: 2806 – فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
شارك محمد البلوشي وعبدالله المشجري … وعبدالله كديم وطارق أبي تيسير وعبدالحميد البلوشي وأحمد بن علي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
جاء في صحيح الإمام مسلم رحمه الله في ((53)) – (كِتابُ ذِكْرِ المُنافِقِينَ، والقِيامَةِ، والجَنَّة، والنّارِ، وغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأُمُورِ)، (11) – بابُ: يُحْشَرُ الكافِرُ عَلى وجْهِهِ
(54) – ((2806)) حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ – واللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ – قالا: حَدَّثَنا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنا شَيْبانُ، عَنْ قَتادَةَ، حَدَّثَنا أنَسُ بْنُ مالِكٍ، أنَّ رَجُلًا قالَ: يا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ يُحْشَرُ الكافِرُ عَلى وجْهِهِ يَوْمَ القِيامَةِ؟ قالَ: «ألَيْسَ الَّذِي أمْشاهُ عَلى رِجْلَيْهِ فِي الدُّنْيا، قادِرًا عَلى أنْ يُمْشِيَهُ عَلى وجْهِهِ يَوْمَ القِيامَةِ؟» قالَ قَتادَةُ: بَلى، وعِزَّةِ رَبِّنا.
==========
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
قال الحافظ النووي رحمه الله: (” [(14)]- (باب يُحْشَرُ الكافِرُ عَلى وجْهِهِ) “).
[(7061)] ((2806)) – شرح الحديث:
(عَنْ قَتادَةَ) بن دِعامة السَّدُوسي، أنه قال: (حَدَّثَنا أنَسُ بْنُ مالِكٍ) – رضي الله عنه -، (أنَّ رَجُلًا) لم يُعرف اسمه، (قالَ: يا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ يُحْشَرُ) بالبناء للمجهول، (الكافِرُ عَلى وجْهِهِ يَوْمَ القِيامَةِ؟) هو إشارة إلى قوله -عَزَّ وجَلَّ-: {ونَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وبُكْمًا وصُمًّا} [الإسراء (97)] [«عمدة القاري شرح صحيح البخاريّ» (33) / (326)].
والكافر: اسم جنس يشمل الجميع، ويؤيده قوله تعالى: {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إلى جَهَنَّمَ} [الفرقان (34)]، وقوله تعالى: {ونَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا} الآية، وفي رواية الحاكم من وجه آخر عن أنس – رضي الله عنه -: «سئل رسول الله ? يُحشر أهل النار على وجوههم»، وفي حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عند البزار: «يحشر الناس على ثلاثة أصناف: صنف على الدوابّ، وصنف على أقدامهم، وصنف على وجوههم، فقيل: فكيف يمشون على وجوههم … » الحديث.
ويؤخذ من مجموع الأحاديث أن المقربين يُحشرون ركبانًا، ومَن دونهم من المسلمين على أقدامهم، وأما الكفار فيُحشرون على وجوههم. [«الفتح» (10) / (450)].
تنبيه: يحشر الناس على ثلاثة أصناف: صنف على الدوابّ، وصنف على أقدامهم، وصنف على وجوههم، فقيل: فكيف يمشون على وجوههم … » الحديث.
رجحنا أن هذا الحشر إلى أرض المحشر
وسيأتي في الفوائد نقل كلام ابن كثير وتعقب البيهقي الذي جعله حشر إلى النار. وأن هناك حشران هذا إلى أرض المحشر وآخر إلى النار.
أما حديث الذي ذكره ابن حجر وعزاه للبزار فقال صاحب أنيس الساري: البزار: «يحشر الناس على ثلاثة أصناف: صنف على الدوابّ، وصنف على أقدامهم، وصنف على وجوههم، فقيل: فكيف يمشون على وجوههم … » الحديث.
وأبو خالد هو أوس بن خالد ذكره ابن حبان في «الثقات» على قاعدته، ولم يذكر عنه راويا إلا علي بن زيد، وقال ابن القطان الفاسي: مجهول الحال له ثلاثة أحاديث عن أبي هريرة منكرة، وقال الحافظ في «التقريب»: مجهول.
وعلي بن زيد قال ابن معين وغير واحد: ضعيف.
وإنّما حسّن الترمذي الحديث لشواهده.
فمن شواهده:
(1) – حديث أنس أنّ رجلًا قال: يا نبي الله، يحشر الكافر على وجهه؟ قال «أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا قادرا على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة؟».
أخرجه البخاري (فتح (14) / (170) – (171))
(2) – حديث معاوية بن حيدة مرفوعا» إنّكم محشورون -ونحا بيده نحو الشام- رجالا وركبانا، وتجرون علي وجوهكم «.
(3) – حديث أبي ذر قال: حدثني الصادق المصدوق أنّ الناس يحشرون يوم القيامة على ثلاثة أفواج: فوج طاعمين كاسين راكبين، وفوج يمشون، وفوج تسحبهم الملائكة على وجوههم» انتهى من أنيس الساري
وحديث معاوية بن حيدة قال ابن حجر:
إسناده قوى
وحسنه الألباني في سنن الترمذي
وجعلناه على شرط الذيل على الصحيح المسند (قسم الزيادات على الصحيحين)
أخرجه أحمد وغيره من طرق عن بهز بن حكيم به
قال الإمام أحمد:
20050 – حدثنا يحيى، عن بهز بن حكيم، حدثني أبي، عن جدي، قال: قلت: يا رسول الله، أين تأمرني، خر لي؟ فقال بيده: «نحو الشام»، وقال: «إنكم محشورون رجالا وركبانا، وتجرون على وجوهكم»
قال محققو المسند:
إسناده حسن رجاله ثقات عدا حكيم بن معاوية البهزي وهو صدوق حسن الحديث، رجاله رجال البخاري عدا بهز بن حكيم القشيري وحكيم بن معاوية البهزي ومعاوية بن حيدة القشيري روى لهم البخاري تعليقًا
قلت سيف: على شرط الذيل على الصحيح المسند (قسم الزيادات على الصحيح المسند)
هو في الصحيح المسند 1113 مطولا وساقه بالفاظه فراجعه لكن هنا زيادة (أين تأمرني، خر لي؟ فقال بيده: نحو الشام)
وفي الصحيح المسند لفظه ( ….. هاهنا تحشرون، هاهنا تحشرون هاهنا تحشرون – ثلاثا – ركبانا ومشاة وعلى وجوهكم توفون يون القيامة سبعين أمة أنتم آخر الأمم وأكرمها على الله تبارك وتعالى، تأتون يوم القيامة وعلى أفواهكم الفدام، أول ما يعرب عن أحدكم فخذه)
قال ابن أبي بكير: فأشار بيده إلى الشام، فقال: إلى هاهنا تحشرون.
