32 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة ابراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وفيصل الشامسي وفيصل البلوشي
وهشام السوري وعبدالله المشجري وخميس العميمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
——-‘——‘——–‘
——-‘——‘——–”
——-‘——‘——-
الصحيح المسند 32
روى الإمام أحمد (12482)، عَنْ أَنَسٍ: ” أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ: إِنَّ لِفُلَانٍ نَخْلَةً، وَأَنَا أُقِيمُ حَائِطِي بِهَا، فَامُرْهُ أَنْ يُعْطِيَنِي حَتَّى أُقِيمَ حَائِطِي بِهَا.
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَعْطِهَا إِيَّاهُ بِنَخْلَةٍ فِي الْجَنَّةِ).
فَأَبَى.
فَأَتَاهُ أَبُو الدَّحْدَاحِ فَقَالَ: بِعْنِي نَخْلَتَكَ بِحَائِطِي.
فَفَعَلَ.
فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي قَدِ ابْتَعْتُ النَّخْلَةَ بِحَائِطِي. قَالَ: فَاجْعَلْهَا لَهُ، فَقَدْ أَعْطَيْتُكَهَا.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كَمْ مِنْ عِذْقٍ رَدَاحٍ لِأَبِي الدَّحْدَاحِ فِي الْجَنَّةِ) قَالَهَا مِرَارًا.
فَأَتَى امْرَأَتَهُ فَقَالَ: يَا أُمَّ الدَّحْدَاحِ اخْرُجِي مِنَ الْحَائِطِ، فَإِنِّي قَدْ بِعْتُهُ بِنَخْلَةٍ فِي الْجَنَّةِ.
فَقَالَتْ: رَبِحَ الْبَيْعُ – أَوْ كَلِمَةً تُشْبِهُهَا “.
والحاكم (2194)
وقال الحاكم: ” صحيح على شرط مسلم “،
————
صححه الألباني في ” الصحيحة ” (2964) على شرط مسلم.
وروى مسلم (965) عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: ” صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ابْنِ الدَّحْدَاحِ: ثُمَّ أُتِيَ بِفَرَسٍ عُرْيٍ فَعَقَلَهُ رَجُلٌ فَرَكِبَهُ، فَجَعَلَ يَتَوَقَّصُ بِهِ، وَنَحْنُ نَتَّبِعُهُ، نَسْعَى خَلْفَهُ.
فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (كَمْ مِنْ عِذْقٍ مُعَلَّقٍ – أَوْ مُدَلًّى – فِي الْجَنَّةِ لِابْنِ الدَّحْدَاحِ) أَوْ قَالَ شُعْبَةُ – راوي الحديث -: (لِأَبِي الدَّحْدَاحِ).
وروى الطبراني في “الكبير” (764) بسند ضعيف عَنْ ابن مَسْعُودٍ، قَالَ: ” لَمَّا نَزَلَتْ (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا)، قَالَ أَبُو الدَّحْدَاحِ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ اللهَ يُرِيدُ مِنَّا الْقَرْضَ؟
قَالَ: (نَعَمْ يَا أَبَا الدَّحْدَاحِ).
قَالَ: أَرِنِي يَدَكَ، فَنَاوَلَهُ يَدَهُ.
فَقَالَ: إِنِّي قَدْ أَقْرَضْتُ رَبِّي حَائِطِي، وَفِي حَائِطِي سِتَّمِائَةٍ نَخْلَةٍ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى الْحَائِطِ فَنَادَى يَا أُمَّ الدَّحْدَاحِ، وَهِيَ فِي الْحَائِطِ.
فَقَالَتْ: لَبَّيْكَ.
فَقَالَ: اخْرُجِي فَقَدْ أَقْرَضْتُهُ رَبِّي “.
—-
ترجمة أبي الدحداح:
قال ابن حجر في الاصابة (1/ 503):
880 – ثابت بن الدّحداح [(1)]
بن نعيم بن غنم بن إياس حليف الأنصار. وكان بلويّا حالف بني عمرو بن عوف. ويقال ثابت بن الدحداحة. ويكنى أبا الدحداح، وأبا الدحداحة.
