(2955) فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
مجموعة: أحمد بن علي وسلطان الحمادي وأحمد بن خالد وعمر الشبلي ومحمد سيفي وعدنان البلوشي ومحمد البلوشي وعبدالله المشجري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
جاء في صحيح الإمام مسلم رحمه الله من ((52)) – (- كتاب: الفتن وأشراط الساعة)، (28) – بابُ: ما بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ
(141) – ((2955)) حَدَّثَنا أبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنا أبُو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أبِي صالِحٍ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ : «ما بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أرْبَعُونَ» قالُوا: يا أبا هُرَيْرَةَ أرْبَعُونَ يَوْمًا؟ قالَ: أبَيْتُ، قالُوا: أرْبَعُونَ شَهْرًا؟ قالَ: أبَيْتُ، قالُوا: أرْبَعُونَ سَنَةً؟ قالَ: أبَيْتُ، «ثُمَّ يُنْزِلُ اللهُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيَنْبُتُونَ، كَما يَنْبُتُ البَقْلُ» قالَ: «ولَيْسَ مِنَ الإنْسانِ شَيْءٌ إلّا يَبْلى، إلّا عَظْمًا واحِدًا، وهُوَ عَجْبُ الذَّنَبِ، ومِنهُ يُرَكَّبُ الخَلْقُ يَوْمَ القِيامَةِ»
(142) – ((2955)) وحَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنا المُغِيرَةُ يَعْنِي الحِزامِيَّ، عَنْ أبِي الزِّنادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أنَّ رَسُولَ اللهِ ، قالَ: «كُلُّ ابْنِ آدَمَ يَاكُلُهُ التُّرابُ، إلّا عَجْبَ الذَّنَبِ مِنهُ، خُلِقَ وفِيهِ يُرَكَّبُ»
(143) – ((2955)) وحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ رافِعٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، حَدَّثَنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قالَ: هَذا ما حَدَّثَنا أبُو هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ فَذَكَرَ أحادِيثَ مِنها – وقالَ رَسُولُ اللهِ : «إنَّ فِي الإنْسانِ عَظْمًا لا تَاكُلُهُ الأرْضُ أبَدًا، فِيهِ يُرَكَّبُ يَوْمَ القِيامَةِ» قالُوا أيُّ عَظْمٍ هُوَ؟ يا رَسُولَ اللهِ قالَ: «عَجْبُ الذَّنَبِ».
==========
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
قال الحافظ النووي رحمه الله: (” [((28))]- (باب ذكر ما بين النفختين) “)
سبق الحديث عن ((2) – بابٌ: فِي البَعْثِ والنُّشُورِ وصِفَةِ الأرْضِ يَوْمَ القِيامَةِ). في صحيح مسلم.
وقال الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله تعالى:
[(7384)] ((2955)) – الحديث
قوله: «مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ، قَالُوا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ: أَرْبَعُونَ يَوْمًا؟ قَالَ: أَبَيْتُ، قَالُوا: أَرْبَعُونَ شَهْرًا؟ قَالَ: أَبَيْتُ، قَالُوا: أَرْبَعُونَ سَنَةً؟ قَالَ: أَبَيْتُ»، يعني: ليس عندي علم بذلك، قال النووي رحمه الله: «معناه: أبيتُ أن أجزم أن المراد: أربعون يومًا، أو سنةً، أو شهرًا، بل الذي أجزم به: أنها أربعون مجملة، وقد جاءت مفسَّرة من رواية غيره في غير مسلم: أربعون سنة [أخرجه ابن المبارك في الرقاق من مرسل الحسن، كما في الفتح ((11) / (370))]) [شرح مسلم، للنووي ((18) / (91))].
وَلِابْنِ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ الْأَعْمَشِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: فَقَالَ: ((أَعْيَيْتُ)) مِنَ الْإِعْيَاءِ، وَهُوَ التَّعَبُ، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى كَثْرَةِ مَنْ يَسْأَلُهُ، عَنْ تَبْيِينِ ذَلِكَ، فَلَا يُجِيبُهُ، وَزَعَمَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: (أَرْبَعِينَ سَنَةً)، وَلَا وجود لذَلِك، نعم أخرج بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الصَّلْتِ، عَنِ الْأَعْمَشِ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ: (أَرْبَعُونَ سَنَةً) وَهُوَ شَاذ. وَمن وَجه ضَعِيف عَن بن عَبَّاسٍ، «قَالَ: مَا بَيْنَ النَّفْخَةِ وَالنَّفْخَةِ أَرْبَعُونَ سَنَةً». ذَكَرَهُ فِي أَوَاخِرِ سُورَةِ ص، وَكَأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يَسْمَعْهَا إِلَّا مُجْمَلَة، ً فَلِهَذَا قَالَ: لِمَنْ عَيَّنَهَا لَهُ، «أَبَيْتُ».
وَقَدْ أَخْرَجَ بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ، قَالُوا: أَرْبَعُونَ مَاذَا؟ قَالَ: هَكَذَا سَمِعت».
وَقَالَ ابن التِّينِ: وَيَحْتَمِلُ: أَيْضًا: أَنْ يَكُونَ عَلِمَ ذَلِكَ، لَكِنْ سَكَتَ؛ لِيُخْبِرَهُمْ فِي وَقْتٍ أَوِ اشْتَغَلَ عَن الْإِعْلَام حِينَئِذٍ.
وَوَقع فِي جَامع بن وَهْبٍ: «أَرْبَعِينَ جُمْعَةً»، وَسَنَدُهُ مُنْقَطِعٌ”. [فتح الباري لابن حجر، (8/ 552)].
“وفي هذا الحديث: أنه قال: (ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً، فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الْبَقْلُ)، فإذا تم خلقها واكتمل أذن الله لإسرافيل عليه السلام فينفخ في الصور نفخة البعث، فتتطاير الأرواح إلى الأجساد،
والأرواح لا تموت، فأرواح المؤمنين في الجنة، ولها صلة بالجسد، وأرواح الكفار في النار ولها صلة بأجسادها، وقد جاء في الحديث: «إِنَّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَائِرٌ يَعْلُقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ حَتَّى يُرْجِعَهُ اللهُ تبارك وتعالى إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ» [أخرجه أحمد ((15777))].
[(صحيح) … [مالك حم ن هـ حب] عن كعب بن مالك. الطحاوية 518، الصحيحة 995 .. ]
فتدخل كل روح في جسدها، ثم يقوم الناس من قبورهم ينفضون التراب عن رؤوسهم، حفاة لا نعال لهم، عراة لا ثياب عليهم، غرلًا غير مختونين، فيقفون بين يدي ربِّ العالمين للحساب؛ قال تعالى: {يوم يخرجون من الأجداث سراعًا كأنهم إلى نصب يفيضون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون}.
ويجب على المسلم أن يؤمن بيوم البعث، ومن لم يؤمن به فهو كافر بنص القرآن وإجماع المسلمين؛ قال تعالى: {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبئن بما عملتم وذلك على الله يسير} .. “. [توفيق الرب المنعم، (8/ 368)].
