31 – بَابٌ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَبْعَثِهِ، وَسِنِّهِ
113 – (2347) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ، وَلَا بِالْقَصِيرِ، وَلَيْسَ بِالْأَبْيَضِ الْأَمْهَقِ وَلَا بِالْآدَمِ وَلَا بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلَا بِالسَّبِطِ، بَعَثَهُ اللهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَتَوَفَّاهُ اللهُ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً، وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ»
113 – وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ، ح وحَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، كِلَاهُمَا، عَنْ رَبِيعَةَ يَعْنِي ابْنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَزَادَ فِي حَدِيثِهِمَا كَانَ أَزْهَرَ
32 – بَابُ كَمْ سِنُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ قُبِضَ؟
114 – (2348) حَدَّثَنِي أَبُو غَسَّانَ الرَّازِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا حَكَّامُ بْنُ سَلْمٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ زَائِدَةَ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، وَأَبُو بَكْرٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، وَعُمَرُ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ»
115 – (2349) وحَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «تُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً» وقَالَ ابْنُ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، بِمِثْلِ ذَلِكَ.
115 – وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبَّادُ بْنُ مُوسَى، قَالَا: حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِالْإِسْنَادَيْنِ جَمِيعًا، مِثْلَ حَدِيثِ عُقَيْلٍ
الفوائد
——
– سبق الكلام على شعر النبي صلى الله عليه وسلم قبل أبواب.
– سنتكلم هنا عن لونه، وننقل بعض ما يتعلق بمبعثه.
قبل نقل أقوال أهل العلم في معنى الحديث:
نذكر بعض الأحاديث في الباب، وبعض المعاني فمن ذلك:
جاء في وصف الحور العين: في قوله تعالى (كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ) أي كأنهن اللؤلؤ الأبيض الرطب الصافي البهي، المستور عن الأعين والريح والشمس، الذي يكون لونه من أحسن الألوان، الذي لا عيب فيه بوجه من الوجوه، فكذلك الحور العين، لا عيب فيهن بوجه، بل هن كاملات الأوصاف، فشبههن الله تعالى باللؤلؤ المكنون وبالبيض المكنون وبالياقوت والمرجان فخذ من اللؤلؤ صفاء لونه وحسن بياضه ونعومة ملمسه وخذ من البيض المكنون وهو المصون الذي لم تنله الأيدي اعتدال بياضه وشوبه بما يحسنه من قليل صفرة بخلاف الأبيض الأمهق المتجاوز في البياض وخذ من الياقوت والمرجان حسن لونه في صفائه وإشرابه بيسير من الحمرة.
-ورد في روايات فيها ضعف ذكرها الألباني في الصحيحة في الشواهد حيث أورد حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض؛ كأنما صيغ من فضة، رجل الشعر) وفيه ضعف لكن ذكر في الشواهد حديث أنس الذي في الباب، وأورد حديث علي وفيه (كان عظيم الهامة مشربا حمرة، عظيم اللحية) انتهى
– ورد في حديث أنس عند البزار والمقدسي في المختارة من طريق حميد عن أنس (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربعة حسن الجسم ليس بالطويل ولا بالقصير وكان شعره ليس بالجعد ولا سبط أسمر اللون إذا مشى يتوكأ). قال المقدسي: وأخرجه الترمذي عن حميد بن مسعدة عن عبدالوهاب وقال حديثه حسن صحيح غريب. فيه ألفاظ ليست في الصحيح والله أعلم وهو قوله (أسمر اللون إذا مشى كأنه يتوكأ). انتهى
وقال البزار 6624: وهذا الحديث لا نعلم رواه عن حميد إلا خالد وعبدالوهاب انتهى
قال محققو المسند 21/ 161:وذكروا حديث أنس وعزوه للترمذي والبيهقي في الدلائل 1/ 204 وغيرهما: وفي رواية البيهقي: وكان أبيض بياضه إلى السمرة. انتهى
والحديث صححه صاحب كتاب أنيس الساري
قال في الشذي شرح الترمذي: الآدم الذي يميل إلى الحمرية، والأسمر إلى البياض انتهى
وإنما نقل ابن الملقن أن الأدمة هي السمرة، وقيل فوقها يعلوه سواد.
