286 و 287 و 288 و 289 و 290 و 291 و 292 و 293 و 294 عبق الياسمين شرح رياض الصالحين
سلطان الحمادي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
35 باب حق الزوج على المرأة
قَالَ الله تَعَالَى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النساء:34].
(باب حق الزوج عَلَى المرأة) قال ابن علان:” (باب حق) أي: واجب (الزوج على امرأته) أي ما يجب له عليها ويستحقه منها. (دليل الفالحين 1/ 484) قال ابن عثيمين:” لما ذكر ـ رحمه الله ـ حقوق الزوجة على زوجها؛ ذكر حقوق الزوج على زوجته” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 139)
حق الزوج عظيم وقد لا يستطيع النساء أن يقمن به على وجهه، روى ابن ماجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها ولو سألها نفسَها وهي على قتب لم تمنعه.” (الصحيحة (1203))
والقتب رحل صغير على قدر سنام البعير.
وروى البزار عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: أتى رجلٌ بابْنَتِه إلى رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: إنَّ ابنتَي هذهِ أبَتْ أنْ تَتَزوَّجَ؛ فقال لها رسولُ الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:”أطيعي أباك”. فقالتْ: والَّذي بعَثَك بالْحَقِّ لا أتزَوَّجُ حتى تُخْبِرَني ما حَقُّ الزوجِ على زوْجَتِه؟ قال: “حقُّ الزوجِ على زوْجَتِه؛ لو كانَتْ بِه قُرْحَةٌ فلَحَسَتْها، أوِ انْتَثَر مِنْخَراهُ صَديداً أوْ دَماً ثمَّ ابْتَلَعَتْهُ ما أدَّتْ حَقَّه”.قالَتْ: والَّذي بعَثَك بالْحَق لا أتَزَّوجُ أبَداً. فقال النبيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “لا تُنْكِحوهُنَّ إلاَّ بإذْنِهِنَّ”. (صحيح الترغيب 1934)
قلت سيف بن دوره: فيه ربيعة بن عثمان مختلف فيه وثقه ابن معين بينما قال أبوزرعة الى الصدق ما هو وليس بذاك القوي. قال ابوحاتم منكر الحديث يكتب حديثه الجرح والتعديل 3/ 476
روى الإمام أحمد عَنِ الْحُصَيْنِ بْنِ مِحْصَنٍ أَنَّ عَمَّةً لَهُ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ فَفَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَذَاتُ زَوْجٍ أَنْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: كَيْفَ أَنْتِ لَهُ؟ قَالَتْ: مَا آلُوهُ إِلَّا مَا عَجَزْتُ عَنْهُ. قَالَ: فَانْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ. حسنه الألباني في “صحيح الجامع” (1509).
روى النسائي عن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما عن رسولِ الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال:”لا ينظُرُ الله تبارَك وتعالى إلى امْرأةٍ لا تشكرُ لزوْجِها؛ وهي لا تَستَغْني عنه”. (صحيح الترغيب 1944)
والأحاديث في ذلك كثيرة وسيأتي شيء منها.
(الرجال قوامون على النساء) الرجال أهل قيام على نسائهم في تأديبهن والأخذ على أيديهن , فيما يجب عليهن لله ولأنفسهم. (تفسير الطبري)
قال البغوي:” مسلطون على تأديبهن، والقوام والقيم بمعنى واحد، والقوام أبلغ وهو القائم بالمصالح والتدبير والتأديب.” (تفسير البغوي)
قال القرطبي:” أيضا فإن فيهم الحكام والأمراء ومن يغزو، وليس ذلك في النساء” (تفسير القرطبي)
(بما فضل الله بعضهم على بعض) يعني بما فضل الله به الرجال على أزواجهم من سوقهم إليهن مهورهن , وإنفاقهم عليهن أموالهم , وكفايتهم إياهن مؤنهن. وذلك تفضيل الله تبارك وتعالى إياهن عليهن , ولذلك صاروا قواما عليهن , نافذي الأمر عليهن فيما جعل الله إليهم من أمورهن (تفسير الطبري)
قال البغوي:” (بما فضل الله بعضهم على بعض) يعني: فضل الرجال على النساء بزيادة العقل والدين والولاية، وقيل: بالشهادة، لقوله تعالى (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان) وقيل: بالجهاد، وقيل: بالعبادات من الجمعة والجماعة، وقيل: هو أن الرجل ينكح أربعا ولا يحل للمرأة إلا زوج واحد، وقيل: بأن الطلاق بيده، وقيل: بالميراث، وقيل: بالدية، وقيل: بالنبوة ” (تفسير البغوي)
قال ابن كثير:” (بما فضل الله بعضهم على بعض) أي: لأن الرجال أفضل من النساء، والرجل خير من المرأة; ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال وكذلك الملك الأعظم; لقوله صلى الله عليه وسلم: ” لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ” رواه البخاري من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه وكذا منصب القضاء وغير ذلك.” (تفسير بن كثير)
(وبما أنفقوا من أموالهم) فإنه يعني: وبما ساقوا إليهن من صداق , وأنفقوا عليهن من نفقة. (تفسير الطبري)
قال ابن كثير:” (وبما أنفقوا من أموالهم) أي: من المهور والنفقات والكلف التي أوجبها الله عليهم لهن في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه، وله الفضل عليها والإفضال، فناسب أن يكون قيما عليها، كما قال الله تعالى (وللرجال عليهن درجة) ” (تفسير ابن كثير)
قال السعدي:” (وَبِمَا أَنْفَقُوا) وحذف المفعول ليدل على عموم النفقة. فعلم من هذا كله أن الرجل كالوالي والسيد لامرأته، وهي عنده عانية أسيرة خادمة، فوظيفته أن يقوم بما استرعاه الله به. ووظيفتها: القيام بطاعة ربها وطاعة زوجها” (تفسير السعدي)
قال ابن عثيمين:” هذه إشارة إلى أن أصحاب الكسب الذين يكسبون ويعملون هم الرجال، أما المرأة فصناعتها بيتها، تبق في بيتها تصلح أحوال زوجها، وأحوال أولادها، وأحوال البيت، هذه وظيفتها، أما أن تشارك الرجال بالكسب وطلب الرزق ثم بالتالي تكون هي المنفقة عليه؛ فهذا خلاف الفطرة وخلاف الشريعة، فالله تعالى يقول: (وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) فصاحب الإنفاق هو الرجل.” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين)
(فالصالحات) المستقيمات الدين , العاملات بالخير.