روى الطّبرانيّ من طريق ابن إسحاق: حدثني موسى بن يسار، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة، قال: رأيت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في جنازة ثابت بن الدحداح … الحديث.
وهو في صحيح مسلم من حديث جابر بن سمرة، لكنه لم يسمّه، قال: صلّينا على ابن الدحداح، وفي رواية: على أبي الدحداح.
أبو الدحداح ويقال أو الدحداحة الأنصاري الصحابي بفتح الدالين وبحائين مهملتين قال ابن عبد البر لا أقف على أسمه ولا على نسبه غير أنه من الأنصار حليف لهم وقال غيره اسمه ثابت
تهذيب الأسماء واللغات للإمام النووي
أبو الدحداح: صحابي أنصاري لا يعرف إلا بأبيه مات في حياة المصطفى -صلى اللَّه عليه وسلم- فصلَّى عليه.
السراج المنير في ترتيب أحاديث صحيح الجامع الصغير
أطلق لفظة الدحداح عبيد الله بن زياد على أبي برزة:
فعبيد الله بن زياد أحد أمراء العراق لمعاوية وولده كان ينكر الحوض مثل الخوارج وبعض المعتزلة.
وقصته في استهزائه بأبي برزة في سنن أبي داود 4734 معروفة وسماه الدحداح ثم سأله عن الحوض فأخبره أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم لا مرة ولا مرتين ولا ثلاثا ولا أربعا ولا خمسا، فمن كَذَّبَ به فلا سقاه الله منه ثم خرج مغضبا. وهو على شرط كتاب أصحابنا الذيل على الصحيح المسند وراجع تحقيقنا للكشف 3470
معاني الكلمات:
قال النووي رحمه الله: ” الْعِذْقُ هُنَا بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ الْغُصْنُ مِنَ النَّخْلَةِ. وَأَمَّا الْعَذْقُ بِفَتْحِهَا فَهُوَ النَّخْلَةُ بِكَمَالِهَا، وَلَيْسَ مُرَادًا هُنَا ” انتهى.
والرداح: الثقيل.
وقال ابن الجوزي: غريب الحديث (1/ 351)
في بعضِ ألفاظِ الحديث كَمْ مِنْ غَدِقٍ دَوَّاحٍ لأبي الدِّحْدَاحِ وهو العظيمُ الشَّديدُ السَمُوقُ وكُلُّ شَجَرةٍ عَظِيمَةٍ دَوْحَةٌ
قال ابن الملقن في التوضيح لشرح الجامع الصحيح (12/ 264)
” والدوحات جمع دوحة: وهي الشجرة العظيمة المتسعة، والجمع: دوح، وأدواح: جمع الجمع. وقال أبو حنيفة: الدوائح العظام وكأنه جمع: دائحة. وقال ابن سيده: وإن لم يتكلم به، والدوحة: المظلة العظيمة، والدوح بغير هاء: البيت الضخم الكبير من الشجر. وقال ابن الأنباري في “شرح المقامات”: يقال: شجرة دوحة إذا كانت عظيمة كثيرة الورق والأغصان”.
ثانياً:
ورد اسم الرجل الذي قال له النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَعْطِهَا إِيَّاهُ بِنَخْلَةٍ فِي الْجَنَّةِ) فَأَبَى، عند البيهقي في “سننه” (6/ 260).
فروى عن سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ: ” أَنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ عَتَبَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ: أَنَّهُ خَاصَمَ يَتِيمًا لَهُ فِي عذْقِ نَخْلَةٍ، فَقَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي لُبَابَةَ بِالْعذْقِ.
فَضَجَّ الْيَتِيمُ وَاشْتَكَى إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي لُبَابَةَ: (هَبْ لِي هَذَا الْعذْقَ يَا أَبَا لُبَابَةَ؛ لِكَيْ نَرُدَّهُ إِلَى الْيَتِيمِ).
فَأَبَى أَبُو لُبَابَةَ أَنْ يَهَبَهُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا أَبَا لُبَابَةَ، أَعْطِهِ هَذَا الْيَتِيمَ وَلَكَ مِثْلُهُ فِي الْجَنَّةِ).
فَأَبَى أَبُو لُبَابَةَ أَنْ يُعْطِيَهُ.
فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنِ ابْتَعْتُ هَذَا الْعَذْقَ فَأَعْطَيْتُ الْيَتِيمَ؛ أَلِي مِثْلُهُ فِي الْجَنَّةِ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (نَعَمْ).
فَانْطَلَقَ الْأَنْصَارِيُّ، وَهُوَ ابْنُ الدَّحْدَاحَةِ، حَتَّى لَقِيَ أَبَا لُبَابَةَ فَقَالَ: يَا أَبَا لُبَابَةَ، أَبْتَاعُ مِنْكَ هَذَا الْعذْقَ بِحَدِيقَتِي، وَكَانَتْ لَهُ حَدِيقَةُ نَخْلٍ.
فَقَالَ أَبُو لُبَابَةَ: نَعَمْ، فَابْتَاعَهُ مِنْهُ بِحَدِيقَةٍ.
فَلَمْ يَلْبَثِ ابْنُ الدَّحْدَاحَةِ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى جَاءَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ يَوْمَ أُحُدٍ، فَخَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَاتَلَهُمْ فَقُتِلَ شَهِيدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (رُبَّ عذْقٍ مُذَلَّلٍ لِابْنِ الدَّحْدَاحَةِ فِي الْجَنَّةِ).
ففي هذه الرواية أن هذا الرجل هو أبو لبابة، واسمه: بشير بن عبد المنذر الأنصاري، وقيل اسمه رفاعة، وقيل غير ذلك، والمشهور الأول.
ينظر: “الإصابة” (7/ 289 – 290).
وهذا الإسناد ضعيف لإرساله، ولكنه من مراسيل سعيد بن المسيب، ومراسيل ابن المسيب قوية عند بعض أهل العلم، قال الذهبي: ” مَرَاسِيْلُ سَعِيْدٍ مُحْتَجٌّ بِهَا ” انتهى من “سير أعلام النبلاء” (5/ 125).
وقال الحافظ: ” اتفقوا على أن مرسلاته أصح المراسيل “.
انتهى من “تقريب التهذيب” (ص 241).
فهذا أصح ما ورد في تسمية هذا الرجل، وهو أبو لبابة رضي الله عنه، وهو صحابي مشهور.
قلت سيف بن دورة: قصة أبي لبابة أخرجها عبدالرزاق في مصنفه. وقال البيهقي بعد أن أخرجها في الكبرى 6/ 46 وكأن قصة أبي لبابة ذكرها الزهري عن ابن المسيب.
وورد في قصة أبي لبابة أن النبي صلى الله عليه وسلم حين رفض ألزمه … قال: إذهب فأخرج له مثل عذقه إلى حائطه ثم اضرب فوق ذلك بجدار فإنه … لا ضرر في الإسلام ولا ضرار
وورد من طريق محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع مرسلا وهو أصح قاله ابن رجب
وقال شعيب الأرناؤوط في تحقيق سنن أبي داود: المراسيل هذه يقوي بعضها بعضا يعني أن صاحب القصة أبا لبابة.
فربما يقصد بالتقوية ما توافقت عليه المراسيل من تسميت أبي لبابة وإلا بينها اختلاف ففي بعضها أنه ألزمه. وهذا يخالف حتى الموصول أن أبا الدحداح اشتراها إلا أن يحمل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإلزامه فاشتراها أبو الدحداح قبل تنفيذ الإلزام.
وليس يلزم من مجرد هذا الموقف: أن يكون صاحبه منافقاً ولا يهودياً، وليس كل من ترك المندوب، أو العمل الفاضل: مذموماً، ولا آثماً؛ فضلاً عن أن يكون يهودياً، أو منافقاً.
ويلاحظ أنه في الرواية المسندة، كان جاره الذي حصل الخصام معه: رجلاً، ولم يكن يتيماً، كما في الرواية المرسلة.
بل إذا قدر أن كان إثماً وذنباً، فليس كل من وقع في ذنب، لزم أن يؤاخذه الله عليه؛ فإن موانع لحوق الوعيد بأصحاب المعاصي والذنوب كثيرة؛ كأن يتوب من ذلك، فيتوب الله عليه، أو تكون له حسنة أخرى، هي أكبر منها تمحوها، أو يبتلى بما يكفر عنه خطاياه، أو يشفع فيه بعض الشافعين، أو تدركه رحمة رب العالمين.
