3 – بَابٌ فِي مُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
4 – (2279) وحَدَّثَنِي أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا بِمَاءٍ فَأُتِيَ بِقَدَحٍ رَحْرَاحٍ، فَجَعَلَ الْقَوْمُ يَتَوَضَّئُونَ، فَحَزَرْتُ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى الثَّمَانِينَ. قَالَ: فَجَعَلْتُ «أَنْظُرُ إِلَى الْمَاءِ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ»
5 – (2279) وحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، ح وحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ، فَالْتَمَسَ النَّاسُ الْوَضُوءَ، فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَضُوءٍ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ الْإِنَاءِ يَدَهُ، وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَتَوَضَّئُوا مِنْهُ، قَالَ: «فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ أَصَابِعِهِ، فَتَوَضَّأَ النَّاسُ حَتَّى تَوَضَّئُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ»
6 – (2279) حَدَّثَنِي أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ يَعْنِي ابْنَ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ بِالزَّوْرَاءِ – قَالَ: وَالزَّوْرَاءُ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ السُّوقِ وَالْمَسْجِدِ فِيمَا ثَمَّهْ – دَعَا بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ، فَوَضَعَ كَفَّهُ فِيهِ «فَجَعَلَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، فَتَوَضَّأَ جَمِيعُ أَصْحَابِهِ» قَالَ قُلْتُ: كَمْ كَانُوا؟ يَا أَبَا حَمْزَةَ قَالَ: «كَانُوا زُهَاءَ الثَّلَاثِمِائَةِ»
7 – (2279) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِالزَّوْرَاءِ فَأُتِيَ بِإِنَاءِ مَاءٍ لَا يَغْمُرُ أَصَابِعَهُ أَوْ قَدْرَ مَا يُوَارِي أَصَابِعَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ هِشَامٍ
الفوائد
__________________
مقدمة:
قال ابن تيمية في الجواب الصحيح:
فصل
والآيات والبراهين الدالة على نبوة محمد كثيرة متنوعة وهي أكثر وأعظم من آيات غيره من الأنبياء ويسميها من يسميها من النظار معجزات وتسمى دلائل النبوة وأعلام النبوة.
وهذه الألفاظ إذا سميت بها آيات الأنبياء كانت أدل على المقصود من لفظ المعجزات ولهذا لم يكن لفظ المعجزات موجودا في الكتاب والسنة وإنما فيه لفظ الآية والبينة والبرهان. انتهى
-سبق أن نقلنا في باب السحر من كتاب الرقى أن:
ابن تيمية قرر: أن آيات الأنبياء ليس من شرطها استدلال النبي بها، ولا تحديه بالإتيان بمثلها بل هي دليل على نبوته، وإن خلت من هذين القيدين …
وقرره ابن عثيمين في العقيدة شرح العقيدة السفارينية ورد على من أنكر كرامات الأولياء.
-والفرق بين الآية والسحر والكرامة فسيتضح فيما يأتي:
فالسحر من كبائر الذنوب وفي صحيح مسلم عدها النبي صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات، ومن تعاطى فيها كفرا اعتقاديا أو قوليا أو فعليا فهو كافر، أما من كان سحره سحر خفة أو بالعقاقير فلا يكفر؛ قال الشافعي: نقول له صف لنا سحرك؛ فإن وصف لنا ما يوجب الكفر مثل؛ ما اعتقده أهل بابل من التقرب للكواكب السبعة وأنها تفعل ما يلتمس منها فهو كافر.
وإن كان لا يوجب الكفر؛ فإن أعتقد إباحته؛ كفر. انتهى
وكذلك تعلمه وتعليمه يدخل فيه نفس التفصيل السابق، وقد رد ابن كثير على الرازي في قوله: أن تعلمه ليس بقبيح ولا محظور. فراجعه فإنه مهم.
قلت: ويؤيد قول من قال أنه كفر قوله تعالى (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان … ) الآية فاستنبط بعض أهل العلم من هذه الآيات كفرهم في عدة مواضع. وقد اختار البخاري كفره. (وراجع الفوائد التي كتبناها في باب السحر من صحيح مسلم، ففيه مسائل أخرى حول السحر)
والسحرة مقصودهم أذية الآخرين، ويتعاطون الكفريات إذا كان سحرهم كفري، وبعضهم يكون سحره بالعقاقير والخفة، وهم لا يستطيعون قلب الأجناس ولا أحياء الموتى إلا بسحر البصر، أما الأنبياء فأيدهم رب العزة بذلك. وراجع للتوسع (الفرقان بين أولياء الله وأولياء الشيطان)
وقال ابن تيمية في النبوات:
والآيات الخارقة جنسان جنس في نوع العلم وجنس في نوع القدرة فما اختص به النبي من العلم خارج عن قدرة الإنس والجن وما اختص به من المقدورات خارج عن قدرة الإنس والجن وقدرة الجن في هذا الباب كقدرة الإنس لأن الجن هم من جملة من دعاهم الأنبياء إلى الإيمان وأرسلت الرسل اليهم قال تعالى (يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا) ومعلوم أن النبي اذا دعا الجن إلى الإيمان به فلا بد أن يأتي بآية خارجة عن مقدور الجن فلا بد أن تكون آيات الأنبياء خارجة عن مقدور الإنس والجن، وما يأتي به الكاهن من خبر الجن وغايته أنه سمعه الجني لما استرق السمع، مثل الذي يستمع إلى حديث قوم وهم له كارهون، وما أعطاه الله سليمان مجموعه يخرج عن قدرة الانس والجن كتسخير الرياح والطير، وأما الملائكة فالأنبياء لا تدعو الملائكة إلى الإيمان بهم بل الملائكة تنزل بالوحي على الأنبياء وتعينهم وتؤيدهم، والخوارق التي تكون بأفعال الملائكة تختص بالأنبياء …
وقرر ابن عثيمين أن الكرامة التي يعطيها رب العزة للولي، تعتبر آية لنبي هذا الولي حيث أعطى رب العزة هذا الولي هذه الكرامة تأييداً لصدق نبيه
-قرر البيهقي وابن حجر و القاضي عياض والنووي أن هذه الآيات متواترة: وأحسن من قرر ذلك ابن تيمية فقال في الجواب الصحيح:
فصل في الطرق التي تبين بها أن هذه الأخبار تفيد العلم:
وهذه الأخبار منها ما هو في القرآن ومنها ما هو متواتر يعلمه العامة والخاصة، كنبع الماء من بين أصابعه وتكثير الطعام وحنين الجذع ونحو ذلك، فإن كلاً من ذلك تواترت به الأخبار واستفاضت ونقلته الأمة جيلا بعد جيل وخلفا عن سلف فما من طبقة من طبقات الأمة إلا وهذه الآيات منقولة مشهورة مستفيضة.
قلت: فمعجزاته صلى الله عليه وسلم كثيرة منها ما يتعلق بالبشارات والنذارات والإخبار عن المغيبات، ومنها ما يتعلق بالسلوك والأخلاق، ومنها معجزات حسية، وحاول البيهقي وأبو نعيم جمع كثير منها في كتابيهما (دلائل النبوة)، وجمع الشيخ مقبل الصحيح المسند من دلائل النبوة. وذكر النووي أن المعجزات بلغت الف ومئتين معجزة وقال البيهقي: ألف.