(قانتات) يعني: مطيعات لله ولأزواجهن. قال ابن عثيمين:” فالصالحات قانتات أي مديمات للطاعة، الصالحة تقنت ليس معناها: الدعاء بالقنوت؛ بل القنوت دوام الطاعة كما قال تعالى: (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) [البقرة: 238] أي مديمين لطاعته: (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين)
(حافظات للغيب) فإنه يعني: حافظات لأنفسهن عند غيبة أزواجهن عنهن في فروجهن وأموالهم , وللواجب عليهن من حق الله في ذلك وغيره. (تفسير الطبري) قال البغوي:” (حافظات للغيب) أي: حافظات للفروج في غيبة الأزواج، وقيل: حافظات لسرهم ” (تفسير البغوي)
قال القرطبي:” قوله تعالى: (فالصالحات قانتات حافظات للغيب) هذا كله خبر، ومقصوده الأمر بطاعة الزوج والقيام بحقه في ماله وفي نفسها في حال غيبة الزوج.” (تفسير القرطبي 5/ 170)
روى الطبراني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” خير النساء من تسرك إذا أبصرت وتطيعك إذا أمرت وتحفظ غيبتك في نفسها ومالك” (صحيح الجامع 3299)
وروى البخاري في الأدب المفرد و ابن حبان في صحيحه عن فضالةَ بنِ عبيدٍ رضي الله عنه عَنْ رسولِ الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال:”ثلاثَةٌ لا تَسْأَلْ عنهم: رجلٌ فارقَ الجماعَةَ وعَصى إمامَةُ ومات عاصياً، وعبدٌ أبقَ مِنْ سيِّدِهِ فماتَ، وامْرأَةٌ غابَ عنها زوجُها وقد كفاها مَؤونةَ الدنيا فخَانَتْة بَعْدَه. وثلاثَة لا تَسألْ عَنْهم: رجلٌ نازَعَ الله رِداءَه؛ فإنَّ رداه الكِبْرُ، وإزارَهُ العزُّ، ورجلٌ في شكٍّ مِنْ أمْرِ الله، والقانِطُ منْ رَحْمَةِ الله”. (الصحيحة 542)
قوله: (بما حفظ الله) أي: قال ابن جزي:” بما حفظ الله، أي: بحفظ الله ورعايته، أو بأمره للنساء أن يطعن الزوج ويحفظنه. [ابن جزي: (1) / (188)]
روى الطبراني عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه عن النبيِّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال:
“ألا أُخْبِرُكُم بِرِجالِكم في الجنَّةِ؟ “.قلنا: بَلى يا رسولَ الله! قال:
“النبيُّ في الجنَّةِ، والصدِّيقُ في الجنَّةِ، والرجلُ يزورُ أخاه في ناحِيَةِ المصْر، لا يزورُهُ إلا لله في الجَنَّةِ. أَلا أُخْبِرُكُمْ بنِسائِكُم في الجَنَّةِ؟ “.
قلنا: بلى يا رسولَ الله! قال: “كلُّ وَدُودٍ وَلودٍ، إذا غَضِبَتْ، أوْ أُسِيءَ إليْها، أو غَضِبَ زوْجُها قالتْ: هذه يدي في يَدِك، لا أَكْتَحِلُ بغَمْضٍ حتى تَرْضَى”. (الصحيحة 3380)
وروى النسائي عن أبي هريرة قال قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي النساء خير قال التي تسره إذا نظر وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره. الصحيحة (1838)
وروى البيهقي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:” خير نسائكم الودود الولود المواتية المواسية، إذا اتقين الله، وشر نسائكم المتبرجات المتخيلات وهن المنافقات لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم” (الصحيحة 1849)
وأخرج البخاري في الأدب المفرد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:” إياكن وكفر المنعمين، فقلت: يا رسول الله وما كفر المنعمين؟ قال: لعل إحداكن تطول أيمتها من أبويها، ثم يرزقها الله زوجا ويرزقها منه ولدا، فتغضب الغضبة فتكفر فتقول: ما رأيت منك خيرا قط” (الصحيحة 823)
قال ابن باز:” الرجال لهم الفضل على النساء من جهتين، من جهة أن الله فضل الرجال على النساء وجعل لهم ميزة في قوتهم وعقولهم والنظر لشؤون دينهم ودنياهم، وبما أنفقوا من أموالهم في الإحسان إلى الزوجة والإنفاق عليها والبنات والأخوات ونحو ذلك” (شرح رياض الصالحين لابن باز .. )
قال ابن عثيمين:” قد فضل الرجال على النساء؛ فإنهم هم القوامون عليهن، وفي هذا لا يدرين الواقع على فضل جنس الرجال على النساء، وأن الرجال أكمل وأفضل وأولى بالولاية من المرأة، ولهذا لما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: مات كسرى وتولى الأمر بعده امرأة قال: (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) وهذا الحديث إن كان يعني هؤلاء الفرس الذين نصبوا عليهم امرأة؛ فهو يعنيهم ولكن غيرهم مثلهم، وإن كان عاماً فهو عام، لن يفلح قوم ولوا على أمرهم امرأة، فالرجل هو صاحب القوامة على المرأة، وفي هذا دليل على سفه أولئك الكفار من الغربيين وغير الغربيين، الذين صاروا أذناباً للغرب يقدسون المرأة أكثر من تقديس الرجل؛ لأنهم يتبعون أولئك الأراذل من الكفار الذين لم يعرفوا لصاحب الفضل فضله، فتجدهم مثلاً في مخاطباتهم يقدمون المرأة على الرجل فيقول أحدهم: أيها السيدات والسادة، وتجد المرأة في المكان الأعلى عندهم والرجل دونها. (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين
286 – وأما الأحاديث فمنها حديث عمرو بن الأحوص السابق في الباب قبله.
287 – وعن أبي هريرةَ رضي اللَّه عنه قَالَ: قالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “إِذَا دعَا الرَّجُلُ امْرأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فلَمْ تَاتِهِ فَبَات غَضْبانَ عَلَيْهَا لَعَنتهَا الملائكَةُ حَتَّى تُصْبحَ” متفقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية لهما: “إِذَا بَاتَتْ المَرْأَةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجهَا لَعنتْهَا المَلائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ “.
وفي روايةٍ قَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِن رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَتَابَى عَلَيْهِ إِلاَّ كَانَ الَّذي في السَّماءِ سَاخِطاً عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْها” هذه الرواية عند مسلم.
(إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه) قال ابن أبي جمرة: الظاهر أن الفراش كناية عن الجماع، ويقويه قوله: ” الولد للفراش ” أي: لمن يطأ في الفراش، والكناية عن الأشياء التي يستحيى منها كثيرة في القرآن والسنة. (فتح الباري) وفي هذا تعويد اللسان على الكلام الحسن وترك الفاحش.
(لَعَنتهَا الملائكَةُ حَتَّى تُصْبحَ) قال النووي في شرحه للحديث:” هذا دليل على تحريم امتناعها من فراشه لغير عذر شرعي وليس الحيض بعذر في الامتناع؛ لأن له حقا في الاستمتاع بها فوق الإزار. ومعنى الحديث أن اللعنة تستمر عليها حتى تزول المعصية بطلوع الفجر والاستغناء عنها، أو بتوبتها ورجوعها إلى الفراش. (شرح مسلم للنووي)
قال ابن حجر:” قال: وظاهر الحديث اختصاص اللعن بما إذا وقع منها ذلك ليلا؛ لقوله: ” حتى تصبح “، وكأن السر تأكد ذلك الشأن في الليل وقوة الباعث عليه، ولا يلزم من ذلك أنه يجوز لها الامتناع في النهار، وإنما خص الليل بالذكر لأنه المظنة لذلك. (فتح الباري)
جاء في رواية قوله: (فأبت أن تجيء)، قال ابن حجر:” قوله: (فأبت أن تجيء) زاد أبو عوانة عن الأعمش كما تقدم في بدء الخلق: ” فبات غضبان عليها “، وبهذه الزيادة يتجه وقوع اللعن؛ لأنها حينئذ يتحقق ثبوت معصيتها، بخلاف ما إذا لم يغضب من ذلك فإنه يكون إما لأنه عذرها، وإما لأنه ترك حقه من ذلك (فتح الباري)
قال ابن علان:” (لعنتها الملائكة) ويستمرّ ذلك منهم إن استمرت على الامتناع” (دليل الفالحين 1/ 485)
قال ابن عثيمين:” ولعن الملائكة يعني أنها تدعو على هذه المرأة باللعنة، واللعنة هي الطرد والإبعاد عن رحمة الله، فإذا دعاها إلى فراشه ليستمتع بها بما أذن الله له فيه فأبت أن تجيء، فإنها تلعنها الملائكة والعياذ بالله، أي تدعو عليها باللعنة إلى أن تصبح.” (شرح رياض الصالحين 3/ 141)
قوله في الرواية الأخرى (إِلاَّ كَانَ الَّذي في السَّماءِ سَاخِطاً عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْها) قال ابن عثيمين:” اللفظ الثاني: أنها إذا هجرت فراش زوجها، فإن الله تعالى يغضب عليها حتى يرضى عنها الزوج، وهذا أشد من الأول؛ لأن الله سبحانه وتعالى إذا سخط؛ فإن سخطه أعظم من لعنة الإنسان، نسأل الله العافية.
