(2991 إلى 2995) فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
مجموعة: جمع أحمد بن علي وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وأسامة الحميري ومحمد فارح ويوسف بن محمد السوري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
جاء في صحيح الإمام مسلم رحمه الله من ((56)) – (كِتَابُ: الزُّهْدِ، وَالرَّقَائِقِ)،
(9) – بابُ تَشْمِيتِ العاطِسِ، وكَراهَةِ التَّثاؤُبِ
(53) – ((2991)) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنا حَفْصٌ وهُوَ ابْنُ غِياثٍ، عَنْ سُلَيْمانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ، قالَ: عَطَسَ عِنْدَ النَّبِيِّ ? رَجُلانِ، فَشَمَّتَ أحَدَهُما ولَمْ يُشَمِّتِ الآخَرَ، فَقالَ الَّذِي لَمْ يُشَمِّتْهُ: عَطَسَ فُلانٌ فَشَمَّتَّهُ، وعَطَسْتُ أنا فَلَمْ تُشَمِّتْنِي، قالَ: «إنَّ هَذا حَمِدَ اللهَ، وإنَّكَ لَمْ تَحْمَدِ اللهَ»،
(53) – وحَدَّثَنا أبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنا أبُو خالِدٍ يَعْنِي الأحْمَرَ، عَنْ سُلَيْمانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ? بِمِثْلِهِ
(54) – ((2992)) حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، ومُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ – واللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ – قالا: حَدَّثَنا القاسِمُ بْنُ مالِكٍ، عَنْ عاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أبِي بُرْدَةَ، قالَ: دَخَلْتُ عَلى أبِي مُوسى وهُوَ فِي بَيْتِ بِنْتِ الفَضْلِ بْنِ عَبّاسٍ، فَعَطَسْتُ فَلَمْ يُشَمِّتْنِي، وعَطَسَتْ فَشَمَّتَها، فَرَجَعْتُ إلى أُمِّي فَأخْبَرْتُها، فَلَمّا جاءَها قالَتْ: عَطَسَ عِنْدَكَ ابْنِي فَلَمْ تُشَمِّتْهُ، وعَطَسَتْ فَشَمَّتَّها، فَقالَ: إنَّ ابْنَكِ عَطَسَ، فَلَمْ يَحْمَدِ اللهَ، فَلَمْ أُشَمِّتْهُ، وعَطَسَتْ، فَحَمِدَتِ اللهَ فَشَمَّتُّها، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ? يَقُولُ: «إذا عَطَسَ أحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللهَ، فَشَمِّتُوهُ، فَإنْ لَمْ يَحْمَدِ اللهَ، فَلا تُشَمِّتُوهُ»
(55) – ((2993)) حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنا وكِيعٌ، حَدَّثَنا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمّارٍ، عَنْ إياسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ، عَنْ أبِيهِ، ح وحَدَّثَنا إسْحاقُ بْنُ إبْراهِيمَ – واللَّفْظُ لَهُ – حَدَّثَنا أبُو النَّضْرِ هاشِمُ بْنُ القاسِمِ، حَدَّثَنا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمّارٍ، حَدَّثَنِي إياسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ، أنَّ أباهُ، حَدَّثَهُ أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ?، وعَطَسَ رَجُلٌ عِنْدَهُ، فَقالَ لَهُ: «يَرْحَمُكَ اللهُ» ثُمَّ عَطَسَ أُخْرى، فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ?: «الرَّجُلُ مَزْكُومٌ»
(56) – ((2994)) حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ أيُّوبَ، وقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ، قالُوا: حَدَّثَنا إسْماعِيلُ يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ، عَنِ العَلاءِ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أنَّ رَسُولَ اللهِ ? قالَ: «التَّثاؤُبُ مِنَ الشَّيْطانِ، فَإذا تَثاءَبَ أحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ ما اسْتَطاعَ»
(57) – ((2995)) حَدَّثَنِي أبُو غَسّانَ المِسْمَعِيُّ مالِكُ بْنُ عَبْدِ الواحِدِ، حَدَّثَنا بِشْرُ بْنُ المُفَضَّلِ، حَدَّثَنا سُهَيْلُ بْنُ أبِي صالِحٍ، قالَ: سَمِعْتُ ابْنًا لِأبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، يُحَدِّثُ أبِي، عَنْ أبِيهِ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ?: «إذا تَثاءَبَ أحَدُكُمْ، فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ عَلى فِيهِ، فَإنَّ الشَّيْطانَ يَدْخُلُ»
(58) – ((2995)) حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبِي سَعِيدٍ، عَنْ أبِيهِ، أنَّ رَسُولَ اللهِ ? قالَ: «إذا تَثاءَبَ أحَدُكُمْ، فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ، فَإنَّ الشَّيْطانَ يَدْخُلُ»
(59) – ((2995)) حَدَّثَنِي أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا وكِيعٌ، عَنْ سُفْيانَ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أبِي صالِحٍ، عَنِ ابْنِ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، عَنْ أبِيهِ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ?: «إذا تَثاءَبَ أحَدُكُمْ فِي الصَّلاةِ، فَلْيَكْظِمْ ما اسْتَطاعَ، فَإنَّ الشَّيْطانَ يَدْخُلُ»،
(59) – حَدَّثَناهُ عُثْمانُ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أبِيهِ، وعَنِ ابْنِ أبِي سَعِيدٍ، عَنْ أبِي سَعِيدٍ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ?: بِمِثْلِ حَدِيثِ بِشْرٍ وعَبْدِ العَزِيزِ.
==========
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
قال الحافظ النووي رحمه الله: (” ((11)) – (بَابُ: تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَكَرَاهَةِ التّثَاؤُبِ) “).
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[(7455)] ((2991)) -الحديث
شرح الحديث:
(عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) رضي الله عنه، وفي رواية شعبة: «عن سليمان التيميّ، سمعت أنسًا»، (قَالَ) أنس: (عَطَسَ) بفتح الطاء في الماضي، وبكسرها، وضمها في المضارع، من بابَي ضرب، ونصر، (عِنْدَ النَّبِيِّ ? رَجُلَانِ) في حديث أبي هريرة عند البخاريّ في «الأدب المفرد»، وصححه ابن حبان: «أحدهما أشرف من الآخر، وأن الشريف لم يَحْمد»، وللطبرانيّ من حديث سهل بن سعد: أنهما عامر بن الطفيل، وابن أخيه. (فَشَمَّتَ) النبيّ ? (أَحَدَهُمَا، وَلَمْ يُشَمِّتِ الآخَرَ) قال النوويّ رحمه الله: يقال: شَمّت بالشين المعجمة، والمهملة، لغتان مشهورتان، المعجمة أفصح، قال ثعلب: معناه بالمعجمة: أبعد الله عنك الشماتة، وبالمهملة هو من السمت، وهو القصد، والهدى. انتهى [«شرح النوويّ» (18) / (120)].
وقال في «الفتح»: «فشمّت» بالمعجمة، وللسرخسيّ بالمهملة، ووقع في رواية أحمد عن يحيى القطان، عن سليمان التيميّ: «فشمّت، أو سمّت» بالشك في المعجمة، أو المهملة، وهو من التشميت، قال الخليل، وأبو عبيد، وغيرهما: يقال بالمعجمة، وبالمهملة، وقال ابن الأنباريّ: كل داع بالخير مُشَمِّت بالمعجمة، وبالمهملة، والعرب تجعل الشين والسين في اللفظ الواحد بمعنى. انتهى.
قال الحافظ: وهذا ليس مطردًا، بل هو في مواضع معدودة، وقد جمعها شيخنا شمس الدين الشيرازيّ صاحب «القاموس» في جزء لطيف.
قال أبو عبيد: التشميت بالمعجمة أعلى، وأكثر، وقال عياض: هو كذلك للأكثر من هل العربية، وفي الرواية، وقال ثعلب: الاختيار أنه بالمهملة؛ لأنه مأخوذ من السمت، وهو القصد، والطريق القويم، وأشار ابن دقيق العيد في «شرح الإلمام» إلى ترجيحه.
وقال القزاز: التشميت التبريك، والعرب تقول: شمّته: إذا دعا له بالبركة، وشمّت عليه: إذا برّك عليه، وفي الحديث في قصة تزويج عليّ بفاطمة رضي الله عنهما شمّت عليهما: إذا دعا لهما بالبركة.
ونقل ابن التين عن أبي عبد الملك قال: التسميت بالمهملة أفصح، وهو من سمت الإبل في المرعى: إذا جمعت، فمعناه على هذا: جمع الله شملك.
وتعقبه بأن سمت الإبل إنما هو بالمعجمة، وكذا نقله غير واحد أنه بالمعجمة، فيكون معنى سمّته: دعا له، بأن يجمع شمله، وقيل: هو بالمعجمة من الشماتة، وهو فرح الشخص بما يسوء عدوه، فكأنه دعا له أن لا يكون في حال من يُشمت به، أو أنه إذا حمد الله أدخل على الشيطان ما يسوؤه، فشمت هو بالشيطان، وقيل: هو من الشوامت جمع شامتة، وهي القائمة، يقال: لا ترك الله له شامتة؛ أي: قائمة.
وقال ابن العربي في «شرح الترمذيّ»: تكلم أهل اللغة على اشتقاق اللفظين، ولم يبينوا المعنى فيه، وهو بديع، وذلك أن العاطس ينحلّ كلّ عضو في رأسه، وما يتصل به من العنق، ونحوه،
فكأنه إذا قيل له: رحمك الله، كان معناه أعطاه الله رحمة، يرجع بها بذلك العضو إلى حاله قبل العطاس، ويقيم على حاله من غير تغيير، فإن كان التسميت بالمهملة، فمعناه: رجع كل عضو إلى سمته الذي كان عليه، وإن كان بالمعجمة فمعناه: صان الله شوامته؛ أي: قوائمه التي بها قوام بدنه عن خروجها عن الاعتدال، قال: وشوامت كل شيء: قوائمه التي بها قوامه، فقوام الدابة بسلامة قوائمها التي ينتفع بها إذا سلمت، وقوام الآدمي بسلامة قوائمه التي بها قوامه، وهي رأسه، وما يتصل به، من عنق، وصدر. انتهى ملخصًا [«الفتح» (14) / (108) – (109)، «كتاب الأدب» رقم ((6221))].
(فَقَالَ الَّذِي لَمْ يُشَمِّتْهُ) النبيّ ? (عَطَسَ فُلَانٌ فَشَمَّتَّهُ)؛ أي: دعوت له، (وَعَطَسْتُ أَنَا فَلَمْ تُشَمِّتْني)؛ أي: لم تدع لي، ولماذا هذا التفريق؟.
ووقع في رواية البخاريّ بلفظ: «فقيل له»، فقال في «الفتح»: السائل عن ذلك هو العاطس الذي لم يحمد، وقع كذلك في حديث أبي هريرة بلفظ: «فسأله الشريف»، وكذا في رواية شعبة بلفظ: «فقال الرجل: يا رسول الله شمتّ هذا، ولم تشمتني»، وهذا قد يعكر على ما في حديث سهل بن سعد أن الشريف المذكور هو عامر بن الطفيل، فإنه كان كافرًا، ومات على كفره، فيبعد أن يخاطب، النبيّ ? بقوله: يا رسول الله،
ويَحْتَمِل: أن يكون قالها غير معتقد، بل باعتبار ما يخاطبه المسلمون،
وَيحْتَمِل: أن تكون القصة لعامر بن الطفيل المذكور، ففي الصحابة عامر بن الطفيل الأسلميّ له ذِكر في الصحابة، وحديثه رواه عنه عبد الله بن بريدة الأسلميّ، حدثني عمي عامر بن الطفيل، وفي الصحابة أيضًا عامر بن الطفيل الأزديّ، ذكره وثيمة في «كتاب الردة» وورد له مرثية في النبيّ ?، فإن لم يكن في سياق حديث سهل بن سعد ما يدل على أنه عامر المشهور احتَمَل أن يكون أحد هذين.
قال الحافظ: ثم راجعت «معجم الطبرانيّ» فوجدت في سياق حديث سهل بن سعد الدلالة الظاهرة على أنه عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب الفارس المشهور، وكان قَدِم المدينة، وجرى بينه وبين ثابت بن قيس بحضرة النبيّ ? كلام، ثم عطس ابن أخيه، فحمد، فشمّته النبيّ ?، ثم عطس عامر فلم يحمد، فلم يشمته، فسأله … الحديث، وفيه قصة غزوة بئر معونة، وكان هو السبب فيها، ومات عامر بن الطفيل بعد ذلك كافرًا في قصة له مشهورة في موته، ذكرها ابن إسحاق وغيره. انتهى [«الفتح» (14) / (109) – (110)].
(قَالَ) النبيّ ? ردًّا على سؤاله: (إِنَّ هَذَا حَمِدَ اللهَ) فاستحقّ التشميت، (وَإنَّكَ لَمْ تَحْمَدِ اللهَ) فلم تستحقّ التشميت، وفي حديث أبي هريرة: «إن هذا ذكر الله، فذكرته، وأنت نسيت الله، فنسيتك»، وقد تقدم أن النسيان يُطلق، ويراد به الترك.
قال الحليميّ رحمه الله: الحكمهّ في مشروعية الحمد للعاطس، أن العطاس يدفع الأذى من الدماغ الذي فيه قوة الفكر، ومنه منشأ الأعصاب التي هي معدن الحس، وبسلامته تسلم الأعضاء، فيظهر بهذا أنها نعمة جليلة، فناسب أن تقابل بالحمد لله، لِمَا فيه من الإقرار لله بالخلق والقدرة، وإضافة الخلق إليه، لا إلى الطبائع. انتهى [«الفتح» (14) / (110)].
وحديث أنس بن مالك رحمه الله هذا متّفقٌ عليه.
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[(7457)] ((2992)) – الحديث
شرح الحديث:
(عَنْ أَبِي بُرْدَةَ) بن أبي موسى؛ أنه (قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُوسَى) أبيه عبد الله بن قيس رض الله عنه (وَهْوَ)؛ أي: والحال أنه (فِي بَيْتِ) زوجته (بِنْتِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ). قال النوويّ رحمه الله: هذه البنت هي أم كلثوم بنت الفضل بن عباس، امرأة أبي موسى الأشعريّ، تزوجها بعد فراق الحسن بن عليّ لها، وولدت لأبي موسى، ومات عنها، فتزوجها بعده عمران بن طلحة، ففارقها، وماتت بالكوفة، ودُفنت بظاهرها. انتهى [«شرح النوويّ» (18) / (121) – (122)].
(قَالَتْ: عَطَسَ عِنْدَكَ ابْنِي) أبو بردة (فَلَمْ تُشَمِّتْهُ، وَعَطَسَتْ) زوجتك بنت الفضل (فَشَمَّتَّهَا) غرضها الإنكار على أبي موسى فيما فعل، ومنشؤه الغيرة التي تحصل بين الضرائر، فقال: (سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ? يَقُولُ:» إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ، فَحَمِدَ اللهَ) تعالى (فَشَمِّتُوهُ) تقدّم أن الراجح أنه للوجوب، قال أبو عمر بن عبد البرّ رحمه الله: شمَّتَ، وسمَّتَ، لُغتانِ معرُوفتانِ عندَ أهلِ العِلم لا يختلِفُونَ في ذلك. قال الخليلُ بن أحمدَ: التَّسميتُ، لُغةٌ في تَشْميتِ العاطِسِ.
ورُوي عن ثعلب أنه سئل عن معنى التشميت والتسميت، فقال: أما التشميت فمعناه: أبعد الله عنك الشماتة، وجنّبك ما يَشْمَت به عدوّك، وأما التسميت فمعناه: جعلك الله على سمت حسن، ونحو هذا، قال أبو عمر: وهذا كله إنما ينويه الداعي له بصلاح الحال، والغفران، والرحمة، على ما جاء في سُنّة التشميت. انتهى [«التمهيد» لابن عبد البر (17) / (334)].
(فَإِنْ لَمْ يَحْمَدِ اللهَ، فَلَا تُشَمِّتُوهُ) قال النوويّ عفا الله عنه: هذا تصريح بالأمر بالتشميت إذا حمد العاطس، وتصريح بالنهي عن تشميته إذا لم يحمده، فيُكره تشميته إذا لم يحمد، فلو حمد، ولم يسمعه الإنسان لم يشمّته، وقال مالك: لا يشمته حتى يسمع حمده، قال: فإن رأيت من يليه شمّته فشمّته، قال القاضي: قال بعض شيوخنا: وإنما أُمر العاطس بالحمد لِمَا حصل له من المنفعة بخروج ما اختنق في دماغه من الأبخرة. انتهى [«شرح النوويّ» (18) / (121)].