وراجع تحقيق كشف الاستار 3426 لسيف الكعبي
وسيأتي بإذن الله في كلام ابن كثير ترجيح أن الحشر حشران.
وزعم بعض المفسرين أنه مَثَل، وأنه كقوله: {أفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وجْهِهِ أهْدى أمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا} [الملك (22)] قال مجاهد: هذا مَثَلُ المؤمن والكافر، قال الحافظ: ولا يلزم من تفسير مجاهد لهذه الآية بهذا أن يفسّر به الآية الأخرى،
فالجواب الصادر عن النبيّ ? ظاهر في تقرير المشي على حقيقته. انتهى [«الفتح» (15) / (29)، «كتاب الرقاق» رقم ((6523))].
(قالَ قَتادَةُ) بن دعامة، وهو موصول بالسند المذكور: (بَلى)؛ أي: هو قادر على ذلك،
(وعِزَّةِ رَبِّنا)؛ أي: وأقسم بعزّة الله -سُبْحانَهُ وتَعالى-.
قال في «الفتح»: والحكمة في حشر الكافر على وجهه: أنه عوقب على عدم السجود لله تعالى في الدنيا بأن يُسحب على وجهه في القيامة، إظهارًا لهوانه، بحيث صار وجهه مكان يده ورجله في التوقي عن المؤذيات. انتهى [«الفتح» (15) / (29)]، والله تعالى أعلم. [البحر المحيط الثجاج].
* فوائد وفقه الحديث:
1 – (منها): ” تَفهيمُ النَّاسِ بِقَدْرِ عُقولِهِم بِتَيسيرِ المَعاني وتَمثيلِها بما يَعرِفونه”.
2 – (منها): “في هذا الحديث تفسير قوله تعالى: ((ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما)). [شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين، كتاب الرقاق-08 b، صحيح البخاري].
3 – (منها): “فقه: من هذا الحديث علمنا أنه يجب فيما يرد من الأخبار عن اليوم الآخر أن يحمل على ظاهره، ولو كان غير معتاد في الدنيا؛ لأن أحوال العالم الآخر لا تقاس على أحوال هذا العالم. فإذا كان المكتبرون يحشرون أمثال الذر فكذلك رب العزة قادر أن يحشر الكفار على وجوههم
قال البغوي:
[سورة الإسراء (17): الآيات 94 الى 97]
قَالَ الْحَسَنُ:
هَذَا حِينَ يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْقِفِ إِلَى أَنْ يَدْخُلُوا النَّارَ. وَقَالَ مقاتل: هَذَا حِينَ [يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْقِفِ] [2] يقال لهم: اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ [الْمُؤْمِنُونَ: وإذا كان المتكبِّرون يُحشَرون يوم القيامة أمثالَ الذَّرِّ يَطَؤُهُمُ النَّاسُ بِأَقْدَامِهِم فاللَّهُ قادر على حشرهم على وجوههم انتهى بمعناه
4 – (منها): رفعوا وجوههم في الدنيا عن السجود لله فأذل الله تلك الوجوه فمشوا عليها في المحشر، ورفعوا رؤوسهم كبرًا عن الحق فنكَّسها الله يوم القيامة، ومشوا في طريق النظر والاستدلال مشيًا مقلوبًا فمشوا في الآخرة مشيًا مقلوبًا، فكان ما نالهم من سوء تلك الحال جزاءًا وفاقًا لما أتوا من قبيح الأعمال، وما ربك بظلام للعبيد.
قال ابن عثيمين:
إذا قيل: ما وَجْهُ العقوبة بحَشْرهم على وُجوههم؟
فالجواب: إهانةً لهم ….
تفسير العثيمين: الفرقان (ص129)
5 – (منها): تحذير: فيما يذكره الله تعالى من هذا الجزاء العادل تخويف عظيم لنا من سوء الأعمال التي تؤدي إلى سوء الجزاء، وخصوصًا من مثل ما ذكر فيما تقدم من ترك السُّجود والكبر على الحق والنظر المقلوب.
عصمنا الله والمسلمين أجمعين بالعلم والدين، وهدانا سنن المرسلين، آمين يا رب العالمين”. [آثار ابن باديس (1/ 423 – 424].
6 – الحشر حشران حشر إلى أرض المحشر. وحشر للكفار إلى النار:
قال ابن كثير:
ذِكْرُ أمْرِ هَذِهِ النّارِ وحَشْرِها النّاسَ إلى أرْضِ الشّامِ
ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، مِن حَدِيثِ وُهَيْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طاوُسٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ?:
«يُحْشَرُ النّاسُ عَلى ثَلاثِ طَرائِقَ، راغِبِينَ، وراهِبِينَ، واثْنانِ عَلى بَعِيرٍ وثَلاثَةٌ عَلى بَعِيرٍ، وعَشَرَةٌ عَلى بَعِيرٍ، وتحشر بقيتهم النار، فتقيل معهم حيث قالوا، وتبيت مَعَهُمْ حَيْثُ أمْسَوْا» (1).
ورَوى أحْمَدُ، عَنْ عَفّانَ، عن ثابت بن أنَسٍ، أنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلامٍ سَألَ رَسُولَ اللَّهِ ? عَنِ أوَّلِ أشْراطِ السّاعَةِ فَقالَ:
«نارٌ تَحْشُرُ النّاسَ مِنَ المَشْرِقِ إلى المَغْرِبِ».
