(2982، 2983) فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
مجموعة: أحمد بن علي، وعبد الله المشجري، ومحمد البلوشي. ومحمد الصومالي وأسامة الحميري وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
جاء في صحيح الإمام مسلم رحمه الله من ((56)) – (كِتَابُ: الزُّهْدِ، وَالرَّقَائِقِ)، (2) – بابُ الإحْسانِ إلى الأرْمَلَةِ والمِسْكِينِ واليَتِيمِ
(41) – ((2982)) حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنا مالِكٌ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أبِي الغَيْثِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ? قالَ: «السّاعِي عَلى الأرْمَلَةِ والمِسْكِينِ، كالمُجاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ – وأحْسِبُهُ قالَ – وكالقائِمِ لا يَفْتُرُ، وكالصّائِمِ لا يُفْطِرُ»
(42) – ((2983)) حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا إسْحاقُ بْنُ عِيسى، حَدَّثَنا مالِكٌ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ، قالَ: سَمِعْتُ أبا الغَيْثِ، يُحَدِّثُ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ?: «كافِلُ اليَتِيمِ لَهُ أوْ لِغَيْرِهِ أنا وهُوَ كَهاتَيْنِ فِي الجَنَّةِ» وأشارَ مالِكٌ بِالسَّبّابَةِ والوُسْطى.
==========
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
قال الحافظ النووي رحمه الله: (” [((4))]- (باب الإحسان إلى الأرملة، والمسكين، واليتيم) “).
هذا الباب له علاقة وثيقة بأحاديث الترغيب في الزهد في الدنيا والإحسان إلى الفئات الضعيفة، مثل: الأرامل والمساكين واليتامى؛ حيث يظهر من هذه الأحاديث كيف أن العناية بالفقراء والضعفاء تعكس التواضع والزهد في الدنيا، كما أن الأجر على هذه الأعمال يجعلها من العبادات القلبية التي تربط الإنسان بالآخرة وتجعل همّه هو الفوز برضا الله، لا بمظاهر الدنيا.
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[(7437)] ((2982)) – الحديث
شرح الحديث:
(عن أبي هريرة) رضي الله عنه، (عن النبي ?)؛ أنه (قال: «الساعي) المراد بالساعي: الكاسب لهما العامل لمؤنتهما، قاله النووي، (على الأرملة) هي: من لا زوج لها، سواء كانت تزوجت أم لا، وقيل: هي التي فارقت زوجها، قال ابن قتيبة: سميت أرملة؛ لما يحصل لها من الإرمال، وهو الفقر، وذهاب الزاد بفقد الزوج، يقال: أرمل الرجل إذا فنى زاده، قال القاري: وهذا مأخذ لطيف في إخراج الغنية من عموم الأرملة، وإن كان ظاهر إطلاق الحديث يعم الغنية والفقيرة [» تحفة الأحوذي” (6) / (89)].
وقال المازري: قال ابن السكيت: الأرمل المسكين من رجل وامرأة، وقال ابن الأنباري: في الغالب أنه من النساء، لا الرجال، ويقال لمن ماتت زوجته: أيم، وكونه كالمجاهد، والصائم القائم؛ لأنه يتصرف بذلك في طاعة ربه، وامتثال أمره، قاله الأبي [«شرح الأبي» (7) / (295)].
(والمسكين) هو من لا شيء له، وقيل: من له بعض الشيء، وقد يقع على الضعيف، وفي معناه الفقير، بل بالأولى عند بعضهم. (كالمجاهد في سبيل الله)؛ أي: لإعلاء كلمة الله تعالى؛ أي: ثواب القائم بأمرهما، وإصلاح شأنهما، والإنفاق عليهما، كثواب الغازي في جهاده، فإن المال شقيق الروح، وفي بذله مخالفة النفس، ومطالبة رضا الرب.
(وأحسبه) بكسر السين، وفتحها؛ أي: أظنه، وقائله عبد الله بن مسلمة القعنبي شيخ البخاري ومسلم الراوي عن مالك، كما صرح به في رواية البخاري، ومعناه: أظن أن مالكا قال: كالقائم، وأما قول القاري: وظاهر» المشكاة «أن قائله أبو هريرة، فالتقدير: أحسب النبي ?، ففيه نظر لا يخفى، فالمعتمد ما في» صحيح البخاري «، لا ما ظنه القاري، فتنبه.
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا متفق عليه.
فقه وفوائد الحديث:
(1) – (منها): بيان فضل السعي في تحصيل النفع للأرامل والمساكين.
(2) – (ومنها): بيان أن بعض الأعمال يساوي الجهاد في سبيل الله تعالى، وقيام الليل كله، وصيام النهار كله، {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ((4))} [الجمعة: (4)].
(3) – (ومنها): بيان أن معرفة مقدار ثواب الأعمال مفوض إلى الله تعالى، فرب، عمل سهل يساوي فضل عمل شاق، وبالعكس، {والله يعلم وأنتم لا تعلمون} [البقرة: (216)].
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[(7438)] ((2983)) – الحديث
شرح الحديث:
(عن أبي هريرة) رضي الله عنه؛ أنه (قال: قال رسول الله ?:» كافل اليتيم)؛ أي: القائم بأموره، من نفقة، وكسوة، وتأديب، وتربية، وغير ذلك، وهذه الفضيلة تحصل لمن كفله من مال نفسه، أو من مال اليتيم بولاية شرعية، قاله النووي [«شرح النووي» (18) / (113)].