وقال في «الفتح»: قال النوويّ: مقتضى هذا الحديث أن من لم يحمد الله لم يشمت، قال الحافظ: هو منطوقه، لكن هل النهي فيه للتحريم، أو للتنزيه؟
الجمهور على الثاني، قال: وأقل الحمد والتشميت أن يسمع صاحبه، ويؤخذ منه أنه إذا أَتَى بلفظ آخر غير الحمد، لا يشمَّت، وقد أخرج أبو داود، والنسائيّ، وغيرهما، من حديث سالم بن عبيد الأشجعيّ قال: «عطس رجل، فقال: السلام عليكم، فقال النبيّ ?: عليك وعلى أمك، وقال: إذا عطس أحدكم، فليحمد الله».
واستُدل به على أنه يُشرع التشميت لمن حمد، إذا عرف السامع أنه حمد الله، وإن لم يسمعه، كما لو سمع العطسة، ولم يسمع الحمد، بل سمع من شمّت ذلك العاطس، فإنه يُشرع له التشميت، لعموم الأمر به لمن عطس فحمد.
وقال النوويّ: المختار أنه يشمّته مَن سَمِعه دون غيره، وحكى ابن العربيّ اختلافًا فيه، ورجح أنه يشمته، وكذا نقله ابن بطال وغيره عن مالك،
واستثنى ابن دقيق العيد مَنْ عَلِم أن الذين عند العاطس جهلة، لا يفرقون بين تشميت من حَمِد، وبين من لم يحمد، والتشميت متوقف على من عُلم أنه حمد، فيمتنع تشميت هذا، ولو شمته من عنده؛ لأنه لا يعلم هل حمد أو لا؟ فإن عطس وحمد، ولم يشمته أحد، فسمعه من بَعُد عنه، استُحب له أن يشمته حين يسمعه.
وقد أخرج ابن عبد البرّ بسند جيد عن أبي داود، صاحب «السنن» أنه كان في سفينة، فسمع عاطسًا على الشطّ حمد، فاكترى قاربًا بدرهم، حتى جاء إلى العاطس، فشمّته، ثم رجع، فسئل عن ذلك، فقال: لعله يكون مجاب الدعوة، فلما رقدوا سمعوا قائلًا يقول: يا أهل السفينة إن أبا داود اشترى الجنة من الله بدرهم.
قال النوويّ: ويستحب لمن حضر من عطس، فلم يحمد أن يذكّره بالحمد؛ ليحمد، فيشمته، وقد ثبت ذلك عن إبراهيم النخعيّ، وهو من باب النصيحة، والأمر بالمعروف، وزعم ابن العربيّ أنه جهل من فاعله، قال: وأخطأ فيما زعم، بل الصواب استحبابه، قال الحافظ: احتج ابن العربي لقوله بأنه إذا نبهه ألزم نفسه ما لم يلزمها، قال: فلو جمع بينهما، فقال: الحمد لله، يرحمك الله جمع جهالتين، ما ذكرناه أولًا، وإيقاعه التشميت قبل وجود الحمد من العاطس.
وحكى ابن بطال عن بعض أهل العلم – وحكى غيره أنه الأوزاعيّ – أن رجلًا عطس عنده، فلم يحمد، فقال له: كيف يقول من عطس؟ قال: الحمد لله، قال: يرحمك الله.
قلت – القائل هو الحافظ -: وكأن ابن العربي أخذ بظاهر الحديث؛ لأن النبيّ ? لم يذكِّر الذي عطس، فلم يحمد، لكن يحتمل أنه لم يكن مسلمًا، فلعل تَرْك ذلك لذلك، لكن يَحتمل أن يكون كما أشار إليه ابن بطال أراد تأديبه على ترك الحمد بترك تشميته، ثم عرّفه الحكم، وأن الذي يترك الحمد لا يستحق التشميت، وهذا الذي فهمه أبو موسى الأشعريّ رضي الله عنه، ففعل بعد النبيّ ? مثل ما فعل النبيّ ? شمّت من حمد، ولم يشمّت من لم يحمد. انتهى. [» الفتح” (14) / (123) – (124)].
وحديث أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه هذا من أفراد المصنّف رحمه الله.
تنبيه: حديث سالم بن عبيد الأشجعيّ قال: «عطس رجل، فقال: السلام عليكم، فقال النبيّ ?: عليك وعلى أمك، وقال: إذا عطس أحدكم، فليحمد الله». قال محققو المسند:
إسناده ضعيف لإبهام رجلين فيه، ولاضطرابه. ثم ذكروا الطرق وقالوا:
قلنا: وقد ورد نحو خبر سالم بن عبيد هذا عن عمر بن الخطاب، فقد أخرج عبد الرزاق في «مصنفه» ((19677)) عن معمر، عن بديل العقيلي، عن أبي العلاء يزيد بن عبد الله بن الشِّخِّير قال: عطس رجلٌ عند عمر بن الخطاب فقال: السلام عليك. فقال عمر: وعليك وعلى أمِّك، أمَا يعلم أحدكم ما يقول إذا عطس؟ إذا عطس أحدكم، فليقل: الحمد لله، وليقل القوم: يرحمك الله، وليقل هو: يغفر
الله لكم. ورجاله ثقات إلا أنه مرسل، فإن أبا العلاء لم يسمع من عمر فيما يغلب على ظننِّا.=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وروي عن ابن مسعود مرفوعًا وموقوفًا -والموقوف أصح- عند البخاري في «الأدب المفرد» ((934))، والنسائي في «عمل اليوم والليلة» ((224)) قال: إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله رب العالمين، ويقال له: يرحمكم الله، وإذا قيل له: يرحمكم الله، فليقل: يغفرُ الله لكم. والموقوف سنده حسن، وانظر تتمة تخريجه في «شرح مشكل الآثار» للطحاوي ((4008)) وما بعده.
وروى مالك في «الموطأ» (2) / (965) عن نافع: أن عبد الله بن عمر كان إذا عَطَس فقيل له: يرحمك الله، قال: يرحمُنا الله وإياكم، ويغفرُ لنا ولكم.
قلنا: والصحيح في هذا الباب -كما قال البخاري في «تاريخه الأوسط» (2) / (233) – حديث أبي هريرة عن النبي ? قال: «إذا عَطَس أحدُكم فليقل: الحمد لله، فإذا قال: الحمد لله، قال له أخوه: يرحمك الله، فإذا قيل له: يرحمك الله، فليقل: يَهدِيكم الله ويُصلِحُ بالَكم»، وهو في «صحيح البخاري»
كلام البخاري في التاريخ الأوسط:
(2419) – حَدثنَا على حَدَّثَنَا جرير عَن مَنْصُور عَن هِلَال بن يسان كُنَّا مَعَ سَالم بن عبيد فعطس رجل فَذكر عَن النَّبِي ? قَالَ عَليّ لم أجد على جرير فِي حَدِيث مَنْصُور إِلَّا فِي هَذَا
(2420) – وَقَالَ شيط بن نبيط إِنَّمَا هُوَ نبيط بن شريط فَذَكرته لعبد الرَّحْمَن قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عوَانَة عَن مَنْصُور عَن هِلَال عَن رجل من آل عرفطة عَن سَالم قَالَ عَليّ فَذَكرته لأبي دَاوُد فَقَالَ حَدَّثَنَا وَرْقَاء عَن مَنْصُور عَن هِلَال عَن خَالِد بن عرْفجَة عَن سَالم فَذَكرته ليحيى بن سعيد فَقَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَان عَن مَنْصُور عَن هِلَال عَن رجل كُنَّا مَعَ سَالم
(2421) – وروى أَبُو النَّصْر عَن أبي جَعْفَر عَن مَنْصُور عَن هِلَال كُنَّا مَعَ سَالم وَالصَّحِيح فِي ذَا الْبَاب مَا حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ? قَالَ إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ للَّهِ فَإِذَا قَالَ الْحَمْدُ للَّهِ فَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَلْيَقُلْ هُوَ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ انتهى
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[(7458)] ((2993)) – الحديث
شرح الحديث:
(عَن إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْن الأَكْوَعِ، عَنْ أَبِيهِ) سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، أنه (حَدَّثَهُ)، أي: حدث إياسًا (أَنَّهُ) أي: سلمة (سَمِعَ النَّبِيَّ ?، وَ) الحال أنه (عَطَسَ رَجُلٌ) لم يسمّ، (عِنْدَهُ) ? (فَقَالَ لَهُ) النبيّ ?: («يَرْحَمُكَ اللهُ») دعا له بأن يرحمه الله تعالى، (ثُمَّ عَطَسَ) الرجل (أُخْرَى)؛ أي: عطسة ثانية (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ?: «الرَّجُلُ مَزْكُومٌ») ظاهره أنه ما شمّته في المرّة الثانية، لكن أكثر الأحاديث على أنه يُشمّت على الثالثة، فترجّح على هذه الرواية.
قال النوويّ في «الأذكار»: إذا تكرر العطاس متتابعًا فالسُّنَّة أن يشمّته لكل مرة، إلى أن يبلغ ثلاث مرات، روينا في «صحيح مسلم»، وأبي داود، والترمذيّ عن سلمة بن الأكوع أنه «سمع النبيّ ?، وعطس عنده رجل، فقال له: يرحمك الله، ثم عطس أخرى، فقال له رسول الله ?: الرجل مزكوم»، هذا لفظ رواية مسلم، وأما أبو داود، والترمذيّ، فقالا: قال سلمة: «عطس رجل عند النبيّ ?، وأنا شاهد، فقال له رسول الله ?: يرحمك الله، ثم عطس الثانية، أو الثالثة، فقال رسول الله ?: يرحمك الله، هذا رجل مزكوم». انتهى كلامه.
قال الحافظ رحمه الله: ونقلته من نسخة عليها خطه بالسماع عليه، والذي نسبه إلى أبي داود، والترمذيّ من إعادة قوله ? للعاطس: «يرحمك الله» ليس في شيء من نُسخهما، كما سأبيّنه، فقد أخرجه أيضًا أبو عوانة، وأبو نعيم في «مستخرجيهما»، والنسائيّ، وابن ماجه، والدارميّ، وأحمد، وابن أبي شيبة، وابن السنيّ، وأبو نعيم أيضًا في «عمل اليوم والليلة»، وابن حبان في «صحيحه»، والبيهقيّ في «الشُّعَب» كلهم من رواية عكرمة بن عمار، عن إياس بن سلمة، عن أبيه، وهو الوجه الذي أخرجه منه مسلم، وألفاظهم متفاوتة، وليس عند أحد منهم إعادة: «يرحمك الله» في الحديث، وكذلك ما نسبه إلى أبي داود، والترمذيّ أن عندهما: «ثم عطس الثانية، أو الثالثة» فيه نظر، فإن لفظ أبي داود: «أن رجلًا عطس»، والباقي مثل سياق مسلم سواء، إلا أنه لم يقل: «أخرى»، ولفظ الترمذيّ مثل ما ذكره النوويّ إلى قوله: «ثم عطس»، فإنه ذكره بعده، مثل أبي داود سواء، وهذه رواية ابن المبارك عنده، وأخرجه من رواية يحيى القطان، فأحال به على رواية ابن المبارك، فقال نحوه، إلا أنه قال له في الثانية: «أنت مزكوم»، وفي رواية شعبة قال يحيى القطان، وفي رواية عبد الرحمن بن مهديّ قال له في الثالثة: «أنت مزكوم».
وهؤلاء الأربعة رووه عن عكرمة بن عمار، وأكثر الروايات المذكورة ليس فيها تعرّض للثالثة، ورجّح الترمذي رواية من قال في الثالثة، على رواية من قال في الثانية.
وقد وجدت الحديث من رواية يحيى القطان يوافق ما ذكره النوويّ، وهو ما أخرجه قاسم بن أصبغ في «مصنفه»، وابن عبد البرّ من طريقه قال: حدّثنا محمد بن عبد السلام، حدّثنا محمد بن بشار، حدّثنا يحيى القطان، حدّثنا عكرمة، فذكره بلفظ: «عطس رجل عند النبيّ ?، فشمته، ثم عطس، فشمته، ثم عطس، فقال له في الثالثة: أنت مزكوم»، هكذا رأيت فيه: «ثم عطس، فشمته»، وقد أخرجه الإمام أحمد، عن يحيى القطان، ولفظه: «ثم عطس الثانية، والثالثة، فقال النبيّ ?: الرجل مزكوم».
وهذا اختلاف شديد في لفظ هذا الحديث، لكن الأكثر على ترك ذكر التشميت بعد الأُولى، وأخرجه ابن ماجه من طريق وكيع، عن عكرمة، بلفظ آخر: «قال: يشمَّت العاطس ثلاثًا، فما زاد فهو مزكوم»، وجعل الحديث كله من لفظ النبيّ ?، وأفاد تكرير التشميت، وهي رواية شاذّة؛ لمخالفة جميع أصحاب عكرمة بن عمار في سياقه، ولعل ذلك من عكرمة المذكور لمّا حدث به وكيعًا، فإن في حفظه مقالًا، فإن كانت محفوظة فهو شاهد قويّ لحديث أبي هريرة. انتهى.
قال الإتيوبي عفا الله عنه: قد تبيّن بما سبق أن أرجح روايات عكرمة بن عمار هي رواية مسلم أنه ? شمّته في الأولى، وقال في الثانية مزكوم، ثم إن الرواية الثالثة أرجح من هذه؛ لأن بها العمل بالزائد، وهو أَولى، فتنبّه، والله تعالى أعلم.
وحديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه هذا من أفراد المصنّف رحمه الله.
* فقه وفوائد الحديث:
1 – (ومنها): بيان مشروعيّة حمد الله تعالى للعاطس، وتشميته إذا عطس.
2 – (ومنها): أن التشميت إنما يُشرع لمن حمد الله تعالى، قال ابن العربيّ: وهو مجمع عليه.
وأنه إذا لم يحمد لا يستحقّ التشميت.
3 – (ومنها): أن تشميت العاطس واجب على القول الراجح؛ لوروده بصيغة الأمر، قال ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى: ظاهر الأمر الوجوب، ويؤيده قوله في حديث أبي هريرة: «فحقّ على كل مسلم سمعه أن يشمته»، وفي حديث أبي هريرة الآخر: «حق المسلم على المسلم ست … » فذكر فيها: «وإذا عطس فحمد الله فشمته «، رواه مسلم، وللبخاريّ من وجه آخر عن أبي هريرة:» خمس تجب للمسلم على المسلم، فذكر منها التشميت، وهو عند مسلم أيضًا، وفي حديث عائشة، عند أحمد، وأبي يعلى: «إذا عطس أحدكم، فليقل: الحمد لله، وليقل من عنده: يرحمك الله»، ونحوه عند الطبرانيّ من حديث أبي مالك.
وقد أخذ بظاهرها بن مُزَيْنٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَقَالَ بِهِ جُمْهُورُ أَهْلِ الظاهر وقال بن أَبِي جَمْرَةَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَائِنَا إِنَّهُ فرض عين، وقواه ابن القيم في «حواشي السنن»، فقال: جاء بلفظ الوجوب الصريح، وبلفظ الحقّ الدال عليه، وبلفظ «على» الظاهرة فيه، وبصيغة الأمر التي هي حقيقة فيه، وبقول الصحابيّ: أمرنا رسول الله ?، قال: ولا ريب أن الفقهاء أثبتوا وجوب أشياء كثيرة بدون مجموع هذه الأشياء.
وذهب آخرون إلى أنه فرض كفاية، إذا قام به البعض سقط عن الباقين، ورجحه أبو الوليد بن رشد، وأبو بكر ابن العربيّ، وقال به الحنفية، وجمهور الحنابلة.
وذهب عبد الوهاب، وجماعة من المالكية إلى أنه مستحب، ويجزئ الواحد عن الجماعة، وهو قول الشافعية، والراجح من حيث الدليل القول الثاني، والأحاديث الصحيحة الدالة على الوجوب، لا تنافي كونه على الكفاية، فإن الأمر بتشميت العاطس، وإن ورد في عموم المكلفين، ففرض الكفاية يخاطَب به الجميع على الأصح، ويسقط بفعل البعض، وأما من قال: إنه فرض على مبهم، فإنه ينافي كونه فرض عين، قاله في «الفتح».
