دون قولها: “مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-“، لكنها تفهم من السياق.
15 – قال البخاري: “باب الحائض تترك الصوم والصلاة، وقال أبو الزناد: إن السنن ووجوه الحق لتأتي كثيرا على خلاف الرأي، فما يجد المسلمون بدا من اتباعها، من ذلك أن الحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة”.
16 – فيه: “سقوط الصلاة عن الحائض” قاله النسائي، وقال أبو داود وابن ماجه: “الحائض لا تقضي الصلاة”.
17 – عن أبي غالب عجلان قال: سألت ابن عباس عن النفساء والحائض؛ هل يقضيان الصلاة إذا تطهرن؟ قال: هو ذا أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- فلو فعلن ذلك أمرنا نساءنا بذلك”. أخرجه الدارمي في سننه 1025 من طريق محمد بن عون عن أبي غالب به.
فيه أبو غالب عجلان ذكره البخاري في التاريخ الكبير، وقال أبو حاتم الرازي كما في الجرح والتعديل لابنه: ” شيخ”، وذكره ابن حبان في الثقات، لكن الراوي عنه؛ وهو محمد بن عون هو الخراساني قال البخاري: منكر الحديث.
(ذكر محققان لسنن الدارمي أن إسناده جيد أو حسن وهو غريب).
18 – وقال معمر: قال الزهري: الحائض تقضي الصوم (ولا تقضي الصلاة)، قلت: عمن؟ قال: اجتمع الناس عليه، وليس في كل شيء نجد الإسناد”. أخرجه عبد الرزاق في المصنف 1280.وما بين القوسين نقلته من ابن بطال في شرحه.
19 – وقال حذيفة: “ليكونن في آخر هذه الأمة قوم يكذبون أولهم ويلعنونهم، يقولون: جلدوا في الخمر، وليس في كتاب الله، ورجموا وليس في كتاب الله، ومنعوا الحائض الصلاة، وليس في كتاب الله”. نقله ابن بطال في شرحه، وكذا ابن عبد البر في الاستذكار؛ فقال: ” وروينا عن حذيفة أنه قال .. ” فذكر نحوه هكذا بغير إسناد.
ورجعنا إلى كتاب السنة لابن أبي عاصم فوجدنا الإسناد من طريق علي بن زيد بن جدعان، وخرجه الألباني من طرق عن علي بن زيد به.
ثم قال: له متابع ذكرته في كتاب الدجال الأكبر، ونزول عيسى -عليه السلام- يسر الله إتمامه. ولم يذكر الإسناد في ظلال الجنة، ولم نقف على كتاب الدجال الأكبر.
20 – عن يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة قال: سئل أتقضي الحائض الصلاة؟ قال: «لا، ذلك بدعة». أخرجه عبد الرزاق في المصنف 1276 عن معمر عن يحيى به وأخرجه عبد الرزاق أيضا عن عطاء أي ابن أبي رباح 1275.
21 – قال ابن رجب: “فإن نساء النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – إذا كن يحضن في زمانه فلا يقضين الصلاة إذا طهرن، فإنما يكون ذَلِكَ بإقرار النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – على ذَلِكَ، وأمره بهِ، فإن مثل هَذا لا يخفى عليهِ، ولو كانَ القضاء واجباً عليهن لَم يهمل ذَلِكَ، وَهوَ لا يغفل عَن مثله لشدة اهتمامه بأمر الصلاة.
وقد خرج هَذا الحديث مسلم في صحيحه بلفظ: (ثُمَّ لا نؤمر بالقضاء) – مِن غير تردد، وخرجه بلفظ آخر، وَهوَ: (كانَ يصيبنا ذَلِكَ على عهد رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة).
وقد حكى غير واحد مِن الأئمة إجماع العلماء على أن الحائض لا تقضي الصلاة، وأنهم لَم يختلفوا في ذَلِكَ، مِنهُم: الزهري، والإمام أحمد، وإسحاق بنِ راهويه، والترمذي، وابن جرير، وابن المنذر وغيرهم.
وقال عطاء وعكرمة: قضاء الحائض الصلاة بدعة.
وقال الزهري: أجمع الناس على أن الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، وقال: وليس في كل شيء نجد الإسناد.
وقد حكي عَن بعض الخوارج: أن الحائض تقضي الصلاة، وعن بعضهم: أنها تصلي في حال حيضها.
ولكن في سنن أبي داود بإسناد فيهِ لين: أن سمرة بنِ جندب كانَ يأمر النساء بقضاء صلاة الحيض”. انتهى كلام ابن رجب
تنبيه في قول ابن رجب: وخرجه – يعني مسلما في صحيحه- (كانَ يصيبنا ذَلِكَ على عهد رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة)
فلفظة (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) غير موجوده في مسلم لكنها في مصادر أخرى من طريق عبدالرزاق التي ساقها مسلم بل هي موجوده في مصنف عبدالرزاق وإليك البيان:
قال الإمام مسلم:
69 – (335) وحدثنا عبد بن حميد، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن عاصم، عن معاذة، قالت: سألت عائشة فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة. فقالت: أحرورية أنت؟ قلت: لست بحرورية، ولكني أسأل. قالت: «كان يصيبنا ذلك، فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة».