وهناك معجزات معنوية وهو ما يحصل من البركة والخير لمن تبعه صلى الله عليه وسلم وتمسك بالشرع الذي أتى به من ربه.
ثم النظر في حاله صلى الله عليه وسلم، وكيف نصره رب العزة هو وأصحابه على أعداء الدين مع أنهم كانوا قلة، وإمكانياتهم المادية ضعيفة، لكن أيدهم رب العزة بنصر من عنده.
-وأعظم معجزة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم هي القرآن: قال ابن تيمية في الجواب الصحيح: أخبر الله به في قوله (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا)
وأيضا فالناس يجدون دواعيهم إلى المعارضة حاصلة لكنهم يحسون من أنفسهم العجز عن المعارضة ولو كانوا قادرين لعارضوه
وقد انتدب غير واحد لمعارضته لكن جاء بكلام فضح به نفسه وظهر به تحقيق ما أخبر به القرآن من عجز الخلق عن الإتيان بمثله مثل قرآن مسيلمة الكذاب كقوله يا ضفدع بنت ضفدعين نقي كم تنقين لا الماء تكدرين ولا الشارب تمنعين رأسك في الماء وذنبك في الطين
وأما التفصيل فيقال نفس نظم القرآن وأسلوبه عجيب بديع ليس من جنس أساليب الكلام المعروفة ولم يأت أحد بنظير هذا الأسلوب، فإنه ليس من جنس الشعر ولا الرجز ولا الخطابة ولا الرسائل ولا نظمه نظم شيء من كلام الناس عربهم وعجمهم، ونفس فصاحة القرآن وبلاغته هذا عجيب خارق للعادة ليس له نظير في كلام جميع الخلق وبسط هذا وتفصيله طويل يعرفه من له نظر وتدبر
ونفس ما أخبر به القرآن في باب توحيد الله وأسمائه وصفاته أمر عجيب خارق للعادة لم يوجد مثل ذلك في كلام بشر لا نبي ولا غير نبي
وكذلك ما أخبر به عن الملائكة والعرش والكرسي والجن وخلق آدم وغير ذلك، ونفس ما أمر به القرآن من الدين والشرائع كذلك، ونفس ما أخبر به من الأمثال وبينه من الدلائل هو أيضا كذلك. انتهى
قال ابن عثيمين وهو يعدد أوجه اعجاز القرآن:
الوجه الأول: لا يمكن أن يشبهه شيء من كلام المخلوقين، لا من حيث اللفظ، ولا من حيث المعنى، ولا من حيث التأثير، ولا من حيث الثمرة والآثار الحميدة.
الثاني: من حيث اللفظ في قوته، ورصانته، وتركيبه، وأسلوبه، ونظمه، وبيانه، ووضوحه، وشموله للمعاني العديدة الواسعة التي لا تزال تظهر عند التأمل والتفكير، حتى كأنك لتسمع الآية التي ما تزال تقرؤها فينقدح لك منها معنى جديد كأنك لم تسمع الآية من قبل وكأن الآية نزلت لتوها من أجله ….
الوجه الثالث: من إعجاز القرآن من حيث أهدافه العالية وآدابه الكاملة وتشريعاته المُصْلِحة فقد جاء بإصلاح العقيدة من الإيمان بالله، وبما له من الأسماء والصفات والأفعال، والإيمان بجميع ملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وما يتعلق بذلك، وجاء بإخلاص العبادة لله، وتحرير الفكر، والعقل، والشعور من عبادة غير الله والتعلق به خوفاً، ورجاءً، ومحبة، وتعظيماً، وجاء بالآداب الكاملة التي يشهد بكمالها، وصلاحها، وإصلاحها كل عقل سليم أمر بالبر والصلة، والصدق، والعدل، والرحمة، والإحسان، ونهى عن كل ما يخالف ويناقض من الظلم، والبغي، والعدوان.
أما تشريعاته فناهيك بها من نظم مصلحة للعباد والبلاد في المعاش، والمعاد، وإصلاحاً في العبادة، وإصلاحاً في المعاملة في الأحوال الشخصية، والاجتماعية، والاقتصادية، والفردية، والكمالية فيما لو اجتمع الخلق كلهم على سن نظم تماثلها أو تقاربها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.
الوجه الرابع: من إعجاز القرآن قوة تأثيره على النفوس والقلوب فإنه ينفذ إلى القلب نفوذ السهم في الرمية …
الوجه الخامس: من إعجاز القرآن تلك الآثار الجليلة التي حصلت لأمة القرآن باتباعه والعمل بأهدافه السامية، وتعاليمه الرشيدة، فقد ارتقى بأمة القرآن … انتهى باختصار
وقد أنشأت هيئات تدرس الإعجاز العلمي في القرآن
فوائد آيات الأنبياء:
قال ابن عثيمين:
1 – بيان قدرة الله تعالى
2 – بيان رحمة الله بعباده فإن هذه الآيات التي يرونها مؤيدة للرسل تزيد إيمانهم وطمأنينتهم لصحة الرسالة
3 – بيان حكمة الله البالغة حيث لم يرسل رسولاً فيدعه هملاً من غير أن يؤيده بما يدل على صدقه
4 – رحمة الله بالرسول الذي أرسله حيث ييسر قبول رسالته
5 – إقامة الحجة على الخلق.
6 – بيان أن هذا الكون خاضع لقدرة الله وتدبيره ولو كان مدبراً لنفسه أو طبيعة تتفاعل مقوماتها وتتكون من ذلك نتائجها وآثارها لما تغيرت فجأة. انتهى مختصرا
شرح أحاديث الباب:
_ قرر النووي أن نبع الماء كان من يده صلى الله عليه وسلم وكذلك ابن حجر، واستدلا برواية (فرأيت الماء ينبع من أصابعه) وكذلك ابن عبد البر قرر ذلك وقال: هي أعظم من عصا موسى لما فجرت من الحجارة اثنى عشر عيناً؛ لأن نبع الماء من الحجارة مشاهد أما نبع الماء من اليد فغير مشاهد.
تنبيه: الحديث الذي ذكروه عزاه ابن حجر للطبراني، وفيه عطاء من السائب اختلط، والراوي عنه لم تتميز روايته.
-رجح النووي وابن حجر أن حديث أنس عبارة عن واقعتين لاختلاف المكان والعدد، فمرة في سفر ومرة في المدينة، ومرة كان عدد الصحابة ثلاثمائة ومرة من الستين إلى الثمانين.
-الحديث فيه الوضوء بفضل الغير.
– والمواساة بالماء خاصة عند الضرورة.
– استدل به الشافعي على أن غسل اليد قبل إدخالها في الإناء ندب، نقله عنه الشوكاني وقال: سيأتي بحث المسألة.
