29 – بَابُ مِنْ فَضَائِلِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ
134 – (2475) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، ح وحَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ بَيانٍ، قَالَ: سَمِعْتُ قَيْسَ بْنَ أَبِي حَازِمٍ، يَقُولُ: قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ «مَا حَجَبَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ أَسْلَمْتُ وَلَا رَآنِي إِلَّا ضَحِكَ»
135 – (2475) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، وَأَبُو أُسَامَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: مَا حَجَبَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلَا رَآنِي إِلَّا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي. زَادَ ابْنُ نُمَيْرٍ، فِي حَدِيثِهِ عَنِ ابْنِ إِدْرِيسَ: وَلَقَدْ شَكَوْتُ إِلَيْهِ أَنِّي لَا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ: «اللهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا»
136 – (2476) حَدَّثَنِي عَبْدُ الحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ، أَخْبَرَنَا خَالِدٌ، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بَيْتٌ يُقَالُ لَهُ ذُو الْخَلَصَةِ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ الْكَعْبَةُ الْيَمَانِيَةُ، وَالْكَعْبَةُ الشَّامِيَّةُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ أَنْتَ مُرِيحِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ، وَالْكَعْبَةِ الْيَمَانِيَةِ وَالشَّامِيَّةِ؟» فَنَفَرْتُ إِلَيْهِ فِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ مِنْ أَحْمَسَ، فَكَسَرْنَاهُ وَقَتَلْنَا مَنْ وَجَدْنَا عِنْدَهُ، فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ، قَالَ: «فَدَعَا لَنَا وَلِأَحْمَسَ»
137 – (2476) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا جَرِيرُ أَلَا تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ» بَيْتٍ لِخَثْعَمَ كَانَ يُدْعَى كَعْبَةَ الْيَمَانِيَةِ، قَالَ: فَنَفَرْتُ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةِ فَارِسٍ، وَكُنْتُ لَا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَضَرَبَ يَدَهُ فِي صَدْرِي فَقَالَ: «اللهُمَّ ثَبِّتْهُ، وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا» قَالَ: فَانْطَلَقَ فَحَرَّقَهَا بِالنَّارِ، ثُمَّ بَعَثَ جَرِيرٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَجُلًا يُبَشِّرُهُ يُكْنَى أَبَا أَرْطَاةَ مِنَّا، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: مَا جِئْتُكَ حَتَّى تَرَكْنَاهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ، فَبَرَّكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى خَيْلِ أَحْمَسَ، وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ.
137 – حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ يَعْنِي الْفَزَارِيَّ، ح وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ كُلُّهُمْ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَقَالَ فِي حَدِيثِ مَرْوَانَ: فَجَاءَ بَشِيرُ جَرِيرٍ أَبُو أَرْطَاةَ حُصَيْنُ بْنُ رَبِيعَةَ، يُبَشِّرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
==========
مشاركة محمد البلوشي وعبدالحميد البلوشي وعبدالله البلوشي أبي عيسى:
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
“ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت” أي: ما منعني من الدخول عليه في بيته في وقت من الأوقات إذا استأذنت عليه.
وقوله: “منذ أسلمت”، أي: إلى أن توفي صلى الله عليه وسلم، وكان إسلام جرير سنة تسع من الهجرة على الصحيح.
(وَلَا رَأَىنِي إِلَّا ضَحِكَ) في الرواية الثانية: “وَلَا رَأَىنِي إِلَّا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي”، وكان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك مع جرير تكريما له ولطفا به، وبشاشة له. وفي رواية البخاريُّ: “إِلَّا ضحك”، ومعنى “ضحِك” تبسّم، وفعل ذلك إكرامًا ولُطفَا، وبَشَاشةً، قاله النووي، وقال القرطبيّ: هذا منه -صلى الله عليه وسلم- فَرَحٌ به، وبشاشةٌ للقائه، وإعجابٌ برؤيته، فإنّه كان من كَمَلَة الرجال خَلْقًا وخُلُقًا. انتهى. [“المفهم ” 6/ 403]
وأخرج الإمام أحمد في “مسنده” بسند صحيح، عن المغيرة بن شِبْل قال: قال جرير: لمّا دَنَوت من المدينة أَنخْتُ راحلتي، ثمّ حَلَلت عَيْبتي، ثمّ لبست حُلَّتي، ثمّ دخلت المسجد، فإذا النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- يخطب، فرماني النَّاس بالحَدَق، قال: فقلت لجليسي: يا عبد الله هل ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أمري شيئًا؟ قال: نعم ذكرك بأحسن الذكر، بينما هو يخطب إذ عرض له في خطبته، فقال: “إنّه سيدخل عليكم من هذا الْفَجّ من خير ذي يمن، أَلَا وإن على وجهه مَسْحَةَ مَلَك”، قال جرير: فحمدت الله -عَزَّ وَجَلَّ- على ما أبلاني. [رواه أحمد في “مسنده” 4/ 360 – 364 والحميديّ في “مسنده” (800)] الصحيحة 3193. والصحيح المسند 262
وورد في ابن خزيمة (فسلم علي رسول الله صلى الله عليه وسلم) وبوب عليه ابن خزيمة باب سلام الإمام على القادم من السفر وهو يخطب.
فكأنه سلم والآخر رد ويطلق على من رد السلام أنه ردَّ.
وفيه كلام الإمام فيما يبدو له.
وفيه فضيلة الجمال اذا أنضاف إليه جمال الأخلاق.
وفيه معجزة النبي صلى الله عليه وسلم.
وفيه قدوم الوفود.
قوله “وَلَقَدْ شَكَوْتُ إِلَيْهِ أَنِّي لَا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي، وَقَالَ: ((اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا)) ” في الرواية الرابعة: “وَكُنْتُ لَا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَضَرَبَ يَدَهُ فِي صَدْرِي، فَقَالَ: ((اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ، وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا)) “، وعند البخاري: “وكنت لا أثبت على الخيل، فضرب على صدري حتى رأيت أثر أصابعه في صدري”، وعند الحاكم: “فشكا جرير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القلع” بفتح القاف واللام، وهو عدم الثبوت على السرج، وقيل: بكسر أوله، قال الجوهري: رجل قلع القدم بكسر أوله، إذا كانت قدمه لا تثبت عند الحرب، وفلان قلعة بكسر القاف وفتح اللام، إذا كان يتقلع عن سرجه والمعنى أنه لخفته يرتفع عن السرج كلما ارتفع الحصان ويهبط بهبوطه، فقال: ((أدن مني)) فدنا منه فوضع يده على رأسه، ثم أرسلها على وجهه وصدره حتى بلغ عانته، ثم وضع يده على رأسه مرة ثانية وأرسلها إلى ظهره، حتى انتهت إلى إليته.