وقد قال الله عز وجل: (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) التوبة/ 102.
من فوائد الحديث:
1 – بسبب إيثار أبي الدحداح رضي الله عنه الباقي على الفاني جوزي في الآخرة بما هو من جنس فعله.
2 – العَذق بِفَتْح الْعين: النَّخْلَة، وبكسرها: الغصن، وهو الشمراخ. والرَّدَاح: الثقيل بِحمْلِهِ، وَمِنْه امْرَأَة رداح: إِذا كَانَت ثَقيلَة الْأَوْرَاك.
3 – المسارعة إلى الخيرات دليل على حب الله تعالى لعبده.
4 – علوّ الهمة لدى هذا الصحابي.
5 – الله سبحانه يعطي الكثير، على العمل القليل.
6 – إجبارُه على المعاوضة حيث كان على شريكه أو جاره ضررٌ في تركه، وهذا مثلُ إيجاب الشُّفعة لدفع ضررِ الشَّريك الطَّارئ.
ويُستدلُّ بذلك أيضاً على وجوب العمارة على الشَّريك الممتنع مِنَ العمارة، وعلى إيجاب البيع إذا تعذَّرَت القسمة.
7 – كان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الصحابي على سبيل الشفاعة الحسنة، ولم يكن على سبيل الإلزام، وإلاّ لوجب عليه قبوله، والحكم بعصيانه لأمر النبي صلى الله عليه وسلم.
8 – استحباب المصالحة بين المتخاصمين.
9 – بيان كمال حلمه صلى الله عليه وسلم على أصحابه.
10 – لعل الرجل كان من جفاة الأعراب، أو وقع له المقال في كمال غضبه من الحال حتى غفل عن مقام الأدب وفاته ما كان صريحا له في حسن المآل.
قال العباد حفظه الله في شرح السنن:
أورد أبو داود حديث سمرة بن جندب أنه كان له نخل عند رجل من الأنصار، وأن ذلك الأنصاري عنده أهله، فكان يأتي نخله فيكون في ذلك مضايقة لهم، فعرض الرسول صلى الله عليه وسلم على سمرة مثل ما عرض عليه الأنصاري فأبى، ثم قال له هبها للأنصاري ورغبة في ذلك فأبى، فقال له: [(أنت مضار، فقال للأنصاري: اذهب فاقلع نخله)].
قوله: [(كانت له عضد)] يعني: مجموعة من النخل متصلة.
وهذا الحديث غير صحيح وغير ثابت؛ لأن فيه انقطاعاً بين أبي جعفر محمد بن علي وبين سمرة بن جندب، ثم أيضاً فيه نكارة من حيث كونه يقلع النخل ويتلف المال على صاحبه دون أن يستفيد منه صاحبه، وكان يمكن أن يلزم بأمر آخر غير أن يضيع عليه حقه، ثم من جهة أخرى كون هذا الصحابي يكون بهذه الصفة التي فيها الشدة والتعنت، وكونه يعرض عليه كل شيء فيأبى؛ فهذا لا يليق بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون هذا فيه شيء من النكارة.
إذاً: الحديث من حيث الإسناد غير ثابت، ومن حيث المتن أيضاً فيه هذه النكارة، من ناحية كون النخل يقطع ويتلف ولا يستفيد منه صاحبه بشيء، ومن جهة أن هذا الصحابي يكون بهذا الوصف الذي جاء في هذا الحديث كلما يعرض عليه يأبى.
