(2970 إلى 2979) فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
مجموعة: مجموعة: أحمد بن علي، ومحمد البلوشي وسلطان الحمادي وأحمد بن خالد وعمر الشبلي ومحمد سيفي وعدنان البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
جاء في صحيح الإمام مسلم رحمه الله من ((56)) – (كِتَابُ: الزُّهْدِ، وَالرَّقَائِقِ)، (3) – ((2958)) تابع للباب الأول
(18) – ((1055)) حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ عُمارَةَ بْنِ القَعْقاعِ، عَنْ أبِي زُرْعَةَ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ?: «اللهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا»
(19) – ((1055)) وحَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، وعَمْرٌو النّاقِدُ، وزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وأبُو كُرَيْبٍ، قالُوا: حَدَّثَنا وكِيعٌ، حَدَّثَنا الأعْمَشُ، عَنْ عُمارَةَ بْنِ القَعْقاعِ، عَنْ أبِي زُرْعَةَ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ?: «اللهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا»، وفِي رِوايَةِ عَمْرٍو: «اللهُمَّ ارْزُقْ»،
(19) – وحَدَّثَناهُ أبُو سَعِيدٍ الأشَجُّ، حَدَّثَنا أبُو أُسامَةَ، قالَ: سَمِعْتُ الأعْمَشَ، ذَكَرَ عَنْ عُمارَةَ بْنِ القَعْقاعِ بِهَذا الإسْنادِ، وقالَ: «كَفافًا»
(20) – ((2970)) حَدَّثَنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وإسْحاقُ بْنُ إبْراهِيمَ – قالَ إسْحاقُ: أخْبَرَنا، وقالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنا – جَرِيرٌ، عَنْ مَنصُورٍ، عَنْ إبْراهِيمَ، عَنِ الأسْوَدِ، عَنْ عائِشَةَ، قالَتْ: «ما شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ ? مُنْذُ قَدِمَ المَدِينَةَ، مِن طَعامِ بُرٍّ ثَلاثَ لَيالٍ تِباعًا، حَتّى قُبِضَ»
(21) – ((2970)) حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأبُو كُرَيْبٍ، وإسْحاقُ بْنُ إبْراهِيمَ – قالَ إسْحاقُ: أخْبَرَنا، وقالَ الآخَرانِ: حَدَّثَنا – أبُو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ إبْراهِيمَ، عَنِ الأسْوَدِ، عَنْ عائِشَةَ، قالَتْ: «ما شَبِعَ رَسُولُ اللهِ ? ثَلاثَةَ أيّامٍ تِباعًا مِن خُبْزِ بُرٍّ، حَتّى مَضى لِسَبِيلِهِ»
(22) – ((2970)) حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى، ومُحَمَّدُ بْنُ بَشّارٍ، قالا: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ أبِي إسْحاقَ، قالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ، يُحَدِّثُ عَنِ الأسْوَدِ، عَنْ عائِشَةَ، أنَّها قالَتْ: «ما شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ ?، مِن خُبْزِ شَعِيرٍ يَوْمَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ، حَتّى قُبِضَ رَسُولُ اللهِ ?»
(23) – ((2970)) حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا وكِيعٌ، عَنْ سُفْيانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عابِسٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ، قالَتْ: «ما شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ ?، مِن خُبْزِ بُرٍّ فَوْقَ ثَلاثٍ»
(24) – ((2970)) حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ غِياثٍ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أبِيهِ، قالَ: قالَتْ عائِشَةُ: «ما شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ ?، مِن خُبْزِ البُرِّ ثَلاثًا حَتّى مَضى لِسَبِيلِهِ»
(25) – ((2971)) حَدَّثَنا أبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنا وكِيعٌ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ هِلالِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ، قالَتْ: «ما شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ ?، يَوْمَيْنِ مِن خُبْزِ بُرٍّ إلّا وأحَدُهُما تَمْرٌ»
(26) – ((2972)) حَدَّثَنا عَمْرٌو النّاقِدُ، حَدَّثَنا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمانَ، قالَ: ويَحْيى بْنُ يَمانٍ، حَدَّثَنا عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ، قالَتْ: «إنْ كُنّا آلَ مُحَمَّدٍ ?، لَنَمْكُثُ شَهْرًا ما نَسْتَوْقِدُ بِنارٍ، إنْ هُوَ إلّا التَّمْرُ والماءُ»،
(26) – وحَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأبُو كُرَيْبٍ، قالا: حَدَّثَنا أبُو أُسامَةَ، وابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهَذا الإسْنادِ: إنْ كُنّا لَنَمْكُثُ، ولَمْ يَذْكُرْ آلَ مُحَمَّدٍ، وزادَ أبُو كُرَيْبٍ فِي حَدِيثِهِ، عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ: «إلّا أنْ يَاتِيَنا اللُّحَيْمُ»
(27) – ((2973)) حَدَّثَنا أبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ بْنِ كُرَيْبٍ، حَدَّثَنا أبُو أُسامَةَ، عَنْ هِشامٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ عائِشَةَ، قالَتْ: «تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ ?، وما فِي رَفِّي مِن شَيْءٍ يَاكُلُهُ ذُو كَبِدٍ، إلّا شَطْرُ شَعِيرٍ فِي رَفٍّ لِي، فَأكَلْتُ مِنهُ حَتّى طالَ عَلَيَّ فَكِلْتُهُ فَفَنِيَ»
(28) – ((2972)) حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ يَحْيى، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أبِي حازِمٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومانَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ، أنَّها كانَتْ تَقُولُ: واللهِ يا ابْنَ أُخْتِي إنْ كُنّا لَنَنْظُرُ إلى الهِلالِ، ثُمَّ الهِلالِ، ثُمَّ الهِلالِ، ثَلاثَةَ أهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ، وما أُوقِدَ فِي أبْياتِ رَسُولِ اللهِ ? نارٌ، قالَ: قُلْتُ: يا خالَةُ فَما كانَ يُعَيِّشُكُمْ؟ قالَتْ: «الأسْوَدانِ التَّمْرُ والماءُ، إلّا أنَّهُ قَدْ كانَ لِرَسُولِ اللهِ ? جِيرانٌ مِنَ الأنْصارِ، وكانَتْ لَهُمْ مَنائِحُ، فَكانُوا يُرْسِلُونَ إلى رَسُولِ اللهِ ? مِن ألْبانِها، فَيَسْقِيناهُ»