قلت سيف بن دورة: والعزو من ابن حجر لكتاب الإكليل في السيرة للحاكم غير مطبوع وهو غير المدخل إلى الإكليل.
ولا تعارض فإن اليد ضربت الصدر عند مرورها به كما جاء في حديث الحاكم أنه قال في حالة إمراره يده عليه في المرتين: اللهم اجعله هاديا مهديا، وبارك فيه، وفي ذريته، زاد في رواية البخاري فما وقعت عن فرس بعد
قال الحافظ ابن حجر: قوله: واجعله هاديا مهديا فيه تقديم وتأخير؛ لأنه لا يكون هاديا حتى يكون مهديا، وقيل: معناه كاملا مكملا. اهـ.
يعني: أن المطلوب الأول للمسلم أن يكمل نفسه، ثم بعد ذلك يكمل غيره، ويمكن حمل هاديا على معنى داعيا نفسه وغيره للهدى، ومهديا أي مستجيبا للدعوة بالفعل.
قوله “كان في الجاهلية بيت يقال له: ذو الخلصة” والخلصة في الأصل نبات له حب أحمر كخرز العقيق. قال النووي: بفتح الخاء واللام هذا هو المشهور. وحكى القاضي أيضا بضم الخاء مع فتح اللام وحكى أيضا فتح الخاء وسكون اللام، وهو بيت في اليمن كان فيه أصنام يعبدونها. اهـ.
قال ابن حجر: ِ وَذُو الْخَلَصَةِ اسْمٌ لِلْبَيْتِ الَّذِي كَانَ فِيهِ الصَّنَمُ وَقِيلَ اسْمُ الْبَيْتِ الْخَلَصَةُ وَاسْمُ الصَّنَمِ ذُو الْخَلَصَةِ وَحَكَى الْمُبَرِّدُ أَنَّ مَوْضِعَ ذِي الْخَلَصَةِ صَارَ مَسْجِدًا جَامِعًا لِبَلْدَةٍ يُقَالُ لَهَا الْعَبْلَاتُ مِنْ أَرْضِ خَثْعَمَ وَوَهَمَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ كَانَ فِي بِلَادِ فَارِسَ
فكان ذو الخلصة أكبر بيت ينافس الكعبة وكان بيتا لقبيلة خثعم كما جاء في الرواية الرابعة ولقبيلة بجيلة كما جاء في رواية البخاري.
” وكان يقال له: الكعبة اليمانية والكعبة الشامية” قال النووي: وفي بعض النسخ الكعبة اليمانية الكعبة الشامية بغير واو، وهذا اللفظ فيه إيهام، والمراد أن ذا الخلصة كانوا يسمونها الكعبة اليمانية، وكانت الكعبة الكريمة التي بمكة تسمى الكعبة الشامية ففرقوا بينهما للتمييز.
هذا هو المراد فيتأول اللفظ عليه وتقديره: يقال له: الكعبة اليمانية ويقال للتي بمكة: الشامية.
أما من رواه الكعبة اليمانية الكعبة الشامية بحذف الواو فمعناه كأن يقال: هذان اللفظان، أحدهما لموضع والآخر لموضع آخر.
قال: وأما قوله ((هل أنت مريحي من ذي الخلصة، والكعبة اليمانية والشامية؟)). فقال القاضي عياض: ذكر الشامية وهم وغلط من بعض الرواة والصواب حذفه، وقد ذكره البخاري بهذا الإسناد وليس فيه هذه الزيادة، والوهم.
هذا كلام القاضي وليس بجيد، بل يمكن تأويل هذا اللفظ ويكون التقدير: هل أنت مريحي من قولهم: الكعبة اليمانية والشامية؟ ووجود هذا الموضع الذي يلزم منه هذه التسمية؟ اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر: الذي يظهر لي أن الذي في الرواية صواب وأنها كان يقال لها: اليمانية باعتبار كونها باليمن، والشامية باعتبار أنهم جعلوا بابها مقابل الشام. وقال بعضهم: قوله: والكعبة الشامية مبتدأ، محذوف الخبر تقديره: هي التي بمكة وقيل: الكعبة مبتدأ، والشامية خبره والجملة حال والمعنى: والكعبة هي الشامية لا غير وحكى السهيلي عن بعض النحويين أن كلمة له زائدة وأن الصواب كان يقال: الكعبة الشامية أي لهذا البيت الجديد، والكعبة اليمانية أي للبيت العتيق – أو بالعكس قال السهيلي: وليست فيه زيادة وإنما اللام بمعنى من أجل، أي كان يقال من أجله: الكعبة الشامية والكعبة اليمانية أي إحدى الصفتين للعتيق والأخرى للجديد.
((هل أنت مريحي من ذي الخلصة؟)) وفي الرواية الرابعة ((يا جرير ألا تريحني من ذي الخلصة؟)) بتخفيف اللام طلب يتضمن الأمر برفق وخص جريرا بذلك؛ لأنها كانت في بلاد قومه وكان هو من أشرافهم والمراد من الراحة راحة القلب، وما كان شيء أتعب لقلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بقاء ما يشرك به من دون الله تعالى وروى الحاكم في الإكليل، من حديث البراء بن عازب قال: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم مائة رجل من بني بجيلة وبني قشير وفيهم جرير بن عبد الله فسأله عن بني خثعم فأخبره أنهم أبوا أن يجيبوا إلى الإسلام فاستعمله على عامة من كان معه، وندب معه ثلاثمائة من الأنصار، وأن يسير إلى خثعم فيدعوهم ثلاثة أيام، فإن أجابوا إلى الإسلام قبل منهم، وهدم صنمهم ذا الخلصة وإلا وضع فيهم السيف.
(فنفرت إليه في مائة وخمسين من أحمس) الضمير في إليه يعود على ذي الخلصة البيت الذي فيه الأصنام والنفر الخروج للقتال مع السرعة وفي رواية البخاري فانطلقت في خمسين ومائة فارس من أحمس – بفتح الهمزة وسكون الحاء وفتح الميم – وكانوا أصحاب خيل … وفي رواية ضعيفة للطبراني أنهم كانوا سبعمائة وفي كتاب الصحابة لابن السكن أن قيس بن غربة الأحمسي وفد في خمسمائة وقدم جرير في قومه وقدم الحجاج بن ذي الأعين في مائتين وضم رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم ثلاثمائة من الأنصار وغيرهم فكأن المائة والخمسين هم قوم جرير من قبيلة واحدة.