وقال محقق جامع العلوم والحكم في تخريج هذا الحديث الذي قي سنن أبي داود: وهذا إسناد منقطع لعل المرسل أولى
_____________
وفي تفسير ابن كثير:
وقوله تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً) قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: هُوَ الْإِنْفَاقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَقِيلَ: هُوَ النَّفَقَةُ عَلَى الْعِيَالِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، فَكُلُّ مَنْ أَنْفَقَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِنِيَّةٍ خَالِصَةٍ، وَعَزِيمَةٍ صَادِقَةٍ دَخَلَ فِي عُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَلِهَذَا قال تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: أَضْعافاً كَثِيرَةً … وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ [الْبَقَرَةِ: 245] أَيْ جَزَاءٌ جَمِيلٌ وَرِزْقٌ بَاهِرٌ، وَهُوَ الجنة يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَفِي حديث صدقة ابي الدحداح: أَنَّهَا قَالَتْ لَهُ: رَبِحَ بَيْعُكَ يَا أَبَا الدَّحْدَاحِ. وَنَقَلَتْ مِنْهُ مَتَاعَهَا وَصِبْيَانَهَا وَإِنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كَمْ مِنْ عَذْقٍ رَدَاحٍ فِي الْجَنَّةِ لِأَبِي الدَّحْدَاحِ» ((الصحيح المسند 32 وعزاه لأحمد والحديث أخرجه مسلم 965 من حديث جابر بن سمرة))
11 – كم من الأغصان الكثيرة، المُحمّلة بالثمار، مُدلاّةً، أي: قريبة المنال لأبي الدحداح رضي الله عنه.
12 – منقبة عظيمة، وفضيلة كبيرة لأبي الدحداح رضي الله عنه.
13 – لا يلزم الإنسان في قبول الشفاعة الحسنة، فالأمر باختيار الشخص.
14 – أنّ ثمار الجنّة، مُذلّلة لأهلها، سهلة التناول للواقف، والقاعد، والمضطجع.
15 – تفاضل الصحابة رضي الله عنهم، وأنّهم ليسوا على درجة واحدة في الفضل.
16 – على المسلم أن يكون هيّنا لينا، سمْحا.
17 – فضل الإيثار.
18 – الناس تتفاوت في الفهم، والإدراك، والتطلع إلى المستقبل.
19 – الأهداف العالية تسمو بصاحبها.
20 – حُبّ الصحابة لنبيهم صلى الله عليه وسلم.
21 – أنّ مردّ الخلاف، والتحاكم إلى الله سبحانه، وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم.
22 – إنّ هذه النخلة الوحيدة، كانت في طريق إقامة حائط بستان الصحابي، فلا يستطيع أن يُصلح بستانه إلاّ بأن تكون هذه النخلة داخل بستانه. فهو لا يريد أن يتسبب في الإضرار بجاره.
أو كان يحتاجها ليسند عليها جداره لأن الجدار كلما امتد احتاج ما يدعمه.
23 – النهي عن الإضرار بالغير.
24 – أنّه لا يحلّ أخذ مال المسلم إلاّ بطيب نفس منه، ورضاه.
25 – الحرص على الجار، ومراعاة شعوره، وترك أذيّته.
26 – محبة الأنصار للنخل، والشجر، والزراعة.
27 – استثمار الأرض، بما يُصلِحُها، وبما يعود على الإنسان بالخير.
28 – تدارك فعل الخير، والمبادرة إليه، بدون تردد، أو تأخير.
29 – اغتنام الفرص، قبل فواتها.
30 – الجنّة تحتاج منّا إلى التضحية.
31 – تقرّب إلى الله بكل عمل يُرضيه.
32 – بادر أنت، ولا تنتظر أحدا يَنْتَشِلُك.
33 – قدّم ما لديك، ولا تنتظر النتائج، فإن علمت بالنتيجة فبها ونِعْمَت، وإلاّ فامض قُدُماً. ” وماتقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله “.
34 – لم يكنْ عند النبي صلى الله عليه وسلم مال يُقدّمه لأصحابه، إنما الثمن الجنّة.
35 – امتثال المرأة الصالحة لأمر زوجها، وطاعتها له، دون استفصال عن الحال.
36 – صدق التوكل على الله، واليقين بما عنده.
37 – حقارة الدنيا، وأنها لا شيء أمام الآخرة.
38 – تأكيد المرأة على صنيع زوجها، وتصديقه في الصفقة الرابحة التي تبايع عليها.
39 – لم تجادل هذه المرأة التقيّة زوجها، ولم تقل له: أين عقلك، أتبيع بستانا كبيرا مليء بمئات النخيل، بنخلة واحدة فقط، أي إنسان أنت، ونحو هذا الكلام، لم يحصل شيء من هذا البتّة.
