(2949 إلى 2954) فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
مجموعة: أحمد بن علي، وعبد الله المشجري، ومحمد البلوشي وسلطان الحمادي ومحمد سيفي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
جاء في صحيح الإمام مسلم رحمه الله من ((52)) – (- كتاب: الفتن وأشراط الساعة)، (27) – باب قرب الساعة
(131) – ((2949)) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ (يَعْنِي ابْنَ مَهْدِيٍّ). حَدَّثَنَا شعبة عَنْ عَلِيِّ بْنِ الأَقْمَرِ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ،
عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قال «لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس».
(132) – ((2950)) حدثنا سعيد بن منصور. حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن وعبد العزيز بن أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. ح وحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حدثنا يعقوب عن أبي حازم؛ أنه سمع سَهْلًا يَقُولُ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يشير بإصبعه التي تلي الإبهام والوسطى، وهو يقول «بعثت أنا والساعة هكذا».
(133) – ((2951)) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. قالا: حدثنا محمد بن جعفر. حدثنا شعبة قال: سمعت قَتَادَةَ. حدثنا أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «بعثت أنا والساعة كهاتين».
قال شعبة: وسمعت قتادة يقول في قصصه: كفضل إحداهما على الأخرى. فلا أدري أذكره عن أنس، أو قاله قتادة.
(134) – ((2951)) وحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ (يعني ابن الحارث). حدثنا شعبة قال: سمعت قتادة وأبا التياح يحدثان؛ أنهما سمعا أنسا يُحَدِّثُ؛
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال «بعثت أنا والساعة هكذا» وقرن شعبة بين إصبعيه. المسبحة والوسطى، يحكيه.
(134) – م – ((2951)) وحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التياح، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم. بهذا.
(134) – م (2) – ((2951)) وحدثناه مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عن شعبة، عن حمزة (يعني الضبي) وأبي التياح عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم. بمثل حديثهم.
(135) – ((2951)) وحدثنا أبو غسان المسمعي. حدثنا معتمر عن أبيه، عن معبد، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «بعثت أنا والساعة كهاتين». قال وضم السبابة والوسطى.
(136) – ((2952)) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كُرَيْبٍ. قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ، عن أبيه، عن عائشة، قالت:
كان الأعراب إذا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سألوه عن الساعة: متى الساعة؟ فنظر إلى أحدث إنسان منهم فقال «إن يعش هذا، لم يدركه الهرم، قامت عليكم ساعتكم».
(137) – ((2953)) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا يونس بن محمد عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أنس؛
أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: متى تقوم الساعة؟ وعنده غلام من الأنصار،
يقال له محمد. فقال رسول الله «إن يعش هذا الغلام، فعسى أن لا يدركه الهرم، حتى تقوم الساعة».
(138) – ((2953)) وحَدَّثَنِي حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ. حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حرب. حدثنا حماد (يعني ابن زيد). حدثنا معبد بن هلال العنزي عن أنس بن مالك؛
أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: متى تقوم الساعة؟ قَالَ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هنيهة. ثم نظر إلى غلام بين يديه من أزدشنوءة. فقال «إن عمر هذا، لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة».
قال: قال أنس: ذاك الغلام من أترابي يومئذ.
(139) – ((2953)) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عبد الله. حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ. حَدَّثَنَا هَمَّامٌ. حَدَّثَنَا قتادة، عن أنس، قال:
مر غلام للمغيرة بن شعبة، وكان من أقراني. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «إِنَّ يؤخر هذا، فلن يدركه الهرم، حتى تقوم الساعة».
(140) – ((2954)) حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عيينة عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أَبِي هُرَيْرَةَ،
يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال «تقوم الساعة والرجل يحلب اللقحة، فما يصل الإناء إلى فيه حتى تقوم. والرجلان يتبايعان الثوب، فما يتبايعانه حتى تقوم. والرجل يلط في حوضه، فما يصدر حتى تقوم».
==========
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
قال الحافظ النووي رحمه الله: (” [((27))]- (بَابُ قُرْبِ السَّاعَةِ) “).
“يومُ القيامةِ حَقٌّ آتٍ لا رَيبَ فيه، وقد مضى قَدَرُ اللهِ عزَّ وجَلَّ أن يأتيَ هذا اليومَ على النَّاسِ بَغتةً، ومِن رحمتِه سُبحانَه بالعِبادِ أن أقام لهم علاماتٍ تدُلُّهم على قُربِ وُقوعِها”.
وقد مضى ما يتعلق بأغلب مسائل الساعة في الأبواب السابقة ولله الحمد.
وقال الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله:
[(7372)] ((2949)) -شرح الحديث:
(عَنْ عَبْدِ اللهِ) بن مسعود رضي الله عنه، (لا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ»)؛ أي: من الكفّار والمنافقين، وذلك أن الله تعالى يبعث الريح الطيبة، فتقبض روح كل مؤمن، فلَا يبقى إلا شرار الناس، وذلك إنما يقع بعد طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة، وسائر الآيات العظام، وقد تقدّم لمسلم حديث: «ثم يبعث الله ريحًا طيبة، فتوفّى كل من في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، فيبقى من لا خير فيه، فيرجعون إلى دين آبائهم».
وتقدّم أيضًا: «ثم يرسل الله ريحًا باردة من قِبَل الشام، فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير، أو إيمان، إلا قبضته»، وفيه: «فيبقى شرار الناس في خفة الطير، وأحلام السباع، لا يعرفون معروفًا، ولا ينكرون منكرًا، فيتمثل لهم الشيطان، فيأمرهم بعبادة الأوثان، ثم يُنفخ في الصور»، والله تعالى أعلم. [البحر المحيط الثجاج، بتصرف].
وراجع أيضا في نفس المعنى [توفيق الرب المنعم، (8/ 363)].
وحديث عبد الله بن مسعود رض الله عنه، هذا من أفراد المصنّف رحمه الله.
وقال الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله:
[(7373)] ((2950)) – شرح الحديث:
والمراد بالساعة هنا: يوم القيامة، والأصل فيها قطعة من الزمان، وعند أهل الميقات: جزء من أربعة وعشرين جزءًا من اليوم والليلة، وثبت مثله في حديث جابر، رفعه: «يومُ الجمعة اثنتا عشرة ساعة»، وأُطلقت في الحديث على انخرام قرن الصحابة رضي الله عنهم، ففي «صحيح مسلم» عن عائشة رضي الله عنها: «كان الأعراب يسألون رسول الله عن الساعة، فنظر إلى أحدث إنسان منهم، فقال: إن يعش هذا لم يدركه الهرم، قامت عليكم ساعتكم»، وعنده من حديث أنس رضي الله عنه نحوه، وأُطلقت أيضًا على موت الإنسان الواحد، قاله في «الفتح» [» الفتح” (14) / (683) – (684)].
وقوله: (هَكَذَا) التشبيه في المقارنة بينهما؛ أي: ليس بينهما أصبع أخرى، كما أنه لا نبيّ بينه صلى الله عليه وسلم وبين الساعة، أو في قلة التفاوت بينهما [«شرح سنن النسائي» (3) / (47)].
وذكر القرطبي الاحتمالين وقال:
وحاصله: تقريب أمر الساعة التي هي القيامة، وسرعة مجيئها؛ وهذا كما قال: {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد: (18)] قال الحسن: أشراطها: محمد صلى الله عليه وسلم. [«المفهم» (7) / (305)].
[البحر المحيط، بتصرف].
المقصود أن المدة الباقية لقيام الساعة قليلة بالنسبة إلى ما مضى من عمر الدنيا. [توفيق الرب المنعم، (8/ 363 – 364)].
وحديث سهل بن سعد رضي الله عنهما، هذا متّفقٌ عليه.
(مسألة):
قال القاضي عياض وغيره: أشار بهذا الحديث على اختلاف ألفاظه إلى قلة المدة بينه وبين الساعة، والتفاوت إما في المجاورة، وإما في قَدْر ما بينهما، ويعضده قوله: «كفضل أحدهما على الأخرى»، وقال بعضهم: هذا الذي يتجه أن يقال، ولو كان المراد الأول لقامت الساعة؛ لاتصال إحدى الإصبعين بالأخرى.
ورجّح الطيبيّ قول البيضاويّ لحديث المستورد بن شدّاد رضي الله عنه، عن النبيّ ، قال: «بُعثت في نفس الساعة، فسبقتها كما سبقت هذه هذه»، وأشار بإصبعه السبّابة والوسطى، رواه الترمذيّ برقم ((5513)) “. انتهى.].