وقوله: ” (ثم ينزل الله) وفي نسخة: «ثم ينزل» (من السماء ماء، فينبتون)؛ أي: الناس، (كما ينبت البقل) بفتح الموحدة، وسكون القاف: كل نبات اخضرت به الأرض، قاله ابن فارس، وأبقلت الأرض: أنبتت البقل، فهي مبقلة، على القياس، وجاء أيضا بقلة، وبقيلة، وأبقل الموضع من البقل، فهو باقل، على غير قياس، وأبقل القوم: وجدوا بقلا، قاله الفيومي [«المصباح المنير» (1) / (58)].
(قال) : (وليس من الإنسان شيء إلا يبلى) وفي رواية البخاري: «ويبلى كل شيء من الإنسان»، (إلا عظما واحدا، وهو عجب الذنب) وفي حديث أبي سعيد عند الحاكم، وأبي يعلى: «قيل: يا رسول الله، ما عجب الذنب؟ قال: مثل حبة خردل».
والعجب بفتح العين المهملة، وسكون الجيم، بعدها موحدة، ويقال له: عجم بالميم أيضا عوض الباء، هو عظم لطيف، في أصل الصلب، وهو رأس العصعص، وهو مكان رأس الذنب من ذوات الأربع، وفي حديث أبي سعيد الخدري عند ابن أبي الدنيا، وأبي داود، والحاكم، مرفوعا: «إنه مثل حبة الخردل». فيه دراج عن أبي الهيثم قاله محقق المطالب العالية
[ضعيف – ((التعليق الرغيب)) (4/ 192)، وصح دون قوله: ((مثل حبة خردل)) ـ التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان 5/، وضعيف الترغيب 2085 112]
قال ابن الجوزي: قال ابن عقيل: لله في هذا سر لا يعلمه إلا الله؛ لأن من يظهر الوجود من العدم لا يحتاج إلى شيء يبني عليه.
ويحتمل: أن يكون ذلك جعل علامة للملائكة على إحياء كل إنسان بجوهره، ولا يحصل العلم للملائكة بذلك إلا بإبقاء عظم كل شخص؛ ليعلم أنه إنما أراد بذلك إعادة الأرواح إلى تلك الأعيان التي هي جزء منها، ولولا إبقاء شيء منها لجوزت الملائكة أن الإعادة إلى أمثال الأجساد، لا إلى نفس الأجساد.
وقوله في الحديث: «ويبلى كل شيء من الإنسان» يحتمل أن يريد به يفنى؛ أي: تعدم أجزاؤه بالكلية، ويحتمل أن يراد به: يستحيل، فتزول صورته المعهودة، فيصير على صفة جسم التراب، ثم يعاد إذا ركبت إلى ما عهد، وزعم بعض الشراح أن المراد: أنه لا يبلى؛ أي: يطول بقاؤه، لا أنه لا يفنى أصلا.
والحكمة فيه:
أنه قاعدة بدء الإنسان، وأسه الذي ينبني عليه، فهو أصلب من الجميع، كقاعدة الجدار، وإذا كان أصلب كان أدوم بقاء، وهذا مردود؛ لأنه خلاف الظاهر بغير دليل، وقال العلماء: هذا عام يخص منه الأنبياء؛ لأن الأرض لا تأكل أجسادهم، وألحق ابن عبد البر بهم الشهداء، والقرطبي، المؤذن المحتسب، قال عياض: فتأويل الخبر، وهو كل ابن آدم يأكله التراب؛ أي: كل ابن آدم مما يأكله التراب، وإن كان التراب لا يأكل أجسادا كثيرة، كالأنبياء. [فتح الباري لابن حجر، (8/ 552 – 553)].
(ومنه)؛ أي: من عجب الذنب، (يركب الخلق)؛ أي: الإنسان الجديد (يوم القيامة»)؛ يعني: أن الله عزوجل يبقيه إلى أن يركب الخلق منه تارة أخرى؛ يعني: أنه يعيد خلقه في الآخرة من عجب ذنبه، كما أنشأ خلقه منه، والله تعالى أعلم.
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه، هذا متفق عليه.
وقال الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله تعالى:
[(7385)] (. . .) – الحديث
وفيه: الرد على أهل الكلام من الجهمية، والمعتزلة، والأشاعرة الذين يقولون بالجوهر الفرد، وبنوا دينهم في إثبات الخالق، وإثبات المعاد على الجوهر الفرد، ويقولون: إن الأجسام مركبة من الجواهر الفردة، والجواهر الفردة هي ذرات صغيرة لا تفنى، مهما قطعتها لا بد أن تبقى ذرات أخرى. [مقالات الإسلاميين، لأبي الحسن الأشعري ((2) / (240) – (241))]،
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: «وأكثر العقلاء من طوائف المسلمين وغيرهم ينكرون الجوهر الفرد». [درء تعارض العقل والنقل، لابن تيمية ((3) / (355))].
وفيه: رد على علماء الكيمياء الذين يقولون: إن المادة لا تفنى، ولا تُستحدث، وهذه نظرية موجودة وكانت تدرس في المدارس الثانوية، وهذه النظرية معناها: إنكار أن يكون الله تعالى قد خلق المادة، يعني: هي قديمة عندهم، وهذا يوافق مذهب الفلاسفة الذين يقولون: إن العالم قديم ولا يفنى”. [توفيق الرب المنعم، (8/ 368 – 369)].
والحديث متفق عليه، وقد مضى شرحه، وبيان مسائله قبله، ولله الحمد والمنة.
تنبيه: وراجع لمعرفة الجوهر الفرد موسوعة العقائد
وقال الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله تعالى:
[(7376)] (. . .) – (حدثنا محمد بن رافع، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن همام بن منبه، قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة، عن رسول الله ، فذكر أحاديث، منها: وقال رسول الله : «إن في الإنسان عظما، لا تأكله الأرض أبدا، فيه يركب يوم القيامة»، قالوا: أي عظم هو يا رسول الله؟ قال: «عجب الذنب»).
والحديث متفق عليه، وقد مضى شرحه، وبيان مسائله، ولله الحمد والمنة. [البحر المحيط الثجاج، بتصرف يسير].
ثانيًا: مسائل:
(أولاً: النفخ في الصور):
المبحث الأول: معنى النفخ:
المطلب الأول: معنى النفخ في اللغة
قال الراغب: (النفخ؛ نفخ الريح في الشيء، قال تعالى: يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا [طه: (102)]
وذلك نحو قوله: فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ [المدثر: (8)] ومنه نفخ الروح في النشأة الأولى) [«المفردات» (ص: (500))].
وذكر بعض علماء اللغة بعض الإطلاقات التي تقال على النفخ، ومنه (انفخ في النار، ونفخ النار بالمنفاخ: وهو الكير، ونصبوا على النار المنافيخ، ونفخت في الزق فانتفخ، ونفخت فيه فتنفخ، وهو يجد نفخة في بطنه، ونفخه انتفاخًا من طعام وغيره) [«أساس البلاغة» (ص: (466))].
وهذه المعاني اللغوية كلها تدور حول النفخ المعروف، هو دفع الهواء.
