(2984) فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
مجموعة: أحمد بن علي، وعبد الله المشجري، ومحمد البلوشي. ومحمد الصومالي وأسامة الحميري وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
جاء في صحيح الإمام مسلم رحمه الله من ((56)) – (كِتَابُ: الزُّهْدِ، وَالرَّقَائِقِ)، (4) – بابُ الصَّدَقَةِ فِي المَساكِينِ
(45) – ((2984)) حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، وزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ – واللَّفْظُ لِأبِي بَكْرٍ – قالا: حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أبِي سَلَمَةَ، عَنْ وهْبِ بْنِ كَيْسانَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ? قالَ: «بَيْنا رَجُلٌ بِفَلاةٍ مِنَ الأرْضِ، فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحابَةٍ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ، فَتَنَحّى ذَلِكَ السَّحابُ، فَأفْرَغَ ماءَهُ فِي حَرَّةٍ، فَإذا شَرْجَةٌ مِن تِلْكَ الشِّراجِ قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الماءَ كُلَّهُ، فَتَتَبَّعَ الماءَ، فَإذا رَجُلٌ قائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الماءَ بِمِسْحاتِهِ، فَقالَ لَهُ: يا عَبْدَ اللهِ ما اسْمُكَ؟ قالَ: فُلانٌ – لِلِاسْمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحابَةِ – فَقالَ لَهُ: يا عَبْدَ اللهِ لِمَ تَسْألُنِي عَنِ اسْمِي؟ فَقالَ: إنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحابِ الَّذِي هَذا ماؤُهُ يَقُولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ، لِاسْمِكَ، فَما تَصْنَعُ فِيها؟ قالَ: أمّا إذْ قُلْتَ هَذا، فَإنِّي أنْظُرُ إلى ما يَخْرُجُ مِنها، فَأتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وآكُلُ أنا وعِيالِي ثُلُثًا، وأرُدُّ فِيها ثُلُثَهُ»،
(45) – وحَدَّثَناهُ أحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، أخْبَرَنا أبُو داوُدَ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أبِي سَلَمَةَ، حَدَّثَنا وهْبُ بْنُ كَيْسانَ، بِهَذا الإسْنادِ، غَيْرَ أنَّهُ قالَ: «وأجْعَلُ ثُلُثَهُ فِي المَساكِينِ والسّائِلِينَ وابْنِ السَّبِيلِ».
==========
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
الإنفاقُ في سَبيلِ اللهِ مع التَّقوى والإخلاصِ أمرٌ حثَّتْ عليه كلُّ الشَّرائعِ السَّماويَّةِ، وجعَلَ اللهُ عليه أجْرًا عَظيمًا.
قال الحافظ النووي رحمه الله: (” [((6))]- (باب الصدقة على المساكين) “).
الإمام مسلم رحمه الله أورد أحاديث الباب في “كتاب الزهد والرقائق”؛ لبيان أهمية الصدقة والإحسان إلى الفقراء والمحتاجين.
وتوضح الأحاديث كيف أن الصدقة والاستثمار في الخير يعيد البركة إلى الإنسان. وارتباط الحديث بكتاب الزهد والرقائق يتجلى في أن الصدقة من أهم ما يُرقق القلب، وهي من أهم مظاهر الزهد الحقيقي؛ حيث يتصدق الإنسان من ماله، ويحسن إلى الآخرين.
وبوب القرطبي رحمه الله في المفهم (7/ 137) على الأحاديث: “. ((11)) باب كرامة من قنع بالكفاف وتصدق بالفضل) “.
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[(7442)] ((2984)) – الحديث
شرح الحديث
(حديقة فلان)؛ أي: لرجل سماه، والحديقة: القطعة من النخيل، ويطلق على الأرض ذات الشجر [شرح النووي، (18) / (114)].
(في حرة) الحرة بفتح الحاء المهملة، وتشديد الراء: هي أرض ملبسة حجارة سودا، (فإذا شرجة) بفتح الشين المعجمة، وإسكان الراء، وجمعها شراج بكسر الشين، وهي مسائل الماء في الحرار، وفي رواية لأحمد: «فإذا هو في أذناب شراج، فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء»، ومثله لابن حبان.
(من تلك الشراج) بكسر الشين، أي: الواقعة في تلك الحرة، (قد استوعبت)؛ أي: بالأخذ (ذلك الماء كله)
(فتتبع) ذلك الرجل، وفي رواية أحمد: «تبع الماء، فرآها دخلت حديقة في طرف الحرة». (بمسحاته) بكسر الميم، وهي المجرفة من الحديد، أو غيره، وفي «المبارق»: المسحاة: اسم لآلة عريضة من الحديد، مأخوذة من السحو، وهو الكشف، والإزالة. انتهى [راجع: «الكوكب الوهاج» (26) / (403)].
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا من أفراد المصنف رحمه الله.