وقال القرطبيّ في «التذكرة»: ولا يلزم من ذلك عِلم وقتها بعينه، لكن سياقه يفيد قربها، وأن أشراطها متتابعة؛ كما قال تعالى: {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد: (18)] قال الضحاك: أول أشراطها بعثة محمد ، والحكمة في تقدم الأشراط إيقاظ الغافلين، وحثهم على التوبة، والاستعداد.
وقال الكرمانيّ: قيل: معناه الإشارة إلى قرب المجاورة، وقيل: إلى تفاوت ما بينهما طولًا …
وقال عياض:
حاول بعضهم في تأويله أن نسبة ما بين الإصبعين كنسبة ما بقي من الدنيا بالنسبة إلى ما مضى، وأن جملتها سبعة آلاف سنة، واستند إلى أخبار لا تصح، وذكر ما أخرجه أبو داود في تأخير هذه الأمة نصف يوم، وفسَّره بخمسمائة سنة، فيؤخذ من ذلك أن الذي بقي نصف سبع، وهو قريب مما بين السبابة والوسطى في الطول، قال: وقد ظهر عدم صحة ذلك؛ لوقوع خلافه، ومجاوزة هذا المقدار، ولو كان ذلك ثابتًا لم يقع خلافه.
قال الحافظ: وقد انضاف إلى ذلك منذ عهد عياض إلى هذا الحين ثلاثمائة سنة.
وقال ابن العربيّ: قيل: الوسطى تزيد على السبابة نصف سبعها، وكذلك الباقي من الدنيا من البعثة إلى قيام الساعة، قال: وهذا بعيد، ولا يعلم مقدار الدنيا، فكيف يتحصل لنا نصف سُبع أمد مجهول!؟ فالصواب الإعراض عن ذلك.
قلت – القائل هو الحافظ -: السابق إلى ذلك أبو جعفر بن جرير الطبريّ، فإنه أورد في مقدمة «تاريخه» عن ابن عباس قال: الدنيا جمعة من جمع الآخرة، سبعة آلاف سنة، وقد مضى ستة آلاف ومائة سنة، وأورده من طريق يحيى بن يعقوب، عن حماد بن أبي سليمان، عن سعيد بن جبير عنه، ويحيى هو أبو طالب القاصّ الأنصاريّ، قال البخاريّ: منكر الحديث، وشيخه هو فقيه الكوفة، وفيه مقال.
ثم أورد الطبري عن كعب الأحبار، قال: الدنيا ستة آلاف سنة، وعن وهب بن منبه مثله، وزاد أن الذي مضى منها خمسة آلاف وستمائة سنة، ثم زيفهما، ورجّح ما جاء عن ابن عباس، ثم أورد حديث ابن عمر الذي في «الصحيحين» مرفوعًا: «ما أجلكم في أجل من كان قبلكم إلا من صلاة العصر إلى مغرب الشمس»، ومن طريق مغيرة بن حكيم، عن ابن عمر بلفظ: «ما بقي لأمتي من الدنيا إلا كمقدار إذا صليت العصر»، ومن طريق مجاهد، عن ابن عمر: «كنا عند النبيّ ، والشمس على قعيقعان مرتفعة بعد العصر، فقال: ما أعماركم في أعمار من مضى إلا كما بقي من هذا النهار فيما مضى منه»، وهو عند أحمد أيضًا بسند حسن.
ثم أورد حديث أنس: «خطبنا رسول الله يومًا، وقد كادت الشمس تغيب. . .»، فذكر نحو الحديث الأول عن ابن عمر، ومن حديث أبي سعيد بمعناه، قال عند غروب الشمس: «إن مَثَل ما بقي من الدنيا فيما مضى منها، كبقية يومكم هذا فيما مضى منه»، وحديث أبي سعيد أخرجه أيضًا، وفيه عليّ بن زيد بن جُدعان، وهو ضعيف، وحديث أنس أخرجه أيضًا، وفيه موسى بن خلف.
ثم جمع بينهما بما حاصله:
أنه حمل قوله: «بعد صلاة العصر» على ما إذا صُلّيت في وسط من وقتها.
قلت – القائل هو الحافظ -: وهو بعيد من لفظ أنس، وأبي سعيد، وحديث ابن عمر صحيح، متفق عليه، فالصواب الاعتماد عليه، وله محملان:
أحدهما: أن المراد بالتشبيه: التقريب، ولا يراد حقيقة المقدار، فبه يجتمع مع حديث أنس، وأبي سعيد على تقدير ثبوتهما.
والثاني: أن يُحْمَل على ظاهره، فيقدَّم حديث ابن عمر، لصحته، ويكون فيه دلالة على أن مدة هذه الأمة قَدْر خُمس النهار تقريبًا، ثم أيّد الطبريّ كلامه بحديث الباب، وبحديث أبي ثعلبة الذي أخرجه أبو داود، وصححه الحاكم، ولفظه: «والله لا تعجز هذه الأمة من نصف يوم»، ورواته ثقات، ولكن رجح البخاريّ وقفه، وعند أبي داود أيضًا من حديث سعد بن أبي وقاص، بلفظ: «إني لأرجو أن لا تعجز أمتي عند ربها أن يؤخرهم نصف يوم». قيل لسعد: كم نصف يوم؟ قال: خمسمائة سنة، ورواته موثقون، إلا أن فيها انقطاعًا، قال الطبريّ: ونصف اليوم خمسمائة سنة؛ أخذًا من قوله تعالى: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ} [الحج: (47)]
فإذا انضم إلى قول ابن عباس: إن الدنيا سبعة آلاف سنة، توافقت الأخبار، فيكون الماضي إلى وقت الحديث المذكور ستة آلاف سنة وخمسمائة سنة تقريبًا.
وقد أورد السهيليّ كلام الطبريّ، وأيده بما وقع عنده في حديث المستورد، وأكّده بحديث ابن زمل، رفعه: «الدنيا سبعة آلاف سنة، بعثت في آخرها».
قلت: وهذا الحديث إنما هو عن ابن زمل، وسنده ضعيف جدًّا، أخرجه ابن السكن في الصحابة، وقال: إسناده مجهول، وليس بمعروف في الصحابة، وأخرجه ابن قتيبة في غريب الحديث، وذكره في الصحابة أيضًا ابن منده وغيره، وسمّاه بعضهم عبد الله، وبعضهم الضحاك، وقد أورده ابن الجوزيّ في «الموضوعات»، وقال ابن الأثير: ألفاظه مصنوعة، ثم بيَّن السهيليّ أنه ليس في حديث نصف يوم ما ينفي الزيادة على الخمسمائة، قال: وقد جاء بيان ذلك فيما رواه جعفر بن عبد الواحد، بلفظ: «إن أحسنت أمتي، فبقاؤها يوم من أيام الآخرة، وذلك ألف سنة، وإن أساءت، فنصف يوم». قال: وليس في قوله: «بُعثت أنا والساعة كهاتين» ما يقطع به على صحة التأويل الماضي، بل قد قيل في تأويله: إنه ليس بينه وبين الساعة نبيّ مع التقريب لمجيئها، ثم جوّز أن يكون في عدد الحروف التي في أوائل السور مع حذف المكرر ما يوافق حديث ابن زمل، وذكر أن عدتها تسعمائة وثلاثة،
قلت: وهو مبني على طريقة المغاربة في عدّ الحروف، وأما المشارقة فينقص العدد عندهم مائتين وعشرة، فإن السين عند المغاربة بثلاثمائة، والصاد بستين، وأما المشارقة فالسين عندهم ستون، والصاد تسعون، فيكون المقدار عندهم ستمائة وثلاثة وتسعين، وقد مضت وزيادة عليها مائة وخمس وأربعون سنة، فالحمل على ذلك من هذه الحيثية باطل، وقد ثبت عن ابن عباس الزجر عن عدّ أبي جاد، والإشارة إلى أن ذلك من جملة السِّحر، وليس ذلك ببعيد، فإنه لا أصل له في الشريعة.