المطلب الثاني: معنى النفخ اصطلاحًا:
أما معناه الاصطلاحي: فهو النفخ المخصوص، في الوقت المخصوص، من الملك المخصوص، لإيجاد ما أراد الله تعالى، كما جاء في كتاب الله تعالى، وسنة نبيه
المطلب الثالث: معنى الصور:
وأما ما هو الصور؟ فمن أقوال العلماء في ذلك:
ما قاله ابن جرير الطبري – رحمه الله – من أن الناس قد اختلفوا فيه (فقال بعضهم: هو قرن ينفخ فيه نفختان، إحداهما لفناء من كان حيًا على الأرض، والثانية لنشر كل ميت.
وقال آخرون: الصور في هذا الموضع: جمع صورة، ينفخ فيها روحها فتحيا) [«تفسير الطبري» ((7) / (241))].
ولكنه وهو يذكر هذين القولين يرجح أن الصور قرن ينفخ فيه؛ لقوة الأدلة على هذا، فقال: (والصواب من القول في ذلك عندنا ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله أنه قال: (إن إسرافيل قد التقم الصور، وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر فينفخ) [رواه أحمد ((1) / (326)) ((3010))، والحاكم ((4) / (603)). بلفظ: «صاحب القرن قد التقم القرن» بدلًا من: «إسرافيل قد التقم الصور». من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. قال ابن كثير في تفسيره ((2) / (148))، والشوكاني في «فتح القدير» ((1) / (598)): جيد، وصححه أحمد شاكر في «عمدة التفسير» ((1) / (441)) كما أشار إلى ذلك في المقدمة، وقال شعيب الأرناؤوط في تحقيقه للمسند: حسن لغيره]، وأنه قال: (الصور قرن ينفخ فيه) [رواه أبو داود ((4742))، والترمذي ((2430))، من حديث ابن عمرو رضي الله عنه. والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الترمذي: حسن، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وحسنه ابن حجر في «تخريج مشكاة المصابيح» ((5) / (160)) كما قال ذلك في المقدمة].
لفظه أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الصُّوَرِ قَدِ الْتَقَمَ وَحَنَا جَبْهَتَهُ يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ أَنْ يَنْفُخَ؟»، قِيلَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا نَقُولُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: ” قُولُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ”
وهو في [الصحيح المسند 422، ((الصحيحة)) (179)
وقد أيد الإمام ابن كثير ما قاله الرازي، حيث قال فيمن ذهب إلى أن الصور هنا جمع صورة، وأن معناه: أي يوم ينفخ فيها فتحيا، قال: (والصحيح أن المراد بالصور: القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام [«تفسير ابن كثير» ((2) / (146))].
وكذلك ذهب الآلوسي حيث قال عن قوله تعالى: ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى [الزمر: (68)]:
ثم قال الآلوسي: (وقد قال أبو الهيثم – على ما نقل عنه القرطبي في تفسيره: من أنكر أن يكون الصور قرنًا، فهو كمن أنكر العرش والصراط والميزان، وطلب لها تأويلات) [«روح المعاني» ((20) / (30))].
وعلى هذا؛ فإن الصور هو قرن ينفخ فيه، وقد ورد أن الذي ينفخ فيه على التعيين هو إسرافيل عليه السلام. [العقدية].
المبحث الثاني: صفة النفخ في الصور
ذكر الله عزوجل النفخ فيه في مواضع من كتابه، كقوله عزوجل: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ [الزمر: (68)] الآيات، وقال تعالى: وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ [النمل: (87)] الآيات، وقال تعالى: قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ [الأنعام: (73)]. ولنسق ههنا حديث الصور بطوله لما فيه من المناسبة لهذه الآيات ولما اجتمع فيه مما تفرق في غيره من الأحاديث وبالله التوفيق.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: عند هذه الآية الأخرى: وقد روينا حديث الصور بطوله من طريق الحافظ أبي القاسم الطبراني في كتابه (المطولات) قال: حدثنا أحمد بن الحسن المصري الأيلي حدثنا أبو عاصم النبيل حدثنا إسماعيل بن رافع عن محمد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: حدثنا رسول الله وهو في طائفة من أصحابه فقال: «إنَّ الله تعالى: لما فرغ من خلق السموات والأرض خلق الصور فأعطاه إسرافيل فهو واضعه على فيه شاخصًا بصره في العرش ينتظر متى يؤمر قلت: يا رسول الله وما الصور؟ قال القرن قلت: كيف هو؟ قال عظيم، والذي بعثني بالحق إِنَّ عِظَم دارة فيه كعرض السموات والأرض، ينفخ فيه ثلاث نفخات: النفخةُ الأولى نفخة الفزع، والثانية نفخة القيام لربِّ العالمين، يأمر الله تعالى: إسرافيل بالنفخة الأولى فيقول انفخ، فينفخ نفخة الفزع فيفزع أهل السموات والأرض إِلاّ من شاء الله، ويأمره فيطيلها ويديمها ولا يفتر وهو كقول الله تعالى: وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ [ص: (15)]، فيسير الله الجبال فتمر مرَّ السحاب فتكون سرابًا، ثم ترتج الأرض بأهلها رجًّا فتكون كالسفينة المرمية في البحر تضربها الأمواج تكفأ بأهلها كالقنديل المعلق في العرش ترجرجه الرياح، وهو الذي يقول يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ. تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ. قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ [النازعات: (6) – (8)]، فيميدُ الناس على ظهرها وتذهل المراضع وتضع الحوامل وتشيب الولدان وتطير الشياطين هاربة من الفزع حتى تأتي الأقطار، فتأتيها الملائكة فتضرب وجوهها فترجع، ويولّي الناس مدبرين مالهم من أمر الله من عاصم ينادي بعضهم بعضًا، وهو الذي يقول الله تعالى: فيه يَوْمَ التَّنَادِ فبينما هم على ذلك …… »
وذكر أن ملك الموت يقبض أرواح حملة العرش وجبريل وميكائيل ثم يأمرهرب العالمينبأن يموت [رواه الطبراني في الأحاديث الطوال (نهاية المعجم الكبير (25) / (226))، ورواه الطبري مختصرًا ومطولًا ((2) / (330) – (331)، و (30) / (186) – (188)) وفي ((17) / (110) – (111)) وفي ((24) / (30))، وغيرهم. قال أبو موسى المديني: الحديث وإن كان فيه نكارة وفي إسناده من تكلم فيه فعامة ما يروى مفرقًا في أسانيد ثابتة]. قال ابن كثير: هذا حديث مشهور وهو غريب جدًا ولبعضه شواهد في الأحاديث المتفرقة، وفي بعض ألفاظه نكارة، تفرد به إسماعيل بن رافع قاضي أهل المدينة، وقد اختلف فيه: فمنهم من وثقه ومنهم من ضعفه، ونص على نكارة حديثه غير واحد من الأئمة كأحمد بن حنبل وأبي حاتم الرازي وعمرو بن علي الفلاس، ومنهم من قال فيه وهو متروك، وقال ابن عدي: أحاديثه كلها فيها نظر إلا أنه يكتب حديثه في جملة الضعفاء. قال رحمه الله تعالى: قلت: وقد اختلف عليه في إسناد هذا الحديث على وجوه كثيرة قد أفردتها في جزء على حدة، وأما سياقه فغريب جدًا ويقال إنه جمعه من أحاديث كثيرة وجعله سياقًا واحدًا فأنكر عليه بسبب ذلك. وسمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي يقول إنه رأى للوليد بن مسلم مصنفًا قد جمعه كالشواهد لبعض مفردات هذا الحديث، فالله أعلم. انتهى كلامه رحمه الله تعالى [«تفسير القرآن العظيم» ((3) / (276))].
