29 مشكل الحديث 29
ومشاركة نورس الهاشمي وأحمد بن علي وعبدالله البلوشي:
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي وسيف بن غدير النعيمي
———
[ومن كتاب الصلاة]
مشكل الحديث رقم: {29}
يشكل قوله صلى الله عليه وسلم ”
(اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا)
(متفق عليه)
مع ما جاء من دفن النبي ? وصاحبيه أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما في حجرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
——–
*جواب نورس الهاشمي:*
لا يوجد تعارض بين الحديثين؛ لأن عائشة رضي الله عنها كانت تصلي في مكان بعيد عّن القبور و هناك جدار بينها و بين قبر النبي ووزيريه رضي الله عنهم، فالبيت الذي لا يصلى فيه و ليس فيه ذكر الله شبهه بالميت، و مثل الذي يذكر ربه و لا يذكر ربه كمثل الحي و الميت، و فيه لا يجوز الدفن في البيوت، و ان المقصود [اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم] قال الجمهور هي صلاة النافلة التي تصلى في البيوت و من أداها في البيت فهو بعيد عّن الرياء، لأن صلاة الفريضة تصلى في المساجد الا من حبسه العذر، و الله اعلم.
حدثنا أبو بكر بن إسحاق، أنبأنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا أبو القاسم بن أبي الزناد، أخبرني هشام بن سعد، عن عمرو بن عثمان بن هانئ، عن القاسم بن محمد قال: «أطلعت في القبر – قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر – من حجرة عائشة رضي الله عنها فرأيت عليها حصباء حمراء». المستدرك على الصحيحين للحاكم – (10/ 316)
و الشاهد [أطلعت في القبر] يدل أن من دخل حجرة عائشة رضي عنها و عّن ابيها لم يجد القبر و ان هناك حاجز
قال ابن تيمية كما في المجموع ((27) / (399)): مع أن قبره من حين دفن لم يمَكَّن أحد من الدخول إليه لا لزيارة ولا لصلاة ولا لدعاء ولا غير ذلك. ولكن كانت عائشة فيه لأنه بيتها. وكانت ناحية عن القبور؛ لأن القبور في مقدم الحجرة وكانت هي في مؤخر الحجرة. ولم يكن الصحابة يدخلون إلى هناك. وكانت الحجرة على عهد الصحابة خارجة عن المسجد متصلة به وإنما أدخلت فيه في خلافة الوليد بن عبد الملك بن مروان بعد موت العبادلة: ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وابن عمرو بل بعد موت جميع الصحابة الذين كانوا بالمدينة فإن آخر من مات بها جابر بن عبد الله.
قال الشيخ صالح آل الشيخ: وقد قبل الصحابة – رضوان الله عليهم – وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعملوا بها، فدفنوه في مكانه الذي قبض فيه، في حجرة عائشة، وكانت – رضي الله عنها – قد أقامت جدارا بينها وبين القبور، فكانت غرفة عائشة فيها قسمان قسم فيه القبر، وقسم هي فيه.
وكذلك لما توفي أبو بكر رضي الله عنه، ودفن
بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهة الشمال، كانت أيضا في ذلك الجزء من الحجرة، ولما دفن عمر – رضي الله عنه – تركت الحجرة رضي الله عنها، ثم أغلقت الحجرة، فلم يكن ثم باب فيها يدخل منه إليها، وإنما كانت فيها نافذة صغيرة، ولم تكن الغرفة كما هو معلوم مبنية من حجر، ولا من بناء مجصص، وإنما كانت من البناء الذي كان في عهده عليه الصلاة والسلام؛ من خشب ونحو ذلك. ” التمهيد” (ص (260))
——–
*جواب أحمد بن علي:*
سماحة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين
السؤال:
كيف نجيب عُبَّاد القبور الذين يحتجون بدفن النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد النبوي؟
الجواب:
الجواب عن ذلك من وجوه:
الوجه الأول: أن المسجد لم يبن على القبر؛ بل بني في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
الوجه الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدفن في المسجد حتى يقال: إن هذا من دفن الصالحين في المسجد؛ بل دفن صلى الله عليه وسلم في بيته.