وقد قال القاضي أبو بكر ابن العربي، وهو من مشايخ السهيليّ في «فوائد رحلته» ما نصه: ومن الباطل الحروف المقطعة في أوائل السور، وقد تحصّل لي فيها عشرون قولًا، وأزْيد، ولا أعرف أحدًا يحكم عليها بعلم، ولا يصل فيها إلى فهم، إلا أني أقول، فذكر ما ملخصه: أنه لولا أن العرب كانوا يعرفون أن لها مدلولًا متداولًا بينهم لكانوا أول من أنكر ذلك على النبيّ ، بل تلا عليهم: ص، وحم فصّلت، وغيرهما، فلم ينكروا ذلك، بل صرحوا بالتسليم له في البلاغة، والفصاحة، مع تشوّفهم إلى عثرة، وحرصهم على زلة، فدلّ على أنه كان أمرًا معروفًا بينهم، لا إنكار فيه.
قال الحافظ: وأما عدّ الحروف بخصوصه، فإنما جاء عن بعض اليهود، كما حكاه ابن إسحاق في السيرة النبوية، عن أبي ياسر بن أخطب وغيره أنهم حملوا الحروف التي في أوائل السور على هذا الحساب، واستقصروا المدة أول ما نزل: الم، والر، فلما نزل بعد ذلك: المص، وطسم، وغير ذلك قالوا: ألبست علينا الأمر، وعلى تقدير أن يكون ذلك مرادًا، فلْيُحمل على جميع الحروف الواردة، …. فإذا حُسب عددها بالجمّل المغربي بلغت ألفين وستمائة وأربعة وعشرين، وأما بالجمل المشرقي، فتبلغ ألفًا وسبعمائة وأربعة وخمسين، قال: ولم أذكر ذلك ليُعتمَد عليه، إلا لأبيّن أن الذي جنح إليه السهيليّ لا ينبغي الاعتماد عليه؛ لشدة التخالف فيه.
وفي الجملة فأقوى ما يعتمَد في ذلك عليه حديث ابن عمر الذي أشرت إليه قبلُ، وقد أخرج معمر في «الجامع» عن ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد، قال معمر: وبلغني عن عكرمة في قوله تعالى: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج: (4)] قال: الدنيا من أولها إلى آخرها يوم مقداره خمسون ألف سنة، لا يَدري كم مضى، ولا كم بقي إلا الله تعالى.
وقد حمل بعض شراح «المصابيح» حديث: «لن تعجز هذه الأمة أن يؤخرها نصف يوم» على حال يوم القيامة، وزيّفه الطيبيّ، فأصاب، وأما زيادة جعفر فهي موضوعة؛ لأنها لا تُعرف إلا من جهته، وهو مشهور بوضع الحديث، وقد كذبه الأئمة، مع أنه لم يسق سنده بذلك، فالعجب من السهيليّ كيف سكت عنه، مع معرفته بحاله، والله المستعان. انتهى كلام الحافظ رحمه الله [«الفتح» (14) / (686) – (690)، «كتاب الرقاق» رقم ((6503))].
يقصد بزيادة جعفر إن احسنت هذه الأمة فتمهل ألف. وإن أساءت فخمسمائة
قال الجامع [الإتيوبي] عفا الله عنه: هذا كله من فضول الكلام، وإنما سقته؛ ليُعلم ما قيل.
وقال الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله:
[(7374)] ((2951)) – (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ»، قَالَ شُعْبَةُ: وَسَمِعْتُ قَتَادَةَ يَقُولُ فِي قَصَصِهِ: كَفَضْلِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى، فَلَا أَدْرِي أَذَكَرَهُ عَنْ أَنَسٍ، أَوْ قَالَهُ قَتَادَةُ).
شرح الحديث:
قال محققو المسند:
قوله: «كفضل إحداهما على الأخرى» ذكر الحافظ ابن حجر في «الفتح» (11) / (349) أنه لم ير هذه الزيادة في شيء من الطرق عن أنس، وذكر شاهدين لها: الأول من حديث المستورد بن شداد، ولفظه: «بعثت في نفس الساعة فسبقتُها كما سبقت هذه هذه» لأصبعيه السبابة والوسطى. أخرجه الترمذي ((2213))، والطبراني في «الكبير» (20) / ((732))، وفي إسناده ضعف، وقال الترمذي: غريب من حديث المستورد. والثاني: من حديث أبي جبيرة بن الضحاك الأنصاري مرفوعًا بنحوه أخرجه الطبراني في «الكبير» (22) / ((971))، ورواه مرة أخرى برقم ((972)) فجعله عن أبي جبيرة عن أشياخ من الأنصار عن النبي .
قلنا: وأَحد إسناديه صحيح إلى أبي جبيرة، وأبو جبيرة مختلف في صحبته.
في المراسيل لابن أبي حاتم:
(465) – أَبُو جَبِيرَةَ بْنُ الضَّحَّاكِ
(935) – سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ أَبُو جُبَيْرَةَ بْنُ الضَّحَّاكِ لَا أَعْلَمُ لَهُ صُحْبَةً
قال محقق مستخرج أبي عوانة بعد أن نقل كلام الناس حجر:
انظر: هذه الرواية مسندة في تاريخ الطبري ((1) / (15) ط دار المعارف) قال حدثني أحمد بن محمد بن حبيب قال حدثنا أبو نصر حدثنا المسعودي عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن أبي جبيرة به مرفوعًا.
وفي إسناد هذه الرواية ضعف -المسعودي (عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة) وقد اختلط- (انظر: الكواكب النيرات ص (282)).
وقال الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله:
[(7379)] ((2952)) –
شرح الحديث:
(عَنْ عَائِشَةَ) أم المؤمنين رضي الله عنها أنها (قَالَتْ: كَانَ الأَعْرَابُ) بفتح الهمزة: هم سكان البادية، ولم يُسمّ أحد منهم، وفي رواية البخاريّ: «كان رجال من الأعراب جُفاة» قال الحافظ: لم أقف على أسمائهم، وقوله: «جفاة» في رواية الأكثر بالجيم، وفي رواية بعضهم بالمهملة، وإنما وصفهم بذلك: أما على رواية الجيم، فلأن سكان البوادي يغلب عليهم الشّظَف، وخشونة العيش، فتجفو أخلاقهم غالبًا، وأما على رواية الحاء، فلقلة اعتنائهم بالملابس. انتهى [«الفتح» (14) / (706) رقم ((6511))].
(إِذَا قَدِمُوا) بكسر الدال، (عَلَى رَسُولِ اللهِ سَأَلُوهُ عَنِ السَّاعَةِ) قائلين (مَتَى السَّاعَةُ؟)؛ أي: متى تقوم القيامة؟، وإنما كانوا يسألونه عنها؛ لِمَا طَرَق أسماعهم من تكرار اقترابها في القرآن، فأرادوا أن يعرفوا تعيين وقتها. (فَنَظَرَ إِلَى أَحْدَثِ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ) وفي رواية البخاريّ: «فينظر إلى أصغرهم»، وهذه ظاهرها تكرير ذلك، ويؤيد سياق مسلم حديث أنس الآتي: «أن رجلًا سأل رسول الله متى تقوم الساعة؟»، قال الحافظ: ولم أقف على اسم هذا بعينه، لكنه يَحتمل أن يفسَّر بذي الخويصرة اليمانيّ الذي بال في المسجد، وسأل متى تقوم الساعة؟ وقال: اللَّهُمَّ ارحمني ومحمدًا، ولكن جوابه عن السؤال عن الساعة مغاير لجواب هذا، قاله في «الفتح» [«الفتح» (14) / (706)].
تنبيه: هذا يختلف عن ذو الخويصرة التميمي لأن التميمي رأس الخوارج.
(فَقَالَ) : («إِنْ يَعِشْ هَذَا لَمْ يُدْرِكْهُ الْهَرَمُ) ولفظ البخاريّ:» لا يدركه الهرم «، (قَامَتْ عَلَيْكُمْ سَاعَتُكُمْ») زاد في رواية البخاريّ: «قال هشام: يعني: موتهم»، وفي حديث أنس الآتي: «حتى تقوم الساعة»،
قال عياض: حديث عائشة رضي الله عنها هذا يفسِّر حديث أنس، وأن المراد ساعة المخاطَبين، وهو نظير قوله: «أرأيتكم ليلتكم هذه، فإن على رأس مائة سنة منها، لا يبقى على وجه الأرض، ممن هو عليها الآن أحد»، وقد تقدم بيانه، وأن المراد: انقراض ذلك القرن، وأن من كان في زمن النبيّ إذا مضت مائة سنة من وقت تلك المقالة، لا يبقى منهم أحد، ووقع الأمر كذلك، فإن آخر من بقي ممن رأى النبيّ أبو الطفيل عامر بن واثلة رضي الله عنه، كما جزم به مسلم وغيره، وكانت وفاته سنة عشر ومائة من الهجرة، وذلك عند رأس مائة سنة من وقت تلك المقالة، وقيل: كانت وفاته قبل ذلك، فإن كان كذلك فيَحْتَمِل أن يكون تأخر بعده بعض من أدرك ذلك الزمان، وإن لم يثبت أنه رأى النبيّ ، وبه احتجّ جماعة من المحققين على كَذِب من ادَّعَى الصحبة، أو الرؤية ممن تأخر عن ذلك الوقت.