قال الإتيوبي عفا الله عنه: عندي أن القول بكونه فرض عين هو الأظهر؛ لحديث البخاريّ: «فإذا عطس، فحمد الله، فحقّ على كل مسلم سمعه أن يشمته»، فهذا نصّ صريح في إيجابه على كلّ من سمعه، فالقول بأنه كفائيّ ينافي هذا النصّ الصريح، فتأمل بالإنصاف.
4 – (ومنها): جواز السؤال عن علة الحكم، وبيانها للسائل، ولا سيما إذا كان له في ذلك منفعة.
5 – (ومنها): أن العاطس إذا لم يحمد الله تعالى لا يلقن الحمد ليحمد، فيشمّت، كذا استدل به بعضهم، وهو ظاهر هذا الحديث، فإن النبيّ ? لم يلقّن الساكت الحمد حتى يشمّته، بل سكت عنه.
6 – (ومنها): أن من آداب العاطس أن يخفض بالعطس صوته، ويرفعه بالحمد، وأن يغطي وجهه؛ لئلا يبدو من فيه، أو أنفه ما يؤذي جليسه، ولا يلوي عنقه يمينًا ولا شمالًا؛ لئلا يتضرر بذلك.
قال ابن العربيّ: الحكمة في خفض الصوت بالعطاس أن في رفعه إزعاجًا للأعضاء، وفي تغطية الوجه أنه لو بدر منه شيء آذى جليسه، ولو لوى عنقه صيانة لجليسه لم يأمن من الالتواء، وقد شاهدنا من وقع له ذلك، وقد أخرج أبو داود، والترمذيّ بسند جيّد عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: كان النبيّ ? إذا عطس وضع يده على فيه، وخفض صوته، وله شاهد من حديث ابن عمر بنحوه، عند الطبرانيّ. وصحح الألباني حديث أبي هريرة رضي الله عنهم صحيح الجامع 4755
7 – (ومنها): ما قاله ابن دقيق العيد رحمه الله: ومن فوائد التشميت: تحصيل المودة، والتأليف بين المسلمين، وتأديب العاطس بكسر النفس عن الكِبْر، والحمل على التواضع؛ لِمَا في ذكر الرحمة من الإشعار بالذنب الذي لا يعرى عنه أكثر المكلفين، ذكره في «الفتح» [«الفتح» (14) / (110)]، والله تعالى أعلم.
8 – يقول ابن القيم في مفتاح دار السعادة:
فصل وَمِمَّا كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يَتَطَيَّرُونَ بِهِ ويتشاءمون مِنْهُ العطاس كَمَا
يتشاءمون بالبوارح
والسوانح قَالَ رُؤْيَة بن العجاج يصف فلاة
قطعتها وَلَا أهاب العطاسا … وَقَالَ أمرؤ الْقَيْس:
وَقد اغتدى قبل العطاس بهيكل … شَدِيد مشيد الْجنب فَعم الْمنطق
أَرَادَ أَنه كَانَ ينتبه للصَّيْد قبل أَن ينتبه النَّاس من نومهم لَيْلًا يسمع عطاسا فيتشاءم بعطاسه وَكَانُوا إِذا عطس من يحبونه قَالُوا لَهُ عمرا وشبابا وَإِذا عطس من يبغضونه قَالُوا لَهُ وريا وقحابا والورى كالرمي دَاء يُصِيب الكبد فيفسدها والقحاب كالسعال وزنا وَمعنى فَكَانَ الرجل إِذا سمع عطاسا يتشاءم بِهِ يَقُول بكلابي إِنِّي أسَال الله أَن يَجْعَل شُؤْم عطاسك بك لأبي وَكَانَ تشاؤمهم بالعطسة الشَّدِيدَة أَشد كَمَا حكى عَن بعض الْمُلُوك أَن سامرا لَهُ عطس عطسة شَدِيدَة راعته فَغَضب الْملك فَقَالَ سميره وَالله مَا تَعَمّدت ذَلِك وَلَكِن هَذَا عطاسي فَقَالَ وَالله لَئِن لم تأتني بِمن يشْهد لَك
بذلك لأَقْتُلَنك فَقَالَ أخرجني إِلَى النَّاس لعلى أجد من يشْهد لي فَأخْرجهُ وَقد وكل بِهِ الأعوان فَوجدَ رجلا فَقَالَ يَا سَيِّدي نشدتك بِاللَّه إِن كنت سَمِعت عطاسي يَوْمًا فلعلك تشهد لي بِهِ عِنْد الْملك فَقَالَ نعم
أَنا أشهد لَك فَنَهَضَ مَعَه وَقَالَ يَا أَيهَا الْملك أَنا أشهد أَن هَذَا الرجل عطس يَوْمًا فطار ضرس من أَضْرَاسه فَقَالَ لَهُ الْملك عد إِلَى حَدِيثك ومجلسك فَلَمَّا جَاءَ الله سُبْحَانَهُ بِالْإِسْلَامِ وأبطل بِرَسُولِهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّة من الضَّلَالَة نهى أمته عَن التشاؤم والتطير وَشرع لَهُم أَن يجْعَلُوا مَكَان الدُّعَاء على الْعَاطِس بالمكروه الدُّعَاء لَهُ بِالرَّحْمَةِ كَمَا أَمر العائن أَن يَدْعُو بالتبريك للمعين وَلما كَانَ الدُّعَاء على الْعَاطِس نوعا من الظُّلم وَالْبَغي جعل الدُّعَاء لَهُ بِلَفْظ الرَّحْمَة الْمنَافِي للظلم وَأمر الْعَاطِس عمرَان يَدْعُو لسامعه ويشمته بالمغفرة وَالْهِدَايَة وَإِصْلَاح البال فَيَقُول يغْفر الله لنا وَلكم أَو يهديكم الله وَيصْلح بالكم فاما الدُّعَاء بالهداية فَلَمَّا أَن اهْتَدَى إِلَى طَاعَة الرَّسُول وَرغب عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ أهل الْجَاهِلِيَّة فَدَعَا لَهُ أَن يُثبتهُ الله عَلَيْهَا ويهديه إِلَيْهَا وَكَذَلِكَ الدُّعَاء باصلاح البال وَهِي حِكْمَة جَامِعَة لصلاح شَأْنه كُله وَهِي من بَاب الْجَزَاء على دُعَائِهِ لِأَخِيهِ بِالرَّحْمَةِ فَنَاسَبَ أَن يجازيه بِالدُّعَاءِ لَهُ بإصلاح البال وَأما الدُّعَاء بالمغفرة فجَاء بِلَفْظ يَشْمَل الْعَاطِس والمشمت كَقَوْلِه يغْفر الله لنا وَلكم ليستحصل من مَجْمُوع دَعْوَى الْعَاطِس والمشمت لَهُ الْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة لَهما مَعًا فصلوات الله وَسَلَامه على الْمَبْعُوث بصلاح الدُّنْيَا
وَالْآخِرَة وَلأَجل هَذَا وَالله أعلم لم يُؤمر بتشميت من لم يحمد الله فَإِن الدُّعَاء لَهُ بِالرَّحْمَةِ نعْمَة فَلَا يَسْتَحِقهَا من لم يحمد الله ويشكره على هَذِه النِّعْمَة ويتأسى بابيه آدم فَإِنَّهُ لما نفخت فِيهِ الرّوح إِلَى الخياشيم عطس فألهمه ربه أَن نطق بِحَمْدِهِ فَقَالَ الْحَمد لله فَقَالَ الله سُبْحَانَهُ يَرْحَمك الله يَا آدم فَصَارَت تِلْكَ سنة العطاس فَمن لم يحمد الله لم يسْتَحق هَذِه الدعْوَة وَلما سبقت هَذِه الْكَلِمَة لآدَم قبل أَن يُصِيبهُ مَا اصابه كَانَ مآله إِلَى الرَّحْمَة وَكَانَ مَا جرى عارضا وَزَالَ فَإِن الرَّحْمَة سبقت الْعقُوبَة وغلبت الْغَضَب
وايضا فَإِنَّمَا أَمر الْعَاطِس بالتحميد عَن العطاس لِأَن
الْجَاهِلِيَّة كَانُوا يَعْتَقِدُونَ فِيهِ أَنه دَاء وَيكرهُ أحدهم أَن يعطس وَيَوَد أَنه لم يصدر مِنْهُ لما فِي ذَلِك من الشؤم وَكَانَ الْعَاطِس يحبس نَفسه عَن العطاس وَيمْتَنع من ذَلِك جهده من سوء اعْتِقَاد جهالهم فِيهِ وَلذَلِك وَالله أعلم بنوا لَفظه على بِنَاء الأدواء كالزكام والسعال والدوار والسهام وَغَيرهَا فاعلموا أَنه لَيْسَ بداء وَلكنه أَمر يُحِبهُ الله وَهُوَ نعْمَة مِنْهُ يسْتَوْجب عَلَيْهَا من عَبده أَن يحمده عَلَيْهَا وَفِي الحَدِيث الْمَرْفُوع أَن الله يحب العطاس وَيكرهُ التثاؤب والعطاس ريح مختنقة تخرج وتفتح السد من الكبد وَهُوَ دَلِيل جيد للْمَرِيض مُؤذن بانفراج بعض علته وَفِي بعض الْأَمْرَاض يسْتَعْمل مَا يعطس العليل وَيجْعَل نوعا من العلاج ومعينا عَلَيْهِ هَذَا قدر زَائِد على مَا أحبه الشَّارِع من ذَلِك وَأمر بِحَمْد الله عَلَيْهِ وبالدعاء لمن صدر مِنْهُ وَحمد الله عَلَيْهِ وَلِهَذَا فَالله أعلم …..
تنبيه: حديث لأبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا:
لمَّا خلق اللهُ آدمَ، ونفخ فيه الرُّوحَ عطس فقال الحمدُ للهِ، فحمِد اللهَ بإذنِ اللهِ تبارك وتعالَى، فقال له ربُّك: رحمِك اللهُ يا آدمُ، وقال له يا آدمُ: اذهبْ إلى أولئك الملائكةِ، إلى ملأٍ منهم جلوسٍ، فقل: السَّلامُ عليكم، فقالوا: وعليك السَّلامُ ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، ثمَّ رجع إلى ربِّه عزَّ وجلَّ فقال: هذه تحيَّتُك وتحيَّةُ بنيك، وبنيهم، ….
المصدر: التوحيد لابن خزيمة | الصفحة أو الرقم: 160/ 1 | خلاصة حكم المحدث: [أشار في المقدمة أنه صح وثبت بالإسناد الثابت الصحيح] | التخريج: أخرجه الترمذي (3368)، والبزار (8478)، وابن خزيمة في ((التوحيد)) (1/ 160) واللفظ له
===================
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[(7459)] ((2994)) – الحديث
شرح الحديث:
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) رضي الله عنه؛ (أَنَّ رَسُولَ اللهِ ? قَالَ:» التَّثَاؤُبُ مِنَ الشَّيْطَانِ) قال ابن بطال رحمه الله تعالى: إضافة التثاؤب إلى الشيطان بمعنى إضافة الرضا والإرادة؛ أي: إن الشيطان يحب أن يرى الإنسان متثائبًا؛ لأنها حالة تتغير فيها صورته، فيضحك منه، لا أن المراد أن الشيطان فعل التثاؤب.
وقال ابن العربيّ رحمه الله: قد بيّنا أن كل فعل مكروه نسبه الشرع إلى الشيطان؛ لأنه واسطته، وأن كل فعل حَسَن نسبه الشرع إلى الملَك؛ لأنه واسطته، قال: والتثاؤب من الامتلاء، وينشأ عنه التكاسل، وذلك بواسطة الشيطان، والعطاس من تقليل الغذاء، وينشأ عنه النشاط، وذلك بواسطة الملك.
وقال النوويّ رحمه الله: أضيف التثاؤب إلى الشيطان؛ لأنه يدعو إلى الشهوات؛ إذ يكون عن ثقل البدن، واسترخائه، وامتلائه، والمراد: التحذير من السبب، الذي يتولد منه ذلك، وهو التوسع في المأكل [«الفتح» (14) / (125)].
(فَإِذَا تَثَاءَبَ) بالهمز، ويقال: بالواو بدلها، قال في «الفتح»: قوله: «تثاوب» كذا للأكثر، وللمستملي: «تثاءب» بهمزة بدل الواو، قال الحافظ العراقيّ في «شرح الترمذيّ»: وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمَحْبُوبِيِّ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ بِالْوَاوِ وَفِي رِوَايَةِ السِّنْجِيِّ بِالْهَمْزِ، ووقع عند البخاريّ، وأبي داود، بالهمز، وكذا في حديث أبي سعيد عند أبي داود، وأما عند مسلم فبالواو، قال: وكذا هو في أكثر نُسخ مسلم، وفي بعضها بالهمز، وقد أنكر الجوهريّ كونه بالواو، وقال: تقول: تثاءبت على وزن تفاعلت، ولا تقل: تثاوبت، قال: والتثاؤب أيضًا مهموز، وقد يقلبون الهمزة المضمومة واوًا، والاسم: الثُّؤَباء، بضم، ثم همز، على وزن الْخُيَلاء، وَجزم بن دُرَيْدٍ وَثَابِتُ بْنُ قَاسِمٍ فِي الدَّلَائِلِ بِأَنَّ الَّذِي بِغَيْرِ وَاوٍ بِوَزْنِ تَيَمَّمْتُ، فقال ثابت: لا يقال: تثاءب بالمدّ مخففًا، بل يقال تثأدب بالتشديد، وقال ابن دريد: أصله من ثئب فهو مثئوب: إذا استرخى، وكَسِل، وقال غير واحد: إنهما لغتان، وبالهمز، والمدّ أشهر. انتهى [» الفتح «(14) / (125)].
(فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ) بفتح ياء المضارعة، وكسر الظاء المعجمة، من باب ضرب؛ أي: ليحبسه، وليمسكه بوضع اليد على الفم، أو تطبيق السنّ، وضم الشفتين [» تحفة الأحوذيّ” (2) / (307)]،
وقوله: (مَا اسْتَطَاعَ) «ما» مصدرّية ظرفيّة؛ أي: مدّة استطاعته على الكظم، وفي الرواية الآتية: «فليُمسك بيده»، ولفظ البخاريّ: «فليردّه ما استطاع»؛ أي: يأخذ في أسباب رده، وليس المراد به أنه يملك دفعه؛ لأن الذي وقع لا يُرَدّ حقيقة، وقيل: معنى إذا تثاءب: إذا أراد أن يتثاءب، وجوّز الكرمانيّ أن يكون الماضي فيه بمعنى المضارع.
زاد في الرواية الآتية: «فإن الشيطان يدخل»، وفي رواية البخاريّ: «فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان»، وفي رواية ابن عجلان: «فإذا قال: آه ضحك منه الشيطان».
وفي الرواية الثالثة: «إذا تثاءب أحدكم في الصلاة، فليكظم ما استطاع، فإن الشيطان يدخل» هكذا قيّده بحالة الصلاة، وكذا هو عند الترمذيّ، ولفظه: «التثاؤب في الصلاة من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع»، وعند ابن ماجه: «إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فِيهِ وَلَا يَعْوِي؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَضْحَكُ مِنْهُ»، والله تعالى أعلم.
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا متّفقٌ عليه.
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[(7460)] ((2995)) الحديث
حديث أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه هذا من أفراد المصنّف رحمه الله تعالى.
* فقه وفوائد الحديث:
1 – (منها): بيان أن التثاؤب من عمل الشيطان، وبيان أن الشيطان متسلط على الإنسان في جميع أحواله.
2 – (ومنها): الأمر بكظم التثاؤب بوضع اليد ونحوه.
3 – (ومنها): ما قاله الحافظ العراقيّ رحمه الله في «شرح الترمذيّ»: أكثر روايات «الصحيحين» فيها إطلاق التثاؤب، ووقع في الرواية الأخرى – هي في حديث أبي سعيد الخدريّ الآتي لمسلم بعد حديثين – تقييده بحالة الصلاة، فيَحْتَمِل: أن يُحمل المطلق على المقيد، وللشيطان غرض قويّ في التشويش على المصلي في صلاته، وَيَحْتَمِل: أن تكون كراهته في الصلاة أشدّ، ولا يلزم من ذلك أن لا يُكره في غير حالة الصلاة، وقد قال بعضهم: إن المطلق إنما يُحمل على المقيد في الأمر، لا في النهي، ويؤيد كراهته مطلقًا كونه من الشيطان، وبذلك صرح النوويّ.
