(2956 , 2957) فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
مجموعة: محمد البلوشي وأحمد بن علي وسلطان الحمادي وأحمد بن خالد وعمر الشبلي ومحمد سيفي وعدنان البلوشي، ومحمد الكعبي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
جاء في صحيح الإمام مسلم رحمه الله من ((56)) – (كِتَابُ الزُّهْدِ، وَالرَّقَائِقِ)،
(1) – ((2956)) حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ يَعْنِي الدَّراوَرْدِيَّ، عَنِ العَلاءِ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ لا: «الدُّنْيا سِجْنُ المُؤْمِنِ، وجَنَّةُ الكافِرِ».
(2) – ((2957)) حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنا سُلَيْمانُ يَعْنِي ابْنَ بِلالٍ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أنَّ رَسُولَ اللهِ لا مَرَّ بِالسُّوقِ، داخِلًا مِن بَعْضِ العالِيَةِ، والنّاسُ كَنَفَتَهُ، فَمَرَّ بِجَدْيٍ أسَكَّ مَيِّتٍ، فَتَناوَلَهُ فَأخَذَ بِأُذُنِهِ، ثُمَّ قالَ: «أيُّكُمْ يُحِبُّ أنَّ هَذا لَهُ بِدِرْهَمٍ؟» فَقالُوا: ما نُحِبُّ أنَّهُ لَنا بِشَيْءٍ، وما نَصْنَعُ بِهِ؟ قالَ: «أتُحِبُّونَ أنَّهُ لَكُمْ؟» قالُوا: واللهِ لَوْ كانَ حَيًّا، كانَ عَيْبًا فِيهِ، لِأنَّهُ أسَكُّ، فَكَيْفَ وهُوَ مَيِّتٌ؟ فَقالَ: «فَواللهِ لَلدُّنْيا أهْوَنُ عَلى اللهِ، مِن هَذا عَلَيْكُمْ».
(2) – حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى العَنَزِيُّ، وإبْراهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ السّامِيُّ، قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ الوَهّابِ يَعْنِيانِ الثَّقَفِيَّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ جابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ لا بِمِثْلِهِ، غَيْرَ أنَّ فِي حَدِيثِ الثَّقَفِيِّ: فَلَوْ كانَ حَيًّا كانَ هَذا السَّكَكُ بِهِ عَيْبًا.
==========
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
قال الحافظ النووي رحمه الله: (” [(56)]- (كِتَابُ: الزُّهْدِ، وَالرَّقَائِقِ) “).
((56)) – (كِتَابُ الزُّهْدِ، وَالرَّقَائِقِ)، وفيه مسائل:
(المسألة الأولى): تعريف الزهد لغة واصطلاحًا:
قال الإتيوبي عفا الله عنه: («الزُّهْدُ»):
“بضم، فسكون: ترك الشيء، والإعراض عنه [«المصباح المنير» (1) / (257)].
وقال المجد رحمه الله: زَهَدَ فيه، كمَنَعَ، وسَمِعَ، وكَرُمَ زُهْدًا، وزَهَادَةً، أو هي في الدنيا، والزُّهد في الدين: ضدّ رَغِبَ. انتهى.
وقال في «التاج» عن بعض أئمة اللغة أنه قال: أصوب ما قيل فيه – أي: في تعريف، الزهد – أنه: أخذ أقلّ الكفاية، مما تُيُقِّن حلُّه، وترك الزائد على ذلك لله تعالى. انتهى [«تاج العروس» ص (2011)].
وقال ابن القيّم رحمه الله في «مدارج السالكين» ((2) / (12)): والذي أجمع عليه العارفون أن الزهد: سَفَر القلب من وطن الدنيا، وأخذه في منازل الآخرة،
قال: ومتعلّقه ستة أشياء لا يستحقّ العبد اسم الزهد حتى يزهد فيها، وهي: المال، والصُّوَر، والرئاسة، والناس، والنفس، وكلّ ما دون الله.
قال: وليس المراد رفضها من المُلك،
فقد كان داود، وسليمان عليهما الصلاة والسلام من أزهد أهل زمانهما، ولهما من المال، والمُلك، والنساء ما لهما، وكان نبيّنا لا أزهد البشر على الإطلاق، وله تسع نسوة، وكان عليّ بن أبي طالب، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير، وعثمان رضي الله عنه من الزهاد، مع ما كان لهم من الأموال، وكان الحسن بن عليّ رضي الله عنه من الزهّاد، مع أنه كان من أكثر الأمة محبّة للنساء، ونكاحًا لهنّ، وأغناهم، وكان عبد الله بن المبارك من الأئمة الزهّاد، مع كثرة أمواله، وكذلك الليث بن سعد من الأئمة الزهاد، وكان له رأس مال يقول: لولا هذا لتمندل بنا هؤلاء.
قال: ومن أحسن ما قيل في الزهد كلام الحسن، أو غيره: “ليس الزهد في الدنيا بتحريم الحلال، ولا إضاعة المال، ولكن أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك، وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أصبت بها أرغب منك فيها لم لو تصبك”، فهذا من أجمع كلام في الزهد، وأحسنه، وقد روي مرفوعًا.
والحاصل:
أن حقيقة الزهد ليست منافية للأخذ بأسباب الدنيا، وإنما حقيقته أن لا تتعلّق الأسباب بقلب العبد حتى تلهيه عن ذكر الله تعالى، والدار الآخرة، وأن يكون الإنسان إنما يؤثر نعيم الآخرة على نعيم الدنيا،
ومن هنا يفترق الزهد عن الرهبانيّة التي ابتدعها النصارى، فإن الرهبانية ترك أسباب الدنيا بأسرها،
والزهد ليس كذلك، وإنما هو أن تكون رغبة العبد في الآخرة أكثر من رغبته في الدنيا، وأن لا تشغله أسباب الدنيا عن سعيه للآخرة، والله تعالى أعلم [راجع: «تكملة فتح الملهم» (6) / (427) – (429)].
(المسألة الثانية): الفرق بين الزهد والورع:
الورع: هو الكف عما لا ينبغي، ثم استعير للكف عن المباح والحلال [الفائق في غريب الحديث للزمخشري، (4) / (56)، والنهاية لابن الأثير، (5) / (174)].
ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أن الزهد: ترك ما لا ينفع في الآخرة، والورع: ترك ما يُخاف ضرره في الآخرة.
[انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، (10) / (511)، (561) (20) / (142)، ومدارج السالكين لابن القيم، (2) / (10)].
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: «وهذه العبارة من أحسن ما قيل: في الزهد، والورع، وأجمعها» [مدارج السالكين لابن القيم، (2) / (10)].
(المسألة الثالثة): الزهد على ثلاثة أوجه.
وقال الإمام أحمد رحمه الله: «الزهد على ثلاثة أوجه:
الأول: ترك الحرام، وهو زهد العوام.
والثاني: ترك الفضول من الحلال، وهو زهد الخواص.
الثالث: ترك ما يشغل عن الله، وهو زهد العارفين». [مدارج السالكين، لابن القيم، (2) / (12)].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله لا، قال: «رُبَّ أشعث مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبره» [مسلم، كتاب البر والصلة، باب فضل الضعفاء، برقم (2622)].
وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: «تُوفِّي رسول الله لا وما في رفي من شيء يأكله ذو كبدٍ إلا شطر شعير في رفٍّ لي، فأكلت منه حتى طال عليَّ، فكلته، ففني» [مسلم، كتاب الزهد، باب الدنيا سجن المؤمن، برقم (2973)].
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: «ألستم في طعام وشراب ما شئتم، لقد رأيت نبيكم لا ما يجد من الدَّقل ما يملأ به بطنه» [مسلم، كتاب الزهد، باب الدنيا سجن المؤمن، برقم (2977)]. وفي لفظ عن عمر: «لقد رأيت رسول الله لا يظل اليوم يلتوي ما يجد دقلًا يملأ به بطنه». [مسلم، كتاب الزهد، باب الدنيا سجن المؤمن، برقم (2978)].
