(2942. 2943) فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
مجموعة: أحمد بن علي، وعبد الله المشجري، ومحمد البلوشي وسلطان الحمادي وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
جاء في صحيح الإمام مسلم رحمه الله من ((52)) – (- كتاب: الفتن وأشراط الساعة)، (24) – باب: قصة الجساسة
(119) – ((2942)) حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث، وحجاج بن الشاعر. كلاهما عن عبد الصمد (واللفظ لعبد الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ). حدثنا أَبِي عَنْ جَدِّي، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ ذَكْوَانَ. حدثنا ابن بريدة. حدثني عامر بن شراحيل الشعبي، شعب همدان؛
أنه سأل فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ، أُخْتَ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ. وكانت من المهاجرات الأول. فقال: حدثيني حديثا سمعتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم . لا تسنديه إلى أحد غيره. فقالت: لئن شئت لأفعلن. فقال لها: أجل. حدثيني. فقالت: نكحت ابن المغيرة. وهو من خيار شباب قريش يومئذ. فأصيب في أول الجهاد مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . فلما تأيمت خطبني عبد الرحمن بن عوف، في نفر مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . وخطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم على مولاه أسامة بن زيد. وكنت قد حُدِّثْتُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال «من أحبني فليحب أسامة» فلما كلمني رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ: أمري بيدك. فأنكحني من شئت. فقال «انتقلي إلى أم شريك» وأم شريك امرأة غنية، من الأنصار. عظيمة النفقة في سبيل الله. ينزل عليها الضيفان. فقلت: سأفعل. فقال «لا تفعلي. إن أم شريك امرأة كثيرة الضيفان. فإني أكره أن يسقط عنك خمارك، أو ينكشف الثوب عن ساقيك، فيرى القوم منك بعض ما تكرهين. ولكن انتقلي إلى ابن عمك، عبد الله بن عمرو بن أم مكتوم» (وهو رجل من بني فهر، فهر قريش وهو من البطن الذي هي منه) فانتقلت إليه. فلما انقضت عدتي سمعت نداء المنادي، مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ينادي: الصلاة جامعة. فخرجت إلى المسجد. فصليت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . فكنت في صف النساء التي تلي ظهور القوم. فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صلاته، جلس على المنبر وهو يضحك. فقال «ليلزم كل إنسان مصلاه». ثم قال «أتدرون لما جمعتكم؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال «إني، والله! ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة. ولكن جمعتكم، لأن تميما الداري، كان رجلا نصرانيا، فجاء فبايع وأسلم. وحدثني حديثا وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال. حدثني؛ أنه ركب في سفينة بحرية، مع ثلاثين رجلا من لخم وجذام. فلعب بهم الموج شهرا في البحر. ثم أرفؤا إلى جزيرة في البحر حتى مغرب الشمس. فجلسوا في أقرب السفينة. فدخلوا الجزيرة.
فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر. لا يدرون ما قبله من دبره. من كثرة الشعر. فقالوا: ويلك! ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة. قالوا: وما الجساسة؟ قالت: أيها القوم! انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير. فإنه إلى خبركم بالأشواق. قال: لما سمت لنا رجلا فرقنا منها أن تكون شيطانة. قال فانطلقنا سراعا. حتى دخلنا الدير. فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقا. وأشده وثاقا. مجموعة يداه إلى عنقه، ما بين ركبتيه إلى كعبيه، بالحديد. قلنا: ويلك! ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري. فأخبروني ما أنتم؟ قالوا: نحن أناس من العرب. ركبنا في سفينة بحرية. فصادفنا البحر حين اغتلم. فلعب بنا الموج شهرا. ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه. فجلسنا في أقربها. فدخلنا الجزيرة. فلقيتنا دابة أهلب كثير الشعر. لا يدري ما قبله من دبره من كثرة الشعر. فقلنا: ويلك! ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة. قلنا وما الجساسة؟ قالت: اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير. فإنه إلى خبركم بالأشواق. فأقبلنا إليك سراعا. وفزعنا منها. ولم نأمن أن تكون شيطانة. فقال: أخبروني عن نخل بيسان. قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها، هل يثمر؟ قلنا له: نعم. قال: أما إنه يوشك أن لا تثمر. قال: أخبروني عن بحيرة الطبرية. قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء. قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب. قال: أخبروني عن عين زغر. قالوا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له: نعم. هي كثيرة الماء، وأهلها يزرعون من مائها. قال: أخبروني عن نبي الأميين ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكة ونزل يثرب. قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم. قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه. قال لهم: قد كان ذلك؟ قلنا: نعم. قال: أما إن ذلك خير لهم أن يطيعوه. وإني مخبركم عني. إني أنا المسيح. وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج.
فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة. غير مكة وطيبة. فهما محرمتان علي. كلتاهما. كلما أردت أن أدخل واحدة، أو واحدا منهما، استقبلني ملك بيده السيف صلتا. يصدني عنها. وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها. قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وطعن بمخصرته في المنبر» هذه طيبة. هذه طيبة. هذه طيبة «يعني المدينة» ألا هل كنت حدثتكم ذلك؟ «فقال الناس: نعم.» فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة. ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن. لا بل من قبل المشرق، ما هو. من قبل المشرق، ما هو. من قبل المشرق، ما هو” وأومأ بيده إلى المشرق. قالت: فحفظت هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم .
(120) – ((2942)) حدثنا يحيى بن حبيب الحارثي. حدثنا خالد بن الحارث الهجيمي، أبو عثمان. حدثنا قُرَّةُ. حدثنا سَيَّارٌ، أَبُو الْحَكَمِ. حدثنا الشَّعْبِيُّ قَالَ:
دَخَلْنَا عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فأتحفتنا برطب يقال له رطب ابن طاب. وأسقتنا سَوِيقَ سُلْتٍ. فَسَأَلْتُهَا عَنِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا أَيْنَ تَعْتَدُّ؟ قَالَت: طَلَّقَنِي بَعْلِي ثَلَاثًا. فَأَذِنَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَعْتَدَّ في أهلي. قالت فنودي في الناس: إن الصلاة جامعة. قالت فانطلقت فيمن انطلق من الناس. قالت فكنت في الصف المقدم من النساء. وهو يلي المؤخر من الرجال. قَالَتْ فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يخطب فقال «إن بني عم لتميم
الداري ركبوا في البحر». وساق الحديث. وزاد فيه: قالت: فكأنما أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، وأهوى بمخصرته إلى الأرض، وقال «هذه طيبة» يعني المدينة.
(121) – ((2942)) وحدثنا الحسن بن علي الحلواني وأحمد بن عثمان النوفلي. قَالَا: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. حَدَّثَنَا أَبيِ. قَالَ: سمعت غيلان بن جرير يحدث عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، قَالَت:
قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تميم الداري. فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ؛ أنه ركب البحر. فتاهت به سفينته. فسقط إلى جزيرة. فخرج إليها يلتمس الماء. فلقي إنسانا يجر شعره. واقتص الحديث. وقال فيه: ثم قال: أما إنه لو قد أذن لي في الخروج، قد وطئت البلاد كلها، غير طيبة. فأخرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس فحدثهم قال «هذه طيبة. وذاك الدجال».
(122) – ((2942)) حدثني أبو بكر بن إسحاق. حدثنا يحيى بن بكير. حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ (يَعْنِي الْحِزَامِيَّ) عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عن الشعبي، عن فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ؛
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قعد على المنبر فقال «أيها الناس! حدثني تميم الداري؛ أن أناسا من قومه كانوا في البحر. في سفينة لهم. فانكسرت بهم. فركب بعضهم على لوح من ألواح السفينة. فخرجوا إلى جزيرة في البحر» وساق الحديث.
(123) – ((2943)) حدثني عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ. حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مسلم. حدثني أبو عمرو (يعني الْأَوْزَاعِيِّ) عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي طلحة. حدثني أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال. إلا مكة والمدينة. وليس نقب من أنقابها إلا عليه الملائكة صافين تحرسها. فينزل بالسبخة. فترجف المدينة ثلاث رجفات. يخرج إليه منها كل كافر ومنافق».
(123) – م – ((2943)) وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا يونس بن محمد عن حماد بن سَلَمَةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي طلحة، عن أنس؛
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال. فذكر نحوه. غير أنه قال: فيأتي سبخة الجرف فيضرب رواقه. وقال: فيخرج إليه كل منافق ومنافقة.
==========
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
قال الحافظ النووي رحمه الله: (” [(24)]- (باب: قصة الجساسة “).
قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: “باب في خبر الجساسة”، قال الشيخ عبد المحسن العباد: “أي: في خبر الحديث الذي جاء فيه ذكر الجساسة، وهو من جملة أحاديث الدجال إلا أنه اشتهر عند العلماء بحديث الجساسة؛ لأنه جاء في ذكر الجساسة، وهي الدابة أو المرأة التي تتجسس للدجال في تلك الجزيرة التي هو فيها، وقد ذكر خبره في ذلك تميم بن أوس الداري لرسول الله صلى الله عليه وسلم “. [شرح سنن أبي داود للعباد].
وقد “بيَّنَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَلاماتِ السَّاعةِ وما يَحدُثُ مِن شَدائدَ قَبلَها، وفصَّلها وبيَّن أحوالَها، وكيْف يَنْجو النَّاسُ مِن الفتنِ الَّتي تَسبِقُ القيامةَ، ووَجَّه المسْلِمين إلى عَملِ الطَّاعاتِ استعدادًا للسَّاعةِ، ومِن هذه العلاماتِ ظُهورُ الدَّجَّالِ الكذَّابِ مُدَّعي الأُلوهيَّةِ الَّذي يَتسبَّبُ في فِتنةٍ عَظيمةٍ تُذهِلُ النَّاسَ عن إيمانِهم”.