40 – مشهد رائع، وصورة حيّة ماثلة أمامنا، قدّمت شيئا إيجابيا، وصنعت مجدا خلّده التأريخ، بصبرها ورضاها وتميزها عن غيرها من بنات جنسها.
41 – التشجيع والتحفيز لفعل الخير.
——
مسائل قريبة في معنى الحديث من الأحكام وتوجيه تصرف الصحابي على هذا الوجه
خاصة أن البيهقي في سننه الكبرى 6/ 260 بوب على قصة أبي الدحداح وما يعارضه من الأحاديث باب من قضى فبما بين الناس بما فيه صلاحهم ودفع الضرر عنهم على الاجتهاد.
وكذلك ابن رجب ذكر قصة أبي الدحداح في شرحه جامع العلوم والحكم تحت حديث رقم 32: (لا ضرر ولا ضرار)
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي -رحمه الله- في جامع العلوم والحكم:
ومسائل الضرر في الأحكام كثيرة جدًا، وإنما ذكرنا هذا على وجه المثال.
والنوع الثاني: أن يكون له غرض آخر صحيح، مثل أن يتصرف في ملكه بما فيه مصلحة له، فيتعدى ذلك إلى ضرر غيره، أو يمنع غيره من الانتفاع بملكه توفيرًا له، فيتضرر الممنوع بذلك.
فأما الأول وهو التصرف في ملكه بما يتعدى ضرره إلى غيره فإن كان على غير الوجه المعتاد، مثل أن يؤجج في أرضه نارًا في يوم عاصف، فيحترق ما يليه، فإنه متعد بذلك، وعليه الضمان، وإن كان على الوجه المعتاد، ففيه للعلماء قولان مشهوران: أحدهما: لا يمنع من ذلك، وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وغيرهما. والثاني: المنع، وهو قول أحمد، ووافقه مالك في بعض الصور؛ فمن صور ذلك: أن يفتح كوةً في بنائه العالي مشرفةً على جاره، أو يبني بناءً عاليًا يشرف على جاره ولا يستره، فإنه يلزم بستره، نص عليه أحمد، ووافقه طائفة من أصحاب الشافعي، قال الروياني منهم في كتاب ” الحلية “: يجتهد الحاكم في ذلك، ويمنع إذا ظهر له التعنت، وقصد الفساد، قال: وكذلك القول في إطالة البناء ومنع الشمس والقمر.
وقد خرج الخرائطي وابن عدي بإسناد ضعيف عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا حديثًا طويلًا في حق الجار، وفيه: «ولا يستطيل عليه بالبناء فيحجب عنه الريح إلا بإذنه».
ومنها أن يحفر بئرًا بالقرب من بئر جاره فيذهب ماؤها، فإنها تطم في ظاهر مذهب مالك وأحمد، وخرج أبو داود في ” المراسيل ” من حديث أبي قلابة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تضاروا في الحفر، وذلك أن يحفر الرجل إلى جنب الرجل ليذهب بمائه».
ومنها أن يحدث في ملكه ما يضر بملك جاره من هز أو دق ونحوهما، فإنه يمنع منه في ظاهر مذهب مالك وأحمد وهو أحد الوجوه للشافعية.
وكذا إذا كان يضر بالسكان، كما إذا كان له رائحة خبيثة ونحو ذلك.
ومنها أن يكون له ملك في أرض غيره، ويتضرر صاحب الأرض بدخوله إلى أرضه، فإنه يجبر على إزالته ليندفع به ضرر الدخول، وخرج أبو داود في ” سننه ” من حديث أبي جعفر محمد بن علي أنه «حدث سمرة بن جندب أنه كانت له عضد من نخل في حائط رجل من الأنصار، ومع الرجل أهله، فكان سمرة يدخل إلى نخله، فيتأذى به ويشق عليه، فطلب إليه أن يناقله، فأبى فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فطلب إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعه، فأبى، فطلب إليه أن يناقله، فأبى، قال: فهبه له ولك كذا وكذا أمرًا رغبه فيه، فأبى، فقال: أنت مضار فقال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصاري: اذهب فاقلع نخله»، وقد روي عن أبي جعفر مرسلًا. قال أحمد في رواية حنبل بعد أن ذكر له هذا الحديث: كل ما كان على هذه الجهة وفيه ضرر، يمنع من ذلك، فإن أجاب وإلا أجبره السلطان، ولا يضر بأخيه في ذلك، فيه مرفق له.