[الدَّقل: تمر رديء، شرح النووي على صحيح مسلم، (18) / (321)]
(المسألة الرابعة):
“وينبغي للعبد المسلم أن يعلم بأن الدنيا فانية وزائلة، وكل ما فيها يتغير ويزول؛ لأنها إلى الآخرة طريق، وهي مزرعة للآخرة على التحقيق، وقد دل على ذلك الكتاب والسنة على النحو الآتي:
أولاً:
أما الأدلة من الكتاب الكريم العزيز:
1 – قولُه تعالى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيْهِ} [طه: 131]، أمَره ألَّا يتشوَّفَ إلى مَتاعِ الدُّنيا، أي: لا تنظُرْ إلى هؤلاء المُترَفينَ، وما هم فيه مِن النِّعمِ، فإنَّما هو زهرةٌ زائِلةٌ ونِعمةٌ حائِلةٌ؛ لنختبِرَهم بذلك. [انظر: ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (5/ 326).].
الحَائلُ (المعجم المعجم الوسيط)
الحَائلُ: المتغيَّر.
حائِلٌ (المعجم الغني)
جمع: حُوْلٌ، حُوَّلٌ، حَوائِلُ. [ح و ل]. (فاعل من حالَ).
1.:-أَصْبَحَتْ أَلْوانُ قَميصِهِ حائِلَةً بَعْدَ تَصْبينِهِ:-: أَي مُتَغَيِّرَةً، مُخْتَلِطَة الأَلْوانِ.
2 – وقولُه تعالى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: 32]، (ولا تشتَهوا ما فضَّل اللهُ به بعضَكم على بعضٍ). [((جامع البيان)) لابن جرير الطبري (6/ 663)].
3 – قولُه: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} [البقرة: 273]؛ لأنَّهم أغنياءُ النُّفوسِ، يتعفَّفونَ عمَّا في أيدي النَّاسِ، ويزهَدونَ فيه، فيُظَنُّونَ أغنياءَ بكثرةِ العَرَضِ. [انظر: ((عمدة الحفاظ)) للسمين الحلبي (3/ 177)].
4 – قولُه: {فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ} [الكهف: 40]، (فعسى ربِّي أن يرزُقَني خيرًا مِن بُستانِك هذا)، قيل: كان زاهِدًا في الدُّنيا، راغِبًا في الآخِرةِ. [((التفسير البسيط)) للواحدي (14/ 7)].
5 – قال الله تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَاكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
6 – وقال الله تعالى: {فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}.
7 – وقال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}.
8 – وقال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}.
9 – وقال تعالى عن مؤمن آل فرعون: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ}.
ثانيًا: وأما الأدلة من السنة المطهرة، فقد زهَّد النبي لا الناس في الدنيا، ورغَّبهم في الآخرة، بفعله وقوله لا.
وممَّا جاء في حضِّ النَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ على الزُّهدِ فيما في أيدي النَّاسِ:
1 – قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ليس الغِنى عن كثرةِ العَرَضِ، ولكنَّ الغِنى غِنى النَّفسِ)) [أخرجه البخاري (6446)، ومسلم (1051) من حديث أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه].
ومعنى الحديث: الغنى المحمود الدائم المستمرُّ الذي لا يزول عن صاحبه .. غنى النفس وشبعها عما في أيدي الناس، وقِلَّة حِرصها على جمع المال، لا كثرة المال مع الحرص على الزيادة؛ لأن من كان طالبًا للزيادة ولم يستغن بما معه من المال .. فليس له غنىً. انتهى» نووي «بزيادة وتصرف.
شرح سنن ابن ماجه للهرري = مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (25) / (194) — محمد الأمين الهرري
شرح النووي على مسلم (7) / (140) — النووي (ت (676))
وراجع لنفس النقل [((شرح البخاري)) لابن بطال (10/ 165)]. ابن بطال (ت (449))
وإكمال المعلم بفوائد مسلم (3) / (586) — القاضي عياض (ت (544))
2 – قال عُمرُ: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُعطيني العَطاءَ، فأقولُ: أعطِه مَن هو أفقَرُ إليه منِّي، فقال: خُذْه، إذا جاءك مِن هذا المالِ شيءٌ وأنت غَيرُ مُشرِفٍ ولا سائِلٍ فخُذْه، وما لا فلا تُتبِعْه نَفسَك)) [أخرجه البخاري (1473) واللفظ له، ومسلم (1045)].
أي: لا تجعَلْ نَفسَك تتحسَّرُ على فَوتِه، ولا تُعلِّقْها بطلبِ واتِّباعِ ما عندَ غَيرِك [((إكمال المعلم)) للقاضي عياض (3/ 579)، ((الإفصاح)) لابن هبيرة (1/ 103)].
إلا إذا كام أمر يتعلق بالآخرة ومحبة الله ورسوله فنافس عليه كما قال عمر في غزوة خيبر لما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأعطين الراية رجلا يخب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله … قال عمر فما استشرفت للإمارة إلا يومئذ ….
3 – وقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ هذا المالَ خَضِرةٌ حُلوةٌ، فمَن أخَذه بطِيبِ نَفسٍ بورِكَ له فيه، ومَن أخَذه بإشرافِ نَفسٍ لم يُبارَكْ له فيه، وكان كالذي يأكُلُ ولا يشبَعُ)) [أخرجه البخاري (6441)، ومسلم (1035) من حديثِ حكيمِ بنِ حِزامٍ رَضِيَ اللهُ عنه].
قولُه: (بإشرافِ نَفسٍ)، أي: بتطلُّعٍ وحِرصٍ وطَمعٍ، وشَرهٍ إليه، وارتِفاعٍ له، وتعرُّضٍ وطَلبٍ [((مطالع الأنوار)) لابن قرقول (6/ 36)، ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (4/ 64)].
4 – قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ومَن يستعفِفْ يُعِفَّه اللهُ، ومَن يستغْنِ يُغنِه اللهُ، ومَن يتصبَّرْ يُصبِّرْه اللهُ، وما أُعطِي أحدٌ عطاءً خَيرًا وأوسَعَ مِن الصَّبرِ)) [أخرجه البخاري (1496) واللفظ له، ومسلم (1053) من حديثِ أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه].
وفيه: الحضُّ على الاستِغناءِ عن النَّاسِ بالصَّبرِ، والتَّوكُّلِ على اللهِ، وانتِظارِ رِزقِ اللهِ، وذلك أفضَلُ ما أُعطِيَه المُؤمِنُ [((الاستذكار)) لابن عبد البر (27/ 411)].
5 – قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ليس منَّا مَن لم يتغَنَّ بالقرآنِ)) [أخرجه البخاري (7527) من حديثِ أبي هريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه]، مِن معانيه: لم يستغْنِ به، فلا يطمَحُ بَصرُه إلى ما عندَ النَّاسِ مِن زخارِفِ الدُّنيا، وعندَه معارِفُ المولى [((أعلام الحديث)) للخطابي (2/ 1184)].
6 – وقال النبي لا: «لو كان لي مثل أُحد ذهبًا ما يسرني أن لا يمر عليَّ ثلاث وعندي منه شيء إلا شيء أرصُدُهُ لدَيْن». [متفق عليه].
7 – وقد ثبت عنه لا أنه اضطجع على حصير فأثَّر في جنبه، فدخل عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولما استيقظ جعل يمسح جنبه فقال: يا رسول الله لو أخذت فراشًا أوثر من هذا؟ فقال لا: «ما لي وللدنيا، ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح وتركها» [أحمد في المسند، (1) / (301) بلفظه، والترمذي بنحوه، في كتاب الزهد، باب (44)، برقم (1377)، وقال حديث حسن صحيح، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب مثل الدنيا، برقم (4109)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، (2) / (280)، وصحيح ابن ماجه، (2) / (394)].
8 – وقال أبو هريرة رضي الله عنه: «ما شبع آل محمد من طعام ثلاثة أيام حتى قبض» [البخاري، كتاب الأطعمة، باب قول الله تعالى: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} الآية، برقم (5374)]. والمقصود أنهم لم يشبعوا ثلاثة أيام متوالية، والظاهر أن سبب عدم شبعهم غالبًا كان بسبب قلة الشيء عندهم، على أنهم قد يجدون، ولكن يؤثرون على أنفسهم [انظر: فتح الباري لابن حجر، (9) / (517)، (549)].