الحديث الأول:
شرح الحديث:
(أَنَّهُ سَأَلَ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسِ) بن خالد، من بني محارب بن فِهر بن مالك، وهي (أُخْتَ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ) الذي وَلي العراق ليزيد بن معاوية، وقُتِلَ بِمَرْجِ راهط، وهو من صغار الصحابة، وهي أسنّ منه، يقال: بعشر سنين، قَدِمت على أخيها الكوفةَ، وهو أميرها، فرَوَى عنها الشعبيّ قصّةَ الجسّاسة بطولها، فانفردت بها مطوّلة، وتابعها جابرٌ وغيره.
(نَكَحْتُ ابْنَ الْمُغِيرَةِ) هو: أبو عمرو بن حفص بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمرو بن مخزوم القرشيّ المخزوميّ، زوج فاطمة بنت قيس، وهو ابن عمّ خالد بن الوليد بن المغيرة، وقيل: هو أبو حفص بن عمرو بن المغيرة، وأمه دُرّد بنت خُزَاعيّ الثقفيّة، وكان خرج مع عليّ إلى اليمن في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فمات هناك، ويقال: بل رجع إلى أن شَهِد فتوح الشام، ذكر ذلك عليّ ابن رَبَاح، عن ناشرة بن سُميّ، سمعت عمر يقول: إني معتذرٌ لكم من عزل خالد بن الوليد، فقال أبو عمرو بن حفص: عزلت عنّا عاملًا استعمله رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فذكر القصّة، أخرجه النسائيّ، وقال البغويّ: سكن المدينة، أفاده في «الإصابة». [راجع: «الإصابة» (11) / (266)].
واختلفوا في اسمه، والأكثرون على أن اسمه عبد الحميد، وقال النسائيّ: اسمه أحمد، وقال آخرون: اسمه كنيته، قاله النوويّ [«شرح النوويّ» (10) / (94) – (95)].
(فَلَمَّا تَأَيّمْتُ) قال النوويّ رحمه الله: أي: صرت أيّمًا، وهي التي لا زوج لها، قال العلماء: قولها: «فأصيب» ليس معناه أنه قُتل في الجهاد مع النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وتأيمت بذلك، إنما تأيمت بطلاقه البائن، كما ذكره مسلم في الطريق الذي بعد هذا، وكذا ذكره في «كتاب الطلاق»، وكذا ذكره المصنفون في جميع كتبهم، وقد اختلفوا في وقت وفاته، فقيل: توفّي مع عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه عقب طلاقها باليمن، حكاه ابن عبد البرّ، وقيل: بل عاش إلى خلافة عمر رحمه الله، حكاه البخاريّ في «التاريخ»، وإنما معنى قولها: «فأصيب»؛ أي: بجراحة، أو أصيب في ماله، أو نحو ذلك، هكذا تأوله العلماء، قال القاضي: إنما أرادت بذلك عَدّ فضائله، فابتدأت بكونه خير شباب قريش، ثم ذكرت الباقي. انتهى [«شرح النوويّ» (18) / (78) – (79)].
وعبارة الحافظ رحمه الله في «الفتح»: واتفقت الروايات عن فاطمة بنت قيس على كثرتها عنها أنها بانت بالطلاق، ووقع في آخر «صحيح مسلم» في حديث الجسّاسة عن فاطمة بنت قيس: «نَكَحْتُ ابنَ المغيرة، وهو من خيار شباب، قريش يومئذ، فأصيب في الجهاد مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فلما تأيّمتُ خطبني أبو جهم. . .» الحديث، وهذه الرواية وَهَمٌ، ولكن أوّلها بعضهم على أن المراد بقولها: «أصيب»؛ أي: مات على ظاهره، وكان في بعث عليّ إلى اليمن، فيصدق أنه أُصيب في الجهاد مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ؛ أي: في طاعة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، ولا يلزم من ذلك أن تكون بينونتها منه بالموت، بل بالطلاق السابق على الموت، فقد ذهب جمع جمّ إلى أنه مات مع عليّ باليمن، وذلك بعد أن أرسل إليها بطلاقها، فإذا جُمع بين الروايتين استقام هذا التأويل، وارتفع الوهم، ولكن يَبْعُد بذلك قول من قال: إنه بقي إلى خلافة عمر. انتهى [«الفتح» (10) / (599)].
قال الإتيوبي عفا اللَّه عنه: عندي أن كون هذه الرواية وهمًا من بعض الرواة هو الظاهر؛ لأن التأويل الذي ذكروه بعيد عن سياق الحديث، فليُتنبّه، واللَّه تعالى أعلم.
(خَطَبَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ) أحد العشرة المبشّرين بالجنّة المتوفّى سنة ((132) هـ)، (فِي نَفَرٍ)؛ أي: مع جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، (مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ) تقدّم في الطلاق من جملة من خطبها معاوية، وأبو الجهم.
قال النوويّ رحمه الله: ظاهره أن الْخِطبة كانت في نفس العدّة، وليس كذلك إنما كانت بعد انقضائها، كما صُرّح به في الأحاديث السابقة في «كتاب الطلاق»، فيتأول هذا اللفظ الواقع هنا على ذلك، ويكون قوله: «انتقلي إلى أم شريك» و «إلى ابن أم مكتوم» مقدّمًا على الْخِطبة، وعطف جملة على جملة من غير ترتيب. انتهى.
(وَخَطَبَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَوْلَاهُ)؛ أي: ليزوجني مولاه (أُسَامَةَ بْنِ زَيْد) بن شَرَاحيل الكلبيّ الأمير الصحابيّ ابن الصحابيّ، حِبّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، وابن حبّه رضي الله عنهم، أبي محمد، وأبي زيد، مات سنة ((54) هـ) وهو ابن ((75)).
(فَلَمَّا كَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ) بعد أن أبدت كراهيتها له؛ لكونه مولى، ثم أعاد عليها النبيّ صلى الله عليه وسلم مرارًا، فقالت له صلى الله عليه وسلم : (أَمْرِي بِيَدِكَ)؛ أي: جعلت أمر نكاحي بيدك، وتصرّفك، (فَأَنْكِحْنِي مَنْ شِئْتَ) أسامة أو غيره. (فَقَالَ) صلى الله عليه وسلم لها: (انْتَقِلِي)؛ أي: من المكان الذي أنت فيه؛ لأنها شَكَت إليه أنها في بيت خال، تخشى أن يُقتحم عليها، فأمرها بأن تنتقل (إِلَى) بيت (أُمِّ شَرِيكٍ) أم شريك هذه قرشيّةٌ عامريّةٌ، وقيل: إنها أنصاريّةٌ، واسمها غُزَيّة، وقيل: غُزيلة -بغين معجمة مضمومة، ثم زاي فيهما- وهي بنت داود بن عوف بن عمرو بن عامر بن رواحة بن حُجير بن عبد بن معيص بن عامر بن لُؤيّ بن غالب، وقيل في نسبها غير هذا. قيل: إنها التي وهبت نفسها للنبيّ صلى الله عليه وسلم . وقيل: غيرها. انتهى [«شرح النوويّ» (10) / (96)].
(وَأُمُّ شَرِيكٍ امْرَأَةٌ غَنِيَّةٌ مِنَ الأَنْصَارِ) قال النوويّ: هذا قد أنكره بعض العلماء، وقال: إنما هي قرشية، من بني عامر بن لؤيّ، وقال آخرون: هما اثنتان: قرشية، وأنصارية. انتهى.
(وَلَكِنِ انْتَقِلِي إِلَى ابْنِ عَمِّكِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) وقوله: (ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ») قال النوويّ: هكذا هو في جميع النسخ، وقوله: «ابن أم مكتوم» يكتب بألف؛ لأنه صفة لعبد اللَّه، لا لعمرو، فنسبه إلى أبيه عمرو، وإلى أمه أم مكتوم، فجمع نسبة إلى أبويه، كما في عبد اللَّه بن مالكٍ ابن بحينة، وعبد اللَّه بن أبيٍّ ابن سَلُول، ونظائر ذلك، وقد سبق بيان هؤلاء كلهم في «كتاب الإيمان». انتهى [«شرح النوويّ» (18) / (80)].
وقيل: هو عمرو بن زائدة، أو ابن قيس بن زائدة. ويقال: زياد القرشيّ العامريّ الصحابيّ المشهور، قديم الإسلام، ويقال: اسمه الحصين، كان النبيّ صلى الله عليه وسلم استخلفه على المدينة، مات في آخر خلافة عمر.
(وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فِهْرٍ فِهْرِ قُرَيْشٍ، وَهُوَ مِنَ الْبَطْنِ الَّذِي هِيَ مِنْهُ) قال القاضي: المعروف أنه ليس بابن عمها، ولا من البطن الذي هي منه، بل من بني محارب بن فهر، وهو من بني عامر بن لؤيّ. انتهى.
وتعقّبه النوويّ، قائلًا: الصواب أن ما جاءت به الرواية صحيح، والمراد بالبطن هنا القبيلة، لا البطن الذي هو أخص منها، والمراد أنه ابن عمها مجازًا؛ لكونه من قبيلتها، فالرواية صحيحة، وللَّه الحمد. انتهى [«شرح النوويّ» (18) / (80)].