الوجه الثالث: أن إدخال بيوت الرسول صلى الله عليه وسلم – ومنها بيت عائشة رضي الله عنها مع المسجد – ليس باتفاق الصحابة؛ بل بعد أن انقرض أكثرهم، وذلك في عام أربعة وتسعين هجرية تقريباً، فليس مما أجازه الصحابة؛ بل إن بعضهم خالف في ذلك، وممن خالف أيضاً: سعيد بن المسيب، من التابعين.
الوجه الرابع: أن القبر ليس في المسجد حتى بعد إدخاله؛ لأنه في حجرة مستقلة عن المسجد فليس المسجد مبنياً عليه، ولهذا جعل هذا المكان محفوظاً ومحوطاً بثلاثة جدران، وجعل الجدار في زاوية منحرفة عن القبلة أي أنه مثلث، والركن في الزاوية الشمالية حيث لا يستقبله الإنسان إذا صلى؛ لأنه منحرف، وبهذا يبطل احتجاج أهل القبور بهذه الشبهة.
مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين 304/ 17
1. قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:
” هنا شبهة يشبه بها عُبَّاد القبور، وهي: وجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده، والجواب عن ذلك: أن الصحابة رضي الله عنهم لم يدفنوه في مسجده، وإنما دفنوه في بيت عائشة رضي الله عنها، فلما وَسَّعَ الوليد بن عبد الملك مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في آخر القرن الأول أدخل الحجرة في المسجد، وقد أساء في ذلك، وأنكر عليه بعض أهل العلم، ولكنه اعتقد أن ذلك لا بأس به من أجل التوسعة.
فلا يجوز لمسلم أن يحتج بذلك على بناء المساجد على القبور، أو الدفن في المساجد؛ لأن ذلك مخالف للأحاديث الصحيحة؛ ولأن ذلك أيضا من وسائل الشرك بأصحاب القبور ” انتهى. “مجموع فتاوى الشيخ ابن باز” (5/ 388، 389).
2. سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن حكم الصلاة في مسجد فيه قبر؟
فأجاب:
” الصلاة في مسجد فيه قبر على نوعين:
الأول: أن يكون القبر سابقاً على المسجد، بحيث يبنى المسجد على القبر، فالواجب هجر هذا المسجد وعدم الصلاة فيه، وعلى من بناه أن يهدمه، فإن لم يفعل وجب على ولي أمر المسلمين أن يهدمه.
والنوع الثاني: أن يكون المسجد سابقاً على القبر، بحيث يدفن الميت فيه بعد بناء المسجد، فالواجب نبش القبر، وإخراج الميت منه، ودفنه مع الناس ….
“مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين” (12/السؤال رقم 292).
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:
فإن قيل: فما قصة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فإنا نراه الآن في مسجده صلى الله عليه وسلم؟ قلت: الجواب في شرح مسلم للنوي حيث قال:
(قال العلماء: إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ قبره وقبر غيره مسجدا خوفا من المبالغة في التعظيم والافتتان به فربما أدى ذلك إلى الكفر كما جرى لكثير من الأمم الخالية ولما احتاجت الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين والتابعون إلى الزيادة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم – حين كثر المسلمون وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه ومنها حجرة عائشة رضي الله عنها مدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما – بنو على القبر حيطانا مرتفعة مستديرة حوله لئلا يظهر في المسجد فيصلي إليه العوام ويؤدي إلالمحذور ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفوهما حتى التقيا حتى لا يتمكن أحد من استقبال القبر ولهذا قالت في الحديث:
(ولولا ذلك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا)