الحَدِيثَ بِطُولِهِ وهُوَ في الصحيح …..
وقالَ الإمام أحْمَدُ: عَنْ عَبْدِ الرَّزّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ عَبْدِ الله بن عُمَرَ، قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ? يَقُولُ:
«إنَّها سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ، يَنْحازُ النّاسُ إلى مُهاجَرِ إبْراهِيمَ، لا يَبْقى فِي الأرْضِ إلّا شِرارُ أهْلِها، تَلْفِظُهُمْ أرضوهم، تَحْشُرُهُمُ النّارُ مَعَ القِرَدَةِ والخَنازِيرِ، تَبِيتُ مَعَهُمْ إذا باتُوا، وتَقِيلُ مَعَهُمْ إذا قالُوا، وتَاكُلُ من تخلَّف» …. وعند البيهقي
عن أبي شريحة حُذَيْفَةَ بْنِ أسِيدٍ الغِفارِيِّ، سَمِعْتُ أبا ذَرٍّ الغفاري وقد تلا هَذِهِ الآيَةَ:
{ونَحْشُرهمْ يَوْمَ القِيامَةِ عَلى وُجوهِهِمْ عُمْياَ وبُكْمًا وصُمًّا} [الإسراء: (97)].
يقول: حَدَّثَنِي الصّادِقُ المَصْدُوقُ ?:
«أنَّ النّاسَ يُحْشَرُونَ يَوْمَ القِيامَةِ عَلى ثَلاثَةِ أفْواجٍ، فَوْجٍ طاعِمِينَ كاسِينَ راكِبِينَ، وفَوْجٍ يَمْشُونَ ويَسْعَوْنَ، وفَوْجٍ تَسْحَبُهُمُ المَلائِكَةُ عَلى وُجُوهِهِمْ»، قُلْنا: قَدْ عَرَفْنا هَذَيْنِ، فَما بالُ الَّذِينَ يَمْشُونَ ويَسْعَوْنَ؟ قالَ: «يُلْقِي اللَّهُ الآفَةَ عَلى الظَّهْرِ، حتى (لا) تبقى ذاتُ ظَهْرٍ، حَتّى إنَّ الرَّجُلَ لَيُعْطِي الحَدِيقَةَ المعجبة بالممارن (1) ذاتِ القَتَبِ (2)» لَفْظُ الحاكِمِ.
وهَكَذا رَواهُ الإمام أحْمَدُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هارُونَ، ولَمْ يَذْكُرْ تلاوة أبي ذر الآية وزاد في آخره فلا يقدر عليها.
وفِي مُسْنَدِ الإمام أحْمَدَ، مِن حَدِيثِ بَهْزٍ، وغَيْرِهِ، عَنْ أبِيهِ حَكِيمِ بْنِ مُعاوِيَةَ، عَنْ جده معاوية بن حيدة القُشَيْرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ? أنه قال:
«يحشرون هاهنا – وأوْمَأ بِيَدِهِ إلى نَحْوِ الشّامِ- مُشاةً ورُكْبانًا، ويمرون على وجوههم ويعرضون على الله، وعلى أفواههم الفدام» (1).
وقَدْ رَواهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ أحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ، عَنِ يَزِيدَ بْنِ هارُونَ، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، بِنَحْوِهِ. وقالَ: حسن صحيح.
فَهَذِهِ السِّياقاتُ تَدُلُّ عَلى أنَّ هَذا الحَشْرَ هُوَ حَشْرُ المَوْجُودِينَ فِي آخِرِ الدنيِا، مِن أقطار محلة الحشر، وهِيَ أرْضُ الشّامِ، وأنَّهُمْ يَكُونُونَ عَلى أصْنافٍ ثلاثة، فقسم يحشرون طاعِمِينَ كاسِينَ راكِبِينَ، وقِسْمٍ يَمْشُونَ تارَةً ويَرْكَبُونَ أُخْرى، وهُمْ يَعْتَقِبُوَنَ عَلى البَعِيرِ الواحِدِ، كَما تَقَدَّمَ فِي الصَّحِيحَيْنِ اثْنانِ عَلى بَعِيرٍ، وثَلاثَةٌ على بعير، وعشرة على بعير، يعني يعتقبونه من قلة الظهر، كما تقدم، كما جاءَ مُفَسَّرًا فِي الحَدِيثِ الآخَرِ، وتَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمُ النّارُ، وهِيَ الَّتِي تَخْرُجُ مِن قَعْرِ عَدَنَ، فَتُحِيطُ بِالنّاسِ مِن ورائِهِمْ تَسُوقُهُمْ مِن كُلِّ جانِبٍ، إلى أرْضِ المَحْشَرِ، ومَن تَخَلَّفَ مِنهُمْ أكلته النار، وهَذا كُلُّهُ مِمّا يَدُلُّ عَلى أنَّ هَذا في آخر الدنيا، حيث الأكل والشرب، والركوب على الظهر المستوي وغيره، وحيث يهلك المتخلفون منهم بالنار، ولَوْ كانَ هَذا بَعْدَ نَفْخَةِ البَعْثِ، لَمْ يبق موت ولا ظهر يسري، ولا أكْلٌ ولا شُرْبٌ، ولا لُبْسٌ فِي العَرَصاتِ (2)، والعَجَبُ كُلُّ العَجَبِ أنَّ الحافِظَ أبا بَكْرٍ البَيْهَقِيَّ بَعْدَ رِوايَتِهِ لِأكْثَرِ هَذِهِ الأحادِيثِ، حَمَلَ هَذا الرُّكُوبَ عَلى أنَّهُ يَوْمَ القِيامَةِ، وصححِ ذَلِكَ، وضَعَّفَ ما قُلْناهُ، واسْتَدَلَّ عَلى ما قاله بِقَوْلِهِ تَعالى:
{يَوْمَ نَحْشًرُ المُتّقِينَ إلى الرَّحْمَنِ وفْدًا ونسُوقُ المُجْرمينَ إلى جَهَنَّمَ وِرْدًا}.
يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلًا
وكَيْفَ يَصِحُّ ما ادَّعاهُ فِي تَفْسِيرِ الآيَةِ بالحديت وفيه:
«إن منهم اثنين عَلى بَعِيرٍ، وثَلاثَةٌ عَلى بَعِيرٍ، وعَشَرَةٌ عَلى بَعِيرٍ» وقَدْ جاءَ التَّصْرِيحُ بِأنَّ ذَلِكَ مِن قلة الظهر. هذا لا يلتئم مع هذا، والله أعلم، تلك نجائب من الجنة يركبها المؤمنون مِنَ العَرَصاتِ إلى الجَنّاتِ، عَلى غَيْرِ هَذِهِ الصفة كما سيأتي تقرير ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ.
فَأمّا الحَدِيثُ الآخَرُ، الوارِدُ من طرق آخر، عَنْ جَماعَةٍ مِنَ الصَّحابَةِ، مِنهُمُ ابْنُ عَبّاسٍ، وابن مسعود، وعائشة، وغيرهم.
«إنكم تحشرون إلى اللَّهِ حُفاةً عُراةً غُرْلًا»:
{كَما بَدَأنا أوَّلَ خَلْق نُعِيده} [الأنْبِياءِ: (104)].
فَذَلِكَ حَشْرٌ غَيْرُ هذا، هذا يوم القيامة، بعد نفخة البعث، يَقُومُ النّاسُ مِن قُبُورِهِمْ حُفاةً عُراةً غُرْلًا، أيّ غير مختنين، وكذلك يحشر الكافرون إلى جهنم وردًا أي عطاشًا وقوله:
{ونَحْشُرهُمْ يَوْمَ القِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وبُكْمًا وصُمًّا مَأواهُمْ جَهًنّمُ كُلُما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيرًا} [الإسراء: (97)].
فذلك حِينَ يُؤْمَرُ بِهِمْ إلى النّارِ، مِن مُقامِ الحشر، كما سيأتي بيان ذَلِكَ كُلُّهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى، وبِهِ الثِّقَةُ وعَلَيْهِ التكلان.
وفي تحقيق المسند ط الرسالة: حديث (5562):
» وتحشرهم النار”، أي: تحشرهم النار التي تحشر الناس، والمعنى: أن تلك النار تحشر هؤلاء مع من يناسبهم ويماثلهم في الأخلاق، وقيل: المراد نار الفتنة التي هي نتيجة أعمالهم القبيحة، وقيل: المراد نار جهنم، أي: تحشرهم مع من مسخهم الله من الأقوام، فجعلهم قردة وخنازير، أي إنهم في جهنم في طبقة لهؤلاء الممسوخين، ولا يخفى أن هذه الرواية لا توافق هذا الاحتمال، والله تعالى أعلم.
قال الاتيوبي:
المسألة الثالثة: في اختلاف أهل العلم في المراد بالحشر المذكور في هذا الحديث:
قال الخطابيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى-: هذا الحشر يكون قبل قيام الساعة، تحشر الناسَ الأحياءَ إلى الشام، وأما الحشر من القبور إلى الموقف، فهو على خلاف هذه الصورة، من الركوب على الإبل، والتعاقب عليها، وإنما هو على ما ورد في حديث ابن عباس – رضي اللَّه عنهما – في الباب: «حفاة، عراة، مشاة». قال وقوله: «واثنان على بعير، وثلاثة على بعير الخ» يريد أنهم يعتقبون البعير الواحد، يركب بعضٌ، ويمشي بعض.
قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى-: وإنما لم يذكر الخمسة، والستّة، إلى العشرة، إيجازًا، واكتفاء بما ذكر من الأعداد، مع أن الاعتقاب ليس مجزوما به، ولا مانع أن يجعل اللَّه في البعير ما يقوى به على حمل العشرة.
ومال الحَلِيميّ إلى أن هذا الحشر يكون عند الخروج من القبور. وجزم به الغزاليّ.
وقال الإسماعيليّ: ظاهر حديث أبي هريرة يخالف حديث ابن عباس – رضي اللَّه عنهم – المذكور بعدُ أنهم يحشرون حُفاة، عُراة، مُشاة. قال: ويجمع بينهما بأن الحشر يعبّر به عن النشر؛ لاتصاله به، وهو إخراج الخلق من القبور حفاة، عراة، فيساقون، ويجمعون إلى الموقف للحساب، فحينئذ يحشر المتقون رُكبانًا على الإبل.
وجمع غيره بأنهم يخرجون من القبور بالوصف الذي في حديث ابن عباس، ثم يفترق حالهم من ثَمّ إلى الموقف على ما في حديث أبي هريرة، ويؤيده حديث أبي ذرّ الآتي بعد هذا.
وصوّب عياض ما ذهب إليه الخطابيّ، وقوّاه بحديث حذيفة بن أسِيد، وبقوله في آخر حديث الباب: «تقيل معهم، وتبيت، وتصبح، وتمسي»، فإن هذه الأوصاف مختصّة بالدنيا.
..
هل المراد بالنار نار على الحقيقة، أو هو كناية عن الفتنة الشديدة؛ كما يقال: نار الحرب لشدة ما يقع في الحرب، قال تعالى: {كُلَّما أوْقَدُوا نارًا لِلْحَرْبِ أطْفَأها اللَّهُ} الآية [المائدة (64)]، وعلى كلّ حال، فليس المراد بالنار في هذه الأحاديث نار الآخرة، ولو أريد المعنى الذي زعمه المعترض لقيل: تحُشَر بيقتُهُم إلى النار، وقد أضاف الحشر إلى النار؛ لكونها هي التي تحشرهم، وتختطف من تخلّف منهم؛ كما ورد في حديث أبي هريرة من رواية عليّ بن زيد، عند أحمد، وغيره؛ وعلى تقدير أن تكون النار كناية عن الفتنة، فنسبة الحشر إليها سببيّة؛ كأنها تفشوا في كلّ جهة، وتكون في جهة الشام أخفّ منها في غيرها، فكلّ من عرف ازديادها في الجهة التي هو فيها أحبّ التحوّل منها إلى المكان الذي ليست فيه شديدة، فتتوفّر الدواعي على الرحيل إلى الشام، ولا يمتنع اجتماع الأمرين، وإطلاق النار على الحقيقة التي تخرج من قعر عدن، وعلى المجازية، وهي الفتنة، إذ لا تنافي بينهما، ويؤيد الحمل على الحقيقة ظاهر الحديث الأخير …
176/ 20 ذخيرة العقبى
قال في “الفتح”: هذه هي النار المذكورة في حديث حُذيفة بن أَسِيد -بفتح الهمزة-. عند مسلم في حديث فيه ذكر الآيات الكائنة قبل قيام الساعة، كطلوع الشمس من مغربها، ففيه: “وآخر ذلك نار تخرج من قعر عدن، تُرَحِّل الناس، وفي رواية له: “تَطْرُدُ الناس إلى حشرهم”.
(تَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا) أي تستريح معهم إذا استراحوا، والقيلولة النوم نصف النهار، يقال: قال يَقيل قَيلاً، من باب باع، وقَيْلُولةً: إذا نام نصف النهار (وَتَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا، وَتُصْبحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أَصْبَحُوا، وَتُمْسِي مَعَهُمْ حَيْثُ أَمْسَوْا”) فيه إشارة إلى ملازمة النار لهم إلى أن يصلوا إلى مكان الحشر. [استفدته من شرح المجتبى للعلامة الاثيوبي]
قال الحافظ ابن رجب – رحمه الله -: ” فأما شرار الخلق فتخرج نار في آخر الزمان تسوقهم إلى الشام قهرا حتى تجمع الناس كلهم بالشام قبل قيام الساعة ” لطائف المعارف لابن رجب (90).
ثانيًا: ملحقات:
(المسألة الأولى): كُلُّ أمَّةٍ تَتبَعُ الإلهَ الذي كانت تَعبُدُه
في خِتامِ يَومِ القيامةِ يُساقُ العِبادُ إمَّا إلى الجَنَّةِ أو إلى النَّارِ، وقد أخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه يُطلَبُ من كُلِّ أمَّةٍ في آخِرِ ذلك اليَومِ أن تَتبَعَ الإلهَ الذي كانت تَعبُدُه.
عن أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ الله عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا كان يَومُ القيامةِ أذَّنَ مُؤَذِّنٌ ليَتبَعْ كُلُّ أمَّةٍ ما كانت تَعْبُدُ، فلا يَبقى أحَدٌ كان يَعْبُدُ غَيرَ الله سُبحانَه من الأصنامِ والأنصابِ إلَّا يَتَساقَطونَ في النَّارِ، حَتَّى إذا لَم يَبقَ إلَّا من كان يَعبُدُ اللهَ مِن بَرٍّ وفاجِرٍ وغُبَّرِ أهلِ الكِتابِ، فيُدعى اليَهودُ، فيُقالُ لهم: ما كُنتُم تَعْبُدونَ؟ قالوا: كُنَّا نَعبُدُ عُزَيرَ ابنَ اللهِ، فيُقالُ: كذَبتُم ما اتَّخَذَ اللهُ من صاحِبةٍ ولا وَلَدٍ، فماذا تَبْغونَ؟ قالوا: عَطِشْنا يا رَبَّنا، فاسْقِنا، فيُشارُ إليهم ألَا تَرِدونَ؟ فيُحشَرونَ إلى النَّارِ كأنَّها سَرابٌ يَحطِمُ بَعضُها بَعضًا، فيَتَساقَطونَ في النَّارِ، ثُمَّ يُدعى النَّصارى، فيُقالُ لهم: ما كُنتُم تَعْبُدونَ؟ قالوا: كُنَّا نَعبُدُ المَسيحَ ابنَ اللهِ، فيُقالُ لهم، كذَبتُم ما اتَّخَذَ اللهُ من صاحِبةٍ ولا وَلَدٍ، فيُقالُ لهم: ماذا تَبغُونَ؟ فيَقولونَ: عَطِشْنا يا رَبَّنا، فاسْقِنا، قال: فيُشارُ إليهم ألَا تَرِدونَ؟ فيُحشَرونَ إلى جَهنَّمَ كأنَّها سَرابٌ يَحطِمُ بَعضُها بَعضًا، فيَتَساقَطونَ في النَّارِ حَتَّى إذا لَم يَبقَ إلَّا من كان يَعبُدُ اللهَ تعالى من بَرٍّ وفاجِرٍ أتاهُمْ رَبُّ العالَمينَ سُبحانَه وتعالى في أدنى صورةٍ من التي رَأوه فيها، قال: فما تَنتَظِرونَ؟ تَتبَعُ كُلُّ أمَّةٍ ما كانت تَعْبُدُ، قالوا: يا رَبَّنا، فارَقْنا النَّاسَ في الدُّنيا أفقَرَ ما كُنَّا إليهم، ولَم نُصاحِبْهم، فيَقولُ: أنا رَبُّكم، فيَقولونَ: نَعوذُ باللهِ مِنك لا نُشرِكُ باللهِ شَيئًا مَرَّتينِ أو ثَلاثًا، حَتَّى إنَّ بَعضَهم ليَكادُ أن يَنقَلِبَ، فيَقولُ: هَل بينَكم وبينَه آيةٌ فتَعرِفونَه بها؟ فيَقولونَ: نَعَم، فيُكشَفُ عن ساقٍ فلا يَبقى من كان يَسجُدُ لله من
تِلقاءِ نَفسِه إلَّا أذِنَ اللهُ له بالسُّجودِ، ولا يَبقى من كان يَسجُدُ اتِّقاءً ورِياءً إلَّا جَعَلَ اللهُ ظَهرَه طَبَقةً واحِدةً، كُلَّما أرادَ أن يَسجُدَ خَرَّ على قَفاهُ، ثُمَّ يَرفَعونَ رُءوسَهم وقد تَحَوَّلَ في صورَتِه التي رَأوه فيها أوَّلَ مَرَّةٍ، فقال: أنا رَبُّكم، فيَقولونَ: أنتَ رَبُّنا، ثُمَّ يُضرَبُ الجِسرُ على جَهَنَّمَ، وتَحِلُّ الشَّفاعةُ، ويَقولونَ: اللهمُ سَلِّمْ، سَلِّمْ)) قيلَ: يا رَسولَ اللهِ، وما الجِسرُ؟ قال: ((دَحضٌ مَزِلةٌ، فيه خَطاطيفُ وكَلاليبُ وحَسَكٌ تَكونُ بنَجْدٍ فيها شُوَيكةٌ يُقالُ لها السَّعدانُ، فيَمُرُّ المُؤمِنونَ كطَرْفِ العينِ، وكالبَرقِ، وكالرِّيحِ، وكالطَّيرِ، وكَأجاويدِ الخَيلِ والرِّكابِ، فناجٍ مُسَلَّمٌ، ومَخدوشٌ مُرسَلٌ، ومَكدوسٌ في نارِ جَهنَّمَ)). [أخرجه البخاري (7439)، ومسلم (183) مطولًا واللَّفظُ له].
