(2964 إلى 2969) فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
مجموعة: أحمد بن علي، ومحمد البلوشي
وسلطان الحمادي وأحمد بن خالد وعمر الشبلي ومحمد سيفي وعدنان البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
جاء في صحيح الإمام مسلم رحمه الله من ((56)) – (كِتَابُ: الزُّهْدِ، وَالرَّقَائِقِ)،
تابع للباب الأول:
(10) – ((2964)) حَدَّثَنا شَيْبانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنا هَمّامٌ، حَدَّثَنا إسْحاقُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أبِي طَلْحَةَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أبِي عَمْرَةَ، أنَّ أبا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ، أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ?، يَقُولُ: «إنَّ ثَلاثَةً فِي بَنِي إسْرائِيلَ: أبْرَصَ، وأقْرَعَ، وأعْمى، فَأرادَ اللهُ أنْ يَبْتَلِيَهُمْ، فَبَعَثَ إلَيْهِمْ مَلَكًا، فَأتى الأبْرَصَ، فَقالَ: أيُّ شَيْءٍ أحَبُّ إلَيْكَ؟ قالَ: لَوْنٌ حَسَنٌ، وجِلْدٌ حَسَنٌ، ويَذْهَبُ عَنِّي الَّذِي قَدْ قَذِرَنِي النّاسُ، قالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ قَذَرُهُ، وأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا وجِلْدًا حَسَنًا، قالَ: فَأيُّ المالِ أحَبُّ إلَيْكَ؟ قالَ: الإبِلُ – أوْ قالَ البَقَرُ، شَكَّ إسْحاقُ – إلّا أنَّ الأبْرَصَ، أوِ الأقْرَعَ، قالَ أحَدُهُما: الإبِلُ، وقالَ الآخَرُ: البَقَرُ، قالَ: فَأُعْطِيَ ناقَةً عُشَراءَ، فَقالَ: بارَكَ اللهُ لَكَ فِيها، قالَ: فَأتى الأقْرَعَ، فَقالَ: أيُّ شَيْءٍ أحَبُّ إلَيْكَ؟ قالَ: شَعَرٌ حَسَنٌ ويَذْهَبُ عَنِّي هَذا الَّذِي قَدْ قَذِرَنِي النّاسُ، قالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ، وأُعْطِيَ شَعَرًا حَسَنًا، قالَ: فَأيُّ المالِ أحَبُّ إلَيْكَ؟ قالَ: البَقَرُ، فَأُعْطِيَ بَقَرَةً حامِلًا، فَقالَ: بارَكَ اللهُ لَكَ فِيها، قالَ: فَأتى الأعْمى، فَقالَ: أيُّ شَيْءٍ أحَبُّ إلَيْكَ؟ قالَ: أنْ يَرُدَّ اللهُ إلَيَّ بَصَرِي، فَأُبْصِرَ بِهِ النّاسَ، قالَ: فَمَسَحَهُ فَرَدَّ اللهُ إلَيْهِ بَصَرَهُ، قالَ: فَأيُّ المالِ أحَبُّ إلَيْكَ؟ قالَ: الغَنَمُ، فَأُعْطِيَ شاةً والِدًا، فَأُنْتِجَ هَذانِ ووَلَّدَ هَذا، قالَ: فَكانَ لِهَذا وادٍ مِنَ الإبِلِ، ولِهَذا وادٍ مِنَ البَقَرِ،
ولِهَذا وادٍ مِنَ الغَنَمِ، قالَ: ثُمَّ إنَّهُ أتى الأبْرَصَ فِي صُورَتِهِ وهَيْئَتِهِ، فَقالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ، قَدِ انْقَطَعَتْ بِيَ الحِبالُ فِي سَفَرِي، فَلا بَلاغَ لِي اليَوْمَ إلّا بِاللهِ ثُمَّ بِكَ، أسْألُكَ بِالَّذِي أعْطاكَ اللَّوْنَ الحَسَنَ، والجِلْدَ الحَسَنَ، والمالَ بَعِيرًا، أتَبَلَّغُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِي، فَقالَ: الحُقُوقُ كَثِيرَةٌ، فَقالَ لَهُ: كَأنِّي أعْرِفُكَ، ألَمْ تَكُنْ أبْرَصَ يَقْذَرُكَ النّاسُ؟ فَقِيرًا فَأعْطاكَ اللهُ؟ فَقالَ: إنَّما ورِثْتُ هَذا المالَ كابِرًا عَنْ كابِرٍ، فَقالَ: إنْ كُنْتَ كاذِبًا، فَصَيَّرَكَ اللهُ إلى ما كُنْتَ، قالَ: وأتى الأقْرَعَ فِي صُورَتِهِ، فَقالَ لَهُ مِثْلَ ما قالَ لِهَذا، ورَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ ما رَدَّ عَلى هَذا، فَقالَ: إنْ كُنْتَ كاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللهُ إلى ما كُنْتَ، قالَ: وأتى الأعْمى فِي صُورَتِهِ وهَيْئَتِهِ، فَقالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ وابْنُ سَبِيلٍ، انْقَطَعَتْ بِيَ الحِبالُ فِي سَفَرِي، فَلا بَلاغَ لِي اليَوْمَ إلّا بِاللهِ، ثُمَّ بِكَ، أسْألُكَ بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ، شاةً أتَبَلَّغُ بِها فِي سَفَرِي، فَقالَ: قَدْ كُنْتُ أعْمى فَرَدَّ اللهُ إلَيَّ بَصَرِي، فَخُذْ ما شِئْتَ، ودَعْ ما شِئْتَ، فَواللهِ لا أجْهَدُكَ اليَوْمَ شَيْئًا أخَذْتَهُ لِلَّهِ، فَقالَ: أمْسِكْ مالَكَ، فَإنَّما ابْتُلِيتُمْ، فَقَدْ رُضِيَ عَنْكَ وسُخِطَ عَلى صاحِبَيْكَ».
(11) – ((2965)) حَدَّثَنا إسْحاقُ بْنُ إبْراهِيمَ، وعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ العَظِيمِ – واللَّفْظُ لِإسْحاقَ، قالَ عَبّاسٌ: حَدَّثَنا، وقالَ إسْحاقُ: أخْبَرَنا – أبُو بَكْرٍ الحَنَفِيُّ، حَدَّثَنا بُكَيْرُ بْنُ مِسْمارٍ، حَدَّثَنِي عامِرُ بْنُ سَعْدٍ، قالَ: كانَ سَعْدُ بْنُ أبِي وقّاصٍ فِي إبِلِهِ، فَجاءَهُ ابْنُهُ عُمَرُ، فَلَمّا رَأَىهُ سَعْدٌ قالَ: أعُوذُ بِاللهِ مِن شَرِّ هَذا الرّاكِبِ، فَنَزَلَ فَقالَ لَهُ: أنَزَلْتَ فِي إبِلِكَ وغَنَمِكَ، وتَرَكْتَ النّاسَ يَتَنازَعُونَ المُلْكَ بَيْنَهُمْ؟ فَضَرَبَ سَعْدٌ فِي صَدْرِهِ، فَقالَ: اسْكُتْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ?، يَقُولُ: «إنَّ اللهَ يُحِبُّ العَبْدَ التَّقِيَّ، الغَنِيَّ، الخَفِيَّ»
(12) – ((2966)) حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ حَبِيبٍ الحارِثِيُّ، حَدَّثَنا المُعْتَمِرُ، قالَ: سَمِعْتُ إسْماعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ سَعْدٍ، ح وحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنا أبِي، وابْنُ بِشْرٍ، قالا: حَدَّثَنا إسْماعِيلُ، عَنْ قَيْسٍ، قالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أبِي وقّاصٍ، يَقُولُ: «واللهِ إنِّي لَأوَّلُ رَجُلٍ مِنَ العَرَبِ، رَمى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، ولَقَدْ كُنّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللهِ ?، ما لَنا طَعامٌ نَاكُلُهُ إلّا ورَقُ الحُبْلَةِ وهَذا السَّمُرُ، حَتّى إنَّ أحَدَنا لَيَضَعُ كَما تَضَعُ الشّاةُ»، ثُمَّ أصْبَحَتْ بَنُو أسَدٍ تُعَزِّرُنِي عَلى الدِّينِ، لَقَدْ خِبْتُ، إذًا وضَلَّ عَمَلِي، ولَمْ يَقُلِ ابْنُ نُمَيْرٍ: إذًا.