وفي ذكره الصحابة في هذه القصة نظر وإن تبعه على ذلك العيني في (العمدة) فإن ذلك لم يقع بحضور أي صحابي فقد قال ابن عبد الهادي في (الصارم المنكي):
(وكان على عهد الخلفاء الراشدين والصحابة حجرته خارجة عن المسجد ولم يكن بينهم وبينه إلا الجدار ثم إنه إنما أدخلت الحجرة في المسجد في خلافة الوليد بن عبد الملك بعد موت عامة الصحابة الذين كانوا بالمدينة وكان من آخرهم موتا جابر بن عبد الله وتوفي في خلافة عبد الملك فإنه توفي سنة ثمان وسبعين والوليد تولى سنة ست وثمانين وتوفي سنة ست وتسعين فكان بناء المسجد وإدخال الحجرة فيه فيما بين ذلك. وقد ذكر أبو زيد عمر بن شبة النميري في كتاب (أخبار المدينة) – مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم – عن أشياخه وعمن حدثوا عنه: أن عمر بن عبدالعزيز لما كان نائبا للوليد على المدينة في سنة إحدى وتسعين هدم المسجد وبناه بالحجارة المنقوشة وعمل سقفه بالساج وماء الذهب وهدم حجرات أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فأدخلها في المسجد وأدخل القبر فيه)
ثم ذكر ابن عبد الهادي عن شيخ الإسلام ابن تيمية:
(أن المسجد لما زاد فيه الوليد وأدخلت فيه الحجرة كان قد مات عامة الصحابة ولم يبق إلا من أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبلغ سن التمييز الذي يؤمر فيه بالطهارة والصلاة ومن المعلوم بالتواتر أن ذلك كان في خلافة الوليد بن عبد الملك وقد ذكروا أن ذلك كان سنة إحدى وتسعين وأن عمر بن عبد العزيز مكث في بنائه ثلاث سنين وسنة ثلاث وتسعين مات فيها خلق كثير من التابعين مثل سعيد بن المسيب وغيره من الفقهاء السبعة ويقال لها: سنة الفقهاء)
وبالجملة فإنما أدخلوا قبر الرسول عليه الصلاة والسلام إلى مسجده لحاجة توسيعه والظاهر أنهم لم يجدوا فسحة من الجهات الأخرى ليزيدوا منها إلى المسجد وقد كان عمر وعثمان رضي الله عنهما قد زادا فيه من جهة القبلة فاضطروا إلى أخذ الزيادة من جهة الحجرات فصار بذلك قبره في المسجد الشريف ولكنهم – مع حاجتهم إلى هذا العمل – قد احتاطوا للأمر حيث فصلوا القبر عن المسجد فصلا تاما بالجدر المرفوعة حسما للمحذور كما سبق ذكره عن النووي والله تعالى أعلم
تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد
قال البسام في شرح عمدة الأحكام:
الحديث الرابع
عن عَائشة رَضي الله عَنْهَا قالت قَالَ رَسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه:
” لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد”.
قالت: ولولا ذلك لأبرز قبره. غير أنه خُشي أن يُتَّخذ مسجداً.
المعنى الإجمالي:
كانت عائشة رضي الله عنها، هي التي مَرَّضت النبي صلى الله عليه وسلم، مرضه الذي توفى فيه، وهى الحاضرة وقت قبض روحه الكريم.
فذكرت أنه في هذا المرض الذي لم يقم منه، خشي أن يتخذ قبره مسجداً، يصلى عنده، فتجر الحال إلى عبادته من دون الله تعالى. فقال:
” لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد”، يحذر من عملهم.
ولذا علم الصحابة رضي الله عنهم مراده، فجعلوه في داخل حجرة عائشة.
ولم ينقل عنهم، ولا عن من بعدهم من السلف، أنهم قصدوا قبره الشريف ليدخلوا إليه فيصلوا ويدعوا عنده.
حتى إذا تبدلت السنة بالبدعة، وصارت الرحلة إلى القبور، حفظ الله نبيه مما يكره أن يفعل عند قبره، فصانه بثلاثة حجب متينة، لا يتسنى لأي مبتدع أن ينفذ خلالها.