وكذلك نقل القرطبي في المفهم: في قوله (ليس بآدم) الذي تغلب سمرته السواد، فإن السمرة بياض يميل إلى سواد، والسحمة- بالسين – فوقه ثم الصحمة فوقه – بالصاد – وهو غالب لون الحبش ثم الأدمة فوقه وهو غالب لون العرب والنبي صلى الله عليه وسلم بياضه مشربا بحمرة في صفاء، فصدق انه أزهر، وأنه مشرب وهذا اللون هو احسن الألوان واعدلها
ورد في نظم المتناثر:
251 – أنه كان أبيض اللون مشرباً بحمرة
– ذكر الشهاب في شرح الشفا في القسم الأخير منها في الكلام على كفر من قال أنه عليه الصلاة والسلام كان أبيض اللون أنها متواترة ونصه: والمتواتر من حليته أنه كان أبيض مشرباً بحمرة كما تقدم اهـ.
وقال المناوي في شرح الشمائل في الكلام على قول أنس أسمر اللون ما نصه قال الحافظ أبو الفضل العراقي هذه اللفظة يعني لفظة أسمر انفرد بها حميد عن أنس ورواه غيره من الرواة عنه بلفظ أزهر اللون ثم نظرنا من روى صفة لونه صلى الله عليه وسلم غير أنس فكلهم وصفوه بالبياض دون السمرة وهم خمسة عشر صحابياً اهـ ومثله في جمع الوسائل.
وحديث ابن عباس هي رؤية منامية ليزيد الفارسي رأي فيها النبي صلى الله عليه وسلم فقصها على ابن عباس واقره ابن عباس،
لكن محققو المسند قالوا: إسناده ضعيف، يزيد الفارسي في عداد المجهولين.
وفي الأطراف 2/ 52 أورد حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمر اللون …. ) الحديث
انفرد به عبدالرزاق عن معمر عن ثابت وخالفه حماد بن سلمة فرواه عن ثابت عن أنس (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون)
فعلى هذا فرواية حميد عن أنس أيضا شاذة لان حميد إنما أخذ السماع من ثابت أو ثبته فيها ثابت.
ولما أورد رواية حميد عن أنس 2/ 71: قال: غريب من حديث حميد عن أنس وغريب من حديث عبدالوهاب الثقفي عنه.
ونقل ابن عساكر عن ابن شاهين أنه قال: تفرد بهذا الحديث خالد الطحان.
ونقل الزرقاني في شرح الموطأ أن المحب الطبري رد هذه الرواية وقال: يمكن الجمع بأن نقول المراد بالسمرة: الحمرة التي تخالط البياض، وبالبياض المثبت ما تخالطه الحمرة، والمنفي ما لا تخالطه وهو الذي تكره العرب لونه وتسمية الأمهق. وبهذا بان بأن رواية أبي زيد المروزي هذا الحديث في البخاري: أمهق ليس بأبيض مقلوبة، ويمكن توجيهها بأن المراد بالأمهق الأخضر الذي ليس بياضه في الغاية ولا سمرته ولا حمرته.
قال ابن الملقن في التوضيح: قال عياض: وقع في رواية المروزي (أزهر اللون أمهق) وهو خطأ، وجاء في أكثر الروايات: (ليس بالأبيض ولا بالآدم) وهو غلط وصوابه (ليس بالأبيض الأمهق)
ونقل صاحبنا أبو تيسير طارق أن الألباني قال في: السلسلة الضعيفة
رقم الحديث: 5414
الحديث: 5414 – (كان شديد البياض).
قال الألباني في ” السلسلة الضعيفة والموضوعة ” 11/ 693: (منكر) قال ابن كثير في “السيرة” من “البداية” (6/ 17): وقال يعقوب ابن سفيان: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن العلاء: حدثني عمرو بن الحارث: حدثني عبدالله بن سالم عن الزبيدي: أخبرني محمد بن مسلم عن سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة يصف رسول الله صلي الله عليه وسلم، فقال: … فذكره. وقال: “وهذا إسناد حسن، ولم يخرجوه”! كذا قال! وأقول: وأنى له الحسن، وإسحاق هذا؛ قال الحافظ في “التقريب”: “صدوق يهم كثيراً، وأطلق محمد بن عوف أنه يكذب”؟! ومحمد بن مسلم: هو الإمام الزهري. ثم إن الحديث منكر؛ فقد جاءت أحاديث كثيرة عن غير ما واحد من الصحابة في وصف النبي صلي الله عليه وسلم بأنه كان أبيض، وفي بعضها: أنه كا مشرباً بحمرة. وفي غيرها: أبيض ليس بالأبهق، وهو الكريه البياض كلون الجص، يريد أنه كان نير البياض؛ كما في “النهاية”، وليس في شيء منها أنه كان شديد البياض، وقد ذكر طائفة منها ابن كثير نفسه، وروى بعضها الترمذي في “الشمائل”؛ فانظر كتابي “مختصر الشمائل” (رقم 1،5،10،12).