ودليل ذلك أن الله تعالى ذكر في آية اللعان أنه إذا لاعن الرجل يقول: (أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) [النور: 7]، وهي إذا لاعنت تقول: (أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [النور: 9]، وهذا يدل على أن الغضب أشد، وهو كذلك. (شرح رياض الصالحين 3/ 141)
وقال أيضا:” وأيضاً قال في الحديث: ((إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها)) أي الزوج، وهناك قال: ((حتى تصبح))، أما هنا فعلّقه برضى الزوج، وهذا قد يكون أقل، وقد يكون أكثر يعني: ربما يرضى الزوج عنها قبل طلوع الفجر، وربما لا يرضى إلا بعد يوم أو يومين، المهم ما دام الزوج ساخطاً عليها فالله عز وجل ساخط عليها.” (شرح رياض الصالحين 3/ 142)
وقال أيضا:” في هذا الحديث دليل صريح لما ذهب إليه أهل السنة والجماعة وسلف الأمة من أن الله عز وجل في السماء هو نفسه جل وعلا فوق عرشه، فوق سبع سموات … نجد أن المسألة فطرية لا تحتاج إلى دراسة وتعب حتى يقرّ الإنسان أن الله في السماء، بمجرد الفطرة يرفع الإنسان يديه إلى ربه إذا دعا ويتجه قلبه إلى السماء، واليد ترفع أيضاً نحو السماء.
بل حتى البهائم ترفع رأسها إلى السماء، حدثني أحد الأساتذة في الجامعة عندنا عن شخص اتصل عليه من القاهرة إبان الزلزلة التي أصابت مصر يقول: إنه قبل الزلزلة بدقائق، هاجت الحيوانات في مقرها الذي يسمونه: ((حديقة الحيوانات)) هاجت هيجاناً عظيماً، ثم بدأت ترفع رأسها إلى السماء. سبحان الله، بهائم تعرف أن الله في السماء، وأوادم من بني آدم ينكرون أن الله في السماء والعياذ بالله، فالبهائم تدري وتعرف.
نحن نشاهد بعض الحشرات إذا طردتها أو آذيتها وقفت ثم رفعت قوائمها إلى السماء نشاهدها مشاهدة، فهذا يدل على أن كون الله عز وجل في السماء أمر فطري لا يحتاج إلى دليل أو تعب أو عنت” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 143)
قال ابن تيمية:” قال بعض أكابر أصحاب الشافعي: في القرآن ” ألف دليل ” أو أزيد: تدل على أن الله تعالى عال على الخلق وأنه فوق عباده.” (مجموع الفتاوى 5/ 121)
وقال أيضا:” أما كونه عاليا على مخلوقاته بائنا منهم: فهذا أمر معلوم بالفطرة الضرورية التي يشترك فيها جميع بني آدم.” (مجموع الفتاوى 4/ 45)
قال ابن حجر أيضا:” قال: وفيه دليل على قبول دعاء الملائكة من خير أو شر؛ لكونه صلى الله عليه وسلم خوف بذلك، وفيه الإرشاد إلى مساعدة الزوج وطلب مرضاته، وفيه أن صبر الرجل على ترك الجماع أضعف من صبر المرأة، قال: وفيه أن أقوى التشويشات على الرجل داعية النكاح، ولذلك حض الشارع النساء على مساعدة الرجال في ذلك. انتهى، أو السبب فيه الحض على التناسل، ويرشد إليه الأحاديث الواردة في الترغيب في ذلك كما تقدم في أوائل النكاح، قال: وفيه إشارة إلى ملازمة طاعة الله والصبر على عبادته جزاء على مراعاته لعبده حيث لم يترك شيئا من حقوقه إلا جعل له من يقوم به حتى جعل ملائكته تلعن من أغضب عبده بمنع شهوة من شهواته، فعلى العبد أن يوفي حقوق ربه التي طلبها منه؛ وإلا فما أقبح الجفاء من الفقير المحتاج إلى الغني الكثير الإحسان. انتهى ملخصا من كلام ابن أبي جمرة رحمه الله. (فتح الباري)
قال القرطبي:” هذا دليل على تحريم امتناع المرأة على زوجها إذا أرادها، ولا خلاف فيه، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {وللرجال عليهن درجة} [البقرة: 228]، والمرأة في ذلك بخلاف الرجل، فلو دعت المرأة زوجها إلى ذلك لم يجب عليه إجابتها، إلا أن يقصد بالامتناع مضارتها، فيحرم عليه ذلك، والفرق بينهما أن الرجل هو الذي ابتغى بماله، فهو المالك للبضع، والدرجة التي له عليها هي السلطة التي له بسبب ملكه، وأيضا فقد لا ينشط الرجل في وقت تدعوه، فلا ينتشر، ولا يتهيأ له ذلك، بخلاف المرأة.” (المفهم 4/ 160)
قال ابن باز معلقا على الحديث:” هذا يدل على أنه كبيرة من الكبائر” (شرح رياض الصالحين 1/ 552)
وقال أيضا:” هذا كله يؤيد ويبين وجوب طاعتها لزوجها في المعروف وعدم هجرها إياه بغير حق ما دام قام بواجبها من إنفاق وحسن عشرة، فالواجب عليها أن تقوم بالواجب أيضا من جهة طيب نفسها وتمكينه لها من نفسها، والقيام بما يجب في بيتها ورعاية أولادها وصيانة نفسها وحفظ مال زوجها إلى غير ذلك من الشؤون” (شرح رياض الصالحين 1/ 553)
قال ابن عثيمين:” في هذا دليل على عظم حق الزوج على زوجته، ولكن هذا في حق الزوج القائم بحق الزوجة، أما إذا نشز ولم يقم بحقها؛ فلها الحق أن تقتص منه وألا تعطيه حقه كاملاً؛ لقول الله تعالى: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) [البقرة: 194] ولقوله تعالى: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ) [النحل: 126].
لكن إذا كان الزوج مستقيماً قائماً بحقها فنشزت هي ومنعته حقه؛ فهذا جزاؤها إذا دعاها إلى فراشه فأبت أن تأتي.” (شرح رياض الصالحين 3/ 142)
288 – وعن أَبي هريرة رضي اللَّه عنه أَيضاً أَن رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “لاَ يَحلُّ لامْرَأَةٍ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ، وَلا تَاذَنْ في بَيْتِهِ إِلاَّ بِإِذنِهِ” متفقٌ عَلَيهِ، وهذا لفظ البخاري.