وسيأي جملة من الأحاديث في صحيح مسلم تحت هذا الباب بإذن الله تعالى.
9 – عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله لا: «من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه؛ جعل الله فقره بين عينيه، وفرَّق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قُدِّر له» [الترمذي، كتاب صفة القيامة، باب: حدثنا سويد، برقم (2465)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، (2) / (593)، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم (949) – (950)].
10 – عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله لا قال: «من أحب دنياه أضرَّ بآخرته، ومن أحب آخرته أضر بدنياه، فآثروا ما يبقى على ما يفنى» [أحمد، (4) / (412)، وابن حبان، رقم (709)، والحاكم، (4) / (319)، قال الإمام المنذري في الترغيب والترهيب، برقم (4744): «رواه أحمد ورواته ثقات». وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب على الحديث رقم (3247): «صحيح لغيره» وذكر له شاهدًا في الأحاديث الصحيحة، برقم (3287)].
11 – عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه لما حضرته الوفاة قال: يا معشر الأشعريين، ليُبلِّغ الشاهد الغائب، إني سمعت رسول الله لا يقول: «حلاوة الدنيا مرةُ الآخرة، ومرةُ الدنيا حلاوة الآخرة». [الحاكم وصححه ووافقه الذهبي، (4) / (310)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، برقم (3248)].
12 – أوَّلُ من يدخل الجنة: الأتقى الأزهد في الدنيا:
على المسلم أن يعلم أن الداخلين إلى الجنة يكون أسبقهم إليها دخولًا أتقاهم لله تعالى، وأعلمهم به عزوجل، وأزهدهم في الدنيا على النحو الآتي:
(1) – أوَّلُ من يدخل الجنة: محمد لا -؛ «آتي باب الجنة يوم القيامة، فأستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول محمد، فيقول: بك أُمِرتُ لا أفتحُ لأحدٍ قبلك» [مسلم، كتاب الإيمان، باب قول النبي لا: «أنا أول من يشفع في الجنة، وأكثر الأنبياء تبعًا»، (1) / (188)، برقم (197)].
(2) – أمة محمد لا -؛ «نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، ونحن أول من يدخل الجنة». [مسلم، كتاب الإيمان، باب قول النبي لا: «أنا أول من يشفع في الجنة، وأكثر الأنبياء تبعًا»، (1) / (188)، برقم (196)].
(3) – الفقراء؛ «يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام: نصف يوم» [أخرجه الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء أن فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم، برقم (2353)، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب منزلة الفقراء، برقم (4122)، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، (2) / (275)، وفي صحيح ابن ماجه، (2) / (396)]. [الزكاة في الإسلام للقحطاني، (400 – 409)، بتصرف].
ثالثًا: مِن أقوالِ السَّلفِ والعُلَماءِ:
1 – كتَب أبو الدَّرداءِ إلى بعضِ إخوانِه: (أمَّا بَعدُ، فإنِّي أوصيك بتقوى اللهِ، والزُّهدِ في الدُّنيا، والرَّغبةِ فيما عندَ اللهِ؛ فإنَّك إذا فعلْتَ ذلك أحبَّك اللهُ لرغبتِك فيما عندَه، وأحبَّك النَّاسُ لتَركِك لهم دُنياهم، والسَّلامُ) [((شعب الإيمان)) للبيهقي (13/ 198)].
2 – وحضَر رجُلًا مِن الأنصارِ الموتُ، فقال لابنِه: يا بُنيَّ إنِّي موصيك بوَصيَّةٍ فاحفَظْها؛ فإنَّك إلَّا تحفَظْها منِّي خليقٌ ألَّا تحفَظَها مِن غَيري: اتَّقِ اللهَ عزَّ وجلَّ، وإن استطعْتَ أن تكونَ خيرًا منك أمسِ، وغدًا خيرًا منك اليومَ؛ فافعَلْ، وإيَّاك والطَّمعَ؛ فإنَّه فقرٌ حاضِرٌ، وعليك بالإياسِ؛ فإنَّك لا تيأسُ مِن شيءٍ إلَّا أغناك اللهُ عنه عزَّ وجلَّ، وإيَّاك وكُلَّ شيءٍ يُعتذَرُ منه؛ فإنَّه لا يُعتذَرُ مِن خيرٍ، وإذا عثَر عاثِرٌ مِن بَني آدَمَ فاحمَدِ اللهَ ألَّا تكونَه، فإذا قُمْتَ إلى صلاتِك فصلِّ صلاةَ المُودِّعِ، وأنَّك ترى أنَّك لا تُصلِّي بَعدَها أبدًا [((الزهد)) للإمام أحمد، رواية عبد الله (ص: 631)].
3 – رُوِي عن الحَسنِ البَصريِّ قولُه: (لا تزالُ كريمًا على النَّاسِ، ولا يزالُ النَّاسُ يُكرِمونَك ما لم تتَعاطَ ما في أيديهم، فإذا فعلْتَ ذلك استخَفُّوا بك، وكرِهوا حديثَك، وأبغَضوك) [((الزهد لأحمد)) رواية عبد الله (ص: 216) رقم (1511)].
4 – وقال سعيدُ بنُ جُبَيرٍ: (أظهِرِ اليأسَ ممَّا في أيدي النَّاسِ؛ فإنَّه الغِنى، وإيَّاك وما يُعتذَرُ منه؛ فإنَّه لا يُعتذَرُ مِن خيرٍ) [((الطبقات الكبير)) لابن سعد (8/ 380)].
5 – قال وَهبُ بنُ مُنبِّهٍ: (كان العُلَماءُ قَبلَنا قد استغنَوا بعِلمِهم عن دُنيا غَيرِهم، فكانوا لا يلتفِتونَ إلى دُنيا غَيرِهم، وكان أهلُ الدُّنيا يبذُلونَ لهم دُنياهم رَغبةً في عِلمِهم، فأصبَح أهلُ العِلمِ اليومَ فينا يبذُلونَ لأهلِ الدُّنيا عِلمَهم رغبةً في دُنياهم، وأصبَح أهلُ الدُّنيا قد زَهِدوا في عِلمِهم لِما رأَوا مِن سوءِ مَوضِعِهم عندَهم) [((الحلية)) لأبي نعيم الأصبهاني (4/ 29)].
6 – قال أيُّوبُ السَّختيانيُّ: (لا ينبُلُ الرَّجلُ حتَّى تكونَ فيه خَصلتانِ: العِفَّةُ عمَّا في أيدي النَّاسِ، والتَّجاوُزُ عمَّا يكونُ منهم) [((روضة العقلاء)) لابن حبان (ص: 167)، ((التوبيخ والتنبيه)) لأبي الشيخ الأصبهاني (ص: 68) رقم (58)]. وفي لفظٍ: (لا يستوي العبدُ -أو لا يسودُ العبدُ- حتَّى يكونَ فيه خَصلتانِ: اليأسُ ممَّا في أيدي النَّاسِ، والتَّغافُلُ عمَّا يكونُ منهم).
7 – قال ابنُ المُبارَكِ: (سخاءُ النَّفسِ عمَّا في أيدي النَّاسِ أفضَلُ مِن سخاءِ النَّفسِ بالبَذلِ).
8 – وقال بعضُ الحُكَماءِ: (صِلْ مَن شئْتَ فأنت أميرُه، وسلْ مَن شئْتَ فأنت حقيرُه، واستَغنِ عمَّن شئْتَ فأنت نَظيرُه) [((سُنن الصالحين وسَنن العابدين)) لأبي الوليد الباجي (ص: 448)].
9 – كان يُقالُ: (أفضَلُ النَّاسِ مَن كان فيه خمسُ خِصالٍ:
أوَّلُها: أن يكونَ على عبادةِ ربِّه مُقبِلًا.
والثَّاني: أن يكونَ نَفعُه للخَلقِ ظاهِرًا.
والثَّالثُ: أن يكونَ النَّاسُ مِن شَرَهِه آمِنينَ.
والرَّابعُ: أن يكونَ عمَّا في أيدي النَّاسِ آيسًا.
والخامسُ: أن يكونَ للموتِ مُستعِدًّا) [((تنبيه الغافلين)) للسمرقندي (ص: 44)].