وقال لكن أورده في الأدب المفرد وقال: حسن لغيره سند الحديث: 1155 حدثنا إسحاق بن العلاء قال حدثني عمرو بن الحارث قال حدثني عبد الله بن سالم عن الزبيدي قال أخبرني محمد بن مسلم عن سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ربعة وهو إلى الطول أقرب شديد البياض أسود شعر اللحية حسن الثغر أهدب أشفار العينين بعيد ما بين المنكبين مفاض الخدين يطأ بقدمه جميعا ليس لها أخمص يقبل جميعا ويدبر جميعا لم أر مثله قبل ولا بعد
قلت: عزاه في صحيح الأدب إلى الضعيفة تحت حديث 4164، والصحيحة 2095 وفيهما كثير من الألفاظ الواردة لكن ليس فيه (شديد البياض)
والحديث عزاه ابن حجر ليعقوب بن سفيان وقال إسناده قوي (روضة المحدثين) فلعله لم ينتبه لإسحاق بن العلاء مع أنه قال في التقريب: صدوق يهم كثيرا وأطلق محمد بن عوف أنه يكذب.
لكن ورد أنه شديد البياض من حديث شيخ من بني كنانه أخرجه أحمد 5/ 376 وهو في غاية المقصد حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ أَشْعَثَ، قَالَ: حَدَّثَنِى شَيْخٌ مِنْ بَنِى مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِسُوقِ ذِى الْمَجَازِ يَتَخَلَّلُهَا يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تُفْلِحُوا قَالَ: وَأَبُو جَهْلٍ يَحْثِى عَلَيْهِ التُّرَابَ، وَيَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ لاَ يَغُرَّنَّكُمْ هَذَا عَنْ دِينِكُمْ، فَإِنَّمَا يُرِيدُ لِتَتْرُكُوا آلِهَتَكُمْ وَتَتْرُكُوا اللاَّتَ وَالْعُزَّى، قَالَ: وَمَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قُلْنَا: انْعَتْ لَنَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: بَيْنَ بُرْدَيْنِ أَحْمَرَيْنِ، مَرْبُوعٌ كَثِيرُ اللَّحْمِ، حَسَنُ الْوَجْهِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ، أَبْيَضُ شَدِيدُ الْبَيَاضِ، سَابِغُ الشَّعْرِ.
وقلنا في تحقيقنا لمسند أحمد هو على شرط الذيل على الصحيح المسند قال الذهبي: إسناده قوي، وقال ابن كثير: كذا قال: أبو جهل، والظاهر أبو لهب.
– كذلك مما يقرر هنا ما ورد من بياض إبطيه.
-كذلك بياض فخذه، وفيه حديث أرسله صاحبنا أحمد بن عبدالعزيز، وهو في صحيح البخاري:
371 – عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر، فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس، فركب نبي الله صلى الله عليه وسلم وركب أبو طلحة، وأنا رديف أبي طلحة، فأجرى نبي الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر، وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم، ثم حسر الإزار عن فخذه حتى إني أنظر إلى بياض فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلما دخل القرية قال: ” الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم {فساء صباح المنذرين} [الصافات: 177] ” قالها ثلاثا، قال: وخرج القوم إلى أعمالهم، فقالوا: محمد، قال عبد العزيز: وقال بعض أصحابنا: والخميس – يعني الجيش – قال: فأصبناها عنوة، فجمع السبي، فجاء دحية الكلبي رضي الله عنه، فقال: يا نبي الله، أعطني جارية من السبي، قال: «اذهب فخذ جارية»، فأخذ صفية بنت حيي، فجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله، أعطيت دحية صفية بنت حيي، سيدة قريظة والنضير، لا تصلح إلا لك …. ) الحديث
——
ثالثا ـ تحديد اليوم الذي وُلد فيه:
لم يمكن المؤرخين تحديد اليوم والشهر والعام الذي ولد فيه على وجه الدقة؛ وأغلب الروايات تتجه إلى أن ذلك كان عام هجوم الأحباش على مكة سنة 570 م في الثاني عشر من ربيع الأول.
وأما اليوم فكان يوم الإثنين، عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم الاثنين فقال فيه ولدت وفيه أنزل عليَّ. رواه مسلم.