جاء في الصحيحن عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ: كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلَّا فِي شَعْبَانَ. قَالَ يَحْيَى: الشُّغْلُ مِنَ النَّبِيِّ، أَوْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قوله (“لاَ يَحلُّ لامْرَأَةٍ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ) قال النووي” هذا محمول على صوم التطوع والمندوب الذي ليس له زمن معين، وهذا النهي للتحريم صرح به أصحابنا، وسببه أن الزوج له حق الاستمتاع بها في كل الأيام، وحقه فيه واجب على الفور فلا يفوته بتطوع ولا بواجب على التراخي، فإن قيل: فينبغي أن يجوز لها الصوم بغير إذنه، فإن أراد الاستمتاع بها كان له ذلك ويفسد صومها، فالجواب: أن صومها يمنعه من الاستمتاع في العادة؛ لأنه يهاب انتهاك الصوم بالإفساد ” (شرح مسلم للنووي) قال ابن حجر معلقا على كلام النووي:” ولا شك أن الأولى له خلاف ذلك إن لم يثبت دليل كراهته، نعم، لو كان مسافرا فمفهوم الحديث في تقييده بالشاهد يقتضي جواز التطوع لها إذا كان زوجها مسافرا، فلو صامت وقدم في أثناء الصيام فله إفساد صومها ذلك من غير كراهة، وفي معنى الغيبة أن يكون مريضا بحيث لا يستطيع الجماع” (فتح الباري)
قال ابن حجر:” قوله: (لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها) يلتحق به السيد بالنسبة لأمته التي يحل له وطؤها، ووقع في رواية همام: ” وبعلها ” وهي أفيد؛ لأن ابن حزم نقل عن أهل اللغة أن البعل اسم للزوج والسيد، فإن ثبت وإلا ألحق السيد بالزوج للاشتراك في المعنى. (فتح الباري) قال ابن حجر:” قوله: (إلا بإذنه) يعني: في غير صيام أيام رمضان، وكذا في غير رمضان من الواجب إذا تضيق الوقت. (فتح الباري)
جاء في رواية عند مسلم (لا تصم المرأة) هكذا عند المصنف بصيغة النهي، فـ “لا” ناهية، والفعل مجزوم بها، ووقع عند غيره بالرفع، قال ولي الدين”: لفظه خبر، ومعناه النهي، ووقع في “صحيح البخاري” بلفظ: “لا يحل للمرأة أن تصوم”، وهو صريح في تحريم ذلك، وبه صرح الشافعية، كما حكاه النووي عنهم، قال: وقال بعض أصحابنا: يكره، والصحيح الأول.” (طرح التثريب” 4/ 140 – 141)
قال ابن علان:” (لا يحل لامرأة أن تصوم) ولو فرضاً موسعاً لأن حق الزوج ناجز ووقت الفرض متسع، ومن ثم لو ضاق بأن نذرت صوم وقت معين قبل التزوج به أو بعده بإذن أو ضاق الوقت بأن لم يبق من شعبان إلا قدر ما عليها من قضاء رمضان حل لها الصوم بغير إذنه” (دليل الفالحين 1/ 487)
قال ابن باز:” هذا للتطوع، أما في رمضان فهذا واجب على الجميع؛ ولهذا في الحديث الآخر: ((إلا رمضان)) أما رمضان ففرض على الجميع، وهكذا الكفارات التي تجب عليها، يجب عليها أن تؤديها لأنها فرض.” (شرح رياض الصالحين لابن باز1/ 553)
قال ابن عثيمين:” فصوم المرأة فيه تفصيل: أما التطوع فلا يجوز إلا بإذن الزوج، وأما الفرض فإن كان الوقت متسعاَ، فإنه لا يجوز إلا بإذن الزوج، وإن كان لا يسع إلا مقدار ما عليها من الصوم، فإنه لا يشترط إذن الزوج، هذا إذا كان حاضراً، أما إذا كان غائباً فلها أن تصوم.” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 147)
وقال أيضا:” الظاهر أن الصلاة ليست كالصوم، فلها أن تصلي ولو كان زوجها حاضراً، إلا أن يمنعها فيقول: آنا محتاج إلى استمتاع، لا تصلين الضحى مثلاً لا تتهجدين الليلة.
على أنه لا يجوز للزوج أن يحرم زوجته الخير، إلا إذا كان هناك حاجة بأن غلبت عليه الشهوة، ولا يتمكن من الصبر، وإلا فعليه أن يكون عوناً لها على طاعة الله، وعلى فعل الخير؛ لأنه يكون مأجوراً بذلك كما أنها مأجورة أيضاً على الخير.” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 147)
وقوله صلى الله عليه وسلم: (وزوجها شاهد) أي مقيم في البلد، أما إذا كان مسافرا فلها الصوم؛ لأنه لا يتأتى منه الاستمتاع إذا لم تكن معه. (شرح مسلم للنووي) قال ابن حجر:” قوله: (شاهد) أي: حاضر. ” (فتح الباري)
قال ابن علان:” (وزوجها شاهد) أي حاضر، وظاهر عمومه أنه لا فرق في ذلك بين حريتهما ورقهما وتخالفهما في ذلك” (دليل الفالحين 1/ 487)
قال ولي الدين:” قال: وما المراد بغيبته هنا؟ هل المراد الغيبة المعتبرة في أكثر المسائل الشرعية، وهي أن يكون على مسافة القصر، أو المراد أن يكون فوق مسافة العدوى، أو المراد مطلق الغيبة عن البلد، ولو قلت المسافة، وقصرت مدتها؟ مقتضى إطلاق الحديث ترجيح هذا الاحتمال الثالث، لكن لو ظنت قدومه في بقية اليوم بسبب من الأسباب، فينبغي تحريم صوم ذلك اليوم، وهذا لا يختص بهذا الاحتمال، بل يجري على الاحتمالات كلها، فمتى ظنت قدومه في يوم حرم عليها صومه، ولو بعدت بلد الغيبة، وطالت مدتها، ويحتمل أن لا يحرم استصحابا للغيبة، والأصل استمرارها.” (طرح التثريب” 4/ 141.)
قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا تأذن في بيته وهو شاهد إلا بإذنه) فيه إشارة إلى أنه لا يفتات على الزوج وغيره من مالكي البيوت وغيرها بالإذن في أملاكهم إلا بإذنهم، وهذا محمول على ما لا يعلم رضا الزوج ونحوه به، فإن علمت المرأة ونحوها رضاه به جاز كما سبق في النفقة. (شرح مسلم للنووي) قال ابن حجر:” قوله: (ولا تأذن في بيته)، زاد مسلم من طريق همام عن أبي هريرة: ” وهو شاهد إلا بإذنه “، وهذا القيد لا مفهوم له، بل خرج مخرج الغالب، وإلا فغيبة الزوج لا تقتضي الإباحة للمرأة أن تأذن لمن يدخل بيته، بل يتأكد حينئذ عليها المنع لثبوت الأحاديث الواردة في النهي عن الدخول على المغيبات، أي: من غاب عنها زوجها، ويحتمل أن يكون له مفهوم، وذلك أنه إذا حضر تيسر استئذانه وإذا غاب تعذر، فلو دعت الضرورة إلى الدخول عليها لم تفتقر إلى استئذانه لتعذره، ثم هذا كله فيما يتعلق بالدخول عليها، أما مطلق دخول البيت بأن تأذن لشخص في دخول موضع من حقوق الدار التي هي فيها أو إلى دار منفردة عن سكنها فالذي يظهر أنه ملتحق بالأول، وقال النووي: في هذا الحديث إشارة إلى أنه لا يفتات على الزوج بالإذن في بيته إلا بإذنه، وهو محمول على ما لا تعلم رضا الزوج به، أما لو علمت رضا الزوج بذلك فلا حرج عليها، كمن جرت عادته بإدخال الضيفان موضعا معدا لهم سواء كان حاضرا أم غائبا، فلا يفتقر إدخالهم إلى إذن خاص لذلك، وحاصله أنه لا بد من اعتبار إذنه تفصيلا أو إجمالا.” (فتح الباري) وقال أيضا:” قوله: (إلا بإذنه) أي: الصريح، وهل يقوم ما يقترن به علامة رضاه مقام التصريح بالرضا؟ فيه نظر. ” (فتح الباري)
قال ولي الدين:” (إلا بإذنه) وهل المراد إذنه صريحا، أو يكفي ما يقوم مقامه، من احتفاف قرائن، تدل على رضاه بذلك؟ الظاهر أن احتفاف القرائن، واطراد العادة يقوم مقام الإذن الصريح”
قال ابن عثيمين:” أما إدخال أحد بيته بغير إذنه فظاهر. فلا يجوز أن تدخل أحداً بيته إلا بإذنه، لكن الإذن في إدخال البيت نوعان:
الإذن الأول: إذن العرف: يعني جرى به العرف مثل دخول امرأة الجيران والقريبات والصاحبات والزميلات وما أشبه ذلك، هذا جرى العرف به، وأن الزوج يأذن به، فلها أن تدخل هؤلاء إلا إذا منع وقال: لا تدخل عليك فلانة، فهنا يجب المنع، ويجب أن لا تدخل.