وقال في «الفتح»: قوله: «أنا وكافل اليتيم»، أي: القيم بأمره، ومصالحه، زاد مالك من مرسل صفوان بن سليم: «كافل اليتيم له، أو لغيره»، ووصله البخاري في «الأدب المفرد»، والطبراني، من رواية أم سعيد بنت مرة الفهرية، عن أبيها. انتهى [«الفتح» (10) / (436)].
قال الإتيوبي عفا الله عنه: هكذا عزا في «الفتح» هذه الزيادة إلى «الأدب المفرد» والطبراني من رواية أم سعيد إلخ، مع أنها في مسلم بنفس السند، وهذا غريب، فليتنبه.
وقوله: (له أو لغيره) فالذي له أن يكون قريبا له، كجده، وأمه، وجدته، وأخيه، وأخته، وعمه، وخاله، وعمته، وخالته، وغيرهم من أقاربه، والذي لغيره أن يكون أجنبيا، قاله النووي رحمه الله.
وقال في» الفتح «: معنى قوله:» له «بأن يكون جدا، أو عما، أو أخا، أو ذحو ذلك، من الأقارب، أو يكون أبو المولود قد مات، فتقوم أمه مقامه، أو ماتت أمه، فقام أبوه في التربية مقامها، وأخرج البزار من حديث أبي هريرة موصولا:» من كفل يتيما ذا قرابة، أو لا قرابة له «، وهذه الرواية تفسر المراد بالرواية التي قبلها. انتهى [«الفتح» (10) / (436)].
(أنا وهو كهاتين في الجنة»، وأشار مالك) الإمام الراوي هنا عن ثور، (بالسبابة والوسطى) إشارة إلى تقارب المنزلتين.
وقال في «الفتح»: قوله: «وأشار بإصبعيه السبابة»، في رواية الكشميهني: «السباحة» بمهملة، بدل الموحدة الثانية، و «السباحة» هي الإصبع التي تلي الإبهام، سميت بذلك؛ لأنها يسبح بها في الصلاة، فيشار بها في التشهد لذلك، وهي السبابة أيضا، لأنها يسب بها الشيطان حينئذ.
زاد في رواية: «وفرج بينهما»؛ أي: بين السبابة والوسطى، وفيه إشارة إلى أن بين درجة النبي ? وكافل اليتيم قدر تفاوت ما بين السبابة والوسطى، وهو نظير الحديث الآخر: «بعثت أنا والساعة كهاتين … » الحديث.
وزعم بعضهم أنه ? لما قال ذلك استوت إصبعاه في تلك الساعة، ثم عادتا إلى حالهما الطبيعية الأصلية؛ تأكيدا لأمر كفالة اليتيم.
وتعقبه الحافظ قائلا: مثل هذا لا يثبت بالاحتمال، ويكفي في إثبات قرب المنزلة من المنزلة أنه ليس بين الوسطى والسبابة إصبع أخرى.
وقد وقع في رواية لأم سعيد عند الطبراني: «معي في الجنة كهاتين – يعني: المسبحة والوسطى – إذا اتقى».
ويحتمل أن يكون المراد: قرب المنزلة حالة دخول الجنة؛ لما أخرجه أبو يعلى من حديث أبي هريرة رضي الله عنه رفعه: «أنا أول من يفتح باب الجنة، فإذا امرأة تبادرني، فأقول: من أنت؟ فتقول: أنا امرأة تأيمت على أيتام لي»، ورواته لا بأس بهم، وقوله: «تبادرني»؛ أي: لتدخل معي، أو تدخل في إثري.
ويحتمل أن يكون المراد مجموع الأمرين: سرعة الدخول، وعلو المنزلة.
وقد أخرج أبو داود من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه رفعه: «أنا وامرأة سفعاء الخدين كهاتين يوم القيامة، امرأة ذات منصب وجمال، حبست نفسها على يتاماها، حتى ماتوا، أو بانوا»، فهذا فيه قيد زائد.
وتقييده في الرواية المتقدمة بقوله: «اتقى الله»؛ أي: فيما يتعلق باليتيم المذكور.
قال الإتيوبي عفا الله عنه: الذي يظهر لي أن المراد بالتقوى: تقوى الله عزوجل أعم من أن يكون في اليتيم أو في غيره، لأن كفالته اليتيم، مع كونه عاصيا لربه في أمور أخرى لا تنفعه، فلا ينال هذا الفضل، ثم وجدت عند الإمام أحمد نصا، ولفظه: «كافل اليتيم له، أو لغيره، أنا وهو كهاتين في الجنة، إذا اتقى الله … » [«مسند الإمام أحمد بن حنبل» (2) / (375)]، والله تعالى أعلم.
وقد أخرج الطبراني في «المعجم الصغير» من حديث جابر رضي الله عنه: «قلت: يا رسول الله مم أضرب منه يتيمي؟ قال: مم كنت ضاربا منه ولدك، غير واق مالك بماله».
وقد زاد في رواية مالك: «حتى يستغني عنه»، فيستفاد منه أن للكفالة المذكورة أمدا، والله تعالى أعلم.
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا من أفراد المصنف رحمه الله، وقد أخرجه البخاري من حديث سهل بن سعد رضي الله عنهما.
مسألة: ذهب ابن حبان ان المقصود وذكر حديث سهل قوله هكذا أراد دخول الجنة أن كافل اليتيم تكون مرتبته مع مرتبة النبي صلى الله عليه وسلم
ومثل ذلك قاله القرطبي لأن الأنبياء لا يشركهم أحد في منزلتهم والنبي صلى الله عليه لا يشركه الأنبياء في منزلته وقد نص على هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم المرء مع من أحب وله ما اكتسب.