الذي يَعرف أحوال العرب ويعلم أنهم كانوا أمة أمية لم يكونوا يؤرخون بالأيام، بل كانوا يؤرخون بالأعوام، فيقولون: عام الفيل، وعام بناء الكعبة، وعام الحديبية، وعام حجة الوداع يعلم يقينًا أن تحديد يوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم من الشهر من غير طريق النقل الصحيح أمر صعب.
ذلكم أن العرب لم تكن لها سجلات تحصي فيها أسماء المواليد، بل لم يكن ذلك من همِّها، فكيف يُتصوَّر أنّ أحدًا من الناس حين وُلدَ النبي صلى الله عليه وسلم تفرَّس فيه أنه سيكون له شأن جلل، فضبط ذلك الحدث باليوم والشهر والسنة، فقد وُلد صلى الله عليه وسلم ولادةً عادية كما يولد سائر الناس، وما ورد من الخوارق التي صاحبت ولادتَه صلى الله عليه وسلم لا يصح منها شيء، وأما النور الذي رأته أمُّه وأضاءت له قصور بصرى بالشام فهو رؤيا منام، رأت ذلك حين حملت به صلى الله عليه وسلم.
وإذا نظرنا في هذه الأقوال المختلفة في تحديد يوم ولادته صلى الله عليه وسلم وجدنا أن أقربها إلى الواقع القول الذي صح عن محمد بن جبير بن مطعم رضي الله عنه، وذلك لأنه مؤيَّد بحسابات الفلكيين، فهو الذي رجحه الحافظ أبو بكر محمد بن موسى الخوارزمي وهو من كبارهم، قال: “كان قدوم الفيل مكة لثلاث عشرة ليلة بقيت من المحرم، يوم الأحد، وكان أوَّل المحرم من تلك السنة يوم الجمعة، وولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بخمسين يومًا يومَ الاثنين لثمان خلت من ربيع الأول، وذلك يوم عشرين من نيسان، وبعث نبيُّنا يوم الاثنين لثمانٍ خلت من ربيع الأول سنة إحدى وأربعين من عام الفيل، فكان من مولده إلى أن بعثه الله أربعون سنة ويوم، ومن مبعثه إلى أول المحرم من السنة التي هاجر فيها اثنتا عشرة سنة وتسعة أشهر وعشرون يومًا، وذلك ثلاث وخمسون سنة تامة من عام الفيل “.
واعتمد هذا القول الحافظ أبو الخطاب ابن دحية في كتابه: “التنوير في مولد البشير النذير”، ومال إلى تصحيح هذا القول الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في كتابه صحيح السيرة النبوية.
” انتهى منقول من بعض المواقع ”
—-
– وفاته:
ورد في إكمال المعلم بفوائد مسلم: والبخاري لما أورد حديث أنس (ثلاث وستين) قال: هذه أصح ممن قال ستين. كذا نقله صاحب كتاب
——
– سن الوحي:
نقل ابن الملقن أقوال وقال: فتحصلنا في السن على أقوال، اثنين وأربعين ونيف، اثنين وأربعين، ثلاث وأربعين.
وفي الشهر على ثلاثة أقوال: ربيع الأول، رمضان، رجب.
– النبي صلى الله عليه وسلم بعث لأربعين لكن لا يوجد دليل أن هذه هي السن الذي يبعث بها الأنبياء بدليل أن عيسى عليه الصلاة والسلام بعث وهو ابن ثلاث وثلاثين.
وكذلك الآية التي في الأحقاف إنما تدل أن سن النضج والأشد أربعين، فلا تدل على سن النبوة.
——-
ولننقل الآن النقولات التي نقلها صاحبنا احمد بن علي:
قال ابن عبدالبر في الاستذكار:
وأما قوله ليس بالطويل البائن فإنه ليس بالمشرف في الطول والمتفاوت في الشطاط الذي يكاد يضطرب من طوله وذلك عيب في الرجال والنساء يقول فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك.