[812 – ما جاء في خلق الصور
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ” خلق الصور فأعطاه إسرافيل” (3).
قال الإمام أحمد: رجاله لا يعرفون (4)
[الجامع لعلوم الإمام أحمد – علل الحديث 15/ 300،
قال العقيلي: وَقَدْ رُوِيَتْ قِصَّةُ الصُّورِ، بِأَحَادِيثَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ بِأَسَانِيدَ جِيَادٍ، وَأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَلَيْسَ بِطُولِ هَذَا الْحَدِيثِ
[الضعفاء الكبير للعقيلي 4/ 147]
وروى الإمام أحمد عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: «جاءَ أعرابيٌّ إلى النبي فقال: ما الصُّور؟ فقال قرن ينفخ فيه» [رواه أحمد ((2) / (162)) ((6507))، والحديث رواه أبو داود ((4742))، والترمذي ((2430))، والحاكم ((2) / (550)). والحديث سكت عنه أبو داود. وقال الترمذي: هذا حديث حسن. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وحسنه ابن حجر في «هداية الرواة» ((5) / (160)) – كما أشار لذلك في المقدمة.- وقال أحمد شاكر في «مسند أحمد» ((10) / (9)): إسناده صحيح. وقال الألباني في «صحيح سنن الترمذي»: صحيح]
المبحث الثالث: أدلة إثبات النفخ في الصور:
المطلب الأول: الأدلة من القرآن الكريم على إثبات النفخ في الصور.
ذكر النفخ في الصور فيما يقارب اثنى عشر موضعًا في كتابه الكريم، ونذكر من تلك الآيات:
(1) – قوله تعالى: وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلا مَن شَاء اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ [النمل: (87)].
(2) – وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلا مَن شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ [الزمر: (68)].
(3) – فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً [الحاقة: (13)].
(4) – وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِّنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ [يس: (51)].
(5) – وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا [الكهف: (99)].
(6) – يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا [طه: (102)].
(7) – يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا [النبأ: (18)].
(8) – فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءلُونَ [المؤمنون: (101)].
(9) – وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ [ق: (20)].
(10) – قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ [الأنعام: (73)].
وهذه الآيات وغيرها تدل دلالة واضحة ليس بعدها خفاء على حتمية وقوع النفخ في الصور.
المطلب الثاني: الأدلة من السنة على إثبات النفخ في الصور
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: «بينما يهودي يعرض سلعته، أعطي بها شيئًا كرهه، فقال: لا، والذي اصطفى موسى على البشر، فسمعه رجل من الأنصار، فقام فلطم وجهه، وقال: تقول: والذي اصطفى موسى على البشر والنبي بين أظهرنا؟
فذهب إليه فقال: أبا القاسم، إن لي ذمة وعهدًا، فما بال فلان لطم وجهي، فقال: لم لطمت وجهه؟ فذكره، فغضب النبي حتى رئي في وجهه، ثم قال: (لا تفضلوا بين أولياء الله، فإنه ينفخ في الصور، فيصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه أخرى، فأكون أول من بعث، فإذا موسى آخذ بالعرش، فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطور، أم بعث قبلي» [رواه البخاري ((3414))، ومسلم ((2373))].
وفي رواية لمسلم عن أبي هريرة: «لا تخيروني على موسى، فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون في أول من يفيق، فإذا موسى باطش بجانب العرش، فلا أدري أكان موسى فيمن صعق فأفاق قبلي، أو كان ممن استثنى الله» [رواه مسلم ((2373))].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي قال: «إني أول من يرفع رأسه بعد النفخة الآخرة، فإذا بموسى متعلق بالعرش، فلا أدري أكذلك كان أم بعد النفخة» [«البخاري» ((4813))].
المبحث الرابع: النفخات الثلاث الثابتة
نفخة الفزع أول مبادئ يوم القيامة كما ورد ولذا فإن الناس يشاهدون أمورًا عظامًا وأهوالًا وتضع الحوامل وذلك ما بين نفخة الفزع هذه ونفخة الصعق انتهى.
وسبق ذكر الآيات والأحاديث
المبحث الخامس: النفخة الثانية نفخة الصعق
قال تعالى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ [الزمر: (68)].
وفي نفخة الصعق الثانية هذه يموت جميع أهل السموات وأهل الأرض من الإنس والجن والملائكة. وقيل الذين استثنى الله هم حملة العرش وقيل جبريل وميكائيل وقيل غير ذلك والله أعلم.
المبحث السادس: النفخة الثالثة نفخة البعث والنشور
قال تعالى: ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ [الزمر: (68)]
باب ما بين النفختين
قال القُرطُبيُّ: (الصَّحيحُ في النَّفخِ في الصُّورِ أنَّهما نَفخَتانِ لا ثَلاثٌ، وأنَّ نَفخةَ الفَزعِ إنَّما تَكونُ راجِعةً إلى نَفخةِ الصَّعقِ؛ لأنَّ الأمرينِ لا زَمانَ لهما، أي: فزِعوا فزعًا ماتوا منه، أو إلى نَفخةِ البَعثِ، وهو اختيارُ القُشيريِّ وغَيرِه، فإنَّه قال في كلامِه على هذه الآيةِ: والمُرادُ النَّفخةُ الثَّانيةُ، أي: يَحْيونَ فَزِعينَ يَقولونَ: مَن بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا، ويُعايِنونَ من الأمورِ ما يَهولُهم ويُفزِعُهم، وهذا النَّفخُ كصَوتِ البوقِ لتَجتَمِعَ الخَلقُ في أرضِ الجَزاءِ).
وقال ابنُ حَجَرٍ: (قد ثَبَتَ في صَحيحِ مُسلِمٍ من حَديثِ عَبدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو أنَّهما نَفخَتانِ، ولَفظُه في أثناءِ حَديثٍ مَرفوعٍ: ثُمَّ يُنفَخُ في الصُّورِ فلا يَسمَعُه أحَدٌ إلَّا أصغى لِيتًا ورَفعَ لِيتًا، ثُمَّ يُرسِلُ اللهُ مَطَرًا كأنَّه الطَّلُّ فتَنبُتُ منه أجسادُ النَّاسِ، ثُمَّ يُنفَخُ فيه أُخرى فإذا هم قيامٌ يَنظُرونَ. وأخرَجَ البيهَقيُّ بسَندٍ قَويٍّ عن ابنِ مَسعودٍ مَوقوفًا: ثُمَّ يَقومُ مَلَكُ الصُّورِ بينَ السَّماءِ والأرضِ فيَنفُخُ فيه -والصُّورُ قَرْنٌ- فلا يَبقى لله خَلقٌ في السَّمَواتِ ولا في الأرضِ إلَّا مات إلَّا من شاءَ رَبُّك، ثُمَّ يَكونُ بينَ النَّفخَتينِ ما شاءَ اللهُ أن يَكونَ).
