: 309 و 310 و 311 عبق الياسمين شرح رياض الصالحين
سلطان الحمادي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
39 – باب حق الجار والوصية بِهِ
قَالَ الله تَعَالَى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:36 [.
قال الراغب:” الجار من يقرب مسكنه منك” (المفردات للراغب 1/ 103)
واختلفوا في حد المجاورة، قال الشوكاني:” ولم يأت في الشرع ما يفيد أن الجار هو الذي بينه وبين جاره مقدار كذا، ولا ورد في لغة العرب أيضا ما يفيد ذلك” (فتح القدير للشوكاني 1/ 536) وإذا لم يأتي في الشرع و لا في اللغة، فالمرجع للعرف.
قال ابن علان:” باب حق الجار، أي: ما يستحقه (والوصية) من الشارع (به) وفي ذلك حصول الألف والتوادّ الذي به نظام المعاش والمعاد. وفي «المصباح»: الجار: المجاور في السكن والجمع جيران، وجاوره مجاورة وجواراً من باب قاتل والاسم الجوار بالضم: إذا لاصقه في السكن، وحكى ثعلب عن ابن الأعرابي الجار هو الذي يجاورك ببيت اهـ. وأما الجار شرعاً ففي الوصايا: لو أوصى لجيرانه دفع لأربعين داراً من كل جانب من الجوانب الأربعة.” (دليل الفالحين 1/ 504)
قال ابن باز: الجار له حق عظيم، فالواجب على الجيران فيما بينهم إكرام بعضهم بعضا، وعدم الإيذاء … ” (شرح رياض الصالحين 1/ 575)
قال ابن عثيمين:” قال المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ باب حق الجار والوصية به الجار: هو الملاصق لك في بيتك والقريب من ذلك، وقد وردت بعض الآثار بما يدل على أن الجار أربعون داراً كل جانب، ولا شك أن الملاصق للبيت جار، وأما ما وراء ذلك فإن صحت الأخبار بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فالحق ما جاءت به، وإلا فإنه يرجع في ذلك إلى العرف، فما عدّه الناس جوارا فهو جوار.” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 176)
قوله (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) يأمر تبارك وتعالى بعبادته وحده لا شريك له; فإنه هو الخالق الرازق المنعم المتفضل على خلقه في جميع الآنات والحالات، فهو المستحق منهم أن يوحدوه، ولا يشركوا به شيئا من مخلوقاته، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ: ” أتدري ما حق الله على العباد؟ ” قال: الله ورسوله أعلم. قال: ” أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا “، ثم قال: ” أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟ ألا يعذبهم (تفسير ابن كثير) قال السعدي:” يأمر تعالى عباده بعبادته وحده لا شريك له، وهو الدخول تحت رق عبوديته، والانقياد لأوامره ونواهيه، محبة وذلا وإخلاصا له، في جميع العبادات الظاهرة والباطنة. وينهى عن الشرك به شيئا لا شركا أصغر ولا أكبر، لا ملكا ولا نبيا ولا وليا ولا غيرهم من المخلوقين الذين لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، بل الواجب المتعين إخلاص العبادة لمن له الكمال المطلق من جميع الوجوه، وله التدبير الكامل الذي لا يشركه ولا يعينه عليه أحد.” (تفسير السعدي)
قوله (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) ثم أوصى بالإحسان إلى الوالدين، فإن الله، سبحانه جعلهما سببا لخروجك من العدم إلى الوجود، وكثيرا ما يقرن الله، سبحانه، بين عبادته والإحسان إلى الوالدين، كقوله: (أن اشكر لي ولوالديك) [لقمان: 14] وكقوله: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) [الإسراء: 23]. (ابن كثير) قال السعدي:” ثم بعد ما أمر بعبادته والقيام بحقه أمر بالقيام بحقوق العباد الأقرب فالأقرب. فقال: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} أي: أحسنوا إليهم بالقول الكريم والخطاب اللطيف والفعل الجميل بطاعة أمرهما واجتناب نهيهما والإنفاق عليهما وإكرام من له تعلق بهما وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا بهما. وللإحسان ضدان، الإساءةُ وعدمُ الإحسان. وكلاهما منهي عنه. (تفسير السعدي)