والإذن الثاني: إذن لفظي، بأن يقول لها: أدخلي من شئتي ولا حرج عليك إلا من رأيتي منه مضرة فلا تدخليه، فيتقيد الأمر بإذنه.” (شرح رياض الصالحين لابن عثميين3/ 147)
وجاء في رواية مسلم زيادة (وما أنفقت من كسبه من غير أمره فإن نصف أجره له) فمعناه: من غير أمره الصريح في ذلك القدر المعين، ويكون معها إذن عام سابق متناول لهذا القدر وغيره. (شرح مسلم للنووي)
وجاء في رواية البخاري (وما أنفقت من نفقة عن غير أمره فإنه يؤدى إليه شطره) أي: نصفه، والمراد: نصف الأجر (فتح الباري)
289 – وعن ابن عمرَ رضي اللَّهُ عنهما عن النَّبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: “كُلُّكُمْ راعٍ، وكُلُّكُمْ مسئولٌ عنْ رعِيَّتِهِ، والأَمِيرُ رَاعٍ، والرَّجُلُ راعٍ علَى أَهْلِ بَيْتِهِ، والمرْأَةُ راعِيةٌ عَلَى بيْتِ زَوْجِها وولَدِهِ، فَكُلُّكُمْ راعٍ، وكُلُّكُمْ مسئولٌ عنْ رعِيَّتِهِ” متفقٌ عليه.
روى ابن حبان في صحيحه أن نبي الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال:”إنَّ الله سائلٌ كلَّ راعٍ عمَّا اسْتَرْعاهُ، حَفِظَ أمْ ضَيِّعَ، حتى يَسْألَ الرجُلَ عنْ أهلِ بيْتِه”. (صحيح الترغيب 1966)
وهذا من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، أجمل ثم فصل ثم أجمل في الآخر.
قال القرطبي:” الراعي هو الحافظ للشيء المراعي لمصالحه، وكل من ذكر في هذا الحديث قد كُلِّف ضبطَ ما أُسند إليه من رعيته واؤتُمِنَ عليه، فيَجِبُ عليه أن يجتهد في ذلك وينصح ولا يفرط في شيء من ذلك” (المفهم 4/ 27)
قال النووي:” قال العلماء: الراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه، وما هو تحت نظره، ففيه أن كل من كان تحت نظره شيء فهو مطالب بالعدل فيه، والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقاته. ” (شرح مسلم للنووي)
قال العيني:” قال في “العمدة”: الرعية كل من شمله حفظ الراعي، ونظره، وأصل الرعاية: حفظ الشيء، وحسن التعهد فيه، لكن تختلف، فرعاية الإمام هي ولاية أمور الرعية، وإقامة حقوقهم، ورعاية المرأة حسن التعهد في أمر بيت زوجها، ورعاية الخادم هو حفظ ما في يده، والقيام بالخدمة، ونحوها، ومن لم يكن إماما، ولا له أهل، ولا سيد، ولا أب، وأمثال ذلك فرعايته على أصدقائه، وأصحاب معاشرته.” (عمدة القاري 24/ 221)
قال الطيبي:” معنى الراعي هنا: الحافظ المؤتمن على ما يليه، أمرهم النبي – صلى الله عليه وسلم – بالنصيحة فيما يلونه، وحذرهم الخيانة فيه بإخبارهم أنهم مسئولون عنه، فالرعاية حفظ الشيء، وحسن التعهد” (الكاشف عن حقائق السنن” 8/ 2569)
قال الخطابي: اشتركوا؛ أي: الإمام والرجل ومن ذكر في التسمية أي: في الوصف بالراعي، ومعانيهم مختلفة، فرعاية الإمام الأعظم حياطة الشريعة بإقامة الحدود والعدل في الحكم، ورعاية الرجل أهله سياسته لأمرهم وإيصالهم حقوقهم، ورعاية المرأة تدبير أمر البيت والأولاد والخدم، والنصيحة للزوج في كل ذلك، ورعاية الخادم حفظ ما تحت يده، والقيام بما يجب عليه من خدمته. (فتح الباري)
(والأَمِيرُ رَاعٍ) وفي رواية (فالإمام الذي على الناس)، قال ابن حجر:” أي: الإمام الأعظم” (فتح الباري) الإمارة كبرت أو صغرت مسؤولية عظيمة، روى البخاري ومسلم أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» وفي رواية:”فلم يُحِطْها بِنُصْحِهِ، لَمْ يَرَحْ رائحَةَ الجَنَّةِ”.
روى أبو دواد عن أبي مريم عمرو بن مرة الجهني رضي الله عنه؛ أنه قال لمعاويَةَ: سمعتُ رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يقول: “مَنْ ولاهُ الله شيْئاً مِنْ أمورِ المسْلمينَ، فاحْتَجبَ دونَ حاجَتِهِم وخَلَّتِهم وفَقْرِهمْ؛ احْتَجبَ الله دونَ حاجَتهِ وخَلَّتِه وفَقْرِه يومَ القِيامَةِ”. قال: فجعل معاوية رجلاً على حوائج المسلمين. (صحيح الترغيب 2208)
أخرج الحاكم أن رسول الله صلى عليه وسلم قال:” ليوشك رجل أن يتمنى أنه خر من الثريا، ولم يل من أمر الناس شيئا” (الصحيحة 361)
روى أحمد أن رسولُ الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قال ” ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولا، لا يفكه إلا العدل أو يوبقه الجور “. (الصحيحة 2621) روى الطبراني في الكبير و الأوسط عن ابْنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما يرفعه قال: “ما مِنْ رجلٍ وَلِيَ عَشَرَةً؛ إلا أُتِيَ به يومَ القيامَةِ مَغْلولَةً يدهُ إلى عُنُقِهِ، حتَّى يُقْضى بَيْنَهُ وبَيْنَهُم”. (صحيح الترغيب 2201)
(والرَّجُلُ راعٍ علَى أَهْلِ بَيْتِهِ،) قال ابن علان:” فيقوم بكفايتهم من سائر المؤن بحسب حاله يساراً وإعساراً، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويبين لهم ما يحتاجون إليه من أمر الشرائع” (دليل الفالحين 1/ 487) قال تعالى:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ” و روى أبوداد والنسائي:” عن عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:”كَفَى بِالمَرْء إثْماً أنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقوُت” (صحيح الترغيب1965)
(والمرأة في بيت زوجها راعية) إنما قيد بالبيت لأنها لا تصل إلى ما سواه غالبا إلا بإذن خاص. (فتح الباري) قال ابن علان:” (والمرأة راعية على بيت زوجها) فتقوم بحفظه عن السارق والهرة وسائر المتلفات، ولا تخزن فيه ولا تتصدق بما تعلم أنه لا يرضى به (وولده) فتقوم بحضانته وخدمته.” (دليل الفالحين 1/ 487)
قال ابن تيمية:” تنازع العلماء: هل عليها أن تخدمه في مثل فراش المنزل ومناولة الطعام والشراب والخبز والطحن والطعام لمماليكه وبهائمه: مثل علف دابته ونحو ذلك؟ فمنهم من قال: لا تجب الخدمة. وهذا القول ضعيف كضعف قول من قال: لا تجب عليه العشرة والوطء؛ فإن هذا ليس معاشرة له بالمعروف؛ بل الصاحب في السفر الذي هو نظير الإنسان وصاحبه في المسكن إن لم يعاونه على مصلحة لم يكن قد عاشره بالمعروف. وقيل – وهو الصواب – وجوب الخدمة؛ فإن الزوج سيدها في كتاب الله؛ وهي عانية عنده بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى العاني والعبد الخدمة؛ ولأن ذلك هو المعروف.” (مجموع الفتاوى 34/ 90)
قال ابن القيم:” ولا يصح التفريق بين شريفة ودنيئة وفقيرة وغنية فهذه أشرف نساء العالمين، كانت تخدم زوجها وجاءته صلى الله عليه وسلم تشكو إليه الخدمة، فلم يشكها” (زاد المعاد 5/ 171)
قال الألباني:” قلت: وهذا هو الحق إن شاء الله تعالى أنه يجب على المرأة خدمة البيت وهو قول مالك وأصبغ كما في الفتح 9/ 418 وأبي بكر بن أبي شيبة وكذا الجوزجاني من الحنابلة كما في الاختيارات ص 145 وطائفة من السلف والخلف كما في الزاد 4/ 46 ولم نجد لمن قال بعدم الوجوب دليلا صالحا.
