31 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة عبدالله الديني
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا )
——-‘——-‘——-
——-‘——-‘——-
——-‘——-‘——-
سنن الترمذي
31 – قال الامام الترمذي رحمه الله {ج7ص119}: حدثنا عبد الله بن الصباح الهاشمي حدثنا بدل بن المحبر حدثنا حرب بن ميمون الأنصاري أبو الخطاب حدثنا النضر بن أنس بن مالك عن أبيه قال
سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع لي يوم القيامة فقال أنا فاعل قال قلت يا رسول الله فأين أطلبك قال اطلبني أول ما تطلبني على الصراط قال قلت فإن لم ألقك على الصراط قال فاطلبني عند الميزان قلت فإن لم ألقك عند الميزان قال فاطلبني عند الحوض فإني لا أخطئ هذه الثلاث المواطن
هذا حديث حسن
………………………
قال الذهبي في إثبات الشفاعة إسناده جيد .
قوله (قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع لي يوم القيامة) أي الشفاعة الخاصة من بين هذه الأمة دون الشفاعة العامة (قلت يا رسول الله فأين أطلبك) قال الطيبي رحمه الله أي في أي موطن من المواطن التي أحتاج إلى شفاعتك أطلبك لتخلصني من تلك الورطة فأجاب على الصراط وعند الميزان والحوض أي أفقر الأوقات إلى شفاعتي هذه المواطن فإن قلت كيف التوفيق بين هذا الحديث وحديث عائشة فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة فقال صلى الله عليه وسلم أما في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحد أحدا
قلت جوابه لعائشة بذلك لئلا تتكل على كونها حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوابه لأنس كيلا ييأس انتهى
قال القارىء فيه أنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو محل الاتكال أيضا مع أن اليأس غير ملائم لها أيضا فالأوجه أن يقال إن الحديث الأول محمول على الغائبين فلا أحد يذكر أحدا من أهله الغيب والحديث الثاني محمول على من حضره من أمته انتهى (قال اطلبني أول ما تطلبني) أي في أول طلبك إياي (على الصراط) فما مصدرية وأول نصب على الظرفية
وقال الطيبي نصبه على المصدرية (قال فاطلبني عند الميزان) فيه إيذان بأن الميزان بعد الصراط (فإني لا أخطيء) بضم همز وكسر الطاء بعدها همز أي لا أتجاوز
والمعنى أني لا أتجاوز هذه المواطن الثلاثة ولا أحد يفقدني فيهن جميعهن فلا بد أن تلقاني في موضع منهن
والحديث يدل على أن الحوض بعد الصراط وإلى ذلك أشار البخاري في صحيحه
قال الحافظ في الفتح إيراد البخاري لأحاديث الحوض بعد أحاديث الشفاعة وبعد نصب الصراط إشارة منه إلى أن الورود على الحوض يكون بعد نصب الصراط والمرور عليه ثم ذكر حديث أنس بن مالك المذكور في هذا الباب ثم قال وقد استشكل كون الحوض بعد الصراط بما ثبت أن جماعة يدفعون عن الحوض بعد أن يكادوا يردون ويذهب بهم إلى النار
ووجه الإشكال أن الذي يمر على الصراط إلى أن يصل إلى الحوض يكون قد نجا من النار فكيف يرد إليها ويمكن أن يحمل على أنهم يقربون من الحوض بحيث يرونه ويرون النار فيدفعون إلى النار قبل أن يخلصوا من بقية الصراط
وقال أبو عبد الله القرطبي في التذكرة ذهب صاحب القوت وغيره إلى أن الحوض يكون بعد الصراط
وذهب آخرون إلى العكس
والصحيح أن للنبي صلى الله عليه وسلم حوضين أحدهما في الموقف قبل الصراط
والآخر داخل الجنة وكل منهما يسمى كوثر انتهى
وقد تعقب الحافظ على القرطبي في قوله والصحيح أن للنبي صلى الله عليه وسلم حوضين إلخ وبسط الكلام فيه . ” تحفة الاحوذي ” ( 7/101 )
قال الشيخ عبد العزيز الراجحي في شرح الطحاوية : ((مسألة: الحوض قبل الصراط أو بعد الصراط في هذه المسألة قولان للسلف في هذه المسألة قولان: أحدهما أن الحوض يورد بعد الصراط يعني: يكون المرور على الصراط أولا ثم بعد المرور على الصراط يورد الحوض واختار هذا الحافظ ابن حجر -رحمه الله- والسيوطي -رحمهما الله واحتج هؤلاء بحديث النضر بن أنس، فإن ظاهره يقتضي ذلك وذلك أن النضر قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشفع لي يوم القيامة قال: أنا فاعل قال: وأين أطلبك يا نبي الله؟ قال: اطلبني أول ما تطلبني عند الصراط قال: قلت: فإن لم ألقك على الصراط؟ قال: فأنا عند الميزان قال: قلت: فإن لم ألقك عند الميزان؟ قال: فأنا عند الحوض لا أخطئ هذه الثلاثة مواطن يوم القيامة).