قلت سيف بن دورة: ذكره ابن حجر في الإصابة وعزاه لابن السكن وقال رواه من طريق طارق بن شبيب عن قيس بن غربة أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم
وطارق بن شبيب لم أجد له ترجمة.
قوله (فكسرناه، وقتلنا من وجدناه عنده) الضمير المذكر للبيت، والضمير المؤنث في قوله في الرواية الرابعة فانطلق فحرقها بالنار للكعبة، وعند البخاري فانطلق إليها فكسرها وحرقها
قوله (فأتيته فأخبرته) ظاهر هذه الرواية أن الذي بشر النبي صلى الله عليه وسلم بنتيجة الغزوة هو جرير ولكن الرواية الرابعة أن الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك رسول أرسله جرير من قبيلته، فكأن نسبة الإخبار لجرير مجازية، وفي الرواية الرابعة.
قال رسول جرير للنبي صلى الله عليه وسلم: (ما جئتك حتى تركناها كأنها جمل أجرب) كناية عن نزع زينتها وإذهاب بهجتها وقال الخطابي: المراد أنها صارت مثل الجمل المطلي بالقطران من جربه إشارة إلى أنها صارت سوداء لما وقع فيها من التحريق وفي رواية (أجوف) بدل (أجرب) أي صارت صورة بغير معنى والأجوف الخالي الجوف مع كبره في الظاهر وأنكره عياض، وقال: هو تصحيف وإفساد للمعنى. وتعقبه ابن حجر أن معنى أجوف كونها خالية صحيح.
قوله (فدعا لنا ولأحمس) أحمس على وزن أحمر وهم إخوة بجيلة بفتح الباء وكسر الجيم رهط جرير وفي رواية (فبرك رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيل أحمس ورجالها خمس مرات) أي دعا لهم بالبركة وفي رواية (فدعا لأحمس بالبركة) وقد قيل في حكمة الخمس أنها مبالغة مع الاحتفاظ بالوتر وقال الحافظ ابن حجر: يحتمل أن يكون دعا للخيل والرجال أو لهما معا ثم أراد التأكيد في تكرير الدعاء ثلاثا، فدعا للرجال مرتين أخريين وللخيل مرتين أخريين ليكمل لكل من الصنفين ثلاثا فكان مجموع ذلك خمس مرات.
قوله (يكنى أبا أرطاة) في ملحق الرواية أبو أرطاة حصين بن ربيعة أرطاة بفتح الهمزة وسكون الراء وقلبه بعضهم فقال: ربيعة بن حصين ومنهم من سماه أرطاة والصواب أبو أرطاة ومنهم من سماه حصن بكسر الحاء وسكون الصاد وعند بعض الرواة حسين بدل حصين وهو تصحيف.
(إضافة) زاد البخاري في رواية: (قال ولما قدم جرير اليمن، كان بها رجل يستقسم بالأزلام فقيل له: إن رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم ها هنا، فإن قدر عليك ضرب عنقك قال: فبينما هو يضربها – أي بالأزلام – إذ وقف عليه جرير فقال: لتكسرنها – أي الأزلام – ولتشهدن أن لا إله إلا الله أو لأضربن عنقك فكسرها وشهد ثم بعث جرير رجلا من أحمس يكنى أبا أرطاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يبشره بذلك).
قال الحافظ ابن حجر: هذا يشعر باتحاد قصة غزوة ذي الخلصة بقصة ذهابه إلى اليمن، وكأنه لما فرغ من أمر ذي الخلصة، وأرسل رسوله مبشرا، استمر ذاهبا إلى اليمن. [انظر: المنهاج للنووي، وفتح المنعم]
ثانياً: المسائل المتعلقة بالحديث:
1 – يؤخذ من الحديث:
1 – فيه مناقب عظيمة لجرير وقومه، ونصرهم للإسلام، ومحاربتهم القوم الذين هم منهم.
2 – وبركة يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعائه.
3 – وأنه كان يدعو وترا، وقد يجاوز الثلاث، فيكون فيه تخصيص لحديث أنس كان إذا دعا دعا ثلاثا فيحمل على الغالب، وكأن الزيادة لمعنى اقتضى ذلك.
4 – وفيه مشروعية إزالة ما يفتتن به الناس، من بناء وغيره سواء كان إنسانا أو حيوانا أو جمادا.
5 – وفيه استمالة نفوس القوم بتأمير من هو منهم.
6 – والاستمالة بالدعاء والثناء.
7 – والبشارة في الفتوح.
8 – وفضل ركوب الخيل في الحرب.
9 – وقبول خبر الواحد.
10 – والمبالغة في نكاية العدو.
11 – وفيه استحباب التلطف والتبسم في وجه القادم، وأثره في النفس؛ حتى أنه يذكره فيها يحب أن يذكره.
12 – استدل بعضهم بقوله: “ما حجبني” على جواز الدخول بدون إذن للخاصة ولا يصح؛ فعدم الذكر ليس دليل العدم. أي عدم ذكر الاستئذان لا يدل أنه لم يستأذن.
13 – ما كان عليه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من حسن الخلق، وطيب المعاملة للناس، فكان يُنزل كلَّ أحد منزلته، فلما كان جرير -رضي الله عنه- شريفًا في قومه خصّه بمزايا اللطف والإكرام، فكان لا يحجُبُه إذا جاءه، ويتبسّم في وجهه إذا رآه.
14 – فيه معجزة للنبيّ -صلى الله عليه وسلم- حيث دعا لجرير -رضي الله عنه- بأن يثبت على الخيل، فما أصابه بعد سقوط ولا ميل.
15 – أن فيه منقبة لقبيلة أحمس، حيث دعا النَّبي -صلى الله عليه وسلم- لخليها ورجالها خمس مرّات، والله تعالى أعلم. [انظر: فتح المنعم، ومشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه، للأثيوبي] بتصرف يسير.
2 – تراجم الصحابي الجليل: أبو عمرو جرير بن عبدالله بن جابر البجلي الأحمسي الكوفي
اسمه ونسبه رضي الله عنه:
هو: جرير بن عبد الله بن جابر بن مالك بن نَضْر بن ثَعْلبة بن جُشَم بن عَوْف بن خزيمة بن حرب بن علي البجلي الصحابي الشهير.
