(2988) فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
مجموعة: أحمد بن علي، ومحمد البلوشي ويوسف بن محمد السوري وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد ومحمد فارح واسامة الحميري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
جاء في صحيح الإمام مسلم رحمه الله من ((56)) – (كِتَابُ: الزُّهْدِ، وَالرَّقَائِقِ)، 8 – باب التكلم بالكلمة يهوي بها في النار (وفي نسخة: باب حفظ اللسان)
(49) – ((2988)) حدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا بكر (يعني ابن مضر) عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن عيسى بن طلحة، عن أبي هريرة؛
أنه سمع رسول الله ? يقول «إن العبد ليتكلم بالكلمة، ينزل بها في النار، أبعد ما بين المشرق والمغرب».
(50) – ((2988)) وحدثناه محمد بن أبي عمر المكي. حدثنا عبد العزيز الدراوردي عن يزيد بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن عيسى بن طلحة، عن أبي هريرة؛
أن رسول الله ? قال «إن العبد ليتكلم بالكلمة، ما يتبين ما فيها، يهوي بها في النار، أبعد ما بين المشرق والمغرب».
==========
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
“اللِّسانُ مِن نِعَمِ اللهِ العَظيمةِ، ولَطائفِ صُنعِه البَديعةِ؛ فإنَّه مع صِغَرِ جِرْمِه قدْ يكونُ سَببًا في دُخولِ الجنَّةِ، أو انْكِبابِ صاحِبِه على وَجْهِه في النَّارِ؛ لذا يَنْبغي للمُسلِمِ أنْ يَحفَظَ لِسانَه.
وفي هذا الحَديثِ بَيَّن النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أثَرَ الكلمةِ وما يَترتَّبُ عليها مِن أجْرٍ أو وِزرٍ، حتَّى إنَّ العبدَ لَيتكلَّمُ بالكَلمةِ مِمَّا يَرْضاهُ اللهُ ويُحِبُّه، لا يَلتفِتُ لها قلْبُه وبالُه؛ لِقِلَّةِ شَأنِها عندَه، فيَرْفَعُه اللهُ بها دَرَجاتٍ في الجنَّةِ، وإنَّه لَيتكلَّمُ بالكَلمةِ الواحدةِ مِمَّا يَكْرَهُه اللهُ ولا يَرْضاهُ، لا يَلتفِتُ بالُه وقلْبُه لعِظَمِها، ولا يَتفكَّرُ في عاقِبتِها، ولا يَظُنُّ أنَّها تُؤثِّرُ شَيئًا، ولكِنَّها عندَ اللهِ عَظيمةٌ في قُبحِها، فيَهْوِي بها -أي: يَنزِل ويَسقُط بسَببِها- في دَرَكاتِ جَهَّنَمَ”.
قال الحافظ النووي رحمه الله: (” [((8))]- (باب التكلم بالكلمة يهوي بها في النار) “). (وفي نسخة: باب حفظ اللسان)
وعلاقة أحاديث الباب بكتاب الزهد والرقائق يتلخص في ثلاثة أمور:
1. حفظ اللسان من الزهد، أحاديث الباب تتناول أهمية حفظ اللسان، وهو من أبرز مظاهر الزهد، إذ أن الزاهد لا يتكلم إلا بما ينفعه في الدنيا والآخرة، ويتجنب الكلام الذي قد يضره أو يكون سببًا لسخط الله.
2. التعلق بالآخرة، هذه الأحاديث تحذر من الكلمة التي قد تودي بصاحبها في النار، وهو ما ينسجم مع موضوع كتاب الزهد الذي يحث على الإقبال على الآخرة وترك ما لا ينفع من أمور الدنيا.
- الرقائق وتأثير الكلمة، الأحاديث تذكر خطر الكلمة غير المحسوبة على مصير الإنسان في الآخرة، مما يرقق القلوب ويزيد من الشعور بمراقبة الله والخوف من الوقوع في المحظور.
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[(7450)] ((2988)) -الحديث
شرح الحديث:
(بالكلمة)، أي: الكلام المشتمل على ما يفهم، وفي رواية البخاري: «ما يتبين فيها»؛ أي: لا يتطلب معناها؛ أي: لا يثبتها بفكره، ولا يتأملها حتى يتثبت فيها، فلا يقولها إلا إن ظهرت المصلحة في القول،(ينزل بها) وفي الرواية التالية: «يهوي بها»، وفي رواية البخاري: «يزل» بها بفتح أوله، وكسر الزاي، بعدها لام؛ أي: يسقط (في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب») ووقع عند البخاري بلفظ: «أبعد ما بين المشرق» دون لفظ: «والمغرب»، قال في «الفتح»: كذا في جميع النسخ التي وقعت لنا في البخاري، وكذا في رواية إسماعيل القاضي عن إبراهيم بن حمزة، شيخ البخاري فيه، عند أبي نعيم، وأخرجه مسلم، والإسماعيلي، من رواية بكر بن مضر، عن يزيد بن الهاد، بلفظ: «أبعد ما بين المشرق والمغرب»، وكذا وقع عند ابن بطال، وشرحه الكرماني على ما وقع عند البخاري، فقال: قوله: «ما بين المشرق»: لفظ «بين» يقتضي دخوله على المتعدد، والمشرق متعدد معنى؛ إذ مشرق الصيف غير مشرق الشتاء، وبينهما بعد كبير.
ويحتمل: أن يكون اكتفى بأحد المتقابلين عن الآخر، مثل: {سرابيل تقيكم الحر} [النحل: (81)] قال: وقد ثبت في بعضها بلفظ: «بين المشرق والمغرب».قال ابن عبد البر رحمه الله:
الكلمة التي يهوي صاحبها بسببها في النار هي التي يقولها عند السلطان الجائر، وزاد ابن بطال: بالبغي، أو بالسعي على المسلم، فتكون سببا لهلاكه، وإن لم يرد القائل ذلك، لكنها ربما أدت إلى ذلك، فيكتب على القائل إثمها، والكلمة التي ترفع بها الدرجات، ويكتب بها الرضوان هي التي يدفع بها عن المسلم مظلمة، أو يفرج بها عنه كربة، أو ينصر بها مظلوما.
وقال غيره في الأولى: هي الكلمة عند ذي السلطان يرضيه بها فيما يسخط الله تعالى.
قال ابن التين: هذا هو الغالب، وربما كانت عند غير ذي السلطان، ممن يتأتى منه ذلك، ونقل عن ابن وهب أن المراد بها: التلفظ بالسوء، والفحش، ما لم يرد بذلك الجحد لأمر الله في الدين.
وقال القاضي عياض: يحتمل أن تكون تلك الكلمة من الخنى، والرفث، وأن تكون في التعريض بالمسلم بكبيرة، أو بمجون، أو استخفاف بحق النبوة، والشريعة، وإن لم يعتقد ذلك.
وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: هي الكلمة التي لا يعرف القائل حسنها من قبحها، قال: فيحرم على الإنسان أن يتكلم بما لا يعرف حسنه من قبحه.
قال الحافظ: وهذا الذي يجري على قاعدة مقدمة الواجب.
وقال النووي: في هذا الحديث حث على حفظ اللسان، فينبغي لمن أراد أن ينطق أن يتدبر ما يقول قبل أن ينطق، فإن ظهرت فيه مصلحة تكلم، وإلا أمسك، والله تعالى أعلم.
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا متفق عليه.
وفي صحيح ابن حبان:
ذِكْرُ إِيجَابِ سَخَطِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا لِلدَّاخِلِ عَلَى الأُمَرَاءِ الْقَائِلِ عِنْدَهُمْ بِمَا لَا يَاذَنُ بِهِ اللهُ وَلَا رَسُولُهُ ?.
صحيح ابن حبان: التقاسيم والأنواع (3) / (513)
وقال الراجحي:
” قوله: «إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها، يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب»: وذلك لأن هذه الكلمة قد تكون سخرية بالله تعالى، أو بكتابه، أو برسوله ?، أو بدينه، أو ردة عن الإسلام، أو غيبة، أو نميمة، أو مداهنة يتكلم بها عند سلطان، أو أمير، أو وزير، أو يتسبب في إيذاء أخيه المسلم، فالواجب على الإنسان الحذر؛ لأن خطر اللسان عظيم.
وفي المقابل جاء في الحديث: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات» [أخرجه البخاري ((6478))]، وذلك كأن يتكلم بكلمة التوحيد عن إخلاص وصدق، أو يتكلم بكلمة يذب بها عن أخيه المسلم، أو غير ذلك. [توفيق الرب المنعم (8/ 420)].
تنبيه: قول الحافظ: وهذا الذي يجري على قاعدة مقدمة الواجب.
قاعدة “مقدمة الواجب” في علم الأصول تعني أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. بمعنى آخر، إذا كان القيام بفعل واجب يتوقف على فعل آخر، فإن ذلك الفعل الآخر يصبح واجبًا أيضًا. على سبيل المثال، إذا كان أداء الصلاة واجبًا، والوضوء شرط لصحتها، فإن الوضوء يصبح واجبًا لأنه لا يمكن أداء الصلاة بدونه.
الحافظ هنا يشير إلى هذا المبدأ، أي أن شيئًا معينًا يصبح واجبًا لأنه مقدمة لأداء واجب آخر.
(مسألة): أخرج البخاري رحمه الله تعالى من طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن أبيه، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي ? قال: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، لا يلقي لها بالا، يرفع الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالا، يهوي بها في جهنم».
