308 عون الصمد شرح الذيل والمتمم له على الصحيح المسند
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان رحمه الله ووالديهم ووالدينا)
———–‘———‘———
مسند أحمد:
23605 – حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ أَنْ يَأخُذَ مَالَ أَخِيهِ بِغَيْرِ حَقِّهِ ” وَذَلِكَ لِمَا حَرَّمَ اللهُ مَالَ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ
وقَالَ عُبَيْدُ بْنُ أَبِي قُرَّةَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنِي سُهَيْلٌ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَاخُذَ عَصَا أَخِيهِ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِهِ ” وَذَلِكَ لِشِدَّةِ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ
قلت سيف بن دورة: على شرط الذيل على الصحيح المسند، بالاسناد الأول، والإسناد الثاني فيه عبيد بن أبي قرة وهو متابع، تابعه ابوعامر كما في كشف الأستار 1373، ومنتخب الأخبار 2360، ونقل باحث أن الحديث: قواه ابن المديني.
قال البزار: لا نعلمه عن أبي حميد إلا بهذا الطريق، وإ سناده حسن، وقد روي من وجوه عن غيره من الصحابة
———‘——–
مفهوم الحديث لا يحل للمسلم أخذ مال أخيه بغير حق، و كل مال أخذ بغير حق فهو من اكل أموال الناس بالباطل كما قال تعالى {وَلا تَاكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَاكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}.
والأصل في ذلك أن الله حرم في كتابه أكل أموالنا بيننا بالباطل وذم الأحبار والرهبان الذين يأكلون أموال الناس بالباطل، وذم اليهود على أخذهم الربا وقد نهوا عنه، وأكلهم أموال الناس بالباطل وهذا يعم كل ما يؤكل بالباطل في المعاوضات والتبرعات وما يؤخذ بغير رضا المستحق والإستحقاق. [فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن ابراهيم: 7/ 35]
قال السعدي في التفسير: أي: ولا تأخذوا أموالكم أي: أموال غيركم، أضافها إليهم، لأنه ينبغي للمسلم أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ويحترم ماله كما يحترم ماله؛ ولأن أكله لمال غيره يجرِّئ غيره على أكل ماله عند القدرة.
ولما كان أكلها نوعين: نوعا بحق، ونوعا بباطل، وكان المحرم إنما هو أكلها بالباطل، قيده تعالى بذلك، ويدخل في ذلك أكلها على وجه الغصب والسرقة والخيانة في وديعة أو عارية، أو نحو ذلك، ويدخل فيه أيضا، أخذها على وجه المعاوضة، بمعاوضة محرمة، كعقود الربا، والقمار كلها، فإنها من أكل المال بالباطل، لأنه ليس في مقابلة عوض مباح، ويدخل في ذلك أخذها بسبب غش في البيع والشراء والإجارة، ونحوها، ويدخل في ذلك استعمال الأجراء وأكل أجرتهم، وكذلك أخذهم أجرة على عمل لم يقوموا بواجبه، ويدخل في ذلك أخذ الأجرة على العبادات والقربات التي لا تصح حتى يقصد بها وجه الله تعالى، ويدخل في ذلك الأخذ من الزكوات والصدقات، والأوقاف، والوصايا، لمن ليس له حق منها، أو فوق حقه.
[لا يحل لمسلم أن يأخذ مال أخيه المسلم إلا عن طيبة نفس، ولا ينبغي له أن يأخذه على وجه الحياء والغصب واللعب]
قال الصنعاني: والأحاديث دالة على تحريم مال المسلم إلا بطيبة من نفسه وإن قل. والإجماع واقع على ذلك. ” سبل السلام” (2/ 86).
و جاء عن ابن أبي ذئب عن عبد الله بن السائب بن يزيد عن أبيه عن جده رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لاعباً ولا جاداً، وقال سليمان: لعباً ولا جداً، ومن أخذ عصا أخيه فليردها) رواه ابو داود.
قال العباد: يعني: وسواء كان ذلك جاداً أو مازحاً؛ لأنه لا يجوز له أن يأخذ من أخيه شيئاً إلا عن طيب نفس منه، فإذا أعطاه إياه عن ارتياح وعن اطمئنان فله أن يأخذه.