(29) – ((2974)) حَدَّثَنِي أبُو الطّاهِرِ أحْمَدُ، أخْبَرَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ وهْبٍ، أخْبَرَنِي أبُو صَخْرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُسَيْطٍ، ح وحَدَّثَنِي هارُونُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا ابْنُ وهْبٍ، أخْبَرَنِي أبُو صَخْرٍ، عَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ?، قالَتْ: «لَقَدْ ماتَ رَسُولُ اللهِ ?، وما شَبِعَ مِن خُبْزٍ، وزَيْتٍ فِي يَوْمٍ واحِدٍ مَرَّتَيْنِ»
(30) – ((2975)) حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ يَحْيى، أخْبَرَنا داوُدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَكِّيُّ العَطّارُ، عَنْ مَنصُورٍ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عائِشَةَ، ح وحَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، حَدَّثَنا داوُدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَطّارُ، حَدَّثَنِي مَنصُورُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحَجَبِيُّ، عَنْ أُمِّهِ صَفِيَّةَ، عَنْ عائِشَةَ، قالَتْ: «تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ ?، حِينَ شَبِعَ النّاسُ مِنَ الأسْوَدَيْنِ: التَّمْرِ والماءِ»
(31) – ((2975)) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيانَ، عَنْ مَنصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عائِشَةَ، قالَتْ: «تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ ?، وقَدْ شَبِعْنا مِنَ الأسْوَدَيْنِ: الماءِ والتَّمْرِ»،
(31) – وحَدَّثَنا أبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنا الأشْجَعِيُّ، ح وحَدَّثَنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنا أبُو أحْمَدَ، كِلاهُما عَنْ سُفْيانَ، بِهَذا الإسْنادِ، غَيْرَ أنَّ فِي حَدِيثِهِما عَنْ سُفْيانَ: «وما شَبِعْنا مِنَ الأسْوَدَيْنِ»
(32) – ((2976)) حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبّادٍ، وابْنُ أبِي عُمَرَ، قالا: حَدَّثَنا مَرْوانُ يَعْنِيانِ الفَزارِيَّ، عَنْ يَزِيدَ وهُوَ ابْنُ كَيْسانَ، عَنْ أبِي حازِمٍ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، قالَ: والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ – وقالَ ابْنُ عَبّادٍ: والَّذِي نَفْسُ أبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ – «ما أشْبَعَ رَسُولُ اللهِ ? أهْلَهُ ثَلاثَةَ أيّامٍ تِباعًا، مِن خُبْزِ حِنْطَةٍ حَتّى فارَقَ الدُّنْيا»
(33) – ((2976)) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حاتِمٍ، حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ كَيْسانَ، حَدَّثَنِي أبُو حازِمٍ، قالَ: رَأيْتُ أبا هُرَيْرَةَ يُشِيرُ بِإصْبَعِهِ مِرارًا، يَقُولُ: والَّذِي نَفْسُ أبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ ما شَبِعَ نَبِيُّ اللهِ ? وأهْلُهُ، ثَلاثَةَ أيّامٍ تِباعًا مِن خُبْزِ حِنْطَةٍ، حَتّى فارَقَ الدُّنْيا ”
(34) – ((2977)) حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وأبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، قالا: حَدَّثَنا أبُو الأحْوَصِ، عَنْ سِماكٍ، قالَ: سَمِعْتُ النُّعْمانَ بْنَ بَشِيرٍ، يَقُولُ: ألَسْتُمْ فِي طَعامٍ وشَرابٍ ما شِئْتُمْ؟ «لَقَدْ رَأيْتُ نَبِيَّكُمْ ? وما يَجِدُ مِنَ الدَّقَلِ، ما يَمْلَأُ بِهِ بَطْنَهُ» وقُتَيْبَةُ لَمْ يَذْكُرْ: بِهِ،
(35) – ((2977)) حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ رافِعٍ، حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنا زُهَيْرٌ، ح وحَدَّثَنا إسْحاقُ بْنُ إبْراهِيمَ، أخْبَرَنا المُلائِيُّ، حَدَّثَنا إسْرائِيلُ، كِلاهُما عَنْ سِماكٍ بِهَذا الإسْنادِ، نَحْوَهُ. وزادَ فِي حَدِيثِ زُهَيْرٍ: وما تَرْضَوْنَ دُونَ ألْوانِ التَّمْرِ والزُّبْدِ
(36) – ((2978)) وحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى، وابْنُ بَشّارٍ – واللَّفْظُ لِابْنِ المُثَنّى – قالا: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنْ سِماكِ بْنِ حَرْبٍ، قالَ: سَمِعْتُ النُّعْمانَ، يَخْطُبُ قالَ: ذَكَرَ عُمَرُ ما أصابَ النّاسُ مِنَ الدُّنْيا، فَقالَ: «لَقَدْ رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ ? يَظَلُّ اليَوْمَ يَلْتَوِي، ما يَجِدُ دَقَلًا يَمْلَأُ بِهِ بَطْنَهُ»
(37) – ((2979)) حَدَّثَنِي أبُو الطّاهِرِ أحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، أخْبَرَنا ابْنُ وهْبٍ، أخْبَرَنِي أبُو هانِئٍ، سَمِعَ أبا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ العاصِ وسَألَهُ رَجُلٌ، فَقالَ: ألَسْنا مِن فُقَراءِ المُهاجِرِينَ؟ فَقالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ: «ألَكَ امْرَأةٌ تَأْوِي إلَيْها؟» قالَ: نَعَمْ، قالَ: «ألَكَ مَسْكَنٌ تَسْكُنُهُ؟» قالَ: نَعَمْ، قالَ: «فَأنْتَ مِنَ الأغْنِياءِ»، قالَ: فَإنَّ لِي خادِمًا، قالَ: «فَأنْتَ مِنَ المُلُوكِ»،
(37) – قالَ أبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: وجاءَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ إلى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصِ، وأنا عِنْدَهُ، فَقالُوا: يا أبا مُحَمَّدٍ إنّا، واللهِ ما نَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ، لا نَفَقَةٍ، ولا دابَّةٍ، ولا مَتاعٍ، فَقالَ لَهُمْ: ما شِئْتُمْ، إنْ شِئْتُمْ رَجَعْتُمْ إلَيْنا فَأعْطَيْناكُمْ ما يَسَّرَ اللهُ لَكُمْ، وإنْ شِئْتُمْ ذَكَرْنا أمْرَكُمْ لِلسُّلْطانِ، وإنْ شِئْتُمْ صَبَرْتُمْ، فَإنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ?، يَقُولُ: «إنَّ فُقَراءَ المُهاجِرِينَ يَسْبِقُونَ الأغْنِياءَ يَوْمَ القِيامَةِ إلى الجَنَّةِ، بِأرْبَعِينَ خَرِيفًا» قالُوا: فَإنّا نَصْبِرُ، لا نَسْألُ شَيْئًا
==========
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
قال الحافظ النووي رحمه الله: (” [((2))]- (باب ذكر معيشة آل النبي ? -) “).
