294 عون الصمد شرح الذيل والمتمم له على الصحيح المسند
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان رحمه الله ووالديهم ووالدينا)
—–‘——‘———
مسند أحمد
5687 – حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو، حدثنا زهير، عن زيد بن أسلم، سمعت ابن عمر قال: قدم رجلان من المشرق خطيبان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقاما فتكلما، ثم قعدا، وقام ثابت بن قيس خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم، ثم قعد فعجب الناس من كلامهم، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ” يا أيها الناس قولوا بقولكم، فإنما تشقيق الكلام من الشيطان ” قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” إن من البيان سحرا ”
أخرجه البخاري في “الأدب المفرد” (875)، وابن حبان (5718) من طريق أبي عامر، بهذا الإسناد.
ابوالمنذر الخراساني، الراجح فيه أن رواية البصريين عنه مستقيمة كما قال الإمام أحمد وغيره وهذا منها، ونقل عن ابن كثير أنه قال: جيد انتهى.
قلت سيف بن دورة: الحديث على شرط المتمم على الذيل،،
الحديث في البخاري 5146 وهنا زيادة قيام قيس وزيادة (يا أيها الناس قولوا بقولكم فإنما تشقيق الكلام من الشيطان)
وقال أحمد: في رواية الشاميين عن زهير مناكير، أما رواية أصحابنا عنه فمستقيمة، عن عبدالرحمن وأبي عامر وأبو عامر بصري
وقريب من ذلك كلام للبخاري
وكذلك نقل محققو المسند أن رواية عبدالملك عنه مستقيمة
وقال ابن حجر أن زهير محتج به خلافا لمن ضعفه مطلقا ونقل أن صاحب الميزان تعقب ابن عبدالبر في تضعيفه مطلقا ثم ذكر كلام الأئمة في خطأ أهل الشام ونقل كلام أحمد وذكر أن البخاري أخرج له حديثا واحد في كتاب المرض من طريق عبدالملك بن عمرو حدثنا زهير بن محمد عن محمد بن عمرو عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد وعن أبي هريرة حديث (ما يصيب المسلم من نصب الحديث. وقد تابعه الوليد بن كثير عند مسلم ذكر له حديث آخر عند البخاري بنفس الإسناد وتابعه عليه حفص بن ميسرة .. راجع هدى الساري
———‘——-
قوله: و أن من البيان لسحرا.
هناك من البيان فيه من إثبات الحق وإبطال الباطل و هذا محمود، و المذموم ما فيه تصويب الباطل و تأثر السامعين به، فيصرف القلوب إلى الباطل من فصاحته و بلاغته، تجد دعاة يصرفون الناس عن الحق بسبب بلاغتهم و فصاحتهم، فوصف الله المنافقين أنهم أهل فصاحة كما قال تعالى (و إن يقولوا تسمع لقولهم)، و تجد دعاة الى الله ليسوا فصحاء و لا عندهم بلاغة و لكنهم يدعون الناس الى الحق فهؤلاء يقدمون على دعاة الباطل و إن كانوا أهل فصاحة و بلاغة؛ لأن العبرة هو اتباع الحق و ترك الباطل و عدم الإغترار بهم و لا بكثرتهم و لا بفصاحتهم.
قال الإمام أبو عمرو الأوزاعي -رحمه الله تعالى وغفر له -:
((عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس، وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوه لك بالقول))
قال الشيخ مقبل الوادعي رحمة الله:
(فإذا كان الميزان عندك الكثرة، فالكثرة مذمومة، وإذا كان الميزان عندك البلاغة والفصاحة في الخطابة، فاللهُ قد وصف المنافقين بأنهم من ذوي الألسنة الحداد ويقول (وإن يقولوا تسمع لقولهم)
فالمعتبر هو معرفةُ أهل الحق بصفاتهم، وأنهم يدعون إلى كتاب الله وإلى سنة رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم –
لا يريدون من الناس جزاء ولا شكورا.