قوله (وَبِذِي الْقُرْبَى) ثم عطف على الإحسان إلى الوالدين الإحسان إلى القرابات من الرجال والنساء، كما جاء في الحديث: ” الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم صدقة وصلة “. (ابن كثير) قال السعدي:” {وَبِذِي الْقُرْبَى} أيضا إحسانا، ويشمل ذلك جميع الأقارب، قربوا أو بعدوا، بأن يحسن إليهم بالقول والفعل، وأن لا يقطع برحمه بقوله أو فعله.” (التفسير)
ثم قال (واليتامى) وذلك لأنهم قد فقدوا من يقوم بمصالحهم، ومن ينفق عليهم، فأمر الله بالإحسان إليهم والحنو عليهم. (ابن كثير) قال السعدي:” {وَالْيَتَامَى} أي: الذين فقدوا آباءهم وهم صغار، فلهم حق على المسلمين، سواء كانوا أقارب أو غيرهم بكفالتهم وبرهم وجبر خواطرهم وتأديبهم، وتربيتهم أحسن تربية في مصالح دينهم ودنياهم.” (التفسير)
ثم قال: (والمساكين) وهم المحاويج من ذوي الحاجات الذين لا يجدون ما يقوم بكفايتهم، فأمر الله بمساعدتهم بما تتم به كفايتهم وتزول به ضرورتهم. (ابن كثير) قال السعدي:” وَالْمَسَاكِين} وهم الذين أسكنتهم الحاجة والفقر، فلم يحصلوا على كفايتهم، ولا كفاية من يمونون، فأمر الله تعالى بالإحسان إليهم، بسد خلتهم وبدفع فاقتهم، والحض على ذلك، والقيام بما يمكن منه.” (تفسير ابن كثير)
قوله تعالى (والجار ذي القربى) أي: ذي القرابة (البغوي) قال السعدي:” {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} أي: الجار القريب الذي له حقان حق الجوار وحق القرابة، فله على جاره حق وإحسان راجع إلى العرف” (تفسير السعدي) قال القرطبي:” فالوصاة بالجار مأمور بها مندوب إليها مسلما كان أو كافرا، وهو الصحيح. والإحسان قد يكون بمعنى المواساة، وقد يكون بمعنى حسن العشرة وكف الأذى والمحاماة دونه ” (تفسير القرطبي 5/ 184)
(والجار الجنب) أي: البعيد الذي ليس بينك وبينه قرابة. (البغوي) قال السعدي:” {الْجَارِ الْجُنُبِ} أي: الذي ليس له قرابة. وكلما كان الجار أقرب بابًا كان آكد حقًّا، فينبغي للجار أن يتعاهد جاره بالهدية والصدقة والدعوة واللطافة بالأقوال والأفعال وعدم أذيته بقول أو فعل.
قوله تعالى (والصاحب بالجنب) يعني: الرفيق في السفر، قاله ابن عباس رضي الله عنهما وجماعة وعكرمة وقتادة، وقال علي وعبد الله والنخعي: هو المرأة تكون معه إلى جنبه، وقال ابن جريج وابن زيد: هو الذي يصحبك رجاء نفعك. (البغوي) قال السعدي:” {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} قيل: الرفيق في السفر، وقيل: الزوجة، وقيل الصاحب مطلقا، ولعله أولى، فإنه يشمل الصاحب في الحضر والسفر ويشمل الزوجة. فعلى الصاحب لصاحبه حق زائد على مجرد إسلامه، من مساعدته على أمور دينه ودنياه، والنصح له؛ والوفاء معه في اليسر والعسر، والمنشط والمكره، وأن يحب له ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه، وكلما زادت الصحبة تأكد الحق وزاد.” (تفسير السعدي)
(وابن السبيل) قيل: هو المسافر لأنه ملازم للسبيل، والأكثرون: على أنه الضيف (البغوي) قال السعدي:” {وَابْنَ السَّبِيلِ} وهو: الغريب الذي احتاج في بلد الغربة أو لم يحتج، فله حق على المسلمين لشدة حاجته وكونه في غير وطنه بتبليغه إلى مقصوده أو بعض مقصوده [وبإكرامه وتأنيسه]
وقوله: (وما ملكت أيمانكم) وصية بالأرقاء ; لأن الرقيق ضعيف الحيلة أسير في أيدي الناس، ولهذا ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يوصي أمته في مرض الموت يقول: ” الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم “. فجعل يرددها حتى ما يفيض بها لسانه. (ابن كثير) قال السعدي:” {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}: أي: من الآدميين والبهائم بالقيام بكفايتهم وعدم تحميلهم ما يشق عليهم وإعانتهم على ما يتحملون، وتأديبهم لما فيه مصلحتهم.