والامهق الابيض الذي بياضه لا إشراق فيه كأنه البرص لا يخالطه شيء من الحمرة وذلك أيضا عيب
والادم الاسمر والادمة السمرة
والجعد القطط الذي شعره من شدة الجعودة كالمحترق يشبه شعور أهل الحبشة
والسبط المرسل الشعر الذي ليس في شعره شيء من التكسر فهو جعد رجل كأنه دهره قد رجل شعره بالمشط
أما قوله بعثه الله على رأس أربعين سنة فقد ذكرنا في التمهيد من تابع أنس بن مالك على ذلك من الصحابة وغيرهم ومن خالفهم فيه وذكرنا الاسانيد هناك عن ربيعة وعن كل من رواه عن أنس كروايته
وممن قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث على رأس أربعين كما قال أنس؛ أبو هريرة وقباث بن أشيم ومحمد بن جبير بن مطعم وعروة بن الزبير وعطاء الخرساني
وكذلك روى هشام بن حسان عن عكرمة عن بن عباس
وممن قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث على رأس ثلاث وأربعين بن عباس من رواية هشام الدستوائي عن عكرمة عن بن عباس وسعيد بن المسيب
رواه حماد بن زيد ويزيد بن هارون وجرير بن عبد الحميد كلهم عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال أنزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بن ثلاث وأربعين
هذه رواية عبيد الله بن عمر القواريري عن حماد بن زيد وافق يزيد بن هارون وجريرا في ذلك وخالفه محمد بن الفضل عارم عن حماد بن زيد على ما نذكره بعد إن شاء الله عز وجل
وقد ذكرنا الاسانيد بكل ما في هذا الباب عن من ذكرنا عنه فيه شيئا في التمهيد
وأما مكثه بمكة ففي قول أنس من رواية ربيعة ومن رواية أبي غالب أنه مكث بمكة عشر سنين
وكذلك روى أبو سلمة عن عائشة وبن عباس
وهو قول عروة والشعبي والحسن وبن شهاب وعطاء الخرساني وكان عروة ينكر قول من قال أقام بمكة ثلاث عشرة
وروى عكرمة وأبو حمزة وكريب وعمرو بن دينار كلهم عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بعد أن بعث ثلاث عشرة سنة
وهو الصحيح عن بن عباس
وهو قول سعيد بن المسيب وأبي جعفر محمد بن علي ويشهد له قول أبي قيس صرمة بن أبي أنس
(ثوى في قريش بضع عشرة حجة … يذكر لو يلقى صديقا مواتيا)
في أبيات قد ذكرتها في كتاب الصحابة
قال أبو عمر لا خلاف بين العلماء بالسير والاثار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد عام الفيل إذ ساقه الحبشة إلى مكة يغزون البيت
وقد ذكرنا كثيرا من أخباره وسيره في صدر كتاب الصحابة والحمد الله كثيرا. اهـ
قال الحافظ في الفتح:
قوله كان ربعة بفتح الراء وسكون الموحدة أي مربوعا والتأنيث باعتبار النفس يقال رجل ربعة وامرأة ربعة وقد فسره في الحديث المذكور بقوله ليس بالطويل البائن و? بالقصير والمراد بالطويل البائن المفرط في الطول مع اضطراب القامة وسيأتي في حديث البراء بعد قليل أنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم مربوعا ووقع في حديث أبي هريرة عند الذهلي في الزهريات بإسناد حسن كان ربعة وهو إلى الطول أقرب قوله أزهر اللون أي أبيض مشرب بحمرة وقد وقع ذلك صريحا في حديث أنس من وجه آخر عند مسلم وعند سعيد بن منصور والطيالسي والترمذي والحاكم من حديث علي قال كان النبي صلى الله عليه وسلم أبيض مشربا بياضه بحمرة وهو عند بن سعد أيضا عن علي وعن جابر وعند البيهقي من طرق عن علي وفي الشمائل من حديث هند بن أبي هالة أنه أزهر اللون قوله ليس بأبيض أمهق كذا في الاصول ووقع عند الداودي تبعا لرواية المروزي أمهق ليس بأبيض واعترضه الداودي وقال عياض إنه وهم قال وكذلك رواية من روى أنه ليس بالأبيض ولا الآدم ليس بصواب كذا قال وليس بجيد في هذا الثاني ?