ما يؤخذ من الحديث:
1 – النهي الأكيد، والتحريم الشديد، من اتخاذ القبور مساجد، وقصد الصلاة عندها. قال الصنعاني رحمه الله تعالى: إن ذلك ذريعة إلى تعظيم الميت والطواف بقبره والتمسح بأركانه والنداء باسمه، وهذه بدعة عظيمة عمت الدنيا وعبد الناس القبور وعظموها بالمشاهد والقباب، وزادوا على فعل الجاهلية فأسرجوها وجعلوا لها نصيبا من أموالهم؟ كما قال تعالى: {ويجعلون لمالا يعلمون نصيبا مما رزقناهم}.
وذكر أنه قد وردت بعض الأحاديث التي تدل على أن قبر الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعل به السلف شيئا من هذا القبيل فقد أخرج أبو داود عن القاسم بن محمد أنه دخل على عائشة فكشفت له عن ثلاثة قبور ” لا مشرفة ولا لاطئة ” أي قبره وقبر صاجيه، وذكر الصنعاني أن ذلك غير جائز سواء أكان القبر في قبلة المسجد أم غيرها.
2 – أن هذا من فعل اليهود والنصارى، فمن فعله فقد اقتفى أثرهم، وترك سنة محمد عليه الصلاة والسلام.
3 – أن الصلاة عند القبر، سواء كانت بمسجد أو بغير مسجد، من وسائل الشرك الأكبر.
4 – أن الله تعالى صان نبيه عليه الصلاة والسلام عن أن يُعْمَلَ الشرك عنده، فألهم أصحابه ومن بعدهم، أن يصونوه.
5 – أن هذا من وصاياه الأخيرة التي أعدها لآخر أيامه لتحفظ. اهـ
——————
*جواب عبدالله البلوشي أبوصالح*
*أولاً: مقدمة*
لسنا بصدد الحديث عن الفوائد المستنبطة من الحديث، حيث تكلم الإخوة عليها في التعليق على صحيح البخاري، لكن نكتفي بالنقل حول موضع الشاهد منه (لا تتخذوها قبوراً)، حيث أن موضع البحث يدور حول دلالة الحديث على منع الدفن في البيوت ومع حصل من دفن النبي -صلى الله عليه وسلم- وصاحبيه -رضي الله عنهما-.
————-
*ثانيا: خبر دفن النبي – صلى الله عليه وسلم – وصاحبيه رضي الله عنهما في بيته:*
(1). دفن الرسول – صلى الله عليه وسلم:
قال الألباني رحمه الله في مختصر الشمائل المحمدية:
لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ اخْتَلَفُوا فِي دَفْنِهِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْتُ مِنْ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ شَيْئًا مَا نَسِيتُهُ قَالَ:
“مَا قَبَضَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُدْفَنَ فِيهِ”
ادْفِنُوهُ فِي مَوْضِعِ فِرَاشِهِ
صحيح
(2). ورد أثر ضعيف أن أبابكر رضي الله عنه أوصى بدفنه بجانب النبي -صلى الله عليه وسلم-.
(3). ترجم البخاري في صحيحه: باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر رضي الله عنهما
ثم أورد أحاديث منها حديث عمرو بن ميمون الطويل الذي فيه:
– قصة طعن عمر رضي الله عنه،
– واستئذانه عائشة رضي الله عنه أن يدفن مع صاحبيها، وإذنها بذلك.
————
*ثالثا: الاستدلال بالحديث على منع دفن الموتى في البيوت:*
* (1). انظر بحث الأخ نورس الآتي، فقد أورد:*
– كلام الذهبي في الاستدلال بمنع الدفن في البيوت.
– اعتراض الخطابي على الاستدلال بالحديث على منع الدفن وجواب الحافظ ابن حجر على هذا الاعتراض.
* (2). قال ابن رجب رحمه الله في فتح الباري:*
وقد قال بعضهم في قول” ولا تتخذوها قبورا” أنه نهى عن الدفن في البيوت، وهذا بعيد جداً.
قال الخطابي: لا معنى لقول من تأوله على النهى عن دفن الموتى في البيوت، فقد دفن النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – في بيته الذي كان يسكنه.
وأكثر العلماء على جواز الدفن في البيوت، ووصى يزيد بن عبد الله بن الشخير أن يدفن في داره، فدفن فيها، وشهد الحسن جنازته، ولم ينكر ذلك أحد.