(13) – ((2966)) وحَدَّثَناهُ يَحْيى بْنُ يَحْيى، أخْبَرَنا وكِيعٌ، عَنْ إسْماعِيلَ بْنِ أبِي خالِدٍ، بِهَذا الإسْنادِ، وقالَ: حَتّى إنْ كانَ أحَدُنا لَيَضَعُ كَما تَضَعُ العَنْزُ، ما يَخْلِطُهُ بِشَيْءٍ.
(14) – ((2967)) حَدَّثَنا شَيْبانُ بْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ المُغِيرَةِ، حَدَّثَنا حُمَيْدُ بْنُ هِلالٍ، عَنْ خالِدِ بْنِ عُمَيْرٍ العَدَوِيِّ، قالَ: خَطَبَنا عُتْبَةُ بْنُ غَزْوانَ، فَحَمِدَ اللهَ وأثْنى عَلَيْهِ، ثُمَّ قالَ: أمّا بَعْدُ، «فَإنَّ الدُّنْيا قَدْ آذَنَتْ بِصَرْمٍ ووَلَّتْ حَذّاءَ، ولَمْ يَبْقَ مِنها إلّا صُبابَةٌ كَصُبابَةِ الإناءِ، يَتَصابُّها صاحِبُها، وإنَّكُمْ مُنْتَقِلُونَ مِنها إلى دارٍ لا زَوالَ لَها، فانْتَقِلُوا بِخَيْرِ ما بِحَضْرَتِكُمْ، فَإنَّهُ قَدْ ذُكِرَ لَنا أنَّ الحَجَرَ يُلْقى مِن شَفَةِ جَهَنَّمَ، فَيَهْوِي فِيها سَبْعِينَ عامًا، لا يُدْرِكُ لَها قَعْرًا، وواللهِ لَتُمْلَأنَّ، أفَعَجِبْتُمْ؟ ولَقَدْ ذُكِرَ لَنا أنَّ ما بَيْنَ مِصْراعَيْنِ مِن مَصارِيعِ الجَنَّةِ مَسِيرَةُ أرْبَعِينَ سَنَةً، ولَيَاتِيَنَّ عَلَيْها يَوْمٌ وهُوَ كَظِيظٌ مِنَ الزِّحامِ، ولَقَدْ رَأيْتُنِي سابِعَ سَبْعَةٍ مَعَ رَسُولِ اللهِ ?، ما لَنا طَعامٌ إلّا ورَقُ الشَّجَرِ، حَتّى قَرِحَتْ أشْداقُنا، فالتَقَطْتُ بُرْدَةً فَشَقَقْتُها بَيْنِي وبَيْنَ سَعْدِ بْنِ مالِكٍ، فاتَّزَرْتُ بِنِصْفِها واتَّزَرَ سَعْدٌ بِنِصْفِها، فَما أصْبَحَ اليَوْمَ مِنّا أحَدٌ إلّا أصْبَحَ أمِيرًا عَلى مِصْرٍ مِنَ الأمْصارِ، وإنِّي أعُوذُ بِاللهِ أنْ أكُونَ فِي نَفْسِي عَظِيمًا، وعِنْدَ اللهِ صَغِيرًا، وإنَّها لَمْ تَكُنْ نُبُوَّةٌ قَطُّ إلّا تَناسَخَتْ، حَتّى يَكُونَ آخِرُ عاقِبَتِها مُلْكًا، فَسَتَخْبُرُونَ وتُجَرِّبُونَ الأُمَراءَ بَعْدَنا».
(14) – وحَدَّثَنِي إسْحاقُ بْنُ عُمَرَ بْنِ سَلِيطٍ، حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ المُغِيرَةِ، حَدَّثَنا حُمَيْدُ بْنُ هِلالٍ، عَنْ خالِدِ بْنِ عُمَيْرٍ، وقَدْ أدْرَكَ الجاهِلِيَّةَ، قالَ: خَطَبَ عُتْبَةُ بْنُ غَزْوانَ، وكانَ أمِيرًا عَلى البَصْرَةِ، فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ شَيْبانَ.
(15) – ((2967)) حَدَّثَنا أبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنا وكِيعٌ، عَنْ قُرَّةَ بْنِ خالِدٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ خالِدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قالَ: سَمِعْتُ عُتْبَةَ بْنَ غَزْوانَ، يَقُولُ: «لَقَدْ رَأيْتُنِي سابِعَ سَبْعَةٍ مَعَ رَسُولِ اللهِ ?، ما طَعامُنا إلّا ورَقُ الحُبْلَةِ، حَتّى قَرِحَتْ أشْداقُنا».
(16) – ((2968)) حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ أبِي عُمَرَ، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أبِي صالِحٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، قالَ: قالُوا: يا رَسُولَ اللهِ هَلْ نَرى رَبَّنا يَوْمَ القِيامَةِ؟ قالَ: «هَلْ تُضارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ فِي الظَّهِيرَةِ، لَيْسَتْ فِي سَحابَةٍ؟» قالُوا: لا، قالَ: «فَهَلْ تُضارُّونَ فِي رُؤْيَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، لَيْسَ فِي سَحابَةٍ؟» قالُوا: لا، قالَ: «فَوالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تُضارُّونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ، إلّا كَما تُضارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أحَدِهِما، قالَ: فَيَلْقى العَبْدَ، فَيَقُولُ: أيْ فُلْ ألَمْ أُكْرِمْكَ، وأُسَوِّدْكَ، وأُزَوِّجْكَ، وأُسَخِّرْ لَكَ الخَيْلَ والإبِلَ، وأذَرْكَ تَرْأسُ وتَرْبَعُ؟ فَيَقُولُ: بَلى، قالَ: فَيَقُولُ: أفَظَنَنْتَ أنَّكَ مُلاقِيَّ؟ فَيَقُولُ: لا، فَيَقُولُ: فَإنِّي أنْساكَ كَما نَسِيتَنِي، ثُمَّ يَلْقى الثّانِيَ فَيَقُولُ: أيْ فُلْ ألَمْ أُكْرِمْكَ، وأُسَوِّدْكَ، وأُزَوِّجْكَ، وأُسَخِّرْ لَكَ الخَيْلَ والإبِلَ، وأذَرْكَ تَرْأسُ، وتَرْبَعُ، فَيَقُولُ: بَلى، أيْ رَبِّ فَيَقُولُ: أفَظَنَنْتَ أنَّكَ مُلاقِيَّ؟ فَيَقُولُ: لا، فَيَقُولُ: فَإنِّي أنْساكَ كَما نَسِيتَنِي، ثُمَّ يَلْقى الثّالِثَ، فَيَقُولُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَيَقُولُ: يا رَبِّ آمَنتُ بِكَ، وبِكِتابِكَ، وبِرُسُلِكَ، وصَلَّيْتُ، وصُمْتُ، وتَصَدَّقْتُ، ويُثْنِي بِخَيْرٍ ما اسْتَطاعَ، فَيَقُولُ: هاهُنا إذًا، قالَ: ثُمَّ يُقالُ لَهُ: الآنَ نَبْعَثُ شاهِدَنا عَلَيْكَ، ويَتَفَكَّرُ فِي نَفْسِهِ: مَن ذا الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيَّ؟ فَيُخْتَمُ عَلى فِيهِ، ويُقالُ لِفَخِذِهِ ولَحْمِهِ وعِظامِهِ: انْطِقِي، فَتَنْطِقُ فَخِذُهُ ولَحْمُهُ وعِظامُهُ بِعَمَلِهِ، وذَلِكَ لِيُعْذِرَ مِن نَفْسِهِ، وذَلِكَ المُنافِقُ وذَلِكَ الَّذِي
يَسْخَطُ اللهُ عَلَيْهِ».