وكذلك العباد قال: معه في الجنة لا أنه في درجته.
قال السهارنفوري:
قال في «مرقاة الصعود» فإن قلت: درجات الأنبياء ? أعلى من درجات سائر الخلق لا سيما درجة نبينا ? لا ينالها أحد.
قلت: الغرض منه المبالغة في رفع درجته في الجنة، قال: وإنما فرق بين الإصبعين إشارة إلى التفاوت بين درجات الأنبياء، وآحاد الأمة، انتهى.
وهذا الجواب مبناه على أن يكون في رواية لفظ: «وفرَّق بين أصابعه»، ولكن في النسخ الموجودة: «وقرن بين إصبعيه» في المتن، وأما في الحاشية فنسخة «فرق»، ويؤيده رواية البخاري في اللعان بلفظ: «وَفَرَّج بينهما شيئًا» فهذا صريح في عدم اتصال إحداهما بالأخرى.
قال الحافظ: ويكفي في إثبات قرب المنزلة من المنزلة أنه ليس بين الوسطى والسبابة إصبع أخرى، ويحتمل أن يكون المراد قرب المنزلة حال دخول الجنة، لما أنه أخرجه أبو يعلى من حديث أبي هريرة رفعه: «أنا أول من يُفْتَحُ [لي] باب الجنة، فإذا امرأة تبادرني فأقول: من أنتِ؟ فتقول: أنا امرأة تأيمت على أيتام لي «وقوله: تبادرني أي لتدخل معي، أو تدخل في إثري.
بذل المجهود في حل سنن أبي داود (13) / (537) – (538)
تنبيه: سبق بيان ضعف حديث المرأة التي تبادر النبي صلى الله عليه وسلم في دخول الجنة. لكن ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حق أم هانئ لما خطبها فاعتذرت بعيالها: خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش أحناهن على ولد وأرعاهن لزوج في ذات يده.
تنبيه: سيأتي في الفوائد نقل بحث وفتاوى حول تفاضل أهل الجنة. وأن الإنسان لا يتعجب من عمل يراه يسيرا يرفع به العبد درجات خاصة مع الإخلاص والتقوى كما ورد في رواية كافل اليتم أنا وهو هكذا إذا اتقا الله.
وعندنا كذلك بعض الأعمال مكفرات لما بينهما إذا اجتنبت الكبائر.
مثل التحاب في الله له منزله عظيمه:
قال العلّامة الشّوكانيُّ:
“فكّرتُ بعضَ الّليالي في حَديثِ: (المُتَحابُّونَ في اللهِ عَلى مَنابِرَ مِنْ نُورٍ)؛ فَاستعظَمْتُ هَذا الجَزَاء مَع حَقَارةِ العَملِ، ثُمَّ رَاجعتُ الذِّكْرَ؛ فوجَدتُ: التَّحَابَّ في اللهِ مِنْ أَصْعبِ الأُمورِ وأشدِّهَا، وَوجُودُه في الأشخَاصِ الإنسانيّةِ أَعَزُّ مِنَ الكِبْريتِ الأحْمَرِ، فَذَهبَ مَا تَصوّرتُهُ مِنَ الاسْتِعظَامِ للجَزاءِ”.
(الفتحُ الرّبّاني مِن فتاوى الإمام الشّوكانيّ) ((11) / (5299) – (5300))
في فوائده:
قال الاثيوبي – رحمه الله -:
1 – (منها): بيان فضل كفالة اليتيم، حيث إنه يقارب درجة النبيّ ? في الجنّة، ولا فضل أعظم من هذا.
(2) – (ومنها): ما قاله ابن بطّال: حقّ على من سمع هذا الحديث أن يَعمل به؛ ليكون رفيق النبيّ ? في الجنة، ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك.
(3) – (ومنها): ما قاله الحافظ العراقيّ في» شرح الترمذيّ: لعل الحكمة في كون كافل اليتيم يشبه في دخول الجنة، أو شبهت منزلته في الجنة بالقرب من النبيّ ?، أو منزلة النبيّ ?؛ لكون النبيّ شأنه أن يبعث إلى قوم لا يعقلون أمر دينهم، فيكون كافلًا لهم، ومعلِّمًا، ومرشدًا، وكذلك كافل اليتيم يقوم بكفالة من لا يعقل أمر دينه، بل ولا دنياه، ويرشده، ويعلّمه، ويحسن أدبه، فظهرت مناسبة ذلك. انتهى ((1))، نقله في «الفتح»، والله تعالى أعلم.
4 – وذكر ابن بطال أن من أراد تحصيل منازل المجاهدين والمصلين والصوام فعليه بكفالة اليتيم.
{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ
5 – قال البخاري:
(79) – باب أدب اليتيم
(142) – (ث (40)) عَنْ شُمَيْسَةَ العَتَكية قَالَتْ: ذُكر أَدَبُ الْيَتِيمِ عِنْدَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ: إِنِّي لأضرب اليتيم حتى يَنْبَسِط (- أي يمتد على الأرض.».
صحيح الإسناد.
الأدب المفرد – بأحكام الألباني – ت الزهيري (1) / (76)
6 – فتوى:
ج (2): يجوز لك أن تتصدق عن والدتك بكفالة يتيم تعرفه وتعرف حاجته ولك في هذا أجر، وتدخل والدتك بهذا في الثواب العظيم الوارد في كافل اليتيم، ففي الصحيح عن سهل بن سعد ? قال: قال رسول الله ?: «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما ((1))». وفي (صحيح مسلم) من حديث أبي هريرة ? قال: قال رسول الله ?: «كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة ((2))» وأشار الراوي وهو مالك بن أنس بالسبابة والوسطى، ومعنى: «له أو لغيره ((3))» أي قريبه أو الأجنبي، فالقريب مثل أن تكفله أمه أو جده أو أخوه أو غيرهم من قرابته، قال ابن بطال في الحديث الصحيح السابق: (حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به فيكون رفيق النبي ? في الجنة، ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك).
