30 – بَابُ التَّلْبِينَةُ مُجِمَّةٌ لِفُؤَادِ الْمَرِيضِ
90 – (2216) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، حَدَّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ مِنْ أَهْلِهَا فَاجْتَمَعَ لِذَلِكَ النِّسَاءُ، ثُمَّ تَفَرَّقْنَ إِلَّا أَهْلَهَا وَخَاصَّتَهَا أَمَرَتْ بِبُرْمَةٍ مِنْ تَلْبِينَةٍ فَطُبِخَتْ، ثُمَّ صُنِعَ ثَرِيدٌ، فَصُبَّتِ التَّلْبِينَةُ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَتْ: كُلْنَ مِنْهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «التَّلْبِينَةُ مُجِمَّةٌ لِفُؤَادِ الْمَرِيضِ، تُذْهِبُ بَعْضَ الْحُزْنِ»
المفردات:
(التلبينة) هـي حسا من دقيق أو نخالة الشعير، قالوا وربما جعل فيها عسل. قال بعض أهل اللغة: سميت تلبينة تشبيها باللبن لبياضها ورقتها.
(مجمة) بفتح الميم والجيم ويقال بضم الميم وكسر الجيم أي تريح الفؤاد وتزيل عنه الهم وتنشطه.
الفوائد:
– يجوز أن تخرج المرأة للتعزية، بشرط ألا يكون في خروجها فتنه.
– جواز استقصاد المرأة في بيتها للتعزية. واختلف في الرجل هل يجلس في البيت ليقصده المعزون على قولين المنع والجواز، وراجع (كتاب التجلية في حكم الجلوس للتعزية حيث رجح الجواز ودلل عليه، أما صاحب كتاب أحكام التعزية؛ فرجح المنع ودلل عليه).
– يهيأ لأهل الميت الطعام وبه بوب البيهقي، واستدل له بهذا الحديث، وحديث (اصنعوا لآل جعفر الطعام فقد جاءهم ما يشغلهم).
– بعضهم استدل بهذا الحديث على أن أهل الميت يصنعون الطعام لأنفسهم.
قلت: ولا معارضه بين هذه الفائدة والتي قبلها، فإن لم يشق على أهل الميت صنعوا لأنفسهم، وإن شق عليهم وانشغلوا، صنع لهم أقاربهم و جيرانهم.
– ذكر أبو نعيم في كتاب الطب؛ أحاديث في فضل التلبينة؛ لا يصح منها شيء إلا هذا الحديث، وورد أثر عن عائشة موقوفاً عليها؛ هو البغيض النافع. أخرجه البخاري 5690.
وورد مرفوعاً ولا يصح (راجع تحقيق المسند 14/ 48)
– مما ذكر أنه يجم الفؤاد السفرجل، وفيه حديث ولا يصح. وقد تثبت فائدتها بالتجربة.
-التلبينة تدخل في الأدوية، لأن تقوية الفؤاد يعتبر أحد العلاجات، حتى ذكر بعضهم أنها مفيدة لرأس المعدة وملينه ومنقيه للمعدة مما أصابها من الصديد والبلغم. وبوب البخاري، باب التلبينة للمريض، وكذلك بوب النسائي والبيهقي.
-فضيلة العسل، لدخوله مع كثير من العلاجات، ومنه التلبينة.
– قال ابن القيم: العادات لها تأثير في الانتفاع بالأدوية والأغذية.
يقصد أن من اعتاد التغذية بشيء فالأنفع له أن يتداوى به، فإن مطحون فمطحون. وأنفع الأطعمة والأدويةِ ما كان من بلد الشخص، فعسل بلده أفضل من غيره وهكذا.
– الأفضل في العلاجات أن تكون محبوبة للشخص، إلا في حالات يلجأ للعلاجات البغيضة أو التي لم يعتادها.
– أظهرت الدراسات الحديثة فوائد في الشعير الذي تصنع منه التلبينة مضاف إليه اللبن والعسل.
* فتخفض الكولسترول وتعالج القلب.
فهو يخفض الكولسترول بما يحويه من فيتامينات ومواد تقلل نسبته في الجسم، وكذلك يسهم العلاج بالتلبينة في الوقاية من أمراض القلب والدورة الدموية، إذ تحمي الشرايين من التصلب، فتقي من التعرض لآلام الذبحة الصدرية، وأعراض نقص التروية، واحتشاء عضلة القلب.