وقال الراغب: الساعة جزء من الزمان، ويعبَّر بها عن القيامة؛ تشبيهًا بذلك؛ لسرعة الحساب؛ قال الله تعالى: {وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام: (62)]، أو لِمَا نبّه عليه بقوله: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ} [الأحقاف: (35)]،
وأُطلقت الساعة على ثلاثة أشياء:
الساعة الكبرى، وهي بعث الناس للمحاسبة،
والوسطى، وهي موت أهل القرن الواحد، نحو ما رُوي أنه رأى عبد الله بن أنيس، فقال: «إن يَطُل عمر هذا الغلام، لم يمت حتى تقوم الساعة»، فقيل: إنه آخر من مات من الصحابة،
والصغرى موت الإنسان، فساعة كل إنسان موته، ومنه قوله عند هبوب الريح: «تخوّفت الساعة»؛ يعني: موته. انتهى.
تنبيه:
عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ:
كَانَ رَسُوْلُ اللهِ قَاعِدًا تَحْتَ نَخْلَةٍ، فَهَاجَتْ رِيْحٌ، فَقَامَ فَزِعًا، فَقِيْلَ لَهُ، فَقَالَ: (إِنِّي تَخَوَّفْتُ السَّاعَةَ» رجاله ثقات، كما قال المؤلف، لكن الأعمش لم يسمع من أنس، وإن كان رآه. قاله محقق
سير أعلام النبلاء – ط الرسالة (11) / (362) —
قال الأصفهاني:
وعلى هذا قوله: قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ [الأنعام/ (40)]، وروي أنه كان إذا هبّت ريح شديدة تغيّر لونه صلى الله عليه وسلم فقال: «تخوّفت السّاعة» «(3)»، وقال: «ما أمدّ طرفي ولا أغضّها إلّا وأظنّ أنّ السَّاعَةَ قد قامت» «(4)» يعني موته.
المفردات في غريب القرآن (1) / (435) — الراغب الأصفهاني (ت (502))
كتاب السين سوف
قال الحافظ: وما ذكره عن عبد الله بن أنيس لم أقف عليه، ولا هو آخر من مات من الصحابة جزمًا.
وقال الداوديّ: هذا الجواب من معاريض الكلام، فإنه لو قال لهم: لا أدري ابتداء، مع ما هم فيه من الجفاء، وقبل تمكن الإيمان في قلوبهم لارتابوا، فعدل إلى إعلامهم بالوقت الذي ينقرضون هم فيه، ولو كان تمكّن الإيمان في قلوبهم لأفصح لهم بالمراد.
وقال ابن الجوزيّ: كان النبيّ يتكلم بأشياء على سبيل القياس، فقوله تعالى {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ} [النحل: (77)] حَمَل ذلك على أنها لا تزيد على مضي قرن واحد … وذكر الاحتمال السابق ورد ابن حجر قوله بالقياس
وقال الكرمانيّ: هذا الجواب من الأسلوب الحكيم؛ أي: دَعُوا السؤال عن وقت القيامة الكبرى، فإنها لا يعلمها إلا الله، واسألوا عن الوقت الذي يقع فيه انقراض عصركم، فهو أَولى لكم؛ لأن معرفتكم به تبعثكم على ملازمة العمل الصالح قبل فوته؛ لأن أحدكم لا يدري من الذي يسبق الآخر. انتهى [«الفتح» (14) / (707) – (708) رقم ((6511))].
وحديث عائشة رضي الله عنها هذا متّفقٌ عليه.
وقال الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله:
[(7380)] ((2953)) – (وَحَدَّثَنَا لو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أنَسٍ؛ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ : مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ؟ وَعِنْدَهُ غُلَامٌ مِنَ الأَنْصَارِ، يُقَالُ لَهُ: مُحَمَّدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : «إِنْ يَعِشْ هَذَا الْغُلَامُ، فَعَسَى أَنْ لَا يُدْرِكَهُ الْهَرَمُ، حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ»).
شرح الحديث:
وقوله: (حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ») وقع في رواية الباوردي بدل قوله: «حتى تقوم الساعة»: «لا يبقى منكم عين تطرف» وبهذا يتضح المراد، وله في أخرى: «ما من نفس منفوسة يأتي عليها مائة سنة»، وهذا نظير قوله لأصحابه في آخر عمره: «أرأيتكم ليلتكم هذه، فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى على وجه الأرض ممن هو اليوم عليها أحد». وكان جماعة من أهل ذلك العصر يظنون أن المراد أن الدنيا تنقضي بعد مائة سنة، فلذلك قال الصحابيّ: فَوَهَل الناسُ فيما يتحدثون من مائة سنة، وإنما أراد بذلك انخرام قرنه، أشار إلى ذلك عياض مختصرًا.
قال الحافظ: ووقع في الخارج كذلك: «فلم يبق ممن كان موجودًا عند مقالته تلك عند استكمال مائة سنة من سنة موته أحد». وكان آخر من رأى النبيّ موتًا أبو الطفيل عامر بن واثلة، كما ثبت في «صحيح مسلم».
وقال الإسماعيليّ بعد أن قرر أن المراد بالساعة ساعة الذين كانوا حاضرين … وهذا عمل شائع للعرب، يُستعمل للمبالغة
وقال الداوديّ: المحفوظ أنه قال ذلك للذين خاطبهم بقوله: تأتيكم ساعتكم؛ يعني: بذلك موتهم؛ لأنهم كانوا أعرابًا، فخشي أن يقول لهم: لا أدري متى الساعة، فيرتابوا، فكلّمهم بالمعاريض، وكأنه أشار إلى حديث عائشة الذي أخرجه مسلم: «كان الأعراب إذا قَدِموا على النبيّ سألوه عن الساعة، متى الساعة؟ فينظر إلى أحدث إنسان منهم سنًّا، فيقول: إن يعش هذا حتى يدركه الهرم، قامت عليكم ساعتكم».
قال عياض، وتبعه القرطبيّ: هذه رواية واضحة، تُفسِّر كل ما ورد من الألفاظ المشكلة في غيرها.
وأما قول النوويّ: يَحْتَمِل أنه أراد أن الغلام المذكور لا يؤخر، ولا يعمر، ولا يهرم؛ أي: فيكون الشرط لم يقع، فكذلك لم يقع الجزاء، فهو تأويل بعيد، ويلزم منه استمرار الإشكال؛ لأنه إن حمَل الساعة على انقراض الدنيا، وحلول أمر الآخرة، كان مقتضى الخبر أن القَدْر الذي كان بين زمانه وبين ذلك بمقدار ما لو عُمِّر ذلك الغلام إلى أن يبلغ الهرم، والمشاهد خلاف ذلك، وإن حمَل الساعة على زمن مخصوص رجع إلى التأويل المتقدم، وله أن ينفصل عن ذلك بأن سن الهرم لا حدّ لقدره. انتهى [«الفتح» (14) / (37) – (8) رقم ((6167))]، والله تعالى أعلم.
وحديث أنس رضي الله عنه هذا من أفراد المصنّف رحمه الله تعالى.
وقال الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله:
[(7381)] (. . .) – (وَحَدَّثَنِي حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ – يَعْنِي: ابْنَ زَيْدٍ – حَدَّثَنَا مَعْبَدُ بْنُ هِلَالٍ الْعَنَزِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ قَالَ: مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ؟ قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ هُنَيْهَةً، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى غُلَامٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ، فَقَالَ: «إِنْ عُمِّرَ هَذَا لَمْ يُدْرِكْهُ الْهَرَمُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ»، قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: ذَاكَ الْغُلَامُ مِنْ أَتْرَابِي يَوْمَئِذٍ).
وقوله: (هُنَيْهَةً) بالتصغير؛ أي: قليلًا؛ أي: سكت وقتًا يسيرًا لم يجبه، ولعله لانتظار الوحي، أو غير ذلك، والله تعالى أعلم.