وكذلك أيضا من أدلتهم حديث لقيط واقد بني المنتفق فإن فيه أنه قال في آخر الحديث: (فتطلعون على الحوض) يعني: بعد المرور على الصراط القول الثاني: أن الحوض يكون في الموقف قبل الصراط وهذا هو الصواب هذا هو الصحيح لما يأتي من الأدلة من الشرع والعقل، منها من أدلة هذه القول الأحاديث التي تدل على منع المرتدين على أعقابهم وأنهم يذادون عن الحوض كحديث أنس – رضي الله عنه – (ليردن علي ناس من أصحابي حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني فأقول: أصحابي، فيقال: لا تدري ما أحدثوا بعدك) ومنها حديث سهل بن سعد الأنصاري – رضي الله عنه – (إني فرطكم على الحوض من مر علي شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفونني، ثم يحال بيني وبينهم – وزاد أبو سعيد الخدري – رضي الله عنه – فأقول: إنهم من أمتي فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول: سحقا سحقا لمن غير بعدي).
فهذه الأحاديث تدل على أن الحوض يورد قبل الصراط من وجهين الأول: لو كان الورود على الصراط قبل الحوض لكان مثل هؤلاء المذادين الذين يذادون عن الحوض ويطردون لا يجاوزون الصراط؛ لأنهم إن كانوا كفارا فالكافر لا يجاوز الصراط بل يكب على وجهه في النار قبل أن يجاوزه وإن كانوا عصاة وهم من المسلمين، فهؤلاء وإن كانوا عصاة وهم من المسلمين فجازوا الصراط لم يشفع لهم في دخول النار أو عفا الله عنهم بدون شفاعة، وإن لم يكن شفاعة ولا عفو دخلوا النار ولبثوا فيها بقدر عصيانهم وحينئذ يلزم حجبهم عن الحوض مع أنهم من المسلمين وهذا بعيد حجبهم عن الحوض لا سيما وعليهم سيما الوضوء وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (أعرفهم غرا محجلين من أثر الوضوء).
الثاني: لو كان الورود على الصراط قبل الحوض للزم ألا يحجب عن الحوض أحد؛ لأن من جاوز الصراط لا يكون إلا ناج مسلم ومثل هذا لا يحجب عن الحوض، ومن الأدلة من العقل أن الناس يردون الموقف عطاشا فمن المناسب ورود المؤمنين الحوض قبل مرورهم على الصراط، وأما حديث النضر بن أنس الذي استدل به أهل القول الأول على أن الصراط يكون قبل الحوض يجاب عنه بأجوبة: منها: أن المراد بالحوض فيه حوض آخر يكون بعد الجواز على الصراط لا يذاد عنه أحد كما جاء في بعض الأحاديث كحديث لقيط بن عامر وفيه: (ثم ينصرف نبيكم وينصرف على أثره الصالحون فيسلكون جسرا من النار فيطأ أحدكم الجمر فيقول: حس يقول ربك عز وجل أو أنه ألا فتطلعون على حوض نبيكم على أظمأ -والله- ناهلة عليها قط ما رأيتها، فلعمر إلهك ما يبسط أحد منكم يده إلا وضع عليها قدح يطهره من الطوف والبول والأذى).
ثانيا: أن الحوض نفسه يمتد إلى ما وراء الجسر كما يفيده حديث لقيط هذا وأن المؤمنين إذا جاوزوا الصراط وقطعوه دنا لهم الحوض فشربوه منه فإنه ورد أن طوله شهر وعرضه شهر، فإذا كان بهذا الطول والسعة فما الذي يحيل امتداده إلى ما وراء الجسر، وعلى هذا فيرده المؤمنون مرتين مرة قبل الصراط ومرة بعده جمعا بين الأدلة وهذا في حيز الإمكان ووقوعه موقوف على خبر الصادق.
وهذا كلام العلامة ابن القيم -رحمه الله- في زاد المعاد يقول: إذا كان الحوض بهذه السعة طوله شهر مسافته شهر فهذا يدل على أنه يمتد وأنه طويل وأنه يكون ما وراء الجسر وأن الناس يردونه مرة قبل الصراط ومرة بعد المرور على الصراط، وجمع بعض أهل العلم فقال: إن للنبي صلى الله عليه وسلم حوضين: أحدهما في الموقف قبل الصراط والآخر داخل الجنة وهو الكوثر وكل منهما يسمى كوثرا، ولكن هذا لا يصلح جوابا عن حديث النضر؛ لأنه صرح أنه يوم القيامة وأجاب الحافظ ابن حجر -رحمه الله- عن هذا الجواب قال: وفيه نظر؛ لأن الكوثر نهر داخل الجنة وماؤه يصب في الحوض ويطلق على الحوض كوثرا لكونه يمد من نهر الكوثر.
وقال الحافظ أيضا: ظاهر الأحاديث أن الحوض بجانب الجنة لينصب فيه الماء من النهر الذي داخلها وهذا يدل على أن الحوض بعد الصراط؛ إذ لو كان قبل الصراط لحالت النار بينه وبين الماء الذي يصب من الكوثر فيه.