(فَانْتَقَلْتُ إِلَيْهِ)؛ أي: إلى ابن أم مكتوم، (فَلَمَّا أنْقَضَتْ عِدَّتِي)؛ أي: انتهت مدّتها، وحللت للأزواج؛ أي: وزوّجني النبيّ صلى الله عليه وسلم أسامة رضي الله عنه،
(فَصَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ) الظاهر أن تلك الصلاة إحدى الصلوات الخمس، ويَحْتَمل أن تكون نافلة. (يلِي ظُهُورَ الْقَوْم)؛ أي: الرجال، وفيه أن صفّ النساء بعد صفّ الرجال. «إِنِّي وَاللَّهِ مَا جَمَعْتُكُمْ لِرَغْبَةٍ)؛ أي: لأمر مرغوب فيه، من عطاء، كغنيمة، (وَلَا لِرَهْبَةٍ)؛ أي: ولا لخوف من عدو، (وَلَكِنْ جَمَعْتُكُمْ لأَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ) منسوب إلى جدّ له اسمه الدار، وهو تميم بن أوس بن خارجة، أبو رقيّة الصحابيّ المشهور، سكن بيت المقدس بعد قتل عثمان، قيل: مات سنة أربعين.
(وَحَدَّثَنِي حَدِيثًا) هذا معدود في مناقب تميم؛ لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم رَوَى عنه هذه القصّة، وفيه رواية الفاضل عن المفضول، ورواية المتبوع عن تابعه، وفيه قبول خبر الواحد، قاله النوويّ رحمه الله.
(مَعَ ثَلَاثِينَ رَجُالًا مِنْ لَخْمٍ) بفتح اللام، وسكون الخاء المعجمة مصروفٌ، وقد لا يصرف، قبيل معروفة.
(فَلَعِبَ بِهِمُ الْمَوْجُ)؛ أي: دار بهم الموج (شَهْرًا)؛ أي: مقدار شهر، (فِي الْبَحْرِ) واللعب في الأصل: ما لا فائدة فيه من فعل، أو قول، فاستعير هنا لصدّ الأمواج السفنَ عن صوب المقصد، وتحويلها يمينًا وشمالًا. (ثُمَّ أَرْفَؤوا) بهمزتين؛ أي: قرّبوا السفينة، (إِلَى جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ، حَتَّى مَغْرِبِ)؛ أي: إلى أن تغرب (الشَّمْسِ) وفي بعض النسخ: «حيث تغرب الشمس» (فَجَلَسُوا)؛ أي: بعدما تحولوا من المركب الكبير، (فِي أَقْرُب السَّفِينَةِ) قال النوويّ: أقرب السفينة، هو بضم الراء، جمع قارب بكسر الراء، وفتحها، وهي سفينة صغيرة، تكون مع الكبيرة كالجنيبة، يتصرف فيها ركاب السفينة؛ لقضاء حوائجهم. (فَقَالَتْ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ) قال النوويّ رحمه الله: هي بفتح الجيم، فتشديد المهملة الأولى، قيل: سُمّيت بذلك؛ لتجسسها الأخبار للدجال. (قَالُوا: وَمَا الْجَسَّاسَةُ؟ قَالَتْ: أَيُّهَا الْقَوْمُ انْطَلِقُوا)؛ أي: اذهبوا (إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي الدَّيْرِ) بفتح الدال، وسكون التحتية؛ أي: دير النصارى، ففي «المغرب»: الدير صومعة الراهب، والمراد هنا: القصر، ومراده بقوله: دير النصارى أنه مثله، [«مرقاة المفاتيح» (16) / (17)]. (فَإِذَا فِيه أَعْظَمُ إِنْسَانٍ)؛ أي: أكبره جثة، أو أهيبه هيئة، وقوله: (رَأَيْنَاهُ) صفة «إنسان» احتراز عمن لم يروه.
(قَالَ) الرجل: (قَدْ قَدَرْتُمْ)؛ أي: تمكنتم (عَلَى خَبَرِي)؛ أي: فإني لا أخفيه عنكم، فأحدثكم عن حالي، (فَأَخْبِرُونِي)؛ أي: عن حالكم، وما أسأله عنكم أوّلًا، (أَخْبِرُونِي عَنْ نَخْلِ بَيْسَانَ) بفتح الموحّدة، وسكون التحتية، وهي قرية بالشام، وقال ياقوت: بيسان بالفتح، ثم السكون، وسين مهملة، ونون: مدينة بالأردنّ بالغور الشامي، ويقال: هي لسان الأرض، وهي بين حَوْاران وفلسطين، وبها عين الفلوس، يقال: إنها من الجنة، وهي عين فيها ملوحة يسيرة، جاء ذكرها في حديث الجساسة، قال: وتوصف بكثرة النخل، وقد رأيتها مرارًا، فلم أر فيها غير نخلتين حائلتين، وهو من علامات خروج الدجال، وهي بلدة وبئة حارّة، أهلها سُمُر الألوان، جُعْد الشعور؛ لشدة الحر الذي عندهم.
وقال أيضًا: وبيسان أيضًا موضع معروف بأرض اليمامة، والذي أراه أن هذا الموضع هو الموصوف بكثرة النخل
: (أَخْبِرُونِي عَنْ بُحَيْرَةِ الطَّبَرِيَّةِ) بفتحتين، والبحيرة تصغير البحر، وفي «القاموس»: الطبرية محركة: قصبة الأردنّ، والنسبة إليها طبراني. (قُلْنَا: عَنْ أَيِّ شَانِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَالَ: هَلْ فِيهَا مَاءٌ؟ قَالُوا: هِيّ كَثِيرَةُ الْمَاءِ، قَالَ: أَمَا إِنَّ مَاءَهَا يُوشِكُ أَنْ يَذْهَبَ)؛ أي: يفنى، وينفد.
(قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ عَيْنِ زُغَرَ) بزاي معجمة مضمومة، ثم غين معجمة مفتوحة، ثم راء، وهي بلدة معروفة في الجانب القبليّ من الشام، قاله النوويّ [«شرح النوويّ» (18) / (81)].
(قُلْنَا لَهُ: نَعَمْ، هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ، وَأَهْلُهَا يَزْرَعُونَ مِنْ مَائِهَا) الظاهر أن جوابه على طبق ما سبق، وهو أما إنها يوشك أن لا يبقى فيها ماء يزرع به أهلها، وفي الأسئلة المذكورة، وأجوبتها المسطورة، إشارة إلى أنها علامات لخروجه، وأمارات لذهاب بركتها بشآمة ظهوره، ووصوله. ولمّا كانت هذه الأسئلة توطئة لِمَا بعدها
(قَالَ)؛ أي: الدجال معرضًا عن الجواب الثاني، وبادر إلى السؤال المقصود، وهو ظهور محمد صلى الله عليه وسلم المحمود، (أَخْبِرُونِي عَنْ نَبِيِّ الأُمَيِّينَ)؛ أي: العرب،
وقال التوربشتيّ رحمه الله في قول الدجال (خير لهم أن يتبعوه): فإن قيل: يُشبه هذا القول قول مَن عَرَف الحقّ، والمخذول من البعد من اللَّه بمكان، لم يُر له فيه مساهم، فما وجه قوله هذا؟.
قلنا: يَحْتَمِل: أنه أراد به الخير في الدنيا؛ أي: طاعتهم له خير لهم، فإنهم إن خالفوه اجتاحهم، واستأصلهم، ويَحْتَمِل: أنه من باب الصرفة، صرفه اللَّه تعالى الطعن فيه، والتكبر عليه، وتَفَوّه بما ذُكر عنه، كالمغلوب عليه، والمأخوذ عليه، فلا يستطيع أن يتكلم بغيره؛ تأييدًا لنبيّه صلى الله عليه وسلم ، والفضل ما شَهِدت به الأعداء. انتهى [«الكاشف عن حقائق السنن» (11) / (3464)].
(وَاحِدًا مِنْهُمَا، اسْتَقْبَلَنِي مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتًا) بفتح الصاد وتُضم؛ أي: مجردًا عن الغمد، (مَلَائِكَةً، يَحْرُسُونَهَا)؛ أي: يحفظونها عن الآفات، والبليّات.
وقال القرطبيّ عفا الله عنه: قوله: «ألا إنه في بحر الشام إلخ» هذا كله كلام ابتدئ على الظن، ثم عرض الشك، أو قصد الإبهام، ثم بقي ذلك كله، وأضرب عنه بالتحقيق، فقال: «لا، بل من قِبَل المشرق»، ثم أكد ذلك بـ «ما» الزائدة، وبالتكرار اللفظيّ، فـ «ما» فيه زائدة، لا نافية، وهذا لا بُعد فيه؛ لأنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم بشر يظن، ويشك، كما يسهو وينسى، إلا أنه لا يتمادى، ولا يُقَرّ، على شيء من ذلك، بل يُرشد إلى التحقيق، ويسلك به سواء الطريق. والحاصل من هذا أنه صلى الله عليه وسلم ظن أن الدجال المذكور في بحر الشام؛ لأنَّ تميمًا إنما ركب في بحر الشام، ثم عرض له أنَّه في بحر اليمن؛ لأنَّه يتصل ببحر متصل ببحر اليمن، فيجوز ذلك، ثم أطلعه العليم الخبير على تحقيق ذلك، فحقق، وأكّد. انتهى [«المفهم» (7) / (300) – (301)].
(قَالَتْ) فاطمة بنت قيس رضي الله عنها:
وحديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها هذا من أفراد المصنّف رحمه الله.