وقوله: (مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ) بفتح الشين المعجمة، وضم النون، ومدّ، وبعد الواو همزة، ثم هاء تأنيث: اسم قبيلة، وقال ابن الأثير: شنوءة هو: عبد الله بن كعب بن عبد الله بن كعب بن مالك بن نصر بن الأزد. انتهى [«اللباب في تهذيب الأنساب» (2) / (211)].
وفي، الرواية التالية: «غلام للمغيرة بن شعبة، وكان من أقراني»، ولا مغايرة بينهما، وطريق الجمع أنه كان من أزد شنوءة، وكان حليفًا للأنصار، وكان يخدم المغيرة.
والحديث من أفراد المصنّف رحمه الله تعالى، وقد سبق البحث فيه مستوفًى.
قال الراجحي: أن المراد بـ «قَامَتْ عَلَيْكُمْ سَاعَتُكُمْ» يعني: يموت هؤلاء المخاطبين، أو يموت ذلك القرن، ومن مات فقد قامت قيامته.
[توفيق الرب المنعم، (8/ 366)].
تنبيه:
فصل: إن قيل ثبت «أن النبي سأل جبريل عن الساعة فقال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل» الحديث فهذا يدل على أنه لم يكن عنده علم ورويتم عنه أنه قال «بعثت أنا والساعة كهاتين» وهذا يدل على أنه كان عالمًا فكيف يتألف الخبران؟ قيل: له قد نطق القرآن بقوله الحق {قل إنما علمها عند ربي} الآية فلم يكن يعلمها هو ولا غيره، وأما قوله «بعثت أنا والساعة كهاتين» فمعناه أنا النبي الأخير فلا يليني نبي آخر، وإنما تليني القيامة كما تلي السبابة الوسطى وليس بينهما أصبع أخرى، وهذا لا يوجب أن يكون له علم بالساعة نفسها وهي مع ذلك كائنة لأن أشراطها متتابعة، وقد ذكر الله الأشراط في القرآن فقال {فقد جاء أشراطها} أي دنت، وأولها النبي لأنه نبي آخر الزمان، وقد بعث وليس بيني وبين القيامة نبي ثم بين ما يليه من الأشراط، فقال: «أن تلد الأمة ربتها» إلى غير ذلك مما سنذكره ونبينه بحول الله تعالى في أبواب إن شاء الله تعالى. عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين – ط عطاءات العلم (1) / (470) — ابن القيم
وقال الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله:
[(7383)] ((2954)) – شرح الحديث
«اللِّقحَةُ» بالكسر: الناقة ذات لبن، قاله الفيّوميّ. [» المصباح المنير” (2) / (556)].
وللبيهقيّ في «البعث» من طريق محمد بن زياد، عن أبي هريرة: «ولتقومن الساعة على رجلين، قد نشرا بينهما ثوبًا يتبايعانه، فلا يتبايعانه، ولا يطويانه»،
وعند عبد الرزاق، عن معمر، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، رفعه: «إن الساعة تقوم على الرجلين، وهما ينشران الثوب، فما يطويانه». [» الفتح «(16) / (570)].
(وَالرَّجُلُ يَلِطُّ فِي حَوْضِهِ) قال النوويّ رحمه الله: هكذا هو في معظم النسخ، بفتح الياء، وكسر اللام، وتخفيف الطاء، وفي بعضها: «يليط» بزيادة ياء، وفي بعضها: «يلوط»، ومعنى الجميع واحد، وهو أنه يُطَيِّنه، ويصلحه. انتهى.
قال الجامع -أي: الإتيوبي – عفا الله عنه: قوله: «وتخفيف الطاء» لا وجه للتخفيف هنا، بل الصواب: أنه بتشديد الطاء، من لطّ يلطّ، كفرّ يفِرّ، قال المجد رحمه الله: لطّ بالأمر: لَزِمه، وعليه: سَتَره، والبابَ: أغلقه، ولَطَطْتُ الشيءَ: ألصقته. انتهى المقصود منه [» القاموس المحيط «ص (1176)]. [البحر المحيط].
“وقوله: «حَتَّى تَقُومَ وَالرَّجُلُ يَلِطُ فِي حَوْضِهِ»، يعني: يُطَيِّنه، فتقوم الساعة وهو على هذه الحالة، والمراد بالساعة: القيامة، وهي صيحة إسرافيل عليه السلام، حين يأمره الله تعالى فينفخ في الصور نفخة يطوِّلها، فيفزع الناس، ثم لا يزال الصوت يقوى حتى يصعق الناس ويموتوا، فهي نفخة طويلة؛ أولها: فزع، وآخرها: صعق وموت”.
[توفيق الرب المنعم، (8/ 366)].
[تنبيه]: حديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا اختصره المصنّف، وقد ساقه البخاريّ مطولًا، فقال:
((6704)) – حدّثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، حدّثنا أبو الزناد، عن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: «لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان، يكون بينهما مقتلة عظيمة، دعوتهما واحدة، وحتى يُبعث دجّالون، كذّابون، قريب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله، وحتى يُقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج، وهو القتل، وحتى يكثر فيكم المال، فيفيض، حتى يُهمّ رب المال من يقبل صدقته، وحتى يَعرضه، فيقول الذي يَعرضه عليه: لا أَرَب لي به، وحتى يتطاول الناس في البنيان، وحتى يمرّ الرجل بقبر الرجل، فيقول: يا ليتني مكانه، وحتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت، ورآها الناس؛ يعني: آمنوا أجمعون، فذلك حين: {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: (158)]، ولتقومنّ الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما، فلا يتبايعانه، ولا يطويانه، ولتقومنّ الساعة، وقد انصرف الرجل بلبن لِقْحته، فلا يطعمه، ولتقومنّ الساعة، وهو يُليط حوضه، فلا يسقي فيه، ولتقومنّ الساعة، وقد رفع أُكلته إلى فيه، فلا يطعمها». انتهى [«صحيح البخاريّ» (6) / (2605)]، والله تعالى أعلم.
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا متّفقٌ عليه. [البحر المحيط الثجاج، (45/ 7 – 34)].
_______
ثانيًا: ملحقات:
[أولاً]: ما يتعلق بقرب الساعة
قال الطبري:
يعني تعالى ذكره بقوله {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ}: دنت الساعة التي تقوم فيها القيامة، وقوله {اقْتَرَبَتِ} افتعلت من القُرب، وهذا من الله تعالى ذكره إنذار لعباده بدنوّ القيامة، وقرب فناء الدنيا، وأمر لهم بالاستعداد لأهوال القيامة قبل هجومها عليهم، وهم عنها في غفلة ساهون.
وَقَالَ: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: (1)] بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمَاضِي، وَلَمْ يَقُلْ قَامَتِ السَّاعَةُ، وَلَا سَتَقُومُ، بَلْ قَالَ: {اقْتَرَبَتِ} [القمر: (1)] أَيْ دَنَتْ وَقَرُبَتْ، وَ {وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: (1)] الَّذِي هُوَ دَلِيلٌ عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ وَعَلَى إِمْكَانِ انْحِرَاقِ الْفَلَكِ الَّذِي هُوَ قِيَامُ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ سُبْحَانُهُ قَرَنَ بَيْنَ خَبَرِهِ بِاقْتِرَابِ السَّاعَةِ وَخَبَرِهِ بِانْشِقَاقِ الْقَمَرِ، فَإِنَّ مَبْعَثَ مُحَمَّدٍ هُوَ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى قُرْبِهَا، كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ، وَجَمَعَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَاتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد: (18)].
الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (1) / (420)
وأما قوله «بعثت أنا والساعة كهاتين» فمعناه أنا النبي الأخير فلا يليني نبي آخر، وإنما تليني القيامة كما تلي السبابة الوسطى وليس بينهما أصبع أخرى، وهذا لا يوجب أن يكون له علم بالساعة نفسها وهي مع ذلك كائنة لأن أشراطها متتابعة، وقد ذكر الله الأشراط في القرآن فقال {فقد جاء أشراطها} أي دنت، وأولها النبي لأنه نبي آخر الزمان، وقد بعث وليس بيني وبين القيامة نبي
التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (1) / (1219)
(2) – عن أبي جبيرة عن أشياخ من الأنصار قالوا: سمعنا رسول الله يقول: «بعثت في نَسَم الساعة»
انظر الصحيحة لشيخنا الألباني ((808)).