قال ابن باز في تعليقه على الآية:” يعني: أوصى بالإحسان إلى الجار ذي القربى والجار الجنب، الجار القريب والجار البعيد، الجنب الجار البعيد، فالجار القريب إذا كان مسلماً له ثلاثة حقوق ثلاثة، حق الإسلام، وحق الجوار، وحق القرابة، وإذا كان مسلماً وليس بقريب له حقان، حق الجوار وحق الاسلام، وإذا كان كافراً وهو قريب له حقان، حق الجوار وحق القرابة، وإن كان كافراً وليس بقريب له حق واحد حق الجرار، فالجار له شأن، فالواجب إكرامه والإحسان إليه، وكف الأذى عنه” (شرح رياض الصالحين لاباز)
309 – وعن ابنِ عمرَ وعائشةَ رضي اللَّه عنهما قَالا: قَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالجارِ حتَّى ظَنَنتُ أَنَّهُ سيُوَرِّثُهُ” متفقٌ عَلَيهِ.
روى الإمام أحمد عن رجلٍ من الأنْصار قال: خرجتُ مع أهْلي أريدُ النبيَّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإذا أنا بِه قائمٌ، وإذا رجلٌ مقْبِلٌ عليه، فظنَنْتُ أنَّ لهما حاجةً، فجلستُ، فوالله لقد قامَ رسولُ الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – حتى جعلتُ أرْثي لهُ مِنْ طولِ القِيامِ، ثُمَّ انْصرَف، فقُمْتُ إليه، فقلتُ: يا رسولَ الله! لقد قامَ بكَ هذا الرجلُ حتى جعلتُ أرْثي لك مِنْ طولِ القِيامِ. قال: “أتدْري مَنْ هذا؟ “.قلتُ: لا. قال: [ذاك] جبريلُ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ما زالَ يوصيني بالجارِ حتى ظَنَنْتُ أنَّه سيُوَرِّثُه، أَمَا إنَّك لو سلِّمْتَ عليه لَردَّ عليكَ السلامَ”. (صحيح الترغيب 2572)
وكذاك الصحابة ظنوا كما ظن النبي صلى الله عليه وسلم، روى الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وهو على ناقَتِه الجَدعاءِ في حِجَّةِ الوَداعِ يقول:”أوصيكُم بالجَارِ”، حتَّى أكْثَر، فقلتُ: إنَّه يوَرِّثُهُ. 2573صحيح الترغيب
روى أبوداود والترمذي عن مجاهد: أنَّ عبدَ الله بنَ عَمْرو رضي الله عنهما ذُبِحَتْ لهُ شاةٌ في أهْلِهِ، فلمَّا جاءَ قال: أهْدَيْتُم لِجارِنا اليَهودِيَّ، أهْديْتُم لِجارِنا اليَهوديِّ؟ سمعتُ رسولَ الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يقول:”ما زال جبريلُ يوصيني بالجَارِ حتى ظنَنْتُ أنَّه سيُوَرِّثُهُ”. (الصحيحة 282 و 1803)
قال القرطبي:” الجار يقال على المجاور في الدار، وعلى الداخل في الجوار، وكل واحد منهما له حق، ولا بد من الوفاء به” (المفهم 6/ 610)
قال ابن حجر:” اسم الجار يشمل المسلم، والكافر، والعابد، والفاسق، والصديق، والعدو، والغريب، والبلدي، والنافع، والضار، والقريب، والأجنبي، والأقرب دارا، والأبعد، وله مراتب، بعضها أعلى من بعض، فأعلاها من اجتمعت فيه الصفات الأول كلها، ثم أكثرها، وهلم جرا إلى الواحد، وعكسه من اجتمعت فيه الصفات الأخرى كذلك، فيعطى كل حقه بحسب حاله، وقد تتعارض صفتان فأكثر، فيرجح، أو يساوى.” (فتح الباري 10/ 441)
قال أيضا:” قد حمله عبد الله بن عمرو أحد من روى الحديث على العموم، فأمر لما ذبحت له شاة أن يهدى منها لجاره اليهودي، أخرجه البخاري في “الأدب المفرد”، والترمذي، وحسنه. وقد وردت الإشارة إلى ما ذكر في حديث مرفوع، أخرجه الطبراني من حديث جابر – رضي الله عنه -، رفعه: “الجيران ثلاثة: جار له حق، وهو المشرك، له حق الجوار، وجار له حقان، وهو المسلم، له حق الجوار، وحق الإسلام، وجار له ثلاثة حقوق، مسلم له رحم، له حق الجوار والإسلام والرحم” (ضعيف، راجع: “السلسلة الضعيفة” رقم (3493).