وقال الإمام مسلم رحمه الله تعالى:
[(7357)] (. . .) – وقوله: (فَأَتْحَفَتْنَا بِرُطَبٍ، يُقَالُ لَهُ: رُطَبُ ابْنِ طَابٍ)؛ أي: ضيّفتنا بنوع من التمر يقال له: رطب ابن طاب، وهو نوع من أنواع تمور المدينة، ويقال: إن أنواع تمورها مائة وعشرون نوعًا.
وقوله:
وقوله: (سَوِيقَ سُلْتٍ) بضم السين المهملة، وسكون اللام، آخره تاء مثناة فوقُ: حبّ يشبه القمح، ويشبه الشعير، كذا فسّره النوويّ، وجعله في «القاموس» نوعًا من الشعير.
وقولها: (طَلَّقَنِي بَعْلِي ثَلَاثًا) تقدّم أنه طلّقها آخر تطليقات ثلاث.
وقال الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله:
[(7358)] (. . .) –
وقوله: («وَذَاكَ الدَّجَّالُ») هذا تصريح من النبيّ صلى الله عليه وسلم بكونه دجالًا، ولم يقع هذا التصريح إلا في هذه الطريق، وهو يدلّ على أن الدجّال لا يزال مشدودًا بجزيرة إلى أن يخرج في آخر الزمان، أما كون الناس لم يَصِلوا إليه حتى الآن، فلم يثبت أنهم قد وصلوا إلى كل مكان من الجزائر، ويَحْتَمل أيضًا أن الله تعالى جعله مخفيًّا عن أعين الناس، وإنما أظهره مرّة لتميم وأصحابه لتصديق إخبار النبيّ صلى الله عليه وسلم فقط، والله تعالى أعلم، قاله صاحب «التكملة» [«تكملة فتح الملهم» (6) / (414)].
[تنبيه]: رواية غيلان بن جرير، عن الشعبيّ هذه ساقها ابن منده رحمه الله في «الإيمان»،:
((1060)) وفيه …. قال: ما فعل بيسان؟، فقالوا: قد أطعم، فوثَبَ، وقد كاد أن يخرج من وراء الحائط، ثم قال: أما إنه لو أُذن لي في الخروج، لقد وطئت الأرض كلها، غير طيبة. قال: فأخرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس، فحدثهم، فقال: «هذه طيبة، وذاك الدجال». انتهى [«الإيمان لابن منده» (2) / (955)].
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[(7359)] (. . .) – (حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ – يَعْنِي: الْحِزَامِيَّ – عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ حَدَّثَنِي تَمِيمٌ الدَّارِيُّ، أَنَّ أُنَاسًا مِنْ قَوْمِهِ، كَانُوا فِي الْبَحْرِ فِي سَفِينَةٍ لَهُمْ، فَانْكَسَرَتْ بِهِمْ، فَرَكِبَ بَعْضُهُمْ عَلَى لَوْحٍ مِنْ أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ، فَخَرَجُوا إِلَى جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ»، وَسَاقَ الْحَدِيثَ).
وقوله: (وَسَاقَ الْحَدِيثَ) فاعل «ساق» ضمير أبي الزناد.
[تنبيه]: رواية أبي الزناد عن الشعبيّ هذه ساقها الداني المقرئ رحمه الله في «السنن الواردة في الفتن»، فقال:
((625)) – وفيه …. فإذا هم بامرأة شعثاء، شعثة، لها شعر منكر، فقالوا لها: ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة، قالت: أتعجبون مني؟ قالوا: نعم، قالت: فادخلوا القصر، فدخلوا، فإذا هم بشيخ مربوط بسلاسل، فسألهم من هم؟ فأخبروه، فقال لهم: ما فعلت عين زُغَر؟ وما فعلت البحيرة؟ ونخلات بيسان؟ فأخبروه، قال: فو الذي أحلف به، لا تبقى أرض إلا وطئتها بقدمي هذه، إلا طابة»، فقال: قالوا: يا رسول الله وهذه طيبة. انتهى [«السنن الواردة في الفتن» (6) / (1145) – (1147)].
وقال الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله:
[(7360)] ((2943)) –
شرح الحديث:
(عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ) الأنصاريّ، أنه قال: (حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ) رضي الله عنه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ)» من «زائدة زيدت لإفادة العموم، (إِلَّا سَيَطَؤُهُ)؛ أي: يدوسه، ويدخله، ويفسده (الدَّجَّالُ) هو على ظاهره وعمومه، عند الجمهور، وشذّ ابن حزم، فقال: المراد: إلا يدخله
بعثه وجنوده، وكأنه استبعد إمكان دخول الدجال جميع البلاد؛ لِقِصَر مدته، وغفل عما اثبت في «صحيح مسلم» أن بعض أيامه يكون قَدْر السنة، قاله في «الفتح» [«الفتح» (5) / (199)، «كتاب فضائل المدينة» رقم ((1881))].
(إِلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ) بالنصب على الاستثناء، يعني لا يطؤهما الدجال، وذكر الطبريّ من حديث عبد الله بن عمرو: «إلا الكعبة، وبيت المقدس»، وزاد أبو جعفر الطحاويّ: «ومسجد الطور»، ورواه من حديث جُنادة بن أبي أمية، عن بعض أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وفي بعض الروايات: «فلا يبقى له موضع إلا ويأخذه، غير مكة، والمدينة، وبيت المقدس، وجبل الطور، فإن الملائكة تطرده عن هذه المواضع»، ذكره في «العمدة» [«عمدة القاري» (10) / (244)].
(فَتَرْجُفُ الْمَدِينَةُ) زاد في رواية البخاريّ: «بأهلها»، فينزل؛ أي: الدجال السبخة، و «ترجف» بضم الجيم؛ أي: تضطرب بأهلها أي ملتبسة بهم، وقيل: الباء للتعدية؛ أي: تحركهم، وتزلزلهم (ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ) بفتح الجيم، قال في «الفتح»: والجمع بين قوله: «ترجف ثلاث رجفات» وبين قوله في الحديث الآخر: «لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال».
وفي حديث محجن بن الأدرع عند أحمد، والحاكم، رفعه: «يجيء الدجال، فيصعد أُحُدًا، فيتطلع، فينظر إلى المدينة، فيقول لأصحابه: ألا ترون إلى هذا القصر الأبيض، هذا مسجد أحمد، ثم يأتي المدينة، فيجد بكل نقب من نقابها مَلكًا، مُصلِتًا سيفه، فيأتي سبخة الجرف، فيضرب رُواقه، ثم ترجف المدينة ثلاث رجفات، فلا يبقى منافق، ولا منافقة، ولا فاسق، ولا فاسقة، إلا خرج إليه، فتخلص المدينة، فذلك يوم الخلاص».
وفي حديث أبي الطفيل، عن حذيفة بن أَسِيد: «وتُطْوَى له الأرض طيّ فَرْوة الكبش، حتى يأتي المدينة، فيغلب على خارجها، ويُمنع داخلها، ثم يأتي إيليا، فيحاصر عصابة من المسلمين».
وحاصل ما وقع به الجمع أن الرعب المنفيّ هو الخوف، والفزع، حتى لا يحصل لأحد فيها بسبب نزوله قربها شيء منه، أو هو عبارة عن غايته، وهو غَلَبَته عليها، والمراد بالرجفة: الإرفاق، وهو إشاعة مجيئه، وأنه لا طاقة لأحد به، فيسارع حينئذٍ إليه من كان يتصف بالنفاق، أو الفسق، فيظهر حينئذٍ تمام أنها تنفي خبثها. انتهى [«الفتح» (13) / (94)].
(يَخْرُجُ إِلَيْهِ مِنْهَا كُلُّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ») وفي رواية البخاريّ: «فيخرج الله كلّ كافر، ومنافق»، قال في «الفتح»: المراد بالرعب: ما يحدث من الفزع من ذِكره، والخوف من عتوّه، لا الرجفة التي تقع بالزلزلة؛ لإخراج من ليس بمخلص، وحَمَل بعض العلماء الحديث الذي فيه أنها تنفي الخبث على هذه الحالة، دون غيرها، وقد تقدم أن الصحيح في معناه أنه خاص بناس، وبزمان، فلا مانع أن يكون هذا الزمان هو المراد، ولا يلزم من كونه مرادًا نفي غيره. انتهى [«الفتح» (5) / (199) – (200)].
وفيه: معجزة ظاهرة للنبيّ صلى الله عليه وسلم حيث أخبر عن أمر سيكون قطعًا، وفيه بيان فضل المدينة، وفضل أهلها المؤمنين الخالصين، والله تعالى أعلم.
وحديث أنس بن مالك رضي الله عنه، هذا متّفقٌ عليه.
وقال الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله:
[(7361)] (. . .) –
وقوله: (سَبَخَةَ الْجُرُفِ، فَيَضْرِبُ رِوَاقَهُ) الجرف بضم الجيم والراء، بعدها فاء: مكان بطريق المدينة، من جهة الشام على ميل، وقيل: على ثلاثة أميال، والمراد بالرواق بالكسر، والضمّ، ككتاب، وغُراب: الفسطاط، ولابن ماجه من حديث أبي أمامة: «نزل عند الطريق الأحمر عند منقطع السبخة». انتهى [«مصنف ابن أبي شيبة» (6) / (406)]. [البحر المحيط الثجاج، بتصرف يسير].