وقول بعضهم: “إن عقد النكاح إنما اقتضى الاستمتاع لا الاستخدام” مردود بأن الاستمتاع حاصل للمرأة أيضا بزوجها فهما متساويان في هذه الناحية ومن المعلوم أن الله تبارك وتعالى قد أوجب على الزوج شيئا آخر لزوجته ألا وهو نفقتها وكسوتها ومسكنها فالعدل يقتضي أن يجب عليها مقابل ذلك شيء آخر أيضا لزوجها وما هو إلا خدمتها إياه ولا سيما أنه القوام عليها بنص القرآن الكريم كما سبق وإذا لم تقم هي بالخدمة فسيضطر هو إلى خدمتها في بيتها وهذا يجعلها هي القوامة عليه وهو عكس للآية القرآنية كما لا يخفى فثبت أنه لا بد لها من خدمته وهذا هو المراد.
وأيضا فإن قيام الرجل بالخدمة يؤدي إلى أمرين متباينين تمام التباين أن ينشغل الرجل بالخدمة عن السعي وراء الرزق وغير ذلك من المصالح وتبقى المرأة في بيتها عطلا عن أي عمل يجب عليها القيام به ولا يخفى فساد هذا في الشريعة التي سوت بين الزوجين في الحقوق بل وفضلت الرجل عليها درجة ولهذا لم يزل الرسول صلى الله عليه وسلم شكوى ابنته فاطمة عليها السلام حينما:
أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى وبلغها أنه جاءه رقيق فلم تصادفه فذكرت لعائشة فلما جاء أخبرته عائشة قال علي رضي الله عنه: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم فقال: “على مكانكما” فجاء فقعد بيني وبينها حتى وجدت برد قدميه على بطني فقال: “ألا أدلكما على خير مما سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما أو أويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثا وثلاثين واحمدا ثلاثا, وثلاثين وكبرا أربعا وثلاثين فهو خير لكما من خادم” [قال علي: فما تركتها بعد قيل: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين!].
رواه البخاري 9/ 417 – 418.
فأنت ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لعلي: لا خدمة عليها وإنما هي عليك وهو صلى الله عليه وسلم لا يحابي في الحكم أحدا كما قال ابن القيم رضي الله عنه ومن شاء زيادة البحث في هذه المسألة فليرجع إلى كتابه القيم زاد المعاد 4/ 45 – 46.
هذا وليس فيما سبق من وجوب خدمة المرأة لزوجها ما ينافي استحباب مشاركة الرجل لها في ذلك إذا وجد الفراغ والوقت بل هذا من حسن المعاشرة بين الزوجين ولذلك قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: كان صلى الله عليه وسلم يكون في مهنة أهله يعني خدمة أهله فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة.” (آداف الزفاف 1/ 288)
: قوله: ” والعبد راع على مال سيده “. فإنه إن كان ناصحا له في خدمته مؤديا له الأمانة ناسب أن يعينه ولا يتعاظم عليه. (فتح الباري)
قال القاضي عياض – رحمه الله -: فيه حجة أنه لا قطع على العبد في مال سيده، ولا على المرأة في مال زوجها، إلا ما حجبه عنها، ولم يجعل لها فيه تصرفا، خلافا لأبي حنيفة، وأحد قولي الشافعي أنه لا قطع على أحد الزوجين فيما سرق من مال الآخر كيف كان. (البحر المحيط الثجاج)
290 – وعن أَبي عليٍّ طَلْق بن عليٍّ رضي اللَّه عنه أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “إِذَا دَعَا الرَّجُلُ زَوْجتَهُ لِحَاجتِهِ فَلْتَاتِهِ وإِنْ كَانَتْ عَلَى التَّنُّور”. رواه الترمذي والنسائي، وَقالَ الترمذي: حديث حسن صحيح.
قال الألباني في هداية الرواة (3/ 301):” قلت: وصححه ابن حبان وهو كما قال”
وقال في الصيحيحة:” أخرجه الترمذي (1/ 217) وابن حبان (1295) وأحمد (4/ 22 – 23) والبيهقي (7/ 292) عن قيس بن طلق عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الترمذي: ” حديث حسن غريب “. قلت: وإسناده صحيح.
روى الإمام أحمد عن طلق بن علي قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” لَا تَمْنَعِ امْرَأَةٌ زَوْجَهَا، وَلَوْ كَانَ عَلَى ظَهْرِ قَتَبٍ “.وروى ابن ماجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه.
القتب: رحل صغير على قدر سنام البعير، والمعنى: ولو على ظهر الجمل. وقيل: إن نساء العرب كُنَّ إذا أردن الولادة جلسن على قتب، والمراد: الحث على طاعة الزوج حتى في هذه الحالة، فكيف في غيرها.
قال ابن الأثير:” القتب للجمل كالإكاف لغيره. ومعناه الحث لهن على مطاوعة أزواجهن، وأنه لا يسعهن الامتناع في هذه الحال، فكيف في غيرها. وقيل: إن نساء العرب كن إذا أردن الولادة جلسن على قتب، ويقلن إنه أسلس لخروج الولد، فأرادت تلك الحالة. قال أبو عبيد: كنا نرى أن المعنى: وهي تسير على ظهر البعير، فجاء التفسير بغير ذلك.” (النهاية في غريب الأثر لابن الأثير 4/ 11)
قوله: (إذا الرجل دعا زوجته لحاجته) قال ابن علان:” كذا في النسخ بإثبات التاء وهي لغة واللغة الفصيحة المشهورة التي جاء بها القرآن حذف التاء وهي لغة أهل الحجاز، قال المصنف: وثبت إلحاق التاء في أحاديث في الصحيح” (دليل الفالحين 1/ 488) أي المختصة به كناية عن الجماع. (تحفة الأحوذي)
(فلتأته) أي لتجب دعوته (تحفة الأحوذي)
(وإن كانت على التنور) قال ابن علان:” التنور بفتح الفوقية وتشديد النون: الذي يخبز فيه. قال في «المصباح»: وافقت فيه لغة العرب لغة العجم. وقال أبو حاتم: ليس بعربي صحيح، والجمع تنانير” (دليل الفالحين 1/ 488)
قال المباركفوري:” أي وإن كانت تخبز على التنور مع أنه شغل شاغل لا يتفرغ منه إلى غيره إلا بعد انقضائه. قال ابن الملك هذا بشرط أن يكون الخبز للزوج لأنه دعاها في هذه الحالة فقد رضي بإتلاف مال نفسه، وتلف المال أسهل من وقوع الزوج في الزنا. كذا في المرقاة. (تحفة الأحوذي)
قال فيصل آل مبارك:” الحديث: دليل على وجوب طاعة الزوج وتقديمه على شغلها.” (تطريز رياض الصالحين ص207)
قال ابن باز:” فعليها أن تجيبه ولو جرى ما جرى فيما يتعلق بتنورها ونحوه، الحاصل من هذا هو التأكد في السمع والطاعة، وعدم التعليل بالأشياء التي لا توجب امتناعها ورفضها ما يطلب منها زوجها سواء كانت تنورا أو ما يشبه ذلك، كالقهوة والشاي وطبخ الأشياء الأخرى التي لا تحتاج إلى تنور.” (شرح رياض الصالحين لابن باز 1/ 554)
فيه أن الزوجة يجب عليها أن تجيب الزوج مهما كان حالها.
291 – وعن أَبي هريرة رضي اللَّهُ عنه عن النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: “لَوْكُنْتُ آمِراً أحَداً أَنْ يسْجُدَ لأَحدٍ لأَمَرْتُ المرْأَة أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا”. رواه الترمذي وَقالَ: حديث حسن صحيح.