وصححه محقق المطالب العالية
قال ابن الجوزي:
فِي الحَدِيث بعثت فِي نسم السَّاعَة أَي حِين ابتدأت وَأَقْبَلت أوائلها وَأَصله نسيم الرّيح وَهُوَ أول هبوبها
غريب الحديث – ابن الجوزي (2) / (406)
قال ابن الأثير: وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ «بُعِثْتُ فِي نَسَمِ السَّاعَةِ» هُوَ مِنَ النَّسِيم، أَوَّلُ هُبوب الرِيح الضَّعِيفَةِ: أَيْ بُعِثْتُ فِي أَوَّلِ أشراطِ السَّاعَةِ وضَعْف مَجيئها.
النهاية في غريب الحديث والأثر (5) / (49)
احاديث:
: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ كُهَيْلٍ، يُحَدِّثُ عَنْ مُجَاهِدٍ، «عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ ، وَالشَّمْسُ عَلَى قُعَيْقِعَانَ، بَعْدَ الْعَصْرِ، فَقَالَ:» مَا أَعْمَارُكُمْ فِي أَعْمَارِ مَنْ مَضَى، إِلَّا كَمَا بَقِيَ مِنَ النَّهَارِ فِيمَا مَضَى مِنْهُ» “. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ. وَهَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ، لَا بَاسَ بِهِ
البداية والنهاية ت التركي (19) / (291)
قال السندي: قوله: على قعيقعان: بضم القاف الأولى وكسر الثانية، وفتح مهملتين، وسكون تحتية: جبل بمكة مقابل أبي قبيس.
وَعَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ وَاقِفًا بِعَرَفَاتٍ، فَنَظَرَ إِلَى الشَّمْسِ حِينَ تَدَلَّتْ مِثْلَ التُّرْسِ لِلْغُرُوبِ، فَبَكَى وَاشْتَدَّ بُكَاؤُهُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ عِنْدَه: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَدْ وَقَفْتَ مَعِي مِرَارًا، لِمَ تَصْنَعُ هَذَا؟، فَقَالَ: ذَكَرْتُ «رَسُولَ اللهِ وَهُوَ وَاقِفٌ بِمَكَانِي هَذَا، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ دُنْيَاكُمْ فِيمَا مَضَى مِنْهَا، إِلَّا كَمَا بَقِيَ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا فِيمَا مَضَى مِنْهُ»
(حم) (6173)، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: صحيح لغيره
– حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: «إِنَّمَا أَجَلُكُمْ فِي أَجَلِ مَنْ خَلَا مِنَ الْأُمَمِ، كَمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَمَغْرِبِ الشَّمْسِ، وَمَثَلُكُمْ وَمَثَلُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَعْمَلَ عُمَّالًا، فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ، فَعَمِلَتِ الْيَهُودُ، فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى الْعَصْرِ، فَعَمِلَتِ النَّصَارَى، ثُمَّ أَنْتُمْ تَعْمَلُونَ مِنَ الْعَصْرِ إِلَى الْمَغْرِبِ بِقِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، قَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَأَقَلُّ عَطَاءً، قَالَ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَذَاكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ شِئْتُ».
صحيح البخاري – ط السلطانية (6) / (191)
قال ابن كثير
وَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مُدَّةَ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَصِيرَةٌ، بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا مَضَى مِنْ مُدَدِ الْأُمَمِ قَبْلَهَا; لِقَوْلِهِ «إِنَّمَا أَجَلُكُمْ فِي أَجَلِ مَنْ خَلَا مِنَ الْأُمَمِ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ».
فَالْمَاضِي لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ كَمَا أَنَّ الْآتِيَ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا هُوَ، وَلَكِنَّهُ قَصِيرٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا سَبَقَ، وَلَا اطِّلَاعَ لِأَحَدٍ عَلَى تَحْدِيدِ مَا بَقِيَ إِلَّا اللَّهُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ}
البداية والنهاية ت التركي (3) / (75)
راجع للنقولات السابقة كتاب د محمد بن غيث في أشراط الساعة
(المسألة الثانية):
- عن جابر بن عبدالله يقول: سمعتُ النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول قبل أن يموت بشهر: ((تسألوني عن الساعة، وإنما علمُها عند الله، وأُقسِم باللهِ ما على ظهر الأرض من نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة)). [مسلم (2538) كتاب فضائل الصحابة، وأحمد (14451)].
وفي رواية: ((ما من نفس منفوسة اليوم، تأتي عليها مائة سنة، وهي حية يومئذٍ)). [مسلم (2538)، وأحمد (14281)].قوله: (قبل أن يموت بشهر)، وفي حديث أبي سعيد الخدري: (لما رجع النبي – صلى الله عليه وسلم – من تبوك).
وقوله: (عن الساعة): قال الإسماعيلي: المراد بالساعة، ساعة الذين كانوا حاضرين عند النبي – صلى الله عليه وسلم – وأن المراد موتهم، وأنه أطلق على يوم موتهم اسم الساعة؛ لإفضائه بهم إلى أمور الآخرة.
ويؤيد ذلك أن الله استأثر بعلم قيام الساعة العظمى، كما دلَّت عليه الآيات والأحاديث الكثيرة، وقال: يحتمل أن يكون المراد بقوله: (حتى تقوم الساعة) المبالغة في تقريب قيام الساعة لا التحديد [فتح الباري؛ لابن رجب (17/ 363)].(المسألة الثالثة): مقصود الحديث:
قال ابن بطَّال: “إنما أراد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن هذه المدَّة تخترم الجيل الذين هم فيه؛ فوعظهم بقصر أعمارهم، وأعلَمَهم أن أعمارهم ليست كأعمار مَن تقدم من الأمم؛ ليجتهدوا في العبادة”.(المسألة الرابعة): هل الحديث شامل كل مَن كان حيًّا؟
الجواب: لا، فهذا الحديث من قبيل العام المخصوص، فهو لا يشمل الملائكة، ولا الجن، ولكن المراد بالأحياء هنا المكلَّفون، ويخرج من هذا العموم أيضًا من البشر عيسى – عليه السلام – فهو حي الآن، وهي عقيدتنا ولكنه في السماء، والحديث ذكر ((ما على ظهر الأرض من نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة)).
• أما عن الخضر، هل هو حي أم لا؟
هذا مما وقع فيه اختلاف بين العلماء على قولين:قال الألباني رحمه الله:
قد جمع الحافظ الأحاديث الواردة في الخضر – عليه السلام- وحياته ولقائه للنبي – صلى الله عليه وسلم – وبيَّن عللها في ترجمة الخضر من كتابه “الإصابة”. [نقلاً من السلسلة الضعيفة (12/ 541)]. [قرب الساعة].
[تنبيه]: سبق ذكر ما يتعلق بالخضر عليه السلام وحياته.
[ثانيا]: ختام كتاب أشراط الساعة
(المسألة الأولى): “جاء في الكتاب والسنة أن للساعة علامات أشراطا تدلّ على قرب وقتها كظهور الدجال ونزول عيسى عليه السلام وخروج الدابة وطلوع الشمس من مغربها.
قال تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ تَاتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَاتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَاتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَاتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ}» سورة الأنعام: الآية (158) «.
فالكافر لا ينفعه إيمانه بعد طلوع الشمس من مغربها، وكذا العاصي لا تنفعه التوبة.
وقال تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِه}» سورة «النساء: الآية (159)».
فلا يبقى أحد من أهل الكتاب بعد نزول عيسى عليه السلام إلا آمن به قبل موت عيسى عليه السلام [تفسير ابن جرير (6) / (18) المجلد الرابع].
وقال النبي : «إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات، …. ». [أخرجه مسلم].
وقال النبي : «إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى، وأيهم كانت قبل صاحبتها فالأخرى على أثرها قريبا». [أخرجه مسلم كتاب الفتن وأشراط الساعة باب خروج الدجال (4) / (2260) ح (2941)].
قال الشيخ عبد المحسن العباد:
” أمارات الساعة، أي: العلامات القوية التي إذا جاءت فإن الساعة تكون على وشك القيام، وللساعة علامات كثيرة، فمنها: ما هي قريبة من قيامها، ومنها: ما هي بعيدة من قيامها ولكنها دليل على قربها،
والعلامات التي هي قريبة منها هي العلامات الكبرى، والتي دونها يقال لها: العلامات الصغرى، ومنها ما مضى ومنها ما سيأتي”.
“ولكن آية واحدة منهما تأتي فإن الأخرى على أثرها”. [شرح سنن أبي داود للعباد].