أما المصابون فعلياً بهذه العلل الوعائية والقلبية فتساهم التلبينة بما تحمله من خيرات صحية فائقة الأهمية في الإقلال من تفاقم حالتهم المرضية.
*واتضح حديثاً أن الاكتئاب عبارة عن خلل كيميائي، فهناك مواد تلعب دوراً في التخفيف من حدة الاكتئاب كالبوتاسيوم والماغنيسيوم ومضادات الأكسدة وغيرها … وهذه المواد تجتمع في الشعير.
*بل يمنع الشعير بإذن الله حدوث بعض أنواع السرطانات.
*وكون الشعير يحتوي على صموغ تذوب مع الماء لتكون علامات لزجه تبطئ من عمليتي هضم وامتصاص الأغذية فتمنع ارتفاع السكر بشكل مفاجئ في الدم. ثم هو بما له من تأثير مالئ يقلل من الاندفاع في أكل الأطعمة الدسمة.
*وكذلك تقي من ارتفاع ضغط الدم بما يحتويه من البوتاسيوم، وإدراره للبول.
*ثم هو ملين ومهدئ للقولون. وبما أنه غني بالألياف غير المنحلة بالماء يسهل إيجاد كتلة من الفضلات ويساعد على الحركة الدودية للأمعاء فيدعم التخلص من الفضلات، ومعلوم أن احتباس الفضلات خاصة المسرطنة يسبب سرطان القولون.
منقول من بحث مفصل. لخصت منه النقاط الرئيسية.
– أهمية دفع الهموم والأحزان، وعدم جعلها تسيطر على الشخص؛ لأن كثير من الأمراض العضوية سببها الأمراض النفسية. وقد ذكر ابن القيم أمور يدفع بها الهموم والأحزان فقال:
(فصل) في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الكرب والهم والغم والحزن.
أخرجا في “الصحيحين” من حديث ابن عباس، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب: “لا إله إلا اللَّه العظيم الحليم، لا إله إلا اللَّه رب العرش العظيم، لا إله إلا اللَّه رب السموات السبع، ورب العرش الكريم”.
وفي “جامع” الترمذي عن أنس، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر قال: “يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث”. (الصحيحة 3182)
وفيه عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان إذا أهمه الأمر، رفع طرفه إلى السماء فقال: “سبحان اللَّه العظيم”. وإذا اجتهد في الدعاء، قال: “يا حي يا قيوم”. (الكلم الطيب قال الالباني: ضعيف جدا)
وفي “سنن” أبي داود عن أبي بكر الصديق أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: “دعوات المكروب: اللَّهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت). (حسنه الألباني)
وفيها أيضًا عن أسماء بنت عميس قالت: قال لي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: “ألا أعلمك كلمات تقوليهن عند الكرب، أو في الكرب: اللَّه ربي لا أشرك به شيئا”. (صححه الألباني في الصحيحة 2755) وفي رواية أنها تقال سبع مرات.
وفي “مسند” الإمام أحمد عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما أصاب عبدا هم ولا حَزَنٌ فقال: اللَّهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك اللَّهم بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب غمي، إلا أذهب اللَّه حزنه وهمه، وأبدله مكانه فرحًا”، (ضعفه محققو المسند 6/ 247،وراجع كشف الاستار 3122)
وفي الترمذي (وهو في الصحيح المسند 379) عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: “دعوة ذي النون، إذ دعا ربه، وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك، إني كنت من الظالمين، لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجيب له”. وفي رواية: “إني لأعلم كلمة، لا يقولها مكروب إلا فرج اللَّه عنه؛ كلمة أخي يونس”،
وفي “سنن” أبي داود عن أبي سعيد الخدري قال: دخل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار يقال له: أبو أمامة، فقال: “يا أبا أمامة، ما لي أراك في المسجد في غير وقت الصلاة؟ ” فقال: هموم لزمتني، وديون يا رسول اللَّه، فقال: “ألا أعلمك دعاء، إذا أنت قلته، أذهب اللَّه عز وجل همك، وقضى دينك”، قال: قلت بلى يا رسول اللَّه، قال: “قل إذا أصبحت، وإذا أمسيت: اللَّهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال”. قال: ففعلت ذلك، فأذهب اللَّه -عز وجل- همي، وقضى عني ديني.