وقال الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله
[(7443)] ( … ) – (وحدثناه أحمد بن عبدة الضبي، أخبرنا أبو داود، حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة، حدثنا وهب بن كيسان، بهذا الإسناد، غير أنه قال: «وأجعل ثلثه في المساكين، والسائلين، وابن السبيل»).
[تنبيه]: رواية أبي داود الطيالسي عن عبد العزيز بن أبي سلمة هذه ساقها الطيالسي رحمه الله في «مسنده»، فقال:
((2587)) – حدثنا يونس [يونس هو: تلميذ أبي داود، وأبو داود هو الطيالسي]، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة، قال: حدثنا وهب بن كيسان، عن عبيد بن عمير الليثي، عن أبي هريرة، أن رسول الله ? قال: «بينما رجل بفلاة إذ سمع رعدا في سحاب، فسمع فيه كلام: اسق حديقة فلان باسمه، فجاء ذلك السحاب إلى حرة، فأفرغ ما فيه من الماء، ثم جاء إلى ذناب [(الذناب) ككتاب: مسيل ما بين كل تلعتين. اهـ. «ق»] شرج، فانتهى إلى شرجة، فاستوعبت الماء، ومشى الرجل مع السحابة، حتى انتهى إلى رجل قائم في حديقة له، يسقيها، فقال: يا عبد الله ما اسمك؟ قال: ولم تسأل؟ قال: إني سمعت في سحاب هذا ماؤه: اسق حديقة فلان باسمك، فما تصنع فيها، إذا صرمتها؟ قال: أما إذا قلت ذلك، فإني أجعلها على ثلاثة أثلاث: أجعل ثلثا لي ولأهلي، وأرد ثلثا فيها، وأجعل ثلثا للمساكين، والسائلين، وابن السبيل. انتهى [» مسند الطيالسي «(1) / (337)].
[البحر المحيط الثجاج للإتيوبي رحمه الله، () بتصرف].
ثانيًا: فقه وفوائد الحديث:
1 – (منها): بيان فضل الصدقة، والإحسان إلى الفقراء والمساكين، وأبناء السبيل.
الحديث يبرز أهمية الإنفاق في سبيل الله وكيف أن الصدقة هي وسيلة للحصول على البركة.
2 – (ومنها): بيان فضل أكل الإنسان من كسبه، والإنفاق على عياله منه.
3 – (ومنها): إثبات كرامات الأولياء، وهو مذهب أهل السنة والجماعة، قال القرطبي رحمه الله: في الحديث دليل على صحة القول بكرامات الأولياء، وأن الولي يكون له مال، وضيعة، ولا يناقضه قوله ?: «لا تتخذوا الضيعة، فترغبوا في الدنيا»، رواه أحمد، والترمذي، وحسنه الترمذي، وصححه الحاكم، وابن حبان؛
لأن المقصود بالنهي إنما هو من اتخذها مستكثرا، ومتنعما، ومتمتعا بزهرتها؛ لما يخاف عليه من الميل إلى الدنيا، والركون إليها،
وأما من اتخذها معاشا يصون بها دينه وعياله، فإنه من أفضل الأعمال، وهي من أفضل الأموال. انتهى [«المفهم» (7) / (137) – (138)]. من [البحر المحيط الثجاج، يتصرف يسير].
4 – (ومنها): التخطيط المالي السليم، تقسيم المحصول يشير إلى أهمية التخطيط الجيد في إدارة المال.
5 – (ومنها): التقرب إلى الله تعالى يتحقق بعبادته وطاعته، والالتزام بأداء الفرائض واجتناب المحرمات، ثم بزيادة التقرب إليه بفعل النوافل والمستحبات وترك المكروهات، ومن القرب الصدقة؛ وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك في قوله: “إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه … ” (الحديث).
6 – (ومنها): إشارة إلى أهمية الاقتداء بهذا السلوك، واعتباره من الأعمال الصالحة.
7 – (ومنها): بيان فضل تخصيص جزء محدد من الدخل للإنفاق في سبيل الله، وفصله عن الاستخدام الشخصي؛ لما في ذلك من إعانة على القيام بالعديد من أعمال البر والخير.
8 – (ومنها): أن العبد إذا أحسن تدبير النعمة التي أنعم الله بها عليه، فإن الله يتولى أمره ولا يضيعه.
7 – (ومنها): من الملائكة من هو موكل بالأرزاق والسحاب.
8 – (ومنها): قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره: ” {وَاصْبِرْ ْ} أي: احبس نفسك على طاعة الله، وعن معصيته، وإلزامها لذلك، واستمر ولا تضجر. {فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ْ} بل يتقبل الله عنهم أحسن الذي عملوا، ويجزيهم أجرهم، بأحسن ما كانوا يعملون، وفي هذا ترغيب عظيم، للزوم الصبر، بتشويق النفس الضعيفة إلى ثواب الله، كلما ونت وفترت”. انتهى.