هكذا بوب على الأحاديث في نسخة الإتيوبي رحمه الله في شرح البحر الثجاج.
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[(7410)] ((1055)) – الحديث
حديث أبي هريرة رضي الله عنه، هذا متفق عليه.
وقوله: (اجعل رزق آل محمد)؛ أي: زوجاته، ومن في نفقته، أو هم مؤمنو بني هاشم والمطلب.
وقوله: (قوتا)؛ أي: بلغة، تسد رمقهم، وتمسك قوتهم، بحيث لا ترهقهم الفاقة، وقال النووي رحمه الله: قيل: معنى قوتا؛ أي: كفايتهم من غير إسراف، وهو بمعنى قوله في الرواية الأخرى: «كفافا»، وقيل: هو سد الرمق. انتهى [«شرح النووي» (18) / (105) – (106)].
وقال القرطبي رحمه الله: قوله ?: « … وهذا الحديث حجة لمن قال: إن الكفاف أفضل من الغنى، والفقر، وقد تقدمت هذه المسألة في «الزكاة». ووجه التمسك بهذا الحديث: أن النبي ? إنما يدعو لنفسه بأفضل الأحوال، وأيضا: فإن هذه الحال سليمة من آفات الغنى، وآفات الفقر المدقع، فكانت أفضل منها، ثم إن حالة صاحب الكفاف حالة الفقير؛ إذ لا يترفه في طيبات الدنيا، ولا في زهرتها، فكانت حاله إلى الفقر أقرب، فقد حصل له ما حصل للفقير من الثواب على الصبر، وكفي مرارته وآفاته.
و نقول: إن النبي ? قد جمع له حال الفقر، والغنى، والكفاف، فكان أول أحواله الفقر مبالغة في مجاهدة النفس، وخطامها عن مألوفات عاداتها، فلما حصلت له ملكة ملكها، وتخلص له خلاصة سبكها، خيره الله تعالى في أن يجعل له جبال تهامة ذهبا، تسير معه حيث سار، فلم يلتفت إليها، وجاءته فتوحات الدنيا، فلم يعرج عليها، بل صرفها، وانصرف عنها، حتى قال: «ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس، والخمس مردود فيكم» [حديث صحيح]. وهذه حالة الغني الشاكر، ثم اقتصر من ذلك كله على قدر ما يرد ضروراته، وضرورات عياله، ويرد حاجتهم، فاقتنى أرضه بخيبر، وكان يأخذ منها قوت عياله، ويدخره لهم سنة، فاندفع عنه الفقر المدقع، وحصل الكفاف الذي دعا به، ثم إنه لما احتضر، وقف تلك الأرض على أهله؛ ليدوم لهم ذلك الكفاف الذي ارتضاه لنفسه، ولتظهر إجابة دعوته حتى في أهله من بعده، وعلى ذلك المنهج نهج الخلفاء الراشدون على ما تدل عليه سيرهم وأخبارهم، وعلى هذا فأهل الكفاف هم صدر كتيبة الفقراء الداخلين الجنة قبل الأغنياء بخمسمئة عام؛ لأنهم وسطهم، والوسط: العدل، وليسوا من الأغنياء كما قررناه، فاقتضى ذلك ما ذكرناه. انتهى كلام القرطبي رحمه الله [«المفهم» (7) / (130) – (132)]، وهو جيد مفيد، والله تعالى أعلم.
قال ابن القيم: “ومعلوم أن هذه الدعوة المستجابة لم تنل كل بني هاشم ولا بني المطلب لأنه كان فيهم الأغنياء وأصحاب الجدة وإلى الآن وأما أزواجه وذريته ? فكان رزقهم قوتا وما كان يحصل لأزواجه بعده من الأموال كن يتصدقن به ويجعلن رزقهن قوتا وقد جاء عائشة مال عظيم فقسمته كله في قعدة واحدة فقالت لها الجارية لو خبأت لنا درهما نشتري به لحما فقالت لها لو ذكرتني فعلت” (جلاء الأفهام لابن القيم ص (216))
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[(7413)] ((2970)) – الحديث
شرح الحديث:
وقوله: (حتى قبض) بالبناء للمفعول إشارة إلى استمراره على تلك الحال مدة إقامته ? بالمدينة، وهي عشر سنين بما فيها من أيام أسفاره، في الغزو، والحج، والعمرة. وزاد ابن سعد من وجه آخر عن إبراهيم: «وما رفع عن مائدته كسرة خبز فضلا حتى قبض»، ووقع في رواية الأعمش عن منصور فيه بلفظ: «ما شبع رسول الله ?»، وفي رواية عبد الرحمن بن عابس، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها: «ما شبع آل محمد من خبز بر مأدوم»، وفي رواية عبد الرحمن بن يزيد، عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنها: «ما شبع آل محمد ? من خبز الشعير يومين متتابعين، حتى قبض»، أخرجاه، وعند مسلم من رواية يزيد بن قسيط، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها: «ما شبع رسول الله ? من خبز وزيت في يوم واحد مرتين»، ومن طريق مسروق عنها: «والله ما شبع من خبز، ولحم في يوم مرتين».
وعند ابن سعد أيضا من طريق الشعبي عن عائشة رضي الله عنها: «أن رسول الله ? كانت تأتي عليه أربعة أشهر، ما يشبع من خبز البر».
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه نحو حديث الباب، ذكره البخاري في «الأطعمة» من طريق سعيد المقبري عنه: «ما شبع رسول الله ? ثلاثة أيام تباعا من خبز حنطة، حتى فارق الدنيا». وأخرجه مسلم أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه: «خرج رسول الله ? من الدنيا، ولم يشبع من خبز الشعير في اليوم الواحد غداء وعشاء».
وفي حديث سهل بن سعد رضي الله عنه: «ما شبع رسول الله ? شبعتين في يوم حتى فارق الدنيا»، أخرجه ابن سعد، والطبراني.
وفي حديث عمران بن حصين رضي الله عنه: «ما شبع من غداء، أو عشاء حتى لقي الله»، أخرجه الطبراني، والله تعالى أعلم.
حديث عائشة رضي الله عنها هذا متفق عليه.