(المسألة الثانية): تقسيم علامات الساعة باعتبار وقوعها
يقسِّم بعض العلماء علامات الساعات إلى كبرى، وصغرى، ويقسمها آخرون إلى ثلاثة أقسام، ويجعلون بينهما ” وسطى “، ويمثلون له بخروج “المهدي”.
وعلامات الساعة الصغرى يصلح تقسيمها إلى ثلاثة أقسام: قسم منها انقضى، وقسم لا يزال يتكرر، وقسم لم يحدث بعدُ.
والعلامات الصغرى يمكن تقسيمها إلى قسمين: قسم وقع، وقسم لم يقع بعدُ، والذي وقع قد يكون مضى وانقضى، وقد يكون ظهوره ليس مرة واحدة، بل يبدو شيئاً فشيئاً، وقد يتكرر وقوعه وحصوله، وقد يقع منه في المستقبل أكثر مما وقع في الماضي.
ولذلك سيكون الحديث عن علامات الساعة كالتالي:
الأول: العلامات الصغرى التي وقعت وانقضت.
الثاني: العلامات الصغرى التي وقعت، ولا تزال مستمرة، وقد يتكرر وقوعها.
الثالث: العلامات الصغرى التي لم تقع بعد.
الرابع: العلامات الكبرى.
(المسألة الثالثة): العلامات الصغرى التي وقعت وانقضت:
العلامات التي وقعت وانقضت ولن يتكرر وقوعها، وهي كثيرة وسنذكر بعضًا منها.
الأول: بعثة الرسول ووفاته.
ففي الحديث عند البخاري ومسلم عن سهل بن سعد قال: «رأيت رسول الله قال بإصبعيه هكذا، الوسطى والتي تلي الإبهام. وقال: بعثت أنا والساعة كهاتين».
والثاني: انشقاق القمر.
قال الله تعالى: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ – وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ) [القمر: (1) – (2)].
والثالث: نار الحجاز التي أضاءت أعناق الإبل ببصرى.
والرابع: توقف الجزيَة والخراج
ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله : «منعت العراق درهمها وقفيزها … أخرجه مسلم
(المسألة الرابعة): العَلامَات التي وقعت، وهي مستمرة، أو وقعت مَرة وَيمكن أن يتكرّر وقوعَها:
الأول: الفتوحَات والحروب
في صحيح مسلم عن نافع بن عتبة، أنه سمع رسول الله يقول: ((تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله، ثم فارس فيفتحها الله، ثم تغزون الروم، فيفتحها الله، ثم تغزون الدجال فيفتحه الله)).
الثاني: خروج الدجّالين أدعيَاء النبوَّة.
الثالث: إسناد الأمر إلى غيَر أهله.
ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: «بينما رسول الله في مجلس – يُحَدّث القوم، إذ جاءه أعرابي، فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله في حديثه، فقال بعض القوم: سمع ما قاله، فكره ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه: قال: أين السائل عن الساعة؟ قال: ها أنا ذا يا رسول الله، قال:» إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: وكيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة «.
الرابع: فسَاد المسلمين.
الخامس: قتال الترك والتتر.
السادس: ولادَة الأمّة ربتها،
السابع: وَتطاول الحفَاة العراة
الثامن: رعَاة الشاة في البنيان
التاسع: تداعي الأمم عَلى الأمَّة الإسلاميَّة.
في الحديث عن ثوبان قال: قال رسول الله : «يُوشِك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوَهْن، فقال قائل: يا رسول الله وما الوَهْن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت» [بمجموع طرقه صحيح، كما قال الشيخ ناصر الدين الألباني، وقد عزاه إلى أبي داود، والروياني، وابن عساكر، وأحمد في مسنده، وأبو نعيم في (الحلية) وغيرهم (سلسلة الأحاديث الصحيحة: ((2) / (684))، حديث رقم ((958))].
العاشر: الخسف والقذف وَالمسخ الذي يعَاقب اللَّه به أقوامًا من هَذه الأمّة.
يقع في هذه الأمة من أنواع البلاء الخسف والقذف والمسخ بسبب تعاطيها للذنوب والمعاصي واستعلان ذلك فيها، كشرب الخمر ولبس الرجال الحرير، وتعاطي الزنا، وأكل الربا، ونحو ذلك من الفساد الذي يصل درجة استحلال الحرام.
ففي معجم الطبراني الكبير بإسناد صحيح عن سهل بن سعد أن الرسول قال: «سيكون في آخر الزمان خسف وقذف ومسخ، إذا ظهرت المعازف والقينات، واستحلت الخمر» [ورواه الطبراني أيضًا في معجمه «الكبير والأوسط» عن أبي سعيد، ورواه الترمذي عن عمران بن حصين، انظر «صحيح الجامع الصغير»: ((3) / (316)) حديث رقم ((3559))].
الحادي عشر: استفاضة المَال
الثاني عشر: تسليم الخاصَّة، وفشو التجَارة، وقطع الأرحَام.
روى أحمد في مسنده بإسناد صحيح، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله : «إن بين يدي الساعة تسليم الخاصة، وفشو التجارة، حتى تعين المرأة زوجها على التجارة، وقطع الأرحام، وشهادة الزور، وكتمان شهادة الحق، وظهور القلم» [سلسلة الأحاديث الصحيحة: ((2) / (250))، ورقم الحديث: (647)].
ومراده بتسليم الخاصة أن لا يسلم المسلم إلا على من يعرفه.
الثالث عشر: اختلال المقاييس
ففي الحديث: «سيأتي على الناس سنوات خداعات، يُصدَّق فيها الكاذب، ويكذَّب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة». قيل: وما الرويبضة «. قال:» الرجل التافه، يتكلم في أمر العامة ” [سلسلة الأحاديث الصحيحة: ((4) / (508))، ورقم الحديث: (1887)].
الرابع عشر: أناس في آخر الزمَان يجلدون الناس
روى أحمد والحاكم والطبراني في «الكبير» بإسناد صحيح عن أبي أمامة قال: قال رسول الله : «يكون في آخر الزمان رجال معهم سياط كأنها أذناب البقر، يغدون في سخط الله، ويروحون في غضبه» [سلسلة الأحاديث الصحيحة: ((4) / (517))، ورقم الحديث: (1893)].
وخبر هؤلاء ومصيرهم مذكور في صحيح مسلم، فقد روى أبو هريرة قال: قال رسول الله : «صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسمنة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا» [صحيح مسلم: ((4) / (1680))، ورقم الحديث: ((2128))].
(المسألة الخامسة) العلامَات التي لم تقع بَعد:
الأول: عودَة جزيرة العَرب جنَّات وَأنهارًا.
الثاني: انتفَاخ الأهلّة.
من الأدلة على اقتراب الساعة أن يرى الهلال عند بدو ظهوره كبيرًا حتى يقال ساعة خروجه إنه لليلتين أو ثلاثة، فعن ابن مسعود رضي الله تعالى، قال: قال رسول الله : «من اقتراب الساعة انتفاخ الأهلة» [أورده الشيخ ناصر الدين الألباني في صحيح الجامع الصغير ((5) / (213))، حديث رقم ((5774))، وقال: صحيح الإسناد، وعزاه إلى الطبراني في معجمه الكبير، وأخرجه غيره من كتب السنة عن أبي هريرة]، وعن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله : «من اقتراب الساعة أن يرى الهلال قَبَلًاَ، فيقال: لليلتين وأن تتخذ المساجد طرقًا، وأن يظهر موت الفجأة» [عزاه في صحيح الجامع ((5) / (214)) حديث رقم ((5775)) إلى الطبراني في الأوسط، وقال: إسناده حسن].
الثالث: تكليم السّبَاع والجمَاد الإنسَ.
الرابع: انحسَار الفرات عَن جَبل من ذهَب.
الخامس: إخراجُ الأرضِ كنوزَهَا المخبوءة.
السادس: محاصَرة المسلمين إلى المدينَة.
من أشراط الساعة أن يهزم المسلمون، وينحسر ظلهم، ويحيط بهم أعداؤهم ويحاصرونهم في المدينة المنورة.
عن ابن عمر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله : «يوشك المسلمون أن يُحَاصروا إلى المدينة، حتى يكون أبعد مَسالحهم سَلاَحٌ» [حديث صحيح، رواه أبو داود والحاكم، صحيح الجامع: ((6) / (363)) ورقم الحديث: ((8033))].
والمسالح، جمع مَسْلَحة، وهي الثغر، والمراد أبعد مواضع المخافة من العدو.