وفي الحديث: «ما نقصت صدقة من مال بل تزيده، بل تزيده».
9 – (ومنها): الأدب في مناداة الناس، (فقال له: يا عبد الله ما اسمك؟)
10 – (ومنها): “التلطف وحسن الإجابة لمن سأل عن أسمك.
11 – (ومنها): أن الصدقة تنتج البركة والمعونة من الله”.
12 – (ومنها): “إذا رضي الله تعالى عن العبد سخر له ما شاء من الأرض والسماء.
13 – (ومنها): رعاية الله وحفظه للصالحين من عباده.
14 – (ومنها): الاتزان في أمور الحياة وإعطاء كل ذي حق حقه”.
ثانيًا: ملحقات:
[أولاً]: ما يتعلق بالولاية، وفضل الصدقة:
(المسألة الأولى):
إن أولياء الله تعالى يدركون حقوق الله عليهم، فيؤدون أعظم الطاعات ويتنافسون في فعل الخير والقرب من الله، مستحقين بذلك الكرامات الإلهية جزاء لأعمالهم الصالحة.
ومن القصص التي تجسد ذلك، قصة صاحب الحديقة الذي بارك الله في ماله بسبب إخلاصه في النفقة.
وتبرز هذه القصة أهمية معرفة أحكام النفقة، ومن تجب عليهم كالزوجة والأقارب والمساكين، ومن لا تجب عليهم، وفق ما شرع الله.
(المسألة الثانية): الصدقة:
اولا: التَّعْرِيفُ:
(1) – الصَّدَقَةُ بِفَتْحِ الدَّال لُغَةً: مَا يُعْطَى عَلَى وَجْهِ التَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لاَ عَلَى وَجْهِ الْمَكْرُمَةِ.
وَيَشْمَل هَذَا الْمَعْنَى الزَّكَاةَ وَصَدَقَةَ التَّطَوُّعِ.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: تَمْلِيكٌ فِي الْحَيَاةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَهِيَ تُسْتَعْمَل بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ الشَّامِل، فَيُقَال لِلزَّكَاةِ: صَدَقَةٌ، كَمَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} الايَةَ.
وَيُقَال لِلتَّطَوُّعِ: صَدَقَةٌ كَمَا وَرَدَ فِي كَلاَمِ الْفُقَهَاءِ وَتَحِل لِغَنِيٍّ، أَيْ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ
يَقُول الرَّاغِبُ الأَْصْفَهَانِيُّ: الصَّدَقَةُ: مَا يُخْرِجُهُ الإِْنْسَانُ مِنْ مَالِهِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ كَالزَّكَاةِ. لَكِنَّ الصَّدَقَةَ فِي الأَْصْل تُقَال: لِلْمُتَطَوَّعِ بِهِ، وَالزَّكَاةُ تُقَال: لِلْوَاجِبِ
وَالْغَالِبُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ: اسْتِعْمَال هَذِهِ الْكَلِمَةِ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ خَاصَّةً.
يَقُول الشِّرْبِينِيُّ: صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ هِيَ الْمُرَادَةُ عِنْدَ الإِْطْلاَقِ غَالِبًا وَيُفْهَمُ هَذَا مِنْ كَلاَمِ سَائِرِ الْفُقَهَاءِ أَيْضًا، يَقُول الْحَطَّابُ: الْهِبَةُ إِنْ تَمَحَّضَتْ لِثَوَابِ الاخِرَةِ فَهِيَ الصَّدَقَةُ، وَمِثْلُهُ مَا قَالَهُ الْبَعْلِيُّ الْحَنْبَلِيُّ فِي الْمُطْلِعِ عَلَى أَبْوَابِ الْمُقْنِعِ.
وَفِي وَجْهِ تَسْمِيَتِهَا صَدَقَةً يَقُول الْقَلْيُوبِيُّ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لإِشْعَارِهَا بِصِدْقِ نِيَّةِ بَاذِلِهَا، وَهَذَا الْمَعْنَى الأَْخِيرُ أَيْ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ هُوَ الْمَقْصُودُ فِي هَذَا الْبَحْثِ عِنْدَ الإِْطْلاَقِ.
(2) – وَقَدْ تُطْلَقُ الصَّدَقَةُ عَلَى الْوَقْفِ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ: أَنَّ عُمَرَ تَصَدَّقَ بِمَالٍ لَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّهِ ? وَكَانَ يُقَال لَهُ: ثَمْغٌ. . . فَقَال النَّبِيُّ ?: تَصَدَّقْ بِأَصْلِهِ، لاَ يُبَاعُ وَلاَ يُوهَبُ، وَلاَ يُورَثُ، وَلَكِنْ يُنْفَقُ ثَمَرُهُ.