-تسمية الماء وَضوءا، والعرب تسمي الشيء بما يؤول إليه، وما قرب منه (ابن عبدالبر)
– ذكر ابن حجر أن أعظم آية وقعت في تكثير الماء ما وقع في حديث جابر الطويل في أواخر الكتاب عند مسلم 3013 (أن الماء الذي أحضروه كان قطرة في عزلاء شجب لو أفرغه لشربه يابسه … )
وابن عبدالبر قال وهو يتكلم عن أحسن معجزاته قال وكلها حسن: فذكر قصة الشجرتين اللتين تحركتا من مكانهما حتى التقتا فاستتر بهما النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر قصة سجود الجمل، والغمامة التي لم يتجاوز مطرها العسكر.
تنبيه: سجود الجمل لم أقف إلا على طريق واحده له وفيها إسماعيل بن عبدالملك صدوق كثير الوهم
-من قصص تكثير الماء قصة المرأة صاحبة المزادتين، وتكثير الماء حين أمر بوضع سهم من كنانته.
شبهه: كيف تكون هذه المعجزات في هذه المحافل الكبيرة ولا ينقلها إلا العدد القليل، وأين قاعدة أي أمر تتوافر الدواعي على نقله ولم ينقل إلا من طريق أو طريقين فهذا دليل على ضعفه؟
الجواب: نقول القاعدة لا تكون في كل شيء فهذا الحج لم ينقله كاملاً إلا جابر، وشاركه صحابه آخرون في نقل بعض مناسك الحج، مع أن الذين شهدوا الحج أكثر من مئة ألف. وكذلك هذه المعجزات سبق أن نقلنا كلام الأئمة بأنها متواترة، خاصة أن الراوي يرويها ويتناقلها الناس من غير معارض.
-فيه بركة النبي صلى الله عليه وسلم وهي تنقسم إلى بركة حسية ومنها بركة في أفعاله كما حصل من تكثير الطعام والماء، وبركة في ذاته وكان الصحابة يتبركون بشعره وظفره، قالت عائشة: لما اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم كنت أقرأ المعوذات وأمسح عنه بيده رجاء بركتها.
وهناك بركة معنوية وسبق الإشارة إليها. حيث تحصل لمن اتبعه حسنة الدنيا والآخرة ومنه حديث (إن من الشجر لما بركته كبركة المؤمن)
تنبيه: لا يجوز التبرك بغير آثاره صلى الله عليه وسلم، ولا التبرك بقبره ولا بقبور الأنبياء والصالحين؛ لأنه ذريعة لدعائهم مع الله عزوجل، ولم يفعله السلف الصالح.
8 – (2280) وحَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ أُمَّ مَالِكٍ، كَانَتْ تُهْدِي لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُكَّةٍ لَهَا سَمْنًا، فَيَأْتِيهَا بَنُوهَا فَيَسْأَلُونَ الْأُدْمَ، وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ، فَتَعْمِدُ إِلَى الَّذِي كَانَتْ تُهْدِي فِيهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَجِدُ فِيهِ سَمْنًا، فَمَا زَالَ يُقِيمُ لَهَا أُدْمَ بَيْتِهَا حَتَّى عَصَرَتْهُ، فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «عَصَرْتِيهَا؟» قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ «لَوْ تَرَكْتِيهَا مَا زَالَ قَائِمًا»
9 – (2281) وحَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَطْعِمُهُ، فَأَطْعَمَهُ شَطْرَ وَسْقِ شَعِيرٍ، فَمَا زَالَ الرَّجُلُ يَأْكُلُ مِنْهُ وَامْرَأَتُهُ وَضَيْفُهُمَا، حَتَّى كَالَهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «لَوْ لَمْ تَكِلْهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ، وَلَقَامَ لَكُمْ»
الفوائد
———————-
-ورد قصة شبيهه عن عائشة أخرج البخاري في الجهاد (3097) باب: نفقة نساء النبي-صلى الله عليه وسلم- بعد وفاته، وفي الرقاق (6451) باب: فضل الفقر، ومسلم في الزهد (2973) من طريق أبي أسامة، وأخرجه أحمد 6/ 108 من طريق سريج، حدثنا ابن أبي الزناد، كلاهما: عن هشام بن عروة، بهذا الإسناد. ولفظ مسلم: “توفي رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم-وما في رفي من شيء يأكل ذو كبد إلا شطر شعير في رف لي، فأكلت منه حتى طال علي، فكلته، ففني”.
وفي رواية عند ابن حبان بسند جيد (حَتَّى كَالَتْهُ الْجَارِيَةُ فَلَمْ يَلْبَثْ أَن فَنِيَ، وَلَوْ لَمْ تَكِلْهُ، لَرَجَوْنَا أن يَبْقَى أَكْثَر)
-مختلف الحديث: يبدو أن هناك تعارضاً بين حديث عائشة هذا، وبين حديث المقدام بن معدي كرب عند البخاري في البيوع (2128) باب: ما يستحب من الكيل، بلفظ أن النبي -صلى الله عليه وسلم-قال: “كيلوا طعامكم يبارك لكم “. وزاد كثير من رواته في آخره “فيه”.
وفي دفع هذا التعارض. قال المهلب: “ليس بين هذا الحديث، وحديث عائشة … معارضة، لأن معنى حديث عائشة أنها كانت تخرج قوتها- وهو شيء يسير- بغير كيل، فبورك لها فيه مع بركة النبي -صلى الله عليه وسلم-فلما كالته علمت المدة التي يبلغ إليها عند انقضائه”.
وقال المحب الطبري: “لما أمرت عائشة بكيل الطعام ناظرة إلى مقتضى العادة، غافلة عن طلب البركة في تلك الحالة ردت إلى مقتضى العادة”.
وقال الحافظ في “فتح الباري” 4/ 346: “والذي يظهر لي أن حديث المقدام محمول على الطعام الذي يشترى، فالبركة تحصل فيه بالكيل لامتثال أمر الشارع، وإذا لم يمتثل الأمر فيه بالاكتيال، نزعت منه لشؤم العصيان. وحديث عائشة محمول على أنها كالته للاختبار، فلذلك دخله النقص وهو شبيه بقول أبي رافع لما قال له النبي-صلى الله عليه وسلم-: في الثالثة (ناولني الذراع، قال: وهل للشاة إلا ذراعان؟. فقال: لو لم تقل هذا لناولتني ما دمت أطلب منك)، فخرج من شؤم المعارضة انتزاع البركة.
ويشهد لما قلته حديث (لا تحصي فيحصي الله عليك) الآتي.
والحاصل أن الكيل بمجرده لا تحصل به البركة ما لم ينضم إليه أمر آخر، وهو امتثال الأمر فيما يشرع فيه الكيل. ولا تنزع البركة من المكيل بمجرد الكيل ما لم ينضم إليه أمر آخر كالمعارضة، والاختبار … “. انتهى
تنبيه: نقل صاحبنا أبو تيسير: أن الشيخ الألباني ضعف حديث أبي رافع.
-قال النووي في “شرح مسلم” 5/ 139: ” قال العلماء: الحكمة في ذلك أن عصرها، وكيله مضادة للتسليم والتوكل على رزق الله تعالى. ويتضمن التدبير والأخذ بالحول والقوة، وتكلف الإحاطة بأسرار حكم الله تعالى وفضله، فعوقب فاعله بزواله”.