(فتح الباري 10/ 441)
وقال القرطبي:” لما أكد جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم حق الجوار، وكثر عليه من ذلك، غلب على ظن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله سيحكم بالميراث بين الجارين. وهذا يدلّ على أن هذا الجار هنا هو جار الدار، لأنَّ الجار بالعهد قد كان من أول الإسلام يرث، ثم نسخ ذلك، كما تقدَّم، فإن كان هذا القول صدر من النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر، فقد كان التوارث مشروعا، فمشروعيته واقعة محققة غير منتظرة، ولا مظنونة، وإن كان بعد ذلك فرفع ذلك الحكم ونسخه محقق، فكيف تظن مشروعيته؟! فتعين أن المراد بالجوار في هذا الحديث هو جوار الدار” (المفهم 6/ 611)
قوله (سيورثه) قال ابن عثيمين:” أي سينزل الوحي بتوريثه، وليس المعنى أن جبريل يشرع توريثه؛ لأن جبريل ليس له حق في ذلك، لكن المعنى أنه سينزل الوحي الذي يأتي به جبريل بتوريث الجار، وذلك من شدة إيصاء جبريل به النبي صلى الله عليه وسلم.” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 177)
قال ابن حجر:” اختلف في المراد بهذا التوريث، فقيل: يجعل له مشاركة في المال بفرض سهم يعطاه مع الأقارب، وقيل: المراد: أن ينزل منزلة من يرث في البر والصلة، والأول أظهر، فإن الثاني استمر، والخبر مشعر بأن التوربث لم يقع، ويؤيده ما أخرجه البخاري من حديث جابر – رضي الله عنه – نحو حديث الباب بلفظ: “حتى ظننت أنه يجعل له ميراثا”. وقال ابن أبي جمرة: الميراث على قسمين: حسي، ومعنوي، فالحسي هو المراد هنا، والمعنوي ميراث العلم، ويمكن أن يلحظ هنا أيضا، فإن حق الجار على الجار أن يعلمه ما يحتاج إليه، والله أعلم.” (فتح الباري 10/ 441)
بيان التشديد في حق الجار، حتى إنه – صلى الله عليه وسلم – من كثرة وصية جبريل -عليه السلام- به ظن أنه سيجعله من جملة الورثة. قال ابن عبد البر -رحمه الله-: في هذا الحديث الحض على بر الجار، وإكرامه، وقد ثبت عنه – صلى الله عليه وسلم – قوله: “ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره”، والله -عز وجل- قد أوصى بالجار ذي القربى، والجار الجنب. (التمهيد 21/ 41)
قال ابن حجر:” قال بن أبي جمرة يستفاد من الحديث أن من أكثر من شيء من أعمال البر يرجى له الانتقال إلى ما هو أعلى منه وأن الظن إذا كان في طريق الخير جاز ولو لم يقع المظنون بخلاف ما إذا كان في طريق الشر وفيه جواز الطمع في الفضل إذا توالت النعم وفيه جواز التحدث بما يقع في النفس من أمور الخير” (فتح الباري 10/ 442)
قال بن أبي جمرة: حفظ الجار من كمال الإيمان، وكان أهل الجاهلية يحافظون عليه، ويحصل امتثال الوصية به بإيصال ضروب الإحسان إليه بحسب الطاقة، كالهدية، والسلام، وطلاقة الوجه عند لقائه، وتفقد حاله، ومعاونته فيما يحتاج إليه، إلى غير ذلك، وكف أسباب الأذى عنه على اختلاف أنواعه، حسية كانت، أو معنوية، وقد نفى – صلى الله عليه وسلم – الإيمان عمن لم يأمن جاره بوائقه، كما في الحديث الذي يليه، وهي مبالغة تنبئ عن تعظيم حق الجار، وأن إضراره من الكبائر” (بهجة النفوس شرح مختصر صحيح البخاري لابن أبي جمرة الأندلسي)
قال الأتيوبي:” بيان شدة عناية الشريعة الإسلامية بالمحافظة على حقوق الجوار، وهو من الأمور التي يستحسنها العقل، ولو لم يرد بها الشرع، ولذا كان أهل الجاهلية يتفاخرون بها، قال ابن عبد البر: وذكر مالك عن أبي حازم بن دينار، أنه قال: كان أهل الجاهلية أبر بالجار منكم، وهذا قائلهم يقول [من الكامل]:
ناري ونار الجار واحدة … وإليه قبلي ينزل القدر
ما ضر جار ألا أجاوره … ألا يكون لبابه ستر
أعمى إذا ما جارتي برزت … حتى يواري جارتي الخدر (البحر المحيط الثجاج 41/ 139)
قال ابن باز:” ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه من كثرة الوصية بالجار عن الله عزوجل لأن بالإحسان إليه تصفو القلوب ويحصل التعاون على البر والتقوى بين الجيران ويتعاون على الخير، وإذا حصلت القطيعة والأذى تعبت القلوب وحصلت الوحشة والشرور” (شرح رياض الصالحين لابن باز 1/ 575)
310 – وعن أَبي ذرٍّ رضي اللَّه عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “يَا أَبَا ذَرٍّ إِذا طَبَخْتَ مَرَقَةً، فَأَكْثِرْ مَاءَها، وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ” رواه مسلم.