وقال أيضًا: (رَأيتُ في كلامِ ابنِ العَرَبيِّ أنَّها ثَلاثٌ: نَفخةُ الفَزعِ كما في النَّملِ، ونَفخةُ الصَّعقِ كما في الزُّمَرِ، ونَفخةُ البَعثِ، وهيَ المَذكورةُ في الزُّمَرِ أيضًا. قال القُرطُبيُّ: والصَّحيحُ أنَّهما نَفخَتانِ فقَط؛ لثُبوتِ الِاستِثناءِ بقَولِه تعالى: إلَّا مَنْ شَاءَ اللهُ في كُلٍّ من الآيَتينِ، ولا يَلزَمُ من مُغايَرةِ الصَّعقِ للفَزعِ ألَّا يَحصُلا مَعًا من النَّفخةِ الأولى. ثُمَّ وَجَدْتُ مُستَنَدَ ابنِ العَرَبيِّ في حَديثِ الصُّورِ الطَّويلِ، فقال فيه: ((ثُمَّ يُنفَخُ في الصُّورِ ثَلاثَ نَفَخاتٍ: نَفخةَ الفَزعِ، ونَفخةَ الصَّعقِ، ونَفخةَ القيامِ لرَبِّ العالَمينَ)) أخرَجَه الطَّبري هَكَذا مُختَصَرًا. وقد ذَكَرتُ أنَّ سَندَه ضَعيفٌ ومُضطَرِبٌ. وقد ثَبَتَ في صَحيحِ مُسلِمٍ من حَديثِ عَبدِ الله بن عَمْرٍو أنَّهما نَفخَتانِ، ولَفظُه في أثناءِ حَديثٍ مَرفوعٍ: ((ثُمَّ يُنفَخُ في الصُّورِ فلا يَسمَعُه أحَدٌ إلَّا أصغى لِيتًا ورَفعَ لِيتًا، ثُمَّ يُرسِلُ اللهُ مَطَرًا كأنَّه الطَّلُّ فتَنبُتُ منه أجسادُ النَّاسِ، ثُمَّ يُنفَخُ فيه أُخرى فإذا هم قيامٌ يَنظُرونَ))
ومن أهلِ العِلمِ من رَجَّحَ أنَّها ثَلاثُ نَفَخاتٍ: نَفخةُ الفَزعِ أوَّلًا وهيَ للأحياءِ الذينَ بَقُوا في آخِرِ ساعاتِ الدُّنيا، ثُمَّ نَفخةُ الصَّعقِ والمَوتِ، ثُمَّ نَفخةُ البَعثِ والقيامِ من القُبورِ لرَبِّ العالَمينَ، وهيَ لجَميعِ الخَلائِقِ.
قال ابنُ تَيميَّةَ: (القُرآنُ قد أخبَرَ بثَلاثِ نَفَخاتٍ: نَفخةُ الفَزعِ ذَكرَها في سورةِ النَّملِ في قَولِه: وَيَوْمَ يُنفَخُ في الصُّورِ ففَزِعَ من في السَّمَواتِ ومَن في الأرضِ إلَّا من شاءَ اللهُ، ونَفخةُ الصَّعقِ والقيامِ ذَكرَهما في قَولِه: وَنُفِخَ في الصُّورِ فصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَواتِ ومَن في الأرضِ إلَّا من شاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فيه أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ).
وقال ابنُ كثيرٍ: (وفي حَديثِ ((الصُّورِ)) أنَّ إسرافيلَ هو الذي يَنفُخُ فيه بأمرِ الله تعالى، فيَنفُخُ فيه أوَّلًا نَفخةَ الفَزعِ ويُطوِّلُها، وذلك في آخِرِ عُمرِ الدُّنيا، حينَ تَقومُ السَّاعةُ على شِرارِ النَّاسِ من الأحياءِ، فيَفزَعُ من في السَّمَواتِ ومَن في الأرضِ إلَّا من شاءَ اللهُ، وهمُ الشُّهداءُ، فإنَّهم أحياءٌ عِندَ رَبهم يُرزَقونَ … ثُمَّ بَعدَ ذلك نَفخةَ الصَّعقِ، وهو المَوتُ. ثُمَّ بَعدَ ذلك نَفخةَ القيامِ لرَبِّ العالَمينَ، وهو النُّشورُ من القُبورِ لجَميعِ الخَلائِقِ).
جاء في صحيفة همام بن منبه
(67) – وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «إِنَّ فِي الْإِنْسَانِ عَظْمًا لَا تَاكُلُهُ الْأَرْضُ أَبَدًا، فِيهِ يُرَكَّبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». قَالُوا: أَيُّ عَظْمٍ؟ قَالَ: «عَجْبُ الذَّنَبِ». وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: إِنَّمَا هُوَ: عَجْمُ، وَلَكِنَّهُ قَالَ بِالْمِيمِ
قال صاحب المنتقى شرح الموطأ: “قوله كل ابن آدم تأكله الأرض يحتمل أن يريد به أن جميع جسم الإنسان مما تأكله الأرض، وإن جاز أن لا تأكل الأرض أجساما كثيرة من الناس الأنبياء وكثيرا من الشهداء على ما روي من الحديث في عبد الله بن عمر وغيره وما يشاهد من أكل السباع والوحوش من أجسام كثير من الناس وحرق بعضها بالنار وعجب الذنب لا تأكله الأرض من أحد من الناس، وإن أكلت سائر جسده؛ لأنه أول ما خلق الإنسان وهذا الذي يبقى منه ليعاد تركيب الخلق عليه ويقال عجب وعجم كما يقال لازب ولازم.”
أول الخلق حياة بعد الصعقة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر وأول شافع وأول مشفع». رواه مسلم [رواه مسلم ((2278))].
وعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: قال رسول الله : «أنا سيد ولد آدم وأول من تنشق عنه الأرض وأنا أول شافع ومشفع بيدي لواء الحمد تحتي آدم فمن دونه». رواه البيهقي [رواه البيهقي في شعب الإيمان ((2) / (180)) ((1488)). قال ابن كثير في «نهاية البداية والنهاية» ((1) / (281)): إسناده لا بأس به، وقال الألباني في «بداية السول» (ص: (34)): إسناده صحيح وله شاهد].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : «ينفخ في الصور فيصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من بعث فإذا موسى آخذ بالعرش فلا أدري أفاق قبلي أم حوسب بصعقته يوم الطور أو بعث قبلي». رواه أبو بكر بن أبي الدنيا [لم أقف عليه من رواية ابن أبي الدنيا. والحديث رواه البخاري ((3414))، ومسلم ((2373))]. (قلت): قال ابن كثير: وهو في الصحيح قريب من هذا السياق. [العقدية].
تفصيل: هل النفخة فيها صعق أم موت للنبي صلى الله عليه وسلم
– قال ابن القيم في كتابه الروح:
فإن قيل: فعند النفخ في الصور، هل تبقى الأرواحُ حيَّةً كما هي، أو تموت ثم تحيا؟
قيل: قد قال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر: (68)]. فقد استثنى الله سبحانه بعضَ من في السموات ومن في الأرض من هذا الصَّعق. فقيل: هم الشهداء. هذا قول أبي هريرة، وابن عباس، وسعيد بن جُبير.
وقيل: هم جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وملَك الموت. وهذا قول مقاتل وغيره.