قال في «الفتح»: قوله: «لا يلقي لها بالا» بالقاف، في جميع الروايات، أي: لا يتأملها بخاطره، ولا يتفكر في عاقبتها، ولا يظن أنها تؤثر شيئا، وهو من نحو قوله تعالى: {وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم} [النور: (115)] وقد وقع في حديث بلال بن الحارث المزني الذي أخرجه مالك، وأصحاب «السنن»، وصححه الترمذي، وابن حبان، والحاكم، بلفظ: «إن أحدكم ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، ما يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة»، وقال في السخط مثل ذلك.
وأخرج الترمذي هذا الحديث من طريق محمد بن إسحاق، قال: حدثني محمد بن إبراهيم التيمي، بلفظ: «لا يرى بها بأسا يهوي بها في النار سبعين خريفا»، والله تعالى أعلم.
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[(7451)] ( … ) -الحديث
والحديث متفق عليه، وقد مضى شرحه، وبيان مسائله في الحديث الماضي، ولله الحمد. [البحر المحيط الثجاج للإتيوبي رحمه الله، بتصرف يسير، وإضافة].
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:
وهذا يَقَعُ كثيرًا، لا سِيَّمَا مِنَ الناس الذين عندهم كثرة مِزَاح، تَجِدهُ يتكلَّم ولا يُبالي، وَيَأْتِي بِكَلِمَةٍ تُحبِطُ عَمَلَهُ وهو لا يدري، وأحيانًا يكون الإنسان عنده فراهة وعدم مُبالاة،
فَيُطلِقُ الكلمةَ وقد تكونُ كلمةُ كُفر، أو استهزاء بالله عَزَّوَجَلّ، أو ما أَشْبَهَ ذلك، وَيَهْوِي بِهَا في النار، كُلُّ هذا فِيهِ التَّحذير مِن إطلاقِ اللِّسَان، وَأَنَّهُ ينبغي للإنسانِ أَنْ يَحفَظَ لِسَانَهُ، فقد يقولُ كلمةً يَزِلُّ فِيهَا في نار جهنم.
التعليق على صحيح البخاري: (365/ 14)
فقه وفوائد الحديث:
1 – (منها): “بيان خطر اللسان، وأنه ينبغي للإنسان أن يحفظ لسانه إلا عن الخير والأمور المباحة؛ كما قال النبي ?: «ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا، أو ليصمت» [أخرجه البخاري ((6018))، ومسلم ((47))].
يَنبغي لِمَن أراد أن يَتكلم بكلام أنْ يتدبرَه في نفسه قبل نُطْقِه، فإنْ ظَهَرتْ مصلحتُه تَكلَّم، وإلا أَمْسَك.
2 – (ومنها): الوعيد الشديد على من تكلم بالكلمة من كلام السوء لا يلقي لها بالا”. [توفيق الرب المنعم (8/ 420 – 421)].
3 – (ومنها): “قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: هي الكلمة التي لا يَعرِفُ القائلُ حسنَها من قبحِها، قال: فيَحرُمُ على الإنسان أنْ يتكلَّمَ بما لا يَعرِفُ حُسْنَه من قُبْحِه.
4 – (ومنها): تحذير للمسلم من خطورة الكلمة؛ فإنَّ الكلمة إذا لم تخرجْ من الفم فالإنسان مالِكُها، فإذا خرجتْ كان أسيرَها.
5 – (ومنها): أنَّ مَوضوعَ الكلامِ هو مَا يُحدِّد أثَرَه المترتِّب عليه؛ فقدْ يَخرُجُ المُسلِمُ مِن إسلامِه بسَببِ كَلِمةٍ، وقدْ يَنصُرُ اللهُ الإسلامَ بكَلمةٍ.
6 – (ومنها): التأمُّلُ والتفَكُّرُ فيما يَنطِقُ به الإنسانُ.
7 – (ومنها): يجب على الإنسان أنْ يَحفظَ لسانَه في كلِّ أحواله، كالغضب والرضا، وألَّا يتكلَّم فيما لا يَعنيه.
8 – (ومنها): التحذير مما يضر بالمرء في دينه ودنياه والترغيب فيما ينفعه في دينه وديناه.
9 – (ومنها): الوَعد برفع الدرجات في الجنة على التَكَلُم بالخير، والوعيد بالهَوي في النار على التكلُم بالشَّر.
10 – (ومنها): الكلام حسن وقبيح؛ فما كان في رضوان الله فهو حسن وما كان في سخطه فهو قبيح.
11 – (ومنها): الجنة درجات والنار دركات”. [الموسوعة الحديثية].
12 – (ومنها): أهمية النية، يوضح الحديث أن النية وراء الكلمة قد تؤثر بشكل كبير على النتائج، فالكلمات الصادرة عن نية صادقة يمكن أن تكون سببًا في رضا الله.
13 – (ومنها): حفظ اللسان والفرج أساس لدخول الجنة، يشير الحديث إلى أن من يحفظ لسانه وفرجه يضمن دخول الجنة، مما يدل على أن الإنسان سيحاسب على أفعاله وأقواله.
14 – (ومنها): التحذير من الكلام غير المدروس، الكلمة التي يظن الإنسان أنها بسيطة قد تكون سببًا في هلاكه أو رفع درجاته، وهذا يحث المسلم على التفكير قبل الكلام.
15 – (ومنها): دعوة للتأمل في الأقوال، يحث المسلم على التفكير قبل الكلام، خاصة عند التعرض لمواقف حرجة.
16 – (ومنها): يبرز الحديث فضيلة الصمت إذا لم يكن هناك قول حسن، وأنه من علامات الإيمان بالله واليوم الآخر.
17 – (ومنها): تربية على الصمت، يدعو الحديث إلى الصمت في حال عدم وجود ما يفيد أو يحسن الوضع، مما يعكس أهمية الاستغناء عن الكلام غير المفيد.
18 – (ومنها): تحذير من عواقب الكلمة، الحديث ينبه إلى أن الكلمة قد تكون سببًا في الهلاك، لذا يجب التحقق من معناها.
19 – (ومنها): أثر الكلام في الآخرة، الحديث يوضح أن الكلام قد يكون له تأثير كبير في مصير الإنسان في الآخرة، سواء كان ذلك في رفع الدرجات أو في الهلاك.
20 – قال ابن باز في التعليق على صحيح البخاري شرح حديث من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه اضمن له الجنة: يحتاج لأمرين: كثرة ذكر الله تعالى واجتناب مجالس الغفلة والشبه، وما يحره إلى الزنا واللغو من القول
21 – قال العباد: وروى البخاري في صحيحه ((6475)) ومسلم في صحيحه ((74)) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ?: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت» الحديث.
قال النووي في شرح الأربعين في شرح هذا الحديث: «قال الشافعي: معنى الحديث إذا أراد أن يتكلَّم فليُفكِّر، فإن ظهر أنَّه لا ضرر عليه تكلَّم، وإن ظهر أنَّ فيه ضررًا وشكَّ فيه أمسك»، ونقل عن بعضهم أنَّه قال: «لو كنتم تشترون الكاغَد للحفظة لسكتُّم عن كثير من الكلام».
قال الإمام أبو حاتم بن حبان البستي في كتابه روضةُ العقلاء ونزهة الفضلاء (ص: (45)): «الواجبُ على العاقل أن يلزم الصمتَ إلى أن يلزمه التكلُّمُ، فما أكثرَ مَن ندم إذا نطق، وأقلَّ من يندم إذا سكت، وأطول الناس شقاءً وأعظمهم بلاءً من ابتُلي بلسانٍ مطلقٍ، وفؤادٍ مطبقٍ».
وقال أيضًا (ص: (47)): «الواجبُ على العاقل أن يُنصف أذنيه من فيه، ويعلم أنَّه إنَّما جُعلت له أذنان وفم واحدٌ ليسمع أكثر مِمَّا يقول؛ لأنَّه إذا قال ربَّما ندم، وإن لَم يقل لَم يندم، وهو على ردِّ ما لَم يقل أقدر منه على ردِّ ما قال، والكلمةُ إذا تكلَّم بها ملكَتْه، وإن لَم يتكلَّم بها ملكها».
وقال أيضًا في (ص: (49)): “لسانُ العاقل يكون وراء قلبه، فإذا أراد القولَ رجع إلى القلب، فإن كان له قال، وإلاَّ فلا، والجاهلُ قلبُه في طرف
لسانه، ما أتى على لسانه تكلَّم به، وما عقل دينَه من لَم يحفظ لسانه».
وروى البخاري في صحيحه ((6477)) ومسلم في صحيحه ((2988))، واللفظُ لمسلم عن أبي هريرة أنَّ رسول الله ? قال: «إنَّ العبدَ ليتكلَّم بالكلمة ما يتبيَّن ما فيها، يهوي بها في النار أبعدَ ما بين المشرق والمغرب».
وفي آخر حديث وصيّة النَّبِيِّ ? لمعاذ أخرجه الترمذي ((2616)) وقال: «حديثٌ حسنٌ صحيحٌ»، قال ?: «وهل يَكُبُّ الناسَ في النار على وجوههم أو على مناخِرهم إلاَّ حصائدُ ألسنتهم»، قاله جوابًا لقول معاذ: «يا نبيَّ الله! وإنَّا لمؤاخذون بما نتكلَّم به؟».