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الثانية (8) / (288) – (289)
7 – الفتوى رقم ((13152))
ج: يجوز للإنسان أن يكفل اليتيم بالإنفاق عليه ولو لم يكن عنده.
فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الأولى (14) / (237) – (238)
8 – فتوى:
ما هو تفسير حديث: (إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ فِي الْأُفُقِ مِنْ الْمَشْرِقِ أَوْ الْمَغْرِبِ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ تِلْكَ مَنَازِلُ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ؟ قَالَ: (بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ)، وهل يقصد بذلك أنه من الممكن بلوغ درجات الأنبياء ومنازلهم؟
أولا:
الجنة درجات متفاضلة، ويتفاضل أهلها على حسب مكانتهم وأعمالهم، والأنبياء هم أعلى أهل الجنة، ولن يصل إلى مرتبتهم أحد.
ثانيا:
و بلوغ درجة الأنبياء كما في الحديث المذكور آنفا، فالعلماء فيه على قولين: ذكرهما شراح الحديث.
قال بدر الدين الدماميني -رحمه الله- في “مصابيح الجامع” (7/ 69):
” (بلى، والذي نفسي بيده! رجالٌ آمنوا بالله، وصَدَّقوا المرسلين): قيل: يريد: أنهم بلغوا درجة الأنبياء، وقيل: بل يبلغون هذه المنازل الموصوفة، وأن منازلَ الأنبياء فوقَ ذلك ” انتهى.
وقال ابن حجر -رحمه الله – تعالى: في “فتح الباري” (6/ 328):
” وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُ (بَلَى) بِأَنَّ التَّقْدِيرَ: (نَعَمْ)، هِيَ مَنَازِلُ الْأَنْبِيَاءِ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ ذَلِكَ وَلَكِنْ قَدْ يَتَفَضَّلُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى غَيْرِهِمْ، بِالْوُصُولِ إِلَى تِلْكَ الْمَنَازِلِ ” انتهى.
وليس معنى بلوغ منزلة الأنبياء التساوي معهم في المرتبة والفضل.
قال تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا النساء/ 69.
قال الإمام البغوي رحمه الله:
” فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ: أَيْ لَا تَفُوتُهُمْ رُؤْيَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَمُجَالَسَتُهُمْ؛ لَا أَنَّهُمْ يُرْفَعُونَ إِلَى دَرَجَةِ الْأَنْبِيَاءِ ” انتهى، من “تفسير البغوي” (2/ 247).
وقال الإمام ابن عطية رحمه الله:
” ومعنى- أنهم معهم- أنهم في دار واحدة، ومتنعم واحد، وكل من فيها قد رزق الرضا بحاله، وذهب عنه أن يعتقد أنه مفضول، وإن كنا نحن قد علمنا من الشريعة أن أهل الجنة تختلف مراتبهم على قدر أعمالهم، وعلى قدر فضل الله على من شاء ” انتهى، من “المحرر الوجيز” (2/ 76).
وقال الرازي- رحمه الله -تعالى: في “مفاتيح الغيب” (10/ 133):
” لَيْسَ الْمُرَادُ بِكَوْنِ مَنْ أَطَاعَ اللَّه وَأَطَاعَ الرَّسُولَ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ، كَوْنَ الْكُلِّ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ، لِأَنَّ هَذَا يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ فِي ططظ بَيْنَ الْفَاضِلِ وَالْمَفْضُولِ، وَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ.
بَلِ الْمُرَادُ كَوْنُهُمْ فِي الْجَنَّةِ بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ رُؤْيَةِ الْآخَرِ، وَإِنْ بَعُدَ الْمَكَانُ، لِأَنَّ الْحِجَابَ إِذَا زَالَ، شَاهَدَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَإِذَا أَرَادُوا الزِّيَارَةَ وَالتَّلَاقِيَ قَدَرُوا عَلَيْهِ، فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْمَعِيَّةِ ” انتهى.
وقال الإمام أبو العباس القرطبي رحمه الله في “المفهم”:
” هذه الْمَعِيَّة هي النجاة من النار، والفوز بالجنة، إلا أن أهل الجنة على مراتبهم ومنازلهم بحسب أعمالهم وأحوالهم. وقد دلّ على هذا نصًّا: قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (المرأ مع من أحب وله ما اكتسب).” انتهى.
والحديث المذكور: ( .. وله ما اكتسب): رواه الترمذي (2386) من حديث أنس بن مالك، وصححه الألباني.
ومن تمام نعمة الله عز وجل على أهل الجنة، ألا يحرم من لقاء أحبابهم فيها، وإن تفاوتت درجاتهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
” والله تعالى إذا أراد أن يجمع بين أحد من أعلى الجنة أنزله إلى الأسفل.
وقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم إني أحبك ما أستطيع أن أصبر عنك وإنك في أ فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ” انتهى من “مختصر الفتاوى المصرية” (270).شئ
والله أعلم.