10 – قال ابنُ عُثَيمينَ: (مَن لم يستَغنِ عمَّا في أيدي النَّاسِ لم يُغنِه اللهُ عنهم، يبقى دائِمًا مُتلهِّفًا إلى ما في أيدي النَّاسِ) [((فتح ذي الجلال والإكرام)) (3/ 108)]. [الدرر].
(المسألة الخامسة): فوائِدُ الزُّهدِ
1 – سَببٌ لمحبَّةِ النَّاسِ؛ فإنَّ الدُّنيا محبوبةٌ للنَّاسِ، فمَن يُزاحِمُهم عليها يُبغِضونَه،
(اللهُ يغضَبُ إن تركْتَ سُؤالَه
وبُنيُّ آدَمَ حينَ يُسأَلُ يغضَبُ).
2 – راحةُ القلبِ والبَدنِ.
3 – التَّخلِّي عن داءِ الحِرصِ.
4 – حُصولُ البَركةِ.
5 – اغتِنامُ العُمُرِ.
6 – سَدُّ بابِ الظُّلمِ وحُصولُ العَدلِ والأمنِ؛ فإنَّ المرءَ قد يتطلَّعُ إلى ما في يدِ غَيرِه، فتدعوه القوَّةُ الشَّهوانيَّةُ إلى أخذِه قَهرًا.
7 – الاستِعفافُ عن المسألةِ وتجنُّبُ ذُلِّ السُّؤالِ؛ قال الحَسنُ البَصريُّ: “عِزُّ المُؤمِنِ استِغناؤُه عمَّا في أيدي النَّاسِ”.
8 – الرِّضا بقضاءِ اللهِ وعَدمُ السَّخَطِ.
9 – النَّجاةُ مِن داءِ الشُّحِّ.
10 – ثباتُ العِلمِ في القلبِ؛ فإنَّ ذَهابَه بالطَّمعِ وشَرَهِ النَّفسِ، وتَطَلُّبِ الحاجاتِ إلى النَّاسِ.
11 – سلامةُ الدِّينِ وصيانةُ الإيمانِ.
12 – الطُّمأنينةُ وراحةُ البالِ وسلامةُ الصَّدرِ.
13 – التَّوقِّي مِن الوُقوعِ في المُحرَّماتِ. [الدرر].
(المسألة السادسة): مظاهِرُ وصُوَرُ الزُّهدِ فيما في أيدي النَّاسِ
1 – عَدمُ سُؤالِ النَّاسِ ما عندَهم، أو التَّعريضِ بذلك؛ قال ابنُ عُمرَ: (لا أسألُ أحدًا شيئًا، ولا أرُدُّ ما رزَقني اللهُ).
2 – التَّعفُّفُ عن أكلِ أموالِ النَّاسِ بأيِّ حيلةٍ.
3 – أكلُ الإنسانِ مِن عَمَلِ يدِه.
4 – عَدمُ تمنِّي ما عندَ غَيرِه مِن مالٍ.
5 – ردُّ صِلاتِ أهلِ الدُّنيا.
6 – عَدمُ الالتِفاتِ إلى زُخرُفِ الدُّنيا.
7 – تَركُ الحَسدِ. [الدرر].
(المسألة السابعة): موانِعُ الزُّهدِ فيما في أيدي النَّاسِ:
1 – الشَّرَهُ وطَلبُ الاستِكثارِ مِن المالِ.
2 – تَركُ الاكتِسابِ.
3 – نِسيانُ الآخِرةِ.
4 – عَدمُ الرِّضا والقَناعةِ، فيتشوَّفُ إلى ما في يدِ غَيرِه.
5 – الغَفلةُ عن أنَّ اللهَ تعالى هو الذي قسَم الأرزاقَ، فجعَل هذا غنيًّا، وهذا فقيرًا، وأعطى هذا، ومنَع ذاك.
6 – الوُقوعُ في أَسْرِ الشَّهَواتِ، والميلُ معَ الهوى.
7 – التَّعلُّقُ بالدُّنيا وازدِراءُ نِعمةِ اللهِ. [الدرر].
(المسألة الثامنة): الوسائِلُ المُعينةُ على الزُّهدِ فيما في أيدي النَّاسِ:
1 – تعويدُ النَّفسِ على القناعةِ؛ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((قد أفلَح مَن أسلَم، ورُزِق كَفافًا، وقنَّعه اللهُ بما آتاه)) أخرجه مسلم (1054) من حديث عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما.
2 – الاقتِداءُ بالنَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ؛ قال عَمرُو بنُ العاصِ: ((أيُّها النَّاسُ، كان نبيُّكم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أزهَدَ النَّاسِ في الدُّنيا، وأصبحْتُم أرغَبَ النَّاسِ فيها)).
3 – إدمانُ النَّظرِ في سِيَرِ السَّلفِ الصَّالِحِ؛ قال عَمرُو بنُ دينارٍ: (ما رأَيتُ أحدًا الدَّراهمُ أهوَنُ عليه مِن الزُّهريِّ، إن كانت الدَّراهِمُ عندَه بمنزِلةِ البَعْرِ!).
4 – طَلبُ العِلمِ؛ قال رَبيعةُ بنُ أبي عبدِ الرَّحمنِ: (العِلمُ وسيلةٌ إلى كُلِّ فَضيلةٍ).
5 – تَركُ مُجالَسةِ أهلِ الشَّرَهِ والطَّمعِ.
6 – اليأسُ ممَّا في أيدي النَّاسِ؛ لأنَّ الإنسانَ إذا أيِس مِن الشَّيءِ استغنى عنه.
7 – أن يعلَمَ أنَّ نِعمةَ اللهِ عليه فيما زوى عنه مِن الدُّنيا أعظَمُ مِن نِعمتِه عليه فيما أعطاه منها.
8 – الرِّضا بالمقسومِ والثِّقةُ بما عندَ الله.
9 – طَلبُ الرِّزقِ مِن اللهِ، فلا يبقى له حاجةٌ إلى الخَلقِ.
10 – سُؤالُ اللهِ غِنى النَّفسِ.
11 – عِلمُ العبدِ أنَّ الدُّنيا ظِلٌّ زائِلٌ وخَيالٌ زائِرٌ، نهى اللهُ عن الاغتِرارِ بها، وسمَّاها مَتاعَ الغُرورِ.
12 – النَّظرُ في الآخِرةِ، وشَرفِ ما فيها، ودَوامِ نَعيمِه.
13 – معرفتُه أنَّ زُهدَه لا يمنَعُه شيئًا كُتِب له، وأنَّ حِرصَه لا يجلِبُ له ما لم يُقضَ له ممَّا في أيدي النَّاسِ.
14 – الأنَفةُ مِن مُشارَكةِ الفُسَّاقِ، ومِن المَنقَصةِ عندَ اللهِ تعالى، والسُّقوطِ مِن عَينَيه.
15 – التَّربيةُ الحَسنةُ والنَّفَقةُ على العِيالِ وتعاهُدُ الأهلِ بالبِرِّ والمعروفِ. [الدرر].
(المسألة التاسعة): أخطاءٌ شائِعةٌ حولَ الزُّهدِ فيما في أيدي النَّاسِ
1 – ليس المُرادُ مِن الزُّهدِ رَفضَ المالِ مِن المِلكِ؛ فقد كان سُلَيمانُ وداودُ عليهما السَّلامُ مِن أزهَدِ أهلِ زمانِهما، ولهما مِن المالِ والمُلكِ والنِّساءِ ما لهما، وكان عليُّ بنُ أبي طالِبٍ وعبدُ الرَّحمنِ بنُ عَوفٍ والزُّبَيرُ وعُثمانُ -رضِي اللهُ عنهم- مِن الزُّهَّادِ معَ ما كان لهم مِن الأموالِ، وكان الحَسنُ بنُ عليٍّ رضِي اللهُ عنه مِن الزُّهَّادِ معَ أنَّه كان مِن أغنى النَّاسِ، وكان عبدُ اللهِ بنُ المُبارَكِ مِن الأئمَّةِ الزُّهَّادِ، معَ مالٍ كثيرٍ، وكذلك اللَّيثُ بنُ سَعدٍ مِن أئمَّةِ الزُّهدِ، وكان له رأسُ مالٍ [((مدارج السالكين)) لابن القيم (2/ 15)]، قال ابنُ القيِّمِ: (الزُّهدُ زُهدُ القلبِ لا زُهدُ التَّركِ مِن اليدِ وسائِرِ الأعضاءِ، فهو تخلِّي القلبِ عنها، لا خُلوُّ اليدِ منها) [((مدارج السالكين)) (2/ 19)].