وقيل: هم الذين في الجنةِ من الحور العين وغيرهم ومَن في النار من أهلِ العذاب وخَزَنتها. قاله أبو إسحاق بن شاقلا من أصحابنا
وقد نصَّ الإمام أحمد على أنَّ الحورَ العين والوِلدان لا يمُتْنَ عند النفخ في الصور.
وقد أخبر سبحانه أن أهلَ الجنة {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [الدخان: (56)]. وهذا نصٌّ على أنهم لا يموتون غيرَ تلك الموتة الأولى، فلو ماتوا مرةً ثانية لكانت موتتان.
وأما قولُ أهل النار: {رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ}، فتفسيرُ هذه الآيةِ: الآيةُ ((4)) [(22) أ] التي في البقرة، وهي قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [البقرة: (28)]. فكانوا أمواتًا وهم نُطَفٌ في أصلاب آبائهم وفي أرحام أمهاتهم، ثم أحياهم بعد ذلك، ثم أماتهم، ثم يحييهم يوم النشور. وليس في ذلك إماتةُ أرواحهم قبل يوم القيامة، وإلا كانت ثلاث موتات.
وصعقُ الأرواح عند النفخ في الصور لا يلزم منه موتُها. ففي الحديث الصحيح: «أن الناسَ يَصْعَقون يومَ القيامة، فأكونُ أولَ من يُفيق، فإذا موسى آخذٌ بقائمة العرش، فلا أدري أفاقَ قبلي أم جُوزي بصعقة يوم الطور». فهذا صعقٌ في موقف القيامة إذا جاء الله سبحانه لفصل القضاء، وأشرقت الأرضُ بنوره، فحينئذٍ تَصعقُ الخلائقُ كلُّهم. قال تعالى: {فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ} [الطور: (45)]، ولو كان هذا الصَّعق موتًا لكانت موتة أخرى.
وقد تنبَّه لهذا جماعةٌ من الفضلاء. فقال أبو عبد الله القرطبي: ظاهرُ هذا الحديث أن هذه صعقةُ غشي تكون يوم القيامة، لا صعقة الموت الحادثة عند نفخ الصور.
قال: وقد قال شيخنا أحمدُ بن عمر: وظاهرُ حديث النبيِّ يدلُّ على أنّ هذه الصَّعقةَ إنما هي بعد النفخة الثانية: نفخة البعث. ونصُّ القرآن يقتضي أن ذلك الاستثناءَ إنما هو بعد نفخة الصَّعق. ولما كان هذا قال بعضُ العلماء: يَحتمِلُ أن يكون موسى ممن لم يمتْ من الأنبياء. وهذا باطلٌ.
وقال القاضي عياض: يحتمل أن يكون المرادُ بهذه صعقة فزعٍ بعد النشور حين تنشقُّ السماء والأرض. قال: فتستقلُّ الأحاديثُ والآيات.
وردَّ عليه أبو العباس القرطبي، فقال: يردُّ هذا قولُه في الحديث الصحيح: أنه حين يخرجُ من قبره يلقى موسى آخذًا بقائمةِ العرش. قال: وهذا إنما هو عند نفخةِ البعث.
قال أبو عبد الله: وقال شيخنا أحمدُ بن عمر: والذي يُزيح هذا الإشكالَ ــ إن شاء الله تعالى ــ أنّ الموتَ ليس بعدمٍ محض، وإنما هو انتقالٌ من حال إلى حال. ويدلُّ [(22) ب] على ذلك أن الشهداءَ بعد قتلهم وموتهم أحياءٌ عند ربهم، يُرزقون فرحين مستبشرين. وهذه صفةُ الأحياء في الدنيا. وإذا كان هذا في الشهداء كان الأنبياءُ بذلك أحقَّ وأولى، مع أنه قد صحَّ عن النبي أنَّ الأرضَ لا تأكلُ أجسادَ الأنبياء، وأنه اجتمعَ بالأنبياء ليلةَ الإسراء في بيت المقدس وفي السماء وخصوصًا بموسى. وقد أخبر بأنه ما من مسلم يُسلِّم عليه إلا ردَّ الله عليه روحَه حتى يردَّ عليه، إلى غير ذلك مما يحصل من جملته القطعُ بأن موتَ الأنبياء إنما هو راجعٌ إلى أن غُيِّبوا عنّا بحيث لا نُدركهم، وإن كانوا موجودين أحياءً. وذلك كالحال في الملائكة، فإنهم أحياءٌ موجودون، ولا نراهم.
وإذا تقرَّر أنهم أحياءٌ، فإذا نُفخ في الصور نفخة الصَّعق صعق كل من في السموات والأرض إلا من شاء الله، فأما صعق غير الأنبياء فموت، وأما صَعقُ الأنبياء فالأظهرُ أنه غَشيْةٌ. فإذا نُفِخ في الصور نفخة البعث، فمن مات حَيِي، ومن غُشي عليه أفاقَ.
ولذلك قال في الحديث المتفق على صحته: «فأكون أولَ من يُفيق». فنبيُّنا أولُ من يخرج من قبره قبل جميع الناس إلا موسى، فإنه حصل فيه تردُّدٌ: هل بُعِث قبلَه من غَشْيته، أو بقي على الحالةِ التي كان عليها قبل نفخةِ الصَّعق مفيقًا؛ لأنه حُوسب بصعقةِ يوم الطُّور. وهذه فضيلةٌ عظيمة لموسى عليه الصلاة والسلام ولا يلزم من فضيلةٍ واحدة أفضليَّةُ موسى على نبينا مطلقًا، لأن الشيء الجزئيَّ لا يوجب أمرًا كليًّا. انتهى.
قال أبو عبد الله القرطبي: إنْ حُمِل الحديث على صعقةِ الخلق يوم القيامة فلا إشكالَ. وإنْ حُمِل على صعقة الموت عند النَّفخ في الصور، فيكون ذكرُ يوم القيامة مرادًا به أوائله. فالمعنى: إذا نُفخ في الصور نفخةُ البعث كنتُ أولَ من يرفع رأسَه، فإذا موسى آخذٌ بقائمةٍ من قوائم العرش، فلا أدري أفاقَ قبلي، أم جُوزي بصعقةِ الطور.
قلت: وحملُ الحديث على هذا لا [(23) أ] يصحُّ: لأنه عليه الصلاة والسلام تردَّدَ هل أفاق موسى قبلَه أم لم يَصْعَق، بل جُوزي بصعقة الطور. فالمعنى: لا أدري أصَعِق أم لم يَصْعَق. وقد قال في الحديث: «فأكون أولَ من يُفيق»، وهذا يدلُّ على أنه يَصعق فيمن يَصعق، وأن التردَّدَ حصل في موسى: هل صَعِق وأفاق قبله من صعقته، أم لم يَصعق؟ ولو كان المرادُ به الصعقةَ الأولى ــ وهي صعقةُ موت ــ لكان قد جزم بموته، وتردّد: هل مات موسى، أو لم يمتْ. وهذا باطلٌ لوجوه كثيرة. فعُلم أنها صعقةُ فزَع، لا صعقة موت. وحينئذٍ فلا تدلُّ الآية على أنّ الأرواحَ كلَّها تموت عند النفخةِ الأولى. نعم، تدلُّ على موت الخلائق عند النفخة الأولى، وكلُّ من لم يذق الموتَ قبلها فإنه يذوقه حينئذ. وأما من ذاقَ الموتَ أو من لم يُكتب عليه الموتُ، فلا تدل الآية على أنه يموت موتةً ثانية. والله أعلم.