(3) – وَقَدْ تُطْلَقُ الصَّدَقَةُ: عَلَى كُل نَوْعٍ مِنَ الْمَعْرُوفِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل النَّبِيِّ ?: كُل مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ
الموسوعة الفقهية الكويتية (26) / (323) – (324)
(4) – يَقُول ابْنُ قُدَامَةَ: انْعَقَدَ الإِْجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الإِْنْسَانَ لَوْ نَوَى الصَّدَقَةَ بِمَالٍ مُقَدَّرٍ، وَشَرَعَ فِي الصَّدَقَةِ بِهِ، فَأَخْرَجَ بَعْضَهُ لَمْ تَلْزَمْهُ الصَّدَقَةُ بِبَاقِيهِ، وَهُوَ نَظِيرُ الاِعْتِكَافِ؛ لأَِنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِالشَّرْعِ فَأَشْبَهَ الصَّدَقَةَ، غَيْرَ أَنَّ ابْنَ رَجَبٍ ذَكَرَ خِلاَفًا فِي ذَلِكَ.
وَالْحَطَّابُ عَدَّ الأَْشْيَاءَ الَّتِي تَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ، وَهِيَ سَبْعٌ: الصَّلاَةُ وَالصَّوْمُ وَالاِعْتِكَافُ وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ وَالاِئْتِمَامُ وَالطَّوَافُ. ثُمَّ ذَكَرَ مَا لاَ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ، وَأَنَّهُ لاَ يَجِبُ الْقَضَاءُ بِقَطْعِهِ، وَهُوَ: الصَّدَقَةُ وَالْقِرَاءَةُ وَالأَْذْكَارُ وَالْوَقْفُ وَالسَّفَرُ لِلْجِهَادِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْقُرُبَاتِ
المغني (3) / (185)، والقواعد لابن رجب (86)، ومواهب الجليل (2) / (90).
ثانيا: الصدقة تحمي من المصائب قبل وقوعها وترفعها بعد وقوعها بإذن الله.
العبادات أسباب تحمي من المصائب وترفعها بإذن الله، ومن ذلك الصدقة
الصدقة تدفع المصائب قبل وقوعها وترفعها بعد وقوعها وهي تعد من أفضل الأعمال والطاعات؛ لأن نفعها يتعدى العبد نفسه إلى غيره من المسلمين، والمتصدق (السخي قريب من الله تعالى ومن خلقه ومن أهله، وقريب من الجنة وبعيد من النار، والبخيل بعيد من الله ومن خلقه بعيد من الجنة قريب من النار، فجود الرجل يحببه إلى أضداده، وبخله يبغضه إلى أولاده) [انظر الوابل الصيب/ ابن القيم: (52)]، ( .. وينشأ عن الشح من الأخلاق المذمومة وإن كانت ذريعة إلى كل مذموم أربعة أخلاق ناهيك بها ذما: الحرص والشره وسوء الظن ومنع الحقوق، فالحرص شدة الكدح والجهد في الطلب والشره استقلال الكفاية والاستكثار بغير حاجة. وسوء الظن عدم الثقة بمن هو أهل لها، ومنع الحقوق؛ لأن نفس البخيل لا تسمح بفراق محبوبها ولا تنقاد إلى ترك مطلوبها ولا تذعن للحق ولا تجيب إلى إنصاف وإذا آل الشح إلى ما وصف من هذه الأخلاق المذمومة والشيم اللئيمة لم يبق معه خير موجود ولا صلاح مأمول .. ) [فيض القدير/المناوي: (3) / (125)]، باختصار
والنفس الشحيحة البخيلة بالخير بخيلة كذلك بالعمل الصالح، والشحيح هو الذي يكره الخير للنفس فيقتر عليها وعلى أهله وولده، وأما البخيل فهو البخيل على الغير.