قال أحمد: لا بأس أن يشتري الرجل موضع قبره، ويوصي أن يدفن فيه إذا مات، قد فعل ذلك عثمان بن عفان وعائشة وعمر بن عبد العزيز – رضي الله عنهم.
وقال – أيضا -: ما أحب أن يدفن في بيته، يدفن في المقابر مع المسلمين.
وقال فيمن وصى أن يدفن في داره: يدفن في المقابر مع المسلمين.
وإن دفن في داره أضر بالورثة، والمقابر مع المسلمين أعجب إلي.
وتأوله بعض أصحابنا على أنه نقص من قيمة الدار بدفنه فيها أكثر من مقدار ثلث مال الموصي.
انتهى كلام ابن رجب
————
*رابعا: الخلاصة*
من نعم الله عز وجل على الأمة المحمدية أن جعل لها الأرض مسجداً وطهوراً، ولا شك في أن دفن الموتى في البيوت يترتب عليه أضرار كثيرة، تجعل الحكم أقرب للتحريم منه للكراهة، من هذه المفاسد:
– … مخالفة ظاهر الأحاديث النبوية التي تنهى عن اتخاذ البيوت مقابر وقبوراً.
– … مخالفة ولي الأمر، حيث أن الأنظمة حالياً تقضي بدفن الموتى في المقابر.
– … تضرر أصحاب الدور بتضييقها عليهم، وعدم تمكينهم من الصلاة فيها لوجود القبور.
– … الذريعة إلى الغلو في الموتى والاستغاثة والتوسل بهم والتعلق بهم وسؤالهم.
– … الذريعة إلى البناء على القبور.
أما ما حصل من دفن النبي – صلى الله عليه وسلم – في حجرة أم المؤمنين – رضي الله عنه- فقد مر حديث أبي بكر رضي الله عنه بخصوصية دفن الأنبياء في مواضع وفاتهم،
ودفن أبوبكر الصديق -رضي الله عنه-، يمكن أن نقول الحجرة حجرة عائشة ابنته -رضي الله عنهما- وقدم مر كلام ابن رجب -رحمه الله- في هذه المسألة أي جواز دفن الرجل في بيته (والولد وماله لأبيه) ويمكن توجيهه أنه اذا امتنعت المفاسد التي ذكرناها آنفاً.
ودفن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يوجه بنفس التوجيه، إلا أنه استأذن عائشة -رضي الله عنها- لأنه ليس له حق في الحجرة، وهي صاحبة الشأن.
*والله تعالى أعلم*
———–
*بحث لنورس:*
[تنبيه المسلمين الكرام بعدم جواز الدفن في البيوت و العمران]
الحمدلله و الصلاة و السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما بعد:
(1) – قال الذهبي في سيرأعلام النبلاء 8/ 29 (وقد أوردته هنا لِتَعُمَّ الفائدة):
قال قتيبة حدثنا ابن لَهيعه , عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تجعلوها عليكم قبوراً , كما اتخذت اليهود والنصارى في بيوتهم قبوراً وإن البيت ليتلى فيه القرآن فيتراءى لأهل السماء كما تتراءى النجوم لأهل الأرض).
– قال الذهبي – هذا حديث نظيف الإسناد , حسن المتن , فيه النهي عن الدفن في البيوت وله شاهد من طريق آخر , وقد نهى عليه السلام أن يُبنى على القبور ولو اندفن الناس في بيوتهم , لصارت المقبرة و البيوت شيئاً واحداً , والصلاة في المقبرة منهيٌّ عنها نهي كراهية أو نهي تحريم , وقد قال عليه السلام (أفضل صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبه) فناسب ذلك ألا تتخذ المساكن قبوراً.