قال أبو عمر قد ذكرنا أن الأصل المجتمع عليه أنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس. [الإستذكار: 7/ 88].
قال ابن تيمية: فإن المحرمات قسمان: محرم لعينه كالنجاسات من الدم والميتة، ومحرم لحق الغير، وهو ما جنسه مباح من المطاعم، والمساكن، والملابس، والمراكب، والنقود، وغير ذلك. وتحريم هذه جميعها يعود إلى الظلم فإنها إنما تحرم لسببين: أحدهما: قبضها بغير طيب نفس صاحبها ولا إذن الشارع، وهذا هو الظلم المحض: كالسرقة، والخيانة، والغصب الظاهر، وهذا أشهر الأنواع بالتحريم. والثاني: قبضها بغير إذن الشارع، وإن أذن صاحبها وهي العقود والقبوض المحرمة كالربا، والميسر، ونحو ذلك. ” الفتاوى الكبرى ” (4/ 210).
أخذ مال الغير بسبب الحياء:
– صرح الشافعية والحنابلة أنه: إذا أخذ مال غيره بالحياء كأن يسأل غيره مالا في ملأ فدفعه إليه بباعث الحياء فقط، أو أهدي إليه حياء هدية يعلم المهدى له أن المهدي أهدى إليه حياء لم يملكه، ولا يحل له التصرف فيه، وإن لم يحصل طلب من الآخذ، فالمدار مجرد العلم بأن صاحب المال دفعه إليه حياء، ولا مروءة، ولا لرغبة في خير، ومن هذا: لو جلس عند قوم يأكلون طعاما، وسألوه أن يأكل معهم، وعلم أن ذلك لمجرد حيائهم، لا يجوز له أكله من طعامهم، كما يحرم على الضيف أن يقيم في بيت مضيفه مدة تزيد على مدة الضيافة الشرعية وهي ثلاثة أيام فيطعمه حياء.
فللمأخوذ بالحياء حكم المغصوب، وعلى الآخذ رده، أو التعويض عنه، ويجب أن يكون التعويض بقيمة ما أخذ أو أكل من زادهم، وقال ابن الجوزي: هذا كلام حسن لأن المقاصد في العقود معتبرة.
ولم نطلع على مذهب الحنفية والمالكية في ذلك. [الموسوعة الفقهية الكويتية: 18/ 263].
وقال الشيخ السعدي في كتاب القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة: القاعدة الثانية: الوسائل لها أحكام المقاصد، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. وما لا يتم المسنون إلا به فهو مسنون. وطرق الحرام والمكروهات تابعة لها ووسيلة المباح مباح. ويتفرع عليها أن توابع الأعمال ومكمّلاتها تابعة لها. اهـ.
ثم قال: ومن فروعها أن من أهدى حياءا أو خوفا وجب على المُهْدى إليه الرد أو يعوضه عنها. اهـ.
قال ابن عثيمين في الشرح الممتع (8/ 108): ومثل ذلك ما لو علمت أن هذا البائع باع عليك حياءً وخجلاً، فإنه لا يجوز لك أن تشتري منه ما دمت تعلم أنه لولا الحياء والخجل لم يبع عليك، ولهذا قال العلماء ـ رحمهم الله ـ: يحرم قبول هدية إذا علم أن الرجل أهداها له على سبيل الحياء والخجل؛ لأن هذا وإن لم يصرح بأنه غير راضٍ، لكن دلالة الحال على أنه غير راضٍ.
وسئل العلامة ابن عثيمين رحمه الله في لقاء الباب المفتوح ما نصه:
حكم لفظة (فلان عليه حق) ونحوها
السؤال
نسمع كثيراً في المجالس كلمة: فلان عليه حق وأنت عليك حق، فما توجيهكم؟ الشيخ: يعني غرامة.
السائل: أو نحوها.
الشيخ: هذا لا شك أنه محرم إلا لسبب شرعي، كوننا نلزم إنساناً ونغرمه مالاً أو وليمة أو ما أشبه ذلك فهذا لا يجوز إلا بسبب شرعي؛ لأن الله تعالى قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَاكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء:29].