وسَلاَح، موضع قريبٌ من خيبر [سنن أبي داود ((4251))].
السابع: إحراز الجهجَاه الملك.
الثامن: فتنَة الأحلاس وَفتنَة الدَهماء، وفتنَة الدهيماء.
سبق الكلام عليها
(- كتاب الفتن وأشراط الساعة)، (6) – بابُ إخْبارِ النَّبِيِّ فِيما يَكُونُ إلى قِيامِ السّاعَةِ
التاسع: خروُج المَهدي.
(المسألة السادسة):
أشراطُ السَّاعةِ الكُبرى
الأوَّلُ: الدُّخانُ
الثَّاني: خُروجُ الْمَسيحِ الدَّجَّالِ
الثَّالِثُ: نُزولُ الْمَسيحِ عيسى بنِ مَريَمَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ
الرَّابِعُ: خُروجُ يَأجوجَ ومَأجوجَ
الخامِسُ: الخُسوفاتُ الثَّلاثةُ
السَّادِسُ: طُلوعُ الشَّمسِ من مَغرِبِها
السَّابِعُ: خُروجُ الدَّابَّةِ
الثَّامِنُ: النَّارُ الَّتي تَحشُرُ النَّاسِ.
(المسألة السابعة):
ويمكن أن إجمال أهم النتائج والفوائد التي يتوصل إليها بعد دراسة جملة من الأحاديث في أشراط الساعة:
(1) – أن بحث أشراط الساعة ودراستها وتعلمها وتعليمها من أهم الأمور في الوقت الحاضر؛ لإقبال الناس على الدنيا والجري وراءها، مما جعل الكثير منهم ينسى الحياة الآخرة، والاستعداد لها، فالبحث في أشراط الساعة ودراستها وعرضها على الناس يقوي الإيمان في القلوب ويحثهم على الإكثار من الأعمال الصالحة، والاستعداد للقدوم على الدار الآخرة.
(2) – أهمية الإيمان بالغيب ومكانته في الإسلام، فهو صفة المؤمنين المتقين، وكل من يدعي علما بشيء من الغيب من تلقاء نفسه يكون ضالا مكذبا لخبر الله تعالى، ونصوص الكتاب والسنة التي تبين أن علم الغيب من خصائص الله تعالى.
(3) – يجب على كل مسلم طاعة نبيه واتباعه واقتفاء أثره والسير على هديه، وعدم مخالفة أمره ونهيه، فعبادة الله عزوجل لم تترك للأهواء والأفكار، بل هي مقيدة باتباعه ، فيما شرعه لأمته.
(4) – من خلال النظر في بعض المؤلفات المستقلة في أشراط الساعة يتبين أن التأليف في هذا الموضوع على وجه الاستقلال بدأ في وقت مبكر مع بداية حركة التأليف.
(5) – أن أشراط الساعة الصغرى ظهر كثير منها ولم يبق منها إلا القليل.
(6) – أنه يجب الإيمان بكل الأحاديث والأخبار التي ثبتت عن الرسول في أشراط الساعة سواء كانت متواترة أم آحادا.
(7) – أن المراد بأشراط الساعة هي العلامات التي تسبقها، ولا دليل في ذلك على كون شيء منها محرما أو ممنوعا، إنما وقوعه دليل على قرب الساعة ودنو قيامها، ومنها بعثته من علامات الساعة الصغرى، وهي كذلك نور وخير للبشرية.
(8) – أن النار التي ظهرت في الحجاز وأضاءت لها أعناق الإبل ببصرى، من أشراط الساعة الصغرى، وقد ظهرت وانتهت، أما النار التي تحشر الناس وتقيل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا، فهي من أشراط الساعة الكبرى التي لم تأت بعد.
(9) – أن أشراط الساعة وعلاماتها التي ظهرت ووقعت هي من معجزات الرسول حيث إنها وقعت كما أخبر بها .
(10) – أن كثيرا من الدجالين الكذابين المدعين للنبوة والمثيرين للفتنة قد ظهروا قديما وحديثا، ولا يزال هذا الظهور حتى يكون آخرهم المسيح الدجال الأعور الكذاب.
(11) – أن أشراط الساعة الكبرى إذا خرجت تتابعت كتتابع الخرز في النظام.
(12) – أن الراجح في أمر ابن صياد أنه دجال من الدجاجلة، وليس هو الدجال الأكبر الذي يخرج في آخر الزمان.
(13) – أن عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام عندما ينزل يقتل الدجال، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويقضي بشريعة النبي محمد .
(14) – أن طلوع الشمس من مغربها هو أول الآيات العظام المؤذنة بتغير أحوال العالم العلوي، وأنه بطلوعها يقفل باب التوبة.
(15) – أن آخر أشراط الساعة الكبرى هو خروج النار التي تحشر الناس إلى أرض المحشر، والذي يكون بعده قيام الساعة. [أشراط الساعة، (169 – 171)].
ثالثًا: فقه وفوائد الحديث:
1 – (منها): الساعة لا تقوم إلا على شر الناس.
2 – (ومنها): خيار الناس تقبض أرواحهم قبل الساعة.
3 – (ومنها): انتشار الشر والفساد آخر الزمان وعند قيام الساعة.
4 – (ومنها): الحديث يدل على تقريب أمر الساعة وسرعة مجيئها.
5 – (ومنها): أنَّ مِن أَشْرَاطِ السَّاعةِ وعَلاماتِها السَّابقةِ المتقدِّمةِ: بَعْثَةَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فإنَّ بَعْثَتَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وكَونَه خَاتَمَ النَّبيِّين دَليلٌ على قُربِ السَّاعةِ.
6 – (ومنها): أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خاتَمُ الأنبياءِ، وأمَّتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خاتِمةُ الأُمَمِ، وعليها تقومُ السَّاعةُ.
7 – (ومنها): استِخدامُ مَعاريضِ الكلامِ، وليس هذا من الكَذِبِ.
8 – (ومنها): مُخاطَبةُ النَّاسِ على قَدْرِ عُقولِهم.
9 – (ومنها): ضرب الأمثلة الحسية لإيصال المعنى المراد.
10 – (ومنها): أنَّ السَّاعة قد تُطلق ويُراد بها الموتُ.
11 – (ومنها): أنَّ يومَ القيامةِ يَأتي بَغتةً. [الدرر، وموسوعة الأحاديث].
/////
///
قوله من “شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء” قال بن بطال: “هذا وإن كان لفظه لفظ العموم فالمراد به الخصوص ومعناه أن الساعة تقوم في الأكثر والأغلب على شرار الناس بدليل قوله لا تزال طائفة من أمتي على الحق حتى تقوم الساعة …
فتح الباري لابن حجر (13/ 76)
قال ابن حجر: ليس فيما احتج به تصريح إلى بقاء أولئك إلى قيام الساعة وإنما فيه حتى يأتي أمر الله فيحتمل أن يكون المراد بأمر الله ما ذكر من قبض من بقي من المؤمنين وظواهر الأخبار تقتضي أن الموصوفين بكونهم ببيت المقدس أن آخرهم من كان مع عيسى عليه السلام ثم إذا بعث الله الريح الطيبة فقبضت روح كل مؤمن لم يبق إلا شرار الناس … وقد أورد مسلم عقب حديث أبي هريرة من حديث عائشة ما يشير إلى بيان الزمان الذي يقع فيه ذلك ولفظه لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى وفيه يبعث الله ريحا طيبة فتوفى كل من في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فيبقى من لا خير فيه فيرجعون إلى دين آبائهم. وعنده في حديث عبد الله بن عمرو رفعه يخرج الدجال في أمتي الحديث وفيه فيبعث الله عيسى بن مريم فيطلبه فيهلكه ثم يمكث الناس سبع سنين ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام …. فظهر بذلك أن المراد بأمر الله في حديث لا تزال طائفة وقوع الآيات العظام التي يعقبها قيام الساعة ولا يتخلف عنها إلا شيئا يسيرا ويؤيده حديث عمران بن حصين رفعه لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم الدجال أخرجه أبو داود والحاكم ويؤخذ منه صحة ما تأولته فإن الذين يقاتلون الدجال يكونون بعد قتله مع عيسى ثم يرسل عليهم الريح الطيبة فلا يبقى بعدهم إلا الشرار كما تقدم ووجدت في هذا مناظرة لعقبة بن عامر ومحمد بن مسلمة فأخرج الحاكم …..
فتح الباري لابن حجر (13/ 85)