قال الحافظ ابن رجب في شرحه من كتابه جامع العلوم والحكم ((2) / (147)): “والمرادُ بحصائد
الألسنة: جزاءُ الكلام المحرَّم وعقوباته؛ فإنَّ الإنسانَ يزرع بقوله وعمله الحسنات والسيِّئات، ثم يحصد يوم القيامة ما زرع، فمَن زرع خيرًا مِن قولٍ أو عملٍ حَصَد الكرامة، ومن زرع شرًاّ من قولٍ أو عملٍ حصد غدًا الندامة».
وقال ((2) / (146)): «هذا يدلُّ على أنَّ كفَّ اللسان وضبطَه وحبسَه هو أصل الخير كلِّه، وأنَّ مَن ملك لسانه فقد ملك أمره وأحكمه وضبطه».
ونقل ((2) / (149)) عن يونس بن عُبيد أنَّه قال: «ما رأيت أحدًا لسانه منه على بال إلاَّ رأيت ذلك صلاحًا في سائر عمله»، وعن يحيى بن أبي كثير أنَّه قال: «ما صلح منطقُ رجل إلاَّ عرفت ذلك في سائر عمله، ولا فسد منطقُ رجل قطُّ إلاَّ عرفت ذلك في سائر عمله».
22 – فَصْلٌ اللَّفْظَةُ:
وَأَمَّا اللَّفَظَاتُ: فَحِفْظُهَا بِأَنْ لَا يُخْرِجَ لَفْظَةً ضَائِعَةً، بَلْ لَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا فِيمَا يَرْجُو فِيهِ الرِّبْحَ وَالزِّيَادَةَ فِي دِينِهِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالْكَلِمَةِ نَظَرَ: هَلْ فِيهَا رِبْحٌ وَفَائِدَةٌ أَمْ لَا؟ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا رِبْحٌ أَمْسَكَ عَنْهَا، وَإِنْ كَانَ فِيهَا رِبْحٌ، نَظَرَ: هَلْ تَفُوتُهُ بِهَا كَلِمَةٌ أَرْبَحُ مِنْهَا، فَلَا يُضَيِّعُهَا بِهَذِهِ، وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَسْتَدِلَّ عَلَى مَا فِي الْقَلْبِ، فَاسْتَدِلَّ عَلَيْهِ بِحَرَكَةِ اللِّسَانِ، فَإِنَّهُ يُطْلِعُكَ عَلَى مَا فِي الْقَلْبِ، شَاءَ صَاحِبُهُ أَمْ أَبَى.
قَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ: الْقُلُوبُ كَالْقُدُورِ تَغْلِي بِمَا فِيهَا، وَأَلْسِنَتُهَا مَغَارِفُهَا، فَانْظُرْ إِلَى الرَّجُلِ حِينَ يَتَكَلَّمُ فَإِنَّ لِسَانَهُ يَغْتَرِفُ لَكَ بِمَا فِي قَلْبِهِ، حُلْوٌ وَحَامِضٌ، وَعَذْبٌ وَأُجَاجٌ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَيُبَيِّنُ لَكَ طَعْمَ قَلْبِهِ اغْتِرَافُ لِسَانِهِ، أَيْ كَمَا تَطْعَمُ بِلِسَانِكَ طَعْمَ مَا فِي الْقُدُورِ مِنَ الطَّعَامِ فَتُدْرِكُ الْعِلْمَ بِحَقِيقَتِهِ، كَذَلِكَ تَطْعَمُ مَا فِي قَلْبِ الرَّجُلِ مِنْ لِسَانِهِ، فَتَذُوقُ مَا فِي قَلْبِهِ مِنْ لِسَانِهِ، كَمَا تَذُوقُ مَا فِي الْقِدْرِ بِلِسَانِكَ.
وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَرْفُوعِ: «لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ».
«وَسُئِلَ النَّبِيُّ ? عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ؟ فَقَالَ: الْفَمُ وَالْفَرْجُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَدْ «سَأَلَ مُعَاذٌ النَّبِيَّ ? عَنِ الْعَمَلِ الَّذِي يُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُهُ مِنَ النَّارِ، فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ ? بِرَأْسِهِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِ نَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا، فَقَالَ: وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ – أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ – إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَهُونُ عَلَيْهِ التَّحَفُّظُ وَالِاحْتِرَازُ مِنْ أَكْلِ الْحَرَامِ وَالظُّلْمِ وَالزِّنَى وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَمِنَ النَّظَرِ الْمُحَرَّمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَيَصْعُبُ عَلَيْهِ التَّحَفُّظُ مِنْ حَرَكَةِ لِسَانِهِ، حَتَّى تَرَى الرَّجُلَ يُشَارُ إِلَيْهِ بِالدِّينِ وَالزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ، وَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَاتِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَنْزِلُ بِالْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْهَا أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَكَمْ تَرَى مِنْ رَجُلٍ مُتَوَرِّعٍ عَنِ الْفَوَاحِشِ وَالظُّلْمِ، وَلِسَانُهُ يَفْرِي فِي أَعْرَاضِ الْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ، وَلَا يُبَالِي مَا يَقُولُ.
وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ ذَلِكَ فَانْظُرْ فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ?: «قَالَ رَجُلٌ: وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلَانٍ، فَقَالَ اللَّهُ عزوجل: مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنِّي لَا أَغْفِرُ لِفُلَانٍ؟ قَدْ غَفَرْتُ لَهُ وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ» فَهَذَا الْعَابِدُ الَّذِي قَدْ عَبَدَ اللَّهَ مَا شَاءَ أَنْ يَعْبُدَهُ، أَحْبَطَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ الْوَاحِدَةُ عَمَلَهُ كُلَّهُ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوُ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَوْبَقَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ?: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا؛ يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ
لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا؛ يَهْوِي بِهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ»، وَعِنْدَ مُسْلِمٍ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ».
وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ عَنِ النَّبِيِّ ?: «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ، فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ، فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ»، وَكَانَ عَلْقَمَةُ يَقُولُ: كَمْ مِنْ كَلَامٍ قَدْ مَنَعَنِيهِ حَدِيثُ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ.
وَفِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: «تُوُفِّيَ رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَقَالَ رَجُلٌ: أَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ?: وَمَا يُدْرِيكَ؟ لَعَلَّهُ تَكَلَّمَ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ، أَوْ بَخِلَ بِمَا لَا يُنْقِصُهُ» قَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَفِي لَفْظٍ: «أَنَّ غُلَامًا اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَوُجِدَ عَلَى بَطْنِهِ صَخْرَةٌ مَرْبُوطَةٌ مِنَ الْجُوعِ، فَمَسَحَتْ أُمُّهُ التُّرَابَ عَنْ وَجْهِهِ وَقَالَتْ: هَنِيئًا لَكَ يَا بُنَيَّ الْجَنَّةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ?: وَمَا يُدْرِيكِ؟ لَعَلَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ، وَيَمْنَعُ مَا لَا يَضُرُّهُ».
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ».
وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَإِذَا شَهِدَ أَمْرًا فَلْيَتَكَلَّمْ بِخَيْرٍ أَوْ لِيَسْكُتْ».
وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْهُ ? أَنَّهُ قَالَ: «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ».
وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ، قَالَ: قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ؟ فَأَخَذَ بِلِسَانِ نَفْسِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا»، وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ.
وَعَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ? عَنِ النَّبِيِّ ? قَالَ: «كُلُّ كَلَامِ ابْنِ آدَمَ عَلَيْهِ لَا لَهُ إِلَّا أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهْيًا عَنْ مُنْكَرٍ، أَوْ ذِكْرَ اللَّهِ عزوجل»، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «إِذَا أَصْبَحَ الْعَبْدُ، فَإِنَّ الْأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ، تَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ، فَإِذَا اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا، وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا».
وَقَدْ كَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يُحَاسِبُ أَحَدُهُمْ نَفْسَهُ فِي قَوْلِهِ: يَوْمٌ حَارٌّ، وَيَوْمٌ بَارِدٌ.
وَلَقَدْ رُئِيَ بَعْضُ
الْأَكَابِرِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي النَّوْمِ فَسُئِلَ عَنْ حَالِهِ، فَقَالَ: أَنَا مَوْقُوفٌ عَلَى كَلِمَةٍ قُلْتُهَا، قُلْتُ: مَا أَحْوَجَ النَّاسَ إِلَى غَيْثٍ، فَقِيلَ لِي: وَمَا يُدْرِيكَ؟ أَنَا أَعْلَمُ بِمَصْلَحَةِ عِبَادِي.
وَقَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ لِجَارِيَتِهِ يَوْمًا: هَاتِي السُّفْرَةَ نَعْبَثُ بِهَا، ثُمَّ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، مَا أَتَكَلَّمُ بِكَلِمَةٍ إِلَّا وَأَنَا أَخْطُمُهَا وَأَزُمُّهَا إِلَّا هَذِهِ الْكَلِمَةَ خَرَجَتْ مِنِّي بِغَيْرِ خِطَامٍ وَلَا زِمَامٍ، أَوْ كَمَا قَالَ.
وَأَيْسَرُ حَرَكَاتِ الْجَوَارِحِ حَرَكَةُ اللِّسَانِ وَهِيَ أَضَرُّهَا عَلَى الْعَبْدِ.
وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ هَلْ يُكْتَبُ جَمِيعُ مَا يُلْفَظُ بِهِ أَوِ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ فَقَطْ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ أَظْهَرُهُمَا الْأَوَّلُ.