وقال القرطبي: “سبب رفع النماء من ذلك عند العصر والكيل- والله أعلم- الالتفات بعين الحرص مع معاينة إدرار نعم الله، ومواهب كراماته، وكثرة بركاته، والغفلة عن الشكر عليها، والثقة بالذي وهبها، والميل إلى الأسباب المعتادة عند مشاهدة خرق العادة.
ويستفاد منه أن من رزق شيئاً، أو أكرم بكرامة، أو لطف به في أمر، فالمتعين عليه موالاة الشكر، ورؤية المنة لله تعالى، ولا يحدث في تلك الحالة تغييراً، والله أعلم”. وانظر” تحفة الأحوذي ” 9/ 209.
-ورد كذلك قصة مشابهه لأم أوس في عكة وأنها أكلت منه في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان فلما حصل بين على ومعاوية ما حصل نفد، لكن خلف بن خليفة اختلط، وأوس بن خالد البهزي لم أجد له ترجمه.
وكذلك ورد لأم شريك قصة مشابهة لعكة لها وفيها قصة إسلامها وأن يهودي وافق على مرافقتها ثم لم يسقها ماء حتى تتهود وأن الله عزوجل أنزل لها قربة. وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبها، فطلبت أن يزوجها لبعض أصحابه. ولا تصح ففيها عبدالأعلى بن أبي المساور كذبه ابن معين.
وربما الشيخ مقبل أعرض عن هاتين القصتين في كتابه الصحيح المسند من دلائل النبوة لضعفهما
وكذلك مما يذكر قصة السبع التمرات التي كفتهم في سفر وقول النبي صلى الله عليه وسلم لولا أني استحي من ربي لأكلتم منها حتى تتدخلوا المدينة، وفيها الواقدي كذب
وكذلك قصة رهن النبي صلى الله عليه وسلم درعه في ثلاثين صاعاً وأنها كفتهم ضعفها الألباني تحت رقم 2625 من الصحيحة
في حديث جابر من الفوائد:
-فضيلة الصدقة، وكرم النبي صلى الله عليه وسلم.
– عدم النظر للشيء بعين الحرص، بل المطلوب التوكل على الله عز وجل.
-فضيلة الضيافة ولو بالقليل وأنه من أسباب البركة.
ومن أسباب البركة في الرزق والعمر صلة الرحم وفيه حديث، ومنها الصدق والبيان في التجارة وفيه حديث أيضاً.
قال ابن القيم: إن بركة الرجل تعليمه للخير ونصحه لكل من اجتمع به قال تعالى (وجعلني مباركاً أين ما كنت) وحذر من الذين يضيعون الأوقات قال تعالى (ولا تطع من أغفلنا قلبه) انتهى بمعناه.
ومن جعل مباركاً بارك الله عز وجل في عمره وأهله وماله.
ولعل الله عزوجل ييسر فنفرد موضوع البركة ببحث.
10 – (706) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ وَهُوَ ابْنُ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ، أَنَّ أَبَا الطُّفَيْلِ عَامِرَ بْنَ وَاثِلَةَ، أَخْبَرَهُ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَخْبَرَهُ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَكَانَ يَجْمَعُ الصَّلَاةَ، فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمًا أَخَّرَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ دَخَلَ، ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَأْتُونَ غَدًا، إِنْ شَاءَ اللهُ، عَيْنَ تَبُوكَ، وَإِنَّكُمْ لَنْ تَأْتُوهَا حَتَّى يُضْحِيَ النَّهَارُ، فَمَنْ جَاءَهَا مِنْكُمْ فَلَا يَمَسَّ مِنْ مَائِهَا شَيْئًا حَتَّى آتِيَ» فَجِئْنَاهَا وَقَدْ سَبَقَنَا إِلَيْهَا رَجُلَانِ، وَالْعَيْنُ مِثْلُ الشِّرَاكِ تَبِضُّ بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ، قَالَ فَسَأَلَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «هَلْ مَسَسْتُمَا مِنْ مَائِهَا شَيْئًا؟» قَالَا: نَعَمْ، فَسَبَّهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ لَهُمَا مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ. قَالَ: ثُمَّ غَرَفُوا بِأَيْدِيهِمْ مِنَ الْعَيْنِ قَلِيلًا قَلِيلًا، حَتَّى اجْتَمَعَ فِي شَيْءٍ، قَالَ وَغَسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِيهَا، ” فَجَرَتِ الْعَيْنُ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ أَوْ قَالَ: غَزِيرٍ – شَكَّ أَبُو عَلِيٍّ أَيُّهُمَا قَالَ – حَتَّى اسْتَقَى النَّاسُ، ثُمَّ قَالَ «يُوشِكُ، يَا مُعَاذُ إِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ، أَنْ تَرَى مَا هَاهُنَا قَدْ مُلِئَ جِنَانًا»
——————
-تبض: يعني تسيل وراجع لضبطها شرح النووي
-بوب ابن خزيمة باب في الجمع وإن كان المرء نازلا غير سائر وقت الصلاتين، وقريب منه تبويب ابن حبان، وقال به الشافعي وابن عبدالبر (وراجع رسالة الجمع بين الصلاتين للشيخ مقبل).
-نقل القاضي عياض تواتر مثل هذه الأحاديث من تكثير الماء والطعام؛ حيث حضرها الجم الغفير، والصحابي يحدث بها وتنتشر من غير أن ينكره أحد.
-وفي الحديث آية للنبي صلى الله عليه وسلم، فكم كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة، ومع ذلك كفاهم ذلك الماء.
وفيه معجزة وهي إخباره معاذ بأمر مستقبلي وقد وقع كما أخبر.
– للإمام أن يمنع من الأمور العامة كالمياه والكلأ.
– وفيه أن المخالفة والحرص تذهب البركة.
-يحتمل أن الذين خالفوا من المنافقين لكن خيب الله سعيهم وأظهر بركة نبيه واستحقا السب، ويحتمل أنهم من المؤمنين لكن لعلهم حملوا النهي على الكراهة مع وجود قرينة أن النهي للتحريم وهو أن الماء قليل، لذا سبهما النبي صلى الله عليه وسلم، لكن يحمل أنه سب ليس فيه بذاءه، بل ثبت أنه قال (اللهم إن لي عندك عهد إني بشر أغضب فإيما مسلم سببته، آذيته، جلدته أن تجعلها له كفارة وقربة … ) أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
-فيه الغلظة على المخالف، وإن كان الأكثر من مواقف النبي صلى الله عليه وسلم اللين والتسامح لكنه يغلظ أحيانًا إذا ناسب الحالة الغلظة.
-على القول بأنهما نسيا، فإن الناسي يلام على تفويت محروس عليه.
قال بعض أهل العلم: ولعل تخصيص معاذ بالحديث لأنه استوطن الشام، وحصل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فقد نقل ابن عبدالبر أن ابن وضاح رأى ما حول العين جناناً.
-التعبير ب (قليلا قليلا) دلالة على منتهى القلة، وكذلك قول (تبض بشيء من ماء) وقول (حتى أجتمع في شيء) تدل على منتهى القلة. وعكسه (فجرت العين بماء منهمر) دلالة على عظم الآية.