ومن فضائل الصدقة:
1) حماية الصدقة للمسلم من المصائب قبل وقوعها:
إن العبد الذي حماه الله من البخل والشح قد يكون من أهل الفلاح؛ قال تعالى: {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} [انظر الوابل الصيب: (52)]، (سورة التغابن: (16))؛ لأن الصدقة تحط السيئات؛ يقول المصطفى ?: «الصدقة تطفئ الخطيئة». [أخرجه الترمذي: (5) / (11)، وقال: (هذا حديث حسن صحيح)، وأحمد: (3) (321)، وابن حبان: (12) / (378)، والحاكم: (1) / (152)، و/ (141)، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد: (4) / (141) برواية (والصدقة تطفئ الخطيئة والصلاة قربان أو قال برهان يا كعب بن عجرة الناس غاديان فمبتاع نفسه فمعتقها أو بائع نفسه فموبقها) رواه أحمد والبزار وزاد (لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت النار أولى به) ورجالهما رجال الصحيح]،
وهي ترضي الله على المتصدق تطفئ عنه غضبه سبحانه؛ يقول الرسول ?: «الصدقة تطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء» [أخرجه الترمذي: (3) / (52)، وقال: (حديث حسن غريب)، والحاكم: (3) / (657)، وابن حبان: (8) / (103)، والطبراني في الكبير: (8) / (261)، والأوسط: (1) / (513) والصغير: (2) / (205)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: (3) / (110)، (رواه الطبراني في الأوسط … وفيه أصرم بن حوشب وهو ضعيف) وقال المقدسي في الأحاديث المختارة (5): (إسناده صحيح)]
فالصدقة عندما تطفئ غضب الله جل وعلا تندفع بذلك عن العبد المصائب والبلاء والخاتمة السيئة بسبب رضا الرحمن عنه؛ لأنه تصدق. يقول نبي الرحمة: «تصدقوا فإن الصدقة تقي مصارع السوء وتدفع ميتة السوء». [قال الهيثمي في مجمع الزوائد: (8) / (22)، (رواه أحمد من طريق بعض بني رافع ولم يسمه وبقية رجاله ثقات)]، وفي رواية: «إن الله ليدرأ بالصدقة سبعين بابا من ميتة السوء». [أخرجه الطبراني في الكبير: (4) / (274)، وقال الألباني في: ضعيف الترغيب والترهيب (ضعيف)]، وفي رواية: «الصدقة تسد سبعين بابا من السوء». [أخرجه الطبراني في الكبير: (4) / (274)، وأورده العجلوني في الكشف: (2) / (29) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: (3) / (109) (رواه الطبراني في الكبير وفيه حماد بن شعيب وهو ضعيف)]،
فالصدقة تحصين للمال وزيادة له ونماء ودفع للفقر والحاجة والفاقة؛ يقول ?: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا». [أخرجه البخاري: (2) / (522)]، وقال ? أيضا: «ما نقص مال من صدقة». [أخرجه الترمذي: (4) / (562)، وقال: (حديث حسن صحيح). وأحمد: (4) / (231)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: (3) / (105) (صحيح)]، [وحديث الباب، قصة البستان] [أخرجه مسلم: (4) / (2288)]،
فكيف يأتي الفقر والفاقة مع الإنفاق والتصدق، إنما تتالى المحن وتتتابع مع الشح وقبض اليد فالحافظ للعبد وماله هو الله وليس الإنسان، يقول تعالى: {فأما من أعطى واتقى ((5)) وصدق بالحسنى ((6)) فسنيسره لليسرى ((7)) وأما من بخل واستغنى ((8)) وكذب بالحسنى ((9)) فسنيسره للعسرى} (سورة الليل: (5) – (10)).
فينبغي للمسلم الإكثار من الصدقات قبل حلول البلاء؛ لأنها تدفعه بإذن الله قال ?: «باكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطاها». [أخرجه البيهقي في السنن: (4) / (189)، وقال: (موقوف .. وروي عن أبي يوسف القاضي عن المختار بن فلفل مرفوعا) والطبراني في الأوسط: (6) / (9) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: (3) / (110): (رواه الطبراني في الأوسط وفيه عيسى بن عبد الله بن محمد وهو ضعيف).
2) الصدقة ترفع المصائب (بعد وقوعها):
الصدقة بإذن الله ترفع البلاء والمصائب بعد وقوعها؛ يقول ?: «الصدقات بالغدوات يذهبن بالعاهات». [أخرجه الديلمي في الفردوس: (2) / (414)، وقال العجلوني في كشف الخفاء (2) / (29): (ورواه الطبراني عنه موقوفا ومرفوعا).
ونقل الحافظ ابن حجر أن المرفوع وهم)]،
وضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير
وهي بإذن الله دواء للداء النازل؛ يقول ?: «داووا مرضاكم بالصدقة وحصنوا أموالكم بالزكاة وأعدوا للبلاء الدعاء». [أخرجه البيهقي في السنن: (3) / (382)، وقال: (قال أبو عبد الله تفرد به موسى بن عمير قال الشيخ: وإنما يعرف هذا المتن عن الحسن البصري عن النبي ? مرسلا)، والطبراني في الكبير: (10) / (128) والأوسط: (2) / (274)، وقال مثل قول البيهقي، وأورده البغدادي في تاريخه: (6) / (333)، وقال مثل قول البيهقي، (وهو حسن بمجموع طرقه) وحسنه الألباني كما في صحيح الجامع انظر: كيف تحمي نفسك من المصائب/ محمد الشايع، وعبد السلام الشويعر (25)]،
ويظهر من هذا الحديث أن الصدقة دواء للجسد من المرض وتحصين للمال من التلف، يقول المناوي: حصنوا أموالكم بالزكاة، أي: بإخراجها فإنه ما تلف مال في بر ولا بحر إلا بمنع الزكاة … ، فأداء الزكاة كالحصن للأموال تحرس بها وتحصن بأدائها من آفات وعقوبات تركها (وداووا مرضاكم بالصدقة) فإنها من أنفع الدواء الحسي ومن أفضل الصدقات الإطعام؛ لقوله تعالى: {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ((8)) إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا} (سورة الإنسان: (8)، (9))،
وقد جعله الله من الكفارات؛ فقال عن كفارة الحلف وعن كفارة الظهار. وقد ذم الله تعالى الذي لا يطعم المساكين فقال: {ولا يحض على طعام المسكين} (سورة الماعون: (3)). وليس شيئا من أعمال البر أقرب برهانا ولا أظهر نجاحا في الوقت من إطعام الطعام. [العدد الرابع والتسعون? البحوث? العبادات أسباب تحمي من المصائب وترفعها بإذن الله، (94/ 313 وما بعدها) – مجلة البحوث الإسلامية – مجلة دورية تصدر عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد].