2 – مِن [الطُرُقية] الذين لا يرَونَ إلَّا عَيبَ المالِ، ويخافونَ مِن شرِّه، فيتجرَّدونَ مِن الأموالِ، ويجلِسونَ على بِساطِ الفَقرِ، وقد ورِث أبو عبدِ اللهِ المقَّريُّ مِن أبيه خمسينَ ألفَ دينارٍ سِوى الضِّياعِ والعَقارِ، فخرَج عن ذلك كُلِّه، وأنفَقه على الفُقَراءِ، وقد رُوي مِثلُ هذا عن جماعةٍ كثيرةٍ، وهذا الفِعلُ لا يُلامُ صاحِبُه إذا كان يرجِعُ إلى كِفايةٍ قد ادَّخَرها لنَفسِه، أو إن كانت له صِناعةٌ يستَغني بها عن النَّاسِ، أو كان المالُ عن شُبهةٍ، فتصدَّق به، أمَّا إذا أخرَج المالَ الحلالَ كُلَّه، ثُمَّ احتاج إلى ما في أيدي النَّاسِ، وأفقَر عِيالَه؛ فهو إمَّا أن يتعرَّضَ لمِنَنِ الإخوانِ أو لصَدَقاتِهم، أو أن يأخُذَ مِن أربابِ الظُّلمِ والشُّبُهاتِ؛ فهذا هو الفِعلُ المذمومُ المَنهيُّ عنه، والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال لكَعبِ بنِ مالِكٍ لمَّا أراد أن يتصدَّقَ بمالِه كُلِّه: ((أمسِكْ عليك بعضَ مالِك؛ فهو خيرٌ لك)). [أخرجه البخاري (2757)، ومسلم (2769)]، وقال لسَعدٍ: ((إنَّك أن تَذَرَ وَرَثتَك أغنياءَ خيرٌ مِن أن تَذَرَهم عالةً يتكفَّفونَ النَّاسَ)) [أخرجه البخاري (6373) ومسلم (1628)].
أمَّا ما جاء أنَّ أبا بكرٍ رضِي اللهُ عنه جاء بكُلِّ مالِه؛ فالجوابُ: أنَّ أبا بكرٍ صاحِبُ مَعاشٍ وتجارةٍ؛ فإذا أخرَج الكُلَّ أمكَنه أن يستدينَ عليه فيَتمَعيَشَ، فمَن كان على هذه الصِّفةِ لا يُذَمُّ إخراجُه لمالِه.
وإنَّما الذَّمُّ مُتطرِّقٌ إلى مَن يُخرِجُ مالَه وليس مِن أربابِ المعايِشِ، أو يكونُ مِن أولئك إلَّا أنَّه ينقطِعُ عن المَعاشِ، فيبقى كَلًّا على النَّاسِ، يستَعطيهم، ويتعلَّقُ قَلبُه بالخَلقِ، ومتى حُرِّك بابُه نهَض قَلبُه، وقال: رِزقٌ قد جاء!
وهذا أمرٌ قبيحٌ بمَن يقدِرُ على المَعاشِ، وإن لم يقدِرْ كان إخراجُ ما يملِكُ أقبَحَ؛ لأنَّه يتعلَّقُ قلبُه بما في أيدي النَّاسِ، وربَّما ذلَّ لبعضِهم، أو تزيَّن له بالزُّهدِ، وأقَلُّ أحوالِه أن يُزاحِمَ الفُقَراءَ والمكافيفَ والزَّمْنى في الزَّكاةِ [((تلبيس إبليس)) لابن الجوزي (ص: 158)، ((صيد الخاطر)) لابن الجوزي (ص: 74، 75)]. [الدرر].
[تنويه]: وسيأتي إن شاء الله تعالى في هذا الباب ذكر نماذج من زهد النبي صلى الله عليه وسلم
[تنبيه انظر]: (عبق الياسمين شرح رياض الصالحين، (463) و (464) و (465) و (466))، التعليق على باب: فضل الزهد في الدنيا، والحث على التقلل منها وفضل الفقر.
………………….
(المسألة السادسة): تعريف الرقائق
قال الإتيوبي عفا الله عنه: («الرقاق»):
بكسر الراء، وتخفيف القاف، وكذا الرقائق، فهي: جمع رقيقة، وسُمِّيت هذه الأحاديث بذلك؛ لأن في كل منها ما يُحدث في القلب رِقّة، قال أهل اللغة: الرقة: الرحمة، وضدّ الغِلَظ، ويقال للكثير الحياء: رَقّ وجهه استحياءً، وقال الراغب: متى كانت الرقة في جسم، فضدّها الصَّفَاقة، كثوب رقيق، وثوب صَفيق، ومتى كانت في نفس، فضدّها القسوة، كرقيق القلب، وقاسي القلب، وقال الجوهريّ: وترقيق الكلام: تحسينه.
ذكره في «الفتح» [«الفتح» (14) / (491)].
[تنبيه]: سبق في (فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم، (2736) إلى (2742)) ذكر ما يتعلق بالرقاق: تعريف ذلك، وأهميته، و التوازن بين ذلك وباقي العلوم، وما هي الأبواب التي تدخل فيه.
((1)) – (بَابُ: بَيَانِ كَوْنِ الدُّنَيَا سِجْنَ الْمُؤْمِنِ، وَهَوَانِهَا عَلَى اللهِ تَعَالَى، وَغَيْرِ ذَلِكَ). هكذا في شرح الإتيوبي رحمه الله، وفي نسخة دار المعرفة: (1 – الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر)،
وبوب عبد العظيم المنذري (ت (656)) رحمه الله في مختصر صحيح مسلم: “باب: في الزهد في الدنيا، وهوانها على الله عزوجل”. وأورد فيه الحديث الأول والثاني.
وفي صحيح ابن حبان: المسند الصحيح، بوب على الحديث الأول: “ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ الدُّنْيَا إِنَّمَا جُعِلَتْ سِجْنًا لِلْمُسْلِمِينَ لِيَسْتَوْفُوا بِتَرْكِ مَا يَشْتَهُونَ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْجِنَانِ فِي الْعُقْبَى.”. انتهى.
قال الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله:
[(7387)] ((2956)) – (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ – يَعْنِي: الدَّرَاوَرْدِيَّ – عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ لا: «الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ، وَجَنَّةُ الْكَافِرِ»).
شرح الحديث:
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) رضي الله عنه؛ أنه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ لا: «الدُّنْيَا)؛ أي: الحياة الدنيا، (سِجْنُ الْمُؤْمِنِ) بالنسبة لِمَا أُعدَّ له في الآخرة من النعيم المقيم، (وَجَنَّةُ الْكَافِرِ) بالنسبة لِمَا أمامه من عذاب الجحيم، وعما قريب يحصل في السجن المستدام، نسأل الله السلامة يوم القيامة، وقيل: المؤمن صَرَف نفسه عن لذاتها، فكأنه في السجن؛ لِمَنْع الملاذّ عنه، والكافر سَرَّحها في الشهوات، فهي له كالجنة.
وقال النوويّ عفا الله عنه: معناه أن كل مؤمن مسجون، ممنوع في الدنيا من الشهوات المحرمة، والمكروهة، مكلف بفعل الطاعات الشاقة، فإذا مات استراح من هذا، وانقلب إلى ما أعد الله تعالى له من النعيم الدائم، والراحة الخالصة من النقصان، وأما الكافر فإنما له من ذلك ما حصل في الدنيا مع قلّته، وتكديره بالمنغِّصات، فإذا مات صار إلى العذاب الدائم، وشقاء الأبد. انتهى [» شرح النوويّ” (18) / (93)].