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: كُلُّ كَلَامِ ابْنِ آدَمَ عَلَيْهِ لَا لَهُ، إِلَّا مَا كَانَ مِنَ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ، وَكَانَ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه يُمْسِكُ عَلَى لِسَانِهِ وَيَقُولُ: هَذَا أَوْرَدَنِي الْمَوَارِدَ، وَالْكَلَامُ أَسِيرُكَ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْ فِيكَ صِرْتَ أَنْتَ أَسِيرَهُ، وَاللَّهُ عِنْدَ لِسَانِ كُلِّ قَائِلٍ: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}.
وَفِي اللِّسَانِ آفَتَانِ عَظِيمَتَانِ، إِنْ خَلَصَ الْعَبْدُ مِنْ إِحْدَاهُمَا لَمْ يَخْلُصْ مِنَ الْأُخْرَى: آفَةُ الْكَلَامِ، وَآفَةُ السُّكُوتِ، وَقَدْ يَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا أَعْظَمَ
إِثْمًا مِنَ الْأُخْرَى فِي وَقْتِهَا، فَالسَّاكِتُ عَنِ الْحَقِّ شَيْطَانٌ أَخْرَسُ، عَاصٍ لِلَّهِ، مُرَاءٍ مُدَاهِنٌ إِذَا لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ، وَالْمُتَكَلِّمُ بِالْبَاطِلِ شَيْطَانٌ نَاطِقٌ، عَاصٍ لِلَّهِ، وَأَكْثَرُ الْخَلْقِ مُنْحَرِفٌ فِي كَلَامِهِ وَسُكُوتِهِ فَهُمْ بَيْنَ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ، وَأَهْلُ الْوَسَطِ – وَهُمْ أَهْلُ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ – كَفُّوا أَلْسِنَتَهُمْ عَنِ الْبَاطِلِ، وَأَطْلَقُوهَا فِيمَا يَعُودُ عَلَيْهِمْ نَفْعُهُ فِي الْآخِرَةِ، فَلَا تَرَى أَحَدَهُمْ يَتَكَلَّمُ بِكَلِمَةٍ تَذْهَبُ عَلَيْهِ ضَائِعَةً بِلَا مَنْفَعَةٍ، فَضْلًا أَنَ تَضُرَّهُ فِي آخِرَتِهِ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَاتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ الْجِبَالِ، فَيَجِدُ لِسَانَهُ قَدْ هَدَمَهَا عَلَيْهِ كُلَّهَا، وَيَأْتِي بِسَيِّئَاتٍ أَمْثَالِ الْجِبَالِ فَيَجِدُ لِسَانَهُ قَدْ هَدَمَهَا مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَا اتَّصَلَ بِهِ.
الداء والدواء = الجواب الكافي – ط دار المعرفة (1) / (158) – (161)
23 – فصل
ومن عقوباتها: أنها تجعل صاحبَها من السِّفْلة بعد أن كان مُهَيًّأ لأن يكون من العِلْية. فإنّ الله خلق خلقَه قسمين: عِلية وسِفلة، وجعل علّيين مستقرّ العلية، وأسفل سافلين مستقرّ السفلة. وجعل أهل طاعته الأعلَين في الدنيا والآخرة، وأهل معصيته الأسفلِين في الدنيا والآخرة، كما جعل أهل طاعته أكرمَ خلقه عليه، وأهلَ معصيته أهونَ خلقه عليه، وجعل العزّة لهؤلاء، والذلّة والصغار لهؤلاء. كما في مسند أحمد من حديث عبد الله بن عمر عن النبي- ? -أنه قال: «جُعل الذلّة والصَّغار على من خالف أمري».
فكلّما عمل العبد معصيةً نزل إلى أسفل درجة، ولا يزال في نزول حتى يكون من الأسفلين. وكلّما عمل طاعة ارتفع بها درجة، ولا يزال في ارتفاع حتى يكون من الأعلَين. وقد يجتمع للعبد في أيام حياته الصعود من وجه، والنزول من وجه، وأيّهما كان أغلب عليه كان من أهله. فليس من صعد مائة درجة ونزل درجة واحدة كمن كان بالعكس ولكن يعرض ها هنا للنفوس غلط عظيم، وهو أنّ العبد قد ينزل نزولًا بعيدًا أبعدَ مما بين المشرق والمغرب ومما بين السماء والأرض، فلا يفي صعودُه ألفَ درجة بهذا النزول الواحد، كما في الصحيح عن النبي ? أنه قال: «إنّ العبد لَيتكلّم بالكلمة الواحدة، لا يلقي لها بالًا، يهوي بها في النار أبعدَ مما بين المشرق والمغرب». فأيُّ صعود يوازي هذه النزلة؟.
والنزول أمر لازم للإنسان، ولكن من الناس من يكون نزوله إلى غفلة، فهذا متى استيقظ من غفلته عاد إلى درجته، أو إلى أرفع منها بحسب يقظته.
ومنهم من يكون نزوله إلى مباح لا ينوي به الاستعانة على الطاعة. فهذا متى رجع إلى الطاعة فقد يعود إلى درجته، وقد لا يصل إليها، وقد يرتفع عنها. فإنه قد يعود أعلى همةً مما كان، وقد يكون أضعف همةً، وقد تعود همته كما كانت.
الداء والدواء = الجواب الكافي – ط عطاءات العلم (1) / (205) – (206)
ثانيًا: ملحقات:
[أولاً:]
أثر الكلمة وأدب التخاطب في ضوء الكتاب والسنة: أهمية ضبط اللسان وتحقيق رضا الله تعالى
إن للكلمة أثرًا عظيمًا في الشريعة الإسلامية، فهي وسيلة للتواصل بين الناس، وبها يمكن أن تُبنى المجتمعات أو تُهدم، تُصلح القلوب أو تُفسد.
وقد جاء الإسلام ليبين أهمية الكلمة وأثرها في حياة الفرد والمجتمع، ويضع ضوابط لها حتى تكون وسيلة لتحقيق الخير، ووسيلة لإرضاء الله تعالى.
لقد جعل الله الكلمة الطيبة من أعظم العبادات، بل شبهها بالشجرة الطيبة التي تؤتي ثمارها الطيبة؛ كما قال تعالى: {ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء} [إبراهيم: 24].
وفي المقابل، حذر الله ورسوله من الكلمة الخبيثة، التي قد تهوي بصاحبها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب.
النبي ? أوضح في سنته مكانة الكلمة الطيبة، وأنها سبب لدخول الجنة، كما قال: «الكلمة الطيبة صدقة». [متفق عليه].
وأمرنا بالحذر من إطلاق الكلام دون تفكير، فقد قال النبي ?: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا، يهوي بها في النار سبعين خريفًا».
لذلك جاءت الشريعة ببيان الأحكام المتعلقة بالكلمة، فجعلت لكل مقام مقالًا، وأمرتنا باختيار أطيب الكلام وأحسنه عند الحديث، كما جاء في قوله تعالى: {وقولوا للناس حسنا} [البقرة: 83]، وأمرت بإفشاء السلام، والنصح، والدعوة إلى الخير، وحذرت من الغيبة والنميمة والكذب.
(المسألة الأولى): الحكم التكليفي للكلام:
– كلام العاقل البالغ مباح في الأصل للقاعدة الفقهية الكلية: (الأصل في الأشياء الإباحة) [الأشباه والنظائر لابن نجيم (1) / (97)] إلا أنه بالنظر لما قد يحيط به من قرائن الأحوال تعتريه الأحكام فيكون واجبا، أو مندوبا، أو مكروها، أو حراما، إلى جانب حكمه الأصلي وهو الإباحة وذلك كما يلي:
فمن الكلام الواجب: النطق بالشهادتين للدخول في الإسلام لغير المسلم.
ومن الكلام الواجب تكبيرة الإحرام. [حاشية ابن عابدين (1) / (300) – (324)، وحاشية الدسوقي (1) / (231)، ومغني المحتاج (1) / (150)، وكشاف القناع (1) / (330)].
ومن الكلام المندوب التسبيح والذكر في بعض أفعال الصلاة، كالافتتاح والركوع، والسجود، والتلبية بعد الإحرام، وغير ذلك. [المصادر السابقة والقليوبي وعميرة (2) / (98)].
ومن الكلام المكروه:
الكلام أثناء خطبة الجمعة عند بعض الفقهاء، وهو حرام عند البعض الآخر [ابن عابدين (1) / (550) – (551)، وكشاف القناع (2) / (47)، ومغني المحتاج (1) / (187)، وحاشية الدسوقي (1) / (387)].
ومن الكلام المحرم: القذف والتلفظ بالكفر والسب [حاشية ابن عابدين (3) / (166)، ومغني المحتاج (4) / (155)، والمغني (8) / (215)].
وأما كلام المجنون والصغير غير المميز فهو لغو ولا حكم له لانعدام التكليف في حقهما [حاشية ابن عابدين (3) / (285)، (2) / (389)، ومغني المحتاج (4) / (137)]. لقول الرسول ?: رفع القلم عن ثلاثة: الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل، وعن النائم حتى يستيقظ [حديث: «رفع القلم عن ثلاثة. . .». أخرجه أبو داود ((4) / (560)) والحاكم ((2) / (59)) من حديث عائشة، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي].
ولذا أولى العلماء للكلام أهمية، وقد تحدثوا في مسائل كثيرة في ضبطها، للأحكام التي تترتب من وراء ذلك، ومن هذه المسائل:
اشتراط الكلام في بعض العبادات والمعاملات، أنواع الكلام، وطرق دلالته على معناه، الكلام مع المرأة الأجنبية، هل يعد السكوت كلاما؟، ما يقوم مقام الكلام، الكلام حال قضاء الحاجة وفي الخلاء، الكلام في الصلاة، الكلام في المساجد، الكلام أثناء الخطبة وقبلها وبعدها وبين الخطبتين، هجر الكلام مع الزوجة، وغيرها. [انظر هذه المسائل: حرف الكاف، كلام، الموسوعة الفقهية الكويتية (35/ 110 – 123).