ن المراد أنه ليس بالأبيض الشديد البياض ولا بالآدم الشديد الادمة وإنما يخالط بياضه الحمرة والعرب قد تطلق على من كان كذلك أسمر ولهذا جاء في حديث أنس عند أحمد والبزار وبن منده بإسناد صحيح وصححه بن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أسمر وقد رد المحب الطبري هذه الرواية بقوله في حديث الباب من طريق مالك عن ربيعة ولا بالأبيض الامهق وليس بالآدم والجمع بينهما ممكن وأخرجه البيهقي في الدلائل من وجه آخر عن أنس فذكر الصفة النبوية قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض بياضه إلى السمرة وفي حديث يزيد الرقاشي عن بن عباس في صفة النبي صلى الله عليه وسلم رجل بين رجلين جسمه ولحمه أحمر وفي لفظ أسمر إلى البياض أخرجه أحمد وسنده حسن وتبين من مجموع الروايات أن المراد بالسمرة الحمرة التي تخالط البياض وأن المراد بالبياض
المثبت ما يخالطه الحمرة والمنفي ما لا يخالطه وهو الذي تكره العرب لونه وتسميه أمهق وبهذا تبين أن رواية المروزي أمهق ليس بأبيض مقلوبة والله أعلم على أنه يمكن توجيهها بأن المراد بالأمهق الاخضر اللون الذي ليس بياضه في الغاية و? سمرته و? حمرته فقد نقل عن رؤبة أن المهق خضرة الماء فهذا التوجيه يتم على تقدير ثبوت الرواية وقد تقدم في حديث أبي جحيفة إطلاق كونه أبيض وكذا في حديث أبي الطفيل عند مسلم وفي رواية عند الطبراني ما أنسى شدة بياض وجهه مع شدة سواد شعره وكذا في شعر أبي طالب المتقدم في الاستسقاء وأبيض يستسقى الغمام بوجهه وفي حديث سراقة عند بن إسحاق فجعلت أنظر إلى ساقه كأنها جمارة ولأحمد من حديث محرش الكعبي في عمرة الجعرانة أنه قال فنظرت إلى ظهره كأنه سبيكة فضة وعن سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة يصف النبي صلى الله عليه وسلم فقال كان شديد البياض أخرجه يعقوب بن سفيان والبزار بإسناد قوي والجمع بينهما بما تقدم وقال البيهقي يقال إن المشرب منه حمرة وإلى السمرة ما ضحى منه للشمس والريح وأما ما تحت الثياب فهو الابيض الازهر قلت وهذا ذكره بن أبي خيثمة عقب حديث عائشة في صفته صلى الله عليه وسلم بأبسط من هذا وزاد ولونه الذي لا يشك فيه الابيض الازهر وأما ما وقع في زيادات عبد الله بن أحمد في المسند من طريق علي أبيض مشرب شديد الوضح فهو مخالف لحديث أنس ليس بالأمهق وهو أصح ويمكن الجمع بحمل ما في رواية علي على ما تحت الثياب مما لا يلاقي الشمس والله أعلم. اهـ
قال الزرقاني ونقل كلام ابن حجر:
وتعقب بأن أنس لا يخفى عليه أمره حتى يصفه بغير صفته اللازمة له لقربه منه خاصة أنه ورد عن ابن عباس جسمه ولحمه احمر إلى البياض رواه أحمد بإسناد حسن
تنبيه: حديث محرش قلنا في تخريجنا لمسند أحمد: مزاحم لم يوثقه معتبر، كذا قلنا: لكن صاحبنا أبوصالح نقل أن الذهبي وثقه، وروى عنه الزهري وميمون بن مهران وقال عنه: ما رأيت في بيت خيرا من ثلاثة عمر بن عبدالعزيز وابنه عبدالملك ومولاهم مزاحم. وذكره ابن شاهين في الثقات
وحديث سراقه فيه مالك بن مالك بن جعشم قال ابن حجر: مقبول.
إنما ذكره ابن حبان في ثقاته.
وقال ابن حجر:
قوله وهو بن أربعين في رواية مالك على رأس أربعين وهذا إنما يتم على القول بأنه بعث في الشهر الذي ولد فيه والمشهور عند الجمهور أنه ولد في شهر ربيع الاول وأنه بعث في شهر رمضان فعلى هذا يكون له حين بعث أربعون سنة ونصف أو تسع وثلاثون ونصف فمن قال أربعين ألغى الكسر أو جبر لكن قال المسعودي وابن عبد البر إنه بعث في شهر ربيع الاول فعلى هذا يكون له أربعون سنة سواء وقال بعضهم: بعث وله أربعون سنة وعشرة أيام وعند الجعابي أربعون سنة وعشرون يوما وعن الزبير بن بكار أنه ولد في شهر رمضان وهو شاذ فإن كان محفوظا وضم إلى المشهور أن المبعث في رمضان فيصح أنه بعث عند إكمال الاربعين أيضا وأبعد منه قول من قال بعث في رمضان وهو ابن أربعين سنة وشهرين فإنه يقتضي أنه ولد في شهر رجب ولم أر من صرح به ثم رأيته كذلك مصرحا به في تاريخ أبي عبد الرحمن العتقي وعزاه للحسين بن علي وزاد لسبع وعشرين من رجب وهو شاذ.