وأما دفنه في بيت عائشة صلوات الله عليه وسلامه فمختص به ,كما خص ببسط قطيفة تحته في لحده , وكما خُصَّ بأن صلوا عليه فرادى بلا إمام , فكان إمامهم حياً و ميتاً في الدنيا والآخرة , وكما خص بتأخير دفنه يومين , ويكره تأخير أمته , لأنه هو أُمِنَ عليه التَّغَيُّر بخلافنا , ثم إنهم أخروه حتى صلَّوا كلُّهم عليه داخل بيته , فطال لذلك الأمر , ولأنهم ترددوا شطر اليوم الأول في موته حتى قدم أبو بكر من السُّنح , فهذا كان سبب التأخير. اهـ
(2) – قال الحافظ ابن حجر في الفتح (ج (1) / (530)): وقد استنبط البخاري الكراهة من قوله صلى الله عليه وسلم (اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ولا تتخذوها قبوراً) أورده في باب كراهية الصلاة في المقابر , من حديث ابن عمر , فقال الحافظ ((ولفظ حديث أبي هريرة عند مسلم أصرح من حديث الباب, وهو قوله صلى الله عليه وسلم لا تجعلوا بيوتكم مقابر))) فإن ظاهره يقتضي النهي عن الدفن في البيوت مطلقاً. اهـ
(3) – قال الشوكاني: قال الخطابي: وأما من تأوله على النهي عن دفن الموتى في البيوت فليس بشيء، فقد دفن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في بيته الذي كان يسكنه أيام حياته وتعقبه الكرماني بأن قال: لعل ذلك من خصائصه. وقد روي أن الأنبياء يدفنون حيث يموتون كما روى ذلك ابن ماجه بإسناد فيه حسين بن عبد الله الهاشمي وهو ضعيف، وله طريق أخرى مرسلة. قال الحافظ: فإذا حمل دفنه في بيته على الاختصاص لم يبعد نهي غيره عن ذلك، بل هو متجه لأن استمرار الدفن في البيوت ربما صيرها مقابر، فتصير الصلاة فيها مكروهة. (نيل الأوطار) (ج (2) / (158))
(4) – قال المناوي في فيض القدير (ج (4) / (199) برقم (5016)): ومعناه النهي عن الدفن في البيوت وإنما دفن المصطفى صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة مخافة اتخاذ قبره مسجدا ذكره القاضي.
(5) – قال ابن قدامة المقدسي في “المغني” ((2) / (388)): “والدفن في مقابر المسلمين أعجب إلى أبي عبد الله من الدفن في البيوت؛ لأنه أقل ضررا على الأحياء من ورثته، وأشبه بمساكن الآخرة، وأكثر للدعاء له والترحم عليه، ولم يزل الصحابة والتابعون ومن بعدهم يقبرون في الصحارى.
فإن قيل: فالنبي – صلى الله عليه وسلم – قبر في بيته وقبر صاحباه معه؟ قلنا: قالت عائشة: إنما فعل ذلك لئلا يتخذ قبره مسجدا: رواه البخاري. ولأن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يدفن أصحابه بالبقيع، وفعله أولى من فعل غيره، وإنما رأوا تخصيصه بذلك، ولأنه روي: “يدفن الأنبياء حيث يموتون”، وصيانة لهم عن كثرة الطراق، وتمييزا له عن غيره”.
(6) – ما المراد بقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تجعلوا بيوتكم قبورًا؟
الإجابة
اختلف في المعنى المراد بقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تجعلوا بيوتكم قبورًا على قولين؛ القول الأول: أن المعنى لا تدفنوا فيها موتاكم وهذا ظاهر اللفظ، ولكنه أورد على ذلك دفن النبي صلى الله عليه وسلم في بيته. وأجيب بأنه من خصائصه. القول الثاني: أن المعنى لا تجعلوا البيوت مثل المقابر لا تصلون فيها؛ لأنه من المتقرر عندهم أن المقابر لا يصلى فيها، ويؤيده ما جاء في بعض الطرق: اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تجعلوها قبورًا. وكلا المعنيين صحيح فإن الدفن في البيوت وسيلة إلى الشرك، ولأن العادة المتبعة من عهد النبي، صلى الله عليه وسلم إلى يومنا أن الدفن مع المسلمين ولأنه يضيق على الورثة وربما يستوحشون منه، وقد يحدث عنه من الأفعال المحرمة ما يتنافى مع مقصود الشارع وهو تذكير الآخرة. وفي هذا الحديث دليل على أن المقابر ليست محلاً للصلاة؛ لأن اتخاذ المقابر مكانًا للصلاة سبب للشرك. والحديث يدل أيضًا على أن الأفضل أن المرء يجعل من صلاته في بيته، وذلك جميع النوافل لقوله صلى الله عليه وسلم: أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة إلا ما ورد في الشرع أن يفعل في المسجد مثل صلاة الكسوف، وقيام الليل في رمضان، حتى ولو كانت في مكة أو المدينة فإن صلاة النافلة في بيتك أفضل لعموم الحديث، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك وهو في المدينة.