وانظر: الكلم الطيب في نضرة النعيم (8/ 3265 – 3294)].
(المسألة الثانية): أهمية الكلمة وواجبات المسلم تجاه ألفاظه
من يتأمل السنة النبوية يجد اهتمامًا كبيرًا بمسألة السلام والحث على إفشائه بين الناس، وقد أبدى أئمة الحديث عناية خاصة بهذا الأدب، حيث خصصوا كتبًا وأبوابًا متعددة تتناول الأحاديث المتعلقة بالسلام.
من هؤلاء الأئمة الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه، والإمام مالك بن أنس في الموطأ. كما أن الإمام البخاري تناول كثيرًا من مباحث السلام في كتابه “الاستئذان” وكذلك في كتابه “الأدب المفرد”، ولم يغفل الإمام أبو داود عن ذكر “أبواب السلام” في كتاب الأدب في سننه، وأيضًا وردت أحاديث السلام في كتب الحديث الأخرى موزعة في مواضع متعددة.
في الدراسات الذي أحصى الأحاديث الصحيحة والحسنة المتعلقة بالسلام، وبلغ عددها أربعين حديثًا. كما أن ابن القيم في كتابه “زاد المعاد” خصص فصولًا قيمة تناولت موضوع السلام وأحكامه، حيث قدّم الأحاديث في سرد جميل يجذب القارئ (زاد المعاد، 2/ 406 – 428). وقال الإمام النووي في كتابه «الأذكار»: «واعلم أن أصل السلام ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، وأما أفراد مسائله وفروعه فأكثر من أن تحصر، وأنا أختصر مقاصده في أبواب يسيرة إن شاء الله تعالى». [الأذكار ص ((255))]، ثم ساق هذه الأبواب.
فمن الأحاديث العظيمة الواردة في هذا الأصل:
(1) – عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ?: «لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم». [أخرجه: مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون، وأن محبة المؤمنين من الإيمان، وأن إفشاء السلام سبب لحصولها (رقم: (194))].
(2) – عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ? قال: «لما خلق الله تعالى آدم عليه السلام قال: اذهب فسلم على أولئك – نفر من الملائكة جلوس – فاستمع ما يحيونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك. فقال السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه: ورحمة الله». [أخرجه: البخاري، كتاب الاستئذان، باب بدء السلام (رقم (6227))، ومسلم، كتاب الجنة، باب يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير (رقم (7163)].
(3) – عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رجلا سأل رسول الله ?: «أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف». [أخرجه: البخاري، كتاب الاستئذان، باب السلام للمعرفة وغير المعرفة (رقم (6236))، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان تفاضل الإسلام (رقم (160))].
(4) – عن البراء بن عازب رضي الله عنه، قال: «أمرنا النبي ? بسبع: بعيادة المريض، واتباع الجنائز، وتشميت العاطس، ونصر الضعيف، وعون المظلوم، وإفشاء السلام، وإبرار المقسم». [أخرجه: البخاري، كتاب الاستئذان، باب إفشاء السلام (رقم (6235)) وهذا لفظه، ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء (رقم (5388))].
الفوائد المستنبطة من النصوص:
– السلام يعد من أعظم فضائل الإسلام، حيث يدعو كل مسلم للآخر بالسلامة من الشرور والآفات، ويعزز الرحمة والبركة، مما يؤدي إلى زيادة المحبة والألفة بين الناس، ويزيل الوحشة والقطيعة بينهم (انظر: بهجة قلوب الأبرار للشيخ عبد الرحمن السعدي، ص 113).
– ينبغي أن يبدأ المسلم لقاءه بأخيه المسلم بالسلام، فهي التحية العظيمة في الدنيا والآخرة، وهي أولى من التحيات المنتشرة كـ “صباح الخير” و”أهلا وسهلا”، ولكن يمكن استخدامها بعد السلام.
– إفشاء السلام ونشره يعد من الأسباب المؤدية لدخول الجنة.
– السلام يعبر عن تواضع المسلم وحسن خلقه.
(المسألة الثالثة): لين الكلام وطيب الخطاب واختيار الألفاظ الحسنة عند مخاطبة الناس
يدخل تحت هذا المبدأ كل حديث طيب وحسن، كما أمر الله تعالى في قوله: {وقولوا للناس حسنا}، وفي قوله تعالى: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن}. وفي هذا السياق يقول ابن القيم: “كان يتخير في خطابه ويختار لأمته أحسن الألفاظ وأجملها، وألطفها، وأبعدها من ألفاظ أهل الجفاء والغلظة والفحش” [زاد المعاد ((2) / (352))]
وقال أيضا: “وأصل هذا الباب: قوله تعالى: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم}، فالشيطان ينزغ بينهم إذا كلم بعضهم بعضا بغير التي هي أحسن، فرب حرب وقودها جثث وهام، أهاجها القبيح من الكلام “. [الطرق الحكمية (ص (43))].
من الأحاديث الواردة في هذا الباب:
(1) – عن عدي بن حاتم رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ?: «اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة». [أخرجه: البخاري، كتاب الأدب، باب طيب الكلام (رقم (6023))، ومسلم، كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة (رقم (2349))].
(2) – عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي ? قال: «والكلمة الطيبة صدقة». [أخرجه: البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب فضل من حمل متاع صاحبه في السفر (رقم (2891))، ومسلم، كتاب الزكاة، بَابُ بَيَانِ أَنَّ اسْمَ الصَّدَقَةِ يَقَعُ عَلَى كُلِّ نَوْعٍ مِنَ الْمَعْرُوفِ (رقم (2335)) وهو جزء من حديث طويل].
(3) – عن أبي هريرة قال: سمعت النبي ? يقول: «لا طيرة، وخيرها الفأل قيل: يا رسول الله وما الفأل؟ قال: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم». [أخرجه: البخاري، كتاب الطب، باب الفأل (رقم (5755))، ومسلم، كتاب السلام، باب الطيرة والفأل وما يكون فيه من الشؤم (رقم (5798))]
(4) – عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت». [أخرجه: البخاري، كتاب الرقاق، باب حفظ اللسان (رقم (6475))، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الحث على إكرام الجار والضيف ولزوم الصمت إلا عن الخير وكون ذلك كله من الإيمان (رقم (173))].
(5) – وعن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: قال: رسول الله ? «من صنع إليه معروفا فقال لفاعله: جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء». [أخرجه: الترمذي، كتاب البر والصلة عن رسول الله ? باب ما جاء في الثناء بالمعروف (رقم (2035))، وقال: حديث حسن صحيح. وقد وردت بمعناه أحاديث عديدة ينظر الترغيب والترهيب للمنذري، الترغيب في شكر المعروف ومكافأة فاعله والدعاء له وما جاء فيمن لم يشكر ما أولي إليه ((2844))].
هذه النصوص تحمل فوائد عديدة، منها:
– أن الأصل في الحديث مع الناس هو الكلام الحسن والطيب.
– يدخل ضمن الكلام الطيب: الصدق، العدل، بذل السلام، تشميت العاطس، النصيحة بلطف، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغيرها من صور الكلام الحسن التي وردت في كثير من الأحاديث.
– للكلمة الطيبة أثر عظيم في تعزيز المحبة والمودة في المجتمع.
– المتحدث بالكلام الطيب كأنه متصدق بالمال.
– من الجميل أن يعود المسلم لسانه على اختيار الكلمات الطيبة حتى تصبح عادة له وسجية.
(المسألة الرابعة): اجتناب الكلام الفاحش والألفاظ السيئة:
ويدخل تحت هذا الأصل النهي عن الكذب، والقذف، والسب واللعن والشتم والغيبة والنميمة، والسخرية من الآخرين، والتشدق في الكلام وتكلف السجع، والألفاظ المنهي عنها، والعبارات الموهمة المجملة التي تحتمل حقا وباطلا، واجتناب الكلمات والألفاظ الأعجمية، وتسمية الأشخاص عند نقدهم من غير حاجة ضرورية، وأشد من ذلك كله تكفير المسلم ورميه بالنفاق.
قال ابن القيم رحمه الله: «والأقوال التي ذكرها الله في كتابه الكريم أكثر من أن تعد كالقول الخبيث، والقول الباطل، والقول عليه بما لا يعلم القائل، والكذب، والافتراء، والغيبة، والتنابز بالألقاب، والتناجي بالإثم والعدوان ومعصية الرسول، وتبييت ما لا يرضى من القول، وقول العبد بلسانه ما ليس في قلبه، وقوله ما لا يفعله، وقول اللغو، وقول ما لم ينزل الله به سلطانا، والقول المتضمن للمعاونة على الإثم والعدوان، وأمثال ذلك من الأقوال المسخوطة والمبغوضة للرب تعالى التي كلها قبيحة لا حسن فيها ولا أحسن» [السماع لابن القيم (ص (20))].
فمن الأحاديث العظيمة الواردة في هذا الأصل:
((1)) عن أنس رضي الله عنه، قال: «لم يكن رسول الله ? فاحشا ولا لعانا ولا سبابا كان يقول عند المعتبة: ما له ترب جبينه». [أخرجه: البخاري، كتاب الأدب، باب ما ينهى من السباب واللعن (رقم (6046))].