(17) – ((2969)) حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ النَّضْرِ بْنِ أبِي النَّضْرِ، حَدَّثَنِي أبُو النَّضْرِ هاشِمُ بْنُ القاسِمِ، حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ الأشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدٍ المُكْتِبِ، عَنْ فُضَيْلٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ، قالَ: كُنّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ? فَضَحِكَ، فَقالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ أضْحَكُ؟» قالَ قُلْنا: اللهُ ورَسُولُهُ أعْلَمُ، قالَ: «مِن مُخاطَبَةِ العَبْدِ رَبَّهُ، يَقُولُ: يا رَبِّ ألَمْ تُجِرْنِي مِنَ الظُّلْمِ؟ قالَ: يَقُولُ: بَلى، قالَ: فَيَقُولُ: فَإنِّي لا أُجِيزُ عَلى نَفْسِي إلّا شاهِدًا مِنِّي، قالَ: فَيَقُولُ: كَفى بِنَفْسِكَ اليَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا، وبِالكِرامِ الكاتِبِينَ شُهُودًا، قالَ: فَيُخْتَمُ عَلى فِيهِ، فَيُقالُ لِأرْكانِهِ: انْطِقِي، قالَ: فَتَنْطِقُ بِأعْمالِهِ، قالَ: ثُمَّ يُخَلّى بَيْنَهُ وبَيْنَ الكَلامِ، قالَ فَيَقُولُ: بُعْدًا لَكُنَّ وسُحْقًا، فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُناضِلُ».
==========
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
تابع للباب السابق: لـ ((1)) – (باب: بيان كون الدنيا سجن المؤمن، وهوانها على الله تعالى، وغير ذلك)
وسبق تعريف الزهد: هو الانصراف عن الدنيا والإقبال على الله تعالى، دون التعلق الزائد بالنعم الدنيوية، مع استحضار أن الدنيا زائلة والآخرة هي المستقر.
وهذه الأحاديث والتي سبقت تبين التوازن بين الدنيا والآخرة، مع الشكر على النعم، هو السبيل الأمثل لتحقيق الزهد الحقيقي.
والمسلم لا يُطلب منه أن يترك الدنيا أو يحرم نفسه من نعمها، بل عليه أن يكون شكوراً معتدلاً، زاهداً فيما في يده، موقناً أن الدنيا دار فناء والآخرة دار بقاء.
بهذا التوازن، يعيش المسلم حياة طيبة في الدنيا، ويسعى إلى الفوز بالآخرة.
وقال الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله:
[(7401)] ((2964)) – الحديث
شرح الحديث:
وقوله: (أبرص)؛ أي: من أصابه البرص، وهو بياض يظهر في ظاهر البدن؛ لفساد المزاج. (وأقرع) هو الذي ذهب شعر رأسه لعلة وآفة، فإن كان لغير علة سمي أصلع. (وأعمى)؛ أي: من ذهب بصره
وقال في «المرقاة»: قوله: «أبرص، وأقرع، وأعمى» منصوبات على البدلية من «ثلاثة»، وقوله: «فأراد الله أن يبتليهم»؛ أي: يمتحنهم؛ ليعرفوا أنفسهم، أو ليعرفهم الناس، أو ليعلم تعالى أحوالهم علم ظهور، كما يعلمها علم بطون.
ووقع في رواية البخاري: «بدا لله أن يبتليهم» بتخفيف الدال المهملة بغير همز؛ أي: سبق في علم الله، فأراد إظهاره، وليس المراد أنه ظهر له بعد أن كان خافيا؛ لأن ذلك محال في حق الله تعالى.
قال في «الفتح»: وقد أخرجه مسلم عن شيبان بن فروخ، عن همام بهذا الإسناد، بلفظ: «فأراد الله أن يبتليهم» فلعل التغيير فيه من الرواة، مع أن في الرواية أيضا نظرا؛ لأنه لم يزل مريدا، والمعنى: أظهر الله ذلك فيهم، وقيل: معنى أراد: قضى، وقال صاحب «المطالع»: ضبطناه على متقني شيوخنا بالهمز؛ أي: ابتدأ الله أن يبتليهم، قال: ورواه كثير من الشيوخ بغير همز، وهو خطأ. انتهى، وسبق إلى التخطئة أيضا الخطابي، قال الحافظ: وليس كما قال؛ لأنه موجه كما ترى، وأولى ما يحمل عليه أن المراد: قضى الله أن يبتليهم، وأما البدء الذي يراد به تغير الأمر عما كان عليه فلا. انتهى [«الفتح» (8) / (105)].
(فبعث إليهم ملكا)؛ أي: في صورة رجل مسكين، كما دل عليه قوله الآتي: «في صورته، وهيئته»، (ناقة عشراء) بضم العين المهملة، وفتح الشين المعجمة، مع المد: هي الحامل التي أتى عليها في حملها عشرة أشهر من يوم طرقها الفحل، وقيل: يقال لها ذلك إلى أن تلد، وبعدما تضع، وهي من أنفس المال [«الفتح» (8) / (105)].
(فقال) الملك: (بارك الله لك فيها)؛ أي: في الناقة العشراء، وفي رواية البخاري: «يبارك لك فيها»، بضم أوله، مبنيا للمفعول.
(الغنم، فأعطي شاة والدا)؛ أي: ذات ولد، ويقال: حاملا، وقال الطيبي: الوالد هي التي قد عرف منها كثرة الولد [«الكاشف عن حقائق السنن» (5) / (1534)].
وقوله: «فأنتج هذان وولد هذا»: هكذا الرواية: «فأنتج» رباعي، وهي لغة قليلة الاستعمال، والمشهور: نتج ثلاثي، وممن حكى اللغتين الأخفش، ومعناه: تولى الولادة، وهي النتج، والإنتاج، وولد هذا بتشديد اللام معنى أنتج، والناتج للإبل، والمولد للغنم، وغيرها، كالقابلة للنساء. انتهى [«شرح النووي» (18) / (98) – (99)].