قال ابن العربيّ رحمه الله: ينبغي كظم التثاؤب في كل حالة، وإنما خَصّ الصلاة؛ لأنها أَولى الأحوال بدفعه؛ لِمَا فيه من الخروج عن اعتدال الهيئة، واعوجاج الخلقة.
وأما قوله: «ولا يعوي» فإنه بالعين المهملة، شبّه التثاؤب الذي يسترسل معه بعُواء الكلب، تنفيرًا عنه، واستقباحًا له، فإن الكلب يرفع رأسه، ويفتح فاه، ويعوي، والمتثائب إذا أفرط في التثاؤب شابهه، ومن هنا تظهر النكتة في كونه يضحك منه؛ لأنه صيّره ملعبة له بتشويه خلقه في تلك الحالة.
4 – (ومنها): أن قوله في رواية مسلم هنا: «فإن الشيطان يدخل» قيل: يَحْتَمِل: أن يراد به الدخول حقيقة، وهو وإن كان يجري من الإنسان مجرى الدم، لكنه لا يتمكن منه ما دام ذاكرًا لله تعالى، والمتثائب في تلك الحالة غير ذاكر، فيتمكن الشيطان من الدخول فيه حقيقة.
وَيحْتَمِل: أن يكون أطلق الدخول، وأراد التمكن منه؛ لأن من شأن من دخل في شيء أن يكون متمكنًا منه.
قال الإتيوبي عفا الله عنه: الاحتمال الأول هو الأَولى؛ لظاهر النصّ، فتأمل، والله تعالى أعلم.
5 – (ومنها): أن الأمر بوضع اليد على الفم يتناول ما إذا انفتح بالتثاؤب، فيغطي بالكفّ ونحوه، وما إذا كان منطبقًا حفظًا له عن الانفتاح بسبب ذلك، وفي معنى وضع اليد على الفم وَضْع الثوب ونحوه مما يحصل ذلك، المقصود، وإنما تتعين اليد إذا لم يرتدّ التثاؤب بدونها، ولا فرق في هذا الأمر بين المصلي وغيره، بل يتأكد في حال الصلاة كما تقدم.
6 – (ومنها): ما قيل: إنه يستثنى ذلك من النهي عن وضع المصلي يده على فمه، ومما يؤمر به المتثائب إذا كان في الصلاة أن يُمسك عن القراءة، حتي يذهب عنه؛ لئلا يتغير نظم قراءته، وأسند ابن أبي شيبة نحو ذلك عن مجاهد، وعكرمة، والتابعين المشهورين.
[تنبيه]: من الخصائص النبوية ما أخرجه ابن أبي شيبة، والبخاريّ في «التاريخ» من مرسل يزيد بن الأصم، قال: «ما تثاءب النبيّ ? قط»، وأخرج الخطابيّ من طريق مسلمة بن عبد الملك بن مروان قال: «ما تثاءب نبيّ قط»، ومسلمة أدرك بعض الصحابة، وهو صدوق، ويؤيد ذلك ما ثبت أن التثاؤب من الشيطان، ووقع في «الشفاء» لابن سبع أنه ? كان لا يتمطى؛ لأنه من الشيطان. [«الفتح» (14) / (126) – (127)]. والله تعالى أعلم. [البحر المحيط الثجاج للإتيوبي رحمه الله، بتصرف يسير].
قال ابن باز:
وفي هذه المراسيل نظر إذ التثاؤب من طبيعة البشر والخصائص لا بد لها من دليل صحيح لإثباتها.
ومسلمة في التقريب: مقبول.
الحلل الإبريزية من التعليقات البازية على صحيح البخاري (4) / (182)
وقال صاحب انيس الساري:
(3286) – عن يزيد بن الأصم قال: ما تثاءب النبي ? قط «
قال الحافظ: أخرجه ابن أبي شيبة والبخاري في» التاريخ «من مرسل يزيد بن الأصم قال: فذكره» ((1))
مرسل
أخرجه ابن سعد ((1) / (385)) عن محمد بن عبد الله الأسدي أنا سفيان عن أبي فزارة عن يزيد بن الأصم قال: ما رئي النبي ? متثاوبا في صلاة قط.
ورجاله ثقات، وأبو فزارة اسمه راشد بن كيسان.
أنيس الساري (تخريج أحاديث فتح الباري) (7) / (4615)
ثانيًا: الأحكام والمسائل والملحقات:
أولاً: تَشْمِيتٌ أحكام ومسائل
(المسألة الأولى):
مِنْ مَعَانِي التَّشْمِيتِ لُغَةً: الدُّعَاءُ بِالْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ. وَكُل دَاعٍ لأَحَدٍ بِخَيْرٍ فَهُوَ مُشَمِّتٌ وَمُسَمِّتٌ بِالشِّينِ وَالسِّينِ، وَالشِّينُ أَعْلَى وَأَفْشَى فِي كَلاَمِهِمْ. وَكُل دُعَاءٍ بِخَيْرٍ فَهُوَ تَشْمِيتٌ.
وَفِي حَدِيثِ تَزْوِيجِ عَلِيٍّ بِفَاطِمَةَ رضي الله عنهما: شَمَّتَ عَلَيْهِمَا: أَيْ: دَعَا لَهُمَا بِالْبَرَكَةِ. [حديث: «تشميت النبي ? علي وفاطمة. . .» أورده أبو عبيد _الله لحافظ ابن حجر والنووي.
(المسألة الثانية): الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُشْرَعُ لِلْعَاطِسِ عَقِبَ عُطَاسِهِ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ، فَيَقُول: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَوْ زَادَ: رَبِّ الْعَالَمِينَ كَانَ أَحْسَن كَفِعْل ابْنِ مَسْعُودٍ.
وَلَوْ قَال: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُل حَالٍ كَانَ أَفْضَل كَفِعْل ابْنِ عُمَرَ.
وَقِيل يَقُول: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، كَفِعْل غَيْرِهِمَا.
وَرَوَى أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ مَرْفُوعًا إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَقُل: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُل حَالٍ أَوِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [أخرجه أحمد ((6) / (7) – ط الميمنية) من حديث سالم بن عبيد. وفي إسناده جهالة، ولكن ذكر له ابن حجر شواهد تقويه. (الفتح (10) / (600))]، وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ ? قَال: إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُل: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُل حَالٍ. [أخرجه أبو داود ((5) / (290) – ط عزت عبيد دعاس) والحاكم ((4) / (265) – (266) ط دائرة المعارف العثمانية). وإسناده صحيح. فتح الباري ((10) / (608))]، وَمَتَى حَمِدَ اللَّهَ بَعْدَ عَطْسَتِهِ كَانَ حَقًّا عَلَى مَنْ سَمِعَهُ مِنْ إِخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ غَيْرِ الْمُصَلِّينَ أَنْ يُشَمِّتَهُ «يَرْحَمُكَ اللَّهُ»؛ فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ، فَحَقٌّ عَلَى كُل مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يَقُول: يَرْحَمُكَ اللَّهُ. [أخرجه البخاري ((10) / (611) – الفتح)]. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ ? قَال: إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُل: الْحَمْدُ لِلَّهِ. وَلْيَقُل لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ. فَإِذَا قَال لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَلْيَقُل: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ. [أخرجه البخاري ((10) / (608) – الفتح)].
وَعَنِ النَّبِيِّ ? قَال: حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلاَمِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى فَشَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ. [أخرجه البخاري ((3) / (112) – الفتح). ومسلم ((4) / (1705))].
وَإِنْ لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ بَعْدَ عَطْسَتِهِ فَلاَ يُشَمَّتُ.
فَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه مَرْفُوعًا: إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتُوهُ، فَإِنْ لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ فَلاَ تُشَمِّتُوهُ. [أخرجه أحمد ((4) / (412)) ومسلم ((4) / (2292))].
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَال: عَطَسَ رَجُلاَنِ عِنْدَ النَّبِيِّ ? فَشَمَّتَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُشَمِّتِ الاخَرَ. فَقَال الَّذِي لَمْ يُشَمِّتْهُ: عَطَسَ فُلاَنٌ فَشَمَّتَّهُ، وَعَطَسْتُ فَلَمْ تُشَمِّتْنِي فَقَال: إِنَّ هَذَا حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى، وَإِنَّكَ لَمْ تَحْمَدِ اللَّهَ تَعَالَى [أخرجه البخاري ((10) / (610) – الفتح) ومسلم ((4) / (2292)) واللفظ لمسلم]، وَهَذَا الْحُكْمُ عَامٌّ، وَلَيْسَ مَخْصُوصًا بِالرَّجُل الَّذِي وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ.
يُؤَيِّدُ الْعُمُومَ مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتُوهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ فَلاَ تُشَمِّتُوهُ.
فَالتَّشْمِيتُ قَدْ شُرِعَ لِمَنْ حَمِدَ اللَّهَ دُونَ مَنْ لَمْ يَحْمَدْهُ، فَإِذَا عَرَفَ السَّامِعُ أَنَّ الْعَاطِسَ حَمِدَ اللَّهَ بَعْدَ عَطْسَتِهِ شَمَّتَهُ، كَأَنْ سَمِعَهُ يَحْمَدُ اللَّهَ، وَإِنْ سَمِعَ الْعَطْسَةَ وَلَمْ يَسْمَعْهُ يَحْمَدُ اللَّهَ، بَل سَمِعَ مَنْ شَمَّتَ ذَلِكَ الْعَاطِسَ، فَإِنَّهُ يُشْرَعُ لَهُ التَّشْمِيتُ لِعُمُومِ الأَمْرِ بِهِ لِمَنْ عَطَسَ فَحَمِدَ، وَقَال النَّوَوِيُّ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُشَمِّتُهُ مَنْ سَمِعَهُ دُونَ غَيْرِهِ.
وَهَذَا التَّشْمِيتُ سُنَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
وَفِي قَوْلٍ لِلْحَنَابِلَةِ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ وَاجِبٌ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ بِوُجُوبِهِ عَلَى الْكِفَايَةِ. [الفتاوى الهندية (5) / (326)، والاختيار شرح المختار (4) / (165) ط مصطفى الحلبي (1959)، وحاشية الجمل على شرح المنهج (2) / (32)، والأذكار للنووي (240) – (241)، والآداب الشرعية لابن مفلح (1) / (326)، وفتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر (10) / (599)، (600)، (610)، (611)، وكفاية الطالب الرباني (2) / (340) – (399)، والشرح الصغير (4) / (764)] وَنُقِل عَنِ الْبَيَانِ أَنَّ الأَشْهَرَ أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ، لِحَدِيثِ كَانَ حَقًّا عَلَى كُل مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يَقُول لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ. [فتح الباري (10) / (611)].
فَإِنْ عَطَسَ وَلَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ نِسْيَانًا اسْتُحِبَّ لِمَنْ حَضَرَهُ أَنْ يُذَكِّرَهُ الْحَمْدَ لِيَحْمَدَ فَيُشَمِّتَهُ. وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ [فتح الباري (10) / (611)]. انتهى من الموسوعة الكويتية.
قال المَرُّوذِيُّ: إنَّ رَجُلًا عَطَسَ عِنْد أَبِي عَبْد اللَّه، فَلَمْ يَحْمَد اللَّهَ، فانْتَظَرَهُ أَنْ يَحْمَد اللَّهَ، فَيُشَمِّتهُ، فَلَمّا أَرادَ أَنْ يَقُومَ، قال لَهُ أَبُو عَبْد للَّه: كَيْف تَقُولُ إذا عَطَسْتَ؟
قال: أَقُولُ الحَمْدُ للَّه، فقال لَهُ أَبُو عَبْد اللَّه: يَرْحَمُكَ اللَّهُ.
«الآداب الشرعية» (2) / (328)
قال الشيخ الإتيوبي رحمه الله:
في اختلاف أهل العلم في حكم تشميت العاطس:
قال النوويّ رحمه الله: أجمعت الأمة على أن تشميت العاطس مشروع،
ثم اختلفوا في، إيجابه،
فأوجبه: أهل الظاهر، وابن مريم من المالكية، على كل من سمعه؛ لظاهر قوله ?: «فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته»،
قال القاضي: والمشهور من مذهب مالك أنه فرض كفاية، قال: وبه قال جماعة من العلماء، كردّ السلام،
ومذهب الشافعيّ، وأصحابه، وآخرين أنه سُنّة، وأدب، وليس بواجب، ويحملون الحديث على الندب، والأدب، كقوله ?: «حقّ على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام».
قال القاضي: واختلف العلماء في كيفية الحمد، والردّ، واختلفت فيه الآثار،
فقيل: يقول: الحمد لله، وقيل: الحمد لله رب العالمين، وقيل: الحمد لله على كل حال، وقال ابن جرير: هو مخير بين هذا كله، وهذا هو الصحيح، وأجمعوا على أنه مأمور بالحمد لله.
وأما لفظ التشميت، فقيل: يقول: يرحمك الله. وقيل: يقول: الحمد لله، يرحمك الله. وقيل: يقول: يرحمنا الله، وإياكم.
قال: واختلفوا في رد العاطس على المشمت، فقيل: يقول: يهديكم الله، ويصلح بالكم. وقيل: يقول: يغفر الله لنا ولكم.
وقال مالك، والشافعيّ: يخيَّر بين هذين، وهذا هو الصواب، وقد صحَّت الأحاديث بهما،
قال: ولو تكرر العطاس، قال مالك: يشمّته ثلاثًا، ثم يسكت. انتهى كلام النوويّ رحمه الله [«شرح النوويّ» (18) / (120) – (121)].
وقال في «الفتح» عند قول البخاريّ: «باب: الحمد للعاطس» ما نصّه: أي: مشروعيته، وظاهر الحديث يقتضي وجوبه، لثبوت الأمر الصريح به، ولكن نقل النووي الاتفاق على استحبابه.
وأما لفظه، فنقل ابن بطال وغيره عن طائفة أنه لا يزيد على «الحمد لله»، كما في حديث أبي هريرة. وعن طائفة يقول: «الحمد لله على كل حال»،
قال: وقد جاء النهي عن ابن عمر، وقال فيه: «هكذا علّمنا رسول الله ?»، أخرجه البزار، والطبرانيّ، وأصله عند الترمذيّ، وعند الطبرانيّ من حديث أبي مالك الأشعريّ، رفعه: «إذا عطس أحدكم، فليقل: الحمد لله على كل حال»، ومثله عند أبي داود، من حديث أبي هريرة، وللنسائيّ من حديث عليّ، رفعه: «يقول العاطس: الحمد لله على كل حال»، ولابن السنيّ من حديث أبي أيوب مثله، ولأحمد، والنسائيّ من حديث سالم بن عبيد، رفعه: «إذا عطس أحدكم، فليقل: الحمد لله على كل حال، أو الحمد الله رب العالمين».
وعن طائفة يقول: «الحمد لله رب العالمين»، ورد ذلك في حديث لابن مسعود، أخرجه البخاريّ في «الأدب المفرد»، والطبرانيّ.
وورد الجمع بين اللفظين، فعنده في «الأدب المفرد» عن عليّ قال: «من قال عند عطسة سمعها: الحمد لله رب العالمين، على كل حال ما كان، لم يجد وجع الضرس، ولا الأذن أبدًا»، وهذا موقوف، رجاله ثقات، ومثله لا يقال من قِبَل الرأي، فله حكم الرفع.
وقد أخرجه الطبرانيّ من وجه آخر، عن عليّ مرفوعًا بلفظ: «من بادر العاطس بالحمد عوفي من وجع الخاصرة، ولم يشتك ضرسه أبدًا»، وسنده ضعيف، وللبخاريّ أيضًا في «الأدب المفرد»، والطبراني بسند لا بأس به، عن ابن عباس قال: «إذا عطس الرجل، فقال: الحمد لله، قال الملك: رب العالمين، فإن قال: رب العالمين، قال الملك: يرحمك الله».
وعن طائفة: ما زاد من الثناء فيما يتعلق بالحمد كان حسنًا، فقد أخرج أبو جعفر الطبريّ في «التهذيب» بسند لا بأس به، عن أم سلمة، قالت: «عطس رجل عند النبيّ ?، فقال: الحمد لله، فقال له النبيّ ?: يرحمك الله، وعطس آخر، فقال: الحمد لله رب العالمين، حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه، فقال: ارتفع هذا على هذا تسع عشرة درجة»، ويؤيده ما أخرجه الترمذيّ وغيره من حديث، رفاعة بن رافع، قال: «صليت مع النبيّ ?، فعطست، فقلت: الحمد لله حمدًا طيبًا مباركًا فيه، مباركًا عليه، كما يحب ربنا ويرضى، فلما انصرف قال: من المتكلم؟ ثلاثًا فقلت: أنا، فقال: والذي نفسي بيده، لقد ابتدرها بضعة وثلاثون ملَكًا، أيهم يصعد بها».