فقه وفوائد الحديث:
(1) – (منها): بيان ما كان عليه النبي ?، وأهله من قلة المعيشة، فإن العيش عيش الآخرة. قال القرطبي ررحمه الله: أحاديث هذا الباب كلها، وإن اختلفت ألفاظها تدل على أن النبي ? لم يكن يديم الشبع، ولا الترفه في العيش، لا هو، ولا من حوته بيوته، ولا آله، بل كانوا يأكلون ما خشن من المأكل العلق، ويقتصرون منه على ما يسد الرمق، معرضين عن متاع الدنيا، مؤثرين ما يبقى على ما يفنى، ثم لم يزل كذلك حالهم مع إقبال الدنيا عليهم، واجتماعها بحذافيرها لديهم، إلى أن وصلوا إلى ما طلبوا، وظفروا بما فيه رغبوا. انتهى [«المفهم» (7) / (128) – (129)].
(2) – (ومنها): بيان ما كان عليه أهل بيت النبي ?، وأصحابه من الصبر على خشونة العيش؛ لأن مقصودهم التخفف من تبعات الدنيا، حتى يصلوا إلى الآخرة، فيدخلوا الجنة قبل غيرهم ممن شغلتهم الدنيا، كما قال ?: «يدخل فقراء المؤمنين الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم: خمسمائة سنة»، حديث صحيح.
(3) – (ومنها): ما قاله الطبري رحمه الله: استشكل بعض الناس كون النبي ? وأصحابه كانوا يطوون الأيام جوعا مع ما ثبت أنه كان يرفع لأهله قوت سنة، وأنه قسم بين أربعة أنفس ألف بعير، مما أفاء الله عليه، وأنه ساق في عمرته مائة بدنة، فنحرها، وأطعمها المساكين، وأنه أمر لأعرابي بقطيع من الغنم، وغير ذلك، مع من كان معه من أصحاب الأموال، كأبي بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، وغيرهم، مع بذلهم أنفسهم وأموالهم بين يديه، وقد أمر بالصدقة، فجاء أبو بكر بجميع ماله، وعمر بنصفه، وحث على تجهيز جيش العسرة، فجهزهم عثمان رضي الله عنه بألف بعير، إلى غير ذلك.
والجواب:
أن ذلك كان منهم في حالة دون حالة، لا لعوز، وضيق، بل تارة للإيثار، وتارة لكراهة الشبع، ولكثرة الأكل. انتهى.
وتعقبه الحافظ، فقال: وما نفاه مطلقا فيه نظر؛ لما تقدم من الأحاديث آنفا، وقد أخرج ابن حبان في «صحيحه» عن عائشة رضي الله عنها: «من حدثكم أنا كنا نشبع من التمر، فقد كذبكم، فلما افتتحت قريظة أصبنا شيئا من التمر، والودك»، وفي رواية عكرمة، عن عائشة: «لما فتحت خيبر قلنا: الآن نشبع من التمر».
وفي حديث منصور بن عبد الرحمن، عن أمه صفية بنت شيبة، عن عائشة رضي الله عنها: «توفي رسول الله ? حين شبعنا من التمر».
وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما: «لما فتحت خيبر شبعنا من التمر».
والحق أن الكثير منهم كانوا في حال ضيق قبل الهجرة، حيث كانوا بمكة، ثم لما هاجروا إلى المدينة كان أكثرهم كذلك، فواساهم الأنصار بالمنازل، والمنائح، فلما فتحت لهم النضير، وما بعدها ردوا عليهم منائحهم.
وقريب من ذلك قوله ?: «لقد أخفت في الله، وما يخاف أحد، ولقد أوذيت في الله، وما يؤذى أحد، ولقد أتت علي ثلاثون من يوم وليلة، ما لي ولبلال طعام يأكله أحد إلا شيء يواريه إبط بلال»، أخرجه الترمذي، وصححه، وكذا أخرجه ابن حبان بمعناه.
نعم كان ? يختار ذلك مع إمكان حصول التوسع والتبسط في الدنيا له، كما أخرج الترمذي من حديث أبي أمامة: “عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا، فقلت: لا يا رب، ولكن أشبع يوما، وأجوع يوما، فإذا جعت تضرعت إليك، وإذا شبعت شكرتك»، ذكر هذا كله في «الفتح» [«الفتح» (14) / (590) – (591)، «كتاب الرقاق» رقم ((6454))].
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[(7414)] (. . .) – الحديث وما بعده
وقوله: (آل محمد)، أي: آل النبي ?، وأهله الأدنون، وعشيرته الأقربون، وقال في «المغرب»: وأهل الرجل: امرأته، وولده، والذين في عياله، ونفقته [«فيض القدير» (5) / (199)]. والحديث متفق عليه.
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[(7416)] (. . .) – الحديث وما بعده
(يومين من خبز بر، إلا وأحدهما تمر) وفي رواية البخاري: «ما أكل آل محمد ? أكلتين في يوم إلا إحداهما تمر»، قال في «الفتح»: فيه إشارة إلى أن التمر كان أيسر عندهم من غيره، وفيه إشارة إلى أنهم ربما لم يجدوا في اليوم إلا أكلة واحدة، فإن وجدوا أكلتين، فإحداهما تمر، وقد أخرج ابن سعد من طريق عمران بن يزيد المدني، حدثني والدي، قال: دخلنا على عائشة، فقالت: خرج – تعني: النبي ? من الدنيا، ولم يملأ بطنه في يوم من طعامين، كان إذا شبع من التمر، لم يشبع من الشعير، وإذا شبع من الشعير، لم يشبع من التمر. وليس في هذا ما يدل على ترك الجمع بين لونين، فقد ترجم البخاري في «الأطعمة» من «صحيحه» للجواز، وأورد حديث: «كان يأكل القثاء بالرطب» [«الفتح» (14) / (591)].
والحديث متفق عليه.
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[(7419)] ((2972)) – (حدثنا عمرو الناقد، حدثنا عبدة بن سليمان، قال: ويحيى بن يمان، حدثنا عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: إن كنا آل محمد ? لنمكث شهرا، ما نستوقد بنار، إن هو إلا التمر والماء).
[تنبيه]: قوله: (قال: ويحيى بن يمان) فاعل «قال» ضمير عمرو الناقد، فهو يروي هذا الحديث عن عبدة بن سليمان، ويحيى بن يمان، كلاهما عن هشام بن عروة، فقوله: «ويحيى بن يمان» مبتدأ خبره قوله بعده: «حدثنا عن هشام»، فتنبه.
وقد تكلم الحافظ أبو علي الجياني في هذا الإسناد، [«تقييد المهمل» (3) / (935)]
وقولها: (إن كنا آل محمد ?) «إن» مخففة من الثقيلة بدليل دخول اللام الفارقة بعدها، و «آل محمد ?» منصوب على الاختصاص، أي: أخص آل محمد ?، وفيه دليل على أن الآل تدخل فيه الأزواج.
والحديث متفق عليه.
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[(7420)] (. . .) – الحديث.
وقوله: (إلا أن يأتينا اللحيم) بضم اللام تصغير لحم، وإنما صغر لقلته.