((2)) عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي ?، قال: «لا يقولن أحدكم: خبثت نفسي، ولكن ليقل: لقست نفسي». [أخرجه: البخاري، كتاب الأدب، باب لا يقل خبثت نفسي (رقم (6179)) واللفظ له، ومسلم، كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها، باب كراهة قول الإنسان خبثت نفسي (رقم (5878))].
((3)) عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله ? قال: «إذا قال الرجل: هلك الناس فهو أهلكهم». [أخرجه: مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب النهي من قول هلك الناس (رقم (6683))، قال ابن الأثير: “فهو أهلكهم يروى بفتح الكاف وضمها: فمن فتحها كانت فعلا ماضيا، ومعناه أن الغالين الذين يؤيسون الناس من رحمة الله يقولون: هلك الناس أي استوجبوا النار بسوء أعمالهم فإذا قال الرجل ذلك فهو الذي أوجبه لهم لا الله تعالى أو هو الذي لما قال لهم ذلك وآيسهم حملهم على ترك الطاعة والانهماك في المعاصي فهو الذي أوقعهم في الهلاك، وأما الضم فمعناه: أنه إذا قال لهم ذلك فهو أهلكهم أي أكثرهم هلاكا وهو الرجل يولع بعيب الناس ويذهب بنفسه عجبا ويرى له عليهم فضلا”. النهاية في غريب الأثر ((5) / (268))].
((4)) عن مسروق قال: قالت عائشة رضي الله عنها: «صنع النبي ? شيئا فرخص فيه فتنزه عنه قوم فبلغ ذلك النبي ? فخطب فحمد الله ثم قال: «ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه فو الله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية». [أخرجه: البخاري، كتاب الأدب، باب من لم يواجه الناس بالعتاب (رقم (6101)) واللفظ له، ومسلم، كتاب الفضائل، باب علمه ? بالله تعالى وشدة خشيته (رقم (6109))].
((5)) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله ?: «أيما امرئ قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه». [أخرجه: البخاري، كتاب الأدب، باب من أكفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال (رقم (6104))، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان حال الإيمان من قال لأخيه المسلم يا كافر، واللفظ له (رقم (216))].
((6)) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ?: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر». [أخرجه: البخاري، كتاب الأدب، باب ما ينهى من السباب واللعن (رقم (6044))، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان قول النبي ? سباب المسلم فسوق وقتاله كفر (رقم (221))].
((7)) عن عمران بن حصين رضي الله عنه، قال: «بينما رسول الله ? في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة فضجرت فلعنتها فسمع ذلك رسول الله ? فقال: خذوا ما عليها ودعوها؛ فإنها ملعونة». [أخرجه: مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب النهي عن لعن الدواب وغيرها (رقم (6604))]. قال عمران: فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يعرض لها أحد.
(8) … – … عَنْ جُنْدُبٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ? حَدَّثَ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: وَاللهِ لَا يَغْفِرُ اللهُ لِفُلَانٍ، وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لَا أَغْفِرَ لِفُلَانٍ، فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلَانٍ، وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ أَوْ كَمَا قَالَ.» أخرجه: مسلم (2621)
(9) وعظ النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله عنه فقال له (كفّ عليك هذا، قلت: يا رسول الله وإنّا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم) رواه الترمذي وقال حسن صحيح.
ففي هذه النصوص جملة من الفوائد:
– عناية النبي ? بتربية الأمة على اختيار الألفاظ الحسنة الطيبة، واجتناب الألفاظ القبيحة والسيئة، قال ابن القيم تعليقا على الحديث رقم ((2)) «نهى أن يقول الرجل خبثت نفسي، ولكن ليقل: لقست نفسي». [صحيح البخاري الأدب ((6180))، صحيح مسلم الألفاظ من الأدب وغيرها ((2251))، سنن أبي داود الأدب ((4978))]، سدا لذريعة اعتياد اللسان الكلام الفاحش، وسدا لذريعة اتصاف النفس بمعنى هذا اللفظ؛ فإن الألفاظ تتقاضى معانيها وتطلبها بالمشاكلة والمناسبة التي بين اللفظ والمعنى، ولهذا قل من تجده يعتاد لفظا إلا ومعناه غالب عليه، فسد رسول الله ? ذريعة الخبث لفظا ومعنى” [إعلام الموقعين ((3) / (361))]، وقال أيضا: “فكره رسول الله ? لفظ «الخبث» لبشاعته، وأرشدهم إلى العدول إلى لفظ هو أحسن منه، وإن كان بمعناه تعليما للأدب في المنطق، وإرشادا إلى استعمال الحسن، وهجر القبيح من الأقوال، كما أرشدهم إلى ذلك في الأخلاق والأفعال ” [الطرق الحكمية (ص (43))].
– خطورة رمي الناس بما ليس فيهم وترتيب الوعيد الشديد على ذلك، وكذلك التعميم في الخطاب أو التسمية لغير الحاجة الضرورية.
– ويجتنب في الخطاب الكلمات التي تحمل معنى التهويل والتعظيم.
– الناس ينفرون من الشخص سليط اللسان، أو الفظ الغليظ، أو المتعصب المتنطع، قال تعالى: {ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك}، وكلما كان المرء لين الحديث، بعيدا عن الجدال ينتقي الكلمات اللطيفة والأجوبة الرفيقة، ويقابل الإساءة بالإحسان كلما كان محبوبا مقبولا لدى الآخرين.
– إن الأدب في الخطاب لا يقتصر على الإنسان بل يتعدى إلى الحيوان فلا يجوز لعنه أو سبه فتأمل عناية الإسلام بضبط لسان المسلم والصرامة في ذلك .. فأين نحن عن هذه الآداب العظيمة؟!.
تنبيهان:
– تفنن أئمة الحديث في كتبهم في التعبير عن هذا الأصل من خلال الكتب والأبواب التي عقدوها في مصنفاتهم، فقد عقد الإمام مسلم بن الحجاج في كتابه الصحيح كتابا بعنوان «الألفاظ من الأدب وغيرها» ذكر فيه جملة من الألفاظ المنهي عن التلفظ بها، وكذلك الإمام أبو داود في سننه عقد بابا بعنوان «حفظ المنطق» وكذلك الإمام البيهقي في كتابيه «شعب الإيمان» [((11) / (201))]، و «الآداب» [(ص (425))].
– للدكتور بكر أبو زيد كتاب كبير بعنوان «معجم المناهي اللفظية» عني فيه بجمع الألفاظ المنهي عنها وقد قال في مقدمة كتابه «فهذا باب من التأليف جامع لجملة كبيرة من الألفاظ، والمقولات، والدائرة على الألسن قديما، وحديثا، المنهي عن التلفظ بها؛ لذاتها، أو لمتعلقاتها، أو لمعنى من ورائها، كالتقيد بزمان، أو مكان، وما جرى مجرى ذلك من مدلولاتها»
(المسألة الخامسة): استشعار مسؤولية الكلمة وخطورتها:
وردت أحاديث كثيرة تبين خطورة الكلمة وأهمية أن يراقب المسلم ألفاظه وكلماته وفي هذا تربية عملية للمسلم أن يتنبه لخطابه مع الآخرين وأن يزن كلامه وعباراته.
فمن الأحاديث العظيمة الواردة في هذا الأصل:
(1) – وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله ? قال: «إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يهوي بها في النار أبعد من المشرق والمغرب». [أخرجه: البخاري، كتاب الرقاق، باب حفظ اللسان (رقم (6477))، ومسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب حفظ اللسان (رقم (7482))].
(2) – وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ?: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم». [أخرجه: البخاري، كتاب الرقاق، باب حفظ اللسان (رقم (6478))].
(3) – وعن سهل بن سعد رضي الله عنه، عن رسول الله ? قال: «من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة». [أخرجه: البخاري، كتاب الرقاق، باب حفظ اللسان (رقم (6474))].
(4) – وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنهما، عن رسول الله ? حدث: «أن رجلا قال: والله لا يغفر الله لفلان، وإن الله تعالى قال: من ذا الذي يتألى علي ألا أغفر لفلان فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك». [أخرجه: مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب النهي عن تقنيط الإنسان من رحمة الله تعالى (رقم (2621))].
وفي النصوص المتقدمة فوائد عديدة منها:
– أن جميع ما يتكلم به المرء مسجل عليه ومحفوظ حتى «الكلام المباح» – على الصحيح من قول العلماء -؛ لعموم قول الله تعالى -: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}، فيكتب الملكان كل ما ينطق به الإنسان، وأما النية الباعثة له، فلا اطلاع لهما عليها، فالله يتولاها. والله أعلم.
– أن أعظم البلاء على العبد في الدنيا اللسان والفرج فمن وقي من شرهما فقد وقي أعظم الشر.
– أن على من أراد النطق بكلمة أن يتدبرها بنفسه قبل نطقه فإن ظهرت مصلحة تكلم بها وإلا أمسك [عمدة القاري ((23) / (110))]، ومن جميل كلام ابن القيم: «وأما اللفظات؛ فحفظها بأن لا يخرج لفظة ضائعة؛ بأن لا يتكلم إلا فيما يرجو فيه الربح والزيادة في دينه، فإذا أراد أن يتكلم بالكلمة نظر: هل فيها ربح أو فائدة أم لا؟ فإن لم يكن فيها ربح أمسك عنها، وإن كان فيها ربح نظر: هل تفوت بها كلمة هي أربح منها فلا يضيعها بهذه؟» [الجواب الكافي (ص: (379))].