(المسألة الثانية): حَشرُ الكُفَّارِ إلى النَّارِ
جاءَت نُصوصٌ كثيرةٌ تُصَوِّرُ لَنا كيفَ يَكونُ حَشرُ الكُفَّارِ إلى النَّارِ هم وآلِهَتِهمُ التي كانوا يَعبُدونَها:
1) يُحشَرونَ كقطعانِ الماشيةِ جَماعاتٍ جَماعاتٍ، ويُنهَرونَ نَهرًا غَليظًا، ويُصاحُ بهم من هنا وهناك، كما يَفعَلُ الرَّاعي ببَقرِه أو غَنَمِه.
قال اللهُ تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا} [الزمر: 71].
قال ابنُ جَريرٍ: (يَقولُ: وحُشِرَ الذينَ كَفَروا باللهِ إلى نارِه التي أعَدَّها لهم يَومَ القيامةِ جَماعاتٍ، جَماعةً جَماعةً، وحِزبًا حِزبًا). [يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/ 264)].
وقال ابنُ كثيرٍ: (يُخبِرُ تعالى عن حالِ الأشقياءِ الكُفَّارِ كيفَ يُساقونَ إلى النَّارِ؟
وإنَّما يُساقونَ سَوقًا عنيفًا بزَجْرٍ وتَهديدٍ ووَعيدٍ، كما قال تعالى: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} [الطور:13] أي: يُدفَعونَ إليها دَفعًا. هذا وهُم عِطاشٌ ظِمَاءٌ، كما قال في الآيةِ الأُخرى: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا} [مريم: 85، 86]. وهم في تلك الحالِ صُمٌّ وبُكْمٌ وعُمْيٌ، منهم مَن يَمشي على وَجْهِه، {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَاوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} [الإسراء:97]) [يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (7/ 118)].
وقال السَّعديُّ: ({وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ} أي: سَوقًا عنيفًا، يُضرَبونَ بالسِّياطِ الموجِعةِ من الزَّبانيةِ الغِلاظِ الشِّدَادِ، إلى شَرِّ مَحبِسٍ وأفظَعِ مَوضِعٍ، وهيَ جَهنَّمُ التي قد جَمَعتْ كُلَّ عَذَابٍ، وحَضَرَها كُلُّ شَقَاءٍ، وزالَ عنها كُلُّ سُرورٍ، كما قال تعالى: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا}، أي: يُدفَعونَ إليها دَفعًا، وذلك لامتِناعِهم من دُخولِها.
ويُساقونَ إليها {زُمَرًا} أي: فِرَقًا مُتَفَرِّقةً، كُلُّ زُمرةٍ مَعَ الزُّمرةِ التي تُناسِبُ عَمَلَها، وتُشاكِلُ سَعْيَها، يَلعَنُ بَعضُهم بَعضًا، ويَبرَأُ بَعضُهم من بَعضٍ). [يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 730)].
وقال اللهُ سُبحانَه: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} [الطور: 13]،
قال السَّمعانيُّ: (أي: يُدفَعونَ في نارِ جَهَنَّمَ. وقَولُه: {دَعًّا} أي: دَفعًا. والدَّعُّ في اللُّغةِ: هو الدَّفعُ بشِدَّةٍ وعُنفٍ) [يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (5/ 269)].
وقال البَغَويُّ: ({يَوْمَ يُدَعُّونَ} يُدفَعونَ، {إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} دَفعًا بعُنفٍ وجَفوةٍ، وذلك أنَّ خَزَنةَ جَهَنَّمَ يَغُلُّونَ أيديَهم إلى أعناقِهم، ويَجمَعونَ نَواصيَهم إلى أقدامِهم، ثُمَّ يَدفَعونَهم إلى النَّارِ دَفعًا على وُجوهِهم، وزَجًّا في أقفيَتِهم حَتَّى يَرِدوا النَّارَ).
وقال اللهُ عَزَّ وجلَّ: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} [فصلت: 19].
قال ابنُ كثيرٍ: (يَقولُ تعالى: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ}، أي: اذكُرْ لهؤلاء المُشرِكينَ يَومَ يُحشَرونَ إلى النَّارِ {يُوزَعُونَ}، أي: تَجمَعُ الزَّبانيَةُ أوَّلَهم على آخِرِهم، كما قال تعالى: {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا} [مَريم: 86] أي: عِطاشًا).
وقال السَّعديُّ: (أي: يَرِدُ أوَّلُهم على آخِرِهم، ويَتْبَعُ آخِرُهم أوَّلَهم، ويُساقونَ إليها سَوقًا عنيفًا، لا يَستَطيعونَ امتِناعًا، ولا يَنصُرونَ أنفُسَهم، ولا هم يُنصَرونَ).
2) يُحشَرونَ إلى النَّارِ على وُجوهِهم، لا كما كانوا يَمشونَ في الدُّنيا على أرجُلِهم.