وأخرجه الطبرانيّ، وبَيَّن أن الصلاة المذكورة: المغرب، وسنده لا بأس به، وأصله في «صحيح البخاريّ» لكن ليس فيه ذِكر العطاس، وإنما فيه: «كنا نصلي مع النبيّ ?، فلما رفع رأسه من الركعة، قال: سمع الله لمن حمده، فقال رجل وراءه: ربنا لك الحمد إلخ» بنحوه.
ولمسلم وغيره من حديث أنس: «جاء رجل، فدخل في الصفّ، وقد حفزه النَّفَس، فقال: الله أكبر، الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه … » الحديث، وفيه: «لقد رأيت اثني عشر ملَكًا يبتدرونها أيهم يرفعها».
وأخرج الطبرانيّ، وابن السنيّ من حديث عامر بن ربيعة نحوه، بسند لا بأس به، وأخرجه ابن السنيّ بسند ضعيف، عن أبي رافع، قال: «كنت مع رسول الله ?، فعطس، فخلى يدي، ثم قام، فقال شيئًا لم أفهمه، فسألته، فقال: أتاني جبريل، فقال: إذا أنت عطست، فقل: الحمد لله لكرمه، الحمد لله لعز جلاله، فإن الله تعالى يقول: صدق عبدي – ثلاثًا – مغفورًا له».
وأما الثناء الخارج عن الحمد، فورد فيه ما أخرجه البيهقيّ في «الشعب» من طريق الضحاك بن قيس اليشكريّ قال: «عطس رجل عند ابن عمر، فقال: الحمد لله رب العالمين، فقال ابن عمر: لو تمَّمتها: والسلام على رسول الله ?»، وأخرجه من وجه آخر عن ابن عمر نحوه.
ويعارضه ما أخرجه الترمذيّ قال: «عطس رجل، فقال: الحمد لله، والصلاة على رسول الله ?، فقال ابن عمر: الحمد لله، والصلاة على رسول الله، ولكن ليس هكذا علمنا رسول الله ?».
قال الترمذيّ: غريب لا نعرفه إلا من رواية زياد بن الربيع، قال الحافظ: وهو صدوق، قال البخاريّ: وفيه نظر، وقال ابن عديّ: لا أرى به بأسًا، ورجّح البيهقيّ ما تقدم على رواية زياد، والله أعلم.
قال: ولا أصل لِمَا اعتاده كثير من الناس من استكمال قراءة الفاتحة بعد قوله: «الحمد لله رب العالمين»، وكذا العدول من الحمد إلى أشهد أن لا إله إلا الله، أو تقديمها على الحمد، فمكروه.
وقد أخرج البخاريّ في «الأدب المفرد» بسند صحيح عن مجاهد: «أن ابن عمر سمع ابنه عطس، فقال: أب، فقال: وما أب؟ إن الشيطان جعلها بين العطسة والحمد»، وأخرجه ابن أبي شيبة بلفظ: «أش» بدل «أب».
ونقل ابن بطال عن الطبريّ أن العاطس يتخير بين أن يقول: «الحمد لله»، أو يزيد «رب العالمين»، أو «على كل حال»، والذي يتحرر من الأدلة أن كل ذلك مجزئ، لكن ما كان أكثر ثناء أفضل، بشرط أن يكون مأثورًا.
وقال النوويّ في «الأذكار»: اتفق العلماء على أنه يستحب للعاطس أن يقول عقب عطاسه: الحمد لله، ولو قال: الحمد لله رب العالمين، لكان أحسن، فلو قال: الحمد لله على كل حال، كان أفضل، كذا قال، والأخبار التي ذكرتها تقتضي التخيير، ثم الأولوية كما تقدم. انتهى ما في «الفتح». [«الفتح» (14) / (106) – (108)]، وهو بحث نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم. انتهى من البحر الثجاج للإتيوبي رحم الله تعالى.
(المسألة الثالثة):
وَيُنْدَبُ لِلْعَاطِسِ أَنْ يَرُدَّ عَلَى مَنْ شَمَّتَهُ: فَيَقُول لَهُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ، أَوْ يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ، وَقِيل: يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، فَيَقُول: يَرْحَمُنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ وَيَغْفِرُ لَنَا وَلَكُمْ. فَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا عَطَسَ فَقِيل لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ. قَال: يَرْحَمُنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ وَيَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ.
قَال ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى عَظِيمِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَى الْعَاطِسِ. يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِمَّا رُتِّبَ عَلَيْهِ مِنَ الْخَيْرِ.
وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى عَظِيمِ فَضْل اللَّهِ عَلَى عَبْدِهِ. فَإِنَّهُ أَذْهَبَ عَنْهُ الضَّرَرَ بِنِعْمَةِ الْعَطْسِ، ثُمَّ شَرَعَ لَهُ الْحَمْدَ الَّذِي يُثَابُ عَلَيْهِ، ثُمَّ الدُّعَاءَ بِالْخَيْرِ بَعْدَ الدُّعَاءِ بِالْخَيْرِ وَشَرَعَ هَذِهِ النِّعَمَ الْمُتَوَالِيَاتِ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ فَضْلًا مِنْهُ وَإِحْسَانًا.
فَإِذَا قِيل لِلْعَاطِسِ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَمَعْنَاهُ: جَعَل اللَّهُ لَكَ ذَلِكَ لِتَدُومَ لَكَ السَّلاَمَةَ، وَفِيهِ: إِشَارَةٌ إِلَى تَنْبِيهِ الْعَاطِسِ عَلَى طَلَبِ الرَّحْمَةِ وَالتَّوْبَةِ مِنَ الذَّنْبِ، وَمِنْ ثَمَّ شُرِعَ بِهِ الْجَوَابُ بِقَوْلِهِ: غَفَرَ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ وَقَوْلُهُ: وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ، أَيْ: شَأْنَكُمْ. [كفاية الطالب على شرح الرسالة (2) / (399) – (400) ط مصطفى الحلبي (1938)، والشرح الصغير (4) / (765)، وفتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر (10) / (609) – (610)]. وقَوْله تَعَالَى: {سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ} [سورة محمد / (5)] أَيْ: شَأْنَهُمْ.
وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ فِي صَلاَتِهِ أَوْ خَلاَئِهِ.
في مسائل ابي داود:
(176) – ما يسن أن يقول عند العطاس، وما يقال له
قال أبو داود: قلت لأحمد: إذا عطس الرجل ما يقول؟
قال: يحمد اللَّه، ويقال له: يرحمك اللَّه، ويقول: يهديكم اللَّه ويصلح بالكم.
«مسائل أبو داود» ((1811))
قال ابن هانئ: وسألته: إذا عطس الرجل، فشمت، يقول: يهديكم اللَّه ويصلح بالكم.
قال: يقول هو: يهديكم اللَّه ويصلح بالكم.
«مسائل ابن هانئ» ((1992))
قال عبد اللَّه: عطست عند عبد اللَّه بن أبي شيبة، أو عطس عنده رجل وأنا عنده بالكوفة سنة ثلاثين ومائتين، فحمدت اللَّه، أو حمد اللَّه الرجل، فقال: يرحمك اللَّه.
فقلت: يهديكم اللَّه، أو قال له رجل: يهديكم اللَّه ويصلح بالكم.
فقال ابن أبي شيبة: قال إبراهيم: أول من أحدث هذا الخوارج -يعني: قوله: يهديكم اللَّه ويصلح بالكم- فقدمت فحدثت بذلك أبي، فقال: سبحان اللَّه! وقال: سنة النبي ? كيف يكون الخوارج تحدثه؟! ما أعجبَ هذا؟ أو كما قال أبي.
وَعطَسْتُ أنا عند أبي غير مرة، فحمدت اللَّه، فرد عليّ: رحمك اللَّه.
فقلت له: يهديكم اللَّه ويصلح بالكم.
حدثني أبي، قال: نا محمد بن جعفر وحجاج، قالا: نا شُعْبَةُ، عن محمد بْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَخِيهِ عِيسَى، عن أبيه، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عن النبي ? أنه قال: «إِذا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: الحَمْدُ للَّه عَلَى كُلِّ حالٍ، وَلْيَقُلْ الذِي يَرُدُّ عَلَيْهِ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، وَلْيَقُلْ هُوَ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بالَكُمْ» ((1)).
«مسائل عبد اللَّه» ((159))
قال حرب: عطست عند أحمد بن حنبل، فقال: يرحمك اللَّه. فقلت: يغفر اللَّه لكم، فلم يغير عليّ، ثم عطست ثانية، فقال: يرحمك اللَّه. فقلت: يهديكم اللَّه ويصلح بالكم. قلت له: ما تختار في هذا يا أبا عبد اللَّه؟
قال: إذا عطس، فقل: يرحمك اللَّه، ولتجب بقول: يهديكم اللَّه ويصلح بالكم.
قال: وهذا عن النبي ? من وجوه، وجعل ينكر قول إبراهيم أنه قال: إنما أحدث هذا الخوارج، ويتعجب من ذلك.
وقال: الخوارج مارقة.
وسألتُ إسحاق قلت: كيف أحب إليك إن تشمت العاطس؟
قال: يقال له: يرحمنا اللَّه وإياك. ويقول هو: يغفر اللَّه لنا ولكم.
وعطس أبو يعقوب يومًا، فقلت: يرحمك اللَّه. فقال: يغفر اللَّه لنا ولكم.
حدثنا إسحاق، قال: أنا أبو عامر، قال: حَدَّثَنا أَبُو مَعْشَرٍ المدني، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يحيى، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عائِشَةَ، قالتْ: عَطَسَ رَجُلٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ? فقال: ماذا أَقُولُ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قال: «قُلْ الحَمْدُ للَّه». قالوا: ماذا نَقُولُ لَهُ؟ قال: «قُولُوا: يَرْحَمُكَ اللَّهُ». قال: فماذا أَقُولُ لَهُمْ؟ قال: «قُلْ لَهُمْ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصلِحُ بالَكُمْ» ((1)).
«مسائل حرب» ص (315)
قال أبو طالب: قلت: هؤلاء إذا قلنا لهم: يهديكم اللَّه ويصلح بالكم، قالوا: إنما يقال هذا لليهود أليس بقرآن {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: (6)] قلت: أليس دعاء النبي ?: «اللَّهُمَّ أهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ» ((2))، قال: بلى.
«بدائع الفوائد» (4) / (57)
روى أَبو طالِبٍ: قال أحمد: التَّشْمِيتُ: يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بالَكُمْ.
«الآداب الشرعية» (2) / (319)، «معونة أولي النهى» (3) / (140)
(المسألة الرابعة): مَا يَنْبَغِي لِلْعَاطِسِ مُرَاعَاتُهُ:
مِنْ آدَابِ الْعَاطِسِ:
– أَنْ يَخْفِضَ بِالْعَطْسِ صَوْتَهُ وَيَرْفَعَهُ بِالْحَمْدِ.
– وَأَنْ يُغَطِّيَ وَجْهَهُ لِئَلاَّ يَبْدُوَ مِنْ فِيهِ أَوْ أَنْفِهِ مَا يُؤْذِي جَلِيسَهُ.
– وَلاَ يَلْوِي عُنُقَهُ يَمِينًا وَلاَ شِمَالًا؛ لِئَلاَّ يَتَضَرَّرَ بِذَلِكَ.
قَال ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْحِكْمَةُ فِي خَفْضِ الصَّوْتِ بِالْعُطَاسِ: أَنَّ رَفْعَهُ إِزْعَاجًا لِلأَعْضَاءِ.
وَفِي تَغْطِيَةِ الْوَجْهِ: أَنَّهُ لَوْ بَدَرَ مِنْهُ شَيْءٌ آذَى جَلِيسَهُ.
وَلَوْ لَوَى عُنُقَهُ صِيَانَةً لِجَلِيسِهِ لَمْ يَامَنْ مِنَ الاِلْتِوَاءِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَال: كَانَ النَّبِيُّ ? إِذَا عَطَسَ وَضَعَ يَدَهُ أَوْ ثَوْبَهُ عَلَى فِيهِ، وَخَفَضَ أَوْ غَضَّ بِهَا صَوْتَهُ. [أخرجه أبو داود ((5) / (288) – طبع عزت عبيد دعاس) وجوده ابن حجر في الفتح ((10) / (602))]
(178) – استحباب خمر الوجه وخفض الصوت عند العطس
قال ابن هانئ: وسمعته يقول: كان النبي ? إذا عطسَ خَمّرَ وجهه، وخفَّض من صوته ((1)).
«مسائل ابن هانئ» ((1991))
(المسألة الخامسة): حِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّةِ التَّشْمِيتِ:
قَال ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: مِنْ فَوَائِدِ التَّشْمِيتِ تَحْصِيل الْمَوَدَّةِ، وَالتَّأْلِيفُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَتَادِيبُ الْعَاطِسِ بِكَسْرِ النَّفْسِ عَنِ الْكِبْرِ، وَالْحَمْل عَلَى التَّوَاضُعِ؛ لِمَا فِي ذِكْرِ الرَّحْمَةِ مِنَ الإِشْعَارِ بِالذَّنْبِ الَّذِي لاَ يَعْرَى عَنْهُ أَكْثَرُ الْمُكَلَّفِينَ. [فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر (10) / (602)].
(المسألة السادسة): التَّشْمِيتُ أَثْنَاءَ الْخُطْبَةِ:
كَرِهَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ التَّشْمِيتَ أَثْنَاءَ الْخُطْبَةِ، [ابن عابدين (1) / (551)، والشرح الكبير (1) / (386)].
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْجَدِيدِ: أَنَّ الْكَلاَمَ عِنْدَ الْخُطْبَةِ لاَ يَحْرُمُ، وَيُسَنُّ الإِنْصَاتُ، وَلاَ فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ التَّشْمِيتِ وَغَيْرِهِ، وَاسْتَدَل بِمَا رَوَى أَنَسٌ رضي الله عنه، قَال: دَخَل رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ ? قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَال: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَأَشَارَ النَّاسُ إِلَيْهِ أَنِ اسْكُتْ. فَقَال لَهُ رَسُول اللَّهِ ? عِنْدَ الثَّالِثَةِ: مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ قَال: حُبُّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ قَال: إِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ. [أخرجه البيهقي ((3) / (221) – ط دائرة المعارف العثمانية) وصححه ابن خزيمة ((3) / (149))]، وَإِذْ جَازَ هَذَا فِي الْخُطْبَةِ جَازَ تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ أَثْنَاءَهَا.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ الْقَدِيمُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ الإِنْصَاتَ لِسَمَاعِ الْخُطْبَةِ وَاجِبٌ؛ لِمَا رَوَى جَابِرٌ رضي الله عنه، قَال: دَخَل ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، وَالنَّبِيُّ ? يَخْطُبُ فَجَلَسَ إِلَى أُبَيٍّ رضي الله عنه فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ، فَسَكَتَ حَتَّى صَلَّى النَّبِيُّ ? فَقَال لَهُ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَرُدَّ عَلَيَّ؟ فَقَال: إِنَّكَ لَمْ تَشْهَدْ مَعَنَا الْجُمُعَةَ. قَال: وَلِمَ؟ قَال: لأَنَّكَ تَكَلَّمْتَ وَالنَّبِيُّ ? يَخْطُبُ، فَقَامَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَدَخَل عَلَى النَّبِيِّ ? فَذَكَرَ لَهُ، فَقَال: صَدَقَ أُبَيٌّ. [أورده الهيثمي في المجمع ((2) / (185)) وقال: «رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط بنحوه، وفي الكبير باختصار، ورجال أبي يعلى ثقات»]، وَإِذَا كَانَ الإِنْصَاتُ وَاجِبًا كَانَ مَا خَالَفَهُ مِنْ تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ أَثْنَاءَ الْخُطْبَةِ حَرَامًا. [المهذب في فقه الإمام الشافعي (1) / (122)، ومنهاج الطالبين بهامش قليوبي وعميرة (1) / (280)].