– أنه ربما اقترن بالكلمة من الصدق والإخلاص والصفاء وحسن النية ما يجعلها سببا – على قلتها – للمغفرة والرضوان، والعكس كذلك. [ينظر للفائدة: مجموع الفتاوى ((10) / (735))].
– خطورة التعالي على الناس في الخطاب والتكبر والتجبر وعدم احتقار المسلم مهما كان ومهما عمل.
– عدم الحكم على الناس بالجنة أو النار إلا ما دل الدليل عليه.
تنبيهان:
(1) – للسلف في هذا الباب آثار عجيبة وأخبار جميلة تدل على قوة تمسكهم بهذا الأدب النبوي الرفيع من ذلك قول شداد بن أوس: «ما تكلمت بكلمة منذ أسلمت إلا وأنا أخطمها وأزمها». [أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده ((4) / (123))، وابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق ((22) / (412))]،
وقال ابن دقيق العيد: «ما تكلمت بكلمة ولا فعلت فعلا إلا أعددت لذلك جوابا بين يدي الله تعالى». [فتح المغيث للسخاوي ((1) / (93))]،
وإذا أردت المزيد من أخبار السلف في هذا الباب فراجع كتاب «الصمت» لابن أبي الدنيا «باب قلة الكلام والتحفظ في النطق»، وسترى ما يطول منه عجبك، وتعرف قدر نفسك والله المستعان.
(2) – للإمام ابن القيم كتابات بديعة جدا تتعلق باللسان وحفظه مناسبة لهذا الأصل، فصولا رائعة من كلامه المبثوث في عدد من كتبه من أنفسها ما جاء في كتابه «الجواب الكافي»: «((379) – (389))، ومما قال رحمه الله: “ومن العجب: أن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام والظلم والزنا والسرقة وشرب الخمر، ومن النظر المحرم وغير ذلك، ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه، حتى ترى الرجل يشار إليه بالدين والزهد والعبادة، وهو يتكلم بالكلمات من سخط الله لا يلقي لها بالا ينزل بالكلمة الواحدة منها أبعد ما بين المشرق والمغرب؛ وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم، ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات، ولا يبالي ما يقول.
وإذا أردت أن تعرف ذلك فانظر فيما رواه مسلم في صحيحه – ثم ذكر الحديث رقم (4) – فهذا العابد الذي قد عبد الله ما شاء أن يعبده أحبطت هذه الكلمة الواحدة عمله كله. وفي حديث أبي هريرة نحو ذلك، ثم قال أبو هريرة: تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته “. [الجواب الكافي (ص (381))].
(المسألة السادسة): مراعاة المخاطبين:
من تأمل سنة نبينا ? وسيرته رأى أن خطابه ? يختلف باختلاف المخاطبين وأحوالهم وبيئاتهم وطرائق تفكيرهم، كل وما يناسبه وينفعه، وقد استفاد من هذا الهدي الصحابة رضوان الله عليهم ففي الأثر الصحيح عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟» [أخرجه: البخاري، كتاب العلم، باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن لا يفهموا (رقم (127))]، وفي الأثر الآخر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة» [أخرجه: مسلم، في المقدمة، باب النهي عن الحديث بكل ما سمع (ص (14))]. [مجلة البحوث الإسلامية، (84/ 321 – 382)، بتصرف يسير].
[ثانيًا:]
(المسألة الأولى): التحذير من القول على الله بغير علم
قال الله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36].
قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله تعالى:
” نهى جل وعلا في هذه الآية الكريمة عن اتباع الإنسان ما ليس له به علم، ويشمل ذلك قوله: رأيت، ولم ير. وسمعت، ولم يسمع، وعلمت، ولم يعلم. ويدخل فيه كل قول بلا علم، وأن يعمل الإنسان بما لا يعلم، وقد أشار جل وعلا إلى هذا المعنى في آيات أخر “. [اضواء البيان، (3/ 682)].
وقد سئل فضيلة الشيخ ابن باز رحمه الله، سؤالا حول الفتوى بغير علم فقال: أوصي جميع إخواني في الله أن يحذروا الفتوى بغير علم، والقول على الله بغير علم، هذا من أكبر الكبائر، فأوصي الجميع من ليس عنده علم أن يحذر الفتوى، وألا يفتي إلا بعلم عما قاله الله ورسوله، وإلا فليرشد الناس إلى أهل العلم يسألونه.
أما أن يتكلم بغير علم أو بالتقليد الأعمى فلا يجوز [التحذير من القول على الله بغير علم، نور على الدرب، الموقع الرسمي لفضيلته رحمه الله].
[ثالثًا]: الاستهزاء [سب الرسول، سب الدين والرب، سب الصحابة]
(المسألة الأولى): تعريفه لغة: التهزء والهزؤ: السخرية، واستهزأ به سخر [لسان العرب (هـ ز ء)].
والمقصود هنا الكلام على التنقص أو الهزل أو اللعب أو السخرية أو الاستخفاف، إما بالله تعالى أو بالقرآن أو بالرسول ?، أو بالسنة الصحيحة التي يعتقد ثبوتها، أو الأحكام الشرعية.
* الدليل من الكتاب: قال تعالى: {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ((65)) لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} [التوبة: (65)، (66)].
* الدليل من السنة: عن ابن عمر رضي الله عنهما ومحمد بن كعب وزيد بن أسلم وقتادة – دخل حديث بعضهم في بعض -: “أنه قال رجل في غزوة تبوك: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا، ولا أكذب ألسنا، ولا أجبن عند اللقاء – يعني رسول الله ? وأصحابه القراء -، فقال له عوف بن مالك: كذبت، ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله ?. فذهب عوف إلى رسول الله ? ليخبره فوجد القرآن قد سبقه، فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله ? وقد ارتحل وركب ناقته فقال: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونتحدث حديث الركب نقطع به عنا الطريق.
قال ابن عمر: كأني أنظر إليه متعلقا بنسعة ناقة رسول الله ? وإن الحجارة تنكب رجليه وهو يقول: إنما كنا نخوض ونلعب.
فيقول له رسول الله ?: {أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون}، ما يلتفت إليه وما يزيد عليه». [رواه ابن جرير الطبري في التفسير ((10) / (172)، (173))].
* أقوال العلماء:
قال شيخ الإسلام محمد ابن سليمان التميمي رحمه الله في جواب سؤال عن معنى ما ذكره الفقهاء في باب حكم المرتد: «فالقول الصريح في الاستهزاء بالدين مثل ما قدمت لك – يعني ما قاله المنافقون في غزوة تبوك -، وأما الفعل فمثل: مد الشفة، وإخراج اللسان، ورمز العين، مما يفعله كثير من الناس عندما يؤمر بالصلاة والزكاة، فكيف بالتوحيد». [الدرر السنية (10) / (125)].
قال الشيخ سليمان بن عبد الله: «وفي هذا الحديث من الفوائد أن الإنسان قد يكفر بكلمة يتكلم بها أو عمل يعمل به، وأشدها خطرا إرادات القلوب فهي كالبحر الذي لا ساحل له». [تيسير العزيز الحميد ص (633)].
(المسألة الثانية): حكم الاستهزاء بشيء فيه ذكر الله أو القرآن والرسول ?:
بين العلماء أحوال المستهزئين عند تفسير قوله تعالى: {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون}.
قال الإمام أبو بكر بن العربي المالكي: «لا يخلو أن يكون ما قالوه من ذلك جدا أو هزلا وهو كيفما كان كفر، فإن الهزل بالكفر كفر لا خلاف فيه بين الأمة فإن التحقيق أخو الحق والعلم والهزل أخو الباطل والجهل». [أحكام القرآن لابن العربي (2) / (976)].
وقال شهاب الدين الألوسي: «واستدل بعضهم بالآية على أن الجد واللعب في إظهار كلمة الكفر سواء ولا خلاف بين الأئمة في ذلك». [روح المعاني (5) / (320)].
وقال أبو بكر الجصاص بشأن هذه الآية: «فدل على استواء حكم الجاد والهازل في إظهار كلمة الكفر.
ودل أيضا على أن الاستهزاء بآيات الله أو بشيء من شرائع دينه كفر من فاعله» [الجامع لأحكام القرآن (3) / (142)].
وقال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي: «ومن المعلوم أن الاستهزاء والهزل بشيء من هذه – أي المذكورة في الآية – أشد من الكفر المجرد؛ لأن هذا كفر، وزيادة احتقار وازدراء». [القول السديد ص (127)].
وقد بوب الإمام محمد ابن سليمان في كتابه التوحيد فقال: «باب من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول». [كتاب التوحيد ص (126) مع القول السديد].
قال الشيخ سليمان بن عبد الله: «أي: إنه يكفر بذلك [يقصد ما ذكر في الآية، وبوبه الإمام وهو ثلاثة: الله، القرآن، والرسول ?]، لاستخفافه بجانب الربوبية والرسالة، وذلك مناف للتوحيد، ولهذا أجمع العلماء كفر من فعل شيئا من ذلك، فمن استهزأ بالله، أو بكتابه، أو برسوله، أو بدينه، كفر ولو هازلا لم يقصد حقيقة الاستهزاء إجماعا» [تيسير العزيز الحميد ص (627)].
((((((((وفي قوله تعالى: {لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} [التوبة: (66)]. الآية دليل على أن الرجل إذا فعل الكفر ولم يعلم أنه كفر لا يعذر بذلك، بل يكفر، وعلى أن الشاك كافر باطل بطريق الأولى نبه عليه شيخ الإسلام. [تيسير العزيز الحميد ص (628)].))))))))