الإنفاق في سبيل الله من أعظم الأعمال الصالحة
والتي تسبق الجهاد بالنفس في كثير من الآيات، ولقد مدح الله المنفقين قبل صلح الحديبية وقاتلوا وزادهم درجة على الذين جاءوا من بعدهم وأنفقوا وقاتلوا وكلًا وعد الله الحسنى، في ظلال آيات سورة الحديد كان للشيخ بيان وتفسير لها وحث على الإنفاق في سبيل الله. لقاء الباب المفتوح لابن عثيمين
تفسير قوله تعالى: (وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض)
يعني أي شيء يمنعكم من الإنفاق في سبيل الله عزوجل، والمال ليس بباق لكم فإنكم سوف تخلّفونه، ولهذا قال: {وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الحديد: (10)] وقد قال بعض أهل العلم: إن الشح بإنفاق المال سفه في العقل، لأن هذا المال إما أن يفنى في حياتك فتعدمه، وإما أن يبقى بعد موتك فيرثه أهل الخير فينفقونه ويكون أجر الإنفاق لهم، أو يرثه أهل شر فيستعينون به على معصية الله، فأنت خاسر على كل حال، وهنا يقول الله عزوجل: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الحديد: (10)] فإنه لن يبقى هذا المال لكم بل سيورث وترجع الأمور كلها إلى الله عزوجل. لقاء الباب المفتوح (215) / (1) — ابن عثيمين
قوله تعالى: الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ قال ابن عباس: بعضهم على دين بعض وقال مقاتل: بعضهم أولياء بعض يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وهو الكفر وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وهو الإيمان. وفي قوله تعالى: وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ أربعة أقوال: أحدها: يقبضونها عن الإنفاق في سبيل الله، قاله ابن عباس والحسن ومجاهد. والثاني: عن كل خير، قاله قتادة. والثالث: عن الجهاد في سبيل الله. والرابع: عن رفعها في الدعاء إلى الله، ذكرهما الماوردي.
زاد المسير في علم التفسير (2) / (276) — ابن الجوزي
(المسألة الثالثة):
وَقَوْلُهُ: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} أَيْ: إِنْ أَظْهَرْتُمُوهَا فَنِعْمَ شَيْءٌ هِيَ.
وَقَوْلُهُ: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُم} فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ إِسْرَارَ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ مِنْ إِظْهَارِهَا؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدَ عَنِ الرِّيَاءِ، إِلَّا أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى الْإِظْهَارِ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ، مِنَ اقْتِدَاءِ النَّاسِ بِهِ، فَيَكُونَ أَفْضَلَ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ?: «الْجَاهِرُ بِالْقُرْآنِ كَالْجَاهِرِ بِالصَّدَقَةِ والمُسِر بِالْقُرْآنِ كالمُسِر بِالصَّدَقَةِ» [رواه أحمد في المسند ((4) / (151)) وأبو داود في السنن برقم ((1333)) والترمذي في السنن برقم ((2919)) من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، وقال الترمذي: «هذا حديث حسن غريب»]. [تفسير ابن كثير – ت السلامة (1) / (701)]. وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي وصححه محقفو المسند
[ثانيًا]: ما يتعلق بأحكام النفقة:
مقدمة عامة
(المسألة الأولى): “النفقات: جمع نفقة؛ كثمرة.
والنفقة: الدراهم ونحوها من الأموال.
وشرعا: هي كفاية من يمونه: طعاما، وكسوة، ومسكنا، وتوابعها.
(المسألة الثانية): النفقات أصناف:
– نفقة الزوجات.
– نفقة الأقارب.
– المماليك من رقيق وحيوان.
(المسألة الثالثة): الأدلة
والنفقة ثابتة بالكتاب: قال تعالى: {لينفق ذو سعة من سعته} [الطلاق: (7)].
والسنة: لحديث: «ابدأ بمن تعول»، وغيره.
وأجمع العلماء على وجوبها في الجملة؛ فتجب على الإنسان: نفقة نفسه، ونفقة زوجته، وبهائمه، مع اليسار، والإعسار.
(المسألة الرابعة): على من تجب النفقة
وتجب عليه نفقة فروعه وأصوله، سواء أكانوا وارثين، أم محجوبين، وتجب عليه نفقة حواشيه، إذا كان يرثهم بفرض، أو تعصيب.