يُكنى: أبا عمرو، وقيل: يُكنى أبا عبد الله.
وأحمسُ: بطن من بُجيلة، وبجيلة وخثْعم أخوان. وهما من قحطان، وقيل: من ربيعة بن نزار.
(الْبَجَليِّ) بفتحتين نسبة إلى قبيلة بَجِيلة -بفتح، فكسر- وهو ابن أنمار بن أراش بن عمرو بن الغوث أخي الأسد بن الغوث، وقيل: إن بَجِيلة اسم أمهم، وهي من سعد الْعَشِيرة، وأختها باهلة، وَلَدتا قبيلتين عظيمتين، نزلت بالكوفة. قاله السمعانيّ [“الأنساب” 1/ 297].
[انظر: الرياض المستطابة في جملة من روى في الصحيحين من الصحابة، ومشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه، للأثيوبي].
قال الإمام الذهبي في (تاريخ الإسلام “4/ 186”): أبو عمرو البجلي، الأحمسي، اليمني وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة عشر، فأسلم في رمضان، فأكرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمه. وكان بديع الجمال، مليح الصورة إلى الغاية، طويلاً، يصل إلى سنام البعير، وكان نعله ذراعاً.
- اسلامه رضي الله عنه:
قدم جرير على النبي صلى الله عليه وسلم، سنة عشرٍ [فبَشّ له] النبي صلى الله عليه وسلم، وبسط له رداءه. وكان صادق الإيمان في براءة. وفي الصحيحين عنه قال: بايعتُ النبي صلى الله عليه وسلم، على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم. وفيهما أيضاً عنه قال: “ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم، منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم في وجهي؛ ولقد شكوت عليه أني لا أثبت على الخيل، فضرب بيده في صدري، وقال: ((اللهم ثبِّته واجعله هادياً مهدياً)).
وفيهما أيضاً عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم، في حجة الوداع: استنْصِتِ الناس. وبعثه النبي صلى الله عليه وسلم لهدم بيت خَثْعَم، فهدمها وحرقها. فلما قدم مبشِّره على النبي صلى الله عليه وسلم، برَّك على خيل أحمس ورجالها خمس مرات. [انظر: الرياض المستطابة في جملة من روى في الصحيحين من الصحابة]
مسألة: اختُلف في وقت إسلامه:
– ففي الطَّبرانيُّ “الأوسط” من طريق حُصين بن عمر الأحمسي، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير، قال: لمّا بُعِث النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- أتيته، فقال: ((ما جاء بك؟))، قلت: جئت لأسلم، فألقى إليَّ كساءه، وقال: ((إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه))، حصين فيه ضعف، ولو صح لَحُمِل على المجاز، أي: لمّا بلغنا خبر بعث النّبيّ -صلى الله عليه وسلم-، أو على الحذف، أي: لما بُعِث النّبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ثمّ دعا إلى الله، ثمّ قدم المدينة، ثمّ حارب قريشًا وغيرهم، ثمّ فَتَحَ مكّة، ثمّ وَفَدت عليه الوفود.
وجزم ابنُ عبد البرّ عنه بأنه أسلم قبل وفاة النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- بأربعين يومًا، وهو غلط، ففي “الصحيحين” عنه أن النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال له: ((استَنْصِتِ الناسَ)) في حجة الوداع، وجزم الواقدي بأنه وَفَد على النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- شهر رمضان سنة عشر، وأن بعثه إلى ذي الْخَلَصَة كان بعد ذلك، وأنه وافي مع النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- حجة الوداع من عامه.
قال الحافظ: وفيه عندي نظر؛ لأن شريكًا حدَّث عن الشيباني، عن الشّعبيّ، عن جرير قال: قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن أخاكم النجاشي قد مات … )) الحديث، أخرجه الطَّبرانيُّ، فهذا يدلُّ على أن إسلام جرير كان قبل سنة عشر؛ لأن النجاشي مات قبل ذلك. قاله في “الإصابة”.
وقال في “الفتح”: والصّحيح أنه أسلم سنة الوفود سنة تسع، ووَهِمَ من قال: إنّه أسلم قبل موت النبي -صلى الله عليه وسلم- بأربعين يومًا؛ لما ثبت في “الصّحيح” أن النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال له: “استنصت النَّاس” في حجة الوداع، وذلك قبل موته -صلى الله عليه وسلم- بأكثر من ثمانين يومًا. انتهى. [“الفتح” 7/ 164]. قاله الشيخ محمد الأثيوبي [انظر: مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه].
- خلقه وصفاته رضي الله عنه:
وكان رضي الله عنه وسيم الخلق، جَمِيلًا، أخرج الإمام أحمد في “مسنده” بسند صحيح، عن المغيرة بن شِبْل قال: قال جرير: لمّا دَنَوت من المدينة … فقال: “إنّه سيدخل عليكم من هذا الْفَجّ من خير ذي يمن، أَلَا وإن على وجهه مَسْحَةَ مَلَك”، قال جرير: فحمدت الله -عَزَّ وَجَلَّ- على ما أبلاني. وسبق أنه في الصحيح المسند. والصحيحة
وروى البغوي من طريق قيس، عن جرير قال: رآني عمر مُتَجَرِّدًا، فقال: ما أرى أحدًا من النَّاس صُوِّر صورة هذا إِلَّا ما ذُكر من يوسف.
وروى الطَّبرانيُّ من حديث عليّ مرفوعًا: “جرير منا أهل البيت … “. [ومشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه، للأثيوبي]
قلت سيف بن دورة: قال الألباني وعزاه للطبراني: منكر. الضعيفة 1207
ونقل إنكار الذهبي على أبان بن عبد الله البجلي.
وسليمان بن إبراهيم بن جرير لا يعرف حاله فلعله هو علة الحديث. انتهى
قال الهيثمي أبوبكر لم يدرك عليا. وسليمان بن إبراهيم بن جرير لم أجد من وثقه انتهى
وسليمان بن إبراهيم بن جرير تابعه معاوية بن هشام عن أبان بن عبد الله البجلي عن إبراهيم بن جرير عن أبيه. فبقي العلة في أبان.
قال الذهبي في السير: منكر والصواب من قول علي.