قال العراقي في تخريج الإحياء وذكر: حديث الآبار التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ ويغتسل ويشرب منها وهي سبعة آبار قلت: وهي بئر أريس وبئر حا وبئر رومة وبئر غرس وبئر بضاعة وبئر البصة وبئر السقيا أو العهن أو بئر جمل
فحديث بئر أريس رواه مسلم من حديث أبي موسى الأشعري في حديث فيه حتى دخل بئر أريس قال فجلست عند بابها … الحديث
وحديث بئر حا متفق عليه من حديث أنس قال كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة نخلا وكان أحب أمواله إليه بئر حا وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب الحديث
قلت: ذكر ابن حجر أن هذا أحد وجه الضبط لها بلفظ البئر والإضافة كمثل حرف الهجاء (مقدمة الفتح)
ثم قال العراقي: وحديث بئر رومة رواه الترمذي والنسائي من حديث عثمان أنه قال أنشدكم الله والإسلام هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة فقال من يشتري بئر رومة ويجعل دلوه مع دلاء المسلمين الحديث قال الترمذي حديث حسن وفي رواية لهما هل تعلمون أن رومة لم يكن يشرب منها أحد إلا بالثمن … الحديث وقال حسن صحيح، وروى البغوي والطبراني من حديث بشير الأسلمي قال لما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء وكانت لرجل من بني غفار عين يقال لها رومة وكان يبيع منها القربة بمد الحديث
قلت (سيف) قال الهيثمي في المجمع رواه الطبراني في الكبير، وفيه عبدالأعلى بن أبي المساور وهو ضعيف، قلت: بل كذب، وفي كل المصادر كتبوا عن أبي مسعود، لكن عند الطبراني قال: عن أبي مسعود يعني عبدالأعلى بن أبي المساور
وحديث بئر غرس رواه ابن حبان في الثقات من حديث أنس أنه قال ائتوني بماء من بئر غرس فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب منها ويتوضأ ولابن ماجه بإسناد جيد مرفوعا إذا أنا مت فاغسلوني بسبع قرب من بئري بئر غرس وروينا في تاريخ المدينة لابن النجار بإسناد ضعيف مرسلا أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ منها وبزق فيها وغسل منها حين توفي
قلت (سيف) الحديث الذي عزاه لثقات ابن حبان فيه ابن رقيش لم يوثقه معتبر، وفضيل بن سليمان كثير الخطأ، والحديث ذكره الدارقطني في العلل 2454 ورجح الموقوف، والموقوف أخرجه البيهقي في معرفة السنن 1976 من طريق سعيد بن عبد الرحمن بن رقيش (رأيت أنس بن مالك أتى قباء فبال ثم توضأ ومسح على الخفين ثم صلى)، والحديث الذي عزاه لابن ماجه قال عنه الألباني: ضعيف (الضعيفة 1237) وراجع أيضا حديث موضوع فيها (الضعيفة 2683)
وحديث بئر بضاعة رواه أصحاب السنن من حديث أبي سعيد الخدري أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنتوضأ من بئر بضاعة وفي رواية أنه يستقى لك من بئر بضاعة الحديث قال يحيى بن معين إسناده جيد وقال الترمذي حسن وللطبراني من حديث أبي أسيد بصق النبي صلى الله عليه وسلم في بئر بضاعة ورويناه أيضا في تاريخ ابن النجار من حديث سهل بن سعد
قلت (سيف) حديث إنه يستقى لك من بئر بضاعه صححه الألباني في صحيح أبي داود، ومحققو المسند 18/ 335، وراجع شرح مغلطاي على ابن ماجه، أما حديث بصقة في بئر بضاعة فورد عند الطبراني ولابن شبة في تاريخ المدينة بأسانيد ضعيفة.
وحديث بئر البصة رواه ابن عدي من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه يوما فقال هل عندكم من سدر أغسل به رأسي فإن اليوم الجمعة قال نعم فأخرج له سدرا وخرج معه إلى البصة فغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه وصب غسالة رأسه ومراق شعره في البصة وفيه محمد بن الحسن بن زبالة ضعيف
وحديث بئر السقيا رواه أبو داود من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعذب له من بيوت السقيا زاد البزار في مسنده أو من بئر السقيا ولأحمد من حديث علي خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بالسقيا التي كانت لسعد بن أبي وقاص قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ائتوني بوضوء فلما توضأ قام الحديث
قلت (سيف) حديث عائشة الذي أخرجه أبو داود صححه الألباني، ومحققو المسند وذكروا انها على بعد يومين من المدينة من طرف الحرة، لكن ذكر صاحب كتاب الأحاديث المعلة في كتاب الحلية قال أحمد: هذا أراه ريح، أنكره على الدراوردي لأنه حدث به من حفظه.
أما حديث علي فهو في الصحيح المسند 958
قال: وأما بئر جمل ففي الصحيحين من حديث أبي الجهم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بئر جمل الحديث وصله البخاري وعلقه مسلم
والمشهور أن الآثار بالمدينة سبعة وقد روى الدارمي من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مرضه صبوا علي سبع قرب من آبار شتى الحديث وهو عند البخاري دون قوله من آبار شتى // وهي سبع آبار طلبا للشفاء
من طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن زياد بن الحارث الصدائي في قصة وفادته فذكر حديثا طويلا فيه وذكر أن بئرهم لا تكفيهم في الصيف فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع حصيات ففركهن بيده ودعا فيهن ثم قال اذهبوا بهذه الحصيات فاذا أتيتم البئر فألقوا واحدة واحدة واذكروا الله عز وجل قال الصدائي ففعلنا ما قال لنا فما استطعنا بعد ذلك أن ننظر إلى قعرها يعني البئر وأصل هذا الحديث في المسند وسنن أبي داود والترمذي وابن ماجه وأما الحديث بطوله ففي دلائل النبوة للبيهقي رحمه الله
قلت (سيف) عبدالرحمن بن زياد بن أنعم متكلم فيه
وخرجها المزي وغيره مطولة في ترجمة الصحابي، وهي مختصرة عند أحمد وابي داود وغيرهما وأكثرهم يذكر (إن أخا صداء أذن ومن إذن فهو يقيم … ) وهذا أحد الأحاديث الستة التي أنكرها الثوري على بن أنعم (تحقيق المسند، في مسند زياد الصدائي)
قال البيهقي: باب ما ظهر في البئر التي كانت بقباء من بركته
أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي ثنا أبو حامد بن الشرقي أنا أحمد بن حفص بن عبد الله نا أبي حدثنا إبراهيم بن طهمان عن يحيى بن سعيد أنه حدثه أن أنس بن مالك أتاهم بقباء فسأله عن بئر هناك قال فدللته عليها فقال لقد كانت هذه وإن الرجل لينضح على حماره فينزح فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بذنوب فسقي فاما أن يكون توضأ منه وإما أن يكون تفل فيه ثم أمر به فأعيد في البئر …
قلت (سيف) إسناده ظاهره الحسن، ويرجى البحث أكثر، ثم اتضح انه أحد أوجه الخلاف التي ذكر الدارقطني أن الراجح فيها الوقف (العلل 2454)
وقال أبو بكر البزار ثم الوليد بن عمرو بن مسكين ثنا محمد بن عبد الله بن مثنى عن أبيه عن ثمامة عن أنس قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلنا فسقيناه من بئر لنا في دارنا كانت تسمى النزور في الجاهلية فتفل فيها فكانت لا تنزح بعد ثم قال لا نعلم هذا يروى إلا من هذا الوجه
قلت (سيف)؛ وعبدالله بن المثنى صدوق كثير الغلط، وهذا السند مما تعقبه الدارقطني في حديث كتاب الزكاة على البخاري بعدم السماع كما في التتبع. ونقل ابن حجر في التلخيص عن ابن حزم أنه كتاب صحيح.