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[(7421)] ((2973)) – الحديث
شرح الحديث:
(عن عائشة) رض الله عنها؛ أنها (قالت: توفي) بالبناء للمفعول، (رسول الله ?، و) الحال أنه (ما في رفي) – بفتح الراء، وتشديد الفاء -: خشبة عريضة، يغرز طرفاها في الجدار، وهو شبه الطاق في البيوت، قاله في «العمدة»، وقال في «الفتح»: قال الجوهري: الرف: شبه الطاق في الحائط، وقال عياض: الرف خشب يرتفع عن الأرض في البيت، يوضع فيه ما يراد حفظه، قال الحافظ: والأول أقرب للمراد. انتهى [«الفتح» (14) / (572)].
(إلا شطر شعير)؛ أي: نصفه، والمراد هنا: نصف وسق شعير، وقال في «الفتح»: المراد بالشطر هنا: البعض، والشطر يطلق على النصف، وعلى ما قاربه، وعلى الجهة، وليست مرادة هنا، ويقال: أرادت نصف وسق. انتهى [«الفتح» (14) / (572)].
(في رف لي، فأكلت منه حتى طال علي) زمن أكله، (فكلته)، بكسر الكاف، (ففني) بكسر النون؛ أي: فرغ، ونفد، تعني أنها ما زالت تأكل منه قبل أن تكيله، فلما كالته نفد، وفرغ.
قال ابن بطال رحمه الله: حديث عائشة رضي الله عنها هذا في معنى حديث أنس رضي الله عنه في الأخذ من العيش بالاقتصاد، وما يسد الجوعة.
فتعقبه الحافظ، فقال: إنما يكون كذلك لو وقع بالقصد إليه، والذي يظهر أنه ? كان يؤثر بما عنده، فقد ثبت في «الصحيحين» أنه كان إذا جاءه ما فتح الله عليه من خيبر، وغيرها، من تمر، وغيره، يدخر قوت أهله سنة، ثم يجعل ما بقي عنده عدة في سبيل الله تعالى، ثم كان مع ذلك إذا طرأ عليه طارئ، أو نزل به ضيف يشير على أهله بإيثارهم، فربما أدى ذلك إلى نفاد ما عندهم، أو معظمه.
وقد روى البيهقي من وجه آخر عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «ما شبع رسول الله ? ثلاثة أيام متوالية، ولو شئنا لشبعنا، ولكنه كان يؤثر على نفسه»، والله تعالى أعلم.
وحديث عائشة رضي الله عنها، هذا متفق عليه.
فقه وفوائد الحديث:
(1) – (منها): بيان ما كان عليه أزواج النبي ? من قلة المعيشة، وصبرهن على ذلك.
(2) – (ومنها): بيان معجزة للنبي ? في تكثيره طعام عائشة رضي الله عنها، فكانت تأكل منه، وتنفق على المحتاجين حتى طال عليها الوقت، فكالته، فنفد.
(3) – (ومنها): ما قاله ابن بطال: فيه أن الطعام المكيل يكون فناؤه معلوما للعلم بكيله، وأن الطعام غير المكيل فيه البركة؛ لأنه غير معلوم مقداره.
وتعقبه الحافظ، فقال: في تعميم كل الطعام بذلك نظر، والذي يظهر أنه كان من الخصوصية لعائشة رضي الله عنها ببركة النبي ?، وقد وقع مثل ذلك في حديث جابر الآتي بعد، ووقع مثل ذلك في مزود أبي هريرة الذي أخرجه الترمذي، وحسنه، والبيهقي في «الدلائل» من طريق أبي العالية، عن أبي هريرة: «أتيت رسول الله ? بتمرات، فقلت: ادع لي فيهن بالبركة، قال: فقبض، ثم دعا، ثم قال: خذهن، فاجعلهن في مزود، فإذا أردت أن تأخذ منهن، فأدخل يدك، فخذ، ولا تنثر بهن نثرا، فحملت من ذلك كذا وكذا وسقا في سبيل الله، وكنا نأكل، ونطعم، وكان المزود معلقا بحقوي، لا يفارقه، فلما قتل عثمان انقطع».
وأخرجه البيهقي أيضا من طريق سهل بن زياد، عن أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة، مطولا، وفيه: «فأدخل يدك، فخذ، ولا تكفئ، فيكفأ عليك»، ومن طريق يزيد بن أبي منصور، عن أبيه، عن أبي هريرة نحوه.
ونحوه ما وقع في عكة المرأة، وهو ما أخرجه مسلم من طريق أبي الزبير، عن جابر: «أن أم مالك كانت تهدي للنبي ? في عكة لها سمنا، فيأتيها بنوها، فيسألون الأدم، فتعمد إلى العكة، فتجد فيها سمنا، فما زال يقيم لها أدم بيتها، حتى عصرته، فأتت النبي ?، فقال: لو تركتها ما زال قائما».
(4) – (ومنها): أنه قد استشكل هذا النهي مع الأمر بكيل الطعام، وترتيب البركة على ذلك، كما في حديث المقدام بن معد يكرب، مرفوعا: «كيلوا طعامكم يبارك لكم فيه».
وأجيب:
بأن الكيل عند المبايعة مطلوب، من أجل تعلق حق المتبايعين، فلهذا القصد يندب، وأما الكيل عند الإنفاق، فقد يبعث عليه الشح، فلذلك كره، ويؤيده ما أخرجه مسلم من طريق معقل بن عبيد الله، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه: «أن رجلا أتى النبي ? يستطعمه، فأطعمه شطر وسق شعير، فما زال الرجل يأكل منه، وامرأته، وضيفهما حتى كاله، فأتى النبي ?، فقال: لو لم تكله لأكلتم منه، ولقام لكم».
(5) – (ومنها): ما قاله القرطبي: سبب رفع النماء من ذلك عند الحصر والكيل – والله أعلم – الالتفات بعين الحرص، مع معاينة إدرار نعم الله، ومواهب كراماته، وكثرة بركاته، والغفلة عن الشكر عليها، والثقة بالذي وهبها، والميل إلى الأسباب المعتادة عند مشاهدة خرق العادة.
(6) – (ومنها): أنه يستفاد منه أن من رزق شيئا، أو أكرم بكرامة، أو لطف به في أمر ما، فالمتعين عليه موالاة الشكر، ورؤية المنة لله تعالى، ولا يحدث في تلك الحالة تغييرا، والله أعلم.