9 – فتوى:
حول عدد درجات الجنة، والجمع بين الأحاديث الواردة في ذلك
أولا: أخرج البخاري في “صحيحه” (2790)، من حديث أبي هريرة، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، وَأَقَامَ الصَّلاَةَ، وَصَامَ رَمَضَانَ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا)، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلاَ نُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قَالَ: (إِنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ، أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ، فَاسْأَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الجَنَّةِ وَأَعْلَى الجَنَّةِ – أُرَاهُ – فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الجَنَّةِ).
ثانيا:
الحديث لا يعارض ما تقدم من الأحاديث من كون أن درجات الجنة لا يعلم عددها إلا الله، أو أنها بعدد آي القرآن.
وقد تكلم أهل العلم في تأويل قوله صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين)، على وجوه:
أن تكون هذه درجات المجاهدين فقط دون غيرهم.
أو يكون العدد غير مقصود، وإنما المراد به الكثرة.
أو يكون المعنى أن لكل واحد من أهل الجنة مائة درجة؟
والأرجح أن تكون هذه المائة درجة مختصة بالمجاهدين، كما في نص الحديث، وهذا لا ينفي وجود درجات أخرى، كما في الأحاديث السابقة.
قال أبو العباس القرطبي في “المفهم” (12/ 28):” وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (وأخرى ترفع بها العبد مائة درجة)؛ أي: خصلة أخرى. والدرجة: المنزلة الرفيعة، ويراد بها غرف الجنة ومراتبها؛ التي أعلاها الفردوس، كما جاء في الحديث.
ولا يظن من هذا: أن درجات الجنة محصورة بهذا العدد، بل هي أكثر من ذلك، ولا يُعلم حصرها ولا عددها إلا الله تعالى، ألا تراه قد قال في الحديث الآخر: (يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارق، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها)؛ فهذا يدل: على أن في الجنة درجات على عدد آي القرآن، وهي نيف على ستة آلاف آية، فإذا اجتمعت للإنسان فضيلة الجهاد مع فضيلة القرآن، جمعت له تلك الدرجات كلها. وهكذا كلما زادت أعماله، زادت درجاته “. انتهى.
وقال العز ابن عبد السلام في “الفوائد في اختصار المقاصد” (153):” وللمؤمنين درجات في الإيمان، عليات، ودنيات، ومتوسطات.
وللمجاهدين مئة درجة في الجنة، مترتب أعلاها على أعلى رتب الجهاد، وأدناها على أدناها “. انتهى.
وقال ابن القيم في “حادي الأرواح” (ص66):” وقد ثبت في الصحيحين عنه أنه قال:” الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض”. وهذا يدل على أنها في غاية العلو والارتفاع، والله أعلم. والحديث له لفظان، هذا أحدهما، والثاني: (إن في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض أعدها الله للمجاهدين في سبيله). وشيخنا يرجح هذا اللفظ، وهو لا ينفي أن يكون درج الجنة أكبر من ذلك، ونظير هذا قوله في الحديث الصحيح: (إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة). أي من جملة أسمائه هذا القدر، فيكون الكلام جملة واحدة في الموضعين “انتهى.
وقال ابن حجر في “فتح الباري” (13/ 413):” وَأَمَّا قَوْلُهُ:” مِائَةُ دَرَجَةٍ “. فَلَيْسَ فِي سِيَاقِهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْعَدَدَ الْمَذْكُورَ هُوَ جَمِيعُ دَرَجِ الْجَنَّةِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ، إِذْ لَيْسَ فِيهِ مَا يَنْفِيهَا. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَرْفُوعِ، الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَصَححهُ التِّرْمِذِيّ وابن حِبَّانَ: (وَيُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ اقْرَأْ وَارْقَ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْد آخر آيَة تقرؤها). وَعَدَدُ آيِ الْقُرْآنِ أَكْثَرُ مِنْ سِتَّةِ آلَافٍ وَمِائَتَيْنِ، وَالْخُلْفُ فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْكُسُورِ “انتهى.
10 – فتوى:
أهل الجنة يتفاضلون فيها بحسب أعمالهم، وتختلف مراتبهم ودرجاتهم فيها، كما نطق بذلك الكتاب والسنة، قال تعالى: وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا {الأنعام:132}.
قال ابن الجوزي رحمه الله: وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا: أي منازل ومراتب بحسب ما اكتسبوه من إيمان وكفر، فيتفاضل أهل الجنة في الكرامة، وأهل النار في العذاب. انتهى.
وظاهر النصوص أنهم يحسون بالتفاوت، ولكن لا يحسد بعضهم بعضا؛ فقد قال الله تعالى: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ {الحجر:47}.
ومن الأسباب المعينة على نيل أعلى الجنة: حفظ القرآن وتلاوته بترتيل، والعمل به، فعن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا؛ فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها. رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وكذا قال الألباني رحمهما الله تعالى.
قال الخطابي: فمن استوفى قراءة جميع القرآن استولى على أقصى درج الجنة، ومن قرأ جزءًا منه كان رقيه من الدرج على قدر ذلك، فيكون منتهى الثواب عند منتهى القراءة. انتهى.
وجاء في تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي: … جاء في الأثر أن عدد آي القرآن على قدر درج الجنة في الآخرة، ومن قرأ جزءاً منه، كان رقيه في الدرج على ذلك، فيكون منتهى الثواب على منتهى القراءة. اهـ.
وفي عون المعبود شرح سنن أبي داود: صاحب القرآن: من يلازمه بالتلاوة والعمل والتدبر .. لا من يقرؤه ولا يعمل به. اهـ.
ومنها: حسن الخلق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه. رواه أبو داود، وحسنه الألباني.