وَلِلْحَنَابِلَةِ رِوَايَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا:
الْجَوَازُ مُطْلَقًا أَخْذًا مِنْ قَوْل الأَثْرَمِ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ – أَيِ: الإِمَامَ أَحْمَدَ -، سُئِل: يَرُدُّ الرَّجُل السَّلاَمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ؟ فَقَال: نَعَمْ. قَال: وَيُشَمِّتُ الْعَاطِسَ؟ فَقَال: نَعَمْ.
وَالإِمَامُ يَخْطُبُ. وَقَال أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قَدْ فَعَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. قَال ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَمِمَّنْ رَخَّصَ فِي ذَلِكَ الْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَقَتَادَةُ وَالثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ.
وَالثَّانِيَةُ:
إِنْ كَانَ لاَ يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ شَمَّتَ الْعَاطِسَ، وَإِنْ كَانَ يَسْمَعُ لَمْ يَفْعَل، قَال أَبُو طَالِبٍ: قَال أَحْمَدُ: إِذَا سَمِعْتَ الْخُطْبَةَ فَاسْتَمِعْ وَأَنْصِتْ وَلاَ تَقْرَأْ وَلاَ تُشَمِّتْ، وَإِذَا لَمْ تَسْمَعِ الْخُطْبَةَ فَاقْرَأْ وَشَمِّتْ وَرُدَّ السَّلاَمَ.
وَقَال أَبُو دَاوُدَ: قُلْتُ لأَحْمَدَ: يُرَدُّ السَّلاَمُ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ وَيُشَمَّتُ الْعَاطِسُ؟ قَال: إِذَا كَانَ لَيْسَ يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ فَيَرُدُّ، وَإِذَا كَانَ يَسْمَعُ فَلاَ [المغني لابن قدامة (2) / (323) – (324) م، كشاف القناع عن متن الإقناع (2) / (48) م]؛ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [سورة الأعراف / (204)]، وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما.
وفي كتاب الروايتين والوجهين:
(117) – مسألة: وإذا ثبت أن الإنصات واجب فهل يجوز في حال الاستماع رد السلام وتشميت العاطس؟
نقل أبو داود وأبو طالب عنه: لا يرد ولا يشمت.
ونقل علي بن سعيد: لا بأس برد السلام وتشميت العاطس والإمام يخطب.
ووجه الأولى: أنها عبادة حرم فيها الكلام فحرم فيها رد السلام وتشميت العاطس كالصلاة.
ووجه الثانية: أنها عبادة لا يفسدها الكلام فلا تمنع من رد السلام وتشميت العاطس. دليله الطواف.
الروايتين والوجهين – المسائل الفقهية منه (1) / (184)
حديث (صَدَقَ أُبَيٌّ).قال محقق المطالب العالية:
وأكثر هذه الطرق عن الصحابة على أنها بين أُبيّ وأبِي ذر، بالإضافة إلى أنها أصح من غيرها. والله أعلم وأصل هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت».
أخرجه البخاري ((2) / (414) فتح)؛ ومسلم ((2) / (583): (851))؛
(المسألة السابعة): تَشْمِيتُ مَنْ فِي الْخَلاَءِ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ:
يُكْرَهُ لِمَنْ فِي الْخَلاَءِ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ أَنْ يُشَمِّتَ عَاطِسًا سَمِعَ عَطْسَتَهُ. بِذَلِكَ قَال فُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ.
كَمَا كَرِهُوا لَهُ إِنْ عَطَسَ فِي خَلاَئِهِ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ بِلِسَانِهِ، وَأَجَازُوا لَهُ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ دُونَ أَنْ يُحَرِّكَ بِهِ لِسَانَهُ. [ابن عابدين (1) / (230)، والمهذب في فقه الإمام الشافعي (1) / (33)، والأذكار للنووي (28)، والشرح الكبير (1) / (106)، وكشاف القناع عن متن الإقناع (1) / (63) م النصر الحديثة]، وَعَنْ الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ رضي الله عنه، قَال: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ? وَهُوَ يَبُول فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ حَتَّى تَوَضَّأَ، ثُمَّ اعْتَذَرَ إِلَيَّ وَقَال: إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى إِلاَّ عَلَى طُهْرٍ أَوْ قَال: عَلَى طَهَارَةٍ [أخرجه أبو داود ((1) / (23) – ط عزت عبيد دعاس) والحاكم ((1) / (167) – ط دائرة المعارف العثمانية) وصححه ووافقه الذهبي].
في حاشية الروض المربع: (ويكره دخوله) أي دخول الخلاء ونحوه (بشيء فيه ذكر الله تعالى) غير مصحف فيحرم (إلا لحاجة) …. وإن عطس حمد بقلبه انتهى
أي المتخلي وأجاب المؤذن بقلبه، ويكره بلفظه، وعنه لا يكره لحديث: (كان يذكر الله على كل أحيانه) قال الشيخ: يجيب المؤذن في الخلاء كأذكار المخافتة.
(المسألة الثامنة): تَشْمِيتُ الْمَرْأَةِ الأَجْنَبِيَّةِ لِلرَّجُل وَالْعَكْسُ:
إِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ شَابَّةً يُخْشَى الاِفْتِنَانُ بِهَا كُرِهَ لَهَا أَنْ تُشَمِّتَ الرَّجُل إِذَا عَطَسَ، كَمَا يُكْرَهُ لَهَا أَنْ تَرُدَّ عَلَى مُشَمِّتٍ لَهَا لَوْ عَطَسَتْ هِيَ. بِخِلاَفِ لَوْ كَانَتْ عَجُوزًا وَلاَ تَمِيل إِلَيْهَا النُّفُوسُ فَإِنَّهَا تُشَمَّتُ وَتُشَمِّتُ مَتَى حَمِدَتِ اللَّهَ، بِذَلِكَ قَال الْمَالِكِيَّةُ [حاشية العدوي على كفاية الطالب شرح الرسالة (2) / (399)، والشرح الصغير (4) / (764)] وَمِثْلُهُمْ فِي ذَلِكَ الْحَنَابِلَةُ.
جَاءَ فِي الادَابِ الشَّرْعِيَّةِ لاِبْنِ مُفْلِحٍ عَنْ ابْنِ تَمِيمٍ: لاَ يُشَمِّتُ الرَّجُل الشَّابَّةَ وَلاَ تُشَمِّتُهُ.
وَقَال السَّامِرِيُّ: يُكْرَهُ أَنْ يُشَمِّتَ الرَّجُل الْمَرْأَةَ إِذَا عَطَسَتْ وَلاَ يُكْرَهُ ذَلِكَ لِلْعَجُوزِ.
وَقَال ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رحمه الله أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ رَجُلٌ مِنَ الْعُبَّادِ فَعَطَسَتِ امْرَأَةُ أَحْمَدَ، فَقَال لَهَا الْعَابِدُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ. فَقَال أَحْمَدُ رحمه الله. عَابِدٌ جَاهِلٌ.
وَقَال حَرْبٌ: قُلْتُ لأَحْمَدَ: الرَّجُل يُشَمِّتُ الْمَرْأَةَ إِذَا عَطَسَتْ؟ فَقَال: إِنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَنْطِقَهَا لِيَسْمَعَ كَلاَمَهَا فَلاَ؛ لأَنَّ الْكَلاَمَ فِتْنَةٌ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُشَمِّتَهُنَّ.
وَقَال أَبُو طَالِبٍ: إِنَّهُ سَأَل أَبَا عَبْدِ اللَّهِ: يُشَمِّتُ الرَّجُل الْمَرْأَةَ إِذَا عَطَسَتْ؟ قَال: نَعَمْ قَدْ شَمَّتَ أَبُو مُوسَى امْرَأَتَهُ.
قُلْتُ: فَإِنْ كَانَتِ امْرَأَةً تَمُرُّ أَوْ جَالِسَةً فَعَطَسَتْ أُشَمِّتُهَا؟ قَال: نَعَمْ. وَقَال الْقَاضِي: وَيُشَمِّتُ الرَّجُل الْمَرْأَةَ الْبَرْزَةَ وَيُكْرَهُ لِلشَّابَّةِ.
وَقَال ابْنُ عَقِيلٍ: يُشَمِّتُ الْمَرْأَةَ الْبَرْزَةَ وَتُشَمِّتُهُ وَلاَ يُشَمِّتُ الشَّابَّةَ وَلاَ تُشَمِّتُهُ، وَقَال الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ: يَجُوزُ لِلرَّجُل تَشْمِيتُ الْمَرْأَةِ الْبَرْزَةِ وَالْعَجُوزِ، وَيُكْرَهُ لِلشَّابَّةِ، وَفِي هَذَا تَفْرِيقٌ بَيْنَ الشَّابَّةِ وَغَيْرِهَا. [الآداب الشرعية لابن مفلح (2) / (352) – (353)]
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ذَكَرَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ: أَنَّهُ إِذَا عَطَسَ الرَّجُل فَشَمَّتَتْهُ الْمَرْأَةُ، فَإِنْ عَجُوزًا رَدَّ عَلَيْهَا وَإِلاَّ رَدَّ فِي نَفْسِهِ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَكَذَا لَوْ عَطَسَتْ هِيَ كَمَا فِي الْخُلاَصَةِ. [الاختيار شرح المختار (3) / (119) ط مصطفى الحلبي (1936)، وابن عابدين (5) / (236)].
وفي مسائل حرب:
(180) – هل يسنُ تشميت المرأة؟
قال حرب: قلت لأحمد: الرجل يشمت المرأة إذا عطست؟
قال: إن أراد أن يستنطقها ليسمع كلامها فلا؛ لأن الكلام فتنة، وإن لم يرد ذلك فلا بأس أن يشمتهن.
«مسائل حرب» ص (315)
قال أَبُو طالِبٍ: سَأَلَت أبا عَبْدِ اللَّهِ: يُشَمِّتُ الرَّجُلُ المَرْأَةَ إذا عَطَسَتْ؟
قال: نَعَمْ، قَدْ شَمَّتَ أَبُو مُوسَى امْرَأَتَهُ. قُلْتُ: فَإِنْ كانَتْ امْرَأَةً تَمُرُّ أَوْ جالِسَةً فَعَطَسَتْ، أُشَمِّتُها؟
قال: نَعَمْ.
قال ابن الجَوْزِيِّ: وَقَدْ رُوّيْنا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ كانَ عِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ العُبّادِ فَعَطَسَتْ امْرَأَةُ أَحْمَدَ، فَقال لَها العابِدُ: يَرْحَمُكِ اللَّهُ.
فَقال أَحْمَد: عابِدٌ جاهِلٌ.
«الآداب الشرعية» (2) / (325)
(المسألة التاسعة): تَشْمِيتُ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ:
لَوْ عَطَسَ كَافِرٌ وَحَمِدَ اللَّهَ عُقَيْبَ عُطَاسِهِ وَسَمِعَهُ مُسْلِمٌ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُشَمِّتَهُ، بِقَوْلِهِ: هَدَاكَ اللَّهُ أَوْ عَافَاكَ اللَّهُ؛ فَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَال: كَانَتِ الْيَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ ? رَجَاءَ أَنْ يَقُول يَرْحَمُكُمُ اللَّهُ، فَكَانَ يَقُول: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ. [أخرجه الترمذي ((5) / (82) – ط الحلبي). وقال: «هذا حديث حسن صحيح»]. وَفِي قَوْلِهِ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ. تَعْرِيضٌ لَهُمْ بِالإِسْلاَمِ: أَيِ: اهْتَدُوا وَآمِنُوا يُصْلِحِ اللَّهُ بَالَكُمْ.
فَلَهُمْ تَشْمِيتٌ مَخْصُوصٌ، وَهُوَ الدُّعَاءُ لَهُمْ بِالْهِدَايَةِ وَإِصْلاَحِ الْبَال. بِخِلاَفِ تَشْمِيتِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُمْ أَهْلٌ لِلدُّعَاءِ بِالرَّحْمَةِ بِخِلاَفِ الْكُفَّارِ. [الشرح الصغير (4) / (764)، وحاشية العدوي على كفاية الطالب شرح الرسالة (2) / (399)، والآداب الشرعية لابن مفلح (2) / (352)، والأذكار للنووي (243) – (244)، وفتح الباري بشرح صحيح البخاري (10) / (609)].
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه، قَال: اجْتَمَعَ الْيَهُودُ وَالْمُسْلِمُونَ فَعَطَسَ النَّبِيُّ ? فَشَمَّتَهُ الْفَرِيقَانِ جَمِيعًا، فَقَال لِلْمُسْلِمِينَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَيَرْحَمُنَا وَإِيَّاكُمْ. وَقَال لِلْيَهُودِ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ [أخرجه البيهقي في الشعب، وضعفه ابن حجر لضعف أحد رواته. (فتح الباري (15) / (609) – ط السلفية)].
وفي كتاب أحكام أهل الملل:
(179) – هل يشمتُ غير المسلم؟
قال الفضل بن زياد: سمعت أبا عبد اللَّه يُسأل عن العطاس، ما يقال له؟
قال: يقال له يرحمك اللَّه، ويرد عليه: يهديكم اللَّه ويصلح بالكم.
قلت: فحديث حكيم بن الديلمي، كيف؟
قال: ذاك غير هذا. إنما كانت اليهود تَعاَطسْ عند النبي ? رجاء أن يقول: يرحمكم اللَّه، فقال: «يَهدِيكُمُ اللَّهُ» ((2)).
قلت: يا أبا عبد اللَّه ولو عطس يهودي، قلت له: يهديكم اللَّه؟، فأطرق، ثم قال: أي شيء يقال لليهودي؟!
«أحكام أهل الملل» (2) / (165) ((1123))
(المسألة العاشرة): تَشْمِيتُ الْمُصَلِّي غَيْرَهُ:
مَنْ كَانَ فِي الصَّلاَةِ وَسَمِعَ عَاطِسًا حَمِدَ اللَّهَ عَقِبَ عُطَاسِهِ فَشَمَّتَهُ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ؛ لأَنَّ تَشْمِيتَهُ لَهُ بِقَوْلِهِ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ يَجْرِي فِي مُخَاطَبَاتِ النَّاسِ، فَكَانَ مِنْ كَلاَمِهِمْ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ رضي الله عنه، قَال: بَيْنَمَا أَنَا مَعَ رَسُول اللَّهِ ? فِي الصَّلاَةِ إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَحَدَّقَنِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْل أُمَّاهُ، مَا لَكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ؟ فَضَرَبَ الْقَوْمُ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُول اللَّهِ ? دَعَانِي بِأَبِي وَأُمِّي هُوَ، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، وَاللَّهِ مَا ضَرَبَنِي ? وَلاَ كَهَرَنِي ثُمَّ قَال: إِنَّ صَلاَتَنَا هَذِهِ لاَ يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلاَمِ الادَمِيِّينَ، إِنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ [أخرجه مسلم ((1) / (381) – (382))]،
هَذَا قَوْل الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. [ابن عابدين (1) / (416) – (417)، وفتح القدير (1) / (347) ط دار إحياء التراث العربي، والشرح الصغير (4) / (764)، وكفاية الطالب شرح الرسالة للقيرواني (2) / (399)، ومواهب الجليل لشرح مختصر خليل (2) / (33) مكتبة النجاح ليبيا، والمهذب في فقه الإمام الشافعي (1) / (94)، وروضة الطالبين (1) / (292)، وكشاف القناع عن متن الإقناع (1) / (378) ط النصر الحديثة].
فَإِنْ عَطَسَ هُوَ فِي صَلاَتِهِ فَحَمِدَ اللَّهَ، وَشَمَّتَ نَفْسَهُ فِي نَفْسِهِ دُونَ أَنْ يُحَرِّكَ بِذَلِكَ لِسَانَهُ بِأَنْ قَال: يَرْحَمُكَ اللَّهُ يَا نَفْسِي لاَ تَفْسُدُ صَلاَتُهُ؛ لأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ خِطَابًا لِغَيْرِهِ لَمْ يُعْتَبَرْ مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ كَمَا إِذَا قَال: يَرْحَمُنِي اللَّهُ. قَال بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ الْمَالِكِيَّةُ.
روى الترمذي بسنده عن رافعة بن رافع قال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطست فقلت: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه مباركاً عليه كما يحب ربنا ويرضى، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف فقال: من المتكلم في الصلاة؟ فلم يتكلم أحد، ثم قالها الثانية، ثم قالها الثالثة، فقال رافعة بن رافع بن عفراء: أنا يا رسول الله، قال: كيف قلت؟ قال: قلت: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لقد ابتدرها بضعة وثلاثون ملكاً أيهم يصعد بها. قال الترمذي: حديث رافعة حديث حسن.