فإن قيل: فكيف تصنعون بقوله في الحديث: «إن الناسَ يُصعقون يوم القيامة، فأكون أولَ من تنشقُّ عنه الأرضُ، فأجدُ موسى باطشًا بقائمة العرش»؟
قيل: لا ريب أن هذا اللفظَ قد ورد هكذا، ومنه نشأ الإشكالُ، ولكنه دخل فيه على الراوي حديثٌ من حديث، فركَّب بين اللفظين، فجاء هذا. والحديثان هكذا:
أحدهما: «أن الناسَ يَصعقون يوم القيامة، فأكون أولَ من يُفيق».
والثاني هكذا: «أنا أولُ من تنشقُّ عنه الأرضُ يوم القيامة». ففي الترمذي وغيره من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله : «أنا سيدُ ولد آدمَ يوم القيامة، ولا فخر. وبيدي لواءُ الحمد، ولا فخر. وما من نبيٍّ يومئذ آدمُ فمَن سواه إلا تحت لوائي. وأنا أولُ من تنشقُّ عنه الأرضُ، ولا فخر» قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
فدخل على الراوي هذا الحديثُ في الحديث الآخر. كان شيخنا أبو الحجَّاج يقول ذلك.
فإن قيل: فما تصنعون بقوله: «فلا أدري أفاقَ قبلي أم كان ممن استثنى الله عزوجل»؟. والذين استثناهم الله إنما هم مُستثنَون من صعقة النَّفخة، لا من صعقة يوم القيامة، كما قال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر: (68)]، ولم يقع الاستثناء من صعقة الخلائق يوم القيامة.
قيل: هذا ــ والله أعلم ــ غير محفوظ، وهو وَهَمٌ من بعض الرواة. والمحفوظ ما تواطأتْ عليه الرواياتُ الصحيحة من قوله: «فلا أدري أفاقَ قبلي أم جُوزي بصعقة الطور»، فظن بعضُ الرواة أنَّ هذه الصعقة هي صعقة النفخة، وأنَّ موسى داخلٌ فيمن استُثني منها. وهذا لا يلتئم على مَساق الحديث قطعًا، فإن الإفاقة حينئذ هي إفاقة البعث، فكيف يقول: لا أدري أَبُعِثَ قبلي؟ أم جُوزي بصعقة الطور؟ فتأمَّله.
وهذا بخلاف الصعقة التي يَصْعَقُها الخلائق يوم القيامة إذا جاء الله سبحانه لفصل القضاء بين العباد، وتجلَّى لهم، فإنهم يَصعقون جميعًا. وأما موسى فإن كان لم يَصعق معهم فيكون قد حُوسِبَ بصعقته يوم تجلَّى ربُّه للجبل فجعله دكًّا، فجُعلت صعقةُ هذا التجلِّي عوضًا من صعقة الخلائق لتجلِّي الربّ يوم القيامة. فتأمل هذا المعنى العظيم.
ولو لم يكن في الجواب إلا كشفُ هذا الحديثِ وشأنه لكان حقيقًا أن يُعَضَّ عليه بالنواجذ. ولله الحمد والمنة. وبه التوفيق.
الروح – ابن القيم – ط عطاءات العلم (1) / (98) – (106)
(ثانيًا: … ).
(المسألة الأولى):
(قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) (الكهف: (98))
(فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي) يعني بخروج هؤلاء المفسدين.
(جَعَلَهُ دَكَّاءَ) يعني: جعل هذا السد دكًّا،.
(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) النافخ إسرافيل أحد الملائكة الكرام، وكان النبي يفتتح صلاة الليل بهذا الاستفتاح: «اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ … » [رواه مسلم]، هؤلاء الثلاثة الملائكة الكرام، كل واحد منهم موكل بما فيه الحياة، جبريل موكل بما فيه حياة القلوب، ميكائيل بما فيه حياة النبات وهو القَطْر، والثالث إسرافيل بما فيه حياة الناس عند البعث، ينفخ في الصور
(المسألة الثانية): كم المدة بين النفختين، ومن هم الذين لا يموتون بين النفختين؟
س: يقول الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}.
كم المدة بين النفختين، ومن هم الذين لا يموتون بين النفختين؟
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه. . وبعد:
ج: تحديد مدة ما بين النفختين من الأمور الغيبية التي لا تدرك بالعقل والاجتهاد بل السمع عن النبي ، ولم يثبت في تحديدها عنه حديث صحيح، وإنما ثبت فيها ما رواه البخاري وغيره عن النبي أنه قال: «ما بين النفختين أربعون، قال يا أبا هريرة: أربعون يوما، قال: أبيت، قالوا: أربعون سنة، قال: أبيت، قالوا: أربعون شهرا، قال: أبيت، ويبلى كل شيء من الإنسان إلا عجب الذنب منه يركب الخلق» فلم يزد على أن قال أربعون ولم يبين هل هي سنون أو شهور أو أيام. وأما من لا يموتون بين النفختين فالله أعلم بهم سبحانه.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو … عضو … نائب رئيس اللجنة … الرئيس
عبد الله بن قعود … عبد الله بن غديان … عبد الرزاق عفيفي … عبد العزيز بن عبد الله بن باز. [مجلة البحوث الإسلامية، العدد الأربعون، الفتاوى، فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، من الفتوى رقم (35944)].
(المسألة الرابعة):
تنبيه: ضم أبو العباس القرطبي إلى الصنفين: المؤذن المحتسب، لقوله : «المؤذن المحتسب كالمتشحط في دمه، وإن مات لم يدود في قبره». [قال الإتيوبي: “هذا حديث ضعيف، أخرجه الطبراني في «الأوسط»، وفي إسناده إبراهيم بن رستم، عن قيس بن الربيع، وكلاهما ضعيفان، راجع: «السلسلة الضعيفة» للشيخ الألباني رحمه الله رقم ((852) – (853)) “.].
قال الإتيوبي عفا الله تعالى عنه: الذي صح لدينا ممن لا يبلى جسده هم الأنبياء عليهم السلام، وأما الشهداء، فليس عليه دليل مرفوع يستند إليه، وإنما صح بما أخبر به جابر رضي الله عنه من خبر أبيه، ومن دفن معه رضي الله عنهم، ونحو ذلك، ولا يستبعد أن يكرم الله تعالى الشهداء بذلك.
بل قد يحصل لغيرهم من أهل الصلاح، والتقوى، فقد سمعت أخبارا وممن لا أشك في كونهم صادقين أنهم وجدوا بعض أهل العلم، والصلاح، والزهد في قبورهم، كيوم موتهم بعد سنين متطاولة: {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم} [المائدة: (54)]، {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم} [الحديد: (21)].