(ضعفه الألباني، قلت: الذي ليس له شاهد أذكار الصباح والمساء والباقي ثابت في أحاديث أخرى وبعضها في الصحيحين، وراجع سنن أبي داود (باب في الاستعاذة))
وفي “سنن” أبي داود عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: “من لزم الاستغفار؛ جعل اللَّه له من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب” (الضعيفة 705، قلت: وفضل الاستغفار ثابت بالقرآن).
وفي “المسند”: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة. وقد قال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} (،قال محققو المسند: إسناده ضعيف، لكن صححوا حديث بمعناه من حديث صهيب وراجع الصحيحة 2459، ويشهد لمعناه حديث علي بن أبي طالب؛ قال: لقد رايتنا يوم بدر وما فينا إلا نائم غير رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ويدعو حتى أصبح، وراجع سنن أبي داود 1315)
وفي “السنن”: “عليكم بالجهاد، فإنه باب من أبواب الجنة، يدفع اللَّه به عن النفوس الهم والغم” (حسنه الشيخ الألباني الصحيحة 1941، وضعفه باحث في الأرشيف).
ويذكر عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: “من كثرت همومه، وغمومه، فليكثر من قول: “لا حول ولا قوة إلا باللَّه”. (لم أجده إلا من حديث أبي هريرة واعتبره الذهبي باطل راجع لسان الميزان، وورد عن أنس؛ من ألح عليه الفقر فليكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله، وظاهر إسناده الصحة حميد إنما سمع أربع وعشرين حديثاً من أنس والباقي سمعها من ثابت والأعمش بعض الأئمة يمشي عنعنته).
وثبت في “الصحيحين” أنها: “كنز من كنوز الجنة” (432). (وفي الترمذي أنها: “باب من أبواب الجنة” الصحيحة 1746، وحسنه محققو المسند 24/ 228)
هذه الأدوية تتضمن خمسة عشر نوعًا من الدواء، فإن لم تقو على إذهاب داء الهم والغم والحزن، فهو داء قد استحكم وتمكنت أسبابه، ويحتاج إلى استفراغ كلي.
الأول: توحيد الربوبية.
الثاني: توحيد الإلهية.
الثالث: التوحيد العلمي الاعتقادي.
الرابع: تنزيه الرب -تعالى- عن أن يظلم عبده، أو يأخذه بلا سبب من العبد يوجب ذلك.
الخامس: اعتراف العبد بأنه هو الظالم.
السادس: التوسل إلى الرب -تعالى- بأحب الأشياء إليه؛ وهو أسماؤه وصفاته. ومن أجمعها لمعاني الأسماء والصفات: “الحي القيوم”.
السابع: الاستعانة به وحده.
الثامن: إقرار العبد له بالرجاء.
التاسع: تحقيق التوكل عليه والتفويض إليه، والاعتراف له بأن ناصيته في يده، يصرفه كيف يشاء، وأنه ماض فيه حكمه، عدل فيه قضاؤه.
العاشر: أن يرتع قلبه في رياض القرآن، ويجعله لقلبه كالربيع للحيوان، وأن يستضيء به في ظلمات الشبهات والشهوات، وأن يتسلى به عن كل فائت ويتعزى به عن كل مصيبة، ويستشفي به من أدواء صدره، فيكون جلاء حزنه، وشفاء همه وغمه.
الحادي عشر: الاستغفار.
الثاني عشر: التوبة.
الثالث عشر: الجهاد.
الرابع عشر: الصلاة.
الخامس عشر: البراءة من الحول والقوة، وتفويضهما إلى من هما بيده. انتهى.
وأضافوا كذلك:
-الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ومنه حديث ( … أجعل لك صلاتي كلها، قال: إذاً تكفى همك ويغفر لك ذنبك).
-القوة في تحصيل الخير ومنه حديث المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف … )
-الإكثار من ذكر الله (ألا بذكر الله تطمئن القلوب).
– التحدث بنعم الله وعدم ازدرائها ومنه حديث (انظروا إلى من هو أسفل منكم … )
– الانشغال بالأعمال والعلوم المفيدة.
– معرفة أهمية الوقت فلا تضيعه في الهموم والأحزان.
-عدم تراكم الأعمال.
– ابتغاء القدوة الحسنة.
-أن يجعل الآخرة همه ومنه حديث (من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه)
– ذكر الموت.
– ولتعلم أن أعظم الكروب كرب الآخرة، فاشغل نفسك بالنجاة منها.