(قال: فكان لهذا)؛ أي: للأبرص (واد من الإبل، ولهذا)؛ أي: للأقرع (واد من البقر، ولهذا)؛ أي: للأعمى (واد من الغنم).
(قال) النبي ?: (ثم إنه)؛ أي: الملك (أتى الأبرص في صورته، وهيئته)؛ في صورته التي تسببت في جماله، وحصول كثرة ماله. انتهى.
وقال في «الفتح»: قوله: «في صورته»؛ أي: في الصورة التي كان عليها لما اجتمع به، وهو أبرص؛ ليكون ذلك أبلغ في إقامة الحجة عليه. انتهى [«الفتح» (8) / (105)]
وقال في «الفتح»: الحبال بكسر المهملة، بعدها موحدة خفيفة: جمع حبل؛ أي: الأسباب التي يقطعها في طلب الرزق، وقيل: العقبات، وقيل: الحبل هو المستطيل من الرمل، ولبعض رواة مسلم: «الحيال» بالمهملة والتحتانية: جمع حيلة؛ أي: لم يبق لي حيلة، ولبعض رواة البخاري: «الجبال» بالجيم، والموحدة، وهو تصحيف، قال ابن التين: قول الملك له: رجل مسكين. . . إلخ، أراد أنك كنت هكذا، وهو من المعاريض، والمراد به ضرب المثل ليتيقظ المخاطب. انتهى.
والمعنى: انقطعت الأسباب التي أستعين بها (في سفري، فلا بلاغ)؛ أي: لا كفاية (لي اليوم إلا بالله)؛ أي: إيجادا وإمدادا، (ثم بك)؛ أي: سببا وإسعادا، وفيه من حسن الأدب ما لا يخفى، حيث لم يقل: وبك، بل أتى بـ «ثم» التي لتراخي الرتبة والتنزل في المرتبة، قال الطيبي: أمثال ذلك من الملائكة ليست إخبارا، بل من معاريض الكلام، كقول إبراهيم عليه السلام: {إني سقيم} [الصافات: (89)]، وقوله: «هي أختي»، وكقول الملائكة لداود عليه السلام: {إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة} [ص: (23)].
(أسألك) مقسما عليك، أو متوسلا إليك (بالذي) قال الطيبي: الباء للقسم، والاستعطاف؛ أي: أسألك بحق الذي، أو متوسلا بالذي (أعطاك اللون الحسن، والجلد الحسن، والمال)؛
(الحقوق كثيرة)؛ أي: حقوق المال كثيرة علي، ولم أقدر على أدائها، أو حقوق المستحقين كثيرة: (إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر)؛ أي: كبيرا عن كبير؛ أي: ورثته عن آبائي الذين ورثوه من أجدادي الذين ورثوه من آبائهم، كبيرا عن كبير في العز والشرف والثروة، قاله النووي رحمه الله.
وقال النووي: قوله: «لا أجهدك اليوم» هكذا هو في رواية الجمهور: «أجهدك» بالجيم، والهاء، وفي رواية ابن ماهان: «أحمدك» بالحاء والميم، ووقع في البخاري بالوجهين، لكن الأشهر في مسلم بالجيم، وفي البخاري بالحاء، ومعنى الجيم: لا أشق عليك برد شيء، تأخذه، أو تطلبه من مالي، والجهد: المشقة، ومعناه بالحاء: لا أحمدك بترك شيء، تحتاج إليه، أو تريده، فتكون لفظة الترك محذوفة مرادة، كما قال الشاعر:
ليس على طول الحياة ندم أي: فوات طول الحياة [«شرح النووي» (18) / (99) – (100)].
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه، هذا متفق عليه.
فقه وفائد الحديث:
1 – (منها): بيان ما جبل عليه أكثر الناس من جحد نعم الله تعالى، وكذا معنى قوله تعالى: {إن الإنسان لربه لكنود ((6))} [العاديات: (6)]، فمعنى «الكنود»: هو الجحود لنعم ربه، فالقائم بشكر الله تعالى قليل؛ كما قال تعالى: {وقليل من عبادي الشكور} [سبأ: (13)]
2 – (ومنها): الحث على الرفق بالضعفاء، وإكرامهم، وتبليغهم ما يطلبون، مما يمكن، والحذر من كسر قلوبهم، واحتقارهم.
3 – (ومنها): الحث على التحدث بنعمة الله تعالى، وذم جحدها، والله أعلم”.
4 – (ومنها): “من خطورة الدنيا ونعيمها: الانشغال بالنعم ونسيان المنعم
5 – (ومنها): الابتلاء بالنعم، النعم قد تكون اختبارًا للإنسان، فإن شكر الله وزهد في التعلق بها نجح في الاختبار، وإن كفر بها ناله غضب الله
6 – (ومنها): الرجل الأعمى الذي شكر الله على رد بصره وأعطى من نعمته للمحتاج، يظهر أهمية القناعة بالنعم التي يمنحها الله، وشكر الله عليها، واستخدامها في مساعدة الآخرين.
وهذا يتماشى مع مفهوم الزهد الذي يتطلب من الإنسان أن لا يجعل الدنيا هدفه الأول، وأن يكون شاكراً لما أعطاه الله.
7 – (ومنها): الله سبحانه وتعالى وعد في كتابه الكريم بأن الشكر على النعم يزيدها؛ قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} (إبراهيم: 7). والشكر هنا لا يشمل فقط القول، بل العمل بما يرضي الله ويعبر عن الامتنان له.
والإنسان الزاهد هو الذي يدرك أن كل ما لديه من نعم هو من عند الله، فيستخدمها في طاعته وشكره، وليس في الاستمتاع المفرط بها الذي يؤدي إلى النسيان والغفلة.
وقال الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله:
[(7402)] ((2965)) – الحديث
شرح الحديث:
عن عامر بن سعد؛ أنه (قال: كان سعد بن أبي وقاص) رضي الله عنه، (في إبله) بالبادية في موضع يسمى العقيق على عشرة أميال من المدينة، ومات هناك سنة ((55)) وقيل غير ذلك، وحمل إلى المدينة، فدفن بالبقيع رضي الله عنه، (فجاءه ابنه عمر) بن سعد بن أبي وقاص المدني، نزيل الكوفة، صدوق، ولكن مقته الناس؛ لكونه كان أميرا على الجيش الذين قتلوا الحسين بن علي رضي الله عنهما، من الثانية، قتله المختار سنة خمس وستين، أو بعدها، ووهم من ذكره في الصحابة، فقد جزم ابن معين بأنه ولد يوم مات عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وليس له في مسلم شيء، بل ليس له في الكتب الستة إلا عند النسائي.
(فلما رآه سعد) أبوه رضي الله عنه، (قال: أعوذ بالله من شر هذا الراكب)؛ أي: من شر عمر، إنما قال ذلك خشية أن يأتيه بما يبعثه أن يشارك الناس المتقاتلين في ذلك الوقت، وكان رضي الله عنه ممن قعد في الفتنة، ولزم بيته، وأمر أهله أن لا يخبروه من أخبار الناس بشيء، حتى تجتمع الأمة على إمام [إسعاف المبطأ، ص (40)].
وفي رواية أحمد: «عن عامر بن سعد، أن أخاه عمر، انطلق إلى سعد في غنم له، خارجا من المدينة، فلما رآه سعد، قال: أعوذ بالله من شر هذا الراكب، فلما أتاه، قال: يا أبت أرضيت أن تكون أعرابيا في غنمك، والناس يتنازعون في الملك بالمدينة، فضرب سعد صدر عمر، وقال: اسكت. . .» الحديث.