والنفقة على الأصول، والفروع، والحواشي،
المقصود بها: المواساة؛ ولهذا اشترط لها شرطان:
أحدهما: غنى المنفق بماله، أو كسبه.
الثاني: فقر المنفق عليه
(المسألة الرابعة):
والنفقة مقيدة بالمعروف، ويختلف العرف باختلاف الأوقات، والبلدان، والأحوال؛ قال تعالى: {لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها} [الطلاق: (7)].
وقال تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} [البقرة: (228)].
قال شيخ الإسلام: «يدخل في هذا جميع الحقوق التي للمرأة عليه، وأن مرد ذلك إلى ما يتعارفه الناس بينهم». [توضيح الأحكام من بلوغ المرام (6/ 33 وما بعدها)].
فصل في “أنواع النفقات:
(1) – نفقة الإنسان على نفسه.
(2) – نفقة الفروع على الأصول.
(3) – نفقة الأصول على الفروع.
(4) – نفقة الزوجة على الزوج.
أولا: نفقة الإنسان على نفسه:
يجب على المرء أن يبدأ في الإنفاق على نفسه إن قدر على ذلك؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال: أعتق رجل من بني عذرة عبدا له عن دبر إلى أن قال رسول الله ? فيه: (ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك … ) [رواه مسلم برقم ((997))] الحديث.
ثانيا: نفقة الفروع:
فيجب على الوالد وإن علا نفقة ولده وإن سفل؛ لقوله تعالى: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) [البقرة: (233)].
فأوجب على الوالد نفقات رضاعة الولد، ولحديث عائشة رضي الله عنها أن هند بنت عتبة قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي، إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) [رواه البخاري برقم ((2211))، ومسلم برقم ((1714))].
ثالثا: نفقة الأصول:
فتجب نفقة الوالدين على ولدهما، لقوله تعالى: (وصاحبهما في الدنيا معروفا) [لقمان: (15)].
وقوله تعالى: (وبالوالدين إحسانا) [الإسراء: (23)]، ومن الإحسان الإنفاق عليهما، بل إن ذلك من أعظم الإحسان إلى الوالدين.
ولحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ?: (إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وولده من كسبه) [أخرجه الترمذي برقم ((1358))، وأبو داود برقم ((3528))، والنسائي ((7) / (241))، وابن ماجه برقم ((2137))، وصححه الشيخ الألباني (صحيح النسائي (4144))]، ولحديث عمرو بن العاص رضي الله عنه: أن النبي ? قال: (أنت ومالك لوالدك، إن أولادكم من طيب كسبكم، فكلوا من كسب أولادكم) [أخرجه أبو داود برقم ((3530))، وصححه الألباني (الإرواء برقم (838))].
رابعا: نفقة الزوجة:
تجب نفقة الزوجة على الزوج؛ لقوله تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) [النساء: (34)]، ولحديث جابر رضي الله عنه في سياق حجة النبي ? وفيه: (ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) [رواه مسلم برقم ((1218))]، ولقوله ? في حديث جابر المتقدم: (فإن فضل شيء فلأهلك).
ولحديث عائشة المتقدم أيضا، وفيه قوله ? لهند: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف).
فيلزم الزوج نفقة زوجته قوتا، وسكنى، وكسوة بما يصلح لمثلها.
وهذه النفقة تجب للزوجة التي في عصمته، وكذا المطلقة طلاقا رجعيا، ما دامت في العدة.
وأما المطلقة البائن فلا نفقة لها، ولا سكنى، إلا أن تكون حاملا فلها النفقة، لقوله تعالى: (وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) [الطلاق: (6)].
المسألة: نفقة المماليك والبهائم:
أولا: نفقة المماليك:
أ- حكم النفقة على المماليك: يجب على السيد نفقة مملوكه من قوت وكسوة وسكن بالمعروف، لقوله تعالى: (قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم) [الأحزاب: (50)]. وقوله ?: (للمملوك طعامه وكسوته) [أخرجه مسلم برقم ((1662))].
ويجب الرفق بهم وعدم تحميلهم فوق طاقتهم؛ لقوله ?: (ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم) [أخرجه مسلم برقم ((1661))].
ب- تزويج المملوك وإنكاحه: إن طلب الرقيق نكاحا زوجه سيده؛ لقوله تعالى: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم) [النور: (32)]، ولأنه يخشى وقوعه في الفاحشة إذا ترك إعفافه. وإذا طلبت الأمة نكاحا؛ خيرها سيدها بين وطئها، أو تزويجها، أو بيعها إزالة للضرر عنها.
ثانيا: نفقة البهائم:
يجب على من ملك بهيمة إطعامها، وسقيها، والقيام بشؤونها، ورعايتها؛ لقوله ?: (دخلت امرأة النار في هرة ربطتها، فلا هي أطعمتها، ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض، حتى ماتت هزلا) [أخرجه مسلم برقم ((2619))].