ومن الشاذ أيضا ما رواه الحاكم من طريق يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بن ثلاث وأربعين وهو قول الواقدي وتبعه البلاذري وبن أبي عاصم وفي تاريخ يعقوب بن سفيان وغيره عن مكحول أنه بعث بعد ثنتين وأربعين قوله فلبث بمكة عشر سنين ينزل عليه مقتضى هذا أنه عاش ستين سنة وأخرج مسلم من وجه آخر عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم عاش ثلاثا وستين وهو موافق لحديث عائشة الماضي قريبا وبه قال الجمهور وقال الاسماعيلي لا بد أن يكون الصحيح أحدهما وجمع غيره بإلغاء الكسر وسيأتي بقية الكلام على هذا الموضع في الوفاة آخر المغازي إن شاء الله تعالى. اهـ
وفي بعض الفتاوى، وسألوا عن لبثه صلى الله عليه وسلم في مكة والمدينة؟
فكان الجواب كالتالي:
أولا:
المشهور الذي عليه جمهور أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة قبل النبوة أربعين سنة، وأقام بها بعد النبوة ثلاث عشرة سنة، وأقام بالمدينة بعد الهجرة عشر سنين، ومات وهو ابن ثلاث وستين سنة – صلى الله عليه وسلم.
قال النووي رحمه الله:
” وَاتَّفَقُوا أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ بَعْد الْهِجْرَة عَشْر سِنِينَ , وَبِمَكَّة قَبْل النُّبُوَّة أَرْبَعِينَ سَنَة , وَإِنَّمَا الْخِلَاف فِي قَدْر إِقَامَته بِمَكَّة بَعْد النُّبُوَّة , وَقبلَ الْهِجْرَة، وَالصَّحِيح أَنَّهَا ثَلَاث عَشْرَة , فَيَكُون عُمْره ثَلَاثًا وَسِتِّينَ , وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ بُعِثَ عَلَى رَاس أَرْبَعِينَ سَنَة هُوَ الصَّوَاب الْمَشْهُور الَّذِي أَطْبَقَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاء ” انتهى.
وهذا هو منطوق ما رواه البخاري (3902) ومسلم (2351) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: ” بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَرْبَعِينَ سَنَةً، فَمَكُثَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً يُوحَى إِلَيْهِ، ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ فَهَاجَرَ عَشْرَ سِنِينَ، وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ “.
وأما ما رواه البخاري (3547) ومسلم (2347) ـ أيضا ـ عن أَنَس بْن مَالِكٍ، يَصِفُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (كَانَ رَبْعَةً مِنْ الْقَوْمِ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ أَزْهَرَ اللَّوْنِ لَيْسَ بِأَبْيَضَ أَمْهَقَ وَلَا آدَمَ، لَيْسَ بِجَعْدٍ قَطَطٍ وَلَا سَبْطٍ رَجِلٍ، أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ، فَلَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَقُبِضَ وَلَيْسَ فِي رَاسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعَرَةً بَيْضَاءَ).
فللعلماء في الجمع بين الحديثين طرق:
الأولى: إلغاء الكسر في حديث أنس، وإثباته في حديث ابن عباس؛ فيكون حديث ابن عباس قد دقق في عد السنوات، وأما حديث أنس فقد اهتم بذكر العشرة (العقد)، ولم يعتن بنقل الكسر الزائد عليها، وهي طريقة للعرب، حيث كانت أمة أمية.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
” قَوْله: (فَلَبِثَ بِمَكَّة عَشْر سِنِينَ يَنْزِل عَلَيْهِ) مُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ عَاشَ سِتِّينَ سَنَة , وَأَخْرَجَ مُسْلِم مِنْ وَجْه آخَر عَنْ أَنَس ” أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاشَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ ” وَهُوَ مُوَافِق لِحَدِيثِ عَائِشَة الْمَاضِي قَرِيبًا وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُور , وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: لَا بُدّ أَنْ يَكُون الصَّحِيح أَحَدهمَا , وَجَمَعَ غَيْره بِإِلْغَاءِ الْكَسْر ” انتهى من ” فتح الباري ” (6/ 570).
وقال النووي:
” اتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ أَصَحّ الرّوايَات ثَلَاث وَسِتُّونَ … وَرِوَايَة سِتِّينَ اِقْتَصَرَ فِيهَا عَلَى الْعُقُود وَتَرْك الْكَسْر ” انتهى من ” شرح مسلم ” (15/ 99).
وقال ابن كثير رحمه الله بعد أن ذكر الاختلاف:
” وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ عَنْ أَنَسٍ، لِأَنَّ الْعَرَبَ كَثِيرًا مَا تَحْذِفُ الْكَسْرَ ” انتهى.