قمع المعاند: (2/ 547 – 552)
و اختلف أهل العلم على قولين و أشهرهما: منهم من قال خرج مخرج للبلاغة و الفصاحة و لهذا شبه بالسحر، و منهم من قال خرج مخرج المدح للبلاغة و الفصاحة
قال ابن عبد البر في التمهيد ((5) / (174)):
وَأَصْلُ لَفْظَةِ السِّحْرِ عِنْدَ الْعَرَبِ الِاسْتِمَالَةُ وَكُلُّ مَنِ اسْتَمَالَكَ فَقَدْ سَحَرَكَ وَقَدْ ذَهَبَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلًا سَائِرًا فِي النَّاسِ إِذَا سَمِعُوا كَلَامًا يُعْجِبُهُمْ قَالُوا إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا وَيَقُولُونَ فِي مِثْلِ هَذَا أَيْضًا هَذَا السِّحْرُ الْحَلَّالُ وَنَحْوَ ذَلِكَ قَدْ صَارَ هَذَا مَثَلًا أَيْضًا وَرُوِيَ أَنَّ سَائِلًا سَأَلَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَاجَةً بِكَلَامٍ أَعْجَبَهُ فَقَالَ عُمَرُ هَذَا وَاللَّهِ السِّحْرُ الْحَلَّالُ.
و قال أيضا ((5) / (176)): وَإِنَّمَا يَحْمَدُ الْعُلَمَاءُ الْبَلَاغَةَ وَاللِّسَانَةَ مَا لَمْ يَخْرُجْ إِلَى حَدِّ الْإِسْهَابِ وَالْإِطْنَابِ وَالتَّفَيْهُقِ فَقَدْ رُوِيَ فِي الثَّرْثَارِينِ الْمُتَفَيْهِقِينَ أَنَّهُمْ أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَهَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ إِذَا كَانَ مِمَّنْ يُحَاوِلُ تَزْيِينَ الْبَاطِلِ وَتَحْسِينَهُ بِلَفْظِهِ وَيُرِيدُ إِقَامَتَهُ فِي صُورَةِ الْحَقِّ فَهَذَا هُوَ الْمَكْرُوهُ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ التَّغْلِيظُ وَأَمَّا قَوْلُ الْحَقِّ فَحَسَنٌ جَمِيلٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ كَانَ فِيهِ إِطْنَابٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ إِذَا لَمْ يَتَجَاوَزِ الْحَقَّ وَإِنْ كُنْتُ أَحِبُّ أَوْسَاطَ الْأُمُورِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَعْدَلُهَا.
و قال القرطبي في تفسيره: الْخَامِسَةُ سَمَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَصَاحَةَ فِي الْكَلَامِ وَاللِّسَانَةَ فِيهِ سِحْرًا، فَقَالَ: (إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا) أَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ. وَذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ تَصْوِيبُ الْبَاطِلِ حَتَّى يَتَوَهَّمَ السَّامِعُ أَنَّهُ حَقٌّ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا) خَرَجَ مَخْرَجَ الذَّمِّ لِلْبَلَاغَةِ وَالْفَصَاحَةِ، إِذْ شَبَّهَهَا بِالسِّحْرِ. وَقِيلَ: خَرَجَ مَخْرَجَ الْمَدْحِ لِلْبَلَاغَةِ وَالتَّفْضِيلِ للبيان، قاله جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ)، وَقَوْلُهُ: (إِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ الثَّرْثَارُونَ الْمُتَفَيْهِقُونَ). الثَّرْثَرَةُ: كَثْرَةُ الْكَلَامِ وَتَرْدِيدُهُ، يُقَالُ: ثَرْثَرَ الرَّجُلُ فَهُوَ ثَرْثَارٌ مِهْذَارٌ. وَالْمُتَفَيْهِقُ نَحْوُهُ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ. فُلَانٌ يَتَفَيْهَقُ فِي كَلَامِهِ إِذَا تَوَسَّعَ فِيهِ وَتَنَطَّعَ، قَالَ: وَأَصْلُهُ الْفَهْقُ وَهُوَ الِامْتِلَاءُ، كَأَنَّهُ مَلَأَ بِهِ فَمَهُ.
قُلْتُ: وَبِهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَسَّرَهُ عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ رَاوِي الْحَدِيثِ وَصَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ فَقَالَا: أَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا) فَالرَّجُلُ يَكُونُ عَلَيْهِ الْحَقُّ وَهُوَ أَلْحَنُ بِالْحُجَجِ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ فَيَسْحَرُ الْقَوْمَ بِبَيَانِهِ فَيَذْهَبُ بِالْحَقِّ وَهُوَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَحْمَدُ الْعُلَمَاءُ الْبَلَاغَةَ وَاللِّسَانَةَ مَا لَمْ تَخْرُجْ إِلَى حَدِّ الْإِسْهَابِ وَالْإِطْنَابِ، وَتَصْوِيرِ الْبَاطِلِ فِي صُورَةِ الْحَقِّ. وَهَذَا بَيِّنٌ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.