: ثانيًا: ملحقات:
(المسألة الأولى):
قال الشيخ حمود التويجري رحمه الله:
باب: في خبر الجساسة
[أورد أول حديث في الباب] وذكر الروايات السابقة وقال:
ورواه الإمام أحمد من حديث مجالد عن عامر – وهو الشعبي – قال: قدمت المدينة، فأتيت فاطمة بنت قيس، فحدثتني (فذكر الحديث في طلاقها وعدتها وإنكاحها أسامة بن زيد)؛ قال: فلما أردت أن أخرج؛ قالت: اجلس حتى أحدثك حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالت: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا من الأيام، فصلى صلاة الهاجرة، ….. قال: فما فعلت عين زغر؟ قالوا: صالحة؛ يشرب منها أهلها لشفتهم، ويسقون منها زرعهم. قال: فما فعل نخل بين عمان وبيسان؟ قالوا: صالح؛ يطعم جناه كل عام. قال: فما» «فعلت بحيرة الطبرية؟ قالوا: ملأى. قال: فزفر، ثم زفر، ثم زفر، ثم حلف؛ لو خرجت من مكاني هذا ما تركت أرضًا من أرض الله إلا وطئتها غير طيبة ليس لي عليها سلطان «قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :» إلى هذا انتهى فرحى (ثلاث مرار)، إن طيبة المدينة، إن الله حرم حرمي على الدجال أن يدخلها (ثم حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم 🙂 والذي لا إله إلا هو؛ ما لها طريق ضيق ولا واسع في سهل ولا جبل إلا عليه ملك شاهر بالسيف إلى يوم القيامة، ما يستطيع الدجال أن يدخلها على أهلها».
قال عامر: فلقيت المحرر بن أبي هريرة، فحدثته حديث فاطمة بنت قيس، فقال: أشهد على أبي أنه حدثني كما حدثتك فاطمة؛ غير أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنه نحو المشرق».
قال: ثم لقيت القاسم بن محمد، فذكرت له حديث فاطمة، فقال: أشهد على عائشة أنها حدثتني كما حدثتك فاطمة؛ غير أنها قالت: «الحرمان عليه حرام؛ مكة والمدينة».
فيه مجالد بن سعيد، وثقه النسائي في موضع، وقال في آخر: «ليس بالقوي»، وضعفه كثير من الأئمة،
وفيه أيضًا المحرر بن أبي هريرة، ذكره ابن حبان في «الثقات»، وقال الذهبي في «الكاشف»: «وثق»، وقال ابن حجر في «تقريب التهذيب»: «مقبول، وبقية رجاله رجال الصحيح».
وما تقدم من الروايات الصحيحة يشهد له ويقويه.
وقد رواه الطبراني في «الكبير» بنحو رواية أحمد.
وقد جاء في رواية ابن ماجه والآجري: «فإذا هم بشيخ موثق»، وهذا مخالف لما في «صحيح مسلم» وغيره عن النواس بن سمعان رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الدجال: «إنه شاب قطط»، والعمدة على ما في الصحيح، والله أعلم.
ورواه أحمد بإسناد صحيح على شرط مسلم، وقال فيه: «فدخلوا الدير؛ فإذا رجل أعور مصفد في الحديد» … ، وذكر بقية الحديث بنحو ما تقدم، وقد رواه ابن حبان في» صحيحه «بنحوه.
ورواه الترمذي من حديث قتادة عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها: «أن نبي الله صلى الله عليه وسلم صعد المنبر، فضحك، فقال:» إن تميمًا الداري» «حدثني بحديث، ففرحت، فأحببت أن أحدثكم: إن ناسًا من أهل فلسطين ركبوا سفينة في البحر، فجالت بهم، حتى قذفتهم في جزيرة من جزائر البحر، فإذا هم بدابة لباسة ناشرة شعرها، فقالوا: ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة. قالوا: فأخبرينا. قالت: لا أخبركم ولا أستخبركم، ولكن ائتوا أقصى القرية؛ فإن ثم من يخبركم ويستخبركم. فأتينا أقصى القرية؛ فإذا رجل موثق بسلسلة، فقال: أخبروني عن عين زغر. قلنا: ملأى تدفق. قال: أخبروني عن البحيرة. قلنا: ملأى تدفق. قال: أخبروني عن نخل بيسان الذي بين الأردن وفلسطين؛ هل أطعم؟ قلنا: نعم. قال: أخبروني عن النبي؛ هل بعث؟ قلنا: نعم. قال: أخبروني كيف الناس إليه؟ قلنا: سراع. قال: فنزى نزوة حتى كاد. قلنا: فما أنت؟ قال: أنا الدجال، وإنه يدخل الأمصار كلها إلا طيبة، وطيبة المدينة».
قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث قتادة عن الشعبي. وقد رواه غير واحد عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس». انتهى.
وقد رواه الطبراني في «الكبير» من حديث قتادة وإبراهيم بن عامر عن الشعبي، وفيه أن الجساسة قالت: «الخبر عند صاحب هذا الدير، فأتوا الدير، فإذا رجل موقر بالحديد، فسألهم: ممن هم؟ فأخبروه. فقال: ما فعل نبي العرب؟ أخرج بعد؟ قالوا: نعم. قال: من يتبعه؛ السفلة أم أشراف الناس؟ قالوا: يتبعه السفهاء. قال: يكثرون أم يقلون؟ قالوا: يكثرون. قال: يرجع أحد ممن أتاه؟ قالوا: لا. قال: ذلك خير لهم. ثم سألهم عن بحيرة طبرية ونخل بيسان وعين زغر فأخبروه. قال: أما إنه لو قد أذن لي؛ لقد وطئت برجلي هذه الأرض كلها غير طيبة”. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وهذه طيبة، على كل نقب منها ملك شاهر سيفه، نحو العراق ما هو، نحو العراق ما هو».
إسناده ضعيف، ولبعضه شواهد مما تقدم قبله من الأحاديث الصحيحة.
ورواه الطبراني أيضًا من طرق كثيرة عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس سوى ما تقدم ذكره من الروايات، وفي بعضها زيادات ليست في الروايات التي تقدم ذكرها:
منها: في رواية محمد بن أيوب أبي عاصم الثقفي عن الشعبي عن فاطمة: «إن الجساسة قالت لهم: إن كنتم تريدون الخبر؛ فعليكم بهذا الدير. وأشارت إلى دير في الجزيرة غير بعيد، فانطلقنا نمشي حتى دخلنا؛ فإذا رجل موثق بحديد كبير ثقيل، وإذا هو مستند ظهره إلى سفح جبل. قال: من أنتم؟ قلنا: أناس من العرب. قال: ما فعل النبي الأمي الذي ينتظر؟ قلنا: قد خرج … (ثم سألهم عن نخل بين عمان وبيسان، وعن عين زغر، وعن بحيرة الطبرية، فأخبروه، قال:)، فضرب بيده بطن قدمه، وقال: إني لو قد خرجت من مجلسي هذا؛ لم أدع في الأرض بقعة إلا وطئتها؛ إلا مكة وطيبة. قال: ثم زفر، فسار في الجبل ثم وقع، ثم سار أخرى أبعد من ذلك ثم وقع، ثم سار الثالثة فذهب في الجبل ثم وقع. قال: قلنا: ما له لا بارك الله فيه؟ وكأنه سر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك قوله: مكة والمدينة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : طيبة (مرتين) لا يدخلها الدجال، ليس منها نقب إلا عليه ملك شاهر السيف، ومن نحو اليمن ما هو. ثم قال بيده وكم قميصه قريبا من ثلاثين مرة: من نحو العراق ما هو».
إسناد هذه الرواية صحيح على شرط مسلم.
ومنها: ما في رواية أبي الأشهب جعفر بن حيان العطاردي عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها؛ قالت: «سمعت منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي: الصلاة جامعة …. (فذكر الحديث عن الجساسة والدجال وفيه:) قال: ولكن أخبروني: ما أوقعكم هذه الجزيرة، وهذه الجزيرة لم يصل إليها آدمي منذ خرجت إليها؟ فأخبرناه، …. ثم قال: «ألا أخبركم أنه في بحر الشام (ثلاثًا)؟»، ثم أغمي عليه ساعة، ثم سري عنه، فقال: “بل هو في بحر العراق».
في إسناده سيف بن مسكين، وهو ضعيف جدًا، ولبعضه شواهد مما تقدم قبله من الأحاديث الصحيحة.
وعن أبي سلمة عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر العشاء الآخرة ذات ليلة، ثم خرج، فقال:» إنه حبسني حديث كان يحدثنيه تميم الداري عن رجل كان في جزيرة من جزائر البحر، فإذا بامرأة تجر شعرها. قال: ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة، اذهب إلى ذلك القصر. فأتيته، فإذا رجل يجر شعره مسلسل في الأغلال ينزو فيما بين السماء والأرض، فقلت: من أنت؟ قال: أنا الدجال، خرج نبي الأميين بعد؟ قلت: نعم. قال: أطاعوه أم عصوه؟ قلت: بل أطاعوه. قال: ذلك خير لهم».
رواه أبو داود: قال المنذري: «في إسناده عثمان بن عبد الرحمن القرشي مولاهم الحراني المعروف بالطرائقي (ثم ذكر كلام العلماء فيه، فمنهم من تكلم فيه، ومنهم من وثقه)».
قلت: وقد رواه الطبراني في «الكبير» بإسنادين: أحدهما قال: حدثنا إسماعيل بن الحسن الخفاف المصري: حدثنا أحمد بن صالح: حدثنا ابن أبي فديك: حدثني ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها (فذكر الحديث بنحو ما تقدم في رواية أبي داود، وزاد في آخره أن الدجال قال: «وهل غارت المياه؟»).
رجاله رجال الصحيح، سوى إسماعيل بن الحسن الخفاف؛ فإني لم أجد له ترجمة، وقد ذكره المزي في «تهذيب الكمال» فيمن روى عن أحمد بن صالح المصري.