(فضرب سعد في صدره)؛ أي: صدر عمر تأديبا له في قوله هذا؛ لأن مثله لا ينبغي له أن يخاطب سعدا بمثل هذا الخطاب؛ لأنه أعلم منه بأمور الشريعة. (فقال) سعد: (اسكت) لا تتكلم بمثل هذا الكلام؛ فإنه حث للمشاركة في إراقة دماء المسلمين، ثم بين سبب أمره له بالسكوت: (سمعت رسول الله ? يقول: «إن الله يحب العبد التقي) بمثناة فوقية: من يترك المعاصي؛ امتثالا للمأمور به، واجتنابا للمنهي عنه [» فيض القدير” (2) / (288) – (289)].
(الغني) قال النووي رحمه الله: المراد بالغنى: غنى النفس، هذا هو الغنى المحبوب؛ لقوله ?: «ولكن الغنى غنى النفس»، وأشار القاضي إلى أن المراد: الغنى بالمال. انتهى [» شرح النووي «(18) / (100)].
وقال المناوي: الغني غني النفس، كما جزم به في الرياض، وهو الغني المحبوب، وأشار البيضاوي، وعياض، والطيبي إلى أن المراد: غني المال، والمال غير محذور لعينه، بل لكونه يعوق عن الله عزوجل، وكم من غني لم يشغله غناه عن الله، وكم من فقير شغله فقره عن الله، فالتحقيق أنه لا يطلق القول بتفضيل الغني على الفقير، وعكسه. انتهى [» فيض القدير «(2) / (289)].
وقال النووي رحمه الله: وأما الخفي فبالخاء المعجمة، هذا هو الموجود في النسخ، والمعروف في الروايات، وذكر القاضي أن بعض رواة مسلم رواه بالمهملة، فمعناه بالمعجمة: الخامل المنقطع إلى العبادة، والاشتغال بأمور نفسه، ومعناه بالمهملة: الوصول للرحم، اللطيف بهم، وبغيرهم، من الضعفاء، والصحيح بالمعجمة. انتهى. [«شرح النووي» (18) / (100)].
حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه هذا من أفراد المصنف رحمه الله.
فقه وفوائد الحديث:
1 – (منها): بيان منقبة هذا الصحابي الجليل، حيث إنه ترك الناس، وسكن البادية تجنبا عن الفتنة وأهلها
2 – (ومنها): بيان أن التقوى سبب محبة الله تعالى.
3 – (ومنها): أن الله تعالى يحب العبد الغني المستغني به عن غيره، فالغنى الحقيقي هو غنى النفس.
4 – (ومنها): الحث على الخمول، وعدم الظهور بين الناس، ولا سيما في أيام الفتنة.
5 – (ومنها): أن هذا الحديث حجة لمن يقول: الاعتزال أفضل من الاختلاط، وفي المسألة خلاف سبق بيانه مرات، ومن قال بالتفضيل للاختلاط قد يتأول هذا على الاعتزال وقت الفتنة، ونحوها، والله تعالى أعلم”.
6 – (ومنها): “الزهد في الدنيا والإقبال على الآخرة: حديث سعد بن أبي وقاص عن حب الله للعبد التقي الغني الخفي، يشير إلى أن الزهد ليس بالضرورة ترك المال، ولكن ترك التعلق به، والعمل بما ينفع في الآخرة.
7 – (ومنها): قيمة الزهد يتضح بأن الزهد ليس رفضًا للدنيا، ولكن عدم التعلق بها، بل يتضمن استخدام النعم في سبيل الله والعمل للدنيا والآخرة معًا.
8 – (ومنها): من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه الذي جاء في إبله، وتوجيهه لابنه عمر بأن الزهد في الدنيا والانشغال بما ينفع العبد عند الله أولى من التنافس على الدنيا وملذاتها.
9 – (ومنها): الإسلام لا يدعو إلى الرهبانية ولا إلى الإغراق في ملذات الدنيا، بل يوجه المسلم لتحقيق التوازن بين السعي في أمور الدنيا وبين العمل للآخرة.
10 – (ومنها): على العبد أن يعمل للآخرة ولا ينس نصيبه من الدنيا؛ قال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (القصص: 77). في هذه الآية، نجد توجيهًا واضحًا لتحقيق التوازن بين العمل في الدنيا والسعي للآخرة، بما يرضي الله سبحانه.
11 – (ومنها): الوسطية من القيم المحورية في الإسلام؛ وعليه بالاعتدال، فلا يغلو في الزهد حتى يهمل دنياه، ولا ينغمس في الدنيا حتى ينسى آخرته”
وقال الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله:
[(7403)] ((2966)) -الحديث
شرح الحديث:
(زاد الترمذي من طريق بيان، عن قيس: سمعت سعدا يقول: «إني لأول رجل أهراق دما في سبيل الله»، وفي رواية ابن سعد في «الطبقات» من وجه آخر عن سعد: أن ذلك كان في السرية التي خرج فيها مع عبيدة بن الحارث في ستين راكبا، وهي أول السرايا بعد الهجرة، قاله في «الفتح». [«الفتح» (14) / (587)، «كتاب الرقاق» رقم ((6453))].
(ولقد كنا نغزو مع رسول الله ? ما لنا طعام نأكله إلا ورق الحبلة) بضم الحاء المهملة، والموحدة، وبسكون الموحدة أيضا، ووقع في مناقب سعد بالتردد بين الرفع، والنصب. (وهذا السمر) بفتح السين المهملة، وضم الميم، قال أبو عبيد وغيره: هما نوعان من شجر البادية، وقيل: الحبلة ثمر العضاه، بكسر المهملة، وتخفيف المعجمة: شجر الشوك، كالطلح، والعوسج، قال النووي: وهذا جيد على رواية البخاري لعطفه الورق على الحبلة، قال الحافظ: هي رواية أخرى عند البخاري بلفظ: «إلا الحبلة، وورق السمر»، وكذا وقع عند أحمد، وابن سعد، وغيرهما، وفي رواية بيان عند الترمذي: «ولقد رأيتني أغزو في العصابة من أصحاب رسول الله ? ما نأكل إلا ورق الشجر والحبلة»، وقال القرطبي: وقع في رواية الأكثر عند مسلم: «إلا ورق الحبلة هذا السمر»، وقال ابن الأعرابي: الحبلة ثمر السمر، يشبه اللوبية، وفي رواية التيمي، والطبري في مسلم: «وهذا السمر» بزيادة واو، قال القرطبي: ورواية البخاري أحسنها للتفرقة بين الورق والسمر.
ووقع في حديث عتبة بن غزوان عند مسلم – يعني: الحديث التالي -: «لقد رأيتني سابع سبعة، مع رسول الله ? ما لنا طعام إلا ورق الشجر، حتى قرحت أشداقنا».
(حتى إن أحدنا ليضع) بالضاد المعجمة كناية عن الذي يخرج منه في حال التغوط، (كما تضع الشاة) زاد بيان في روايته: «والبعير»؛ يعني: أنهم يضعون عند قضاء الحاجة؛ أي: يخرج منهم مثل البعر؛ ليبسه، وعدم الغذاء المألوف.