وفي رواية لَهُ عن أَبي ذر قَالَ: إنّ خليلي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَوْصَانِي: “إِذا طبخْتَ مَرَقاً فَأَكْثِرْ مَاءَهُ ثُمَّ انْظُرْ أَهْلَ بَيْتٍ مِنْ جِيرانِكَ، فَأَصِبْهُمْ مِنْهَا بِمعْرُوفٍ”.
روى الإمام أحمد أن رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” يَا نِسَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ، لَا تَحْقِرَنَّ إِحْدَاكُنَّ لِجَارَتِهَا وَلَوْ كُرَاعُ شَاةٍ مُحْرَقٌ.
روى الطبراني عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:”ما آمنَ بي مَنْ باتَ شَبْعاناً وجارُه جائعٌ إلى جَنْبِه وهو يعلَمُ” (صحيح الترغيب 2561
روى الأصبهاني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -“كمْ مِنْ جارٍ مُتعلِّق بجارِه يقولُ: يا ربِّ! سَلْ هذا: لمَ أغْلقَ عني بابَهُ، ومَنَعني فَضْلَهُ؟! “. (صحيح الترغيب 2654)
وقوله: (مرقة) “المرق” بفتحتين: هو الذي يؤتدم به، واحدته مرقة. (تاج العروس ص 6582.) قال ابن علان:” هو الماء الذي طبخ فيه اللحم ونحوه، وتوضحها رواية ابن أبي شيبة من حديث جابر مرفوعاً «إذا طبختم اللحم فأكثروا المرق فإنه أوسع وأبلغ بالجيران» (صحيح الجامع 677) (دليل الفالحين 1/ 506)
قوله: (فأكثر ماءها) قال القرطبي:” هذا الأمر على جهة الندب، والحض على مكارم الأخلاق، وإرشاد إلى محاسنها، لما يترتب عليه من المحبة، وحسن العشرة والألفة، ولما يحصل به من المنفعة، ودفع الحاجة والمفسدة، فقد يتأذى الجار بقتار قدر جاره، وعياله وصغار ولده، ولا يقدر على التوصل إلى ذلك، فتهيج من ضعفائهم الشهوة، ويعظم على القائم عليهم الألم والكلفة، وربما يكون يتيما، أو أرملة ضعيفة، فتعظم المشقة، ويشتد منهم الألم والحسرة، وكل ذلك يندفع بتشريكهم في شيء من الطبيخ يُدفع إليهم، فلا أقبح من منع هذا النذر اليسير الذي يترتب عليه هذا الضرر الكبير. (المفهم 6/ 611) “القتار”: دخان ذو رائحة خاصّة ينبعث من الشِّواء أو الطبيخ.