هذا الحديث صححه الألباني في الإرواء برقم 1997 بالشواهد، وهو في الصحيح المسند برقم 1286
روى ابن ماجه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ مُعَاذٌ مِنَ الشَّامِ سَجَدَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا هَذَا يَا مُعَاذُ؟» قَالَ: أَتَيْتُ الشَّامَ فَوَافَقْتُهُمْ يَسْجُدُونَ لِأَسَاقِفَتِهِمْ وَبَطَارِقَتِهِمْ، فَوَدِدْتُ فِي نَفْسِي أَنْ نَفْعَلَ ذَلِكَ بِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلَا تَفْعَلُوا، فَإِنِّي لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِغَيْرِ اللَّهِ، لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا تُؤَدِّي الْمَرْأَةُ حَقَّ رَبِّهَا حَتَّى تُؤَدِّيَ حَقَّ زَوْجِهَا، وَلَوْ سَأَلَهَا نَفْسَهَا وَهِيَ عَلَى قَتَبٍ لَمْ تَمْنَعْهُ»
ورى أبوداود عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: أَتَيْتُ الْحِيرَةَ فَرَأَيْتُهُمْ يَسْجُدُونَ لِمَرْزُبَانٍ لَهُمْ فَقُلْتُ: رَسُولُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُسْجَدَ لَهُ، قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: إِنِّي أَتَيْتُ الْحِيرَةَ فَرَأَيْتُهُمْ يَسْجُدُونَ لِمَرْزُبَانٍ لَهُمْ فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ نَسْجُدَ لَكَ، قَالَ: «أَرَأَيْتَ لَوْ مَرَرْتَ بِقَبْرِي أَكُنْتَ تَسْجُدُ لَهُ؟» قَالَ: قُلْتُ: لَا، قَالَ: «فَلَا تَفْعَلُوا، لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لِأَزْوَاجِهِنَّ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنَ الْحَقِّ» معنى لمرزبان: عند الفرس، هو الفارس الشجاع المقدم على القوم دون الملك.
: قوله: (لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) أي لكثرة حقوقه عليها وعجزها عن القيام بشكرها. وفي هذا غاية المبالغة لوجوب إطاعة المرأة في حق زوجها فإن السجدة لا تحل لغير الله. (تحفة الأحوذي)
وفيه إيماء إلى قوله تعالى {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} (عون المعبود)
قال ابن باز:” لعظم حقه عليها لكن السجود لله، السجود حق الله جل وعلا لا يجوز لأحد من الناس (فاسجدوا لله واعبدوا) فالسجود حق الله لكن لو كان لأحد يجوز السجود لكان الزوج جديرا بذلك؛ لعظم حقه على زوجته، هذا كله مما يبين أن حق الزوج على الزوجة متأكد وعظيم” (شرح رياض الصالحين لابن باز 1/ 556)
292 – وعن أُمِّ سلمةَ رضي اللَّهُ عنها قالت: قالَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “أَيُّما امرأَةٍ ماتَتْ وزوْجُهَا عَنْهَا راضٍ دخَلَتِ الجَنَّةَ” رواه الترمذي وَقالَ حديث حسن.
في سنده مجهولان، قال ابن الجوزي:” مساور مجهول وأمه مجهولة” (العلل المنتاهية 2/ 141) راجع الضعيفة 1426 حيث قال عنه:” منكر”
والحديث معناه صحيح، حيث لو قامت المرأة بحقوق زوجها حتى رضي عنها وتقدم معنا حديث قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (إذا صلت المرأة خمسها و صامت شهرها و حفظت فرجها و أطاعت زوجها قيل لها: ادخلي من أي أبواب الجنة شئت) وحديث (“لوْ أَمْرتُ أحَداً أنْ يسجُدَ لأحَدٍ؛ لأمْرتُ المرأَةَ أنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِها؛ مِنْ عِظَمِ حقِّه عَليْها، ولا تَجدُ امْرأَةٌ حلاوةَ الإيمان؛ حتى تُؤَدِّيَ حقَّ زوْجِها، ولو سَألها نَفْسَها وهيَ على ظَهْرِ قَتَبٍ”.) فقيام المرأة بحقوق زوجها سبب لرضاه كما هي سبب لحلاوة الإيمان، الذي يدفع للقيام بحقوق الله.
293 – وعن معاذِ بنِ جبلٍ رضي اللَّهُ عنه عن النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “لاَ تُؤْذِي امْرَأَةٌ زَوْجَهَا في الدُّنْيا إِلاَّ قالَتْ زَوْجَتُهُ مِنَ الحُورِ الْعِينِ لاَ تُؤْذِيه قَاتلَكِ اللَّه، فَإِنَّمَا هُو عِنْدَكِ دخِيلٌ يُؤشِكُ أَنْ يُفارِقَكِ إِلَينا” رواه الترمذي وَقالَ: حديث حسن.
قال الألباني:” قال الترمذي:” حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، ورواية إسماعيل بن عياش عن الشاميين أصلح، وله عن أهل الحجاز والعراق مناكير “.قلت: وقد وثقه أحمد وابن معين والبخاري وغيرهم في روايته عن الشاميين وهذه منها، فإن بحير بن سعد شامي ثقة وكذلك سائر الرواة فالسند صحيح، ولا أدري لماذا اقتصر الترمذي على استغرابه، ولم يحسنه على الأقل. ثم رأيت المنذري في ” الترغيب ” (3/ 78) نقل عن الترمذي أنه قال فيه:” حديث حسن “. قلت: وكذا في نسخة بولاق من ” الترمذي ” (1/ 220)، وهذا أقل ما يمكن أن يقال فيه.” (الصحيحة 173)
(لا تؤذي) بصيغة النفي (تحفة الأحوذي) قال ابن علان:” أي لا يقع منها معه ما من شأنه أن يتأذى به من غير مجوّز لذلك شرعاً، وإلا فطلب نحو النفقة ممن يتأذى بها لنحو بخله لا يدخل الزوجة في ذلك” (دليل الفالحين 1/ 489)
(من الحور) أي نساء أهل الجنة جمع حوراء وهي الشديدة بياض العين الشديدة سوادها (تحفة الأحوذي)
(العين) بكسر العين جمع عيناء بمعنى الواسعة العين. (تحفة الاحوذي) قال ابن علان:” بكسر العين المهملة: أي نجل العيون. وقال البيضاوي جمع عيناء” (دليل الفالحين 1/ 489) نجِلتِ العينُ: اتّسَعَت، وحَسُنت.