قال عبد الرحمن المباركفوري (ت (1353)) رحمه الله بعد أن أورد قول النووي رحمه الله السابق:
وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ: لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ شَهَوَاتِهَا الْمُحَرَّمَةِ، فَكَأَنَّهُ فِي سِجْنٍ وَالْكَافِرُ عَكْسُهُ فَكَأَنَّهُ فِي جَنَّةٍ. انْتَهَى.
وَقِيلَ: كَالسِّجْنِ لِلْمُؤْمِنِ فِي جَنْبِ مَا أُعِدَّ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الثَّوَابِ وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ، وَكَالْجَنَّةِ لِلْكَافِرِ فِي جَنْبِ مَا أُعِدَّ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْعُقُوبَةِ وَالْعَذَابِ الْأَلِيمِ”. انتهى. [تحفة الأحوذي، (6/ 506)].
و”هذا المعنى الذي ذكره النووي رحمه الله قاصر؛ لأن معنى: «الدُّنْيَا سِجْنُ المُؤْمِنِ»: أن المؤمن ممنوع من التنعم بنعيم الآخرة، ومحجوب عنها، وإن كان في الدنيا في راحة بال، وطمأنينة؛ لِما فيه من التنعم بالإيمان ولذة المناجاة والأنس بالله عزوجل، والشوق إليه سبحانه، قال ابن القيم رحمه الله: «سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه، يقول: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة». [مدارج السالكين، لابن القيم ((1) / (452))].
وقال يحيى بن معاذ الرازي: في الدنيا جنة من دخلها لم يشتق إلى شيء ولم يستوحش، قيل: وما هي؟ قال: معرفة الله تعالى،
قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد (1) / (262) — أبو طالب المكي (ت (386))
وقال أبو سليمان: أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم، ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا، وقال أيضًا: لو عوض الله عزوجل أهل الليل من ثواب أعمالهم ما يجدونه في قلوبهم من اللذة لكان ذلك أكبر من أعمالهم
وقال بعض العلماء: ليس في الدنيا وقت يشبه نعيم أهل الجنة إلا ما يجده أهل التملّق في قلوبهم بالليل من حلاوة المناجاة،
وقال بعضهم: قيام الليل والتملّق للحبيب والمناجاة للقريب في الدنيا ليس من الدنيا هو من الجنة أظهر لأهل الله تعالى في الدنيا، لا يعرفه إلا هم، ولا يجده سواهم روحًا لقلوبهم.
قوت القلوب لأبي طالب المكي
وأما الكافر فهو يتمتع في الدنيا كما تتمتع البهائم، فليس له هم سوى بطنه، وفرجه، ثم بعد ذلك إذا مات انقلب إلى شقاء وعذاب أبدي، قال تعالى: {والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم} – نسال الله العافية والسلامة”. [توفيق الرب المنعم للراجحي، (8/ 373 – 374)].
وقال القرطبيّ عفا الله عنه: إنما كانت الدنيا كذلك؛ لأن المؤمن فيها مقيّد بقيود التكاليف، فلا يقدر على حركة، ولا سكون إلا أن يفسح له الشرع، فيفك قيده، ويُمكنه من الفعل، أو الترك، مع ما هو فيه من توالي أنواع البلايا، والمحن، والمكابدات من الهموم، والغموم، والأسقام، والآلام، ومكابدة الأنداد، والأضداد، والعيال، والأولاد، وعلى الجملة يبتلى المرء على حسب دينه.
أخرج الترمذيّ عن سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أيّ الناس أشدّ بلاءً؟ قال: «الأنبياء، ثم الأمثل، فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبًا اشتدّ بلاؤه، وإن كان في دينه رقّة ابتلى على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة»، قال الترمذيّ: هذا حديث حسن صحيح [«جامع الترمذيّ» (4) / (601)].
وأيُ سجن أعظم من هذا؟ ثم هو في هذا السجن على غاية الخوف والوجل؛ إذ لا يدري بماذا يُختم له من عمل، كيف وهو يتوقّع أمرًا لا شيء أعظم منه، ويخاف هلاكًا لا هلاك فوقه؟! فلولا أنه يرتجي الخلاص من هذا السجن لهلك مكانه، لكن الله عزوجل لطف به، فهوّن عليه ذلك كلّه بما وعده على صبره، وبما كشف له من حميد عاقبة أمره.
والكافر منفكّ عن تلك الحالات بالتكاليف، آمِن من تلك المخاويف، مقبلٌ على لذّاته، منهمك في شهواته، مغترّ بمساعدة الأيام، يأكل، ويتمتع، كما تأكل الأنعام، وعن قريب يستيقظ من هذه الأحلام، ويحصل في السجن الذي لا يرام، فنسأل الله السلامة من أهوال يوم القيامة. انتهى [«المفهم» (7) / (109) – (110)].
قال ابن تيمية:
الْمُؤمن أرجح فِي النَّعيم واللذة من الْكَافِر فِي الدُّنْيَا قبل الْآخِرَة وَإِن كَانَت الدُّنْيَا سجن الْمُؤمن وجنة الْكَافِر
وَهَذَا مِمَّا يظْهر بِهِ حسن حَال الْمُؤمن وترجحه فِي النَّعيم واللذة على الْكَافِر فِي الدُّنْيَا قبل الْآخِرَة وَإِن كَانَت الدُّنْيَا سجن الْمُؤمن وجنة الْكَافِر
فَأَما مَا وعد بِهِ الْمُؤمن بعد الْمَوْت من كَرَامَة الله فَإِنَّهُ تكون الدُّنْيَا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ سجنا وَمَا للْكَافِرِ بعد الْمَوْت من عَذَاب الله فَإِنَّهُ تكون الدُّنْيَا جنَّة بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَلِك
وَذَلِكَ أَن الْكَافِر صَاحب الْإِرَادَة الْفَاسِدَة إِمَّا عَاجز وَإِمَّا قَادر فَإِن كَانَ عَاجِزا تَعَارَضَت إِرَادَته وَقدرته حَتَّى لَا يُمكنهُ الْجمع بَينهمَا وَإِن كَانَ قَادِرًا أقبل على الشَّهَوَات وأسرف فِي التذاذه بهَا وَلَا يُمكنهُ تَركهَا
وَلِهَذَا تَجِد الْقَوْم من الظَّالِمين أعظم النَّاس فجورا وَفَسَادًا وطلبا لما يروحون بِهِ أنفسهم من مسموع ومنظور ومشموم ومأكول ومشروب وَمَعَ هَذَا فَلَا تطمئِن قُلُوبهم بِشَيْء من ذَلِك هَذَا فِيمَا ينالونه من اللَّذَّة وَأما
مَا يخافونه من الْأَعْدَاء فَهُوَ أعظم النَّاس خوفًا وَلَا عيشة لخائف وَأما الْعَاجِز مِنْهُم فَهُوَ فِي عَذَاب عَظِيم لَا يزَال فِي أَسف على مَا فَاتَهُ وعَلى مَا أَصَابَهُ
وَأما الْمُؤمن فَهُوَ مَعَ مقدرته لَهُ من الْإِرَادَة الصَّالِحَة والعلوم النافعة مَا يُوجب طمأنينة قلبه وانشراح صَدره بِمَا يَفْعَله من الْأَعْمَال الصَّالِحَة وَله من الطُّمَأْنِينَة وقرة الْعين مَا لَا يُمكن وَصفه وَهُوَ مَعَ عَجزه أَيْضا لَهُ من أَنْوَاع الإرادات الصَّالِحَة والعلوم النافعة الَّتِي يتنعم بهَا مَا لَا يُمكن وَصفه
جامع الرسائل لابن تيمية – رشاد سالم (2) / (361) — ابن تيمية
وقال السهرورديّ عفا الله عنه: كلما هَمّ القلب بالتبري عن مشائم الأهواء الدنيوية، والتخلص عن قيود الشهوات العاجلة، فتدلى له الشيطان بحبل النفس الأمّارة إليه، و من حيل بينه وبين محبوبه ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وضاقت عليه نفسه، ولهذا المعنى أخبر الله تعالى عن جماعة من الصحابة حيث تخلَّفوا عن رسول الله لا في بعض الغزوات، فقال تعالى: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ} الآية [التوبة: (118)] [«الكاشف عن حقائق السنن» (10) / (3273)]. باختصار
قال ابن القيم: “الدُّنيا سِجْنُ المُؤْمِنِ» (
فيه تفسيرانِ صحيحانِ:
أحدهما: أن المؤمنَ قَيَّدَهُ إيمانُهُ عن المحظورات، والكافر مطلقُ التَّصَرُّف.