المهم يبقى العلة ما ذكرنا.
قال بعض الباحثين: في صحيح البخاري عن البراء بن عازب قال: أنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ألفا وأربعمائة أو أكثر، فنزلوا على بئر فنزحوها، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى البئر وقعد على شفيرها، ثم قال: (ائتوني بدلو من مائها). فأتي به، فبصق فدعا ثم قال: (دعوها ساعة). فأرووا أنفسهم وركابهم حتى ارتحلوا.
وذكر بن حجر في الإصابة: عن ناجية بن جندب قال: كنا بالغميم فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خبر قريش أنها بعثت خالد بن الوليد جريدة خيل يتلقى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكره رسول الله أن يلقاه وكان بهم رحيما، فقال: من برجل يعدلنا عن الطريق؟ فقلت: أنا بأبي أنت وأمي يا رسول الله، قال: فأخذت بهم في طريق قد كان بها فدافد وعقاب فاستوت لي الأرض حتى أنزلته على الحديبية وهي تنزح، قال: فألقى فيها سهما أو سهمين من كنانته ثم بصق فيها ثم دعا بها فعادت عيونها حتى إني أقول: لو شئنا لاغترفنا بأقداحنا
قلت (سيف) فيه موسى بن عبيدة، والراوي عن الصحابي هو عبدالله بن عمرو بن أسلم لم أجد له ترجمه.
قال باحث آخر:
وللعلم هناك بئر على طريق الهجرة القديم بعد مدينة المسيجيد: (طريق وآدي الصفراء) يقصده الناس ويذكرون ان النبي بصق فيه
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
عن بئر واقعة بين المدينة المنورة وحائل، والناس يتجمعون من كل مكان إليها يريدون الشفاء من مائها، يزعمون أنها تزيل جميع الأمراض مثل الجرب والحساسية والشلل … الخ، يقول: أفيدونا مشكورين عن حكم التوجه إليها؟.
فأجاب:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد: هذه البئر الذي سأل عنها الأخ عيظة قد سأل عنها غيره، وقد تأملنا ما نقل عنها، وما رآه من يستعمل ماءها، فاتضح لنا من ذلك أنها تفيد في مواضع كثيرة، وأن الله -جل وعلا- قد جعل في ماءها شفاءً لبعض الأمراض الجلدية والحساسية، ولا نرى مانعاً من استشفاء الناس بهذا الماء الذي جعل الله فيه بركة ونفعاً للمسلمين، وإن كانت قد تضر آخرين لأنهم يستعملونها في أشياء لا تناسبهم. فالحاصل أن فيها فائدة لكثير من الأمراض، ولا حرج في الاستفادة منها لمن وجد منها فائدة وأحس بجدوى فلا حرج في ذلك، مثل ما يستعمل بقية الأدوية … و يسأل من جرب حتى لا يقع فيما يضره،
11 – (1392) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ تَبُوكَ فَأَتَيْنَا وَادِيَ الْقُرَى عَلَى حَدِيقَةٍ لِامْرَأَةٍ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اخْرُصُوهَا» فَخَرَصْنَاهَا وَخَرَصَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةَ أَوْسُقٍ، وَقَالَ: «أَحْصِيهَا حَتَّى نَرْجِعَ إِلَيْكِ، إِنْ شَاءَ اللهُ» وَانْطَلَقْنَا، حَتَّى قَدِمْنَا تَبُوكَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَتَهُبُّ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَةَ رِيحٌ شَدِيدَةٌ، فَلَا يَقُمْ فِيهَا أَحَدٌ مِنْكُمْ فَمَنْ كَانَ لَهُ بَعِيرٌ فَلْيَشُدَّ عِقَالَهُ» فَهَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ، فَقَامَ رَجُلٌ فَحَمَلَتْهُ الرِّيحُ حَتَّى أَلْقَتْهُ بِجَبَلَيْ طَيِّئٍ، وَجَاءَ رَسُولُ ابْنِ الْعَلْمَاءِ، صَاحِبِ أَيْلَةَ، إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابٍ، وَأَهْدَى لَهُ بَغْلَةً بَيْضَاءَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَهْدَى لَهُ بُرْدًا، ثُمَّ أَقْبَلْنَا حَتَّى قَدِمْنَا وَادِيَ الْقُرَى، فَسَأَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَرْأَةَ عَنْ حَدِيقَتِهَا «كَمْ بَلَغَ ثَمَرُهَا؟» فَقَالَتْ عَشَرَةَ أَوْسُقٍ
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي مُسْرِعٌ فَمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فَلْيُسْرِعْ مَعِيَ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيَمْكُثْ» فَخَرَجْنَا حَتَّى أَشْرَفْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: «هَذِهِ طَابَةُ، وَهَذَا أُحُدٌ وَهُوَ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ»
ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ خَيْرَ دُورِ الْأَنْصَارِ دَارُ بَنِي النَّجَّارِ، ثُمَّ دَارُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، ثُمَّ دَارُ بَنِي عَبْدِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمَّ دَارُ بَنِي سَاعِدَةَ، وَفِي كُلِّ دُورِ الْأَنْصَارِ خَيْرٌ» فَلَحِقَنَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَقَالَ أَبُو أُسَيْدٍ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيَّرَ دُورَ الْأَنْصَارِ، فَجَعَلَنَا آخِرًا فَأَدْرَكَ سَعْدٌ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ خَيَّرْتَ دُورَ الْأَنْصَارِ، فَجَعَلْتَنَا آخِرًا، فَقَالَ: «أَوَلَيْسَ بِحَسْبِكُمْ أَنْ تَكُونُوا مِنَ الْخِيَارِ»
12 – (1392) حَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، إِلَى قَوْلِهِ «وَفِي كُلِّ دُورِ الْأَنْصَارِ خَيْرٌ» وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ مِنْ قِصَّةِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَزَادَ فِي حَدِيثِ وُهَيْبٍ: فَكَتَبَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَحْرِهِمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي حَدِيثِ وُهَيْبٍ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الفوائد
——————–
التخريج:
أخرجه البخاري 1481 في الزكاة: باب خَرص التمر، وأبو داود 3079 في الخراج والإمارة: باب في إحياء الموات،
وأخرجه البخاري 3161 في الجزية الموادعة: باب إذا وادع الإمامُ ملكَ القرية هل يكون ذلك لبقيتهم؟ وعلقه البخاري 5/ 272 في الهبة: باب قبول الهدية من المشركين، عن أبي حميد.