فدل ذلك على وجوب النفقة على الحيوان المملوك؛ لأن دخول المرأة النار كان بسبب ترك الإنفاق على الهرة، ومثلها باقي الحيوانات المملوكة.
فإن عجز مالك البهيمة عن الإنفاق عليها، أجبر على بيعها، أو تأجيرها، أو ذبحها إن كانت مما يؤكل؛ لأن بقاءها في ملكه مع عدم الإنفاق عليها ظلم، والظلم تجب إزالته. [الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة لنخبة من العلماء، ()].
ثالثًا: خلاصة فقه وفوائد الحديث:
1 – (منها): إثبات كرامات الأولياء.
2 – (ومنها): فضل الصدقة، الحث على التصدق بجزء من الأموال التي يملكها الإنسان، وخاصة مما رزقه الله من الزراعة أو الأعمال الأخرى.
3 – (ومنها): العمل والكسب الحلال، الحديث يشير إلى فضل العمل وكسب الرزق من خلال الجهد الشخصي والاعتماد على النفس في الإنفاق على العائلة.
4 – (ومنها): الاقتصاد في الإنفاق، تقسيم المحصول إلى ثلاثة أجزاء يمثل نمطًا متوازنًا من التصرف في المال بين التصدق، والإنفاق الشخصي، وإعادة الاستثمار.
5 – (ومنها): بعض الأعمال الموكلة إلى الملائكة، الموكلون بالسحاب والقطر والنبات والأرزاق. الإمام.
6 – (ومنها): عبودية الكائنات، وأنها مأمورة.
7 – تخريج: جاء في السلسلة الصحيحة (12) – قوله ?: «لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا».
رواه الترمذي ((4) / (264)) وأبو الشيخ في «الطبقات» ((298)) وأبو يعلى في
«مسنده» ((251) / (1)) والحاكم ((4) / (222)) وأحمد (رقم (2589)، (4047))
والخطيب ((1) / (18)) عن شمر بن عطية عن مغيرة بن سعد بن الأخرم عن أبيه عن
ابن مسعود مرفوعا.
وحسنه الترمذي، وقال الحاكم «صحيح الإسناد»، ووافقه الذهبي.
ثم رواه أحمد (رقم (4181)، (4174)) من طريق أبي التياح عن ابن الأخرم رجل من طيء
عن ابن مسعود مرفوعا بلفظ: «نهى عن التبقر في الأهل والمال».
وتابعه أبو حمزة قال:
سمعت رجلا من طياء يحدث عن أبيه عن عبد الله مرفوعا به.
رواه البغوي في «حديث علي بن الجعد» (ج (6) / (20) / (2)) فزاد في السند عن أبيه وهو الصواب لرواية شمر كذلك.
وله شاهد من رواية ليث عن نافع عن ابن عمر مرفوعا باللفظ الأول.
أخرجه المحاملي في «الأمالي» ((69) / (2))، وسنده حسن في الشواهد.
وأورده الحافظ باللفظ الأول مجزوما به في شرح حديث أنس المتقدم في المقال
السابق ثم قال:
«قال القرطبي: يجمع بينه وبين حديث الباب بحمله على الاستكثار والاشتغال
به عن أمر الدين، وحمل حديث الباب على اتخاذها للكفاف أو لنفع المسلمين بها
وتحصيل توابعها».
قلت: ومما يؤيد هذا الجمع اللفظ الثاني من حديث ابن مسعود، فإن (التبقر)
التكثر والتوسع. والله أعلم
واعلم أن هذا التكثر المفضي إلى الانصراف عن القيام بالواجبات التي منها
الجهاد في سبيل الله هو المراد بالتهلكة المذكورة في قوله تعالى (ولا تلقوا
بأيديكم إلى التهلكة) وفي ذلك نزلت الآية خلافا لما يظن كثير من الناس! فقد قال أسلم أبو عمران:
» غزونا من المدينة، نريد القسطنطينية، (وعلى أهل مصر عقبة بن عامر) وعلى
الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، والروم ملصقو ظهورهم بحائط المدينة،
فحمل رجل (منا) على العدو، فقال الناس: مه مه! لا إله إلا الله! يلقي
بيديه إلى التهلكة! فقال أبو أيوب الأنصاري: (إنما تأولون هذه الآية هكذا
أن حمل رجل يقاتل يلتمس الشهادة، أو يبلي من نفسه!) إنما نزلت هذه الآية
فينا معشر الأنصار، لما نصر الله نبيه وأظهر الإسلام قلنا (بيننا خفيا من رسول الله ?: هلم نقيم في أموالنا ونصلحها، فأنزل الله
تعالى (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) فالإلقاء
بالأيدي إلى التهلكة: أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد.
قال أبو عمران:
«فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية».
سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (1) / (45) —