(مجموع فتاوى الشيخ العثيمين) (ج (2) ص (236)).
(7) – قال الشيخ الألباني رحمه الله في كتابه (تحذير الساجد):
– عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه:
(لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)
قالت: (فلولا ذاك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا)
أي كشف قبره صلى الله عليه وسلم ولم يتخذ عليه الحائل , والمراد دفن خارج بيته كذا في ” فتح الباري ”
فائدة: قول عائشة هذا يدل دلالة واضحة على السبب الذي من أجله دفنوا النبي صلى الله عليه وسلم في بيته , ألا وهو سد الطريق على من عسى أن يبني عليه مسجدا, فلا يجوز والحالة هذه أن يتخذ ذلك حجة في دفن غيره صلى الله عليه وسلم في البيت
يؤيد ذلك أنه خلاف الأصل , لأن السنة الدفن في المقابر, ولهذا قال ابن عروة في ” الكواكب الدراري ” (ق 188/ 1 تفسير 548):
والدفن في مقابر المسلمين أعجب إلى أبي عبد الله (يعني الإمام أحمد) من الدفن في البيوت , لأنه أقل ضررا على الأحياء من ورثته وأشبه بمساكن الآخرة وأكثر للدعاء له والترحم عليه , ولم يزل الصحابه والتابعون ومن بعدهم يقبرون في الصحارى
فإن قيل: فالنبي صلى الله عليه وسلم قبر في بيته وقبر صاحباه معه؟ قلنا: قالت عائشة: إنما فعل ذلك لئلا يتخذ قبره مسجدا, ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدفن أصحابه بالبقيع وفعله أولى من فعل غيره
وإنما أصحابه رأوا تخصيصه بذلك , ولأنه روي:
يدفن الأنبياء حيث يموتون ” وصيانة لهم عن كثرة الطراق تمييزا له عن غيره ”
(8) – حكم الصلاة في البيوت المبنية على المقابر؟ للشيخ العباد حفظه الله:
السؤال: بعض البلدان القبور فيها كالبيوت، فتوجد بها غرف وأماكن للمعيشة في حوش البيت، وتوجد مقبرة، ويعيش الناس في هذه البيوت التي فيها المقابر، فهل تأخذ الحكم في كراهية الصلاة فيها؟ مع العلم أن القبر يكون أحياناً تحت غرفة المعيشة، وأحياناً يكون في مؤخرة أماكن المعيشة؟
نص الإجابة:
القبور لا يجوز أن تكون في البيوت، ولا يجوز دفن الموتى في البيوت وفي البنيان، ورسول الله صلى الله عليه وسلم دفن في منزله وفي بيته؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أخبر أصحابه أن الأنبياء يدفنون حيث يموتون، فدفنوه في المكان الذي مات فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام وإلا فإن الأموات لا يدفنون في البيوت وإنما يدفنون في المقابر، والمقابر تختلف عن البيوت، فالبيوت محل للصلاة والمقابر ليست محلاً للصلاة.
والواجب هو عدم دفن الموتى في البيوت، وإذا دفن الميت والبيت موجود من قبل فعلى الإنسان أنه ينقله أو يخرجه ويضعه في مقابر المسلمين، وقد ثبت منع البناء عن القبور سواء كانت مساجد أو غير مساجد.