هذا اللفظ هو لفظ الحافظ ابن رجب، وفي نسخ مسلم في الشاملة والنسختين المطبوعتين عندي بدون قوله: على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-،
لكنه موجود في مستخرج أبي نعيم على صحيح مسلم، وهو في مصنف عبد الرزاق. وقد أخرجه مسلم من طريقه ففي مصنف عبدالرزاق: قد كان يصيبنا ذلك مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وكذلك إسحق بن راهويه في مسنده (1385) عن عبد الرزاق به؛ وفيه: على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وفي مسند الإمام أحمد أيضا (25951) عن عبد الرزاق كذلك
وورد في صحيح مسلم:
67 – (335) حدثنا أبو الربيع الزهراني، حدثنا حماد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن معاذة ح، وحدثنا حماد، عن يزيد الرشك، عن معاذة، أن امرأة سألت عائشة فقالت: أتقضي إحدانا الصلاة أيام محيضها؟ فقالت عائشة: أحرورية أنت؟ قد «كانت إحدانا تحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لا تؤمر بقضاء».
فهذه الرواية تأكد أن ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم
22 – قال ابن رجب: “وقد فرق كثير مِن الفقهاء مِن أصحابنا وأصحاب الشافعي بين قضاء الصوم والصلاة، بأن الصلاة تتكرر كل يوم وليلة خمس مرات، والحيض لا يخلو منهُ كل شهر – غالباً -، فلو أمرت الحائض بقضاء الصلاة معَ أمرها بأداء الصلاة في أيام طهرها لشق ذَلِكَ عليها، بخلاف الصيام؛ فإنه إنما يجيء مرةً واحدةً في السنة، فلا يشق قضاؤه.
ومنهم مِن قالَ: جنس الصلاة يتكرر في كل يوم مِن أيام الطهر، فيغني ذَلِكَ عَن قضاء ما تركته منها في الحيض، بخلاف صيام رمضان؛ فإنه شهر واحد في السنة لا يتكرر فيها، فإذا طهرت الحائض أمرت بقضاء ما تركته أيام حيضها؛ لتأتي بتمام عدته المفروضة في السنة، كَما يؤمر بذلك مِن أفطر لسفر أو مرض”.
[فتح الباري لابن رجب (2/ 130)].
والتوجيه بالمشقة ذكره ابن حجر في فتح الباري.
23 – هل يشرع للحائض الوضوء عند النوم؟ وهل يشرع لها الوضوء عند كل صلاة وذكر الله عزوجل في أوقات الصلوات؟
الحائض غير داخلة في مشروعية الوضوء قبل النوم لا وجوباً ولا استحبابًا؛ لأنها لو اغتسلت لم ينفعها ذلك، فكيف لو توضأت؟! بخلاف الرجل الجنب فإنه ترتفع جنابته بغسله، وتخف بوضوئه، وقياس الجنابة على الحيض قياس بعيد؛ فالجنابة تزول بالغسل وليس كذلك الحيض، والحيض خاص بالنساء والجنابة مشتركة مع الرجال، والحيض لا تملك المرأة إنهاءه بخلاف الجنابة.
* قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
وقال ابن دقيق العيد: نصَّ الشافعي -رحمه الله- على أن ذلك ليس على الحائض؛ لأنها لو اغتسلت لم يرتفع حدثُها بخلاف الجنب لكن إذا انقطع دمها استحب لها ذلك. [فتح الباري، (1/ 395)].
بل ذهب بعض الشافعية إلى تحريم وضوء الحائض إذا قُصد به التعبد، وأما إذا قصدت النظافة فلا بأس.
* قال الرملي –رحمه الله -:
“ومما يحرم عليها: الطهارة عن الحدث بقصد التعبد مع علمها بالحرمة لتلاعبها، فإن كان المقصود منها النظافة كأغسال الحج: لم يمتنع”.
[نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، (1/ 330)].
* قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله -:
“وقد دلت هَذهِ الأحاديث المذكورة في هَذا الباب: على أن وضوء الجنب يخفف جنابته. [فتح الباري لابن رجب (1/ 358)].
وعليه: فمن علَّل الوضوء للجنب بتخفيف الجنابة فإنه لم يرَ فرقًا بين الجنب والحائض.
* قال النووي – رحمه الله -:
قال المازري: ”ويجري هذا الخلاف في وضوء الحائض قبل أن تنام، فمن علَّل بالمبيت على طهارة استحبَّه لها ”. هذا كلام المازري، وأما أصحابنا فإنهم متفقون على أنه لا يُستحب الوضوء للحائض والنفساء؛ لأن الوضوء لا يؤثر في حدثهما فإن كانت الحائض قد انقطعت حيضتها صارت كالجنب، والله أعلم”.