ومنها الدعاء: كما في حديث البخاري: إذا سألتم الله الجنة، فاسألوه الفردوس، فإنه أعلى الجنة. انتهى.
والله أعلم.
——
ثانيًا: ملحقات:
في هذا القسم: الأحكام والمسائل المتعلقة بالفضل العظيم للإحسان إلى الأرملة والمسكين واليتيم، مع التفصيل وأقوال العلماء في ذلك.
أولاً: فضل الإحسان إلى الأرملة والمسكين واليتيم:
أ- الساعي على الأرملة والمسكين يُعادل المجاهد في سبيل الله:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ ….
وهذا الحديث يدل على أن الأعمال الخيرية المرتبطة بالمجتمع، مثل رعاية الضعفاء، تعادل في الثواب عبادات عظيمة مثل الجهاد والصيام، مما يُبرز أهمية تلك الأعمال.
ب- عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين …. البخاري
قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
فهذه الأحاديث … في الحثِّ على رحمة الفقراء والمساكين والأيتام ولهذا قال الله سبحانه: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ} [النساء:36]، فذكر الوالدين، ثم القربى، ثم اليتامى من جميع الناس.
ولا سيَّما المتعففون من الفقراء والمساكين. وفَّق الله الجميع”.
اليُتم له شرطان: أن يفقد الأب، وأن يكون دون البلوغ، هذا يُسمَّى يتيمًا، فيُحْسَن إليه إذا كان فقيرًا، فإذا لم يكن فقيرًا فليس هو في حاجة للناس، ويكون في حاجة إلى التربية الشرعية فقط.
[شرح رياض الصالحين للشيخ ابن باز رحمه الله، 99 من حديث: (كافِل اليتيم -له أو لغيره- أنا وهو كهاتين في الجنة .. )].
ثانيا: مسائل في حقيقة المسكين:
(المسألة الأولى): التعريف:
المسكين في اللغة:
بكسر الميم، قال الفيروزآبادي: وتفتح ميمه: من لا شيء له، أو له ما لا يكفيه، أو أسكنه الفقر، أي: قلل حركته، والذليل والضعيف. [القاموس المحيط للفيروزآبادي].
وأما في الاصطلاح:
فقد اختلف الفقهاء في حد المسكين:
فقال الحنفية والمالكية: هو من لا يملك شيئا.
وقال الشافعية: هو من قدر على مال أو كسب يقع موقعا من كفايته ولا يكفيه.
وقال الحنابلة: هو من يجد معظم الكفاية أو نصفها من كسب أو غيره [حاشية ابن عابدين (2) / (59)، والدسوقي (1) / (492)، ومغني المحتاج (3) / (108)، وكشاف القناع (2) / (282)].
الألفاظ ذات الصلة:
أ – الفقير:
(2) – الفقير في اللغة: ضد الغني، والفقير أيضا المحتاج. [لسان العرب مادة «فقر»].
وفي الاصطلاح عرفه كل مذهب بتعريف. [حاشية ابن عابدين (2) / (8)، والدسوقي (1) / (492)، ومغني المحتاج (3) / (106)، وكشاف القناع (2) / (271)، (272)].
والصلة بين الفقير والمسكين أن كلا منهما اسم ينبئ عن الحاجة، وأن كليهما من مصارف الزكاة والصدقات.
(المسألة الثانية): ما يتعلق بالمسكين من أحكام:
أولاً: دفع الزكاة للمسكين وشروطه:
– لا خلاف بين الفقهاء في أن المسكين يعتبر مصرفا من مصارف الزكاة [الاختيار (1) / (118) ط. دار المعرفة، وحاشية ابن عابدين (2) / (59) ط. بولاق، وحاشية الدسوقي (1) / (492) ط. دار الفكر، وروضة الطالبين (2) / (311)، وكشاف القناع (2) / (270)، (271)]؛
لقوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين}.
ويشترط في إعطاء الزكاة له شروط، تفصيلها في مسائل أحكام الزكاة.
ثانيًا: دفع الكفارة والفدية إلى المساكين:
– اتفق الفقهاء على أن من عجز عن الصيام في أداء كفارة الظهار، وكفارة الجماع في رمضان، لمرض أو غيره من الأعذار، كفر بإطعام ستين مسكينا. [الاختيار (3) / (165)، ونيل المآرب (2) / (262)، والقوانين الفقهية (248)، وروضة الطالبين (8) / (305)، (306)].
واختلفوا في اشتراط التمليك في الإطعام، وكذلك في مقدار ما يعطى لكل مسكين، وتكرار الإعطاء لمسكين واحد، وغير ذلك من الفروع، التي تذكر في الكفارات.
ودفع الكفارة والفدية إلى المساكين يكون بإطعامهم، إلا أنه يختلف عدد المساكين الواجب إطعامهم بحسب اختلاف الكفارات.
ثالثًا: إعطاء الغنيمة للمساكين:
– ذهب جمهور الفقهاء إلى أن للمساكين سهما في خمس مال الغنيمة؛ واستدلوا بقوله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل}.
واختلفوا في مقدار هذا السهم على أقوال
والفقراء والمساكين صنف واحد هاهنا. [حاشية ابن عابدين (3) / (236)، والاختيار (4) / (131)، والقليوبي (3) / (189)، والمغني (6) / (413)].
رابعًا: الوقف على المساكين:
– لا خلاف بين الفقهاء في جواز الوقف على المساكين؛
لأن الوقف إزالة ملك عن الموقوف على وجه القربة، والمسكين مما تحصل القربة بالوقف عليه.