زاد في رواية للبخاري: «ما له خلط» بكسر الخاء المعجمة، وسكون اللام؛ أي: يصير بعرا، لا يختلط بعضه ببعض من شدة جفافه، وتفتته.
(ثم أصبحت بنو أسد)؛ أي: ابن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، وبنو أسد هم إخوة كنانة بن خزيمة جد قريش، وبنو أسد كانوا فيمن ارتد بعد النبي ?، وتبعوا طليحة بن خويلد الأسدي لما ادعى النبوة، ثم قاتلهم خالد بن الوليد في عهد أبي بكر، وكسرهم، ورجع بقيتهم إلى الإسلام، وتاب طليحة، وحسن إسلامه، وسكن معظمهم الكوفة بعد ذلك، ثم كانوا ممن شكا سعد بن أبي وقاص، وهو أمير الكوفة إلى عمر، حتى عزله، وقالوا في جملة ما شكوه: إنه لا يحسن الصلاة.
وأغرب النووي فنقل عن بعض العلماء أن مراد سعد بقوله: «فأصبحت بنو أسد» بنو الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، وفيه نظر؛ لأن القصة إن كانت هي التي وقعت في عهد عمر، فلم يكن للزبير إذ ذاك بنون يصفهم سعد بذلك، ولا يشكو منهم، فإن أباهم الزبير كان إذ ذاك موجودا، وهو صديق سعد، وإن كانت بعد ذلك فيحتاج إلى بيان.
(تعزرني)؛ أي: توقفني، والتعزير: التوقيف على الأحكام والفرائض، قاله أبو عبيد الهروي.
وقال الطبري: معناه: تقومني، وتعلمني، ومنه تعزير السلطان، وهو التقويم بالتأديب، والمعنى: أن سعدا أنكر أهلية بني أسد لتعليمه الأحكام مع سابقيته، وقدم صحبته.
وقال الحربي: معنى تعزرني: تلومني، وتعتبني، وقيل: توبخني على التقصير.
وقال القرطبي [«المفهم» (7) / (121)] بعد أن حكى ذلك: في هذه الأقوال بعد عن معنى الحديث. قال: والذي يظهر لي أن الأليق بمعناه أن المراد بالتعزير هنا الإعظام والتوقير، كأنه وصف ما كانت عليه حالتهم في أول الأمر من شدة الحال، وخشونة العيش، والجهد، ثم إنهم اتسعت عليهم الدنيا بالفتوحات، وولوا الولايات، فعظمهم الناس لشهرتهم، وفضلهم، فكأنه كره تعظيم الناس له، وخص بني أسد بالذكر؛ لأنهم أفرطوا في تعظيمه، قال: ويؤيده أن في حديث عتبة بن غزوان الذي بعده في مسلم نحو حديث سعد في الإشارة إلى ما كانوا فيه من ضيق العيش، ثم قال في آخره: «فالتقطت بردة، فشققتها بيني وبين سعد بن مالك – أي: ابن أبي وقاص – فاتزرت بنصفها، واتزر سعد بنصفها، فما أصبح منا أحد إلا وهو أمير على مصر من الأمصار». انتهى. وكان عتبة يومئذ أمير البصرة، وسعد أمير الكوفة.
وتعقبه الحافظ، وما أحسن تعقبه، فقال: وهذا كله مردود؛ لما ذكرته من أن بني أسد شكوه، وقالوا فيه ما قالوا، ولذلك خصهم بالذكر.
وقد وقع في رواية خالد بن عبد الله الطحان عن إسماعيل بن أبي خالد في آخر هذا الحديث في مناقب سعد بعد قوله: «وضل عملي»: وكانوا وشوا به إلى عمر، قالوا: لا يحسن يصلي، ووقع كذلك هنا في رواية معتمر بن سليمان، عن إسماعيل، عند الإسماعيلي، ووقع في بعض طرق هذا الحديث الذي فيه أنهم شكوه عند مسلم، فقال سعد: أتعلمني الأعراب الصلاة؟ فهذا هو المعتمد، وتفسير التعزير على ما شرحه من تقدم مستقيم.
وأما قصة عتبة بن غزوان، فإنما قال في آخر حديثه ما قال؛ لأنه خطب بذلك، وهو يومئذ أمير، فأراد إعلام القوم بأول أمره وآخره؛ إظهارا منه للتواضع، والتحدث بنعمة الله، والتحذير من الاغترار بالدنيا.
وأما سعد فقال ذلك بعد أن عزل، وجاء إلى عمر، فاعتذر، وأنكر على من سعى فيه بما سعى. انتهى [«الفتح» (14) / (588) – (589)].
وقوله: (على الدين) متعلق بـ «تعزرني»، وفي رواية البخاري: «على الإسلام»؛ أي: على الصلاة؛ لأنها عماد الإسلام، أو على عمدة شرائعه، والمراد: أنهم كانوا يؤدبوني، ويعلموني الصلاة، ويعيروني بأني لا أحسنها، وقال الطيبي رحمه الله: عبر عن الصلاة بالإسلام، كما عبر عنها بالإيمان في قوله تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} [البقرة: (143)] إيذانا بأنها عماد الدين، ورأس الإسلام. انتهى [«مرقاة المفاتيح» (11) / (280)].
[تنبيه]: قصة سعد رضي الله عنه في شكاية أهل الكوفة في صلاته، ساقها البخاري رحمه الله في «صحيحه»، فقال:
((722)) -وفيه: أما أنا والله، فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله ? ما أخرم عنها، أصلي صلاة العشاء، فأركد في الأوليين، وأخف في الأخريين، قال: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق، فأرسل معه رجلا، أو رجالا إلى الكوفة، فسأل عنه أهل الكوفة، ولم يدع مسجدا إلا سأل عنه، ويثنون معروفا، حتى دخل مسجدا لبني عبس، فقام رجل منهم، يقال له: أسامة بن قتادة، يكنى أبا سعدة، قال: أما إذ نشدتنا، فإن سعدا كان لا يسير بالسرية، ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية، قال سعد: أما والله لأدعون بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذبا، قام رياء وسمعة، فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه بالفتن، وكان بعد إذا سئل يقول: شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد، قال عبد الملك: فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه، من الكبر، وإنه ليتعرض للجواري في الطرق، يغمزهن. انتهى [«صحيح البخاري» (1) / (262)].
وحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه هذا متفق عليه.
فقه وفوائد الحديث:
(1) – (منها): بيان منقبة الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
(2) – (ومنها): بيان فضل السبق في فعل الخير، وكونه أول الناس.
(3) – (ومنها): فضل الرمي في سبيل الله عزوجل.
(4) – (ومنها): جواز مدح الإنسان نفسه عند الضرورة.
(5) – (ومنها): جواز التحدث بما فعله الإنسان لله تعالى، فلا ينافي الإخلاص إذا دعت الحاجة إليه،
قال ابن الجوزي رحمه الله: ساغ له لما عيره الجهال بأنه لا يحسن الصلاة، ولهذا قال يوسف عليه السلام: {إني حفيظ عليم} [يوسف: (55)]، وقال علي رضي الله عنه: سلوني عن كتاب الله، وقال ابن مسعود: لو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني لأتيته، وساق في ذلك أخبارا، وآثارا، عن الصحابة، والتابعين تؤيد ذلك [«كشف المشكل» (1) / (240)]، والله تعالى أعلم.