وقال أيضا:” فيه تنبيه لطيف على تيسير الأمر على البخيل؛ إذ الزيادة المأمور بها إنما هي فيما ليس له ثمن، وهو الماء، ولذلك لم يقل: إذا طبخت مرقة، فأكثر لحمها، أو طبيخها؛ إذ لا يسهل ذلك على كل أحد. (المفهم)
قال ابن علان:” (فأكثر ماءها) ليكثر الائتدام بها، فإن المراد بها إساغة الخبز وتليينه، وذلك يستوي فيه ضيق المرقة وواسعها”
قال ابن عثيمين:” أكثر ماءها يعني زدها في الماء لتكثر وتوزع على جيرانك منها، والمرقة عادة تكون من اللحم أو من غيره مما يؤتدم به، وهكذا أيضاً إذا كان عندك غير المرق، أو شراب كفضل اللبن مثلاً، وما أشبهه ينبغي لك أن تعاهد جيرانك به؛ لأن لهم حقاً عليك.” (شرح رياض الصالحين 3/ 177)
(تعاهد جيرانك) وقال الفيومي -رحمه الله-: تعهدت الشيء: ترددت إليه، وأصلحته، وحقيقته: تجديد العهد به، وتعهدته: حفظته
والمعنى هنا: تفقد (جيرانك”) وجدد عهدك بالإهداء إليهم، والجيران بكسر الجيم: جمع جار، وهو المجاور، يعني: تفقدهم بزيادة طعامك، وتجديد عهدك بذلك، لتحفظ به حق الجوار، قال ابن الملك: إنما أمره بإكثار الماء في مرقة الطعام حرصا على إيصال نصيب منه إلى الجار، وإن لم يكن لذيذا (“مرقاة المفاتيح” 4/ 371)
قال ابن علان ” (وتعاهد) ندباً (جيرانك) أي بالإحسان إليهم وفعل البرّ معهم، وفي التعبير بالتعاهد الموضوع للمشاركة في الفعل: أي: إلى طلب ذلك من كل الجيران مع الباقين”
قوله وفي رواية لَهُ عن أَبي ذر قَالَ: إنّ خليلي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَوْصَانِ الخ .. (رواها الدارامي 2124)
(عن أبي ذر قال: إن خليلي) قال ابن علان:” لا ينافيه حديث: «لو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر» لأن الذي لم يكن اتخاذ النبي غير ربه خليلاً، أما اتخاذ غيره إياه خليلاً فلا، ومثله حديث أبي هريرة «أوصاني خليلي بثلاث: أن لا أنام قبل أن أوتر» الحديث ” (دليل الفالحين 1/ 506) فيه نصح الأحبه والوصيه بينهم.
قال ابن علان:” وفي قوله بمعروف إيماء إلى أنه ينبغي أن يكون المرسل به إلى الجيران شيئاً به نفع في الائتدام، فإن لم يتيسر إلا القليل فليهده ولا يحتقره ففي الحديث «لا تحقرن منا لمعروف شيئاً» ويكون المهدى إليه مأموراً بقبوله ذلك والمكافأة عليه ولو بالشكر، فإنه وإن كان قليلاً دليل على تعلق قلب المهدي بجاره.” (دليل الفالحين 1/ 506
قال ابن باز: يعني: جيرانه الفقراء والمحاويج يتعاهدهم بما يتيسر من مرقة وما هو أعظم منها، الجيران يختلفون، قد يحتاج المرقة، قد يحتاج للتمرات، قد يحتاج للريال والريالين، الجيران أنواع فإن كان غنياً أكثر معه بحسن الجوار والكلام الطيب وكف الأذى، وإن كان فقيراً ساعده أيضاً مع حسن الجوار، الكرامة، طيب الكلام، يساعده بما يتيسر من الطعام والماء، هكذا يكون الجيران، يكون بينهم التعاون التواصي بالحق والسيرة الحميدة والتزاور إلى غير هذا من وجوه الخير، وإذا كانت البغضاء حصل شر كبير؛
قال ابن عثيمين:” ففيه أن على الإنسان إذا وسّع الله عليه برزق، أن يصيب منه جاره بعض الشيء بالمعروف،” (شرح رياض الصالحين 3/ 177)
311 – وعن أَبي هريرة رضي اللَّه عنه أَن النَّبيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “واللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، واللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ،”قِيلَ: منْ يارسولَ اللَّهِ؟ قَالَ:”الَّذي: لاَ يامنُ جارُهُ بَوَائِقَهُ،” مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية لمسلمٍ:”لا يَدْخُلُ الجنَّة مَنْ لاَ يامنُ جارُهُ بوَائِقهُ “.