قال ابن عثيمين رحمه الله «والظاهر أن المراد من هزل بشي فيه ذكر الله مثل الأحكام الشرعية، أو هزل بالقرآن أو هزل بالرسول ? فيكون معطوفا على قوله بشيء». [مجموع فتاوى ابن عثيمين (10) / (851). وانظر القول المفيد ط (1) – (3) / (25)].
وقد ذكره الشيخ أيضا في نواقض الإسلام فقال الناقض السادس: «من استهزأ بشيء من دين الرسول ? أو ثواب الله أو عقابه كفر».
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن: «ومن هذا الباب: الاستهزاء بالعلم، وأهله، وعدم احترامهم لأجله». [قرة عيون الموحدين ص (217)].
(المسألة الثالثة) حكم الاستهزاء بالدين:
قال الشيخ صالح آل الشيخ: “الاستهزاء بالدين فيه تفصيل، فإن المستهزئ بالدين، أو الساب له، أو اللاعن له، قد يريد دين المستهزأ به، ولا يريد دين الإسلام أصلا، فلا يرجع استهزاؤه إلى واحد من الثلاثة؛ فلهذا نقول: الكفر يكون أكبر إذا كان الاستهزاء بأحد الثلاثة التي ذكرنا ونصت عليها الآية، أو كان راجعا إلى أحد الثلاثة.
أما إذا كان الاستهزاء بشيء خارج عن ذلك، فإنه يكون فيه تفصيل:
فإن هزل بالدين، فينظر هل يريد دين الإسلام، أو يريد تدين فلان؟ ….. ، فالخلاصة – إذا – أن الاستهزاء إذا كان بالله، أو بصفاته، أو بأسمائه، أو بالرسول صل الله عليه وسلم، أو بالقرآن فإن هذا كفر، وإن كان الاستهزاء غير ذلك فينظر: إن كان راجعا إلى أحد الثلاثة فهو كفر أكبر، وإن كان غير ذلك فإنه يكون محرما ولا يكون كفرا أكبر». [التمهيد لشرح كتاب التوحيد (482)، (483)].
وهكذا القول في حكم الاستهزاء بالمتمسك بالدين:
فإن له حالتين:
الحالة الأولى: الاستهزاء بالمسلم لعيب خلقي، أو خلقي مستقذر وذلك: كالاستهزاء بالطول والقصر، والعرج والعور، والعجلة والحماقة، والغضب والبلاهة وما شابه ذلك.
وهذا القسم حكمه التحريم؛ إذ هو كبيرة من كبائر الذنوب، التي حذر الله عباده المؤمنين من الوقوع فيها، ورتب على اقترافها عذابا أليما، فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون} [الحجرات: (11)].
فمن وقع في مثل هذا فإنما عليه الإقلاع، والتوبة النصوح، وعقد العزم على أن لا يعود. [انظر في ذلك القول المبين، عبد السلام بن برجس ص (22)].
الحالة الثانية: الاستهزاء بالمسلم لتمسكه بدين الإسلام وهذا كفر. [ينظر فتاوى اللجنة (2) / (26)].
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: «لا ريب أن الاستهزاء بالله ورسوله بآياته وبشرعه وأحكامه من جملة أنواع الكفر؛ لقول الله عزوجل: {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ((65)) لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} [التوبة: (65)، (66)] ويدخل في ذلك الاستهزاء بالتوحيد، أو بالصلاة، أو بالزكاة، أو الصيام، أو الحج، أو غير ذلك من أحكام الدين المتفق عليها.
أما الاستهزاء بمن يعفي لحيته أو يقصر ثيابه ويحذر الإسبال أو نحو ذلك من الأمور التي قد تخفى أحكامها جاهلا، فهذا فيه تفصيل، والواجب الحذر من ذلك، ونصيحة من يعرف منه شيء من ذلك حتى يتوب إلى الله سبحانه ويلتزم بشرعه، ويحذر الاستهزاء بمن تمسك بالشرع في ذلك، طاعة لله عزوجل ورسوله ? وحذر من غضب الله وعقابه والردة عن دينه وهو لا يشعر». [مجموع فتاوى ابن باز ص (534)].
وقال أيضا رحمه الله: «من يستهزئ بالمسلمة أو المسلم من أجل تمسكه بالشريعة الإسلامية فهو كافر سواء أكان ذلك في احتجاب المسلمة احتجابا شرعيا أم في غيره؛ لما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال في قول رجال: ….. إنما كنا نخوض ونلعب، ورسول الله ? يقول: {قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون ((65)) لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} [التوبة: (65)، (66)] فجعل استهزاءه بالمؤمنين استهزاء بالله وآياته ورسوله. وبالله التوفيق». [مجموع فتاوى ابن باز ص (533)].
وذكر ابن حجر الهيثمي عن بعض الأئمة الحنفية في كتاب ألفه فيما يكون به المسلم مرتدا، ذكر في الفصل الأول وهو ما اتفق العلماء عليه من المكفرات:
«أو قال العلم الذي يتعلمونه أساطير وحكايات أو هذيان أو هباء أو تزوير، أو قال: إيش مجلس الوعظ؟ أو العلم لا يثرد. أو وعظ على سبيل الاستهزاء، أو ضحك على وعظ العلم، أو قال لرجل صالح: كن ساكنا حتى لا نقع إلا وراء الجنة، أو قال: إيش هذا القبيح الذي خففت شاربك، أو قال: بئسما أخرجت السنة … ».
ثم عقب عليه بقوله رحمه الله: “وما ذكره في إيش مجلس الوعظ … الخ إنما يتجه إن أراد الاستهزاء بالواعظ، وكذا إن أطلق على احتمال قوي فيه لظهور هذا اللفظ في الاستخفاف بمجلس الوعظ والعلم وما ذكره في الوعظ استهزاء، إنما يتجه إن أراد الاستهزاء بالواعظ، وكذا بالوعظ من حيث هو وعظ.
أما لو أراد الاستهزاء بالواعظ أو بكلماته لا من حيث كونه واعظا، فلا يتجه الكفر حينئذ، وكذا قال في الضحك على الوعظ … ». [الإعلام بقواطع الإسلام، من النسخة الملحقة بكتابه الزواجر (3) / (362)].
(المسألة الرابعة) أحكام وفوائد:
أولا: حكم الجلوس مع المستهزئين:
قال تعالى: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا} [النساء: (140)].
قال القرطبي: «فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر؛ لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، والرضا بالكفر كفر؛ قال الله تعالى: {إنكم إذا مثلهم}. فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء، وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها، فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية». [الجامع لأحكام القرآن (5) / (418)].
قال العلامة الشوكاني في تفسير هذه الآية: “أي، أنزل عليكم في الكتاب أنكم عند هذا السماع للكفر والاستهزاء بآيات الله لا تقعدوا معهم ما داموا كذلك حتى يخوضوا في حديث غير حديث الكفر والاستهزاء بها، والذي أنزل الله عليهم في الكتاب هو قوله تعالى: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره} [الأنعام: (68)].
وقد كان جماعة من الداخلين في الإسلام يقعدون مع المشركين واليهود حال سخريتهم بالقرآن، واستهزائهم به؛ فنهوا عن ذلك.
وفي هذه الآية – باعتبار عموم لفظها الذي هو المعتبر دون خصوص السبب – دليل على اجتناب كل موقف يخوض فيه أهله بما يفيد التنقص والاستهزاء للأدلة الشرعية» [فتح القدير (2) / (794)].
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: «ومن يستهزئ بأهل الدين والمحافظين على الصلوات من أجل دينهم ومحافظتهم عليه يعتبر مستهزئا بالدين، فلا تجوز مجالسته ولا مصاحبته، بل يجب الإنكار عليه والتحذير منه ومن صحبته، وهكذا من يخوض في مسائل الدين بالسخرية والاستهزاء يعتبر كافرا فلا تجوز صحبته ولا مجالسته، بل يجب الإنكار عليه والتحذير منه وحثه على التوبة النصوح». [مجموع فتاوى ابن باز ص (532)].
ثانيًا: توبة المستهزئ:
الصحيح من أقوال أهل العلم قبول توبة المستهزئ بالله إذا توفرت شروط التوبة.
قال الشيخ ابن عثيمين: «لقوله {إن نعف عن طائفة} [التوبة: (66)]، وهذا أمر قد وقع فإن من هؤلاء من عفي عنه وهدي للإسلام وتاب، وتاب الله عليه، وهذا دليل للقول الراجح أن المستهزئ بالله تقبل توبته لكن لابد من دليل بين على صدق توبته؛ لأن كفره من أشد الكفر أو هو أشد الكفر، فليس مثل كفر الإعراض أو الجحد». [مجموع فتاوى ابن عثيمين (10) / (856). وانظر القول المفيد ط (1) – (3) / (31)].
* فائدة:
في قوله تعالى: {إن نعف عن طائفة} قيل: إن الطائفة مخشي بن حمير عفا الله عنه وتسمى عبد الرحمن، وسأل الله أن يقتل شهيدا لا يعلم مقتله، فقتل يوم اليمامة ولم يعلم مقتله ولا من قتله، ولا يدرى له عين ولا أثر.
وقيل: إن الطائفة زيد بن وديعة.
والأول أشهر، ويحتمل: أن الله عفا عنهما جميعا. [أحكام القرآن (8) / (196) وانظر تيسير العزيز الحميد ص (629). وأصلها عند ابن جرير الطبري في تفسيره جامع البيان (10) / (172)]. [بواسطة: معجم التوحيد، (1/ 120 – 129)، بتصرف يسير].