– روايته رضي الله عنه:
أخرج الشيخان له خمسة عشر حديثاً، اتفقا في ثمانية، وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم بستة. وخرّج عنه الجماعة، ومسند جرير نحو من مئة حديث بالمكرر، وروى عنه ابناه: إبراهيم، وحفيده أبو زُرعة. [انظر: الرياض المستطابة في جملة من روى في الصحيحين من الصحابة، والسير]، اتفق له الشيخان على ثمانية أحاديث، وانفرد البخاريٌّ بحديثين، ومسلم بستةٍ.
وروى عنه من الصّحابة أنسُ بن مالك، قال: كان جرير يَخدُمني، وهو أكبر مني، أخرجه الشيخان، ولفظ حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: خرجت مع جرير بن عبد الله البَجَلي رضي الله عنه، في سفر فكان يخدمني، فقلت له: لا تفعل، فقال: إني قد رأيت الأنصار تصنع برسول الله ? شيئاً آليت على نفسي أن لا أصحب أحداً منهم إلا خدمته. متفق عليه. أخرجه مسلم، كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب في حسن صحبة الأنصار -رضي الله عنهم- (4/ 1951)، رقم: (2513).
وجرير بن عبد الله البجلي أكبر من أنس بن مالك -رضي الله تعالى عن الجميع-.
[راجع “الإصابة” 1/ 581 – 583] [انظر: مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه، للأثيوبي]
? مكانته رضي الله عنه عند النبي صلى الله عليه وسلم، وتعامله معه:
كما في أحاديث الباب:
1 – اختياره صلى الله عليه وسلم له حيث بعثه إلى ذي الْخَلَصة، فهدمها.
2 – منزلته: قال: ما حجبني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منذ أسلمت. وقد سبق الإشارة إلى معنى: “ما حجبني”.
3 – “ولا رآني إِلَّا تبسم”.
4 – دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له رضي الله عنه: ((اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ، وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا)).
قال القرطبيّ رحمه الله: دعا له النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بأكثر ممّا طلب، بالثبوت مطلقًا، وبأن يجعله هاديًا لغيره، ومهديًّا في نفسه، فكان كلُّ ذلك، وظهر عليه جميع ما دعا له به، وأوّل ذلك أنه نَفَرَ في خمسين ومائة فارس لذي الْخَلَصَة، فحرّقها، وعَمِلَ فيها عَمَلًا لا يعمله خمسة آلاف، وبعثه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لذي الْكَلاع، وذِي رُعَين، وله المقامات المشهورة.
- بعض ما رواه رضي الله عنه:
– الأدب: عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي». أخرجه مسلم، كتاب الآداب، باب نظر الفجاءة، حديث رقم 2159
– النصيحة: عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ» أخرجه البخاري، كتاب الإيمان / باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: ” الدين النصيحة: لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ” / حديث رقم 57.
ونصح أهل الكوفة أن يلزموا السكينة لما مات اميرهم وقال إنما يأتيكم الآن أمير
ونصح رجلا اشترى منه فرس أن فرسه ثمنها أعلى حتى أوصله ثمانمائة.
– وحدث بحديث المسح على الخفين وكان يعجبهم لأن إسلام جرير متأخر
– عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: كُنْتُ بِاليَمَنِ، فَلَقِيتُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ، ذَا كَلاَعٍ، وَذَا عَمْرٍو، فَجَعَلْتُ أُحَدِّثُهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: ذُو عَمْرٍو: لَئِنْ كَانَ الَّذِي تَذْكُرُ مِنْ أَمْرِ صَاحِبِكَ، لَقَدْ مَرَّ عَلَى أَجَلِهِ مُنْذُ ثَلاَثٍ، وَأَقْبَلاَ مَعِي حَتَّى إِذَا كُنَّا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ، رُفِعَ لَنَا رَكْبٌ مِنْ قِبَلِ المَدِينَةِ فَسَأَلْنَاهُمْ، فَقَالُوا: قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ، وَالنَّاسُ صَالِحُونَ، فَقَالاَ: أَخْبِرْ صَاحِبَكَ أَنَّا قَدْ جِئْنَا وَلَعَلَّنَا سَنَعُودُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَرَجَعَا إِلَى اليَمَنِ، فَأَخْبَرْتُ أَبَا بَكْرٍ بِحَدِيثِهِمْ، قَالَ: أَفَلاَ جِئْتَ بِهِمْ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ قَالَ لِي ذُو عَمْرٍو: يَا جَرِيرُ إِنَّ بِكَ عَلَيَّ كَرَامَةً، وَإِنِّي مُخْبِرُكَ خَبَرًا: إِنَّكُمْ مَعْشَرَ العَرَبِ، لَنْ تَزَالُوا بِخَيْرٍ مَا كُنْتُمْ إِذَا هَلَكَ أَمِيرٌ تَأَمَّرْتُمْ فِي آخَرَ، فَإِذَا كَانَتْ بِالسَّيْفِ كَانُوا مُلُوكًا، يَغْضَبُونَ غَضَبَ المُلُوكِ وَيَرْضَوْنَ رِضَا المُلُوكِ. أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب ذهاب جرير إلى اليمن، حديث رقم 4123
قَوْلُهُ كُنْتُ بِالْيَمَنِ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ (كُنْتُ بِالْيَمَنِ فَأَقْبَلْتُ وَمَعِي ذُو الْكَلَاعِ وَذُو عَمْرٍو) وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَبْيَنُ وَذَلِكَ أَنَّ جَرِيرًا قَضَى حَاجَتَهُ مِنَ الْيَمَنِ وَأَقْبَلَ رَاجِعًا يُرِيدُ الْمَدِينَةَ فَصَحِبَهُ مِنْ مُلُوكِ الْيَمَنِ ذُو الْكَلَاعِ وَذُو عَمْرٍو فَأَمَّا ذُو الْكَلَاعِ فَهُوَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وَاسْمُهُ إسْمَيْفَعُ بِسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَبَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ وَيُقَالُ أَيْفَعُ بْنُ باكوراء وَيُقَال بن حَوْشَبِ بْنِ عَمْرٍو وَأَمَّا ذُو عَمْرٍو فَكَانَ أَحَدَ مُلُوكِ الْيَمَنِ وَهُوَ مِنْ حِمْيَرَ أَيْضًا وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ غَيْرِهِ وَلَا رَأَيْتُ من أخباره اكثر مما ذُكِرَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَكَانَا عَزَمَا عَلَى التَّوَجُّهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَمَّا بَلَغَهُمَا وَفَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَا إِلَى الْيَمَنِ ثُمَّ هَاجَرَا فِي زَمَنِ عُمَرَ.
فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ (لَئِنْ كَانَ كَمَا تَذْكُرُ) وَقَوْلُه (ُ لَقَدْ مَرَّ عَلَى أَجَلِهِ) جَوَابٌ لِشَرْطٍ مُقَدَّرٍ أَيْ إِنْ أَخْبَرْتَنِي بِهَذَا أُخْبِرْكَ بِهَذَا وَهَذَا قَالَهُ ذُو عَمْرٍو عَنِ اطِّلَاعٍ مِنَ الْكُتُبِ الْقَدِيمَةِ لِأَنَّ الْيَمَنَ كَانَ أَقَامَ بِهَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْيَهُودِ فَدَخَلَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فِي دِينِهِمْ وَتَعَلَّمُوا مِنْهُمْ وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ إِنَّكَ سَتَاتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ
وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ عَنْ جَرِيرٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ قَالَ لِي حَبْرٌ بِالْيَمَنِ وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا قُلْتُهُ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
قلت سيف بن دورة: أخرجه أحمد 19232 ورجاله ثقات وابو سعيد مولى بني هاشم شيخ أحمد أخرج له البخاري متابعه وقال الذهبي الحافظ ثقة.
وثقه ابن معين وأثنى عليه أحمد وثقه البغوي والدارقطني. وحكى العقيلي عن أحمد بن حنبل أنه قال: كان كثير الخطأ.
لذا قال ابن حجر: صدوق ربما أخطأ.
قَوْلُهُ فَأَخْبَرْتُ أَبَا بَكْرٍ بِحَدِيثِهِمْ (قَالَ أَفَلَا جِئْتَ بِهِمْ) كَأَنَّهُ جَمَعَ بِاعْتِبَارِ مَنْ كَانَ مَعَهُمَا مِنَ الْأَتْبَاعِ
قَوْلُهُ (فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ) إِلَخْ لَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ لَمَّا هَاجَرَ ذُو عَمْرٍو فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَذَكَرَ يَعْقُوبُ بْنُ شَبَّةَ بِإِسْنَادٍ لَهُ أَنَّ ذَا الْكَلَاعِ كَانَ مَعَهُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ بَيْتٍ مِنْ مَوَالِيهِ فَسَأَلَهُ عُمَرُ بَيْعَهُمْ لِيَسْتَعِينَ بِهِمْ عَلَى حَرْبِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ ذُو الْكَلَاعِ هُمْ أَحْرَارٌ فَأَعْتَقَهُمْ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ
قَوْلُه (ُ تَآمَرْتُمْ) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ أَيْ تَشَاوَرْتُمْ أَوْ بِالْقَصْرِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ أَقَمْتُمْ أَمِيرًا مِنْكُمْ عَنْ رِضًا مِنْكُمْ أَوْ عَهْدٍ مِنَ الْأَوَّلِ
قَوْلُهُ (فَإِذَا كَانَتْ) أَيِ الْإِمَارَةُ بِالسَّيْفِ أَيْ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ كَانُوا مُلُوكًا أَيِ الْخُلَفَاءُ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى مَا قَرَرْتُهُ أَنَّ ذَا عَمْرٍو كَانَ لَهُ اطِّلَاعٌ عَلَى الْأَخْبَارِ مِنَ الْكُتُبِ الْقَدِيمَةِ وَإِشَارَتُهُ بِهَذَا الْكَلَامِ تُطَابِقُ الْحَدِيثَ الَّذِي أخرجه أَحْمد وَأَصْحَاب السّنَن وَصَححهُ بن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ سَفِينَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ تَصِيرُ مُلْكًا عَضُوضًا
قَالَ ابن التِّينِ مَا قَالَهُ ذُو عَمْرٍو وَذُو الْكَلَاعِ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ كِتَابٍ أَوْ كَهَانَةٍ وَمَا قَالَهُ ذُو عَمْرٍو لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ كِتَابٍ قُلْتُ وَلَا أَدْرِي لِمَ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَقَالَتَيْنِ وَالِاحْتِمَالُ فِيهِمَا وَاحِدٌ بَلِ الْمَقَالَةُ الْأَخِيرَةُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ جِهَةِ التَّجْرِبَةِ.
- الحروب التي قدمه فيها عمر رضي الله عنهما، وعلمه بالسياسة وأساليب الحرب وجهاده هو وقومه بجيلة:
قدم على رسول الله ? من اليمن، ومحله الآن أرض قبيلة بَجيلة، وهذه القبيلة تفرقت وتشتتت، وكادت أن تضمحل، ثم بعد ذلك جمعهم جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، طلب ذلك في عهد أبي بكر رضي الله عنه، ثم بعد ذلك شغل أبو بكر في حروب الردة، ثم طلب ذلك بعهد عمر رضي الله عنه، وكان معه كتاب من رسول الله ? في ذلك، أي أنه طلب من النبي ? أن يكتب له كتاباً في جمعهم، فقام فجمعهم، فلما كانوا في يوم القادسية كان لهم بلاء مشهود؛ لأن القادسية كانت الكتائب موزعة على القبائل، فكل قبيلة تبلي، فكانت قبيلة بجيلة من أشد القبائل بلاءً.
روى ابن أبي شيبة في المصنف (31303) عن قيس، قال: قال عمر: ” ألا تخبروني عن منزليكم هذين؟ ومع هذا إني لأسألكما وإني لأتبين في وجوهكم أي المنزلتين خير “، قال: فقال له جرير: أنا أخبرك يا أمير المؤمنين , أما إحدى المنزلتين فأدنى نخلة بالسواد إلى أرض العرب , وأما المنزل الآخر فأرض فارس , وعكها وحرها وبقها , يعني: المدائن، قال فكذبني عمار فقال: كذبت , فقال عمر: ” أنت أكذب ” , ثم قال عمر: ” ألا تخبروني عن أميركم هذا أمجزئ هو؟ ” قلت: والله لا هو بمجزئ ولا كان , ولا عالم بالسياسة , فعزله , فبعث المغيرة بن شعبة.