[الاختيار (3) / (45)، والقوانين الفقهية (376)، والوجيز (1) / (245)، ومطالب أولي النهى (4) / (282)، والمغني (5) / (619)، (620)].
خامسًا: إثبات المسكنة:
– إذا عرف لرجل مال فادعى تلفه، وأنه فقير أو مسكين لم يقبل منه إلا ببينة، قال صاحب المجموع: وهذا لا خلاف فيه، وإن لم يعرف له مال، وادعى الفقر أو المسكنة، قبل قوله، ولا يطالب ببينة بلا خلاف؛ لأن الأصل في الإنسان الفقر.
[المجموع (6) / (195)، والإنصاف (3) / (245)، وحاشية الدسوقي (1) / (492)، وجواهر الإكليل (1) / (138)].
خامسًا: مسائل في اليتيم:
(مسألة): الأحكام المتعلقة باليتيم:
يتعلق باليتيم أحكام منها:
أولاً: الإحسان إلى اليتيم:
– يجب الاعتناء باليتيم والعطف عليه والرأفة به وبره والإحسان إليه؛ لقول النبي ?: أنا وكافل اليتيم كهاتين، وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى [حديث:» أنا وكافل اليتيم كهاتين. . . «أخرجه البخاري (فتح الباري (10) / (436)) من حديث سهل بن سعد].
كما أن الله تعالى نهى عن إذلال اليتيم وظلمه ونهره وشتمه والتسلط عليه بما يؤذيه؛ لقوله تعالى: {فأما اليتيم فلا تقهر}.
وللوصي تعليم اليتيم وتسليمه للمكتب؛ لأن المكتب من مصالحه، فجرى مجرى نفقته كمأكوله ومشروبه وملبوسه، ويجوز إسلامه في صناعة إذا كانت مصلحته في ذلك، روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: قلت: «يا رسول الله، مما أضرب عليه يتيمي؟ فقال: مما كنت ضاربا منه ولدك غير واق مالك بماله، ولا متأثل من ماله مالا». [حديث جابر: مما أضرب عليه يتيمي؟. . ” أخرجه الطبراني في الصغير ((1) / (157) – (158) – ط المكتب الإسلامي). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ((8) / (163)): فيه معلى بن مهدي، وثقه ابن حيان وغيره، وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات. ورجح البيهقي في السنن الكبرى ((4) / (6)) إرساله من حديث الحسن العرني].
وعلى الوصي أن يطعم اليتيم الحلال ولا يطعمه الحرام. [أحكام القرآن للقرطبي (20) / (100) – (101)، والمغني (4) / (468)].
ثانيًا: تصرفات الوصي في مال اليتيم:
– تصرفات الوصي في أموال اليتامى مقيدة بالنظر والمصلحة.
ولمعرفة التفصيل في ضوابط تصرفات الوصي في مال الأيتام الموصى عليهم وشروط إنفاذها ينظر مسائل الإيصاء.
ثالثًا: المضاربة والاتجار بمال اليتيم:
– الاتجار بمال اليتيم لا يخلو: إما أن يتجر الوصي بمال اليتيم لنفسه، وإما أن يتجر بمال اليتيم لليتيم، وإما أن يدفع الوصي مال اليتيم الموصى عليه لمن يعمل فيه مضاربة.
وللفقهاء آراء في هذه الحالات.
رابعًا: الإنفاق على اليتيم:
– إن كان لليتيم مال فعلى الوصي الإنفاق عليه بالمعروف، لا على وجه الإسراف، ولا على وجه التضييق،
وإن لم يكن لليتيم مال فنفقته على قرابته، وإن لم يكن له مال ولا أقارب له فنفقته في بيت المال.
خامسًا: رجوع الوصي فيما أنفقه من ماله على اليتيم الغني:
– اختلف الفقهاء في طلب البينة على ما أنفقه ولي اليتيم من مال نفسه على اليتيم.
فقال الحنفية والشافعية: الوصي كالأب متطوع، إلا أن يشهد أن ما أنفقه من مال نفسه على اليتيم قرض عليه وأنه يرجع عليه.
[الفتاوى المهدية (7) / (28)، (30)، والمدونة (4) / (396)، وأسنى المطالب (3) / (445)].
وصرح الحنابلة بأنه يقبل قول الولي في إنفاقه بالمعروف من ماله على المولى عليه ما لم يعلم كذب الولي بأن كذب الحس دعواه، أو تخالفه عادة وعرف، فلا يقبل قوله حينئذ لمخالفته الظاهر. [كشاف القناع (3) / (456)].
وقال تقي الدين ابن تيمية: ما أنفقه وصي متبرع بالمعروف في ثبوت الوصية فمن مال اليتيم. قال البهوتي: وعلى قياسه كل ما فيه مصلحة له. [كشاف القناع (4) / (398)].
سادسًا: خلط الوصي ماله بمال اليتيم الموصى عليه:
– تصرف الوصي في مال اليتيم الموصى عليه مقيد بالمصلحة، ولمعرفة آراء الفقهاء في خلط مال الوصي بمال اليتيم انظر المسألة في كتب الفقه.
سابعًا: أخذ الوصي الأجرة من مال اليتيم:
– اتفق الفقهاء على أن الوصي إذا فرض له الأجرة مقابل القيام بالوصاية كان له أخذها، سواء كان غنيا أو فقيرا.
واختلفوا في حكم أخذ الوصي الأجرة إذا لم يفرض له شيء.
ثامنا: رهن مال اليتيم:
– رهن مال اليتيم إما أن يكون بدين على الصغير، وإما أن يكون بدين على الوصي.
ولمعرفة آراء الفقهاء في المسألتين ينظر مصطلح وصاية في كتب الفقه.