(المسألة الخامسة):
أنه استدل جمهور أهل العلم بظاهر قوله: «إلا عجب الذنب» على أن عجب الذنب لا يبلى، ولا تأكله الأرض، بل يبقى على حاله، وإن بلي جميع جسد الميت، وخالف في ذلك المزني، فقال: إن عجب الذنب يبلى أيضا، فلم يجعل «إلا» للاستثناء، بل هي عاطفة، كالواو، فكأنه قال: وعجب الذنب، وقد حكي إثبات هذا المعنى لـ «إلا» عن الأخفش، والفراء، وأبي عبيدة، وأنكره الجمهور، وأولوا ما استدلوا به، ويرده في هذا الموضع كونه عقب ذلك بقوله: «منه خلق، وفيه يركب»؛ أي: أنه أول ما يخلق من الآدمي، وهو الذي يبقى منه ليعاد تركيب الخلق عليه، فلو ساوى عجب الذنب غيره في البلاء لم يبق لهذا الكلام محل، والله تعالى أعلم.
(المسألة السادسة):
أن ظاهر هذا الحديث يدل على أن عجب الذنب أول مخلوق من الآدمي، وروي عن سلمان رضي الله عنه أنه قال: «أول ما خلق الله من آدم رأسه، فجعل ينظر، وهو يخلق». ذكره ابن عبد البر بإسناد منقطع، فلم يصح هذا، ولو صح عنه، فاتباع الحديث أولى، وقد يقال: لا منافاة بينهما؛ لأن الحديث في ابن آدم، والأثر عن سلمان رضي الله عنه في آدم نفسه، فيمكن أن يكون أول مخلوق من آدم رأسه، ومن بنيه عجب الذنب. ويحتمل أن يكون أول مخلوق من آدم عجب الذنب كبنيه، ويكون معنى كلام سلمان إن صح عنه أن أول ما نفخ فيه الروح من آدم رأسه، ويوافق ذلك قول ابن جريج: يقولون: إن أول ما نفخ في يأفوخ آدم، أفاده الحافظ ولي الدين العراقي رحمه الله. [«طرح التثريب في شرح التقريب» (3) / (308)]، وهو بحث نفيس، والله تعالى أعلم. [البحر المحيط الثجاج].
(المسألة السابعة): الرد على الشبهات المتعلقة بالباب.
مضى ذلك خلاصة في ذلك.
فصل: كل الجسد يبلى إلا عجب الذنب
من إعجاز السنة النبوية،،
أثبت المتخصصون في علم الأجنة أن جسد الجنين ينشأ من شريط دقيق للغاية يسمى بـ “الشريط الأولي”، هذا الشريط يتخلق في اليوم الخامس عشر من تلقيح البويضة وانغرازها بجدار الرحم، ونتيجة لظهور هذا الشريط يبدأ تكون الجهاز العصبي، وبدايات العمود الفقري، وبقية أعضاء الجسم، أما عند غياب أو عدم تكون الشريط الأولي فإن هذه الأعضاء لا تتكون، وبالتالي لا يتحول القرص الجنيني البدائي إلى مرحلة تكون الأعضاء بما فيها الجهاز العصبي.
ولأهمية هذا الشريط الأولي جعلته لجنة وارنك البريطانية – المختصة بالتلقيح الإنساني والأجنة – العلامة الفاصلة بين الوقت الذي يسمح فيه للأطباء و الباحثين بإجراء التجارب على الأجنة المبكرة الناتجة عن فائض التلقيح الصناعي في الأنابيب، فقد سمحت اللجنة بإجراء هذه التجارب قبل ظهور الشريط الأولي، ومنعته منعا باتا بعد ظهوره، على اعتبار أن ظهور هذا الشريط يعقبه البدايات الأولى للجهاز العصبي.
وما أن ينتهي الشريط الأولي من تلك المهمة في الأسبوع الرابع، حتى يبدأ في الاندثار ويبقى منه جزء يسير في نهاية العمود الفقري، وهو ما يعرف بالعصعص، ولا يكاد يرى بالعين المجردة.
هذا الجزء من الإنسان هو عجب الذنب الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في عدد من الأحاديث، قبل ألف وأربعمائة سنة، وبين أنه يركب منه أول مرة، و أنه هو الذي يبقى بعد وفاته وفناء جسده، ومنه يعاد خلقه مرة أخرى إذا أراد الله بعث العباد للحساب والجزاء، حيث ينزل الله عز وجل مطرا من السماء فينبت كل فرد من عجب ذنبه، كما تنبت النبتة من بذرتها.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما بين النفختين أربعون قالوا: يا أبا هريرة أربعون يوما؟ قال: أبيت، قالوا: أربعون شهرا؟ قال: أبيت، قالوا: أربعون سنة؟ قال: أبيت، قال: ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون، كما ينبت البقل، ليس من الإنسان شيء إلا يبلى، إلا عظما واحدا وهو عجب الذنب، ومنه يركب الخلق يوم القيامة) رواه مسلم، وأخرج أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كل ابن آدم تأكل الأرض إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب)، وأخرج الإمام أحمد عن أبي سعيد قوله عليه الصلاة والسلام: (يأكل التراب كل شيء من الإنسان إلا عجب ذنبه، قيل: ومثل ما هو يا رسول الله؟ قال: مثل حبة خردل منه تنبتون).
فهذه الأحاديث النبوية قد بينت هذه الحقيقة العلمية التي لم يتوصل إليها العلم الحديث إلا في السنوات الأخيرة، وهو ما يؤكد صدق نبوة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وتلقيه ذلك عن الخالق سبحانه وتعالى، الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير، أظهرها الله عز وجل في هذا العصر، إعجازا وتحديا لكل جاحد ومكذب، وذلك مصداقا لقوله سبحانه وتعالى: {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق}.
تنبيه: المعلومات الزائده منقوله من بحث. وهذا بحث طبي يحتاج التأكد من أهل الاختصاص. لكننا نؤمن بما جاء في السنة
قال ابن القيم رحمه الله:
وإذا أرَادَ اللهُ إخْرَاجَ الوَرَى … بَعْدَ الْمَمَات إلَى المعادِ الثَّانِي
أَلقَى على الأرْضِ التي هُمْ تَحتَها … وَاللهُ مقتَدِرٌ وذُو سُلطانِ
مطرًا غليظًا أبيضًا متتابِعًا … عَشْرًا وعشرًا بعدَها عَشْرَانِ
فتظلُّ تَنبُتُ منهُ أجسامُ الوَرَى … وَلحُومهُمْ كمنابِتِ الرَّيحانِ
حَتَّى إذَا مَا الأمُّ حَانَ وِلَادُهَا … وتمخَّضَتْ فَنِفَاسُهَا مُتَدَانِ
أَوْحَى لها ربُّ السَّما فتشقَّقتْ … فَبدَا الجَنينُ كأكملِ الشُّبَّانِ
وتخلَّتِ الأمُّ الوَلودُ وأخرَجَتْ … أثْقَالَها أُنْثَى ومِنْ ذُكْرَانِ
واللهُ ينشِئُ خَلْقَهُ فِي نَشْأةٍ … أخْرَى كَمَا قَدْ قَالَ في الفُرقانِ
هَذَا الَّذِي جَاءَ الكتابُ وَسنةُ الـ … ـهَادِي بهِ فاحْرِصْ عَلَى الإيمَانِ
مَا قَالَ إنَّ اللهَ يُعْدِمُ خَلْقَهُ … طُرًّا كَقَولِ الجَاهلِ الحيرانِ