ولهذا الحديث شواهد مما تقدم في الروايات عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها.
[تنبيه: 1]
وقد زعم أبو عبية في تعليقه على «النهاية» لابن كثير في (ص (96)) منها أن حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها عليه طابع الخيال وسمة الوضع، ثم نفى صدوره عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ قال: «ولو صح صدوره عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعلى المنبر، وفي حشد من الصحابة؛ لتواتر نقله».
والجواب عن هذا من وجوه:
أحدها: أن يقال: من عجيب أمر أبي عبية قدحه في حديث قد رواه مسلم في «صحيحه» الذي قد أجمع أهل العلم على صحته وتلقيه بالقبول، وهذا في الحقيقة من الاستهانة بالأحاديث الصحيحة والغض من شأنها ومخالفة أهل العلم والشذوذ عنهم، ومن سلك هذا المسلك الذميم؛ فهو على شفا هلكة، ولو أن حديث الجساسة جاء في بعض الأقاصيص التي يذكرها كتاب الإفرنج؛ لبادر الأغبياء من العصريين إلى تصديقه، وأنكروا على من شك في صحته.
الوجه الثاني: أن هذا الحديث قد رواه الشعبي عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، والشعبي إمام من أئمة التابعين، لا سبيل لأحد إلى الكلام فيه، وقد تابعه عليه أبو سلمة بن عبد الرحمن، فرواه عن فاطمة بنت قيس كما تقدم ذكره. ورواه عن الشعبي جماعة من الثقات الأثبات؛ منهم: عبد الله بن بريدة، وسيار أبو الحكم، وغيلان بن جرير، وأبو الزناد، وداود بن أبي هند، وقتادة، ومحمد بن أيوب الثقفي، وعمران بن سليمان القيسي، وغيرهم من الثقات.
وإذًا؛ فمن هو المتهم عند أبي عبية بوضعه؟!
الوجه الثالث: أن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها لم تنفرد برواية حديث الجساسة، بل قد رواه بمثل روايتها أبو هريرة وعائشة رضي الله عنهما كما تقدم ذكره، ورواه أيضًا أبو داود من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وإسناده حسن؛ كما سيأتي. وفي هذا رد على من قدح في الحديث وزعم أنه موضوع.
الوجه الرابع: أن يقال: ليس التواتر شرطًا في صحة الأحاديث ولا في وجوب الإيمان بها؛ كما قد توهم ذلك أبو عبية تقليدًا لبعض أهل البدع من المتقدمين والعصريين، والذي عليه أهل السنة والجماعة الإيمان بكل ما صح سنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، سواء كان متواترًا أو آحادًا، وقد تقدم إيضاح ذلك في أول الكتاب؛ فليراجع.
الوجه الخامس: أن صدور الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر وفي حشد من الصحابة رضي الله عنهم لا يلزم منه التواتر في النقل، وكم من خطبة خطبها النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر وفي حشد عظيم من الصحابة ومع ذلك لم يروها أو يرو البعض منها إلا الواحد أو الاثنان أو أكثر من ذلك ممن لا يبلغ عددهم شرط التواتر؟! وقد خطب النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع عدة خطب في أعظم حشد كان في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك لم ينقل خطبة إلا العدد القليل من الصحابة رضي الله عنهم.
وقد روى الإمام أحمد ومسلم عن أبي زيد وعمرو بن أخطب الأنصاري رضي الله عنه؛ قال: «صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، وصعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل فصلى، ثم صعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى، ثم صعد المنبر، فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان وبما هو كائن، فأعلمنا أحفظنا». وقد كانت هذه الخطبة العظيمة الطويلة جدًا على المنبر، وفي حشد من الصحابة رضي الله عنه، ومع ذلك لم ينقل شيء منها بالتواتر.
وإذا علم هذا؛ فما زعمه أبو عبية من شرط التواتر لصحة حديث الجساسة لا أصل له؛ فلا يعول عليه.
وعن الوليد بن عبد الله بن جميع عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر (وهو ابن عبد الله رضي الله عنه؛ قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على المنبر:» إنه بينما أناس يسيرون في البحر، فنفد طعامهم، فرفعت لهم جزيرة، فخرجوا يريدون الخبز، فلقيتهم الجساسة «. قلت لأبي سلمة: وما الجساسة؟ قال: امرأة تجر شعر جلدها ورأسها.» قالت: في هذا القصر (فذكر الحديث، وسأل عن نخل بيسان وعن عين زغر قال: هو المسيح)». فقال لي ابن أبي سلمة: إن في هذا الحديث شيئًا ما حفظته. قال: شهد جابر أنه هو ابن صائد.
قلت: فإنه قد مات. قال: وإن مات. قلت: فإنه قد أسلم. قال: وإن أسلم. قلت: فإنه قد دخل المدينة. قال: وإن دخل المدينة.
رواه أبو داود. قال ابن كثير: «وهو غريب جدًا». وقال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري»: «سنده حسن».
[إتحاف الجماعة للشيخ حمود التويجري رحمه الله، (2/ 324 – 340)].
ممن صحح الحديث
[لم يردّ الشَّارعُ خبرَ العدل]
والمقصود أن الشارع [صلوات اللَّه وسلامه عليه وعلى آله] ((5)) لم يَرُدَّ خبر العدل قط، لا في رواية ولا في شهادة، بل قَبلَ خبرَ العدل الواحد في كل موضع أَخْبر به، كما قبل شهادتَهُ لأبي قتادة بالقتيل ((6)) وقبل شهادة خزيمة وحده ((7))، وقبل شهادة الأعرابي وحده على رؤية هلال رمضان ((8)).
وقبل شهادة الأمة السوداء وحدها على الرضاعة ((1))، وقبل خبر تميم وحده وهو خبر عن أمر حسي شاهده ورآه فقبله ورواه عنه ((2))، ولا فرق بينه وبين الشهادة؛ فإن كلًا منهما [خبر] ((3)) عن أمر مستند إلى الحِسِّ والمشاهدة، فتميم شهد بما رآه وعاينه، وأخبر به النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فصدَّقه وقَبِل خَبَرَه، فأيُّ فرق بين أن يشهد العدل الواحد على أمر رآه وعَاينه يتعلق بمشهود له وعليه وبين أن يخبر بما رآه وعاينه مما يتعلق بالعموم؟. وقد أجمع المسلمون على قبول أذان المُؤذن الواحد، وهو شهادة منه بدخول الوقت، وخبر عنه يتعلق بالمخبر وغيره، وكذلك أجمعوا على قبول فتوى المفتي الواحد، وهي خبر عن حكم شرعي يعم المستفتي وغيره.
إعلام الموقعين عن رب العالمين – (2) / (192) – (193)
وممن نص على صحة الحديث من الأئمة النقاد: البخاري حيث قال الترمذي: سألت محمداً عن هذا الحديث: – يعني: حديث الجساسة -، فقال: يرويه الزهري عن أبي سلمة، عن فاطمة ابنة قيس – قال محمد: وحديث الشعبي عن فاطمة بنت قيس، في الدجال هو حديث صحيح
– وقال الترمذي: “وهذا حديث حسن صحيح غريب من حديث قتادة عن الشعبي، وقد رواه غير واحد عن الشعبي.
وأخرج ابن حبان حديث فاطمة الله في صحيحه، وبوب عليه قائلاً: ذكر الإخبار عن وصف العلامتين اللتين تظهران عند خروج المسيح الدجال من وثاقه. وقال أبو نعيم الأصبهاني: وهو حديث صحيح ثابت متفق عليه، رواه عن الشعبي عدة من الكبار والتابعين.
وبوب البيهقي في كتابه “دلائل النبوة” فقال: باب قدوم تميم الداري على النبي الله وإخباره إياه بأمر الجساسة وما سمع من الدجال في خروج النبي الله وإيمان من آمن به، فأسند حديث فاطمة عيد وذكر رواية مسلم له، ثم قال: “قال الشعبي: فلقيت محرر بن أبي هريرة فحدثته، فقال: صدق أشهد على أبي هريرة أنه حدثني بهذا الحديث، فلقيت عبد الرحمن بن أبي بكر فحدثته، فقال: صدقت وأشهد على عائشة أنها حدثتني بهذا الحديث، غير أنها زادت فيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ومكة مثلها). قلت: وروي ذلك أيضا
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس. وقال ابن عبد البر بعد ذكر حديث الشعبي وأبي سلمة عن فاطمة بنت قيس الله: “وهذه كلها آثار ثابتة صحاح من جهة الإسناد والنقل.
وقال البغوي: “هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم، عن يحيى بن حبيب الحارثي، عن خالد بن الحارث الهجيمي، عن قرة، وأخرجه من طرق أخر عن الشعبي.
– وقال عز الدين ابن الأثير في ترجمة تميم الله: “حدث عن النبي حديث الجساسة، وهو حديث صحيح
وقال أبو عبد الله القرطبي: “هذا حديث صحيح، وقد خرجه مسلم والترمذي وأبو داود وغيرهم.
وقال ابن القيم: “ولم ينكره عليها أحد مع طوله وغرابته. وقال الحافظ ابن حجر عن أحد طرق حديث الشعبي عن فاطمة الله: ” في بعض طرقه عند البيهقي أنه (شيخ) وسندها صحيح. وقال: “وأما حديث جابر فأخرجه أبو داود بسند حسن من رواية أبي سلمة عن جابر. بل قد تقلد الحافظ ابن حجر بتوسع بيان طرق حديث الجساسة ودفع عنها دعوى الغرابة. – وقال السفاريني: “في ذكر قصة تميم الداري وحديثه الذي رواه عن النبي الله، وهو حديث صحيح، رواه أبو هريرة أخرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه وأبو يعلى، وعائشة رضي الله عنها، وهو في حديث فاطمة بنت قيس، وروي أيضا من حديث جابر أخرجه أبو داود بسند صحيح.