تاسعا: هبة مال اليتيم:
– هبة مال اليتيم لا تخلو إما أن تكون بعوض، وإما أن تكون بغير عوض.
فإذا كانت هبة مال اليتيم بغير عوض فلا يجوز باتفاق الفقهاء، أما إذا كانت بعوض فللفقهاء في حكمها خلاف وتفصيل.
عاشرا: زكاة مال اليتيم:
– اختلف الفقهاء في وجوب الزكاة في مال اليتيم.
ولمعرفة التفاصيل المتعلقة بالموضوع ينظر ذلك في أحكام زكاة.
حادي عشر: إنكاح اليتيم:
– اختلف الفقهاء في حكم إنكاح اليتيم.
وكما اختلفوا في حكم تخيير اليتيم أو اليتيمة بعد بلوغهما في فسخ النكاح.
ثاني عشر: سهم اليتيم في خمس الغنائم:
– ذهب جمهور الفقهاء إلى أن لليتامى سهما من خمس الغنائم؛ لقوله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل}.
ولهم في ذلك تفصيل.
ثالث عشر: سهم اليتامى في الفيء:
– اختلف الفقهاء في تخميس الفيء.
فذهب جمهور الفقهاء إلى أن الفيء لا يخمس، وهو للمسلمين كافة يصرف في مصالحهم.
وذهب فريق منهم أن الفيء يخمس، ويصرف خمسه إلى من يصرف إليه خمس الغنيمة ومنهم اليتامى.
رابع عشر: فك الحجر عن اليتيم وطريقته:
– يفك الحجر عن اليتيم ويسلم ماله إليه إذا بلغ رشيدا؛ لقوله تعالى: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم}.
خامس عشر: الوصية لليتيم:
– ذهب الحنفية والمالكية والشافعية: إلى أن الوصي لو أوصى ليتامى بني فلان، فإن كان يتاماهم يحصون جازت الوصية؛ لأنهم إذا كانوا يحصون وقعت الوصية لهم بأعيانهم لكونهم معلومين فأمكن إيقاعها تمليكا لهم فصحت الوصية، كما لو أوصى ليتامى هذه السكة أو هذه الدار.
ويستوي في الوصية لليتامى الغني والفقير عند الحنفية والحنابلة والشافعية في أحد الوجهين، لأن اليتيم في اللغة اسم لمن مات أبوه ولم يبلغ الحلم، وهذا لا يتعرض للفقر والغنى قال الله تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا ((1))}، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «ابتغوا بأموال اليتامى، لا تأكلها الصدقة» [أثر عمر: «ابتغوا بأموال اليتامى. .» أخرجه الدارقطني ((2) / (110)) والبيهقي ((4) / (106))، وقال البيهقي: هذا إسناد صحيح]. فقد سموا يتامى وإن كان لهم مال فكل صغير مات أبوه يدخل تحت الوصية ومن لا فلا.
وفي وجه عند الشافعية أنه يصرف إلى الفقراء منهم وهذا الأشبه.
وأما إن كانوا لا يحصون فالوصية جائزة وتصرف إلى الفقراء منهم عند الحنفية والشافعية لأنها لو صرفت إلى الأغنياء لبطلت لجهالة الموصى له، ولو صرفت إلى الفقراء لجازت لأنها وصية بالصدقة ….
ويرى الحنابلة أن الوصية في هذه الحالة صحيحة وتصرف إلى الفقراء والأغنياء منهم على السواء فإن الوصية للأغنياء قربة وقد ندب النبي ? إلى الهدية وإن كانت لغني [بدائع الصنائع (7) / (344)، مغني المحتاج (3) / (61)، وروض الطالب (3) / (54)، (55)، وروضة الطالبين (6) / (181)، ونهاية المحتاج (6) / (78)، والمغني لابن قدامة (6) / (56)، عقد الجواهر الثمينة (3) / (416)].
ونص الشافعية والحنابلة على أن الوصية لليتيم لا تشمل ولد الزنا والمنفي باللعان كما أنها لا تشمل اللقيط عند الشافعية.
ولمعرفة آراء الفقهاء في حكم تعميم الموصى به على الموصى لهم المحصورين وغير المحصورين ينظر مصطلح: وصية في كتب الفقه. [الموسوعة الفقهية الكويتية، (45/ 255 – 259)، بتصرف يسير].
ثالثًا: خلاصة فقه وفوائد الأحاديث:
1 – (منها): العناية بالضعفاء والمساكين واجب شرعي، يتضح من هذه الأحاديث أن رعاية الأرملة والمسكين واليتيم ليست مجرد عمل تطوعي، بل لها أجر عظيم في الدنيا والآخرة، وتُعزز الروابط الاجتماعية.
2 – (ومنها): العمل الخيري باب من أبواب الجنة، الحديث يربط بشكل مباشر بين كفالة اليتيم وبين دخول الجنة، مما يحفز المسلمين على تبني مثل هذه الأعمال الخيرية.
3 – (ومنها): الزهد الحقيقي ليس في ترك الدنيا، بل في استعمالها للخير، كتاب الزهد والرقائق يُبرز أن الزهد في الدنيا يكون بتركيز الإنسان على الأعمال الصالحة وليس بترك الدنيا نفسها، بل باستخدامها لخدمة الآخرين وكسب الأجر.
4 – (ومنها): النية الصادقة في العمل الخيري، العمل الخيري لا يقتصر على مجرد تقديم المساعدة، بل يشترط أن تكون النية خالصة لله؛ لأن الأجر مرتبط بالإخلاص.