[شرح مسلم (3/ 218)].
وقال بعض السلف: أن على الحائض الوضوء كل وقت من أوقات الصلاة، لكنه صار قولًا مهجورًا، وعامة العلماء على خلافه.
* قال ابن عبد البر – رحمه الله -:
“مِن السلف مَن كان يرى للحائض ويأمرها أن تتوضأ عند وقت الصلاة وتذكر الله وتستقبل القبلة ذاكرة لله جالسة”.
قال مكحول: “كان ذلك من هدي نساء المسلمين في أيام حيضهن”.
قال معمر: “بلغني أن الحائض كانت تؤمر بذلك عند وقت كل صلاة”.
وعن عطاء قال:”لم يبلغني ذلك، وإنه لحَسَنٌ”.
قال أبو عمر – أي: ابن عبد البر -: “هو أمرٌ متروكٌ عند جماعة الفقهاء بل يكرهونه”.
وعن سليمان التيمي قال: سئل أبو قلابة عن الحائض إذا حضرت الصلاة أتتوضأ وتذكر الله؟ فقال أبو قلابة: قد سألْنا عنه فلم نجد له أصلًا.
وعن الوليد بن مسلم قال: سألتُ سعيد بن عبد العزيز عن الحائض أنها إذا كان وقت صلاة مكتوبة توضأتْ واستقبلتْ القبلة فذكرتْ الله في غير صلاة ولا ركوع ولا سجود، قال: ما نعرفُ هذا ولكنا نكرهه.
وقال معمر: قلت لابن طاووس: أكان أبوك يأمر الحائض عند وقت كل صلاة بطُهر وذِكر؟ قال: لا.
وعلى هذا القول جماعة الفقهاء وعامة العلماء اليوم في الأمصار.
[الاستذكار (1/ 338)] باختصار.
* وقال ابن رجب – رحمه الله –
“وممن قالَ ليسَ ذَلِكَ على الحائض: الأوزاعي، والثوري، وأبو حنيفة، ومالك، وكذلك قالَ أحمد، قالَ: ليسَ عليها ذَلِكَ، ولا بأس أن تسبح وتهلل وتكبر.
وبه قالَ أبو خيثمة، وسليمان بنِ داود الهاشمي، وأبو ثور، وأصحاب الشَافِعي، وزادوا: أنه يحرم عليها الوضوء إذا قصدت بهِ العبادة ورفع الحدث، وإنما يجوز لها أن تغتسل أغسال الحج؛ لأنه لا يراد بها رفع الحدث، بل النظافة”.
[فتح الباري لابن رجب (1/ 500)].
والخلاصة:
لا يشرع للحائض وضوء عند كل وقت صلاة، ولا يُشرع لها الوضوء إذا كانت حائضًا قبل النوم؛ لأنه لم يثبت هذا في حديث مرفوع، ولم يثبت عن أحد من الصحابة، ووضوؤها لا هو بالذي يرفع حدثها، ولا هو بالذي يخففه، بخلاف وضوئها إذا كانت جنبًا فإن الوضوء يخفف حدثها، وإن قصدت بالوضوء التعبد: كان بدعة، وإن قصدت التنظف: جاز لها، ورُجي لها الدخول في قوله -صلى الله عليه وسلم- (طَهِّرُوا هذِهِ الأَجْسَادَ طَهَّرَكُمُ الله فَإِنَّهُ لَيْسَ عَبْدٌ يَبِيتُ طَاهِراً إلاَّ بَاتَ مَعَهُ مَلَكٌ فِي شِعَارِهِ لاَ يَنْقَلِبُ سَاعَةً مِنَ اللَّيْلِ إلاَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرُ لِعَبْدِكَ فَإِنَّهُ بَاتَ طَاهِرًا) – رواه الطبراني في ” الكبير ” (12/ 446) وجوَّد إسناده الحافظ ابن حجر في ” فتح الباري ” (11/ 109)، وحسَّنه الهيثمي في ” مجمع الزوائد ” (10/ 178).
24 – قوله: (حدثنا همام) تابعه سعيد بن أبي عروبة كما عند النسائي 2318 وابن ماجه 631.
25 – قوله: (حدثنا قتادة) تابعه أبو قلابة كما عند مسلم 335 وأبي داود262 والترمذي 130 والنسائي 382 تابعه يزيد الرشك كما عند مسلم 335 تابعه عاصم الأحول كما عند مسلم 335.
قال قتادة: (حدثتني معاذة) فيه “تصريح سماع قتادة من معاذة، وهو رد على ما ذكره شعبة وأحمد ويحيى بن معين وغيرهم لم يسمع منها “. قاله ابن الملقن في التوضيح لشرح الجامع الصحيح.
26 – قوله: (حدثتني معاذة) تابعه الأسود كما عند الترمذي 787 وابن ماجه 1670، تابعه القاسم كما عند الدارمي 1026 وفيه ليث بن أبي سليم.