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[(7422)] ((2972)) -الحديث
شرح الحديث:
(وما أوقد) بالبناء للمفعول، من الإيقاد، (في أبيات رسول الله ? نار)
ووقع في رواية سعيد، عن أبي هريرة، عند ابن سعد: «كان يمر برسول الله ? هلال، ثم هلال، ثم هلال، لا يوقد في شيء من بيوته نار، لا لخبز، ولا لطبخ»، وفي رواية ابن ماجه من طريق أبي سلمة، عن عائشة بلفظ: «لقد كان يأتي على آل محمد الشهر، ما يرى في بيت من بيوته الدخان».
قال في «الفتح»: قولها: «الأسودان: التمر والماء»، وفي حديث أبي هريرة: «قالوا: بأي شيء كانوا يعيشون» نحوه، وفي هذا إشارة إلى ثاني الحال بعد أن فتحت قريظة، وغيرها، ومن هذا ما أخرجه الترمذي من حديث الزبير: «قال: لما نزلت: {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ((8))} [التكاثر: (8)] قلت: وأي نعيم نسأل عنه، وإنما هو الأسودان التمر والماء؟، قال: إنه سيكون «، قال الصغاني: الأسودان يطلق على التمر والماء، والسواد للتمر دون الماء، فنعتا بنعت واحد تغليبا، وإذا اقترن الشيئان سميا باسم أشهرهما،
(إلا أنه)؛ أي: الحال والشأن، (قد كان لرسول الله ? جيران) بكسر الجيم، زاد الإسماعيلي من طريق محمد بن الصباح، عن عبد العزيز: «نعم الجيران كانوا»، وفي رواية أبي سلمة: «جيران صدق»، (من الأنصار) زاد أبو هريرة في حديثه: «جزاهم الله خيرا»، (وكانت لهم منائح) جمع منيحة – بفتح الميم، وكسر النون، وسكون الياء، وفي آخره جاء مهملة – وهي ناقة، أو شاة تعطيها غيرك، ليحتلبها، ثم يردها عليك، وقد تكون المنيحة عطية للرقبة بمنافعها مؤبدة، مثل الهبة، وقال الفراء: منحته منيحة، وهي الناقة، والشاة يعطيها الرجل لآخر يحلبها، ثم يردها، وزعم بعضهم أن المنيحة لا تكون إلا ناقة، وقال أبو عبيد: المنيحة عند العرب على وجهين: أن يعطي الرجل صاحب صلة، فيكون له، وأن يمنحه ناقة، أو شاة، ينتفع بحلبها، ووبرها، وصوفها زمنا، ثم يردها، وقال إبراهيم الحربي: العرب تقول: منحتك الناقة، وأنحلتك الوبر، وأعريتك النخلة، وأعمرتك الدار، وهذه كلها هبة منافع، يعود بعدها مثلها [«عمدة القاري» (13) / (127)].
(فكانوا) هؤلاء الجيران، (يرسلون) وفي رواية البخاري: «يمنحون» من المنح، وهو العطاء،
وروى الترمذي، وصححه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «كان النبي ? يبيت الليالي المتتابعة، وأهله طاوين، لا يجدون عشاء».
وروى ابن ماجه من حديث أبي هريرة: «أتى النبي بطعام سخن، فأكل، فلما فرغ قال: الحمد لله ما دخل بطني طعام سخن منذ كذا وكذا»، وسنده حسن. (ضعيف سنن ابماجه)
ومن شواهد الحديث: ما أخرجه ابن ماجه بسند صحيح، عن أنس: «سمعت رسول الله ? يقول مرارا: والذي نفس محمد بيده، ما أصبح عند آل محمد صاع حب، ولا صاع تمر، وإن له يومئذ لتسع نسوة»، وله شاهد عند ابن ماجه عن ابن مسعود رضي الله عنه، والله تعالى أعلم.
وحديث عائشة رضي الله عنها هذا متفق عليه
فقه وفوائد الحديث:
(1) – (منها): بيان ما كان عليه النبي ? من الزهد في الدنيا، والصبر على التقلل، وأخذ البلغة من العيش، وإيثار الآخرة على الدنيا.
(2) – (ومنها): بيان ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم من الصبر على مشاق الحياة؛ نصرة لرسول الله ?، وجهادا في سبيل الله تعالى معه، وإلا فلو خرجوا إلى البلدان الأخرى لوجدوا سعة من العيش، ولكنهم آثروا الصبر عليه، فكان جزاؤهم الجنة بمقتضى الوعد السابق: {وكلا وعد الله الحسنى} [الحديد: (10)]، وقال: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ((101)) لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون ((102))} [الأنبياء: (101)، (102)].
(3) – (ومنها): أن فيه فضل الزهد، وإيثار الواجد للمعدم، والاشتراك فيما في الأيدي.
(4) – (ومنها): جواز ذكر المرء ما كان فيه من الضيق، بعد أن يوسع الله عليه؛ تذكيرا بنعمه، وليتأسى به غيره.
(5) – (ومنها): أن فيه حجة لمن آثر الفقر على الغنى.
(6) – (ومنها): ما قاله ابن بطال رحمه الله: في هذه الأحاديث جواز الشبع، وإن كان تركه أحيانا أفضل، وقد ورد عن سليمان، وأبي جحيفة، أن النبي ? قال: «إن أكثر الناس شبعا في الدنيا أطولهم جوعا في الآخرة».
وقال الطبري: الشبع وإن كان مباحا، فإن له حدا ينتهي إليه، وما زاد على ذلك سرف، والمطلق منه ما أعان الأكل على طاعة ربه، ولم يشغله ثقله عن أداء ما وجب عليه.
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[(7424)] ((2975)) – الحديث
شرح الحديث:
(عن عائشة) رضي الله عنها؛ أنها (قالت: توفي رسول الله ? حين شبع الناس) وفي رواية البخاري: «حين شبعنا»، (من الأسودين: التمر، والماء) قال في «الفتح»: وفيه إشارة إلى أن شبعهم لم يقع قبل زمان وفاته، قاله الكرماني، وتعقبه الحافظ، فقال: لكن ظاهره غير مراد، وقد تقدم – أي: عند البخاري – في غزوة خيبر من طريق عكرمة، عن عائشة: «قالت: لما فتحت خيبر، قلنا: الآن نشبع من التمر»، ومن حديث ابن عمر: «قال: ما شبعنا حتى فتحنا خيبر»، فالمراد أنه ? شبع حين شبعوا، واستمر شبعهم، وابتداؤه من فتح خيبر، وذلك قبل موته ? بثلاث سنين، ومراد عائشة بما أشارت إليه من الشبع، هو من التمر خاصة دون الماء، لكن قرنته به إشارة إلى أن تمام الشبع حصل بجمعهما، فكأن الواو فيه بمعنى «مع»؛ لا أن الماء وحده يوجد الشبع منه، ولما عبرت عن التمر بوصف واحد، وهو السواد، عبرت عن الشبع والري بفعل واحد، وهو الشبع. انتهى [«الفتح» (12) / (297) – (298)، «كتاب الأطعمة» رقم ((5383))].