إسناده صحيح كما قال محقق المصنف
ورواه بأطول من ذلك (34323) عن قيس , قال: شهدت القادسية، وكان سعد على الناس، وجاء رستم فجعل عمرو بن معدي كرب الزبيدي يمر على الصفوف، ويقول: يا معاشر المهاجرين، كونوا أسودا أشداء أغنى شأنه , إنما الفارسي تيس بعد أن يلقى نيزكه , قال: وكان معهم أسوار لا تسقط له نشابة , فقلنا له: يا أبا ثور , اتق ذاك , قال: فإنا لنقول ذاك إذ رمانا فأصاب فرسه , فحمل عمرو عليه فاعتنقه ثم ذبحه، فأخذ سلبه؛ سواري ذهب، كانا عليه، ومنطقة وقباء ديباج , وفر رجل من ثقيف فخلا بالمشركين فأخبرهم , فقال: إن الناس في هذا الجانب , وأشار إلى بجيلة , قال: فرموا إلينا ستة عشر فيلا عليها المقاتلة , وإلى سائر الناس فيلين , قال: وكان سعد يقول يومئذ: سا بجيلة , قال قيس: وكنا ربع الناس يوم القادسية , فأعطانا عمر ربع السواد فأخذناه ثلاث سنين , فوفد بعد ذلك جرير إلى عمر ومعه عمار بن ياسر , فقال عمر: ألا تخبراني عن منزليكم هذين؟ ومع ذلك إني لأسلكها وإني لأتبين في وجوهها أي المنزلين خير؟ قال: فقال جرير: ” أنا أخبرك يا أمير المؤمنين , أما أحد المنزلين فأدنى نخلة من السواد إلى أرض العرب , وأما المنزل الآخر فأرض فارس وعليها وحرها وبقها، يعني: المدائن , قال: فكذبني عمار , فقال: كذبت , قال: فقال عمر: أنت أكذب , قال: ثم، قال: ألا تخبروني عن أميركم هذا، أمجزئ هو؟ قالوا: لا والله ما هو بمجزئ، ولا كاف، ولا عالم بالسياسة، فعزله وبعث المغيرة بن شعبة “.
إسناده صحيح كما قال محقق المصنف
وروى أيضاً (34317) عن قيس , قال: عبر أبو عبيد بن مسعود يوم مهران في أناس فقطع بهم الجسر , فأصيبوا , قال: قال قيس: فلما كان يوم مهران , قال أناس فيهم خالد بن عرفطة لجرير: يا جرير، لا والله لا نريم عن عرصتنا هذه! فقال: اعبر يا جرير بنا إليهم , فقلت: ” أتريدون أن تفعلوا بنا ما فعلوا بأبي عبيد؟ , إنا قوم لسنا بسباح أن نبرح أو أن نريم العرصة حتى يحكم الله بيننا وبينهم ” , فعبر المشركون فأصيب يومئذ مهران وهو عند النخيلة.
إسناده صحيح
وروى أيضاً (34318) عن قيس قال: قال لي جرير: انطلق بنا إلى مهران، فانطلقت معه حيث أقبلوا، فقال لي: لقد رأيتني فيما هاهنا في مثل حريق النار، يطعنوني من كل جانب بنيازكهم، فلما رأيت الهلكة جعلت أقول: يا فرسي ألا يا جرير، فسمعوا صوتي فجاءت قيس، ما يردهم مني حتى يخلصوني، قلت: قد عبرت شهرا ما أرفع لي حبا من أثر النيازك، قال: قال قيس: لقد رأيتنا نخوض دجلة وإن أبواب المدائن لمعلقة.
إسناده صحيح
وجاء عنده بإسناد ضعيف (34321) عن حنش بن الحارث النخعي , قال: حدثنا أشياخ النخع، أن جريرا، لما قتل مهران نصب أو رفع رأسه على رمح “.
فقد شهد نهاوند و جلولاء و حلوان وكان على السواد، فلقي جرير مهران، فقتل مهران، ثم بعث عمر سعداً فأمر جريراً أن يطيعه.
قتله مهران في واقعة البويب
قال ابن كثير في” البداية 7/ 18 “:وقعت البويب التي اقتص فيها المسلمون من الفرس وفي القوم جرير بن عبد الله الجبلي في بجلة وجماعة من سادات المسلمين وقال المثنى لهم اني مكبر ثلاث تكبيرات فتهيأوا فإذا كبرت الرابعة فاحملوا فقابلوا قوله بالسمع والطاعة والقبول فلما كبر او تكبيرة عاجلتهم الفرس فحملوا حتى غالقوهم واقتتلوا قتالا شديدا ..
وقال محمد بن إسحاق بل حمل عليه المنذر بن حسان بن ضرار الضبي فطعنه واحتز رأسه جرير بن عبد الله البجلي واختصما في سلبه فاخذ جرير السلاح واخذ المنذر منطقه وهربت المجوس وركب المسلمون أكتافهم يفصلونهم فصلا اهـ بتصرف
وموقفه من الفتنة التي حصلت بين الصحابة رضي الله عنه:
وأرسله عليٌّ رسولا إلى معاوية، ثمّ اعتزل الفريقين [بعد يوم الدار]، ثم تحول إلى الجزيرة ونواحيها وسكن قرقيسيا حتّى مات.
[انظر: الرياض المستطابة في جملة من روى في الصحيحين من الصحابة، ومشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه، للأثيوبي]
—
ما صح من صفاته رضي الله عنه
روى في المسند (19232) عن سفيان قال حدثني بن لجرير بن عبد الله قال كانت نعل جرير بن عبد الله طولها ذراع
قال العلامة شعيب: أثر لا بأس به ابن جرير – وإن كان مبهما – قد حدث عنه سفيان بن عيينة بأمر مما يعرفه أهل الرجل عادة
قال في المجمع (16002): رواه عبد الله وابن جرير لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح
ستره على المسلم:
روى الطبراني في الكبير (2213) عن مجالد ثنا عامر عن جرير: أن عمر رضي الله عنه صلى بالناس فخرج من إنسان شيء فقال: عزمت على صاحب هذه إلا توضأ وأعاد صلاته فقال جرير أو تعزم على كل من سمعها أن يتوضأ وان يعيد الصلاة؟ قال: نعما قلت: جزاك الله خيرا فأمرهم بذلك
قال في المجمع” 1257″: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح
قال العلامة السلفي في تحقيق المعجم: قال شيخنا محب الله: وفيه مجالد بن سعيد وهو ليس بالقوى وقد تغير آخر عمره
موقف له مع سلمان رضي الله عنهما
روى ابن أبي شيبة” 35672 ” والبيهقي في شعب الإيمان” 8147 ” عن جرير , قال: نزلنا الصفاح فإذا نحن برجل نائم في ظل شجرة قد كادت الشمس تبلغه , قال: فقلت للغلام: انطلق بهذا النطع فأظله، قال: فأظله , فلما استيقظ إذا هو سلمان , قال: فأتيته أسلم عليه , قال: فقال: ” يا جرير , تواضع لله , فإن من تواضع لله رفعه الله يوم القيامة , يا جرير , هل تدري ما الظلمات يوم القيامة؟ ” قال: قلت: لا أدري , قال: ” ظلم الناس بينهم في الدنيا ” , ثم أخذ عودا لا أكاد أراه بين إصبعيه , فقال: ” يا جرير , لو طلبت في الجنة مثل هذا العود لم تجده ” , قال: قلت: يا أبا عبد الله؟ أين النخل والشجر؟ فقال: ” أصوله اللؤلؤ والذهب وأعلاه الثمر “.