وخرجه أبو بكر الخلال من رواية عبد الله بن محمد بن عقيل عن عبد الله بن سليط بن قيس عن أبيه «أن رجلًا من الأنصار كانت في حائطه نخلة لرجل آخر، وكان صاحب النخلة لا يريمها غدوةً وعشيةً، فشق ذلك على صاحب الحائط، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحب النخلة: خذ منه نخلةً مما يلي الحائط مكان نخلتك، قال: لا والله، قال: فخذ مني ثنتين قال: لا والله، قال: فهبها لي، قال: لا والله، قال: فردد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيه نخلةً مكان نخلته».
وخرج أبو داود في ” المراسيل ” من رواية إسحاق عن محمد بن يحيى بن حبان، عن عمه واسع بن حبان، قال: «كان لأبي لبابة عذق في حائط رجل، فكلمه، فقال: إنك تطأ حائطي إلى عذقك، فأنا أعطيك مثله في حائطك، وأخرجه عني، فأبى عليه، فكلم النبي صلى الله عليه وسلم فيه، فقال: يا أبا لبابة، خذ مثل عذقك، فحزها إلى مالك، واكفف عن صاحبك ما يكره، فقال: ما أنا بفاعل، فقال: اذهب، فأخرج له مثل عذقه إلى حائطه، ثم اضرب فوق ذلك بجدار، فإنه لا ضرر في الإسلام ولا ضرار».
ففي هذا الحديث والذي قبله إجباره على المعاوضة حيث كان على شريكه أو جاره ضرر في تركه، وهذا مثل إيجاب الشفعة لدفع ضرر الشريك الطارئ.
ويستدل بذلك أيضًا على وجوب العمارة على الشريك الممتنع من العمارة، وعلى إيجاب البيع إذا تعذرت القسمة، وقد ورد من حديث محمد بن أبي بكر، عن أبيه مرفوعًا: «لا تعضية في الميراث إلا ما احتمل القسم» وأبو بكر: هو ابن عمرو بن حزم، قاله الإمام أحمد فالحديث حينئذ مرسل، والتعضية: هي القسمة. ومتي تعذرت القسمة، لكون المقسوم يتضرر بقسمته، وطلب أحد الشريكين البيع، أجبر الآخر، وقسم الثمن، نص عليه أحمد وأبو عبيد وغيرهما من الأئمة.
وأما الثاني – وهو منع الجار من الانتفاع بملكه، والارتفاق به – فإن كان ذلك يضر بمن انتفع بملكه، فله المنع كمن له جدار واه لا يحتمل أن يطرح عليه خشب، وأما إن لم يضر به، فهل يجب عليه التمكين، ويحرم عليه الامتناع أم لا؟ فمن قال في القسم الأول: لا يمنع المالك من التصرف في ملكه، وإن أضر بجاره، قال هنا: للجار المنع من التصرف في ملكه بغير إذنه، ومن قال هناك بالمنع، فاختلفوا هاهنا على قولين: أحدهما: المنع هاهنا وهو قول مالك.
والثاني: أنه لا يجوز المنع، وهو مذهب أحمد في طرح الخشب على جدار دار جاره، ووافقه الشافعي في القديم وإسحاق وأبو ثور، وداود، وابن المنذر، وعبد الملك بن حبيب المالكي، وحكاه مالك عن بعض قضاة المدينة.
وفي ” الصحيحين ” عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لا يمنعن أحدكم جاره أن يغرز خشبه على جداره» قال أبو هريرة: ما لي أراكم عنها معرضين، والله لأرمين بها بين أكتافكم. وقضى عمر بن الخطاب على محمد بن مسلمة أن يجري ماء جاره في أرضه، وقال: لتمرن به ولو على بطنك.
وفي الإجبار على ذلك روايتان عن الإمام أحمد، ومذهب أبي ثور الإجبار على إجراء الماء في أرض جاره إذا أجراه في قني في باطن أرضه، نقله عنه حرب الكرماني.
_________