قال القُرطُبيُّ: (((وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ)) فيه وجهانِ:
أحَدُهما: أنَّ ذلك عِبارةٌ عن الإسراعِ بهم إلى جَهَنَّمَ، من قَولِ العَربِ: قَدِمَ القَومُ على وُجوههم: إذا أسرَعوا.
الثَّاني: أنَّهم يُسحَبونَ يَومَ القيامةِ على وُجوهِهم إلى جَهَنَّمَ كما يُفعَلُ في الدُّنيا بمَن يُبالَغَ في هَوانِه وتَعذيبِه. وهذا هو الصَّحيحُ؛ لحَديثِ أنسٍ …. [يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (10/ 333)].
3) يُحشَرونَ عُمْيًا لا يَرَونَ، وبُكْمًا لا يَتَكَلَّمونَ، وصُمًّا لا يَسمَعونَ.
قال اللهُ سُبحانَه: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَّاوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} [الإسراء: 97].
قال القُرطُبيُّ: ({عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا} قال ابنُ عَبَّاسٍ والحَسَنُ: أيْ: عُمْيٌ عَمَّا يُسِرُّهم، بُكمٌ عن التَّكَلُّمِ بحُجَّةٍ، صُمٌّ عَمَّا يَنفَعُهم، وعلى هذا القَولِ حَواسُّهم باقيةٌ على ما كانت عليه.
وقيلَ: إنَّهم يُحشَرونَ على الصِّفةِ التي وصَفَهمُ اللهُ بها؛ ليَكونَ ذلك زيادةً في عَذابِهم، ثُمَّ يُخلَقُ ذلك لهم في النَّارِ، فأبصَروا؛ لقَولِه تعالى: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا}، وتَكَلَّموا؛ لِقَولِه تعالى: {دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا}، وسَمِعوا؛ لقَولِه تعالى: {سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا}. وقال مُقاتِلُ بن سُلَيمان: إذا قيلَ لهم: {اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} صاروا {عُمْيًا} لا يُبصِرونَ، {صُمًّا} لا يَسمَعونَ، {بُكْمًا} لا يَفقَهونَ.
وقيلَ: عَمُوا حينَ دَخَلوا النَّارَ لشِدَّةِ سَوادِها، وانقَطَعَ كلامُهم حينَ قيلَ لهم: {اخْسَئُوا فِيَها وَلَا تُكَلِّمُونِ}. وذَهَبَ الزَّفيرُ والشَّهيقُ بسَمعِهم فلَم يَسمَعوا شَيئًا). [يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (10/ 333)].
4) يُحشَرونَ مَعَ آلِهَتِهمُ الباطِلةِ وأعوانِهم وأتباعِهم.
قال اللهُ عَزَّ وجلَّ: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 22 – 23].
قال ابنُ جَريرٍ: (مَعنى ذلك: اجمَعوا {الذينَ} كَفَروا باللهِ في الدُّنيا وعَصَوه وأزواجَهم وأشياعَهم على ما كانوا عليه من الكُفرِ بالله، {وما كانوا يَعبُدونَ من دونِ الله} من الآلِهةِ) [يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/ 519)].
وقال السَّمعانيُّ: (قَولُه: {وَأَزْوَاجَهُمْ} أي: وأشباهَهم، وقيلَ: وقُرَناءَهم، ويُقالُ: وأتباعَهم. وقَولُه: وَمَا كَانُوا يَعبِدونَ من دونِ الله من الأصنامِ، وقَولُه تعالى: فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِراطِ الْجَحِيمِ أي: أرشِدوهم إلى طَريقِ النَّارِ) [يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (4/ 396)].
وقال اللهُ تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا وَإِنْ مِنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم: 68 – 72].
قال ابنُ كثيرٍ: (قَولُه: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ} أقسمَ الرَّبُّ تَبارَك وتعالى، بنَفسِه الكَريمةِ، أنَّه لا بُدَّ أن يَحشُرَهم جَميعًا وشياطينَهم الذينَ كانوا يَعبُدونَ من دونِ الله، {ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا}. قال العَوفيُّ عن ابنِ عَباسٍ: يَعني: قُعودًا، كقَولِه: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً} [الجاثية: 28] … ، وقَولُه: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ} يَعني: من كُلِّ أمَّةٍ، قاله مُجاهِدٌ، {أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا}. قال الثَّوريُّ: عن عليِّ بنِ الأقمَرِ، عن أبي الأحوَصِ، عن ابنِ مَسعودٍ قال: يُحبَسُ الأوَّلُ على الآخِرِ، حَتَّى إذا تَكامَلَتِ العِدَّةُ، أتاهَمُ جَميعًا، ثُمَّ بَدَأ بالأكابِرِ، فالأكابِرِ جُرمًا، وهو قَولُه: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا}. وقال قتادةُ: {ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا}، قال: {ثُمَّ لنَنزِعَنَّ} من أهلِ كُلِّ دِينٍ قادَتَهم ورُؤساءَهم في الشَّرِّ. وكَذا قال ابنُ جُرَيجٍ، وغَيرُ واحِدٍ من السَّلَفِ. وهذا كقَولِه تعالى: {حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ * وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} [الأعراف: 38، 39].
وقَولُه: {ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا}، “ثُمَّ” هاهنا لعَطفِ الخَبَرِ على الخَبَرِ، والمُرادُ: أنَّه تعالى أعلَمُ بمَن يَستَحِقُّ من العِبادِ أن يَصلى بنارِ جَهَنَّمَ ويُخلَّدُ فيها، وبِمَن يَستَحِقُّ تَضعيفَ العَذابِ؛ كما قال في الآيةِ المُتَقَدِّمةِ: {قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ}). [يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (5/ 251 – 257)].
5) قَبلَ أن يَصِلوا إلى النَّارِ تَصِلُ إلى مَسامِعِهم أصَواتُها التي تَملَأ قُلوبَهم رُعبًا وهَلَعًا.
قال اللهُ سُبحانَه: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا} [الفرقان: 12].