قولها: «وَمَا شَبِعْنَا مِنَ الْأَسْوَدَيْنِ»: وفي الرواية التي قبلها: «وَقَدْ شَبِعْنَا مِنَ الْأَسْوَدَيْنِ»: توجيه الثانية: شبعنا من الأسودين لما فُتحت خيبر، وتوجيه الأولى: «وَمَا شَبِعْنَا مِنَ الْأَسْوَدَيْنِ»، يعني: أن أغلب الناس ما شبعوا، وإن كان بعضهم قد شبع.
وحديث عائشة رضي الله عنها هذا متفق عليه.
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[(7425)] (. . .) – الحديث وما بعده
والحاصل: أن الصواب لفظ: «وقد شبعنا من الأسودين»، فتنبه، والله تعالى أعلم.
[(7428)] (. . .) – الحديث
وقوله: (يشير بإصبعه مرارا) لم يبين جهة الإشارة، ولعله يشير إلى جهة قبر النبي ?، أو إلى السماء إشارة إلى علو الله عزوجل، والله تعالى أعلم.
والحديث متفق عليه.
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[(7432)] ((2979)) – الحديث
شرح الحديث:
وكأن ذلك الرجل قال: ألسنا من الفقراء الذين يستحقون من الفيء سهما بنص القرآن؟ وكأنه أنجز له مع ذلك الالتفات إلى الفقراء المهاجرين، وتبجح به، فأجابه، عبد الله بما يكسر ذلك منه، ويزيل آفة الالتفات إلى الأعمال بما يقتضي أن الأحق باسم الفقراء المهاجرين من كان متجردا عن الأهل والمسكن، كما كان حال أهل الصفة في أول الأمر، وصار معنى هذا الحديث إلى نحو قوله ?: «ليس الشديد بالصرعة» [متفق عليه]، و «ليس المسكين بالطواف» [متفق عليه]، فكأن عبد الله قال له: ليس الفقير الذي تكون له زوجة، ومسكن، وإنما الفقير المتجرد عن ذلك، ولم يرد أن من كان فقيرا مهاجريا، له زوجة ومسكن أنه لا يستحق من الفيء شيئا؛ لأن صاحب العيال الفقير أشد فاقة وبلاء، ولأنه خلاف ما وقع لهم، فإن النبي ? كان يعطيهم بحسب فاقتهم، وحاجتهم، ويفضل في العطاء من له عيال على من ليس كذلك، وكذلك فعل الخليفتان بعده، على ما هو المعلوم من حالهما، وإن حمل قول عبد الله على ظاهره لزم عليه أن من كان له زوجة ومسكن لا غير ذلك، لم يعد من الفقراء المهاجرين الذين وصفهم الله تعالى، والذين يسبقون إلى الجنة، فيلزم أن لا يكون أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان، ولا علي من الفقراء من السابقين إلى الجنة، وذلك باطل قطعا. انتهى [«المفهم» (7) / (132)].
وقال القرطبي رحمه الله: قوله: «أنت من الملوك» لما أخبره أن له خادما على جهة الإغياء، والمبالغة، لا أنه ألحقه بالملوك حقيقة، ولا بالأغنياء، ولا سلبه ذلك اسم الفقراء؛ إذ لم يكن له غير ما ذكر، والله تعالى أعلم [«المفهم» (7) / (133)].
وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما هذا من أفراد المصنف رحمه الله تعالى.
فقه وفوائد الحديث:
(1) – (منها): بيان فضل الفقر، وقد اختلف العلماء في تفضيل الفقر على الغنى، وعكسه، وقد حققته في غير هذا المحل.
(2) – (ومنها): بيان أن من له زوجة، ومسكن يسكنه ليس من الفقراء، لكن هذا إذا كان له كفاية، وإلا فهو فقير، وكذلك كون من له خادم من الملوك إذا كانت له كفايته، وإلا فلا.
(3) – (ومنها): ما قاله القرطبي رحمه الله: قوله ?: «إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفا» هذا الحديث اختلفت ألفاظ الرواة فيه عن النبي ?، فروى عبد الله بن عمرو بالحديث المتقدم، وروى الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله ?: «فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بخمسمئة عام». قال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.
ويروى أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ?: “يدخل الفقراء الجنة قبل أغنيائهم بخمسمئة عام، نصف يوم»، قال: هذا حديث حسن صحيح.
وفي طريق أخرى: «يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم، وهو خمسمئة عام»، وقال: حديث حسن صحيح.
وروي أيضا عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن رسول الله ? قال: «يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفا». تقدم في «المقدمة». قال: هذا حديث حسن صحيح.
فاختلفت هذه الأحاديث في أي الفقراء هم السابقون؟، وفي مقدار المدة التي بها يسبقون، فهذان موضعان، ويرتفع الخلاف عن الموضع الأول بأن يرد مطلق حديث أبي هريرة رضي الله عنه إلى مقيد روايته الأخرى، ورواية جابر رضي الله عنه، فيعني بالفقراء فقراء المسلمين، وحينئذ يكون حديث عبد الله بن عمرو، وحديث أبي سعيد مخصوصا بفقراء المهاجرين، وحديث أبي هريرة، وجابر يعم جميع فقراء قرون المسلمين، فيدخل الجنة فقراء كل قرن قبل أغنيائهم بالمقدار المذكور، وهذه طريقة حسنة، ونزيدها وضوحا بما قد صح عنه ? أنه قال: «أصحاب الجنة محبوسون على قنطرة بين الجنة والنار، يسألون عن فضول أموال كانت بأيديهم»، وهذا واضح.
وأما الموضع الثاني فقد تقدم أن الخريف هو العام هنا، وأصل الخريف فصل من فصول السنة، وهو الفصل الذي تخترف فيه الثمار؛ أي: تجتنى، فسمي العام بذلك.
ويمكن الجمع بين الأربعين، وبين حديث الخمسمئة عام، بأن سباق الفقراء يدخلون قبل سباق الأغنياء بأربعين عاما، وغير سباق الأغنياء بخمسمئة عام؛ إذ في كل صنف من الفريقين سباق، والله أعلم.
قال: وهذه الأحاديث حجة واضحة على تفضيل الفقر على الغنى، ويتقرر ذلك من وجهين:
أحدهما: أن النبي ? قال هذا لجبر كسر قلوب الفقراء، ويهون عليهم ما يجدونه من مرارة الفقر، وشدائده بمزية تحصل لهم في الدار الآخرة على الأغنياء، عوضا لهم عما حرموه من الدنيا، وصبرهم، ورضاهم بذلك.