قال في تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: قال ابن الملك: يدل الحديث على جواز الحمد للعاطس في الصلاة، يعني على الصحيح المعتمد … انتهى
وذهب بعض العلماء إلى أنه يحمد في نفسه، بل ذهب طائفة منهم إلى أنه لا يحمد ولو في نفسه، كما جاء في المنتقى شرح الموطأ: وعطس في الصلاة فلا يحمد الله إلا في نفسه. قال سحنون: ولا في نفسه.
والحديث يردَّ عليهم، وكما قال صاحب تحفة الأحوذي: فإن حديث الباب يدل على جواز الحمد للعاطس بلا مرية. انتهى
وسواء كان المصلي في القيام أو في الركوع أو في السجود أو غير ذلك.
——-
يتبع شرح مسلم باب تشميت العاطس 2991 إلى 2995
(المسألة الحادي عشر): تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ فَوْقَ ثَلاَثٍ:
مَنْ تَكَرَّرَ عُطَاسُهُ فَزَادَ عَلَى الثَّلاَثِ فَإِنَّهُ لاَ يُشَمَّتُ فِيمَا زَادَ عَنْهَا؛ إِذْ هُوَ بِمَا زَادَ عَنْهَا مَزْكُومٌ؛ فَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رضي الله عنه: شَمَّتَ رَسُول اللَّهِ ? رَجُلًا عَطَسَ مَرَّتَيْنِ بِقَوْلِهِ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ ثُمَّ قَال عَنْهُ فِي الثَّالِثَةِ: هَذَا رَجُلٌ مَزْكُومٌ. [أخرجه الترمذي ((5) / (95) ط الحلبي) وقال: حسن صحيح].
وَذَكَرَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ قَال: يُكَرَّرُ التَّشْمِيتُ إِذَا تَكَرَّرَ الْعُطَاسُ، إِلاَّ أَنْ يُعْرَفَ أَنَّهُ مَزْكُومٌ فَيَدْعُوَ لَهُ بِالشِّفَاءِ.
وَعِنْدَ هَذَا سَقَطَ الأَمْرُ بِالتَّشْمِيتِ عِنْدَ الْعِلْمِ بِالزُّكَامِ؛ لأَنَّ التَّعْلِيل بِهِ يَقْتَضِي أَنْ لاَ يُشَمَّتَ مَنْ عُلِمَ أَنَّ بِهِ زُكَامًا أَصْلًا، لِكَوْنِهِ مَرَضًا، وَلَيْسَ عُطَاسًا مَحْمُودًا نَاشِئًا عَنْ خِفَّةِ الْبَدَنِ وَانْفِتَاحِ الْمَسَامِّ وَعَدَمِ الْغَايَةِ فِي الشِّبَعِ. [الشرح الصغير (4) / (675)، وفتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر (10) / (604) – (607)، والآداب الشرعية لابن مفلح (2) / (354)]. [الموسوعة الفقهية الكويتية، (12/ 25 – 32)].
قال الشيخ الإتيوبي رحمه الله:
“ظاهر حديث سلمة رضي الله عنه هذا أنه لا يُشرع التشميت في الثانية، بل يقال: الرجل مزكوم، لكن الصحيح أنه يشمّت إلى الثالثة، قال في «الفتح»: ويستفاد من الحديث مشروعية تشميت العاطس ما لم يزد على ثلاث، إذا حمد الله، سواء تتابع عطاسه، أم لا، فلو تتابع، ولم يحمد لغلبة العطاس عليه، ثم كرر الحمد بعدد العطاس، فهل يشمَّت بعدد الحمد؟ فيه نظر، وظاهر الخبر نعم.
وقد أخرج أبو يعلى، وابن السنيّ من وجه آخر عن أبي هريرة النهي عن التشميت بعد ثلاث، ولفظه: «إذا عطس أحدكم فليشمته جليسه، فإن زاد على ثلاث، فهو مزكوم، ولا يشمته بعد ثلاث».
قال النوويّ: فيه رجل لم أتحقق حاله، وباقي إسناده صحيح.
قال الحافظ: الرجل المذكور هو سليمان بن أبي داود الحرانيّ، والحديث عندهما من رواية محمد بن سليمان، عن أبيه، ومحمد موثق، وأبوه يقال له: الحرانيّ ضعيف، قال فيه النسائيّ: ليس بثقة، ولا مأمون.
قال النوويّ: وأما الذي رويناه في «سنن أبي داود»، والترمذيّ عن عبيد بن رفاعة الصحابيّ، قال: قال رسول الله ?: «يشمت العاطس ثلاثًا، فإن زاد فإن شئت فشمته، وإن شئت فلا» فهو حديث ضعيف، قال فيه الترمذيّ: هذا حديث غريب، وإسناده مجهول.
قال الحافظ: إطلاقه عليه الضعف ليس بجيد؛ إذ لا يلزم من الغرابة الضعف، وأما وصف الترمذي إسناده بكونه مجهولًا، فلم يُرِدْ جميع رجال الإسناد، فإن معظمهم موثقون، وإنما وقع في روايته تغيير اسم بعض رواته، وإبهام اثنين منهم، وذلك أن أبا داود، والترمذيّ أخرجاه معًا من طريق عبد السلام بن حرب، عن يزيد بن عبد الرحمن، ثم اختلفا فأما رواية أبي داود ففيها عن يحيى بن إسحاق بن أبي طلحة، عن أمه حُميدة، أو عبيدة بنت عبيد بن رفاعة، عن أبيها، وهذا إسناد حسن، والحديث مع ذلك مرسل، كما سأبيّنه، وعبد السلام بن حرب من رجال الصحيح، ويزيد هو أبو خالد الدالاني، وهو صدوق، في حفظه شيء، ويحيى بن إسحاق وثقه يحيى بن معين، وأمه حميدة روى عنها أيضًا زوجها إسحاق بن أبي طلحة، وذكرها ابن حبان في ثقات التابعين، وأبوها عبيد بن رفاعة ذكروه في الصحابة؛ لكونه وُلد في عهد النبيّ ?، وله رؤية، قاله ابن السكن، قال: ولم يصح سماعه، وقال البغويّ: روايته مرسلة، وحديثه عن أبيه عند الترمذيّ والنسائيّ وغيرهما، وأما رواية الترمذيّ ففيها عن عمر بن إسحاق بن أبي طلحة، عن أمه، عن أبيها، كذا سماه عمر، ولم يسم أمه، ولا أباها، وكأنه لم يُمعن النظر، فمن ثَمّ قال: إنه إسناد مجهول، وقد تبين أنه ليس بمجهول، وأن الصواب يحيى بن إسحاق، لا عمر، فقد أخرجه الحسن بن سفيان، وابن السنيّ، وأبو نعيم، وغيرهم، من طريق عبد السلام بن حرب، فقالوا: يحيى بن إسحاق، وقالوا: حميدة بغير شك، وهو المعتمَد.
وقال ابن العربيّ: هذا الحديث، وإن كان فيه مجهول، لكن يستحب العمل به؛ لأنه دعاء بخير وَصِلَة، وتودد للجليس، فالأَولى العمل به، والله أعلم.
وقال ابن عبد البرّ: دل حديث عبيد بن رفاعة على أنه يشمت ثلاثًا، ويقال: أنت مزكوم بعد ذلك، وهي زيادة يجب قبولها، فالعمل بها أَولى،
ثم حكى النوويّ عن ابن العربيّ أن العلماء اختلفوا هل يقول لمن تتابع عطسه: أنت مزكوم في الثانية، أو الثالثة، أو الرابعة؟
على أقوال، والصحيح في الثالثة، قال: ومعناه أنك لست ممن يشمَّت بعدها؛ لأن الذي بك مرض، وليس من العطاس المحمود الناشئ عن خفة البدن.
قال: فإن قيل: فإذا كان مريضًا، فينبغي أن يشمّت بطريق الأَولى؛ لأنه أحوج إلى الدعاء من غيره.
قلنا: نعم، لكن يدعى له بدعاء يلائمه، لا بالدعاء المشروع للعاطس، بل من جنس دعاء المسلم للمسلم بالعافية.
وذكر ابن دقيق العيد عن بعض الشافعية أنه قال: يكرّر التشميت إذا تكرر العطاس، إلا أن يعرف أنه مزكوم، فيدعو له بالشفاء، قال: وتقريره أن العموم يقتضي التكرار، إلا في موضع العلة، وهو الزكام، قال: وعند هذا يسقط الأمر بالتشميت عند العلم بالزكام؛ لأن التعليل به يقتضي أن لا يشمت من علم أن به زكامًا أصلًا.
وتعقبه بأن المذكور هو العلة دون التعليل، وليس المعلَّل هو مطلق الترك ليعم الحكم عليه بعموم علته، بل المعلل هو الترك بعد التكرير، فكأنه قيل: لا يلزم تكرر التشميت؛ لأنه مزكوم، قال: ويتأيد بمناسبة المشقة الناشئة عن التكرار. انتهى ما في «الفتح» [«الفتح» (14) / (113) – (115)]، وهو بحث نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم. انتهى من البحر الثجاج للإتيوبي رحمه الله تعالى.
قال ابن مفلح:
(177) – استحباب التشميت ثلاثًا
قال أبو الفضل صالح: وسألته عن الرجل يشمت العاطس في مجلسه ثلاثًا؟
قال: أكثر ما قيل فيه: ثلاث.
«مسائل صالح» ((209))
قال مُهَنّا لِأَحْمَدَ: أَيُّ شَيْءٍ مَذْهَبُكَ في العاطِسِ، يُشَمَّتُ إلَى ثَلاثٍ مِرارًا؟
قال: أذهب إلَى قَوْلِ عَمْرِو بْنِ العاصِ.
قُلْتُ: منْ ذَكَرَهُ؟
قال: هُشَيْمٌ، أخبرنا المُغِيرَةُ، عنْ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ العاصِ قال: العاطِسُ بِمَنْزِلَةِ الخاطِبِ، يُشَمَّتُ إلَى ثَلاثٍ مرارًا، فَما زادَ فَهُوَ داءٌ في الرَاسِ.
«الآداب الشرعية» (2) / (326)
إذا عطس أكثر من ثلاث مرات يُدعى له بالعافية، ولذلك يقول ابن عبد القوي في منظومته:
وقل للفتى عوفيت بعد ثلاثةٍ وللطفل بورك فيك وأمره يحمدِ
وعوفيت بعد ثلاثة، أي: بعد ثلاث مرات، يدعى له بالعافية، يقال له: عوفيت، ليس في هذا حديث صحيح، لكن بما أنه أخبر أنه مزكوم، فالمناسب أن يُدعى له بالعافية، بعد تشميته ثلاث مرات، فإذا عطس الرابعة يقال له: عوفيت، وقال شيخ الإسلام وهو منصوص الإمام أحمد: إن عطس ثانيًا وحمد شمته، وثالثًا شمته، ورابعًا دعا له بالعافية، ولا يشمت للرابعة إلا إذا لم يكن شمته قبلها ثلاثًا، فالاعتبار بفعل التشميت لا بعدد العطسات، هذا كلام صاحب الإقناع وشارح الإقناع، أن العبرة بالتشميت لا بعدد العطسات، فلو عطس شخص ثلاث مرات متوالية، ثم قال: الحمد لله، فشمته، ثم عطس رابعة فشمته، ثم عطس خامسة فشمته، كم عطسة عطس؟ خمس، كم مرة شمته؟ ثلاثًا.
إذًا: في العطسة السادسة تقول له: عوفيت، فقال: إذًا العبرة بفعل التشميت لا بعدد العطسات، فلو عطس أكثر من ثلاث متواليات شمته بعدها إذا لم يتقدم تشميت، ويقال له: عافاك الله؛ لأنه مزكوم أو به داء.
وقال مهنا للإمام أحمد: أي شيء مذهبك في العاطس يشمت إلى ثلاث مرار؟ فقال: إلى قول عمرو بن العاص قال: العاطس بمنزلة الخاطب، يشمت إلى ثلاث، فما زاد فهو داء في الرأس.
وتقدمت الأحاديث في هذا الأمر، وهناك مسألة، وهي: إذا دعا للعاطس بالعافية فهل يقول العاطس شيئًا؟ قال السفاريني في غذاء الألباب شرح منظومة الآداب: «لم أرَ لأحدٍ من الأصحاب ولا غيرهم في أن الداعي للعاطس بالعافية، هل يستحق جوابًا أم لا».
ولعله يجيب بقوله: عافانا الله وإياك، أي: لو قلت له: عوفيت بعدما عطس وشمته المرة الثالثة، عطس الرابعة، فقلت له: عوفيت، فيقول: عافانا الله وإياك، وهو مأخوذٌ من قول ابن عمر رضي الله عنه.
وهل يكون مستحبًا أو واجبًا أو مباحًا؟ لم أر من تعرض لشيءٍ من ذلك، والذي يظهر إن قلنا: الدعاء له بالعافية مستحب فالإجابة كذلك، إذا قلنا: عوفيت أو عافاك الله مستحب، فالإجابة بقول: عافانا الله وإياك، أو وإياك مثلًا: ونحو ذلك من الألفاظ الطيبة أنه مستحب كذلك، وإن قلنا: واجبٌ فكذلك الإجابة والله ولي الإنابة.
(المسألة الثاني عشر): قد خُصّ من عموم الأمر بتشميت العاطس جماعة:
[الأول]: من لم يحمد، كما تقدم.
[الثاني]: الكافر، فقد أخرج أبو داود، وصححه الحاكم، من حديث أبي موسى الأشعريّ، قال: «كانت اليهود يتعاطسون عند النبيّ ? رجاء أن يقول: يرحمكم الله، فكان يقول: يهديكم الله، ويصلح بالكم»، قال ابن دقيق العيد: إذا نظرنا إلى قول من قال من أهل اللغة: إن التشميت: الدعاء بالخير دخل الكفار في عموم الأمر بالتشميت، وإذا نظرنا إلى من خص التشميت بالرحمة لم يدخلوا، قال: ولعل من خص التشميت بالدعاء بالرحمة بناه على الغالب؛ لأنه تقييد لوضع اللفظ في اللغة.
قال الحافظ: وهذا البحث أنشأه من حيث اللغة، وأما من حيث الشرع، فحديث أبي موسى دال على أنهم يدخلون في مطلق الأمر بالتشميت، لكن لهم تشميت مخصوص، وهو الدعاء لهم بالهداية، وإصلاح البال، وهو الشأن، ولا مانع من ذلك، بخلاف تشميت المسلمين، فإنهم أهل الدعاء بالرحمة، بخلاف الكفار.
[الثالث]: المزكوم إذا تكرر منه العطاس، فزاد على الثلاث، فإن ظاهر الأمر بالتشميت يشمل من عطس واحدة، أو أكثر، لكن أخرج البخاريّ في «الأدب المفرد» من طريق محمد بن عجلان، عن سعيد المقبريّ، عن أبي هريرة، قال: «يشمته واحدة، وثنتين، وثلاثًا، وما كان بعد ذلك فهو زكام» هكذا أخرجه موقوفًا، من رواية سفيان بن عيينة عنه، وأخرجه أبو داود من طريق يحيى القطان، عن ابن عجلان كذلك، ولفظه: «شمِّت أخاك»، وأخرجه من رواية الليث، عن ابن عجلان، وقال فيه: لا أعلمه إلَّا رفعه إلى النّبيّ ?، قال أبو داود: ورفعه موسى بن قيس، عن ابن عجلان أيضًا، وفي «الموطأ» عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه، رفعه: «إن عطس فشمته، ثم إن عطس فشمته، ثم إن عطس فقل: إنك مضنوك [أي: مزكوم، والضُّناك بالضم، كالزُكام وزنًا ومعنى، قاله في «النهاية» ص (551)]»، قال ابن أبي بكر: لا أدري بعد الثالثة، أو الرابعة، وهذا مرسل جيد.
وأخرجه عبد الرزاق عن معمر، عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه قال: «فشمته ثلاثًا، فما كان بعد ذلك فهو زكام».
وأخرج ابن أبي شيبة من طريق عمرو بن العاص: «شمتوه ثلاثًا، فإن زاد فهو داء، يخرج من رأسه»، موقوف أيضًا.
ومن طريق عبد الله بن الزبير: «أن رجلًا عطس عنده، فشمته، ثم عطس، فقال له في الرابعة: أنت مضنوك»، موقوف أيضًا.
ومن طريق عبد الله بن عمر مثله، لكن قال في الثالثة.