قال ابنُ جَريرٍ: ({إذا رَأتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعيدٍ} يَقولُ: إذا رَأتْ هذه النَّارُ التي أعتَدْناها لهؤلاء المُكَذِّبينَ أشخاصَهم من مَكانٍ بَعيدٍ، (تَغَيَّظتْ عليهم)؛ وذلك أن تَغلِيَ وتَفورَ. يُقالُ: فلانٌ تَغَيَّظَ على فُلانٍ: وذلك إذا غَضِبَ عليه فغَلى صَدرُه من الغَضَبِ عليه، وتَبَينَ في كلامِه. {وزَفيرًا}، وهو صَوتُها. فإنْ قال قائِلٌ: وكَيفَ قيلَ: {سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا} والتَّغَيُّظُ: لا يُسمَعُ؟ قيلَ: مَعنى ذلك: سَمِعوا لها صَوتَ التَّغَيُّظِ، من التَّلَهُّبِ والتَّوَقُّدِ). [يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/ 408)].
6) عِندَما يَبلُغونَ النَّارَ، ويُعاينونَ أهوالَها، يَندَمونَ ويَتَمَنَّونَ العَودةَ إلى الدُّنيا كي يُؤمِنوا.
قال اللهُ عَزَّ وجلَّ: {وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنعام: 27].
قال ابنُ القَيِّمِ: (مَعنى الآيةِ -والله أعلَمُ بما أرادَ من كلامِه-: أنَّ هؤلاء المُشرِكينَ لَمَّا وُقِفوا على النَّارِ، وعاينوها وعَلِموا أنَّهم داخِلوها، تَمَنَّوا أنَّهم يُرَدُّونَ إلى الدُّنيا فيُؤمِنونَ بالله وآياتِه، ولا يَعودونَ إلى تَكذيبِ رُسُلِه) [يُنظر: ((التفسير القيم)) (ص: 241)].
وقال ابنُ كثيرٍ: (يَذكُرُ تعالى حالَ الكُفَّارِ إذا وُقِفوا يَومَ القيامةِ على النَّارِ، وشاهدوا ما فيها من السَّلاسِلِ والأغلالِ، ورَأوا بأعيُنِهم تلك الأمورَ العِظامَ والأهوالَ، فعِندَ ذلك {قالوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} يَتَمَنَّونَ أن يُرَدُّوا إلى الدَّارِ الدُّنيا، ليَعمَلوا عَمَلًا صالِحًا، ولا يُكذِّبوا بآياتِ رَبِّهم ويَكُونوا من المُؤمِنينَ). [يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (3/ 248)].
ولَكِنَّهم لا يَجِدونَ من النَّارِ مَفَرًّا، كما قال اللهُ سُبحانَه: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا} [الكهف: 53].
قال ابنُ جَريرٍ: (قَولُه: {ورَأى المُجرِمونَ النَّارَ} يَقولُ: وعاينَ المُشْرِكونَ النَّارَ يومَئِذٍ {فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوهَا} يَقولُ: فعَلِموا أنَّهم داخِلوها … وقَولُه: {وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا} يَقولُ: ولَم يَجِدوا عن النَّارِ التي رَأوا مَعْدِلًا يَعدِلونَ عنها إليه. يَقولُ: لَم يَجِدوا من مُواقَعَتِها بُدًّا؛ لأنَّ الله قد حَتَمَ عليهم ذلك). [يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/ 299)].
وقال السَّعديُّ: (أي: لَمَّا كان يَومُ القيامةِ وحَصَلَ من الحِسابِ ما حَصَلَ، وتَمَيَّز كُلُّ فريقٍ من الخَلقِ بأعمالِهم، وحَقَّتْ كلِمةُ العَذابِ على المُجرِمينَ، فرَأوا جَهَنَّمَ قَبلَ دُخولِها، فانزَعَجوا واشتَدَّ قَلقُهم لظَنِّهم أنَّهم مُواقِعوها، وهذا الظَّنُّ قال المُفَسِّرونَ: إنَّه بمَعنى اليَقينِ، فأيقَنوا أنَّهم داخِلوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا أي: مَعْدِلًا يَعدِلونَ إليه، ولا شافِعَ لهم من دونِ إذْنِه، وفي هذا من التَّخويفِ والتَّرهيبِ ما تَرعَدُ له الأفئِدةُ والقُلوبُ) [يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 480)].
7) يُؤمَرونَ بالدُّخولِ في النَّارِ وغَضبِ الجَبَّارِ أذلَّاءَ خاسِرينَ.
قال اللهُ تعالى: {فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} [النحل: 29].
قال ابنُ جَريرٍ: (يَقولُ تعالى ذِكرُه، يَقولُ لهؤلاء الظَّلَمةِ أنفُسَهم حينَ يَقولونَ لرَبهم: ما كُنَّا نَعمَلُ من سوءٍ: ادخُلوا أبوابَ جَهنَّمَ، يَعني: طَبَقاتِ جَهَنَّمَ خَالِدينَ فيها يَعني: ماكثينَ فيها، فلَبِئْسَ مَثوى المُتَكَبِّرينَ يَقولُ: فلَبِئْسَ مَنزِلُ من تَكبَّرَ على الله، ولَم يُقِرَّ برَبوبيَّتِه، ويُصَدِّقْ بوَحدانيَّتِه «جَهَنَّمُ»!) [يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/ 209)].
وقال السَّعديُّ: (فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ كُلُّ أهلِ عَمَلٍ يَدخُلونَ من البابِ اللائِقِ بحالِهم، فلَبِئْسَ مَثوى المُتَكَبِّرينَ نارُ جَهَنَّمَ؛ فإنَّها مَثوى الحَسرةِ والنَّدَمِ، ومَنزِلُ الشَّقاءِ والألمِ، ومَحَلُّ الهمومِ والغُمومِ، ومَوضِعُ السَّخطِ من الحَيِّ القَيُّومِ، لا يُفتَّرُ عنهم من عَذابِها، ولا يُرفَعُ عنهم يَومًا من أليمِ عِقابِها، قد أعرَضَ عنهمُ الرَّبُّ الرَّحيمُ، وأذاقَهمُ العَذابَ العَظيمَ) [يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 439)]. [الموسوعة العقدية- الدرر].