الثاني: أن ذلك باعتبار العواقب، فالمؤمنُ لو كان أنعمَ النَّاس، فذلك بالإضافة إلى مآله في الجنة كالسِّجن، والكافرُ عكْسُه، فإنه لو كان أشدَّ النَّاس (ظ/ (192) ب) بؤسًا فذلك بالنسبة إلى النار جَنَّتُه”
وقال المناوي: لأنه ممنوع من شهواتها المحرمة فكأنه في سجن، والكافر عكسه فكأنه في جنة انتهى. وقيل: كالسجن للمؤمن في جنب ما أعد له في الآخرة من الثواب والنعيم المقيم، وكالجنة للكافر في جنب ما أعد له في الآخرة من العقوبة والعذاب الأليم. (تحفة الأحوذي)
قال السندي:” قوله (سجن المؤمن)
فإنه وإن كان في نعمة فالجنة خير له منها
(وجنة الكافر)
إنه وإن كان في مقيتة فالنار شر له منها.” حاشية ابن ماجه”
وفي الحديث تحريض للمؤمن على الإعراض عنها وعدم النظر لها نظر محبة لأن ذلك شأن السجن. (دليل الفالحين)
قال العباد:
قال: (الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر)، فالكافر لا يريد أن يخرج من هذه الدنيا؛ لأنه ليس عنده نعيم إلا فيها، فما بعدها إلا العذاب الدائم المستمر، وأما المؤمن فإنه في الدنيا في سجن، أي أنه تحصل له المصائب والنكبات، ومع ذلك فإنه يصبر ويحتسب، ولكنه عندما ينتقل من هذه الدار إلى دار النعيم فكأنه خرج من السجن، فينطلق في نعيم الجنة وخيراتها وما أعده الله له فيها
[شرح الأربعين النووية – العباد 5/ 6 بترقيم الشاملة آليا]
[فائدة]: ذكروا أن الحافظ ابن حجر عفا الله عنه لما كان قاضي القضاة مَرّ يومًا بالسوق في موكب عظيم، وهيئة جميلة، فهجم عليه يهوديّ يبيع الزيت الحارّ، وأثوابه ملطخة بالزيت، وهو في غاية الرثاثة والشناعة، فقبض على لجام بغلته، وقال: يا شيخ الإسلام تزعم أن نبيكم، قال: «الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر»، فأيّ سجن أنت فيه، وأي جنة أنا فيها؟
فقال: أنا بالنسبة لما أَعد الله لي في الآخرة من النعيم، كأني الآن في السجن، وأنت بالنسبة لما أُعد لك في الآخرة من العذاب الأليم، كأنك في جنة، فأسلم اليهوديّ، ذكره المناويّ رحمه الله. [«فيض القدير» (3) / (546)].
وقال فيصل آل مبارك (ت (1376)) رحمه الله:
“معنى ذلك: أن الدنيا سجن المؤمن بالنسبة إلى ما أعد له من النعيم، وجنة الكافر بالنسبة إِلى ما أعد له من العذاب، وأيضًا فإن المؤمن ممنوع من الشهوات المحرمة، والكافر منهمك فيها، وقد قال النبي لا: «حُفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات».
وعن أبي سهل الصعلوكي الفقيه، وكان ممن جمع رياسة الدين والدنيا، أنه كان في بعض مواكبه إذْ خرج عليه يهودي، بثياب دنسة،
فقال: ألستم تزعمون أن نبيكم، قال: «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر». وأنا كافر وترى حالي، وأنت مؤمن وترى حالك، فقال له: إذا صرت غدًا إلى عذاب الله كانت هذه جنتك، وإذا صرت أنا إلى النعيم، ورضوان الله صار هذا سجني، فعجب الناس من فهمه وسرعة جوابه”. انتهى. [تطريز رياض الصالحين (318)].
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا من أفراد المصنّف رحمه الله تعالى.
وفي الحديث:
* “حث المؤمن على الإعراض عن محبة الدنيا، وعدم الانغماس في متاعها، وتشوقه إلى الدار الآخرة.
* أن الدنيا دار ابتلاء وامتحان لأهل الإيمان”.
ولابن أبي الدنيا (ت (281)) كتاب بعنوان: “ذم الدنيا”. الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية الطبعة: الأولى، (1414) هـ – (1993) م. وأورد فيه الحديث، برقم ((5)).
=======
=======
وقال الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله:
[(7388)] ((2957)) – (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ – يَعْنِي: ابْنَ بِلَالٍ – عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ لا مَرَّ بِالسُّوقِ، دَاخِلًا مِنْ بَعْضِ الْعَالِيَةِ، وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ، فَمَرَّ بِجَدْىٍ أَسَكَّ، مَيِّتٍ، فَتَنَاوَلَهُ، فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ؟»، فَقَالُوا: مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ، وَمَا نَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: «أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ؟»، قَالُوا: وَاللهِ لَوْ كَانَ حَيًّا، كَانَ عَيْبًا فِيهِ؛ لأَنَّهُ أَسَكُّ، فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ؟ فَقَالَ: «فَوَاللهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ»).
________
“كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُعلِّمُ أصحابَه في كلِّ المواقِفِ ويَضرِبُ لهم الأمثالَ؛ ليكونَ أقربَ إلى أفْهامِهم وعُقولِهم”.
شرح الحديث:
(عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ) رضي الله عنهما؛ (أَنَّ رَسُولَ اللهِ لا مَرَّ)؛ أي: اجتاز (بِالسُّوقِ)؛ أي: بسوق المدينة، والسُّوقُ بالضمّ يُذَكَّر، ويُؤَنَّث، وقال أبو إسحاق: السُّوقُ التي يباع فيها مؤنثة، وهو أفصح، وأصحّ، وتصغيرها سُوَيْقَةٌ، والتذكير خطأ؛ لأنه قيل: سُوقٌ نافقة، ولم يُسمع نافق، بغير هاء، والنسبة إليها سُوقِيٌّ على لفظها، قاله الفيّوميّ رحمه الله. [» المصباح المنير «(1) / (296)].
وسُمّيت بالسوق؛ لقيام الناس فيها على ساقهم، وقال ابن الأثير رحمه الله: سمّيت بالسوق؛ لأن التجارة تُجلب إليها، وتساق المبيعات نحوها. انتهى [» النهاية في غريب الأثر «ص (455)].
حال كونه (دَاخِلًا) إلى المدينة (مِنْ بَعْضِ الْعَالِيَةِ)؛ أي: من بعض القرى التي، تسمّى بالعالية، وهي العوالي، (وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ) وفي بعض النسخ: «كنفتيه» بالتثنية، معنى الأول جانبه، والثاني جانبيه
(فَمَرَّ بِجَدْيٍ) – بفتح الجيم، وسكون الدال المهملة، آخره ياء تحتانيّة – قال ابن الأنباريّ: هو الذَّكر من أولاد المعز، والأنثى عَنَاق، وقيّده بعضهم بكونه في السنة الأُولى، والجمع أَجْدٍ، وجِدَاءٍ، مثل دَلْوٍ وأَدْلٍ، وَدِلاءٍ، والجِدْيُ بالكسر لغة رديئة، قاله الفيّوميّ رحمه الله [» المصباح المنير «(1) / (93)].
(أَسَكَّ)؛ أي: مصطلم الأذنين، مقطوعهما [» النهاية في غريب الأثر” (2) / (384)].
قال الشيخ عبد المحسن العباد في شرح سنن أبي داود رحمه الله:
“هذا من كمال بيانه لا وفصاحته وبلاغته وكمال نصحه لأمته لا؛ لأنه أراد أن يبين حقارة الدنيا، وأنه ليس لها شأن عند الله عزوجل، وإنما المهم هو الآخرة، وأما الدنيا فهي أهون عند الله من هذا الجدي الأسك الذي هو ميت عليهم، ومع ذلك فأذنه صغيرة أو ملتصق الأذنين، والواحد يزهد فيه ولا يحب أن يكون له لو كان حيًا، وإنما يحب أن يكون له من نفائس الغنم، وأحسنها منظرًا وأكملها”. انتهى.