– وقال الشيخ محمد ناصر الألباني: “حديث الجساسة صحيح ولا مطعن فيه.
وقال الحافظ ابن حجر عن أحد طرق حديث الشعبي عن فاطمة رضي الله عنها: ” في بعض طرقه عند البيهقي أنه (شيخ) وسندها صحيح (فتح الباري).
وقال: “وأما حديث جابر فأخرجه أبو داود بسند حسن من رواية أبي سلمة عن جابر (فتح الباري).
– وقال السفاريني: ” في ذكر قصة تميم الداري وحديثه الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حديث صحيح، رواه أبو هريرة أخرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه وأبو يعلى، وعائشة رضي الله عنها، وهو في حديث فاطمة بنت قيس، وروي أيضا من حديث جابر أخرجه أبو داود بسند صحيح (لوامع الأنوار).
–
(المسألة الثانية):
استشكل في حديث الجساسة أن الدجال موجود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي حديث ابن صياد أنه قال: «إِنِّي لَأَعْلَمُ مَوْلِدَهُ وَمَكَانَهُ وَأَيْنَ هُوَ» [أخرجه مسلم ((2927))]، وقال في الحديث الآخر: «أَمَا- واللهِ- إِنِّي لَأَعْلَمُ الآنَ حَيْثُ هُوَ، وَأَعْرِفُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ» [أخرجه مسلم ((2927))]،
والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر في آخر حياته، فقال: «أَرَأَيْتُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فَإِنَّ رَاسَ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ» [أخرجه البخاري ((564))، ومسلم ((2537))].
والجواب عن هذا الإشكال: أن الدجال مستثنى من هذا الحديث، وعليه فحديث الدجال مُخَصِّصٌ لِعُمُومِ هذا الحديث.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: «وأقرب ما يجمع به بين ما تضمنه حديث تميم وكون ابن صياد هو الدجال: أن الدجال بعينه هو الذي شاهده تميم موثقًا، وأن ابن صياد شيطان تبدَّى في صورة الدجال في تلك المدة إلى أن توجه إلى أصبهان، فاستتر مع قرينه إلى أن تجيء المدة التي قدر الله تعالى خروجه فيها» [فتح الباري، لابن حجر ((13) / (328))]. [توفيق الرب المنعم، (8/ 357 – 358)].
قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: في الجواب على من قال بحياة الخضر محتجًا بأن العموم ليس نصًا في الاستغراق يعني العموم في قوله صلى الله عليه وسلم «لا يبقى على ظهر الأرض أحد».
قال: «لأن الدجال أخرجه دليل صالح للتخصيص وهو حديث ثابت في الصحيح من حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إنه حدثه به تميم الداري وأنه أعجبه حديث تميم المذكور …
والقاعدة المقررة في الأصول، أن العموم يجب إبقاؤه على عمومه، فما أخرجه نصٌ مخصص خرج من العموم وبقى العام حجة في بقية الأفراد التي لم يدل على إخراجها دليل، كما قدمناه مرارًا وهو الحق ومذهب الجمهور، وهو غالب ما في الكتاب والسنة من العمومات، يخرج منها بعض الأفراد بنص مخصص ويبقى العام حجة في الباقي». [«أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن» للعلامة المفسر محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي ((3) / (397)) دار الفكر، بيروت – لبنان، (1415) – (1995)].
وقال العلامة محمد ناصر الألباني رحمه الله: «حديث الجساسة صحيح ولا مطعن فيه ولا يخالف حديث (فإنه لا يبقى على رأس مائة سنة منها اليوم أحد) فإن هذا الحديث عام وقد خص، فإن الشيطان الرجيم على وجه الأرض، والشيطان خالد إلى يوم القيامة، ولفظ الحديث شامل لكل من على وجه الأرض، وليس خاصًا ببني آدم، فكما خرج الشيطان من هذا العموم، فما الذي يمنع الدجال من الخروج من هذا العموم أيضًا، وما ينبغي أن ترد أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بالرأي، وما كنا لنترك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لكلام أحد، فالجمع بحمد الله سهل، ولا تعارض ولا منافاة». [في سلسلة الهدى والنور الصوتية لأبي ليلي الأثري وهي موجودة باليوتيوب بعنوان «الألباني يزيل الأشكال حول حديث الجساسة»].
(المسألة الثالثة): وهل هي دابة أو امرأة؟
ذكر في (عون المعبود) ثلاثة أوجه من وجوه الجمع، حيث قال:
يحتمل: أن للدجال جساستين: إحداهما دابة، والثانية امرأة،
ويحتمل: أن الجساسة كانت شيطانة تمثلت تارة في صورة دابة وأخرى في صورة امرأة، وللشيطان قدرة التشكل في أي تشكل يريد،
ويحتمل: أن تسمى المرأة دابة مجازًا؛ كما في قوله تعالى: «وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا».
فهذه ثلاثة وجوه، وكون الشيطان يتمثل على صورة الحيوان وعلى صورة الإنسان حاصل، فالشيطان الذي تحاور مع أبي هريرة، وكذلك أيضًا الحديث الذي جاء عن قتل الحيات وأنهن عوامر البيوت، [قاله الشيخ عبد المحسن العباد في شرح السنن].
(المسألة الرابعة): الدَّابَّة
ظهور دابَّة الأرض في آخر الزّمان علامة على قرب السّاعة ثابت بالكتاب والسُّنَّة، من أيِّ الدَّوابِّ دابة الأرض:
اختلفت الأقوال في تعيين دابَّة الأرض، وإليك بعض ما قاله العلماء في ذلك:
الأوّل: قال القرطبي: «أول الأقوال أنها فصيل ناقة صالح، وهو أصحها، والله أعلم» [«تفسيرالقرطبي» ((13) / (235))].
واستشهد لهذا القول بما رواه أبو داود الطيالسي عن حذيفة بن أسيد الغفاري؛ قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدَّابَّة … (فذكر الحديث، وفيه:) «لم يرعهم إِلَّا وهي ترغو بين الركن والمقام» [«منحة المعبود ترتيب مسند الطيالسي»، باب خروج الدابة «((2) / (220) – (221)) للساعاتي، ولفظه:» ترنو «، وليس فيه:» ترغو «.
ورواه الحاكم في» المستدرك «((4) / (484))، وقال:» هذا حديث صحيح الإِسناد، وهو أبين حديث في ذكر دابة الأرض، ولم يخرجاه”.
قلت: الحديث ضعيف؛ لان في إسناده عند الطيالسي والحاكم طلحة بن عمرو الحضرمي: قال ابن معين: «ليس بشيء ضعيف»، وقال الذهبي في «ذيل المستدرك»: «تركه أحمد»، وقال الهيثمي: «رواه الطبراني، وفيه طلحة بن عمرو، وهو متروك».
«مجمع الزوائد» ((8) / (7))، وانظر: «تهذيب التهذيب» ((5) / (23) – (24)).
وهذا الحديث أخرجه الحافظ ابن حجر في «المطالب العالية» ((4) / (343) – (344))، وعزاه للطيالسي، ولفظه: «تزعق»، بدل: «ترغو».].
وموضع الشّاهد قوله: «ترغو»، والرغاء إنّما هو للإِبل، وذلك «أن الفصيل لما قُتِلَتِ الناقة هرب، فانفتح له حجر، فدخل في جوفه، ثمّ انطبق عليه، فهو فيه حتّى يخرج بإذن الله عزوجل».
ثمَّ قال: «لقد أحسن من قال:
واذْكُرْ خُروجَ فَصِيْلَ ناقَةِ صالحٍ … يَسِمُ الوَرَى بالكُفْرِ والإِيْمانِ» [«التذكرة» (ص (702))].
وترجيح القرطبي لهذا القول فيه نظر؛ فإن الحديث الّذي استند إليه في سنده رجلٌ متروك.
وأيضًا؛ فإنّه جاء في بعض كتب الحديث لفظ: (تدنو) و (تربو)؛ بدل: (ترغو)؛ كما في «المستدرك» للحاكم.
الثّاني:
أنها الجسَّاسة المذكورة في حديث تميم الداري رضي الله عنه في قصة الدَّجَّال.
وهذا القول منسوبٌ إلى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه [«شرح النووي لمسلم» ((18) / (28)). وممَّن قال بأنها الجساسة: البيضاوي في «تفسيره» ((4) / (121))].
وليس في حديث تميم ما يدلُّ على أن الجساسة هي الدَّابة الّتي تخرج آخر الزّمان، وإنّما الّذي جاء فيه انه لقي دابَّة أهلب كثيرة الشعر، فسألها: ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة.
وسُمِّيت بالجساسة؛ لأنها تجسُّ الأخبار للدَّجَّال [«النهاية في غريب الحديث» ((1) / (272))، و «شرح السنة» للبغوي، ((15) / (68))].
وأيضًا؛ فما جاء في شأن الدَّابَّة الّتي نتحدث عنها من تعنيف النَّاس وتوبيخهم على كفرهم بآيات الله تعالى يُبيِّن أنها غير الجساسة الّتي تنقل الأخبار للدَّجَّال، والله أعلم.