إسناده صحيح ورواه أبو نعيم في حلية الأولياء” 3/ 202 ”
الصِّفاح: بكسر الصاد موضع بين حُنين وأنصاب الحرم (معجم البلدان 3/ 412)
—-
تراجم البخاري ومختارات من شرح ابن حجر:
*ترجم البخاري رحمه الله في كتاب المغازي من صحيحه،*
غزوة ذي الخلصة
وترجم بعدها بباب،
باب ذهاب جرير بن عبدالله البجلي إلى اليمن
*قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح (باختصار):*
قَوْلُهُ غَزْوَةُ ذِي الْخَلَصَةِ
وَقَدْ وَقَعَ ذِكْرُ ذِي الْخَلَصَةِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ مَرْفُوعًا لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبُ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ حَوْلَ ذِي الْخَلَصَةِ وَكَانَ صَنَمًا تَعْبُدُهُ دَوْسٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ
وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ غَيْرُ الْمُرَادِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَإِنْ كَانَ السُّهَيْلِيُّ يُشِيرُ إِلَى اتِّحَادِهِمَا لِأَنَّ دَوْسًا قَبِيلَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُمْ يَنْتَسِبُونَ إِلَى دَوْسِ بْنِ عُدْثَانَ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَ الدَّالِ السَّاكِنَةِ مُثَلَّثَةٌ بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَهْرَانَ يَنْتَهِي نَسَبُهُمْ إِلَى الْأَزْدِ فَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ خَثْعَمَ تَبَايُنٌ فِي النَّسَبِ والبلد.
وَذكر بن دِحْيَةَ أَنَّ ذَا الْخَلَصَةِ الْمُرَادَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ قَدْ نَصَبَهُ أَسْفَلَ مَكَّةَ وَكَانُوا يُلْبِسُونَهُ الْقَلَائِدَ وَيَجْعَلُونَ عَلَيْهِ بَيْضَ النَّعَامِ وَيَذْبَحُونَ عِنْدَهُ وَأَمَّا الَّذِي لِخَثْعَمَ فَكَانُوا قَدْ بَنَوْا بَيْتًا يُضَاهُونَ بِهِ الْكَعْبَةَ فَظَهَرَ الِافْتِرَاقُ وَقَوِيَ التَّعَدُّدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَوْلُهُ وَالْكَعْبَةُ الْيَمَانِيَّةُ وَالْكَعْبَةُ الشَّامِيَّةُ ….
وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الَّذِي فِي الرِّوَايَةِ صَوَابٌ وَأَنَّهَا كَانَ يُقَالُ لَهَا الْيَمَانِيَّةُ بِاعْتِبَارِ كَوِّنْهَا بِالْيَمَنِ وَالشَّامِيَّةُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُمْ جَعَلُوا بَابَهَا مُقَابِلَ الشَّامِ
____
*وقال رحمه الله في شرح باب ذهابه إلى اليمن (باختصار):*
قَوْله بَاب ذهَاب جرير أَي بن عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ إِلَى الْيَمَنِ
ذَكَرَ الطَّبَرَانِيُّ 2392 مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ (بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ أُقَاتِلُهُمْ وَأَدْعُوهُمْ أَنْ يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)
قلت سيف بن دورة: وأخرجه ابن أبي شيبة. 33781
قال ابن معين وأبو حاتم: لم يسمع إبراهيم بن جرير من أبيه قاله البوصيري في الاتحاف. انتهى
فَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا الْبَعْثَ غَيْرُ بَعْثِهِ إِلَى هَدْمِ ذِي الْخَلَصَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَعَثَهُ إِلَى الْجِهَتَيْنِ عَلَى التَّرْتِيب وَيُؤَيِّدهُ مَا وَقع عِنْد بن حِبَّانَ فِيَّ حَدِيثِ جَرِيرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ يَا جَرِيرُ إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ طَوَاغِيتِ الْجَاهِلِيَّةِ إِلَّا بَيْتُ ذِي الْخَلَصَة
قلت سيف بن دورة: إسناده جيد. من طريق الربيع بن ثعلب ثنا أبو إسماعيل المؤدب عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير
وأخرجه الطبراني 2257 من طريق أخرى عن إسماعيل عن قيس عن جرير
ِ فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِتَاخِيرِ هَذِهِ الْقِصَّةِ جِدًّا وَسَيَاتِي فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَنَّ جَرِيرًا شَهِدَهَا فَكَأَنَّ إِرْسَالَهُ كَانَ بَعْدَهَا فَهَدَمَهَا ثُمَّ تَوَجَّهَ إِلَى الْيَمَنِ وَلِهَذَا لَمَّا رَجَعَ بَلَغَتْهُ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ …….
– وفاته رضي الله عنه:
بعد تحوله رضي الله عنه إلى الجزيرة ونواحيها، مات بِقِرْقِسيا، واختُلف في تاريخِ وفاتِهِ، فقال الهيثمُ وخليفةُ ومحمد بن مُثنَّى: تُوفِّي جرير سنة إحدى وخمسين.
قال ابن كثير في (البداية _ ج8/ص37): وقد كان عاملا لعثمان على همدان يقال أنه أصيبت عينه هناك فلما قتل عثمان اعتزل عليا معاوية ولم يزل مقيما بالجزيرة حتى توفى بالسراة سنة إحدى وخمسين قاله الواقدي وقيل سنة أربع وقيل سنة ست وخمسين
قال ابنُ الكلبيِّ: مات سنة أربع وخمسين. رضي الله عنه ورحمه. [انظر: الرياض المستطابة في جملة من روى في الصحيحين من الصحابة، ومشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه، للأثيوبي]
من مقالاتنا: ما معنى الغمر في الحديث