قال القرطبيّ رحمه الله: الدُّنيا: وزنها فُعْلى، وألفها للتأنيث، وهي من الدنوّ بمعنى القُرْب، وهي صفة لموصوف محذوف، كما قال تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: (185)]، غير أنه قد كَثُر استعمالها استعمال الأسماء، فاستُغني عن موصوفها، كما جاء في هذا الحديث. والمراد: الدار الدنيا، أو الحياة الدنيا التي تقابلها الدار الأخرى، أو الحياة الأخرى،
ومعنى هوان الدنيا على الله:
أن الله تعالى لم يجعلها مقصودة لذاتها، بل جعلها طريقًا موصلًا إلى ما هو المقصود لذاته، وأنه لم يجعلها دار إقامة، ولا جزاء، وإنَّما جعلها دار رِحلة، وبلاء، وأنه مَلَكها في الغالب الكفرة والجهال، وحماها الأنبياء، والأولياء، وقد أوضح النبيّ لا هذا المعنى، فقال: «لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء» [قال الإتيوبي في حاشية البحر: “حديث صحيح”.انتهى.]، وحسبك بها هوانًا أن الله تعالى قد صغّرها، وحقّرها، وذمَّها، وأبغضها، وأبغض أهلها، ومحبيها، ولم يرض لعاقل فيها إلا بالتزوّد منها، والتأهب للارتحال عنها، ويكفيك من ذلك ما رواه أبو عيسى الترمذيّ عن النبيّ لا أنه قال: «الدنيا ملعونة، ملعون ما في ها إلا ذكر الله، وما والاه، أو عالم، أو متعلّم» [رواه الترمذيّ، وقال: حديث حسن غريب]،
ولا يُفهم من هذا الحديث إباحة لعن الدنيا، وسبّها مطلقًا؛.
و المباح لعنه من الدنيا ما كان منها مُبعِدًا عن الله تعالى، وشاغلًا عنه، كما قال بعض السلف: كل ما شغلك عن الله تعالى من مال، وولد فهو عليك مشؤوم، وهو الذي نبَّه الله على ذمه؛ بقوله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ} [الحديد: (20)]،
وأما ما كان من الدنيا يقرّب إلى الله تعالى، ويعين على عبادة الله تعالى، فهو المحمود بكل لسان، والمحبوب لكل إنسان، فمثل هذا لا يُسَبّ، بل: يرغب فيه، ويحبّ، وإليه الإشارة بالاستثناء حيث قال: «إلا ذكر الله، وما والاه، أو عالم، أو متعلم»، والله أعلم. انتهى [«المفهم» (7) / (108) – (109)]. باختصار الحذف
جاء في صحيح مسلم (لأن أقول سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس)
قال ابن باز:” هو الحذر من إيثار هذه العاجلة والشغل بها عن الله وعن الدار الآخرة، أو تعاطي ما حرم الله منها، أو تعاطي ما يصده عن أداء الواجب وترك المُحرَّم، أما الشغل بها فيما أباح الله من الكسب الحلال والنفقة في الخير والغُنية عما في أيدي الناس، فهذا أمر مطلوب شرعاً ولازم للإنسان
قال ابن عثيمين:” فهذا جدي ميت لا يساوي شيئًا، ومع ذلك فالدنيا أهون وأحقر عند الله تعالى من هذا الجدي الأسك الميت، فهي ليست بشيء عند الله، ولكن من عمل فيها عملًا صالحًا؛ صارت مزرعة له في الأخرة، ونال فيها
السعادتين: سعادة الدنيا وسعادة الآخرة.
أما من غفل وتغافل وتهاون ومضت الأيام عليه وهو لم يعمل؛ فإنه يخسر الدنيا والآخرة. قال الله تعالى: (ِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) (الزمر: (15))، وقال تعالى: (وَالْعَصْرِ) (إِنَّ الْإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ) (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر: (3): (1)).
وكل بني آدم خاسر إلا هؤلاء الذين جمعوا هذه الأوصاف الأربعة: آمنوا، وعملوا الصالحات، وتواصوا بالحق، وتواصوا بالصبر. جعلنا الله وإياكم منهم.”
شرح رياض الصالحين (3) / (364)
حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما هذا من أفراد المصنّف رحمه الله.
ثم قال: (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ) (يونس: 25)، أي فرق بين هذه وهذه، دار السلام هي الجنة: أسأل الله أن يجعلني وإياكم من أهلها دار السلام وسميت كذلك؟ لأنها سالمة من كل كدر، ومن كل تنغيص، ون كل أذى. لما ذكر الدنيا قال: (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ) فإلى أيهما تركن أيها العاقل؟ لا شك أن العاقل يركن إلى دار السلام، ولا تهمه دار الفناء والنكد والتنغيص، فهو سبحانه وتعالى يدعو كل الخلق إلى دار السلام (وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (يونس: 25).
والهداية مقيدة، لم يقل: ويهدي كل أحد، ولكن قال: (وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) فمن هو الحقيق والجدير بهداية الله؟ هو من أناب إلى الله عز وجل، كما قال تعالى: (ُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ) (الرعد: 27) …
وكذلك الآحاديث التي تلت ما رواه أبو ذر رضي الله عنه، كلها تدل على الزهد في الدنيا، وأن الإنسان لا ينبغي أن يعلق نفسه بها، وأن تكون الدنيا بيده لا بقلبه، حتى يقبل بقلبه على الله عز وجل؛ فإن هذا هو كمال الزهد، وليس المعنى أنك لا تأخذ شيئاً من الدنيا؛ بل خذ من الدنيا ما يحل لك، ولا تنس نصيبك منها، ولكن اجعلها في يدك ولا تجعلها في قلبك، وهذا هو المهم. نسأل الله لنا وللمسلمين العافية والسلامة
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 355]
ثانيًا: فقه وفوائد الباب:
1 – (منها): “حث المؤمن على الإعراض عن محبة الدنيا، وعدم الانغماس في متاعها، وتشوقه إلى الدار الآخرة.
2 – (منها): هوان الدنيا على الله تعالى.
3 – (منها): أن الدنيا دار ابتلاء وامتحان لأهل الإيمان”.
“فالدُّنيا لِلمُؤمنِ دارُ بَلاءٍ وابْتلاءٍ، يَصبِرُ فيها عَلى الفِتنِ، ويَتحَكَّم في شَهواتِها مُقيِّدًا نَفْسَه عن لَهْوِها إِرضاءً للهِ تَعالى”.
4 – (منها): “مُواساةُ أهلِ البلاءِ بأنَّ الدُّنيا سِجنُ المؤمنِ”
5 – (منها): الكافر يذهب طيباته في حياته الدنيا”.
6 – (منها): “بيان حقارة الدنيا، وهوانها على الله تعالى.
7 – (ومنها): بيان ما كان عليه النبيّ لا من تحذير أمته من الاغترار بالدنيا؛ لأنها تنسي الآخرة التي هي دار القرار.
8 – (ومنها): استحباب توضيح المسألة بضرب الأمثال؛ لأن الأمثال ترسّخ في القلب صورة المسألة، وتثبّتها.
9 – (ومنها): أن فيه جوازَ مس ميتة مأكول اللحم، وأن غسل اليد بعد مسها ليس بضروري. [«عون المعبود» (1) / (223)]، والله تعالى أعلم. [البحر المحيط الثجاج، بتصرف].
10 – (ومنها): “إشارة إلى التَّحذيرِ مِن أنْ يَستغرِقَ المسلِمُ في مَتاعِ الدُّنيا وشَهواتِها؛ فقد خلَق اللهُ الدُّنيا ولَم يَجعَلْ لها وَزنًا، وكانتْ عنده هَيِّنةً”.
11 – (ومنها): “ينبغي على أهل العلم والدعاة تذكير الناس بحقارة الدنيا، وحثهم على الزهد فيها وتحذيرهم من الركون إليها”.
للفائدة:
راجع كتب الزهد ومنها الزهد لأحمد بن حنبل (ت (241))، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان الطبعة: الأولى، (1420) هـ – (1999) م.