الثّالث:
أنها الثعبان المشرف على جدار الكعبة الّتي اقتلعتها العقاب حين أرادت قريش بناء الكعبة.
ولهذا القول نسبه القرطبي [«تفسير القرطبي» ((13) / (236))] إلى ابن عبّاس رضي الله عنهما؛ منقولًا من كتاب النقاش، ولم يذكر له مستندًا في ذلك، وذكره الشوكاني في «تفسيره» [«تفسير الشوكاني/ فتح القدير» ((4) / (151))].
الرّابع:
أن الدَّابَّة إنسانٌ متكلِّم يناظر أهل البدع والكفر، ويجادلهم؛ لينقطعوا، فيهلك من هلك عن بيِّنة، ويحيا من حيَّ عن بينة.
وهذا القول ذكره القرطبي، وردَّه بأن الدَّابَّة لو كانت إنسانًا يناظر المبتدعة، لم تكن الدَّابَّة آية خارقة وعلامة من علامات السّاعة العشر.
وأيضًا فيه العدول عن تسمية هذا الإِنسان المناظر الفاضل العالم الّذي على أهل الأرض أن يسمُّوه باسم الإِنسان أو العالم أو الإِمام إلى أن يسمَى بالدَّابَّة، وهذا خروجٌ عن عادة الفصحاء، وعن تعظيم العلماء [انظر: «تفسير القرطبي» ((13) / (236) – (237))].
الخامس:
أن الدَّابَّة اسم جنس [في كون الدابة اسم جنس لدواب كثيرة ذكر هذا القول البرزنجي في «الإِشاعة» (ص (177))، ونسبه لتفسير ابن علان «ضياء السبيل»، وهذا القول لم يذكر له دليلًا صحيحًا يعتمد عليه] لكلِّ ما يدبُّ، وليست حيوانًا مشخَّصًا معيَّنًا يحوي العجائب والغرائب، ولعلّ المراد بها تلك الجراثيم الخطيرة الّتي تفتك بالإِنسان وجسمه وصحته، فهي تجرح وتقتل، ومن تجريحها وأذاها كلمات واعظة للناس لو كانت لهم قلوبٌ تعقل، فترجع بهم إلى الله، وإلى دينه، وتلزمهم الحجة، ولسان الحال أبلغ من لسان المقال؛ فإن من معاني التكليم التجريح.
وهذا القول هو ما ذهب إليه أبو عبيَّة في تعليقه على «النهاية/ الفتن والملاحم» لابن كثير [((1) / (190)، (199))]، وهو رأي بعيد عن الصواب، وذلك لأمور:
أ – أن الجراثيم موجودة من قديم الزّمان، وكذلك الأمراض الّتي تفتك بالناس في أجسامهم وزروعهم ودوابِّهم [انظر: «إتحاف الجماعة» ((2) / (306) – (307))]، والدَّابَّة الّتي هي من أشراط السّاعة لم تظهر بعد.
ب – أن الجراثيم غالبًا لا ترى بالعين المجرَّدة، وأمّا الدَّابَّة؛ فلم يقل أحدٌ: إنها لا تُرى.
ج – أن هذه الدَّابَّة تَسِم النَّاس على وجوههم بالكفر والإِيمان، فتجلو وجه المؤمّن، وتخطم أنف الكافر، وأمّا الجراثيم؛ فلا تفعل شيئًا من ذلك.
د – الّذي يظهر أن الّذي دفعه لهذا القول هو ما ذُكِرَ في صفة الدَّابَّة من الأقوال الكثيرة المختلفة [ذكر بعض المفسرين آثارًا كثيرة في صفة هذه الدابة، وذُكرت هذه الآثار أيضًا في بعض كتب أشراط السّاعة، ولم أطلع بعد البحث على تصحيح أحد من العلماء لهذه الآثار، فالله أعلم بحالها.
وهذه بعض الكتب الّتي تعرضت لذلك: «تفسير القرطبي» ((13) / (235) – (236))، و «التذكرة» (ص (699))، و «تفسير ابن كثير» ((6) / (220) – (223))، و «النهاية/ الفتن والملاحم» ((1) / (162) – (263))، و «تفسير الشوكاني» ((4) / (151) – (153))، و «لوامع الأنوار» ((2) / (146) – (147))، و «الإشاعة» (ص (174) – (175))، و «تحفة الأحوذي» ((6) / (413) – (414))]، ولكن قدرة الله أعظم، وما صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب التسليم به.
وكذلك؛ فأي مانع من حمل اللّفظ على المعنى المتبادر، ولا نلجأ إلى التجوُّز إِلَّا إذا تعذَّرتِ الحقيقة، لا سيما أن قوله هذا مخالفٌ لأقوال المفسرين؛ فإنهم ذكروا أن هذه الدَّابَّة مخالفة لما يعتاده البشر، فهي من خوارق العادات، كما أن طلوع الشّمس من مغربها أمرٌ خارقٌ للعادة.
وقد جاء في الحديث انهما يخرجان في وقت متقارب؛ قال صلى الله عليه وسلم : «أول الآيات خروجًا طلوع الشّمس من مغربها، وخروج الدَّابَّة على النَّاس ضحىً، وأيهما ما كانت قبل صاحبتها؛ فالأخرى على إثرها قريبًا» [رواه مسلم ((18) / (77) – (78))].
والذي يجب الإِيمان به هو أن الله تعالى سيخرج للناس في آخر الزّمان دابَّة من الأرض تكلِّمهم، فيكون تكليمها آية لهم دالَّة على انهم مستحقون للوعيد بتكذيبهم آيات الله، فإذا خرجت الدَّابَّة؛ فهم النَّاس، وعلموا أنها الخارقة المنبئة باقتراب السّاعة، وقد كانوا قبل ذلك لا يؤمنون بآيات الله، ولا يصدِّقون باليوم الموعود.
قال أحمد شاكر رحمه الله: «والآية صريحةٌ بالقول العربي أنّها (دابَّة)، ومعنى (الدَّابَّة) في لغة العرب معروفٌ واضحٌ، لا يحتاج إلى تأويل … ووردت أحاديث كثيرة في الصحاح وغيرها بخروج هذه (الدَّابَّة) الآية، وأنها تخرج آخر الزّمان، ووردت آثار أخرى في صفتها لم تنسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم المبلِّغ عن ربه، والمبين آيات كتابه، فلا علينا أن ندعها، ولكن بعض أهل عصرنا، من المنتسبين للإِسلام، الذين فشا فيهم المنكر من القول والباطل من الرأي، الذين لا يريدون أن يؤمنوا بالغيب، ولا يريدون إِلَّا أن يقفوا عند حدود المادة الّتي رسمها لهم معلِّموهم وقدوتُهم؛ ملحدو أوروبا الوثنيون الإِباحيون، المتحلِّلون من كلّ خلق ودين، هؤلاء لا يستطيعون أن يؤمنوا بما نؤمن به، ولا يستطيعون أن ينكروا إنكارًا صريحًا، فيجمجمون [(الجمجمة): هو أن لا يبين كلامه. انظر: «ترتيب القاموس المحيط» ((1) / (533))]، ويحاورون، ويداورون، ثمّ يتأوَّلون، فيخرجون بالكلام عن معناه الوضعي الصّحيح للألفاظ في لغة العرب، يجعلونه أشبه بالرموز؛ لما وقر في أنفسهم من الإِنكار الّذي يبطنون» [شرح أحمد شاكر لـ «مسند أحمد» ((15) / (82))]. [أشراط الساعة].
ثالثًا: فقه وفوائد الحديث:
قال الشيخ عبد المحسن في شرح السنن:
(1) – (منها): “وجود الدجال في تلك الجزيرة،
(2) – (ومنها): وأنه سيخرج في آخر الزمان،
(3) – (ومنها): وهو موثق بالأغلال،
(4) – (ومنها): ورأوا ضخامته وعظم خلقه، وقد عرفنا فيما مضى أنه رجل قصير، وهذا لا ينافي كونه عظيم الخلقة، فهو عظيم وقصير وكان موثقًا،
5 – (ومنها): وينزو بين السماء والأرض، أي: أنه يضطرب ويتحرك من علو إلى سفل”. انتهى كلام الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله.
6 – (ومنها): بيان فتنة الدجال، وخطره على الدين،
7 – (ومنها): وأنه ما من بلد إلا سيدخله الدجال إلا مكة والمدينة. [توفيق الرب المنعم، (8/ 357)].
8 – (ومنها): حرص السلف على سماع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.
9 – (ومنها): حرص السلف على طلب العلو في الرواية.
10 – (ومنها): شرف ورفعة ومكانة أسامة بن زيد رضي الله عنهما.
11 – (ومنها): حرص المُعتدة خاصةً على تحفظها وعدم اختلاطها بالرجال.
12 – (ومنها): بيان أن أطراف شعر الحرة وساقيها عورة، فيجب عليها سترها عن الأجانب، سواء كانت في بيت من البيوت أو في الشارع.
13 – (ومنها): جواز خروج النساء للصلاة في المساجد.
14 – (ومنها): بيان صفوف المساجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأن صف النساء يكون خلف الرجال.
15 – (ومنها): بيان مناقب تميم رضي الله عنه وأن النبي صلى الله عليه وسلم روى عنه.
16 – (ومنها): بيان بعض علامات ظهور المسيح الدجال.
17 – (ومنها): صرف الله تعالى المسيح للتحدث، فلم ينطق إلا الحق تأييدًا له عليه الصلاة والسلام.
18 – (ومنها): بيان فضل مكة والمدينة.
6 – (ومنها): خروج المسيح الدجال سيكون من قِبل المشرق. [موسوعة الأحاديث].