وقال الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله:
[(7405)] ((3967)) – الحديث
شرح الحديث:
(ثم قال: أما بعد) من الظروف المبنية على الضم؛ لقطعها عن الإضافة، ونية معناها، بعد حمد الله تعالى، والثناء عليه (فإن الدنيا قد آذنت) بمد الهمزة؛ أي: أشعرت، وأعلمت (بصرم) بضم الصاد المهملة، وسكون الراء، آخره ميم؛ أي: بذهاب، وانقطاع بتقلباتها على أهلها، (وولت) بتشديد اللام، من التولية؛ أي: أدبرت، وذهبت، حال كونها (حذاء) بفتح الحاء المهملة، وتشديد الذال المعجمة؛ أي: سريعة خفيفة، والحذاء في اللغة: قصيرة الذنب، يقال: للقطاة حذاء؛ لقصر ذنبها، مع خفتها، والحمار الأحذ: قصير الذنب، قال أبو عبيد: هي السريعة الخفيفة التي انقطع آخرها، وقال القاضي عياض: وهذا مثل؛ لأن قصيرة الذنب، أو ما قطع ذنبه لا يبقى وراءه شيء، فكأنه قال: الدنيا أدبرت منقطعة، سريعة الانقطاع، كذا في «شرح الأبي» [راجع: «شرح الأبي» (7) / (289)].
(ولم يبق منها)؛ أي: من الدنيا (إلا صبابة) بضم الصاد المهملة، وتخفيف الموحدة؛ أي: بقية يسيرة (كصبابة لإناء)؛ أي: مثل بقية ما في الإناء من الشراب، (يتصابها)؛ أي: يشرب [راجع: «شرح الأبي» (7) / (289)].
(فانتقلوا بخير ما بحضرتكم)؛ أي: ارتحلوا إلى الآخرة بخير ما يحضركم من أعمال البر، جعل الخير المتمكن منه كالحاضر
قال القرطبي [«المفهم» (7) / (123)]. (فإنه) الضمير للشأن، وهو الذي تفسره الجملة بعده؛ أي: إن الأمر والشأن (قد ذكر) بالبناء للمفعول، (لنا) قال القرطبي رحمه الله؛ يعني: أنه ذكر له عن رسول الله ? ذلك؛ لأن مثل هذا لا يعرف إلا من جهة النبي ?، فكأنه لم يسمعه هو من النبي ?، بل سمعه من غيره، فسكت عنه، إما نسيانا، وإما لأمر يسوغ له ذلك، ويحتمل أن يكون سمعه هو من النبي ?، وسكت عن رفعه للعلم بذلك. انتهى [«المفهم» (7) / (123) – (124)].
(أن الحجر) بفتح «أن» لوقوعها نائب فاعل لـ «ذكر»، (يلقى) بالبناء للمفعول، (من شفة جهنم)؛ أي: حرفها، وطرفها، ووقع في نسخة القرطبي بلفظ «شفير» بدل «شفة»، فقال: و «شفير جهنم»: حرفها الأعلى، وحرف كل شيء أعلاه، وشفيره، ومنه: شفير العين. انتهى [«المفهم» (7) / (124)].
(ووالله لتملأن) بفتح لام القسم، وبناء الفعل للمفعول؛ أي: لتكونن جهنم مملوءة من الإنس والجن، كما قال تعالى: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها} [الأعراف: (179)]، وقال: {يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد ((30))} [ق: (30)]، قال عتبة رضي الله عنه: (أفعجبتم) مما ذكرت لكم؛ أي: لا تعجبوا من هذا، فإنه لا بد من وقوعه، (ولقد ذكر) بالبناء للمفعول أيضا، (لنا أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة) مصراع الباب: ما بين عضادتيه، جمعه مصاريع، وهو ما يسده الغلق، قاله القرطبي [«المفهم» (7) / (124)].
(مسيرة أربعين سنة)؛ أي: مسافة سير أربعين سنة، (و) الله (ليأتين عليها)؛ أي: على تلك المصاريع (يوم، وهو)؛ أي: والحال أن كل مصراع (كظيظ)؛ أي: ممتلئ
(من الزحام) بكسر الزاي؛ أي: المدافعة
(ولقد رأيتني)؛ أي: رأيت نفسي (سابع سبعة)؛ أي: واحدا من سبعة (مع رسول الله ?، ما لنا طعام إلا ورق الشجر) أكلنا منه (حتى قرحت) بفتح القاف، وكسر الراء: انجرحت (أشداقنا) بالفتح: جمع شدق بكسر الشين، وفتحها، وهو طرف الفم، عند ملتقى الشفتين
(فالتقطت بردة)؛ أي: أخذت لقطة بردة، وهي الشملة، والعرب تسمي الكساء الذي يلتحف به بردة، والبرد بغير تاء: نوع من نوع ثياب اليمن الموشية، قاله القرطبي رضي الله عنه [«المفهم» (7) / (124)].
(عند الله صغيرا)؛ أي: خسيسا، حقير المنزلة بسبب عدم التقوى والأعمال الصالحة.
(إلا تناسخت)؛ أي: ارتفعت، وزالت، وانمحت، (حتى يكون آخر عاقبتها)؛ أي: عاقبة النبوة، (ملكا)؛ أي: سيطرة، وجبروتا، قال القرطبي رحمه الله: يعني: أن زمان النبوة يكون الناس فيه يعملون بالشرع، ويقومون بالحق، ويزهدون في الدنيا، ويرغبون في الآخرة، ثم إنه بعد انقراضهم، وانقراض خلفائهم يتغير الحال، وينعكس الأمر، ثم لا يزال الأمر في تناقص، وإدبار إلى أن لا يبقى على الأرض من يقول: لا إله إلا الله، فيرتفع ما كان الصدر الأول عليه، وهذا هو المعبر عنه هنا: بالتناسخ، فإن النسخ: هو الرفع، والإزالة، وهذا الحديث نحو قوله ? «ما من نبي بعثه الله تعالى في أمة قبلي، إلا كان له من أمته حواريون، وأصحاب يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون. . .» الحديث، رواه مسلم.
وقوله: «حتى يكون آخر عاقبتها ملكا»؛ يعني: أنهم يعدلون عن سنن النبيين، وخلفائهم إلى الإقبال على الدنيا، واتباع الهوى، وهذه أحوال أكثر الملوك، فأما من سلك سبيل الصدر الأول الذي هو زمان النبوة، والخلافة من العدل، واتباع الحق، والإعراض عن الدنيا، فهو من خلفاء الأنبياء، وإن تأخر زمانه، كعمر بن عبد العزيز رحمه الله؛ إذ لم يكن بعد الخلفاء من سلك سبيلهم، واقتدى بهم في غالب أحوالهم غيره رحمه الله لا جرم هو معدود منهم، وداخل في زمرتهم، إن شاء الله تعالى [«المفهم» (7) / (124) – (125)].
(فستخبرون) بضم الموحدة؛ أي: فستعلمون ما قلت لكم قريبا من صيرورة النبوة ملكا، (وتجربون) بتشديد الراء، من التجربة، (الأمراء بعدنا) حتى تجدوهم مصداقا لما قاله ? في أحوالهم، وشؤونهم، والله تعالى أعلم.
وحديث عتبة بن غزوان رضي الله عنه هذا من أفراد المصنف رحمه الله.