ومن طريق عليّ بن أبي طالب: «شمّته ما بينك وبينه ثلاث، فإن زاد فهو ريح».
وأخرج عبد الرزاق عن معمر، عن قتادة: يشمت العاطس إذا تتابع عليه العطاس ثلاثًا.
[الرابع]: ممن يخص من عموم العاطسين من يَكره التشميت، قال ابن دقيق العيد: ذهب بعض أهل العلم إلى أن من عُرف من حاله أنه يكره التشميت أنه لا يشمت إجلالًا للتشميت أن يؤهل له من يكرهه.
فإن قيل: كيف يترك السُّنَّة لذلك؟!
قلنا: هي سُنّة لمن أحبها، فأما من كرهها، ورغب عنها فلا، قال: ويطّرد ذلك في السلام، والعيادة، قال ابن دقيق العيد: والذي عندي أنه لا يمتنع من ذلك إلا من خاف منه ضررًا، فأما غيره فيشمّت امتثالًا للأمر، ومناقضة للمتكبر في مرادها، وكسرًا لسورته في ذلك، وهو أَولى من إجلال التشميت.
قال الإتيوبي عفا الله عنه: هذا التفصيل الذي ذكره ابن دقيق العيد رحمه الله هو الأَولى عندي.
قال الحافظ: ويؤيده أن لفظ التشميت دعاء بالرحمة، فهو يناسب المسلم كائنًا من كان، والله أعلم.
[الخامس]: قال ابن دقيق العيد: يستثنى أيضًا من عطس، والإمام يخطب، فإنّه يتعارض الأمر بتشميت من سمع العاطس، والأمر بالإنصات لمن سمع الخطيب، والراجح الإنصات؛ لإمكان تدارك التشميت بعد فراغ الخطيب، ولا سيما إن قيل: بتحريم الكلام، والإمام يخطب، وعلى هذا فهل يتعين تأخير التشميت حتى يفرغ الخطيب، أو يشرع له التشميت بالإشارة؟ فلو كان العاطس الخطيب، فحمد، واستمر في خطبته فالحكم كذلك، وإن حمد فوقف قليلًا ليشمت، فلا يمتنع أن يشرع تشميته.
[السادس]: ممن يمكن أن يستثنى: من كان عند عطاسه في حالة يمتنع عليه فيها ذكر الله تعالى، كما إذا كان على الخلاء، أو في الجماع، فيؤخر، ثم يحمد الله، فيشمت، فلو خالف فحمد في تلك الحالة، هل يستحق التشميت؟ فيه نظر. انتهى [«الفتح» (14) / (113) – (117)].
قال الإتيوبي عفا الله عنه: عندي لا نظر فيه، بل يُشمّت؛ لعموم النصّ، والله تعالى أعلم”. انتهى من البحر الثجاج للإتيوبي رحمه الله تعالى.
قصة جميلة
قال ابن كثير:
أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَرْبَهَارِيُّ الْوَاعِظُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ خَلَفٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَرْبَهَارِيُّ
الْعَالَمُ الزَّاهِدُ الْفَقِيهُ الْحَنْبَلِيُّ الْوَاعِظُ، صَاحَبُ الْمَرُّوذِيَّ وَسَهْلًا التُّسْتَرِيَّ، وَتَنَزَّهَ عَنْ مِيرَاثِ أَبِيهِ – وَكَانَ سَبْعِينَ أَلْفًا – لِأَمَرٍ كَرِهَهُ. وَكَانَ شَدِيدًا عَلَى أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْمَعَاصِي، وَكَانَ كَبِيرَ الْقَدْرِ عِنْدَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ، وَقَدْ عَطَسَ يَوْمًا وَهُوَ يَعِظُ النَّاسَ، فَشَمَّتَهُ الْحَاضِرُونَ، ثُمَّ شَمَّتَهُ مَنْ سَمِعَهُمْ، حَتَّى شَمَّتَهُ أَهْلُ بَغْدَادَ فَانْتَهَتِ الضَّجَّةُ إِلَى دَارِ الْخِلَافَةِ، فَغَارَ الْخَلِيفَةُ مِنْ ذَلِكَ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَرْبَابِ الدَّوْلَةِ فَطُلِبَ فَاسْتَتَرَ عِنْدَ أُخْتِ تُوزُونَ شَهْرًا، ثُمَّ أَخَذَهُ الْقِيَامُ فَمَاتَ عِنْدَهَا، فَأَمَرَتْ خَادِمَهَا أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، فَامْتَلَأَتِ الدَّارُ رِجَالًا عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ بِيضٌ، فَدَفَنَتْهُ عِنْدَهَا، ثُمَّ أَوْصَتْ أَنْ تُدْفَنَ عِنْدَهُ، وَكَانَ عُمْرُهُ يَوْمَ مَاتَ سِتًّا وَتِسْعِينَ سَنَةً، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
البداية والنهاية ت التركي (15) / (137)
(ثانيًا): التَّثَاؤُبُ أحكام ومسائل:
(المسألة الأولى): تعريف التَّثَاؤُب:
التَّثَاؤُبُ: (بِالْمَدِّ): فَتْرَةٌ تَعْتَرِي الشَّخْصَ فَيَفْتَحُ عِنْدَهَا فَمَهُ. [المصباح المنير مادة: «ثوب»].
وَالْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ فِي هَذَا لاَ يَخْرُجُ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
(المسألة الثانية): حُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ:
صَرَّحَ الْعُلَمَاءُ بِكَرَاهَةِ التَّثَاؤُبِ. فَمَنِ اعْتَرَاهُ ذَلِكَ، فَلْيَكْظِمْهُ، وَلْيَرُدَّهُ قَدْرَ الطَّاقَةِ؛ لِقَوْلِهِ ?: فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ [أخرجه البخاري (الفتح (10) / (611))] كَأَنْ يُطْبِقَ شَفَتَيْهِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ.
فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَمِهِ؛ لِقَوْلِهِ ?: إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ عَلَى فَمِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُل [أخرجه مسلم ((4) / (2293))]، وَيَقُومُ مَقَامَ الْيَدِ كُل مَا يَسْتُرُ الْفَمَ كَخِرْقَةٍ أَوْ ثَوْبٍ مِمَّا يَحْصُل بِهِ الْمَقْصُودُ.
– ثُمَّ يَخْفِضُ صَوْتَهُ وَلاَ يَعْوِي، لِمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُول اللَّهِ ? أَنَّهُ قَال: إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فِيهِ، وَلاَ يَعْوِي، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَضْحَكُ مِنْهُ. [أخرجه ابن ماجه ((1) / (310)) وفي الزوائد: في إسناده عبد لله بن سعيد، اتفقوا على ضعفه.]،
– ثُمَّ يُمْسِكُ عَنِ التَّمَطِّي وَالتَّلَوِّي الَّذِي يُصَاحِبُ بَعْضَ النَّاسِ؛ لأَنَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ. [ابن عابدين (1) / (433)، ونهاية المحتاج (2) / (56)، والآداب الشرعية (2) / (345)]، وَقَدْ رُوِيَ: أَنَّهُ ? كَانَ لاَ يَتَمَطَّى؛ لأَنَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ [«كان لا يتمطى لأنه من الشيطان» عزاه ابن حجر في الفتح ((10) / (613)) إلى الشفاء لابن سبع]. .
(المسألة الثالثة): التَّثَاؤُبُ فِي الصَّلاَةِ:
التَّثَاؤُبُ فِي الصَّلاَةِ مَكْرُوهٌ، لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاَةِ فَلْيَكْظِمْهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُل مِنْهُ. [أخرجه مسلم ((4) / (2293))] وَهَذَا إِذَا أَمْكَنَ دَفْعُهُ، فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهُ فَلاَ كَرَاهَةَ، وَيُغَطِّي فَمَه بِيَدِهِ الْيُسْرَى، وَقِيل: بِإِحْدَى يَدَيْهِ. وَهُوَ رَايُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ.
وَلاَ شَيْءَ فِيهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَيُنْدَبُ كَظْمُ التَّثَاؤُبِ فِي الصَّلاَةِ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَمِهِ لِلْحَدِيثِ. [ابن عابدين (1) / (433)، ونهاية المحتاج (2) / (56)، والمغني (2) / (12) ط الرياض، وكشاف القناع (1) / (373)، ومواهب الجليل (2) / (82)، والدسوقي (1) / (281)]
(المسألة الرابعة): التَّثَاؤُبُ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ:
ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ مِنْ آدَابِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَلاَّ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ فِي حَال شُغْل قَلْبِهِ وَعَطَشِهِ وَنُعَاسِهِ، وَأَنْ يَغْتَنِمَ أَوْقَاتَ نَشَاطِهِ، وَإِذَا تَثَاءَبَ يَنْبَغِي أَنْ يُمْسِكَ عَنِ الْقِرَاءَةِ حَتَّى يَنْقَضِيَ التَّثَاؤُبُ، ثُمَّ يَقْرَأُ، لِئَلاَّ يَتَغَيَّرَ نَظْمُ قِرَاءَتِهِ، قَال مُجَاهِدٌ: وَهُوَ حَسَنٌ. [التبيان في آداب حملة القرآن للنووي ص (25)، (67)، (68)، وفتح الباري (10) / (112)]؛ وَيَدُل عَلَيْهِ مَا ثَبَتَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ?: إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ عَلَى فَمِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُل. [الموسوعة الفقهية الكويتية، (10/ 140 – 141)].
قَال النَّوَوِيُّ عفا الله عنه: يَنْبَغِي أَنْ يُمْسِكَ عَنِ الْقِرَاءَةِ حَتَّى يَتَكَامَل خُرُوجُهُ ثُمَّ يَعُودَ إِلَى الْقِرَاءَةِ، وَهُوَ أَدَبٌ حَسَنٌ، وَإِذَا تَثَاءَبَ أَمْسَكَ عَنِ الْقِرَاءَةِ حَتَّى يَنْقَضِيَ التَّثَاؤُبُ ثُمَّ يَقْرَأَ [التبيان في آداب حملة القرآن ص (102)].
المسألة الخامسة: بأي يد يكظم تثاؤبه:
قال ابن علان رحمه الله:
” (ما استطاع) أي قدر استطاعته، وذلك بإطباق فيه، فإن لم يندفع بذلك فبوضع اليد عليه” انتهى.
“دليل الفالحين” (6/ 175).
قال الحافظ العراقي رحمه الله تعالى الأمر بوضع اليد على فمه هل المراد به وضعها عليه إذا انفتح بالتثاؤب أو وضعها على الفم المنطبق حفظا له عن الانفتاح بسبب ذلك؟ كل محتمل أما لو رده فارتد فلا حاجة للاستعانة بيده مع انتفائه بدون ذلك.
فيض القدير (1) / (315)
قال المناوي رحمه الله:
” (فليضع يده) أي ظهر كف يسراه كما ذكره جمع، ويتجه أنه للأكمل وأن أصل السنة يحصل بوضع اليمين. قيل: لكنه يجعل بطنها على فيه عكس اليسرى” انتهى.
“فيض القدير” (1/ 404).
وقال السفاريني رحمه الله:
“وَقَالَ لِي شَيْخُنَا التَّغْلِبِيُّ فَسَّحَ اللَّهُ لَهُ فِي قَبْرِهِ: إنْ غَطَّيْت فَمَك فِي التَّثَاؤُبِ بِيَدِك الْيُسْرَى فَبِظَاهِرِهَا , وَإِنْ كَانَ بِيَدِك الْيُمْنَى فَبِبَاطِنِهَا.
قَالَ وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ: لأَنَّ الْيُسْرَى لِمَا خَبُثَ وَلا أَخْبَثَ مِنْ الشَّيْطَانِ , وَإِذَا وَضَعَ الْيُمْنَى فَبَطْنَهَا ; لأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْغِطَاءِ , وَالْيُسْرَى مُعَدَّةٌ لِدَفْعِ الشَّيْطَانِ , وَإِذَا غَطَّى بِظَهْرِ الْيُسْرَى فَبَطْنُهَا مُعَدٌّ لِلدَّفْعِ” انتهى.
“غذاء الألباب” (1/ 348).
?وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله:
“وإِذا غلبه فإِنه ينبغي تغطية فمه بيده اليسرى؛ لأَنه من باب دفع الخبث؛ فإِن الشيطان خبيث. ويكون الذي يلي فمه ظهر كفه؛ لأَنه من باب الدفع والمنع، يدفع الشيطان ويمنعه لا يدخل ” انتهى.
“فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم” (2/ 182).
والذي يظهر أن الأمر في هذا واسع، ولم تأت السنة بتعيين اليسرى أو اليمنى في كظم التثاؤب، فضلا عن التفصيل المذكور، وهو كونه بباطن اليد أو ظهرها، فمتى حصل ذلك باليد اليمنى أو اليسرى، حصلت السنة.
المسألة السادسة:
يقول الله تعالى: {ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم} (آل عمران:154).
قال ابن كثير: “يقول تعالى ممتنا على عباده فيما أنزل عليهم من السكينة والأمنة، وهو النعاس الذي غشيهم وهم مشتملون السلاح في حال همهم وغمهم، والنعاس في مثل تلك الحال دليل على الأمان”، وقال السعدي: “ولا شك أن هذا رحمة بهم، وإحسان وتثبيت لقلوبهم، وزيادة طمأنينة، لأن الخائف لا يأتيه النعاس لما في قلبه من الخوف، فإذا زال الخوف عن القلب أمكن أن يأتيه النعاس. وهذه الطائفة التي أنعم الله عليها بالنعاس هم المؤمنون الذين ليس لهم هم إلا إقامة دين الله، ورضا الله ورسوله، ومصلحة إخوانهم المسلمين”. وعن قتادة، قوله:” {ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم}، وذاكم يوم أحد، كانوا يومئذ فريقين، فأما المؤمنون فغشاهم الله النعاس أمنة منه ورحمة”. وقال الطبري: ” {أمنة} وهي الأمان، على أهل الإخلاص منكم واليقين، دون أهل النفاق والشك”.
وعن أبي طلحة رضي الله عنه قال: (غشينا النعاس ونحن في مصافنا (مواقفنا) يوم أحد، قال: فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه، ويسقط وآخذه) رواه البخاري. وفي رواية قال: (كنت فيمن تغشاه النعاس يوم أحد حتى سقط سيفي من يدي مرارا، يسقط وآخذه، ويسقط فآخذه). قال القسطلاني: “أي في موقفنا (يوم أحد)، أمنة لأهل اليقين فينا، فينامون من غير خوف جازمين بأن الله سينصر رسوله وينجز له مأموله”.
وروى مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (لما كان يوم أحد انهزم ناس من الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولقد وقع السيف من يدي أبي طلحة إما مرتين وإما ثلاثا من النعاس). ويقول الزبير بن العوام رضي الله عنه: “قال: لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حين اشتد علينا الخوف، وأرسل علينا النوم، فما منا أحد إلا وذقنه في صدره”.
وأخرج الترمذي بسند صحيح عن أبي طلحةرضي الله عنه قال: (رفعت رأسي يوم أحد، فجعلت أنظر، وما منهم يومئذ أحد إلا يميد (يميل) تحت حجفته (ترسه) من النعاس، فذلك قوله عز وجل: {ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم} (آل عمران:154). قال الطبري: “قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: النعاس في القتال أمنة من الله، وفي الصلاة من الشيطان”. وقال ابن القيم في زاد المعاد: “والنعاس في الحرب وعند الخوف دليل على الأمن، وهو من الله، وفي الصلاة ومجالس الذكر والعلم من الشيطان”.
قال القرطبي: “وكان هذا النعاس في الليلة التي كان القتال من غدها, فكان النوم عجيبا مع ما كان بين أيديهم من الأمر المهم، وكأن الله ربط جأشهم .. وفي امتنان الله تعالى عليهم بالنوم في هذه الليلة وجهان: أحدهما: أنه قواهم بالاستراحة على القتال من الغد. الثاني: أنه أمنهم بزوال الرعب من قلوبهم”، وفي غزوة أحد قال الله تعالى: {ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طآئفة منكم} (آل عمران: 154)، قال ابن كثير في البداية والنهاية: ” .. أحدا وقع فيها أشياء مما وقع في بدر، منها: حصول النعاس حال التحام الحرب، وهذا دليل على طمأنينة القلوب بنصر الله وتأييده، وتمام توكلها على خالقها وبارئها”.
تنبيه: انظر: 241 و 242 و 243 و 244 عبق الياسمين شرح رياض الصالحين