وأخرجه مقطعاً البخاري 1872 في فضائل المدينة: باب المدينة طابة، و3791 في مناقب الأنصار: باب فضل دور الأنصار، و4422 في المغازي: باب رقم 81، عن خالد بن مخلد، ومسلم 1392 في الحج: باب أُحُد جبل يحبنا ونحبه،، والبيهقي 4/ 122
شرح الحديث ومعاني الكلمات:
قوله: “اخرصوا”، الخرص: هو حزر ما على النخل من الرطب تمراً، حكى الترمذي عن بعض أهل العلم أن تفسيره أن الثمار إذا أدركت من الرطب والعنب مما تجب فيه الزكاة، بعث الأمير خارصاً ينظر، فيقول: يخرج من هذا كذا وكذا زبيباً وكذا وكذا تمراً فَيُحْصِيْه، وينظر مبلغ العشر، فيثبته عليهم، ويخلي بينهم وبين الثمار، فإذا جاء وقت الجداد، أخذ منهم العشر.
وفائدة الخرص: التوسعة على أرباب الثمار في التناول منها والبيع من زهوها، وإيثار الأهل والجيران والفقراء، لأن في منعهم منها تضييقاً لا يخفى.
وفي الزكاة سنذكر إن شاء الله قول النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرصتم فدعو الثلث، وما هو المقصود به.
ولكن لا بأس أن نذكر نبذه:
قال بعض الأئمة: واختلف القائلون به هل هو واجب أو مستحب، فحكى الصيرمي من الشافعية وجهاً بوجوبه، وقال الجمهور: هو مستحب إلا أن تعلق به حق لمحجور مثلاً، أو كان شركاؤه غير مؤتمنين، فيجب لحفظ مال غيره، واختلف أيضاً هل يختص بالنخل أو يلحق به العنب أو يعم كل ما ينتفع به رطباً وجافاً؟ وبالأول قال شريح القاضي وبعض أهل الظاهر، والثاني قول الجمهور، وإلى الثالث نحا البخاري.
وهل يمضي قول الخارص أو يرجع إلى ما آل إليه الحال بعد الجفاف؟ الأول قول مالك وطائفة، والثاني قول الشافعي ومن تبعه، وهل يكفي خارص واحد عارف ثقة أو لا بدّ من اثنين؟ وهما قولان للشافعي، والجمهور على الأول.
واختلف هل هو اعتبار أو تضمين؟ وهما قولان للشافعي أظهرهما لثاني، وفائدته جواز التصرف في جميع الثمرة ولو أتلف المالك الثمرة بعد الخرص أخذت منه الزكاة بحساب ما خرص. انتهي
(تبوك) قيل سبب تسميتها بتبوك أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءها وعليها بعض أصحابه يبوكونها بقدح – يعني يحركونها – قال ما زلتم تبوكونها فسميت بذلك ولا يصح.
-قوله (ألقته بجبلي طئ) قيل اسم أحدهما سلمى والآخر أجا، حيث عشقا بعض، فلحقتهما قبيلة المرأة فقلعت عينها وقتل أجا ووضع أحدهما على جبل والآخر على جبل فسميا بذلك، ولا يصح.
وكذلك ما ورد أن اثنين أحدهما خنق لحاجته فأصيب فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم فبرأ، والآخر ألقي بجبال طي ووصل حين وصل النبي صلى الله عليه وسلم. لا يصح، قال الذهبي: هذا مرسل منكر. (سير أعلام النبلاء 2/ 163).
وكذلك قصة موت معاوية المزني بالمدينة وكان ملازما لقراءة قل هو الله أحد، وأن جبريل أزاح عن النبي صلى الله عليه وسلم الجبال حتى صلى عليه. انكرها الذهبي أيضا، وذكر قصة أسر أكيدر دومة، في هذه الغزوة.
قوله (ببحرهم) بقراهم أو لأنهم كانوا على ساحل البحر.
-ذكر ابن خزيمة أن الصحابة لما رجعوا من غزوة تبوك كبروا ورفعوا أصواتهم فقال صلى الله عليه وسلم إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، ورد على الجهمية.
(أيلة): هي العقبة.
قال ابن حجر: وفي الهدايا في رواية إبراهيم الحربي
وعند ابن إسحاق في المغازي وقع اسمه يوحنا بن روبة، ولعل (العلماء) اسم أمه.
وفي مغازي ابن إسحاق: ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك أتاه يوحنا بن روبة صاحب أيلة، فصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاه الجزية. ثم نقل ابن حجر جزء من كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لتلك المدن وأن لهم ذمة الله وذمة النبي صلى الله عليه وسلم وعزاه لابن إسحاق.
قال العيني:
وغزوة تبوك تسمى العسرة والفاضحة وكانت في رجب سنة تسع … وقال الداودي هي آخر غزواته لم يقدر أحد أن يتخلف عنها وكانت في شدة الحر وإقبال الثمار ولم يكن فيها قتال ولم تكن غزوة إلا ورَّى النبي صلى الله عليه وسلم فيها إلا غزوة تبوك، ومكرت طائفة من المنافقين في هذه الغزوة برسول الله أرادوا أن يلقوه من العقبة.
قلت: وفي هذه الغزوة أسس المنافقون مسجد الضرار، ووقع تخلف كثير من المنافقين والثلاثة من الصادقين الذين تاب الله عليهم.
قوله (وادي القرى) ذكر السمعاني أنها مدينة قديمة بالحجاز مما يلي الشام وذكر ابن قرقول أنها من أعمال المدينة قال بعض الشراح: وهذا قريب.
-ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى ملك أيلة إقطاعات.
قال القرطبي في المفهم:
ويظهر من حال ابن العَلماء أنه استشعر، أو علم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سيظهر، ويغلب على ما تحت يده هو من البلاد، فسأله أن يقطعه بعضها. والله تعالى أعلم. وأما إهداؤه البرد؛ فمكافأة، ومواصلة، واستئلاف ليدخل في دين الإسلام، وكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يحضره في ذلك الوقت إلا ذلك البرد، والله أعلم.
(أشرفنا على المدينة) قال ابن حجر: في رواية (أخذ طريق غراب) فهذا يوضح المقصود بالاستعجال وأنه سلوك طريق مختصرة.
قلت: رواية (أخذ طريق غراب) ذكرها البخاري تعليقا بصيغة الجزم في باب خرص التمر، ووصلها ابن حجر في تعليق التغليق وفي الفتح وإسنادها جيد.
ورد في وقائع أخرى أنه إذا أشرف على المدينة حرك دابته، فلعله صلى الله عليه وسلم وقع منه الأمرين.
قوله (دور) عبر به هنا عن القبائل، وهذا نحو قوله: أمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ببناء المساجد في الدور؛ أي: في القبائل والمحلات. قرره بعض أهل العلم.