ومن الأحاديث في الحور العين ما رواه مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَالَّتِي تَلِيهَا عَلَى أَضْوَإِ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ اثْنَتَانِ، يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ، وَمَا فِي الْجَنَّةِ أَعْزَبُ؟»،
وفي البخاري:” َأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” لَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا، وَلَمَلَأَتْهُ رِيحًا، وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَاسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا”
(قاتلك الله) أي قتلك أو لعنك أو عاداك. وقد يرد للتعجب كتربت يداه. وقد لا يراد به وقوع ومنه: قاتل الله سمرة. كذا في المجمع (تحفة الأحوذي) قال ابن علان:” جملة دعائية والمراد من المفاعلة فيه أصل الفعل وعبر بها للمبالغة، وأنها لما فعلت ذلك وتعرضت لعقوبة الله صارت كالمقاتلة له تعالى فعبر بذلك” (دليل الفالحين 1/ 489
(عندك دخيل) أي ضيف ونزيل. يعني هو كالضيف عليك وأنت لست بأهل له حقيقة، وإنما نحن أهله فيفارقك ويلحق بنا. (تحفة الأحوذي) قال ابن علان:” عبرت بذلك لأن مدة المقام بالدنيا وإن طالت فهي يسيرة بالنظر إلى الآخرة التي لا أمد لها، فعبرت بما يعبر به عن قصير الإقامة وهو الضيف” (دليل الفالحين 1/ 490)
قال السندي:” (دخيل) هو الضيف والنزيل وفيه أن الآخرة هي الدار الصافية عن الكدر حتى أن أهل المرء في تلك الدار لا يريدون التعب عليه في الدنيا قال تعالى (وإن الآخرة هي دار القرار)
(يوشك أن يفارق إلينا) أي واصلا إلينا. (تحفة الأحوذي) قال المنذري:” يوشك أي: يقرب ويسرع ويكاد.” (الترغيب والترهيب)
قال ابن علان:” في «المصباح» أوشك من أفعال المقاربة والمعنى: الدنوّ من الشيء. وقال الفارابي: الإيشاك الإسراع” (دليل الفالحين 1/ 490)
قال القاري معلقا على هذا الحديث:” في هذا الحديث وحديث لعن الملائكة لعاصية الزوج دلالة على أن الملأ الأعلى يطلعون على أعمال أهل الدنيا.” (مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)
قال الألباني:” في الحديث – كما ترى – إنذار للزوجات المؤذيات. (الصحيحة 173)
ففيه وعيد للمرأة التي تؤذي زوجها، وفيه تذكير للمرأة أن الزوج قد يكون له زوجات أخر في الجنة ويتمنين وصوله إليهم ويغرن عليه منها ويدعين عليها إذا آذته، وفيه أن الحور العين يعلمن أزواجهن قال ابن القيم:” الحور العين يطلبن أزواجهن أكثر مما يطلبهن أزواجهن” (حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح ص 400)
294 – وعن أُسامَةَ بنِ زيد رضي اللَّه عنهما عن النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “مَا تركْتُ بعْدِي فِتْنَةً هِي أَضَرُّ عَلَى الرِّجالِ: مِنَ النِّسَاءِ “متفقٌ عَلَيهِ.
مناسبة هذا الحديث لهذا الباب أن كما من حق الزوج على زوجته أن تحفظه في ماله وولده فكذلك أن تحفظه في نفسه من الفتن وأعظم الفتن التي تحفظه المرأة منها زوجها، فتنة النساء، فإذا قصرت عرضته لفتنة النساء و الله أعلم.
روى مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ» قال النووي معلقا على هذا الحديث:” ومعناه: تجنبوا الافتتان بها وبالنساء، وتدخل في النساء الزوجات وغيرهن، وأكثرهن فتنة الزوجات لدوام فتنتهن، وابتلاء أكثر الناس بهن”.
جاء في مصنف ابن أبي شيبة برقم 17643 – حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: «لَمْ يَكُنْ كُفْرُ مَنْ مَضَى إِلَّا مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ وَهُوَ كَائِنٌ، كُفْرُ مَنْ بَقِيَ مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ»
(بعدي)؛ أي: بعد موتي، وإنما قال: بعدي، لأن كونهن فتنة صار بعده أظهر، وأشهر، وأضر، فهو علم من أعلام النبوة حيث أخبر -صلى الله عليه وسلم- عن غيب وقد وقع (البحر المحيط الثجاج)
(هي أضر على الرجال من النساء”) لأن الطباع كثيرا تميل إليهن، وتقع في الحرام لأجلهن، وتسعى للقتال والعداوة بسببهن، وأقل ذلك أن ترغبه في الدنيا ليتهالك فيها، وأي فساد أضر من هذا، وحب الدنيا رأس كل خطيئة، مع ما هنالك من مظنة الميل بالعشق، وغير ذلك من فتن، وبلايا، ومحن. قيل: أرسل بعض الخلفاء إلى الفقهاء بجوائز، فقبلوها، وردها الفضيل، فقالت له امرأته: ترد عشرة آلاف، وما عندنا قوت يومنا؟ فقال: مثلي ومثلكم كقوم لهم بقرة يحرثون عليها، فلما هرمت ذبحوها، وكذا أنتم أردتم ذبحي على كبر سني، موتوا جوعا قبل أن تذبحوا فضيلا.
وكان سعيد بن المسيب يقول -وقد أتت عليه ثمانون سنة-: ما شيء أخوف عندي علي من النساء. وقيل: إن إبليس لما خلقت المرأة قال: أنت نصف جندي، وأنت موضع سري، وأنت سهمي الذي أرمي بك، فلا أخطئ أبدا (فيض القدير” 5/ 436)
وقال الطيبي -رحمه الله-: قوله: “فتنة أضر”، وذلك لأن المرأة إذا لم يكن يمنعها الصلاح الذي من جبلتها كانت عين المفسدة، فلا تأمر زوجها إلا بشر، ولا تحثه إلا على فساد، وقد قدمها الله تعالى في آية ذكر الشهوات: {زين للناس حب الشهوات} على سائر الأنواع، وجعلها نفس الشهوات، حيث بين الشهوات بقوله: {من النساء}، ثم عقبها بغيرها: {والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث} الآية [آل عمران: 14] دلالة على أنها أصلها ورأسها. (“الكاشف عن حقائق السنن” 7/ 2260.)
قال ابن حجر:” في الحديث أن الفتنة بالنساء أشد من الفتنة بغيرهن، ويشهد له قوله تعالى: {زين للناس حب الشهوات من النساء} فجعلهن من حب الشهوات، وبدأ بهن قبل بقية الأنواع إشارة إلى أنهن الأصل في ذلك” (فتح الباري)
قال بعض الحكماء: النساء شر كلهن، وأشر ما فيهن عدم الاستغناء عنهن، ومع أنها ناقصة العقل والدين تحمل الرجل على تعاطي ما فيه نقص العقل والدين، كشغله عن طلب أمور الدين، وحمله على التهالك على طلب الدنيا وذلك أشد الفساد (فتح الباري)
قال ابن باز:” فهذا يوجب الحذر منها سوا كان زوجة أو غير زوجة، فقد تأمر الزوجة بما يغضب الله عليه، قد تجره إلى قطيعة الرحم، إلى عقوق الوالدين قد تجر إلى شر كثير … ” (شرح رياض الصالحين لابن باز1/ 557)
قال ابن عثيمين:” يستفاد منه سد كل طريق يوجب الفتنة بالمرأة، فكل طريق يوجب الفتنة بالمرأة؛ فإن الواجب على المسلمين سده، ولذلك وجب على المرأة أن تحتجب عن الرجال الأجانب، فتغطي وجهها، وكذلك تغطي يديها ورجليها عند كثير من أهل العلم، ويجب عليها كذلك أن تبتعد عن الاختلاط بالرجال؛ لأن الاختلاط بالرجال فتنة وسبب للشر من الجانبين، من جانب الرجال ومن جانب النساء.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها)) وما ذلك إلا من أجل بعد المرأة عن الرجال، فكلما بعدت فهو خير وأفضل.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر النساء أن يخرجن إلى صلاة العيد، ولكنهن لا يختلطن مع الرجال، بل يكون لهن موضع خاص، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب الرجال وانتهى من خطبتهم، نزل فذهب إلى النساء فوعظهن وذكرهن، وهذا يدل على أن النساء كنّ في مكان منعزل عن الرجال.
وكان هذا والعصر عصر قوة في الدين وبُعد عن الفواحش، فكيف بعصرنا هذا؟
فإن الواجب توقي فتنة النساء بكل ما يستطاع، ولا ينبغي أن يغرنا ما يدعو إليه أهل الشر والفساد من المقلدين للكفار، من الدعوة إلى اختلاط المرأة بالرجال؛ فإن ذلك من وحي الشيطان والعياذ بالله، هو الذي يزين ذلك في قلوبهم، وإلا فلا شك أن الأمم التي كانت تقدم النساء وتجعلهن مع الرجال مختلطات، لا شك أنها اليوم في ويلات عظيمة من هذا الأمر، يتمنون الخلاص منه فلا يستطيعون.” (شرح رياض الصالحين 3/ 151 و 152)