و قال الجصاص: فَالرَّجُلُ يَكُونُ عَلَيْهِ الْحَقُّ وَهُوَ أَلْحَنُ بِالْحُجَجِ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ فَيَسْحَرُ الْقَوْمَ بِبَيَانِهِ فَيَذْهَبُ بِالْحَقِّ. ” أحكام القرآن الكريم” ((1) / (50)).
و قال ايضا:
مُمَوَّهٍ قَدْ قُصِدَ بِهِ الْخَدِيعَةُ وَالتَّلْبِيسُ وَإِظْهَارُ مَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ وَلَا ثَبَاتَ.
و قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري ((9) / (448)):
فهو سحر على معنى التشبيه لا أنه السحر الذى هو الباطل الحرام، والله أعلم. اه
قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى: وَالْمَقْصُودُ ببيان الْكَلَامِ حُصُولُ الْبَيَانِ لِقَلْبِ الْمُسْتَمِعِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ الشَّيْءُ وَيَسْتَبِينَ. اه
قوله: (إن من البيان). (إن): حرف توكيد، ينصب الاسم ويرفع الخبر، و (من): يحتمل أن تكون للتبعيض، ويحتمل أن تكون لبيان الجنس، فعلى الأول يكون المعنى: إن بعض البيان سحر وبعضه ليس بسحر، وعلى الثاني يكون المعنى: إن جنس البيان كله سحر.
قوله: (لسحرا). اللام للتوكيد، و (سحرا): اسم إن.
والبيان نوعان.
الأول: بيان لا بد منه، وهذا يشترك فيه جميع الناس، فكل إنسان إذا جاع قال: إني جعت، وإذا عطش قال: إني عطشت، وهكذا.
الثاني: بيان بمعنى الفصاحة التامة التي تسبي العقول وتغير الأفكار، وهي التي قال فيها الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن من البيان لسحرا».
وعلى هذا التقسيم تكون (من) للتبعيض، أي: بعض البيان -وهو البيان الكامل الذي هو الفصاحة- سحر.
أما إذا جعلنا البيان بمعنى الفصاحة فقط، صارت (من) لبيان الجنس.
ووجه كون البيان سحرا: أنه يأخذ بلب السامع، فيصرفه أو يعطفه، فيظن السامع أن الباطل حق لقوة تأثير المتكلم، فينصرف إليه، ولهذا إذا أتى إنسان يتكلم بكلام معناه باطل، لكن لقوة فصاحته وبيانه يسحر السامع حقا، فينصرف إليه، وإذا تكلم إنسان بليغ يحذر من حق، ولفصاحته وبيانه يظن السامع أن هذا الحق باطل، فينصرف عنه، وهذا من جنس السحر الذي يسمونه العطف والصرف، والبيان يحصل به عطف وصرف، فالبيان في الحقيقة بمعنى الفصاحة، ولا شك أنها تفعل فعل السحر، وابن القيم يقول عن الحور: حديثها السحر الحلال.
وقوله: (إن من البيان لسحرا)، وهل هذا على سبيل الذم، أو على سبيل المدح، أو لبيان الواقع ثم ينظر إلى أثره؟
الجواب: الأخير هو المراد، فالبيان من حيث هو بيان لا يمدح عليه ولا يذم، ولكن ينظر إلى أثره، والمقصود منه، فإن كان المقصود منه رد الحق وإثبات الباطل، فهو مذموم؛ لأنه استعمال لنعمة الله في معصيته، وإن كان المقصود منه إثبات الحق وإبطال الباطل، فهو ممدوح، وإذا كان البيان يستعمل في طاعة الله وفي الدعوة إلى الله، فهو خير من العي، لكن إذا ابتلي الإنسان ببيان ليصد الناس عن دين الله، فهذا لا خير فيه، والعي خير منه، والبيان من حيث هو لا شك أنه نعمة، ولهذا امتن الله به على الإنسان، فقال تعالى: {عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن: 4]. مجموع فتاوى ورسائل العثيمين ((9) / (526) – (528)).
قال الشيخ صالح آل الشيخ: والبيان ليس سحرا فيه استعانة بالشياطين، ولكنه داخل في حقيقة السحر اللغوية؛ لأن له تأثيرا خفيا على القلوب، فإن الرجل البليغ البيان، وذا الإيضاح، وذا اللسان الفصيح يؤثر في القلوب حتى يسبيها، وربما قلب الحق باطلا والباطل حقا ببيانه، فسمي سحرا لخفاء وصوله إلى القلوب وقلب الرأي وفهم المخاطب من شيء إلى آخر. ” التمهيد” ص (307).