-قوله (فجعلتنا آخرا) هذا من سعد بن عبادة من باب المعاتبة اللطيفة، وكان قبل ذلك أراد المعاتبة فقال له ابن اخت له: (أتريد أن ترد على رسول الله كلامه)
فوائد في الحديث:
-فيه إثبات المحبة للجمادات، وسبق بيان ذلك قبل أبواب.
– وفي هذا الحديث مشروعية الخرص.
– وتملك المرأة، ونسبة المال لها، وكلامها مع الرجال في حدود الحاجة.
-وفي الحديث أشياء من أعلام النبوة كالإخبار عن الريح وما ذكر في تلك القصة.
-وفيه تدريب الأتباع وتعليمهم.
-وفيه أخذ الحذر مما يُتوقع الخوف منه.
-وفضل المدينة والأنصار.
-ومشروعية المفاضلة بين الفضلاء بالإجمال والتعيين،، وإن سمع ذلك المفضول، قال ابن حجر: والحديث ذكره البخاري في الغيبة ولعل ذلك من باب أن المفضل عليهم يكرهون ذلك، لكن جوازه إذا كان من باب الإخبار بالحكم الشرعي، وحمله ابن التين من باب انزال الناس منازلهم- يعني فيعرف حق الأسبق- (انتهى كلام ابن حجر بتصرف – راجع فتح الباري).
-تنبيه: ورد التفضيل بين دور الأنصار من حديث أنس وحديث أبى أسيد وسيأتي في مسلم في باب خير دور الأنصار في فضائل الصحابة، وذكر ابن حجر أن الروايات اتفقت في تقديم بني النجار لكن بعد ذلك وقع اختلاف في ترتيبها، ذكره في باب فضل دور الأنصار في شرح البخاري.
وبنو النجار هم أخوال النبي صلى الله عليه وسلم حيث أن أم عبدالمطلب منهم، وهم الذين نزل عليهم النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة، ولهم قدم صدق في نصرة الإسلام.
– وفيه مشروعية الهدية والمكافأة عليها.
-واستئلاف قلب الكافر بالهدية وجواز إقطاع أرض لهم.
-وبوب البيهقي على الحديث باب في ترتيبهم – يعني الصحابة – ثم ذكر مقولة لمالك بن أنس: أنه: مَنْ سَبَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَلَيْسَ لَهُ فِى الْفَىْءِ حَقٌّ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرُضْوَانًا) الآيَةَ هَؤُلاَءِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الَّذِينَ هَاجَرُوا مَعَهُ ثُمَّ قَالَ (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ) الآيَةَ هَؤُلاَءِ الأَنْصَارُ ثُمَّ قَالَ (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ) قَالَ مَالِكٌ: فَاسْتَثْنَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ (يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ) الآيَةَ فَالْفَىْءُ لِهَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةِ فَمَنْ سَبَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَلَيْسَ هُوَ مِنْ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةِ وَلاَ حَقَّ لَهُ فِى الْفَىْءِ.
-وفيه فضل أحد أما ما ورد؛ أن أحد وجبل لبنان وجبل الطور … من جبال الجنة فضعيف (الضعيفة 19)
– وفيه أن المخالفة لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم تورث شدة وبلاء
-وفيه قول إن شاء الله لما يستقبل.
-وفيه ما يدلّ على جواز المدح إذا قصد به الإخبار بالحق، ودعت إلى ذلك حاجة، وأمنت الفتنة على الممدوح.
– وفيه دليل على جواز المنافسة في الخير، والدين، والثواب.
-وجواز سبق الأصحاب بالرجوع للبلد أو ما شابه ذلك إذا كانت قلوبهم طيبة بذلك.
-ذكر بغلة النبي صلى الله عليه وسلم،
قال الذهبي في تاريخ الإسلام 1/ 142 وهو أيضًا في سير أعلام النبلاء طبعة أهل الحديث:
قال الدّمياطيّ: فهذه سبعة أفراس متّفق عليها، وذكر بعدها خمسة عشر فرساً مختلف فيها، وقال: قد شرحناها في كتاب الخيل.
قال: وكان سرجه دفّتاه من ليف.
وكانت له بغلة أهداها له المقوقس، شهباء يقال لها: دلّدل.
مع حمار يقال له: عفير، وبغلة يقال لها: فضّة، أهداها له فروة الجذاميّ، مع حمار يقال له يعفور، فوهب البغلة لأبي بكر، وبغلة أخرى.
قال أبو حميد السّاعديّ: غزونا تبوك، فجاء رسول ابن العَلماء صاحب أيلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب، وأهدى له بغلةً بيضاء، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهدى له بردة، وكتب له ببحرهم، والحديث في الصّحاح.
وقال ابن سعد: وبعث صاحب دومة الجندل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببغلة وجبة سندس. وفي إسناده عبد الله بن ميمون القدّاح، وهو ضعيف.
ويقال إنّ كسرى أهدى له بغلةً، وهذا بعيد، لأنّه لعنه الله مزّق كتاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
وكانت له النّاقة التي هاجر عليها من مكّة، تسمّى القصواء، والعضباء والجدعاء، وكانت شهباء.
وقال أيمن بن نابل، عن قدامة بن عبد الله قال: رأيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم على ناقة صهباء يرمي الجمرة، لا ضرب وطرد، ولا إليك إليك. حديث حسن.
الصّهباء: الشقراء.
وكانت له صلى الله عليه وسلم لقاح أغارت عليها غطفان وفزارة، فاستنقذها سلمة ابن الأكوع وجاء بها يسوقها. أخرجه البخاريّ. وهو من الثّلاثيات. انتهى كلام الذهبي
وفضلت النقل عن الذهبي لأنه ذكر حكمه على بعض ما نسب للنبي صلى الله عليه وسلم خلافا لابن حجر، حيث ذكر بعضها ساكتاً، وقد استنكرها الذهبي ومعروف قاعدة ابن حجر فيما سكت عليه.
بقي أن حديث إهداء المقوقس للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة ذكر له الزيلعي إسنادين أحدهما مرسل، والآخر موصول وظاهر الموصول الحسن فيتقوى، بالمرسل، والمرسل ذكره الذهبي موصولا وعزاه للدولابي لكن يحتاج لتأمل فلعل الطريق المرسلة تعلها. المهم تكفي الطرق السابقة لتصحيح الحديث.
أما إهداء فروة الجذامي للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة وركبها يوم حنين فهو في مسلم 1775
-ورد حديث في جبل جمدان قال النبي صلى الله عليه وسلم (هذا جمدان سبق المفردون)
ذكر صاحبنا أبوصالح فائدة:
قال أبو إسحق ابن قرقول (ت 569ه):
جمدان: بالميم والدال، وصحفه يزيد بن هارون بالنون، وصحفه بعض رواة مسلم فقال حمران بالراء والحاء، وهو منزل من منازل أسلم بين قديد وعسفان.
قال بعض المحققين المعاصرين
وجه دلالة هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ربط بين الجبل وبين ذكر الله عز وجل، لان الارض تسكن بالجبال …. وكذلك القلب يسكن بذكر الله.
ونقل صاحبنا أحمد بن علي عن القرطبي أنه قال: كما أن جمدان فرد فذكره بهؤلاء المفردون