في الحديث: “التحذير من زوال الدنيا وضرورة الاستعداد للآخرة؛ كما في خطبة عتبة بن غزوان، والتي فيها أن الدنيا سريعة الزوال، والواجب على المسلم أن يعمل للآخرة بما يملك في الدنيا.
وفيه أيضًا: أن الزهد في الدنيا باعتبارها دارًا فانية، ويحث الصحابة على الانتقال منها إلى دار الخلود بأفضل ما لديهم من أعمال صالحة.
وهذه النقطة تعزز الفكرة بأن المؤمن ينبغي أن يركز على العمل للآخرة؛ لأن الدنيا مهما طالت فهي زائلة”.
وقال الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله:
[(7408)] ((2968)) – الحديث
شرح الحديث:
(عن أبي هريرة) رضي الله عنه؛ أنه (قال: قالوا)؛ أي: بعض الصحابة، (يا رسول الله هل نرى ربنا) الاستفهام للاستخبار، والاستعلام، (يوم القيامة؟) قيد به؛ للإجماع على أنه تعالى لا يرى في الدنيا؛، وقد تقدم في قصة الدجال قوله ?:» تعلمون أنه لن يرى أحد منكم ربه عزوجل حتى يموت «. (قال) ?: (» هل تضارون) بضم التاء، وتفتح، وتشديد الراء، على أنه من باب المفاعلة، أو التفاعل، من الضرر، والاستفهام للتقرير، وهو حمل المخاطب على الإقرار، والمعنى: هل يحصل لكم تزاحم، وتنازع يتضرر به بعضكم من بعض (في رؤية الشمس)؛ أي: لأجل رؤيتها، أو عندها ….
قال النووي رحمه الله [«شرح النووي على صحيح مسلم» (3) / (18)]: وروي «تضارون» بتشديد الراء، وتخفيفها، والتاء مضمومة فيهما، وفي الرواية الأخرى: «هل تضامون» بتشديد الميم، وتخفيفها، فمن شددها فتح التاء، ومن خففها ضمها، وفي رواية البخاري: «لا تضارون، أو لا تضامون» على الشك
وقال النووي رحم الله: أما ترأس فبفتح التاء، وإسكان الراء، وبعدها همزة مفتوحة، ومعناه: تصير رئيس القوم، وكبيرهم، وأما تربع، فبفتح التاء، والباء الموحدة، هكذا رواه الجمهور، وفي رواية ابن ماهان: ترتع بمثناة فوق، بعد الراء، ومعناه بالموحدة: تأخذ المرباع الذي كانت ملوك الجاهلية تأخذه من الغنيمة، وهو ربعها، يقال: ربعتهم؛ أي: أخذت ربع أموالهم، ومعناه: ألم أجعلك رئيسا مطاعا، وقال القاضي بعد حكايته نحو ما ذكرته عندي أن معناه: تركتك مستريحا، لا تحتاج إلى مشقة، وتعب، من قولهم: اربع على نفسك؛ أي: ارفق بها، ومعناه بالمثناة: تتنعم، وقيل: تأكل، وقيل: تلهو، وقيل: تعيش في سعة. انتهى [«شرح النووي» (18) / (103) – (104)].
(ليعذر من نفسه) قال التوربشتي رحمه الله:» ليعذر «على بناء الفاعل، من الإعذار، والمعنى: ليزيل الله عذره من قبل نفسه، بكثرة ذنوبه، وشهادة أعضائه عليه، بحيث لم يبق له عذر يتمسك به، وقيل: ليصير ذا عذر في تعذيبه من قبل نفس العبد. انتهى [«مرقاة المفاتيح» (10) / (214)].
(وذلك)؛ أي: العبد الثالث هو (المنافق، وذلك الذي يسخط)؛ أي: يغضب (الله) سبحانه وتعالى (عليه») لمخادعته ربه، وتظاهره بمظاهر من عنده حسنات، وليس عنده شيء، كما قال تعالى: {إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم} [النساء: (142)]، والله تعالى أعلم.
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا من أفراد المصنف رحمه الله.
فقه وفوائد الحديث:
(1) – (منها): إثبات رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة، وهو مجمع عليه بين أهل السنة، دل عليه الكتاب، والسنن الصحيحة.
(2) – (ومنها): استحباب ضرب المثل لإيضاح المسألة.
(3) – (ومنها): إثبات سؤال الله تعالى عباده عن أداء شكر ما أنعم به عليهم، كما قال تعالى: {فوربك لنسألنهم أجمعين ((92)) عما كانوا يعملون ((93))} [الحجر: (92)، (93)].
(4) – (ومنها): إثبات شهادة الأعضاء على ما فعله العبد، وقد جاء هذا في آيات كثيرة، كقوله تعالى: {يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ((24)) يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين ((25))} [النور: (24)، (25)]
وقال الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله:
[(7409)] ((2969)) – الحديث
(وبالكرام)؛ أي: وكفى بالعدول المكرمين (الكاتبين) لصحف الأعمال الذين {لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} [التحريم: (6)] (شهودا) بالضم: جمع شاهد.
قال الطيبي رحمه الله: بذل له مطلوبه، وزاد عليه تأكيدا وتقريرا. انتهى [«الكاشف عن حقائق السنن» (11) / (3507) – (3508)].
وحديث أنس بن مالك رضي الله عنه هذا من أفراد المصنف رحمه الله.
[تنبيه]: تكلم الحافظ أبو الفضل بن عمار الشهيد رحمه الله في هذا الحديث، الله [«علل الأحاديث في كتاب صحيح مسلم» ص (156) – (158)].
قال الإتيوبي عفا الله عنه: خلاصة ما أشار إليه ابن عمار رحمه الله إعلال هذا الحديث بالاضطراب، وذلك أن الأشجعي رواه متصلا، وتابعه عليه أبو عامر الأسدي – واسمه مهران بن أبي عمر – وخالفهما شريك بن عبد الله، فأسقط من الإسناد فضيل بن عمرو، وخالف الجميع عمارة بن القعقاع، فرواه مرسلا، هذا خلاصة إعلاله.
والجواب عن مسلم رحمه الله أن يقال: إن هذا الاختلاف لا يضر؛ لأن الأشجعي حافظ حجة، ولا سيما في الثوري، فلا يؤثر فيه مخالفة غيره له، ولا سيما مع متابعة أبي عامر الأسدي له، ومخالفة مثل شريك المطعون في حفظه، وكذا إرسال عمارة بن القعقاع لا يضر؛ لأنه ليس مثله في الحفظ.
وقد وافق مسلما في تصحيح رواية الأشجعي أبو زرعة الرازي، فقد ذكر ابن أبي حاتم في «العلل» ((3) / (285)) قال: وسئل أبو زرعة عن حديث رواه سفيان عن عبيد المكتب عن فضيل بن عمرو الفقيمي، عن الشعبي، عن أنس، قال: ضحك النبي ? حتى بدت نواجذه، ثم قال: «أتدرون مم أضحك. . .» وذكر الحديث، ثم قال: ورواه شريك عن عبيد المكتب عن الشعبي، عن أنس، عن النبي ?، فقيل لأبي زرعة: أيهما أصح؟ قال: حديث سفيان. انتهى.
والحاصل: أن الحديث صحيح، ولا أثر للمخالفة المذكورة، كما صححه مسلم، وأبو زرعة، فتنبه، والله تعالى أعلم. [البحر المحيط الثجاج، بتصرف، مع إضافات يسيرة].
=====