وأجاب الحافظ عن الأحاديث التي تدل على منع المرتدين على أعقابهم قال: وأما ما أورد عليه من أن جماعة يدفعون من الحوض بعد أن يروه ويذهب بهم إلى النار، فجوابه أنهم يقربون من الحوض بحيث يرونه ويرون الجنة فيدفعون في النار قبل أن يخلصوا من بقية الصراط، ولكن هذا تأويل بعيد.
وأجاب السيوطي عن إشكال يرد على القول أن الحوض يورد بعد الصراط قال: فإذا قيل: إذا خلصوا من الموقف دخلوا الجنة فلا يحتاجون إلى الشرب من الحوض، فالجواب بل هم محتاجون إلى ذلك؛ لأنهم محبوسون هناك لأجل المظالم فكان الشرب في موقف القصاص يعني: يكون الشرب على ما ذكر السيوطي بعد المرور على الصراط؛ لأنه ثبت أن المؤمنين إذا تجاوزوا الصراط حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار قيل: إنها طرف الصراط وقيل: إن الصراط خاص بالمؤمنين حتى يقتص بعضهم من البعض من الآخر المظالم التي بينهم، فإذا هذبوا ونقوا دخلوا الجنة.
قال السيوطي -رحمه الله-: يكون في هذا المكان يكون هو الحوض في هذا المكان، ولكن هذا أيضا بعيد؛ لأن هذا التأويل يرده الأحاديث الكثيرة التي صرحت بأنه يزاد عن الحوض أقوام قد ارتدوا على أعقابهم، وهذا يدل على أن الحوض في موقف الحساب لا في موقف قصاص المؤمنين بعضهم من بعض، وجمع بعض العلماء بين الأحاديث بجمع آخر وهو أنه يقع الشرب من الحوض قبل الصراط لقوم ويتأخر الشرب بعد الصراط لآخرين بحسب ما عليهم من الذنوب والأوزار حتى يهذبوا منها على الصراط، قال بعض أهل العلم: وهو جمع حسن القول، وعلى هذا الجمع يكون هناك حوضان حوض قبل الصراط وحوض بعده أو أن الحوض نفسه يمتد إلى ما وراء الجسر كما سبق هذا في الجواب عن حديث النضر.
هذه أقوال العلماء في الحوض هل قبل الصراط أو بعد الصراط ولكن يعني: الحافظ ابن حجر يقول: إنه الصراط وابن القيم -رحمه الله- يقول: لا مانع إذا صح الحديث يكون من وراء الجسر وبعض العلماء يقول: الناس محتاجون إلى أن يشربوا أيضا بعد الجسر.
لكن سماحة شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز -غفر الله له ورحمه وجمعنا به في الفردوس الأعلى- تنبه لأمر لم يتنبه له هؤلاء العلماء الذين قالوا إن الحوض قبل الصراط قال سماحة شيخنا -رحمه الله-: إن صحت الأخبار أنهم يردون بعد الصراط فهذا نهر يردونه في الجنة؛ لأن الصراط ممدود على متن جهنم يصعد الناس عليه إلى الجنة، فمن جاوز الصراط وصل إلى الجنة، والحوض في الأرض فلا يرجعون إلى الأرض مرة ثانية بعد صعودهم إلى الجنة يعني: كيف يكون الحوض بعد الصراط؟ الصراط ممدود على متن جهنم صعود يصعد الناس فيه من الأرض إلى السماء فإذا انتهوا وصلوا إلى الجنة ما فيه حوض هناك كيف وأين يكون الحوض؟ الحوض في موقف القيامة قبل الصراط قبل المرور على الصراط وهذا هو الذي تدل عليه الأحاديث وتدل على أنه، ويدل على ذلك أنه يذاد أقوام قد غيروا وبدلوا هذا يكون في موقف القيامة أما بعد المرور على الصراط انتهى الأمر، من سقط في النار سقط في النار، ومن تجاوز الصراط وصل إلى الجنة.
لكن السيوطي يقول: يكون في مكان قبل دخولهم الجنة لكن هذا بعيد والصواب الذي تدل عليه النصوص أن الحوض يكون قبل الصراط هذا هو الذي تدل عليه الأحاديث الصحيحة.
وهل الحوض قبل الميزان أو بعد الميزان؟ أيضا في المسألة قولان لأهل العلم: أحدهما: أن الميزان أسبق من الحوض حجة هذا القول ظاهر حديث النضر بن أنس فإنه قدم الميزان على الحوض الثاني: أن الحوض قبل الميزان، وهذا هو الراجح حجة هذا القول الأحاديث التي تدل على أنه يزاد عن الحوض أقوام قد ارتدوا على أعقابهم، فلو كان ورود الحوض بعد الميزان لما حجب عنه أقوام؛ لأن هؤلاء الذي خفت موازينهم يعرفون أنه لا سبيل لهم إلى الشرب من الحوض فلا يردونه إطلاقا.
ويدل على ذلك أيضا من العقل أن المعنى يقتضيه فإن الناس يخرجون من قبورهم عطاشا، فمن المناسب أن يكون الورود على الحوض قبل الميزان للحاجة الشديدة إلى الشرب فيقدم قبل الميزان.))