روى أبو يعلى من رواية ابن إسحاق عن أنس رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يقول:”ما هو بِمؤْمِنٍ منْ لَمْ يامَنْ جارُه بوائِقَهُ”. (صحيح الترغيب 2552)
روى الأمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رجلٌ: يا رسول الله! إنَّ فلانة يُذكرُ مِنْ كثرةِ صلاتِها وصدَقَتِها وصِيامِها، غيرَ أنَّها تُؤذي جيرانَها بِلِسانِها. قال:”هيَ في النارِ”. قال: يا رسولَ الله! فإنَّ فلانَةَ يُذكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيامِها وصَدَقتها وصَلاتِها، وأنَّها تَتَصدَّقُ بالأثْوارِ مِنَ الأقِط، ولا تُؤْذي جيرانَها بلسانها. قال:”هي في الجَنَّةِ”. (صحيح الترغيب 2560)
روى الطبراني عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: جاءَ رجلٌ إلى رسولِ الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يشكو جارَهُ. قال: “اطْرَحْ متاعَك على الطريقِ”. فطَرحَهُ، فجعلَ الناسُ يَمرُّون عليه ويلْعَنونَهُ، فجاءَ إلى النبيِّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فقال: يا رسولَ الله! ما لقيتُ منَ الناسِ. قال: “وما لقيتَ منهم؟ “. قال: يَلْعَنُونَني. قال: “قد لَعنكَ الله قَبْلَ الناسِ”، فقال: إنِّي لا أعودُ، فجاء الذي شكاهُ إلى النبيُ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: ارْفَعْ مَتاعَك فقد كُفِيتَ. (صحيح الترغيب 2558)
وروى أبوداود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رَجلٌ إلى رسولِ الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يشكو جارَه، فقال له: اذهبْ فاصْبِرْ”.فأتاه مرَّتين أوْ ثلاثاً؛ فقال: اذهَبْ فاطْرَحْ متاعَك في الطريقِ”.فَفَعل، فجعلَ الناسُ يمرُّون ويسْأَلونَه، فيُخْبِرُهمِ خَبَر جارِه، فجعَلُوا يَلْعَنونَهُ: فعلَ الله به وفَعلَ، وبعضُهم يدْعُو عليهِ. فجاءَ إليْهِ جارُه فقال: ارْجع فإنَّك لَنْ ترى منِّي شيئاً تكْرَهُه. (صحيح الترغيب 2559)
روى الطبراني في المعجم الكبير عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا قَلِيلَ مِنْ أَذَى الْجَارِ» أي أذى الجار كله كثير أو كبير.
وجاء في الأدب المفرد عن أبي عامر الحمصي قال: كان ثوبان يقول: ” ما من رجلين يتصارمان فوق ثلاثة أيام، فيهلك أحدهما، فماتا وهما على ذلك من المصارمة، إلا هلكا جميعا، وما من جار يظلم جاره ويقهره، حتى يحمله ذلك على أن يخرج من منزله، إلا هلك”.
روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال:
وأحْسِنْ إلى جارِكَ تكُنْ مُؤْمِناً ” (صحيح الترغيب 2349)
وجاء في الصحيحة 2998 إن كنتم تحبون أن يحبكم الله ورسوله فحافظوا على ثلاث خصال: صدق الحديث، وأداء الأمانة، وحسن الجوار “.
أما ما يتعلق بحديث الباب فقد ذكر أحد المحققين: أن مسلم لم يروه إلا بهذا اللفظ ففي عبارة المؤلف إيهام أنه قد أخرجه باللفظ الذي قبله أيضا.
“الْبَوائِقُ”الْغَوَائِل وَالشُّرُّورُ.
(واللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ) جاء في رواية البخاري أنه قالها ثلاث مرات، قال ابن حجر:” ووقع عند أحمد (والله لا يؤمن ثلاثا) وكأنه اختصار من الراوي ” (فتح الباري) قال ابن علان:” فيه الحلف من غير استحلاف وتكراره لتأكيد الأمر وهو لذلك مستحبّ” (دليل الفالحين 1/ 506)
(قِيلَ: منْ يارسولَ اللَّهِ) في راوية البخاري بالواو (ومن يا رسول الله) قال ابن حجر:” هذه الواو يحتمل أن تكون زائدة أو استئنافية أو عاطفة على شيء مقدر أي: عرفنا ما المراد مثلا ومن المحدث عنه،” (فتح الباري)
قال ابن حجر:” وذكره المنذري في ترغيبه بلفظ: ” قالوا: يا رسول الله، لقد خاب وخسر من هو؟ “، وعزاه للبخاري وحده، وما رأيته فيه بهذه الزيادة ولا ذكرها الحميدي في الجمع” (فتح الباري)
قال الألباني:” قلت: لكن ليس عنده “خاب وخسر”، وأنا أظن أن المؤلف دخل عليه حديث في حديث، فقد جاءت هذه الزيادة في حديث أبي ذر المتقدم في (18 – اللباس/ 2). وكذلك أخرجه أحمد (4/ 31 و6/ 385)، وعنده: “قالوا: وما بوائقه؟ ” (صحيح الترغيب 2551)
قال ابن حجر:” تنبيه): في المتن جناس بليغ وهو من جناس التحريف، وهو قوله: ” لا يؤمن “، ” ولا يأمن ” فالأول من الإيمان والثاني من الأمان” (فتح الباري)