“البداية والنهاية” (5/ 257).
والذي يدل عليه أن كل من رُوى عنه من الصحابة ما يخالف المشهور جاء عنه رواية تضبط العدد، على حسب القول الآخر المشهور.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
” قَوْله: (لَبِثَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّة عَشْر سِنِينَ يَنْزِل عَلَيْهِ الْقُرْآن وَبِالْمَدِينَةِ عَشْر سِنِينَ) وَهَذَا ظَاهِره أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاشَ سِتِّينَ سَنَة، إِذَا اِنْضَمَّ إِلَى الْمَشْهُور أَنَّهُ بُعِثَ عَلَى رَاس الْأَرْبَعِينَ , لَكِنْ يُمْكِن أَنْ يَكُون الرَّاوِي أَلْغَى الْكَسْر كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي الْوَفَاة النَّبَوِيَّة , فَإِنَّ كُلّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ عَاشَ سِتِّينَ أَوْ أَكْثَر مِنْ ثَلَاث وَسِتِّينَ، جَاءَ عَنْهُ أَنَّهُ عَاشَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ.
فَالْمُعْتَمَد أَنَّهُ عَاشَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ , وَمَا يُخَالِف ذَلِكَ إِمَّا أَنْ يُحْمَل عَلَى إِلْغَاء الْكَسْر فِي السِّنِينَ , وَإِمَّا عَلَى جَبْر الْكَسْر فِي الشُّهُور ” انتهى من ” فتح الباري ” (9/ 4).
الطريقة الثانية: أن يحمل قول مَن قال: مكث ثلاث عشرة سنة، على أنه عدّ ذلك من أول نزول الوحي، وأما من قال: مكث عشرا، فقد عدّ من بعد فترة الوحي؛ فإن الوحي فَتَر زمنا، ثم حمي وتتابع.
قال ابن كثير رحمه الله:
” قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ: ” أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَتْ عَلَيْهِ النُّبُوَّةُ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَقُرِنَ بِنُبُوَّتِهِ إِسْرَافِيلُ ثَلَاثَ سِنِينَ، فَكَانَ يُعَلِّمُهُ الْكَلِمَةَ وَالشَّيْءَ، وَلَمْ يَنْزِلِ الْقُرْآنُ، فَلَمَّا مَضَتْ ثَلَاثُ سِنِينَ قُرِنَ بِنُبُوَّتِهِ جِبْرِيلُ فَنَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى لِسَانِهِ عِشْرِينَ سَنَةً عَشْرًا بِمَكَّةَ وَعَشْرًا بِالْمَدِينَةِ، فَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً.
قال ابن كثير: فَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إِلَى الشَّعْبِيِّ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ إِسْرَافِيلَ قُرِنَ مَعَهُ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ ثَلَاثَ سِنِينَ ثُمَّ جَاءَهُ جِبْرِيلُ ” انتهى من “البداية والنهاية” (3/ 4).
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (8/ 151):
” وَقَدْ جَمَعَ السُّهَيْلِيُّ بَيْن الْقَوْلَيْنِ الْمَحْكِيَّيْنِ بِوَجْهٍ آخَر , وَهُوَ أَنَّ مَنْ قَالَ: مَكَثَ ثَلَاث عَشْرَة عَدَّ مِنْ أَوَّل مَا جَاءَهُ الْمَلَك بِالنُّبُوَّةِ , وَمَنْ قَالَ: مَكَثَ عَشْرًا أَخَذَ مَا بَعْد فَتْرَة الْوَحْي وَمَجِيء الْمَلَك بِيَا أَيّهَا الْمُدَّثِّر ” انتهى.
وقال أيضا في الفتح (9/ 4):
” أَوْ أَنَّهُ عَلَى رَاس الْأَرْبَعِينَ قُرِنَ بِهِ مِيكَائِيل أَوْ إِسْرَافِيل، فَكَانَ يُلْقِي إِلَيْهِ الْكَلِمَة أَوْ الشَّيْء مُدَّة ثَلَاث سِنِينَ، كَمَا جَاءَ مِنْ وَجْه مُرْسَل , ثُمَّ قُرِنَ بِهِ جِبْرِيل فَكَانَ يَنْزِل عَلَيْهِ بِالْقُرْآنِ مُدَّة عَشْر سِنِينَ بِمَكَّة ” انتهى.
والله تعالى أعلم.
منقول
قلت سيف: قول أن ميكائيل أو إسرافيل قرن به لا يصح.