وثانيهما: أن السبق إلى الجنة، ونعيمها أولى من التأخر عنها بالضرورة، فهو أفضل.
وثالثها: أن السبق إلى الفوز من أهوال يوم القيامة، والصراط أولى من المقام في تلك الأهوال بالضرورة، فالسابق إلى ذلك أفضل بالضرورة، وحينئذ لا يلتفت لقول من قال: إن السبق إلى الجنة لا يدل على أفضلية السابق، وزخرف ذلك بأن النبي ? أفضل الخليقة، ومع ذلك فدخوله الجنة متأخر عن دخول هؤلاء الفقراء؛ لأنهم يدخلون قبله، وهو في أرض القيامة، تارة عند الميزان، وتارة عند الصراط، وتارة عند الحوض، كما قد أخبر عن ذلك فيما صح عنه.
قال القرطبي: وهذا قول باطل، صدر عمن هو بما ذكرناه، وبالنقل جاهل، فكأنه لم يسمع ما تقدم في «كتاب الإيمان» من قوله ?: «أنا أول من يقرع باب الجنة، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: أنا محمد، فيقول الخازن: بك، أمرت لا أفتح لأحد قبلك»، وفي حديث أنه ? قال: «أنا أول من يدخل الجنة، ومعي فقراء المهاجرين»، وعلى هذا فيدخل الجنة، ويتسلم ما أعد له فيها، ويبوء الفقراء منازلهم، ثم يرجع إلى أرض القيامة؛ ليخلص أمته بمقتضى ما جعل الله في قلبه من الحنو على أمته، والشفقة عليهم، والرأفة بهم، فيلازمهم في أوقات شدائدهم، ويسعى في نجاتهم، فيحضرهم عند وزن أعمالهم، ويسقيهم عند ظمئهم، ويدعو لهم بالسلامة عند جوازهم، ويشفع لمن دخل النار منهم، وهو مع ذلك كله في أعلى نعيم الجنة الذي هو غاية القرب من الحق، والجاه الذي لم ينله أحد غيره من الخلق، ولذة النظر إلى وجه الله الكريم، وسماع كلامه الحكيم بألطف خطاب، وأكرم تكليم، كيف لا؟ وهو يسمع: «يا محمدا قل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فيقول: أمتي، أمتي، أمتي، فيقال: انطلق فأدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن»، وهذه خطوة لا تتسع لها العبارات، ولا تحيط بها الإشارات، حشرنا الله تعالى في زمرته، ولا خيبنا من شفاعته.
قال القاضي أبو الفضل رحمه الله: ويحتمل أن هؤلاء السابقين إلى الجنة يتنعمون في أفنيتها، وظلالها، ويتلذذون بما هم فيه إلى أن يدخل محمد ? بعد
تمام شفاعته، ثم يدخلونها معه على قدر منازلهم، وسبقهم، والله تعالى أعلم.
وتعقبه القرطبي رحمه الله قائلا: وهذا لا يحتاج إلى تقديره؛ لأن الذي هو فيه من النعيم ربما ذكرناه أعلى وأشرف مما هم فيه، فلا يكون سبقهم لأدون النعيمين أشرف ممن سبق إلى أعظمهما، وهذا واضح. انتهى كلام القرطبي رحمه الله، وهو بحث نفيس، والله تعالى أعلم. [البحر المحيط الثجاج للإتيوبي رحمه الله، (45/ 126 – 167) بتصرف].
قال ابن كثير: فَصْلٌ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ يَسْبِقُونَ الْأَغْنِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى الْجَنَّةِ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا]
فَصْلٌ
وَثَبَتَ فِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ»، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ? قَالَ: ««فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ يَسْبِقُونَ الْأَغْنِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى الْجَنَّةِ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا»». وَكَذَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ، مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَصَحَّحَهُ، وَأَنَسٍ وَاسْتَغْرَبَهُ، وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَصَحَّحَهُ وَأَبِي سَعِيدٍ وَحَسَّنَهُ: «بِنِصْفِ يَوْمٍ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ». وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا كُلُّهُ.
قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ هَذَا مَحْفُوظًا كَمَا صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ دُخُولِ أَوَّلِ الْفُقَرَاءِ وَآخِرِ الْأَغْنِيَاءِ، وَتَكُونُ الْأَرْبَعُونَ خَرِيفًا بِاعْتِبَارِ مَا بَيْنَ دُخُولِ آخِرِ الْفُقَرَاءِ وَأَوَّلِ الْأَغْنِيَاءِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الْقُرْطُبِيُّ فِي ” التَّذْكِرَةِ، حَيْثُ قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْفُقَرَاءِ وَالْأَغْنِيَاءِ. يُشِيرُ إِلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.
البداية والنهاية ت التركي (20) / (442)
((5)) قال ابن عبدالبر: “ولم يكن غناه ? أَكْثَرَ مِنْ إِيجَادِ قُوتِ سَنَةٍ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَكَانَ الْغِنَى كُلُّهُ فِي قَلْبِهِ ثِقَةً بِرَبِّهِ وَسُكُونًا إِلَى أَنَّ الرِّزْقَ مَقْسُومٌ يَأْتِيهِ مِنْهُ مَا قُدِّرَ لَهُ وَكَذَلِكَ قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ يَا عَبْدَ اللَّهِ! لَا يَكْثُرُ هَمُّكَ مَا يُقَدَّرُ يَكُنْ وَمَا يُقَدَّرُ يَاتِيكَ
وَقَالَ إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رَوعِي فَقَالَ لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا فَاتَّقَوْا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ خُذُوا مَا حَلَّ وَدَعُوا مَا حَرَّمَ
فَغِنَى النَّفْسِ يُعِينُ عَلَى هَذَا كُلِّهِ وَغِنَى الْمُؤْمِنِ الْكِفَايَةُ وَكَذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ ? يَقُولُ اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا وَلَمْ يُرِدْ بِهِمْ إِلَّا الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ لَهُمْ وَقَالَ مَا قَلَّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى
وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ إِذَا كَانَ مَا يَكْفِيكَ لَا يُغْنِيكَ فَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا شَيْءٌ يُغْنِيكَ
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ? يَسْتَعِيذُ بِاللَّهِ مِنْ فَقْرٍ مُسْرِفٍ وَغِنًى مُطْغٍ
وَفِي هَذَا دَلِيلٌ بَيِّنٌ أَنَّ الْغِنَى وَالْفَقْرَ طَرَفَانِ وَغَايَتَانِ مَذْمُومَتَانِ”. (الاستذكار لابن عبدالبر (2) / (522))