(قوله البوائق) قال النووي:” البوائق جمع بائقة وهي الغائلة والداهية والفتك” (شرح مسلم للنووي) قال القرطبي: هي الداهية التي توبق صاحبها، أي تهلكه” (المفهم) قال ابن باز:” يعني: شره وغشمه وأذاه، من سرقة أو سب أو صب الماء عند بابه أو القاذروات عند بابه أو ما أشبه ذلك” (شرح رياض الصالحين لابن باز 1/ 576)
روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” لَا وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ، لَا وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ، لَا وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ ” قَالُوا: وَمَنْ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: ” جَارٌ لَا يَامَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ “، قِيلَ: وَمَا بَوَائِقُهُ؟ قَالَ: ” شَرُّهُ ”
فمن سعادة المرء الجار الصالح؛ روى الإمام أحمد عن نافع بن عبد الحارث رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:”مِنْ سعادَةِ المرْءِ؛ الجارُ الصالحُ، والمرْكَبُ الهنيءُ، والمسْكنُ الواسعُ”. (صحيح الترغيب 2575)
كما قال الشاعر:
يلومونني أن بعت بالرخص منزلي … ولم يعلموا جاراً هناك ينغص
فقلت لهم: كفوا الملام فإنما … بجيرانها تغلو الديار وترخص ”
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من جار السوء، روى البخاري والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كان يقول:”اللهمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ مِنْ جارِ السوءِ في دارِ المُقامَةِ، فإنَّ جارَ البادِيَةِ يَتحوَّلُ”. (صحيح الترغيب 2556)
” لا يدخل الجنة ” قال النووي:” جوابان يجريان في كل ما أشبه هذا. أحدهما: أنه محمول على من يستحل الإيذاء مع علمه بتحريمه؛ فهذا كافر لا يدخلها أصلا. والثاني: معناه جزاؤه أن لا يدخلها وقت دخول الفائزين إذا فتحت أبوابها لهم، بل يؤخر ثم قد يجازى، وقد يعفى عنه فيدخلها أولا. وإنما تأولنا هذين التأويلين لأنا قدمنا أن مذهب أهل الحق أن من مات على التوحيد مصرا على الكبائر فهو إلى الله تعالى إن شاء الله عفا عنه فأدخله الجنة أولا، وإن شاء عاقبه ثم أدخله الجنة. والله أعلم.” (شرح مسلم للنووي)
قال القرطبي رحمه الله تعالى ما حاصله: إن من كان مضرا لجاره، كاشفا لعوراته، حريصا على إنزال البوائق به كان ذلك منه دليلا إما على فساد اعتقاد ونفاق، فيكون كافرا، ولا شك في كونه لا يدخل الجنة، وإما على استهانة بما عظم الله تعالى من حرمة الجار، ومن تأكيد عهد الجوار، فيكون فاسقا فسقا عظيما، ومرتكب كبيرة، يخاف عليه من الإصرار عليها أن يختم عليه بالكفر، فإن المعاصي بريد الكفر، فيكون من الصنف الأول، وإن سلم من ذلك، ومات غير تائب، فأمره إلى الله تعالى، فإن عاقبه بدخول النار لم يدخل الجنة حين يدخلها من لم يكن كذلك، أو لا يدخل الجنة المعدة لمن قام بحقوق جاره، وعلى هذا القانون ينبغي أن يحمل ما في هذا الباب مما قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: إن فاعله لا يدخل الجنة، مما ليس بشرك؛ للأدلة المتقدمة” (المفهم)
قال ابن بطال: في هذا الحديث تأكيد حق الجار لقسمه صلى الله عليه وسلم على ذلك، وتكريره اليمين ثلاث مرات، وفيه نفي الإيمان عمن يؤذي جاره بالقول أو الفعل، ومراده الإيمان الكامل، ولا شك أن العاصي غير كامل الإيمان. ” (فتح الباري)
قال ابن حجر:” وقال ابن أبي جمرة: إذا أكد حق الجار مع الحائل بين الشخص وبينه، وأمر بحفظه وإيصال الخير إليه وكف أسباب الضرر عنه فينبغي له أن يراعي حق الحافظين اللذين ليس بينه وبينهما جدار ولا حائل، فلا يؤذيهما بإيقاع المخالفات في مرور الساعات، فقد جاء أنهما يسران بوقوع الحسنات، ويحزنان بوقوع السيئات، فينبغي مراعاة جانبهما، وحفظ خواطرهما بالتكثير من عمل الطاعات والمواظبة على اجتناب المعصية، فهما أولى برعاية الحق من كثير من الجيران. انتهى، ملخصا.” (فتح الباري)
قال ابن باز:” فالواجب الحذر من جميع أنواع الأذى؛ ولهذا في الحديث الآخر يقول صلى الله عليه وسلم:” من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يؤذ جاره) و في اللفظ الآخر: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره)) اللفظ الثالث ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره)) ” (شرح رياض الصالحين لابن باز 1/ 576)